فصل: تفسير الآيات (54- 66):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (47):

{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)}
{وَنَزَعْنَا} في الدنيا بما ألف بين قلوبهم، أو في الجنة بتطييب نفوسهم. {مَا في صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} من حقد كان في الدنيا وعن علي رضي الله تعالى عنه: أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم، أو من التحاسد على درجات الجنة ومراتب القرب. {إِخْوَانًا} حال من الضمير في جنات، أو فاعل ادخلوها أو الضمير في آمنين أو الضمير المضاف إليه، والعامل فيها معنى الإِضافة وكذا قوله: {على سُرُرٍ متقابلين} ويجوز أن يكونا صفتين لإِخواناً أو حال من ضميره لأنه بمعنى متصافين، وأن يكون متقابلين حالاً من المستقر في على سرر.

.تفسير الآية رقم (48):

{لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)}
{لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} استئناف أو حال بعد حال، أو حال من الضمير في متقابلين. {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} فإن تمام النعمة بالخلود.

.تفسير الآيات (49- 52):

{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)}
{نَبّئ عِبَادِى أَنِّى أَنَا الغفور الرحيم وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ العذاب الاليم} فذلكة ما سبق من الوعد والوعيد وتقرير له، وفي ذكر المغفرة دليل على أنه لم يرد بالمتقين من يتقي الذنوب بأسرها كبيرها وصغيرها، وفي توصيف ذاته بالغفران والرحمة دون التعذيب ترجيح الوعد وتأكيده وفي عطف. {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} على {نَبِّئ عِبَادِى} تحقيق لهما بما يعتبرون به.
{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا} أي نسلم عليك سلاماً أو سلمنا سلاماً. {قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} خائفون وذلك لأنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت، ولأنهم امتنعوا من الأكل والوجل اضطراب النفس لتوقع ما تكره.

.تفسير الآية رقم (53):

{قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)}
{قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ} وقرئ: {لا تأجل} من أوجله و{لا توجل} من أوجله {ولا تواجل} من واجله بمعنى أوجله. {إِنَّا نُبَشِّرُكَ} استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل، فإن المبشر لا يخاف منه. وقرأ حمزة نبشرك بفتح النون والتخفيف من البشر. {بغلام} هو إسحاق عليه السلام لقوله: {وبشرناه بإسحاق} {عَلِيمٍ} إذا بلغ.

.تفسير الآيات (54- 66):

{قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) فَلَمَّا جَاءَ آَلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)}
{قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى على أَن مَّسَّنِىَ الكبر} تعجب من أن يولد له مع مس الكبر إياه، أو إنكار لأن يبشر به في مثل هذه الحالة وكذا قوله: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} أي فبأي أعجوبة تبشرون، أو فبأي شيء تبشرون فإن البشارة بما لا يتصور وقوعه عادة بشارة بغير شيء، وقرأ ابن كثير بكسر النون مشددة في كل القرآن على إدغام نون الجمع في نون الوقاية وكسرها وقرأ نافع بكسرها مخففة على حذف نون الجمع استثقالاً لإِجتماع المثلين ودلالة بإبقاء نون الوقاية وكسرها على الياء. {قَالُواْ بشرناك بالحق} بما يكون لا محالة، أو باليقين الذي لا لبس فيه أو بطريقة هي حق وهو قول الله تعالى وأمره. {فَلاَ تَكُن مِّنَ القانطين} من الآيسين من ذلك فإنه تعالى قادر على أن يخلق بشراً من غير أبوين فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر، وكان استعجاب إبراهيم عليه السلام باعتبار العادة دون القدرة ولذلك: {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضآلون} المخطئون طريق المعرفة فلا يعرفون سعة رحمة الله تعالى وكمال علمه وقدرته كما قال تعالى: {إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلا القَوْمُ الكَافِرُونَ} وقرأ أبو عمرو والكسائي يقنط بالكسر، وقرئ بالضم وماضيهما قنط بالفتح.
{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون} أي فما شأنكم الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة، ولعله علم أن كمال المقصود ليس البشارة لأنهم كانوا عدداً والبشارة لا تحتاج إلى العدد، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم عليهما السلام، أو لأنهم بشروه في تضاعيف الحال لإزالة الوجل ولو كانت تمام المقصود لابتدؤوا بها.
{قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} يعني قوم لوط.
{إِلا ءَالَ لُوطٍ} إن كان استثناء من {قَوْمٌ} كان منقطعاً إذ ال {قَوْمٌ} مقيد بالإِجرام وإن كان استثناء من الضمير في {مُّجْرِمِينَ} كان متصلاً، والقوم والإِرسال شاملين للمجرمين، و{آلَ لُوطٍ} المؤمنين به وكأن المعنى: إنا أرسلنا إلى قوم أجرم كلهم إلا آل لوط منهم لنهلك المجرمين وننجي آل لوط منهم، ويدل عليه قوله: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} أي مما يعذب به القوم، وهو استئناف إذا اتصل الاستثناء ومتصل بآل لوط جار مجرى خبر لكن إذا انقطع وعلى هذا جاز أن يكون قوله: {إِلاَّ امرأته} استثناء من {آلًَ لُوطٍ}، أو من ضميرهم، وعلى الأول لا يكون إلا من ضميرهم لاختلاف الحكمين اللهم إلا أن يجعل {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} اعتراضاً، وقرأ حمزة والكسائي {لَمُنْجُوهُمْ} مخففاً. {قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} الباقين مع الكفرة لتهلك معهم. وقرأ أبو بكر عن عاصم {قََدَرْنا} هنا وفي (النمل) بالتخفيف، وإنما علق والتعليق من خواص أفعال القلوب لتضمنه معنى العلم.
ويجوز أن يكون {قَدَّرْنَآ} أجري مجرى قلنا لأن التقدير بمعنى القضاء قول، وأصله جعل الشيء على مقدار غيره وإسنادهم إياه إلى أنفسهم. وهو فعل الله سبحانه وتعالى لما لهم من القرب والاختصاص به.
{فَلَمَّا جَآء ءالَ لُوطٍ المرسلون قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} تنكركم نفسي وتنفر عنكم مخافة أن تطرقوني بِشَرٍ.
{قَالُواْ بَلْ جئناك بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ} أي ما جئناك بما تنكرنا لأجله بل جئناك بما يسرك ويشفي لك من عدوك، وهو العذاب الذي توعدتهم به فيمترون فيه.
{وآتيناك بالحق} باليقين من عذابهم. {وِإِنَّا لصادقون} فيما أخبرناك به.
{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} فاذهب بهم في الليل، وقرأ الحجازيان بوصل الهمزة من السرى وهما بمعنى وقرئ: {فسر} من السير. {بِقِطْعٍ مِّنَ اليل} في طائفة من الليل وقيل في آخره قال:
افتَحِي البَابَ وَانْظُرِي فِي النُّجُوم ** كَمْ عَلَيْنَا مِنْ قِطَعٍ لَيْلٍ بَهِيمِ

{واتبع أدبارهم} وكن على أثرهم تذودهم وتسرع بهم وتطلع على حالهم. {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} لينظر ما وراءه فيرى من الهول ما لا يطيقه أو فيصيبه ما أصابهم أو ولا ينصرف أحدكم ولا يتخلف امرؤ لغرض فيصيبه العذاب. وقيل نهوا عن الالتفات ليوطنوا نفوسهم على المهاجرة. {وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} إلى حيث أمركم الله بالمضي إليه، وهو الشام أو مصر فعدي {وامضوا} إلى {حَيْثُ تُؤْمَرُون} إلى ضميره المحذوف على الاتساع.
{تُؤْمَرُونَ وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ} أي وأوحينا إليه مقضياً، ولذلك عدي بإلى. {ذَلِكَ الامر} مبهم يفسره. {إِنَّ دَابِرَ هَؤُلآْء مَقْطُوعٌ} ومحله النصب على البدل منه وفي ذلك تفخيم للآمر وتعظيم له. وقرئ بالكسر على الاستئناف والمعنى: أنهم يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد. {مُّصْبِحِينَ} داخلين في الصبح وهو حال من هؤلاء، أو من الضمير في مقطوع وجمعه للحمل على المعنى. ف {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآْء} في معنى مدبري هؤلاء.

.تفسير الآية رقم (67):

{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67)}
{وَجَآء أَهْلُ المدينة} سدوم. {يَسْتَبْشِرُونَ} بأضياف لوط طمعاً فيهم.

.تفسير الآية رقم (68):

{قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68)}
{قَالَ إِنَّ هَؤُلآء ضَيْفِى فَلاَ تَفْضَحُونِ} بفضيحة ضيفي فإن من أسيء إلى ضيفه فقد أسيء إليه.

.تفسير الآية رقم (69):

{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69)}
{واتقوا الله} في ركوب الفاحشة. {وَلاَ تُخْزُونِ} ولا تذلوني بسببهم من الخزي وهو الهوان، أو لا تخجلوني فيهم من الخزاية وهو الحياء.

.تفسير الآية رقم (70):

{قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70)}
{قَالُواْ أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالمين} على أن تجير منهم أحداً أو تمنع بيننا وبينهم، فإنهم كانوا يتعرضون لكل احد وكان لوط يمنعهم عنه بقدر وسعه، أو عن ضيافة الناس وإنزالهم.

.تفسير الآية رقم (71):

{قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71)}
{قَالَ هؤلاءآء بَنَاتِى} يعني نساء القوم فإن نبي كل أُمة بمنزلة أبيهم، وفيه وجوه ذكرت في سورة (هود). {إِن كُنتُمْ فاعلين} قضاء الوطر أو ما أقول لكم.

.تفسير الآية رقم (72):

{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)}
{لَعَمْرُكَ} قسم بحياة المخاطب والمخاطب في هذا القسم هو النبي عليه الصلاة والسلام وقيل لوط عليه السلام قالت الملائكة له ذلك، والتقدير لعمرك قسمي، وهو لغة في العمر يختص به القسم لإِيثار الأخف فيه لأنه كثير الدور على ألسنتهم. {إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ} لفي غوايتهم أو شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين خطئهم والصواب الذي يشار به إليهم. {يَعْمَهُونَ} يتحيرون فكيف يسمعون نصحك. وقيل الضمير لقريش والجملة اعتراض.

.تفسير الآية رقم (73):

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73)}
{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} يعني صيحة هائلة مهلكة. وقيل صيحة جبريل عليه السلام. {مُشْرِقِينَ} داخلين في وقت شروق الشمس.

.تفسير الآية رقم (74):

{فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)}
{فَجَعَلْنَا عاليها} عالي المدينة أو عالي قراهم. {سَافِلَهَا} وصارت منقلبة بهم. {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} من طين متحجر أو طين عليه كتاب من السجل، وقد تقدم مزيد بيان لهذه القصة في سورة (هود).

.تفسير الآيات (75- 86):

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)}
{إِنَّ في ذَلِكَ لآيات لِلْمُتَوَسِّمِينَ} للمتفكرين المتفرسين الذين يتشبثون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشيء بسمته.
{وَإِنَّهَا} وإن المدينة أو القرى. {لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} ثابت يسلكه الناس ويرون آثارها.
{إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ} بالله ورسله.
{وَإِن كَانَ أصحاب الأيكة لظالمين} هم قوم شعيب كانوا يسكنون الغيضة فبعثه الله إليهم فكذبوه فأهلكوا بالظلة، و{الأَيكة} الشجرة المتكاثفة.
{فانتقمنا مِنْهُمْ} بالإِهلاك. {وَإِنَّهُمَا} يعني سدوم والأيكة. وقيل الأيكة ومدين فإنه كان مبعوثاً إليهما فكان ذكر إحداهما منبهاً على الأخرى. {لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} لبطريق واضح، والإِمام اسم ما يؤتم به فسمي به الطريق ومطمر البناء واللوح لأنها مما يؤتم به.
{وَلَقَدْ كَذَّبَ أصحاب الحجر المرسلين} يعني ثمود كذبوا صالحاً ومن كذب واحداً من الرسل فكأنما كذب الجميع، ويجوز أن يكون المراد بالمرسلين صالحاً ومن معه من المؤمنين، و{الحجر} واد بين المدينة والشأم يسكنونه.
{وءاتيناهم ءاياتنا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} يعني آيات الكتاب المنزل على نبيهم، أو معجزاته كالناقة وسقيها وشربها ودرها، أو ما نصب لهم من الأدلة.
{وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتًا ءَامِنِينَ} من الانهدام ونقب اللصوص وتخريب الأعداء لوثاقتها، أو من العذاب لفرط غفلتهم أو حسبانهم أن الجبال تحميهم منه.
{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُصْبِحِينَ فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من بناء البيوت الوثيقة واستكثار الأموال والعدد.
{وَمَا خَلَقْنَا السموات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق} إلا خلقاً ملتبساً بالحق لا يلائم استمرار الفساد ودوام الشرور، فلذلك اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء وإزاحة فسادهم من الأرض. {وَإِنَّ الساعة لآتِيَةٌ} فينتقم الله لك فيها ممن كذبك. {فاصفح الصفح الجميل} ولا تعجل بانتقام منهم وعاملهم معاملة الصفوح الحليم. وقيل هو منسوخ بآية السيف.
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق} الذي خلقك وخلقهم وبيده أمرك وأمرهم. {العليم} بحالك وحالهم فهو حقيق بأن تكل ذلك إليه ليحكم بينكم، أو هو الذي خلقكم وعلم الأصلح لكم، وقد علم أن الصفح اليوم أصلح، وفي مصحف عثمان وأبَيِّ رضي الله عنهما هو {الخالق}، وهو يصلح للقليل والكثير و{الخلاق} يختص بالكثير.