فصل: سورة الجمعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (9- 14):

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)}
{هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى} بالقرآن أو المعجزة. {وَدِينِ الحق} والملة الحنيفية. {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} ليغلبه على جميع الأديان. {وَلَوْ كَرِهَ المشركون} لما فيه من محض التوحيد وإبطال الشرك.
{يا أيها الذين ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وقرأ ابن عامر{تُنجِيكُم} بالتشديد.
{تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وتجاهدون في سَبِيلِ الله بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ} استئناف مبين للتجارة وهو الجمع بين الإِيمان والجهاد المؤدي إلى كمال عزهم، والمراد به الأمر وإنما جيء بلفظ الخبر إيذاناً بأن ذلك مما لا يترك. {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ} يعني ما ذكر من الإِيمان والجهاد. {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} إن كنتم من أهل العلم إذ الجاهل لا يعتد بفعله.
{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر، أو لشرط أو استفهام دل عليه الكلام تقديره أن تؤمنوا وتجاهدوا، أو هل تقبلون أن أدلكم يغفر لكم، ويبعد جعله جواباً لهل أدلكم لأن مجرد دلالته لا توجب المغفرة {وَيُدْخِلْكُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ومساكن طَيّبَةً في جنات عَدْنٍ ذَلِكَ الفوز العظيم} الإِشارة إلى ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة.
{وأخرى تُحِبُّونَهَا} ولكم إلى هذه النعمة المذكورة نعمة أخرى عاجلة محبوبة، وفي {تُحِبُّونَهَا} تعريض بأنهم يؤثرون العاجل على الآجل، وقيل: {أخرى} منصوبة بإضمار يعطيكم، أو تحبون أو مبتدأ خبره: {نَصْرٌ مّن الله} وهو على الأول بدل أو بيان وعلى قول النصب خبر محذوف، وقد قرئ بما عطف عليه بالنصب عى البدل، أو الاختصاص أو المصدر. {وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} عاجل. {وَبَشّرِ المؤمنين} عطف على محذوف مثل: قل يا أيها الذين آمنوا {وَبَشّرِ}، أو على {تُؤْمِنُونَ} فإنه في معنى الأمر كأنه قال: آمنوا وجاهدوا أيها المؤمنون وبشرهم يا رسول الله بما وعدتهم عليهما آجلاً وعاجلاً.
{يا أيها الذين ءامَنُواْ كُونُواْ أنصار الله} وقرأ الحجازيان وأبو عمرو بالتنوين واللام لأن المعنى كونوا بعض أنصار الله. {كَمَا قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أنصارى إِلَى الله} أي من جندي موجهاً إلى نصرة الله ليطابق قوله تعالى: {قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنْصَارُ الله} والإِضافة الأولى إضافة أحد المتشاركين إلى الآخر لما بينهما من الاختصاص، والثانية إضافة الفاعل إلى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى إذ المراد قل لهم كما قال عيسى ابن مريم، أو كونوا أنصاراً كما قال الحواريون حين قال لهم عيسى {مَنْ أَنصَارِى إِلَى الله}. والحواريون أصفياؤه وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلاً من الحور وهو البياض. {فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إَسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} أي بعيسى. {فَأَيْدَّنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ} بالحجة وبالحرب وذلك بعد رفع عيسى. {فَأَصْبَحُواْ ظاهرين} فصاروا غالبين.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الصف كان عيسى مصلياً عليه مستغفراً له ما دام في الدنيا وهو يوم القيامة رفيقه».

.سورة الجمعة:

مدنية وآيها إحدى وعشرة آية.

.تفسير الآيات (1- 6):

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6)}
{يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم} وقد قرئ الصفات الأربع بالرفع على المدح.
{هُوَ الذي بَعَثَ في الأميين} أي في العرب لأن أكثرهم لا يكتبون ولا يقرؤون. {رَسُولاً مّنْهُمْ} من جملتهم أمياً مثلهم. {يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياته} من كونه أمياً مثلهم لم يعهد منه قراءة ولا تعلم. {وَيُزَكّيهِمْ} من خبائث العقائد والأعمال. {وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب والحكمة} القرآن والشريعة، أو معالم الدين من المنقول والمعقول، ولو لم يكن له سواه معجزة لكفاه. {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضلال مُّبِينٍ} من الشرك وخبث الجاهلية، وهو بيان لشدة احتياجهم إلى نبي يرشدهم، وإزاحة لما يتوهم أن الرسول تعلم ذلك من معلم، و{إن} هي المخففة واللام تدل عليها.
{وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ} عطف على {الأميين}، أو المنصوب في {يَعْلَمُهُمْ} وهم الذين جاؤوا بعد الصحابة إلى يوم الدين، فإن دعوته وتعليمه يعم الجميع. {لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون. {وَهُوَ العزيز} في تمكينه من هذا الأمر الخارق للعادة. {الحكيم} في اختياره وتعليمه.
{ذلك فَضْلُ الله} ذلك الفضل الذي امتاز به عن أقرانه فضله. {يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} تفضلاً وعطية. {والله ذُو الفضل العظيم} الذي يستحقر دونه نعيم الدنيا، أو نعيم الآخرة أو نعميهما.
{مَثَلُ الذين حُمّلُواْ التوراة} علموها وكلفوا العمل بها. {ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} لم يعملوا بها أو لم ينتفعوا بما فيها. {كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً} كتباً من العلم يتعب في حملها ولا ينتفع بها، ويحمل حال والعامل فيه معنى المثل أو صفة إذ ليس المراد من {الحمار} معيناً. {بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بئايات الله} أي مثل الذين كذبوا وهم اليهود المكذبون بآيات الله الدالة على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، ويجوز أن يكون الذين صفة للقوم والمخصوص بالذم محذوفاً. {والله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين}.
{قُلْ يا أَيُّهَا الذين هَادُواْ} تهودوا. {إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ الناس} إذ كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه. {فَتَمَنَّوُاْ الموت} فتمنوا من الله أن يميتكم وينقلكم من دار البلية إلى محل الكرامة. {إِن كُنتُمْ صادقين} في زعمكم.

.تفسير الآيات (7- 11):

{وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)}
{وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ} بسبب ما قدموا من الكفر والمعاصي. {والله عَلِيمٌ بالظالمين} فيجازيهم على أعمالهم.
{قُلْ إِنَّ الموت الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ} وتخافون أن تتمنوه بلسانكم مخافة أن يصيبكم فتؤخذوا بأعمالكم. {فَإِنَّهُ ملاقيكم} لاحق بكم لا تفوتونه، والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف، وكأن فرارهم يسرع لحوقه بهم. وقد قرئ بغير فاء ويجوز أن يكون الموصول خبراً والفاء عاطفة. {ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عالم الغيب والشهادة فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بأن يجازيكم عليه.
{يا أيها الذين ءَامَنُواْ إِذَا نُودِىَ للصلاة} أي إذا أذن لها. {مِن يَوْمِ الجمعة} بيان ل {إِذَا} وإنما سمي جمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة، وكانت العرب تسميه العروبة. وقيل سماه كعب بن لؤي لاجتماع الناس فيه إليه، وأول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم المدينة نزل قباء فأقام بها إلى الجمعة، ثم دخل المدينة وصلى الجمعة في واد لبني سالم بن عوف. {فاسعوا إلى ذِكْرِ الله} فامضوا إليه مسرعين قصداً فإن السعي دون العدو، وال {ذُكِرَ} الخطبة، وقيل الصلاة والأمر بالسعي إليها يدل على وجوبها. {وَذَرُواْ البيع} واتركوا المعاملة. {ذلكم} أي السعي إلى ذكر الله. {خَيْرٌ لَّكُمْ} من المعاملة فإن نفع الآخرة خير وأبقى. {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} الخير والشر الحقيقيين، أو إن كنتم من أهل العلم.
{فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة} أديت وفرغ منها. {فانتشروا في الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله} إطلاق لما حظر عليهم، واحتج به من جعل الأمر بعد الحظر للإباحة. وفي الحديث: «ابتغوا من فضل الله ليس بطلب الدنيا وإنما هو عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله» {واذكروا الله كَثِيراً} واذكروه في مجامع أحوالكم ولا تخصوا ذكره بالصلاة. {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} بخير الدارين.
{وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا} روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب للجمعة فمرت عليه عير تحمل الطعام، فخرج الناس إليهم إلا اثني عشر رجلاً فنزلت. وإفراد التجارة برد الكناية لأنها المقصودة، فإن المراد من اللهو الطبل الذي كانوا يستقبلون به العير، والترديد للدلالة على أن منهم من انفض لمجرد سماع الطبل ورؤيته، أو للدلالة على أن الإنفضاض إلى التجارة مع الحاجة إليها والانتفاع بها إذا كان مذموماً كان الانفضاض إلى اللهو أَولى بذلك. وقيل تقديره إذا رأوا تجارة انفضوا إليها وإذا رأوا لهواً انفضوا إليه. {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} أي على المنبر. {قُلْ مَا عِندَ الله} من الثواب. {خَيْرٌ مّنَ اللهو وَمِنَ التجارة} فإن ذلك محقق مخلد بخلاف ما تتوهمون من نفعهما {والله خَيْرُ الرزقين} فتوكلوا عليه واطلبوا الرزق منه.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الجمعة أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من أتى الجمعة ومن لم يأتها في أمصار المسلمين».

.سورة المنافقون:

مدنية وآيها إحدى عشرة آية.

.تفسير الآيات (1- 5):

{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)}
{إِذَا جَاءكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله} الشهادة إخبار عن علم من الشهود وهو الحضور والاطلاع، ولذلك صدق المشهور به وكذبهم في الشهادة بقوله: {والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون} لأنهم لم يعتقدوا ذلك.
{اتخذوا أيمانهم} حلفهم الكاذب أو شهادتهم هذه، فإنها تجري مجرى الحلف في التوكيد، وقرئ: {إيمانهم} {جُنَّةُ} وقاية من القتل والسبي. {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صداً أو صدوداً. {إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من نفاقهم وصدهم.
{ذلك} إشارة إلى الكلام المتقدم أي ذلك القول الشاهد على سوء أعمالهم، أو إلى الحال المذكورة من النفاق والكذب والاستجنان بالإِيمان. {بِأَنَّهُمْ آمَنُوا} بسبب أنهم آمنوا ظَاهراً. {ثُمَّ كَفَرُواْ} سراً، أو {ءامَنُواْ} إذا رأوا آية {ثُمَّ كَفَرُواْ} حيثما سمعوا من شياطينهم شبهة. {فَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ} حتى تمرنوا على الكفر فاستحكموا فيه. {فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} حقية الإِيمان ولا يعرفون صحته.
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجسامهم} لضخامتها وصباحتها. {وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} لذلاقتهم وحلاوة كلامهم، وكان ابن أبيّ جسيما فصيحاً يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع مثله، فيعجب بهيكلهم ويصغي إلى كلامهم. {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} حال من الضمير المجرور في {قَوْلُهُمْ} أي تسمع لما يقولونه مشبهين بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحاً خالية عن العلم والنظر، وقيل ال {خُشُبٌ} جمع خشباء وهي الخشبة التي نُخِرَ جَوْفُهَا، شبهوا بها في حسن المنظر وقبح المخبر، وقرأ أبو عمرو والكسائي وقنبل عن ابن كثير بسكون الشين على التخفيف، أو على أنه كبدن في جمع بدنة {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} أي واقعة عليهم لجبنهم واتهامهم، ف {عَلَيْهِمْ} ثاني مفعولي {يَحْسَبُونَ}، ويجوز أن يكون صلته والمفعول: {هُمُ العدو} وعلى هذا يكون الضمير للكل وجمعه بالنظر إلى الخبر لكن ترتب قوله: {فاحذرهم} عليه يدل على أن الضمير للمنافقين. {قاتلهم الله} دعاء عليهم وهو طلب من ذاته أن يلعنهم، أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك. {أنى يُؤْفَكُونَ} كيف يصرفون عن الحق.
{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْاْ رُؤُوُسَهُمْ} عطفوها إعراضاً واستكبارً عن ذلك، وقرأ نافع بتخفيف الواو. {رُءوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ} يعرضون عن الاستغفار. {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} عن الاعتذار.