فصل: تفسير الآيات (67- 70):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (67- 70):

{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)}
{وَمِن ثمرات النخيل والأعناب} متعلق بمحذوف أي ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما، وقوله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} استئناف لبيان الإِسقاء أو ب {تَتَّخِذُونَ}، ومنه تكرير للظرف تأكيداً أو خبر لمحذوف صفته {تَتَّخِذُونَ}، أي ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه، وتذكير الضمير على الوجهين الأولين لأنه للمضاف المحذوف الذي هو العصير، أو لأن ال {ثمرات} بمعنى الثمر وال {سكر} مصدر سمي به الخمر. {وَرِزْقًا حَسَنًا} كالتمر والزبيب والدبس والخل، والآية إن كانت سابقة على تحريم الخمر فدالة على كراهتها وإلا فجامعة بين العتاب والمنة. وقيل ال {سكر} النبيذ وقيل الطعم قال:
جَعَلْتُ أَعْرَاضَ الكِرَامِ سُكْراً

أي تنقلت بأعراضهم. وقيل ما يسد الجوع من السكر فيكون الرزق ما يحصل من أثمانه. {إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم بالنظر والتأمل في الآيات.
{وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} ألهمها وقذف في قلوبها، وقرئ: {إلى النحل} بفتحتين. {أَنِ اتخذي} بأن اتخذي ويجوز أن تكون {أن} مفسرة لأن في الإيحاء معنى القول، وتأنيث الضمير على المعنى فإن النحل مذكر. {مِنَ الجبال بُيُوتًا وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} ذكر بحرف التبعيض لأنها لا تبني في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش من كرم أو سقف، ولا في كل مكان منها وإنما سمي ما تبنيه لتتعسل فيه بيتاً تشبيهاً ببناء الإنسان، لما فيه من حسن الصنعة وصحة القسمة التي لا يقوى عليها أحذق المهندسين إلا بآلات وأنظار دقيقة، ولعل ذكره للتنبيه على ذلك وقرئ: {بُيُوتًا} بكسر الباء، وقرأ ابن عامر وأبو بكر {يَعْرُِشُونَ} بضم الراء.
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثمرات} من كل ثمرة تشتهينها مرها وحلوها. {فاسلكي} ما أكلت. {سُبُلَ رَبّكِ} في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلاً من أجوافك، أو {فاسلكي} الطرق التي ألهمك في عمل العسل، أو فاسلكي راجعة إلى بيوتك {سُبُلَ رَبّكِ} لا تتوعر عليك. ولا تلتبس. {ذُلُلاً} جمع ذلول وهي حال من السبل، أي مذللة ذللها الله تعالى وسهلها لك، أو من الضمير في أسلكي أي وأنت ذلل منقادة لما أمرت به. {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا} كأنه عدل به عن خطاب النحل إلى خطاب الناس، لأنه محل الإِنعام عليهم والمقصود من خلق النحل وإلهامه لأجلهم. {شَرَابٌ} يعني العسل لأنه مما يشرب، واحتج به من زعم أن النحل تأكل الأزهار والأوراق العطرة فتستحيل في بطنها عسلاً، ثم تقئ ادخاراً للشتاء، ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها أجزاء طلية حلوة صغيرة متفرقة على الأوراق والأزهار، وتضعها في بيوتها ادخاراً فإذا اجتمع في بيوتها شيء كثير منها كان العسل فسر البطون بالأفواه.
{مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} أبيض وأصفر وأحمر وأسود بحسب اختلاف سن النحل والفصل. {فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ} إما بنفسه كما في الأمراض البلغمية، أو مع غيره كما في سائر الأمراض، إذ قلما يكون معجون إلا والعسل جزء منه، مع أن التنكير فيه مشعر بالتبعيض، ويجوز أن يكون للتعظيم. وعن قتادة أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي يشتكي بطنه فقال: «اسقه العسل» فذهب ثم رجع فقال: قد سقيته فما نفع فقال: «اذهب واسقه عسلاً فقد صدق الله وكذب بطن أخيك» فسقاه فشفاه الله تعالى فبرأ فكأنما أنشط من عقال. وقيل الضمير للقرآن أو لما بين الله من أحوال النحل. {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فإن من تدبر اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة والأفعال العجيبة حق التدبر علم قطعاً أنه لابد له من خالق قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها عليه.
{والله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يتوفاكم} بآجال مختلفة. {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ} يعاد. {إلى أَرْذَلِ العمر} أخسه يعني الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان القوة والعقل. وقيل هو خمس وتسعون سنة وقيل خمس وسبعون. {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية في النسيان وسوء الفهم. {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بمقادير أعماركم. {قَدِيرٌ} يميت الشاب النشيط ويبقى الهرم الفاني، وفيه تنبيه على أن تفاوت آجال الناس ليس إلا بتقدير قادر حكيم، ركب أبنيتهم وعدَّل أمزجتهم على قدر معلوم، ولو كان ذلك مقتضى الطبائع لم يبلغ التفاوت هذا المبلغ.

.تفسير الآية رقم (71):

{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)}
{والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ فِي الرزق} فمنكم غني ومنكم فقير، ومنكم موال يتولون رزقهم ورزق غيرهم ومنكم مماليك حالهم على خلاف ذلك. {فَمَا الذين فُضِّلُواْ بِرَآدّي رِزْقِهِمْ} بمعطي رزقهم. {على مَا مَلَكَتْ أيمانهم} على مماليكهم فإنما يردون عليهم رزقهم الذي جعله الله في أيديهم. {فَهُمْ فِيهِ سَوَآء} فالموالي والمماليك سواء في أن الله رزقهم، فالجملة لازمة للجملة المنفية أو مقررة لها، ويجوز أن تكون واقعة موقع الجواب كأنه قيل: فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا في الرزق، على أنه رد وإنكار على المشركين فإنهم يشركون بالله بعض مخلوقاته في الألوهية ولا يرضون أن يشاركهم عبيدهم. فيما أنعم الله عليهم فيساورهم فيه. {أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ} حيث يتخذون له شركاء، فإنه يقتضي أن يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم ويجحدوا أنه من عند الله، أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بعدما أنعم الله عليهم بإيضاحهم، والباء لتضمن الجحود معنى الكفر. وقرأ أبو بكر {تجحدون} بالتاء لقوله: {خَلَقَكُمْ} و{فَضَّلَ بَعْضَكُمْ}.

.تفسير الآية رقم (72):

{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)}
{والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أي من جنسكم لتأنسوا بها ولتكون أولادكم مثلكم. وقيل هو خلق حواء من آدم. {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أزواجكم بَنِينَ وَحَفَدَةً} وأولاد أولاد أو بنات، فإن الحافد هو المسرع في الخدمة والبنات يخدمن في البيوت أتم خدمة. وقيل هم الأختان على البنات. وقيل الربائب ويجوز أن يراد بها البنون أنفسهم والعطف لتغاير الوصفين. {وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} من اللذائذ أو الحلالات و{مِنْ} للتبعيض فإن المرزوق في الدنيا أنموذج منها. {أفبالباطل يُؤْمِنُونَ} وهو أن الأصنام تنفعهم، أو أن من الطيبات ما يحرم كالبحائر والسوائب. {وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} حيث أضافوا نعمه إلى الأصنام، أو حرموا ما أحل الله لهم، وتقديم الصلة على الفعل إما للاهتمام أو لإِيهام التخصيص مبالغة، أو للمحافظة على الفواصل.

.تفسير الآية رقم (73):

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)}
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مّنَ السموات والأرض شَيْئاً} من مطر ونبات، و{رِزْقاً} إن جعلته مصدراً فشيئاً منصوب به وإلا فبدل منه. {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} أن يتملكوه أو لا استطاعة لهم أصلاً، وجمع الضمير فيه وتوحيده في {لاَ يَمْلِكُ} لأن {مَا} مفرد في معنى الألهة، ويجوز أن يعود إلى الكفار أي ولا يستطيع هؤلاء مع أنهم أحياء متصرفون شيئاً من ذلك فكيف بالجماد.

.تفسير الآية رقم (74):

{فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)}
{فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال} فلا تجعلوا له مثلاً تشركونه به، أو تقيسونه عليه فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال. {أَنَّ الله يَعْلَمُ} فساد ما تعولون عليه من القياس على أن عبادة عبيد الملك أدخل في التعظيم من عبادته وعظم جرمكم فيما تفعلون. {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ذلك ولو علمتموه لما جرأتم عليه فهو عليم للنهي، أو أنه يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه فدعوا رأيكم دون نصه، ويجوز أن يراد فلا تضربوا لله الأمثال فإنه يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون. ثم علمهم كيف يضرب فضرب مثلاً لنفسه ولمن عبد دونه.

.تفسير الآية رقم (75):

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)}
{ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْرًا هَلْ يستوُون} مثل ما يشرك به بالمملوك العاجز عن التصرف رأساً ومثل نفسه بالحر المالك الذي رزقه الله مالاً كثيراً فهو يتصرف فيه وينفق منه كيف يشاء، واحتج بامتناع الاشتراك والتسوية بينهما مع تشاركهما في الجنسية والمخلوقية على امتناع التسوية بين الأصنام التي هي أعجز المخلوقات وبين الله الغني القادر على الإِطلاق. وقيل هو تمثيل للكافر المخذول والمؤمن الموفق، وتقييد العبد بالمملوكية للتمييز عن الحر فإنه أيضاً عبد الله وبسلب القدرة للتمييز عن المكاتب والمأذون وجعله قسيماً للمالك المتصرف يدل على أن المملوك لا يملك، والأظهر أن {مِنْ} نكرة موصوفة ليطابق {عَبْداً}، وجمع الضمير في {يَسْتَوُونَ} لأنه للجنسين فإن المعنى هل يستوي الأحرار والعبيد؟. {الحمد للَّهِ} كل الحمد له، لا يستحقه غيره فضلاً عن العبادة لأنه مولى النعم كلها. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فيضيفون نعمة إلى غيره ويعبدونه لأجلها.

.تفسير الآية رقم (76):

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)}
{وَضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} ولد أخرس لا يَفْهمُ وَلا يُفْهِمُ. {لاَّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ} من الصنائع والتدابير لنقصان عقله. {وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلاهُ} عيال وثقل على من يلي أمره. {أَيْنَمَا يُوَجّههُّ} حيثما يرسله مولاه في أمر، وقرئ: {يوجه} على البناء للمفعول و{يوجه} بمعنى يتوجه كقوله أينما أوجه ألق سعداً وتوجه بلفظ الماضي. {لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ} ينجح وكفاية مهم. {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بالعدل} ومن هو فهم منطيق ذو كفاية ورشد ينفع الناس بحثهم على العدل الشامل لمجامع الفضائل. {وَهُوَ على صراط مُّسْتَقِيمٍ} وهو في نفسه على طريق مستقيم لا يتوجه إلى مطلب إلا ويبلغه بأقرب سعي، وإنما قابل تلك الصفات بهذين الوصفين لأنهما كمال ما يقابلهما، وهذا تمثيل ثان ضربه الله تعالى لنفسه وللأصنام لإِبطال المشاركة بينه وبينها أو للمؤمن والكافر.

.تفسير الآيات (77- 78):

{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)}
{وَللَّهِ غَيْبُ السموات والأرض} يختص به علمه لا يعلمه غيره، وهو ما غاب فيهما عن العباد بأن لم يكن محسوساً ولم يدل عليه محسوس. وقيل يوم القيامة فإن علمه غائب عن أهل السموات والأرض. {وَمَا أَمْرُ الساعة} وما أمر قيام الساعة في سرعته وسهولته. {إِلاَّ كَلَمْحِ البصر} إلا كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها. {أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} أو أمرها أقرب منه بأن يكون في زمان نصف تلك الحركة بل في الآن الذي تبتدئ فيه، فإنه تعالى يحيي الخلائق دفعة وما يوجد دفعة كان في آن، و{أَوْ} للتخيير أو بمعنى بل. وقيل معناه أن قيام الساعة وإن تراخى فهو عند الله كالشيء الذي تقولون فيه هو كلمح البصر أو هو أقرب مبالغة في استقرابه. {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فيقدر أن يحيي الخلائق دفعة كما قدر أن أحياهم متدرجاً، ثم دل على قدرته فقال: {والله أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أمهاتكم} وقرأ الكسائي بكسر الهمزة على أنه لغة أو إتباع لما قبلها، وحمزة بكسرها وكسر الميم والهاء مزيدة مثلها في أهراق. {لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} جهالاً مستصحبين جهل الجمادية. {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة} أداة تتعلمون بها فتحسون بمشاعركم جزئيات الأشياء فتدركونها ثم تتنبهون بقلوبكم لمشاركات ومباينات بينها بتكرر الإِحساس حتى تتحصل لكم العلوم البديهية، وتتمكنوا من تحصيل المعالم الكسبية بالنظر فيها. {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} كي تعرفوا ما أنعم عليكم طوراً بعد طور فتشكروه.

.تفسير الآية رقم (79):

{أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)}
{أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير} قرأ ابن عامر وحمزة ويعقوب بالتاء على أنه خطاب للعامة. {مسخرات} مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المؤاتية له. {فِي جَوّ السمآء} في الهواء المتباعد من الأرض. {مَا يُمْسِكُهُنَّ} فيه. {إِلاَّ الله} فإن ثقل جسدها يقتضي سقوطها ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها. {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ} تسخير الطير للطيران بأن خلقها خلقة يمكن معها الطيران، وخلق الجو بحيث يمكن الطيران فيه وإمساكها في الهواء على خلاف طبعها. {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لأنهم هم المنتفعون بها.