فصل: سورة عبس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (41- 46):

{فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)}
{فَإِنَّ الجنة هي المأوى} ليس له سواها مأوى.
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مرساها} متى إرسَاؤهَا أي إقامتها وإثباتها، أو منتهاها ومستقرها من مرسى السفينة وهو حيث تنتهي إليه وتستقر فيه.
{فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} في أي شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم أي ما أنت من ذكرها لهم، وتبيين وقتها في شيء فإن ذكرها لا يزيدهم إلا غياً. ووقتها مما استأثر الله تعالى بعلمه. وقيل: {فِيمَ} إنكار لسؤالهم و{أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} مستأنف، ومعناه أنت ذكر من ذكرها أي علامة من أشراطها، فإن إرساله خاتماً للأنبياء أمارة من أماراتها، وقيل إنه متصل بسؤالهم والجواب.
{إلى رَبّكَ منتهاها} أي منتهى علمها.
{إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها} إنما بعثت لإنذار من يخاف هولها، وهو لا يناسب تعيين الوقت وتخصيص من يخشى لأنه المنتفع به، وعن أبي عمرو ومنذر بالتنوين والإِعمال على الأصل لأنه بمعنى الحال.
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ} في الدنيا أو في القبور. {إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضحاها} أي عشية يوم أو ضحاه كقوله: {إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ} ولذلك أضاف الضحى إلى ال {عَشِيَّةً} لأنهما من يوم واحد.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة النازعات كان ممن حبسه الله في القيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة المكتوبة».

.سورة عبس:

مكية وآيها ثنتان وأربعون آية.

.تفسير الآيات (1- 9):

{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9)}
{عَبَسَ وتولى}. {أَن جَاءهُ الأعمى} روي: «أن ابن أم مكتوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإِسلام، فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله، وكرر ذلك ولم يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه ويقول إذا رآه: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي، واستخلفه على المدينة مرتين» وقرئ: {عَبَّسَ} بالتشديد للمبالغة و{أَن جَاءهُ} علة ل {تولى}، أو {عَبَسَ} على اختلاف المذهبين، وقرئ: {آأن} بهمزتين وبألف بينهما بمعنى ألئن جاءه الأعمى فعل ذلك، وذكر الأعمى للإِشعار بعذره في الإِقدام على قطع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقوم والدلالة على أنه أحق بالرأفة والرفق، أو لزيادة الإِنكار كأنه قال: تولى لكونه أعمى كالالتفات في قوله: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى} أي: وأي شيء يجعلك دارياً بحاله لعله يتطهر من الآثام بما يتلقف منك. وفيه إيماء بأن إعراضه كان لتزكية غيره.
{أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذكرى} أو يتعظ فتنفعه موعظتك، وقيل الضمير في {لَعَلَّهُ} للكافر أي أنك طمعت في تزكيه بالإِسلام وتذكره بالموعظة ولذلك أعرضت عن غيره، فما يدريك أن ما طمعت فيه كائن، وقرأ عاصم فتنفعه بالنصب جواباً للعل.
{أَمَّا مَنِ استغنى فَأَنتَ لَهُ تصدى} تتعرض له بالإِقبال عليه وأصله تتصدى، وقرأ ابن كثير ونافع {تصدى} بالإِدغام وقرئ. {تصدى} أي تعرض وتدعى إلى التصدي.
{وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يزكى} وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض عمن أسلم {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ} {وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يسعى} يسرع طالباً للخير.
{وَهُوَ يخشى} الله أو أذية الكفار في إتيانك، أو كبوة الطريق لأنه أعمى لا قائد له.

.تفسير الآيات (10- 25):

{فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25)}
{فَأَنتَ عَنْهُ تلهى} تتشاغل، يقال لها عنه والتهى و{تلهى}، ولعل ذكر التصدق والتلهي للإِشعار بأن العتاب على اهتمام قلبه بالغني وتلهيه عن الفقير، ومثله لا ينبغي له ذلك.
{كَلاَّ} ردع عن المعاتب عليه أو عن معاودة مثله. {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ}.
{فَمَن شَاء ذَكَرَهُ} حفظه أو اتعظ به والضميران للقرآن، أو العتاب المذكور وتأنيث الأول لتأنيث خبره.
{فَى صُحُفٍ} مثبتة فيها صفة لتذكرة، أو خبر ثان أو خبر لمحذوف. {مُّكَرَّمَةٍ} عند الله.
{مَّرْفُوعَةٍ} القدر. {مُّطَهَّرَةٍ} منزهة عن أيدي الشياطين: {بِأَيْدِى سَفَرَةٍ} كتبة من الملائكة أو الأنبياء ينتسخون الكتب من اللوح أو الوحي، أو سفراء يسفرون بالوحي بين الله تعالى ورسله، أو الأمة جمع سافر من السفر، أو السفارة والتركيب للكشف يقال سفرت المرأة إذا كشفت وجهها.
{كِرَامٍ} أعزاء على الله أو متعطفين على المؤمنين يكلمونهم ويستغفرون لهم. {بَرَرَةٍ} أتقياء.
{قُتِلَ الإنسان مَا أَكْفَرَهُ} دعاه عليه بأشنع الدعوات وتعجب من إفراطه في الكفران، وهو مع قصره يدل على سخط عظيم وذم بليغ.
{مِنْ أَىّ شَئ خَلَقَهُ} بيان لما أنعم عليه خصوصاً من مبدأ حدوثه، والاستفهام للتحقير ولذلك أجاب عنه بقوله: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} فهيأه لما يصلح له من الأعضاء والأشكال، أو {فَقَدَّرَهُ} أطواراً إلى أن تم خلقته.
{ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ} ثم سهل مخرجه من بطن أمه بأن فتح فوهة الرحم وألهمه أن ينتكس، أو ذلل له سبيل الخير والشر ونصب السبيل بفعل يفسره الظاهر للمبالغة في التيسير، وتعريفه باللام دون الإِضافة للإِشعار بأنه سبيل عام، وفيه على المعنى الأخير إيماء بأن الدنيا طريق والمقصد غيرها ولذلك عقبه بقوله: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ} وعد الإِماتة والإِقبار في النعم لأن الإِماتة وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية واللذات الخالصة والأمر بالقبر تكرمة وصيانة عن السباع، وفي {إِذَا شَاء} إشعار بأن وقت النشور غير متعين في نفسه، وإنما هو موكول إلى مشيئته تعالى.
{كَلاَّ} ردع للإِنسان بما هو عليه. {لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} لم يقض بعد من لدن آدم إلى هذه الغاية ما أمره الله بأمره، إذ لا يخلو أحد من تقصير ما.
{فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ} إتباع للنعم الذاتية بالنعم الخارجية.
{أَنَاْ صَبَبْنَا الماء صَبّاً} استئناف مبين لكيفية إحداث الطعام، وقرأ الكوفيون بالفتح على البدل منه بدل الاشتمال.

.تفسير الآيات (26- 42):

{ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)}
{ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً} أي بالنبات أو بالكراب، وأسند الشق إلى نفسه إسناد الفعل إلى السبب.
{فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً} كالحنطة والشعير.
{وَعِنَباً وَقَضْباً} يعني الرطبة سميت بمصدر قضبه إذا قطعه لأنها تقضب مرة بعد أخرى.
{وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً} عظاماً وصف به الحدائق لتكاثفها وكثرة أشجارها، أو لأنها ذات أشجار غلاظ مستعار من وصف الرقاب.
{وفاكهة وَأَبّاً} ومرعى من أب إذا أم لأنه يؤم وينتجع، أو من أب لكذا إذا تهيأ له لأنه متهيء للرعي، أو فاكهة يابسة تؤوب للشتاء.
{متاعا لَّكُمْ ولأنعامكم} فإن الأنواع المذكورة بعضها طعام وبعضها علف.
{فَإِذَا جَاءتِ الصاخة} أي النفخة وصفت بها مجازاً لأن الناس يصخون لها.
{يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ} لاشتغاله بشأنه وعلمه بأنهم لا ينفعونه، أو للحذر من مطالبتهم بما قصر في حقهم وتأخير الأحب فالأحب للمبالغة كأنه قيل: يفر من أخيه بل من أبويه بل من صاحبته وبنيه.
{لِكُلّ امرئ مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} يكفيه في الاهتمام به، وقرئ: {يعنيه} أي يهمه.
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} مضيئة من إسفار الصبح.
{ضاحكة مُّسْتَبْشِرَةٌ} لما ترى من النعيم.
{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} غبار وكدورة.
{تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} يَغشاها سواد وظلمة.
{أُوْلَئِكَ هُمُ الكفرة الفجرة} الذين جمعوا إلى الكفر الفجور، فلذلك يجمع إلى سواد وجوههم الغبرة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة عبس جاء يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر».

.سورة التكوير:

مكية وآيها تسع وعشرون آية.

.تفسير الآيات (1- 9):

{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)}
{إِذَا الشمس كُوّرَتْ} لفت من كورت العمامة إذا لففتها بمعنى رفعت لأن الثوب إذا أريد رفعه لف، أو لف ضوؤها فذهب انبساطه في الآفاق وزال أثره، وألقيت عن فلكها من طعنه فكوره إذا ألقاه مجتمعاً والتركيب للإرادة والجمع وارتفاع الشمس بفعل يفسره ما بعدها أولى لأن إذا الشرطية تطلب الفعل.
{وَإِذَا النجوم انكدرت} انقضت قال:
أَبْصِرْ خَرْبَانَ فَضَاءَ فانكدر

أو أظلمت من كدرت الماء فانكدر.
{وَإِذَا الجبال سُيّرَتْ} عن وجه الأرض أو في الجو.
{وَإِذَا العشار} النوق اللواتي أتى على حملهن عشرة أشهر جمع عشراء. {عُطّلَتْ} تركت مهملة، أو السحائب عطلت عن المطر، وقرئ بالتخفيف.
{وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ} جمعت من كل جانب أو بعثت للقصاص ثم ردت تراباً، أو أميتت من قولهم إذا أجحفت السنة بالناس حشرتهم، وقرئ بالتشديد.
{وَإِذَا البحار سُجّرَتْ} أحميت أو ملئت بتفجير بعضها إلى بعض حتى تعود بحراً واحداً، من سجر التنور إذا ملأه بالحطب ليحميه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وروح بالتخفيف.
{وَإِذَا النفوس زُوّجَتْ} قرنت بالأبدان أو كل منها بشكلها، أو بكتابها وعملها أو نفوس المؤمنين بالحور ونفوس الكافرين بالشياطين.
{وَإِذَا الموءودة} المدفونة حية وكانت العرب تئد البنات مخافة الإِملاق، أو لحوق العار بهم من أجلهم.
{سُئِلَتْ بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} تبكيتاً لوائدها كتبكيت النصارى بقوله تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام {أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين مِن دُونِ الله} وقريء {سألت} أي خاصمت عن نفسها وسألت، وإنما قيل: {قُتِلَتْ} على الإِخبار عنها وقرئ: {قُتِلَتْ} على الحكاية.

.تفسير الآيات (10- 22):

{وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)}
{وَإِذَا الصحف نُشِرَتْ} يعني صحف الأعمال فإنها تطوى عند الموت وتنشر وقت الحساب. وقيل: {نُشِرَتْ} فرقت بين أصحابها. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالتشديد للمبالغة في النشر، أو لكثرة الصحف أو شدة التطاير.
{وَإِذَا السماء كُشِطَتْ} قلعت وأزيلت كما يكشط الإِهاب عن الذبيحة، وقرئ: {قشطت} واعتقاب القاف والكاف كثير.
{وَإِذَا الجحيم سُعّرَتْ} أوقدت إيقاداً شديداً وقرأ نافع وابن عامر وحفص ورويس بالتشديد.
{وَإِذَا الجنة أُزْلِفَتْ} قربت من المؤمنين. {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} جواب {إِذَا} وإنما صح والمذكور في سياقها اثنتا عشرة خصلة ست منها في مبادئ قيام الساعة قبل فناء الدنيا وست بعده، لأن المراد زمان متسع شامل لها ولمجازاة النفوس على أعمالها، و{نَفْسٌ} في معنى العموم كقولهم: تمرة خير من جرادة.
{فَلاَ أُقْسِمُ بالخنس} بالكواكب الرواجع من خنس إذا تأخر، وهي ما سوى النيرين من الكواكب السيارات ولذلك وصفها بقوله: {الجوار الكنس} أي السيارات التي تختفي تحت ضوء الشمس من كنس الوحش إذا دخل كناسه، وهو بيته المتخذ من أغصان الشجر.
{واليل إِذَا عَسْعَسَ} أقبل ظلامه أو أدبر وهو من الأضداد يقال عسعس الليل وسعسع إذا أدبر.
{والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} أي أضاء غبرته عند إقبال روح ونسيم.
{إِنَّهُ} أي القرآن. {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} يعني جبريل فإنه قاله عن الله تعالى.
{ذِى قُوَّةٍ} كقوله شديد القوى. {عِندَ ذِى العرش مَكِينٍ} عند الله ذي مكانة.
{مطاع} في ملائكته. {ثَمَّ أَمِينٍ} على الوحي، وثم يحتمل اتصاله بما قبله وما بعده، وقرئ: {ثُمَّ} تعظيماً للأمانة وتفضيلاً لها على سائر الصفات.
{وَمَا صاحبكم بِمَجْنُونٍ} كما تبهته الكفرة واستدل بذلك على فضل جبريل على محمد عليه الصلاة والسلام حيث عد فضائل جبريل واقتصر على نفي الجنون عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ضعيف إذ المقصود منه نفي قولهم {إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ} افترى على الله كذباً {أم به جنة} لا تعداد فضلهما والموازنة بينهما.