فصل: تفسير الآيات (80- 97):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (71):

{قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)}
{قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُ} أي لموسى واللام لتضمن الفعل معنى الاتباع. وقرأ قنبل وحفص {آمنتم له} على الخبر والباقون على الاستفهام. {قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ} في الإِيمان له. {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} لعظيمكم في فنكم وأعلمكم به أو لأستاذكم. {الذى عَلَّمَكُمُ السحر} وأنتم تواطأتم على ما فعلتم. {فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ} اليد اليمنى والرجل اليسرى، ومن ابتدائية كأن القطع ابتدأ من مخالفة العضو العضو وهي مع المجرور بها في حيز النصب على الحال، أي لأقطعنها مختلفات وقرئ: {لأقطعن} {ولأصلبن} بالتخفيف. {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النخل} شبه تمكن المصلوب بالجذع بتمكن المظروف بالظرف وهو أول من صلب. {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا} يريد نفسه وموسى لقوله: {آمنتم له} واللام مع الإِيمان في كتاب الله لغير الله أراد به توضيع موسى والهزء به، فإنه لم يكن من التعذيب في شيء. وقيل رب موسى الذي آمنوا به. {أَشَدُّ عَذَاباً وأبقى} وأدوم عقاباً.

.تفسير الآية رقم (72):

{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)}
{قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ} لن نختارك. {على مَا جَاءَنَا} موسى به، ويجوز أن يكون الضمير فيه لما. {مِنَ البينات} المعجزات الواضحات. {والذى فَطَرَنَا} عطف على ما جاءنا أو قسم. {فاقض مَا أَنتَ قَاضٍ} ما أنت قاضيه أي صانعه أو حاكم به. {إِنَّمَا تَقْضِى هذه الحياة الدنيا} إنما تصنع ما تهواه، أو تحكم ما تراه في هذه الدنيا {والأخرة خَيْرٌ وأبقى} فهو كالتعليل لما قبله والتمهيد لما بعده. وقرئ: {تقضي هذه الحياة الدنيا} كقولك: صيم يوم الجمعة.

.تفسير الآية رقم (73):

{إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)}
{إِنَّآ ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خطايانا} من الكفر والمعاصي. {وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحر} من معارضة المعجزة. روي أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائماً فوجدوه تحرسه العصا فقالوا ما هذا بسحر فإن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى إلا أن يعارضوه. {والله خَيْرٌ وأبقى} جزاء أو خير ثواباً وأبقى عقاباً.

.تفسير الآية رقم (74):

{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74)}
{إِنَّهُ} إن الأمر. {مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} بأن يموت على كفره وعصيانه. {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا} فيستريح. {وَلاَ يَحْيَا} حياة مهنأة.

.تفسير الآية رقم (75):

{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75)}
{وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصالحات} في الدنيا. {فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدرجات العلى} المنازل الرفيعة.

.تفسير الآية رقم (76):

{جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}
{جنات عَدْنٍ} بدل من الدرجات. {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا} حال والعامل فيها معنى الإِشارة أو الاستقرار. {وذلك جَزَاءُ مَن تزكى} تطهر من أدناس الكفار والمعاصي، والآيات الثلاث يحتمل أن تكون من كلام السحرة وأن تكون ابتداء كلام من الله تعالى.

.تفسير الآية رقم (77):

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)}
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} أي من مصر. {فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً} فاجعل لهم، من قولهم ضرب له في ماله سهماً أو فاتخذ من ضرب اللبن إذا عمله. {فِى البحر يَبَساً} يابساً مصدر وصف به يقال يبس يبساً ويبساً كسقم سقماً وسقماً، ولذلك وصف به المؤنث فقيل شاة يبس للتي جف لبنها، وقرئ: {يبْسا} وهو إما مخفف منه أو وصف على فعل كصعب أو جمع يابس كصحب وصف به الواحد مبالغة كقوله:
كَأَنَّ قُتُودَ رَحْلِي حِينَ ضَمَّت ** حَوَالِبَ غُرزاً وَمَعِيَ جِيَاعاً

أو لتعدده معنى فإنه جعل لكل سبط منهم طريقاً. {لاَّ تَخَافُ دَرَكاً} حال من المأمور أي آمنا من أن يدرككم العدو، أو صفة ثانية والعائد محذوف، وقرأ حمزة {لا تخف} على أنه جواب الأمر. {وَلاَ تخشى} استئناف أي وأنت لا تخشى، أو عطف عليه والألف فيه للإِطلاق كقوله: {وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا} أو حال بالواو والمعنى ولا تخشى الغرق.

.تفسير الآية رقم (78):

{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)}
{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} وذلك أن موسى عليه السلام خرج بهم أول الليل فَأُخْبِرَ فرعون بذلك فقص أثرهم، والمعنى فأتبعهم فرعون نفسه ومعه جنوده فحذف المفعول الثاني. وقيل: {فَأَتْبَعَهُمْ} بمعنى فأتبعهم ويؤيده القراءة به والباء للتعدية وقيل الباء مزيدة والمعنى: فاتبعهم جنوده وذادهم خلفهم. {فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ} الضمير لجنوده أوله ولهم، وفيه مبالغة ووجازة أي: غشيهم ما سمعت قصته ولا يعرف كنهه إلا الله. وقرئ: {فغشاهم ما غشاهم} أي غطاهم ما غطاهم والفاعل هو الله تعالى أو ما غشاهم أو فرعون لأنه الذي ورطهم للهلاك.

.تفسير الآية رقم (79):

{وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)}
{وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هدى} أي أضلهم في الدين وما هداهم وهو تهكم به في قوله: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} أو أضلهم في البحر وما نجا.

.تفسير الآيات (80- 97):

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)}
{يَا بَنِى إسراءيل} خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك فرعون على إضمار قلنا، أو للذين منهم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام بما فعل بآبائهم. {قَدْ أنجيناكم مِّنْ عَدُوِّكُمْ} فرعون وقومه. {وواعدناكم جَانِبَ الطور الأيمن} بمناجاة موسى وإنزال التوراة، وإنما عد المواعدة إليهم وهي لموسى أو له وللسبعين المختارين للملابسة. {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى} يعني في التيه.
{كُلُواْ مِن طيبات مَا رزقناكم} لذائذه أو حلالاته، وقرأ حمزة والكسائي {أنجيتكم} {وواعدتكم} و{ما رزقتكم} على التاء. وقرئ: {ووعدتكم} {ووعدناكم}، والأيمن بالجر على الجوار مثل: حجر ضب خرب. {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ} فيما رزقناكم بالإِخلال بشكره والتعدي لما حد الله لكم فيه كالسرف والبطر والمنع عن المستحق. {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى} فيلزمكم عذابي ويجب لكم من حل الدين إذا وجب أداؤه. {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هوى} فقد تردى وهلك. وقيل وقع في الهاوية، وقرأ الكسائي {يحل} و{يُحْلِلْ} بالضم من حل يحل إذا نزل.
{وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ} عن الشرك. {وَآمَنَ} بما يجب الإِيمان به. {وَعَمِلَ صالحا ثُمَّ اهتدى} ثم استقام على الهدى المذكور.
{وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ ياموسى} سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها من حيث إنها نقيصة في نفسها انضم إليها إغفال القوم وإيهام التعظم عليهم فلذلك أجاب موسى عن الأمرين وقدم جواب الإِنكار لأنه أهم.
{قَالَ} موسى. {هُمْ أُوْلآءِ على أَثَرِى} أي ما تقدمتهم إلا بخطاً يسيرة لا يعتد بها عادة وليس بيني وبينهم إلا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم بعضاً. {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى} فإن المسارعة إلى امتثال أمرك والوفاء بعهدك توجب مرضاتك.
{قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ} ابتليناهم بعبادة العجل بعد خروجك من بينهم وهم الذين خلفهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف ما نجا من عبادة العجل منهم إلا اثنا عشر ألفاً. {وَأَضَلَّهُمُ السامرى} باتخاذ العجل والدعاء إلى عبادته، وقرئ: {وَأَضَلَّهُمْ} أي أشدهم ضلالاً لأنه كان ضالاً مضلاً، وإن صح أنهم أقاموا على الدين بعد ذهابه عشرين ليلة وحسبوها بأيامها أربعين وقالوا قد أكملنا العدة ثم كان أمر العجل، وإن هذا الخطاب كان له عند مقدمه إذ ليس في الآية ما يدل عليه كان ذلك إخباراً من الله له عن المترقب بلفظ الواقع على عادته، فإن أصل وقوع الشيء أن يكون في علمه ومقتضى مشيئته، و{السامري} منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة. وقيل كان علجا من كرمان. وقيل من أهل باجرما واسمه موسى بن ظفر وكان منافقاً.
{فَرَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ} بعد ما استوفى الأربعين وأخذ التوراة {غضبان} عليهم.
{أَسِفاً} حزيناً بما فعلوا. {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} بأن يعطيكم التوراة فيها هدى ونور. {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد} أي الزمان يعني زمان مفارقته لهم. {أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ} يجب عليكم. {غَضَبٌ مِّنْ رَّبِّكُمْ} بعبادة ما هو مثل في الغباوة. {فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي} وعدكم إياي بالثبات على الإِيمان بالله والقيام على ما أمرتكم به، وقيل هو من أخلفت وعده إذا وجدت الخلف فيه، أي فوجدتم الخلف في وعدي لكم بالعود بعد الأربعين، وهو لا يناسب الترتيب على الترديد ولا على الشق الذي يليه ولا جوابهم له.
{قَالُواْ مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} بأن ملكنا أمرنا إذ لو خلينا وأمرنا ولم يسول لنا السامري لما أخلفناه، وقرأ نافع وعاصم {بِمَلْكَنَا} بالفتح وحمزة والكسائي بالضم وثلاثتها في الأصل لغات في مصدر ملكت الشيء. {ولكنا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ القوم} حملنا أحمالاً من حلى القبط التي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس. وقيل استعاروا لعيد كان لهم ثم لم يردوا عند الخروج مخافة أن يعلموا به. وقيل: هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد إغراقهم فأخذوه ولعلهم سموها أوزاراً لأنها آثام، فإن الغنائم لم تكن تحل بعد أو لأنهم كانوا مستأمنين وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي. {فَقَذَفْنَاهَا} أي في النار. {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامري} أي ما كان معه منها. روي أنهم لما حسبوا أن العدة قد كملت قال لهم السامري: إنما أخلف موسى ميعادكم لما معكم من حلى القوم وهو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها ناراً ونقذف كل ما معنا فيها ففعلوا. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر وروح {حملنا} بالفتح والتخفيف.
{فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً} من تلك الحلي المذابة. {لَّهُ خُوَارٌ} صوت العجل. {فَقَالُواْ} يعني السامري ومن افتتن به أول ما رآه. {هذا إلهكم وإله موسى فَنَسِيَ} أي فنسيه موسى وذهب يطلبه عند الطور، أو فنسي السامري أن ترك ما كان عليه من إظهار الإِيمان.
{أَفَلاَ يَرَوْنَ} أفلا يعلمون. {أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً} أنه لا يرجع إليهم كلاماً ولا يرد عليهم جواباً. وقرئ: {يرجع} بالنصب وفيه ضعف لأن أن الناصبة لا تقع بعد أفعال اليقين. {وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً} ولا يقدر على إنفاعهم وإضرارهم.
{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هارون مِن قَبْلُ} من قبل رجوع موسى عليه الصلاة والسلام، أو قول السامري كأنه أول ما وقع عليه بصره حين طلع من الحفرة توهم ذلك وبادرَ تحذيرهم. {ياقوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ} بالعجل. {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن} لا غير. {فاتبعونى وَأَطِيعُواْ أَمْرِي} في الثبات على الدين.
{قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ} على العجل وعبادته. {عاكفين} مقيمين. {حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى} وهذا الجواب يؤيد الوجه الأول.
{قَالَ ياهارون} أي قال له موسى حين رجع. {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْ} بعبادة العجل.
{أَلاَّ تَتَّبِعَنِ} أن تتبعني في الغضب لله والمقاتلة مع من كفر به، أو أن تأتي عقبي وتلحقني و{لا} مزيدة كما في قوله: {مَا مَنَعَكَ أَن لاَ تَسْجُدَ} {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى} بالصلابة في الدين والمحاماة عليه.
{قَالَ يابن أُمَّ} خص الأم استعطافاً وترقيقاً، وقيل لأنه كان أخاه من الأم والجمهور على أنهما كانا من أب وأم. {لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى} أي بشعر رأسي قبض عليهما يجره إليه من شدة غيظه وفرط غضبه لله، وكان عليه الصلاة والسلام حديداً خشناً متصلباً في كل شيء فلم يتمالك حين رآهم يعبدون العجل. {إِنّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرءِيلَ} لو قاتلت أو فارقت بعضهم ببعض. {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى} حين قلت {اخلفنى في قَوْمِى وَأَصْلِحْ} فإن الإِصلاح كان في حفظ الدهماء والمداراة لهم أن ترجع إليهم فتتدارك الأمر برأيك.
{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ ياسامري} أي ثم أقبل عليه وقال له منكراً ما خطبك أي ما طلبك له وما الذي حملك عليه، وهو مصدر خطب الشيء إذا طلبه.
{ياسامري قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ} وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب أي علمت بما لم تعلموه وفطنت لما لم تفطنوا له، وهو أن الرسول الذي جاءك روحاني محض لا يمس أثره شيئاً إلا أحياه، أو رأيت ما لم تروه وهو أن جبريل عليه الصلاة والسلام جاءك على فرس الحياة. وقيل إنما عرفه لأن أمه ألقته حين ولدته خوفاً من فرعون وكان جبريل يغذوه حتى استقل. {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرسول} من تربة موطئه والقبضة المرة من القبض فأطلق على المقبوض كضرب الأمير، وقرئ بالصاد والأول للأخذ بجميع الكف والثاني للأخذ بأطراف الأصابع ونحوهما الخضم والقضم، والرسول جبريل عليه الصلاة والسلام ولعله لم يسمه لأنه لم يعرف أنه جبريل أو أراد أن ينبه على الوقت وهو حين أرسل إليه ليذهب به إلى الطور. {فَنَبَذْتُهَا} في الحلي المذاب أو في جوف العجل حتى حيي. {وكذلك سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى} زينته وحسنته لي.
{قَالَ فاذهب فَإِنَّ لَكَ في الحياة} عقوبة على ما فعلت. {أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ} خوفاً من أن يمسك أحد فتأخذك الحمى ومن مسك فتتحامى الناس ويتحاموك وتكون طريداً وحيداً كالوحش النافر، وقرئ: {لاَ مِسَاسَ} كفجار وهو علم للمسة. {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً} في الآخرة. {لَّن تُخْلَفَهُ} لن يخلفكه الله وينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك في الدنيا، وقرأ ابن كثير والبصريان بكسر اللام أي لن تخلف الواعد إياه وسيأتيك لا محالة، فحذف المفعول الأول لأن المقصود هو الموعد ويجوز أن يكون من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفاً، وقرئ بالنون على حكاية قول الله. {وانظر إلى إلهك الذي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً} ظللت على عبادته مقيماً فحذف اللام الأولى تخفيفاً، وقرئ بكسر الظاء على نقل حركة اللام إليها. {لَّنُحَرّقَنَّهُ} أي بالنار ويؤيده قراءة {لَّنُحَرّقَنَّهُ}، أو بالمبرد على أنه مبالغة في حرق إذ برد بالمبرد ويعضده قراءة {لَّنُحَرّقَنَّهُ}. {ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ} ثم لنذرينه رماداً أو مبروداً وقرئ بضم السين. {فِى اليم نَسْفاً} فلا يصادف منه شيء والمقصود من ذلك زيادة عقوبته وإظهار غباوة المفتتنين به لمن له أدنى نظر.