فصل: تفسير الآيات (14- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.سورة الملك:

مكية، وتسمى الواقية والمنجية لأنها تقي قارئها وتنجيه من عذاب القبر، وآيها ثلاثون آية.

.تفسير الآيات (1- 5):

{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)}
{تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك} بقبضة قدرته التصرف في الأمور كلها. {وَهُوَ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ} على كل ما يشاء قدير.
{الذى خَلَقَ الموت والحياة} قدرهما أو أوجد الحياة وأزالها حسبما قدره، وقدم الموت لقوله: {وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم} ولأنه أدعى إلى حسن العمل. {لِيَبْلُوَكُمْ} ليعاملكم المختبر بالتكليف أيها المكلفون. {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أصوبه وأخلصه، وجاء مرفوعاً: «أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعته» جملة واقعة موقع المفعول ثانياً لفعل البلوى المتضمن معنى العلم، وليس هذا من باب التعليق لأنه يخل به وقوع الجملة خبراً لما لا يعلق الفعل عنها بخلاف ما إذا وقعت موقع المفعولين. {وَهُوَ العزيز} الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل. {الغفور} لمن تاب منهم.
{الذى خَلَقَ سَبْعَ سموات طِبَاقاً} مطابقة بعضها فوق بعض مصدر طابقت النعل إذا خلطتها طبقاً على طبق وصف به، أو طوبقت طباقاً أو ذات طباق جمع طبق كجبل وجبال، أو طبقة كرحبة ورحاب. {مَّا ترى في خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت} وقرأ حمزة والكسائي {من تفوت} ومعناهما واحد كالتعاهد والتعهد، وهو الاختلاف وعدم التناسب من الفوت كأن كلا من المتفاوتين فات عنه بعض ما في الآخر، والجملة صفة ثانية ل {سَبْعَ} وضع فيها خلق الرحمن موضع الضمير للتعظيم، والإِشعار بأنه تعالى يخلق مثل ذلك بقدرته الباهرة رحمة وتفضلاً، وأن في إبداعها نعماً جليلة لا تحصى، والخطاب فيها للرسول أو لكل مخاطب وقوله: {فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ} متعلق به على معنى التسبب أي قد نظرت إليها مراراً فانظر إليها مرة أخرى متأملاً فيها لتعاين ما أخبرت به من تناسبها واستقامتها واستجماعها ما ينبغي لها، وال {فُطُورٍ} الشقوق والمراد الخلل من فطره إذا شقه.
{ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ} أي رجعتين أخريين في ارتياد الخلل والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما في لبيك وسعديك، ولذلك أجاب الأمر بقوله: {يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا} بعيداً عن إصابة المطلوب كأنه طرد عنه طرداً بالصغار {وَهُوَ حَسِيرٌ} كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة.
{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السماء الدنيا} أقرب السموات إلى الأرض. {بمصابيح} بالكواكب المضيئة بالليل إضاءة السرج فيها، والتنكير للتعظيم ولا يمنع ذلك كون بعض الكواكب مركوزة في سموات فوقها إذ التزيين بإظهارها فيها. {وجعلناها رُجُوماً للشياطين} وجعلنا لها فائدة أخرى وهي رجم أعدائكم، والرجوم جمع رجم بالفتح وهو مصدر سمي به ما يرجم به بانقضاض الشهب المسببة عنها. وقيل معناه وجعلناها رجوماً وظنوناً لشياطين الإِنس وهم المنجمون. {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير} في الآخرة بعد الإِحراق بالشهب في الدنيا.

.تفسير الآيات (6- 13):

{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)}
{والذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ} من الشياطين وغيرهم. {عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المصير} وقرئ بالنصب على أن {لِلَّذِينَ} عطف على {لَهُمْ} و{عَذَابِ} على {عَذَابِ السعير}.
{إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا} صوتاً كصوت الحمير. {وَهِىَ تَفُورُ} تغلي بهم غليان المرجل بما فيه.
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ} تتفرق غيظاً عليهم، وهو تمثيل لشدة اشتعالها بهم، ويجوز أن يراد غيظ الزبانية. {كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ} جماعة من الكفرة. {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} يخوفكم هذا العذاب وهو توبيخ وتبكيت.
{قَالُواْ بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شَئ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ في ضلال كَبِيرٍ} أي فكذبنا الرسل وأفرطنا في التكذيب حتى نفينا الإِنزال والإِرسال رأساً، وبلغنا في نسبتهم إلى الضلال، فالنذير إما بمعنى الجمع لأنه فعيل أو مصدر مقدر بمضاف أي أهل إنذار، أو منعوت به للمبالغة أو الواحد والخطاب له ولأمثاله على التغليب، أو إقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل، أو على أن المعنى قالت الأفواج قد جاء إلى كل فوج منا رسول من الله فكذبناهم وضللناهم، ويجوز أن يكون الخطاب من كلام الزبانية للكفار على إرادة القول فيكون الضلال ما كانوا عليه في الدنيا، أو عقابه الذي يكونون فيه.
{وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} كلام الرسل فنقبله جملة من غير بحث وتفتيش اعتماداً على ما لاح من صدقهم بالمعجزات. {أَوْ نَعْقِلُ} فنتفكر في حكمه ومعانيه تفكر المستبصرين. {مَا كُنَّا في أصحاب السعير} في عدادهم ومن جملتهم.
{فاعترفوا بِذَنبِهِمْ} حين لا ينفعهم، والاعتراف إقرار عن معرفة، والذنب لم يجمع لأنه في الأصل مصدر، أو المراد به الكفر. {فَسُحْقًا لأصحاب السعير} فأسحقهم الله سحقاً أبعدهم من رحمته، والتغليب للإِيجاز والمبالغة والتعليل وقرأ الكسائي بالتثقيل.
{إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب} يخافون عذابه غائباً عنهم لم يعاينوه بعد، أو غائبين عنه أو عن أعين الناس، أو بالمخفي منهم وهو قلوبهم. {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم. {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} تصغر دونه لذائذ الدنيا.
{وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} بالضمائر قبل أن يعبر عنها سراً أو جهراً.

.تفسير الآيات (14- 22):

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)}
{أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} ألا يعلم السر والجهر من أوجد الأشياء حسبما قدرته حكمته. {وَهُوَ اللطيف الخبير} المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن، أو ألا يعلم الله من خلقه، وهو بهذه المثابة والتقييد بهذه الحال يستدعي أن يكون ل {يَعْلَمْ} مفعول ليفيد، روي: أن المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء، فيخبر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فيقولون: أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فنبه الله على جهلهم.
{هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً} لينة يسهل لكم السلوك فيها. {فامشوا في مَنَاكِبِهَا} في جوانبها أو جبالها، وهو مثل لفرط التذليل فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب ولا يتذلل له، فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شيء لم يتذلل. {وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ} والتمسوا من نعم الله. {وَإِلَيْهِ النشور} المرجع فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم.
{أَأَمِنْتُمْ مَنْ في السماء} يعني الملائكة الموكلين على تدبير هذا العالم، أو الله تعالى على تأويل {مَّن في السماء} أمره أو قضاؤه، أو على زعم العرب فإنهم زعموا أنه تعالى في السماء، وعن ابن كثير {وامنتم} بقلب الهمزة الأولى واواً لانضمام ما قبلها، {وآمنتم} بقلب الثانية ألفاً، وهو قراءة نافع وأبي عمرو ورويس. {أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض} فيغيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل الاشتمال. {فَإِذَا هي تَمُورُ} تضطرب، والمور التردد في المجيء والذهاب.
{أَمْ أَمِنتُمْ مّن في السماء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصبا} أن يمطر عليكم حصباء. {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} كيف إنذاري إذا شاهدتم المنذر به ولكن لا ينفعكم العلم حينئذ.
{وَلَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ} إنكاري عليهم بإنزال العذاب، وهو تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد لقومه المشركين.
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صافات} باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها، فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها. {وَيَقْبِضْنَ} ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن وقتاً بعد وقت للاستظهار به على التحريك، ولذلك عدل به إلى صيغة الفعل للتفرقة بين الأصل في الطيران والطارئ عليه. {مَا يُمْسِكُهُنَّ} في الجو على خلاف الطبع. {إِلاَّ الرحمن} الشامل رحمته كل شيء بأن خلقهن على أشكال وخصائص هيأتهن للجري في الهواء. {إِنَّهُ بِكُلّ شَئ بَصِيرٌ} يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبر العجائب.
{أَمَّنْ هذا الذي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مّن دُونِ الرحمن} عديل لقوله: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} على معنى أو لم تنظروا في أمثال هذه الصنائع، فلم تعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو خسف وإرسال حاصب، أم لكم جند ينصركم من دون الله إن أرسل عليكم عذابه فهو كقوله: {أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا} إلا أنه أخرج مخرج الاستفهام عن تعيين من ينصرهم إشعاراً بأنهم اعتقدوا هذا القسم، و{مِنْ} مبتدأ و{هذا} خبره و{الذى} بصلته صفته و{يَنصُرْكُمُ} وصف ل {جُندٌ} محمول على لفظه. {إِنِ الكافرون إِلاَّ في غُرُورٍ} لا معتمد لهم.
{أَمَّنْ هذا الذي يَرْزُقُكُمْ} أم من يشار إليه ويقال: {هذا الذي يَرْزُقُكُمْ}. {إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} بإمساك المطر وسائر الأسباب المخلصة والموصلة له إليكم. {بَل لَّجُّواْ} تمادوا. {فِى عُتُوّ} عناد. {وَنُفُورٍ} شراد عن الحق لتنفر طباعهم عنه.
{أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً على وَجْهِهِ أهدى} يقال كببته فأكب وهو من الغرائب كقشع الله السحاب فأقشع، والتحقيق أنهما من باب أنفض بمعنى صار ذا كب وذا قشع، وليس مطاوعي كب وقشع بل المطاوع لهما أنكب وانقشع، ومعنى {مُكِبّاً} أنه يعثر كل ساعة ويخر على وجهه لوعورة طريقه واختلاف أجزائه، ولذلك قابله بقوله: {أَمَّن يَمْشِى سَوِيّاً} قائماً سالماً من العثار. {على صراط مُّسْتَقِيمٍ} مستوي الأجزاء والجهة، والمراد تمثيل المشرك والموحد بالسالكين والدينين بالمسلكين، ولعل الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقاً، كمشي المتعسف في مكان متعاد غير مستو. وقيل المراد بالمكب الأعمى فإنه يتعسف فينكب وبالسوي البصير، وقيل من {يَمْشِى مُكِبّاً} هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ومن {يَمْشِى سَوِيّاً} الذي يحشر على قدميه إلى الجنة.

.تفسير الآيات (23- 30):

{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)}
{قُلْ هُوَ الذي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السمع} لتسمعوا المواعظ. {والأبصار} لتنظروا صنائعه. {والأفئدة} لتتفكروا وتعتبروا. {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} باستعمالها فيما خلقت لأجلها.
{قُلْ هُوَ الذي ذَرَأَكُمْ في الأضرض وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} للجزاء.
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} أي الحشر أو ما وعدوا به من الخسف والحاصب. {إِن كُنتُمْ صادقين} يعنون النبي عليه الصلاة والسلام والمؤمنين.
{قُلْ إِنَّمَا العلم} أي علم وقته. {عَندَ الله} لا يطلع عليه غيره. {وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} والإِنذار يكفي فيه العلم بل الظن بوقوع المحذر منه.
{فَلَمَّا رَأَوْهُ} أي الوعد فإنه بمعنى الموعود. {زُلْفَةً} ذا زلفة أي قرب منهم. {سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ} بأن علتها الكآبة وساءتها رؤية العذاب. {وَقِيلَ هذا الذي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ} تطلبون وتستعجلون تفتعلون من الدعاء، أو {تَدْعُونَ} أن لا بعث فهو من الدعوى.
{قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ الله} أماتني. {وَمَن مَّعِىَ} من المؤمنين. {أَوْ رَحِمَنَا} بتأخير آجالنا. {فَمَن يُجِيرُ الكافرين مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} أي لا ينجيهم أحد من العذاب متنا أو بقينا، وهو جواب لقولهم {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} {قُلْ هُوَ الرحمن} الذي أدعوكم إليه مولى النعم كلها. {آمَنَّا بِهِ} للعلم بذلك {وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} للوثوق عليه والعلم بأن غيره بالذات لا يضر ولا ينفع، وتقديم الصلة للتخصيص والإِشعار به. {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ في ضلال مُّبِينٍ} منا ومنكم، وقرأ الكسائي بالياء.
{قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً} غائراً في الأرض بحيث لا تناله الدلاء مصدر وصف به. {فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَّعِينٍ} جار أو ظاهر سهل المأخذ.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الملك فكأنما أحيا ليلة القدر».