فصل: سورة الطور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (47- 60):

{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)}
{والسماء بنيناها بِأَيْدٍ} بقوة. {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة والموسع القادر على الإنفاق. أو {لَمُوسِعُونَ} السماء أو ما بينها وبين الأرض أو الرزق.
{والأرض فرشناها} مهدناها لتستقروا عليها. {فَنِعْمَ الماهدون} أي نحن.
{وَمِن كُلّ شَئ} من الأجناس. {خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} نوعين {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} فتعلمون أن التعدد من خواص الممكنات وأن الواجب بالذات لا يقبل التعدد والانقسام.
{فَفِرُّواْ إِلَى الله} من عقابه بالإِيمان والتوحيد وملازمة الطاعة. {إِنّى لَكُمْ مّنْهُ} أي من عذابه المعد لمن أشرك أو عصى. {نَذِيرٌ مُّبِينٌ} بين كونه منذراً من الله بالمعجزات، أو {مُّبِينٌ} ما يجب أن يحذر عنه.
{وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} إفراد لأعظم ما يجب أن يفر منه. {إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} تكرير للتأكيد، أو الأول مرتب على ترك الإِيمان والطاعة والثاني على الإِشراك.
{كذلك} أي الأمر مثل ذلك، والإِشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميتهم إياه {ساحراً أو مجنوناً} وقوله: {مَا أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ ساحر أَوْ مَجْنُونٌ} كالتفسير له، ولا يجوز نصبه ب {أتى} أو ما يفسره لأن ما بعد {مَا} النافية لا يعمل فيما قبلها.
{أَتَوَاصَوْاْ بِهِ} أي كأن الأولين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضاً بهذا القول حتى قالوه جميعاً. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغون} إضراب عن أن التواصي جامعهم لتباعد أيامهم إلى أن الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطغيان الحامل عليه.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} فاعرض عن مجادلتهم بعدما كررت عليهم الدعوة فأبوا إلا الإِصرار والعناد. {فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ} على الإِعراض بعد ما بذلت جهدك في البلاغ.
{وَذَكَرَ} ولا تدع التذكير والموعظة. {فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين} من قدر الله إيمانه أو من آمن فإنه يزداد بها بصيرة.
{وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} لما خلقهم على صورة متوجهة إلى العبادة مغلبة لها، جعل خلقهم مُغيابها مبالغة ذلك، ولو حمل على ظاهره مع أن الدليل يمنعه لنا في ظاهر قوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الجن والإنس} وقيل معناه إلا لأمرهم بالعبادة أو ليكونوا عباداً لي.
{مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} أي ما أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي فاشتغلوا بما أنتم كالمخلوقين له والمأمورين به، والمراد أن يبين أن شأنه مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم، فإنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، ويحتمل أن يقدر بقل فيكون بمعنى قوله: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} {إِنَّ الله هُوَ الرزاق} الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق، وفيه إيماء باستغنائه عنه، وقرئ: {إني أنا الرزاق} {ذُو القوة المتين} شديد القوة، وقرئ: {المتين} بالجر صفة ل {القوة}.
{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً} أي للذين ظلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكذيب نصيباً من العذاب. {مّثْلَ ذَنُوبِ أصحابهم} مثل نصيب نظرائهم من الأمم السالفة، وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلاء، فإن الذنوب هو الدلو العظيم المملوء. {فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} جواب لقولهم: {متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين} {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُونَ} من يوم القيامة أو يوم بدر. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والذاريات أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل ريح هبت وجرت في الدنيا».

.سورة الطور:

مكية وآيها تسع أو ثمان وأربعون آية.

.تفسير الآيات (1- 13):

{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)}
{والطور} يريد طور سنين، وهو جبل بمدين سمع فيه موسى عليه السلام كلام الله تعالى، {والطور} الجبل بالسريانية أو ما طار من أوج الإِيجاد إلى حضيض المواد، أو من عالم الغيب إلى عالم الشهادة.
{وكتاب مُّسْطُورٍ} مكتوب، والسطر ترتيب الحروف المكتوبة. والمراد به القرآن أو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ، أو ألواح موسى عليه السلام، أو في قلوب أوليائه من المعارف والحكم أو ما تكتبه الحفظة.
{فِى رَقّ مَّنْشُورٍ} الرق الجلد الذي يكتب فيه استعير لما كتب فيه الكتاب، وتنكيرهما للتعظيم والإِشعار بأنهما ليسا من المتعارف فيما بين الناس.
{والبيت المعمور} يعني الكعبة وعمارتها بالحجاج والمجاورين، أو الضراح وهو في السماء الرابعة وعمرانه كثرة غاشيته من الملائكة، أو قلب المؤمن وعمارته بالمعرفة والإِخلاض.
{والسقف المرفوع} يعني السماء.
{والبحر المسجور} أي المملوء وهو المحيط، أو الموقد من قوله: {وَإِذَا البحار سُجّرَتْ} روي أنه تعالى يجعل يوم القيامة البحار ناراً يسجر بها نار جهنم، أو المختلط من السجير وهو الخليط.
{إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ} لنازل.
{مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ} يدفعه، ووجه دلالة هذه الأمور المقسم بها على ذلك أنها أمور تدل على كمال قدرة الله تعالى وحكمته وصدق أخباره وضبطه أعمال العباد للمجازاة.
{يَوْمَ تَمُورُ السماء مَوْراً} تضطرب، والمور تردد في المجيء والذهاب، وقيل تحرك في تموج و{يَوْمٍ} ظرف.
{وَتَسِيرُ الجبال سَيْراً} أي تسير عن وجه الأرض فتصير هباء.
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} أي إذا وقع ذلك فويل لهم.
{الذين هُمْ في خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} أي في الخوض في الباطل.
{يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} يدفعون إليها دفعاً بعنف، وذلك بأن تغل أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم فيدفعون إلى النار. وقرئ: {يَدَّعُونَ} من الدعاء فيكون دعا حالاً بمعنى مدعوين، و{يَوْمٍ} بدل من {يَوْمَ تَمُورُ} أو ظرف لقول مقدر محكية.

.تفسير الآيات (14- 21):

{هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)}
{هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ} أي يقال لهم ذلك.
{أَفَسِحْرٌ هذا} أي كنتم تقولون للوحي هذا سحر أفهذا المصداق أيضاً سحر، وتقديم الخبر لأنه المقصود بالإِنكار والتوبيخ. {أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} هذا أيضاً كما كنتم لا تبصرون في الدنيا، ما يدل عليه وهو تقريع وتهكم أو: أم سدت أبصاركم كما سدت في الدنيا على زعمكم حين قلتم {إِنَّمَا سُكّرَتْ أبصارنا} {اصلوها فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ} أي ادخلوها على أي وجه شئتم من الصبر وعدمه فإنه لا محيص لكم عنها. {سَوَاء عَلَيْكُمْ} أي الأمران الصبر وعدمه. {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} تعليل للاستواء فإنه لما كان الجزاء واجب الوقوع كان الصبر وعدمه سيين في عدم النفع.
{إِنَّ المتقين في جنات وَنَعِيمٍ} في أية جنات وأي نعيم، أو في {جنات وَنَعِيمٍ} مخصوصة بهم.
{فاكهين} ناعمين متلذذين. {بِمَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} وقرئ: {فكهين} و{فاكهون} على أنه الخبر والظرف لغو. {ووقاهم رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم} عطف على {ءاتاهم} إن جعل {مَا} مصدرية، أو {فِي جنات} أو حال بإضمار قد من المستكن في الظرف أو الحال، أو من فاعل آتي أو مفعوله أو منهما.
{كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً} أي أكلا وشرابا {هَنِيئَاً}، أو طعاماً وشراباً {هَنِيئَاً} وهو الذي لا تنغيص فيه. {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بسببه أو بدله، وقيل الباء زائدة و{ما} فاعل {هَنِيئَاً}، والمعنى هنأكم ما كنتم تعملون أي جزاؤه.
{مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} مصطفة {وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ} الباء لما في التزويج من معنى الوصل والإِلصاق، أو للسببية إذ المعنى صيرناهم أزواجاً بسببهن، أو لما في التزويج من معنى الإلصاق والقرن ولذلك عطف.
{والذين ءامَنُواْ} على حور أي قرناهم بأزواج حور ورفقاء مؤمنين. وقيل إنه مبتدأ {أَلْحَقْنَا بِهِمْ} وقوله: {واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم بإيمان} اعتراض للتعليل، وقرأ ابن عامر ويعقوب {ذرياتهم} بالجمع وضم التاء للمبالغة في كثرتهم والتصريح، فإن الذرية تقع على الواحد والكثير، وقرأ أبو عمرو و{أتبعناهم ذرياتهم} أي جعلناهم تابعين لهم في الإِيمان. وقيل: {بإيمان} حال من الضمير أو الذرية أو منهما وتنكيره للتعظيم، أو الإِشعار بأنه يكفي للإِلحاق المتابعة في أصل الإِيمان. {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ} في دخول الجنة أو الدرجة. لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لتقربهم عينه ثم تلا هذه الآية» وقرأ نافع وابن عامر والبصريان {ذرياتهم}. {وَمَا ألتناهم} وما نقصناهم. {مّنْ عَمَلِهِم مّن شَئ} بهذا الإِلحاق فإنه كان يحتمل أن يكون بنقص مرتبة الآباء أو بإعطاء الأبناء بعض مثوباتهم، ويحتمل أن يكون بالتفصيل عليهم وهو اللائق بكمال لطفه. وقرأ ابن كثير بكسر اللام من ألت يألت، وعنه {لتناهم} من لات يليت و{آلتناهم} من آلت يولت، و{والتناهم} من ولت يلت ومعنى الكل واحد. {كُلُّ امرئ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} بعمله مرهون عند الله تعالى فإن عمل صالحاً فكه وإلا أهلكه.

.تفسير الآيات (22- 32):

{وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32)}
{وأمددناهم بفاكهة وَلَحْمٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ} أي وزدناهم وقتاً بعد وقت ما يشتهون من أنواع التنعم.
{يتنازعون فِيهَا} يتعاطون هم وجلساؤهم بتجاذب. {كَأْساً} خمراً سماها باسم محلها ولذلك أنث الضمير في قوله: {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ} أي لا يتكلمون بلغو الحديث في أثناء شربها، ولا يفعلوا ما يؤثم به فاعله كما هو عادة الشاربين في الدنيا، وذلك مثل قوله تعالى: {لاَ فِيهَا غَوْلٌ} وقرأهما ابن كثير والبصريان بالفتح.
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} أي بالكأس. {غِلْمَانٌ لَّهُمْ} أي مماليك مخصوصون بهم. وقيل هم أولادهم الذين سبقوهم. {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} مصون في الصدف من بياضهم وصفائهم. وعنه صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} يسأل بعضهم بعضاً عن أحواله وأعماله.
{قَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلَ في أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} خائفين من عصيان الله معتنين بطاعته، أو وجلين من العاقبة.
{فَمَنَّ الله عَلَيْنَا} بالرحمة والتوفيق. {ووقانا عَذَابَ السموم} عذاب النار النافذة في المسام نفوذ السموم، وقرئ: {ووقانا} بالتشديد.
{إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ} من قبل ذلك في الدنيا. {نَدْعُوهُ} نعبده أو نسأله الوقاية. {إِنَّهُ هُوَ البر} المحسن، وقرأ نافع والكسائي {أَنَّهُ} بالفتح. {الرحيم} الكثير الرحمة.
{فَذَكّرْ} فاثبت على التذكير ولا تكترث بقولهم. {فَمَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبَّكَ} بحمد الله وإنعامه. {بكاهن وَلاَ مَجْنُونٍ}، كما يقولون.
{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} ما يقلق النفوس من حوادث الدهر، وقيل: {المنون} الموت فعول من منه إذا قطعه.
{قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ المتربصين} أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي.
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أحلامهم} عقولهم. {بهذا} بهذا التناقض في القول فإن الكاهن يكون ذا فطنة ودقة نظر، والمجنون مغطى عقله والشاعر يكون ذا كلام موزون متسق مخيل، ولا يتأتى ذلك من المجنون وأمر الأحلام به مجاز عن أدائها إليه. {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} مجاوزون الحد في العناد وقرئ: {بل هم}.