فصل: تفسير الآية رقم (4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (4):

{قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4)}
{قُل رَّبِّى يَعْلَمُ القول في السماء والأرض} جهراً كان أو سراً فضلاً عما أسروا به فهو آكد من قوله: {قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر في السموات والأرض} ولذلك اختير هاهنا وليطابق قوله: {وَأَسَرُّواْ النجوى} في المبالغة. وقرأ حمزة والكسائي وحفص {قَالَ} بالإِخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم. {وَهُوَ السميع العليم} فلا يخفى عليه ما يسرون ولا ما يضمرون.

.تفسير الآية رقم (5):

{بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)}
{بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} إضراب لهم عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام ثم إلى أنه كلام افتراه، ثم إلى أنه قول شاعر والظاهر أن {بل} الأولى لتمام حكاية والإِبتداء بأخرى أو للإِضراب عن تحاورهم في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وما ظهر عليه من الآيات إلى تقاولهم في أمر القرآن، والثانية والثالثة لإِضرابهم عن كونه أباطيل خيلت إليه وخلطت عليه إلى كونه مفتريات اختلقها من تلقاء نفسه، ثم إلى أنه كلام شعري يخيل إلى السامع معاني لا حقيقة لها ويرغبه فيها، ويجوز أن يكون الكل من الله تنزيلاً لأقوالهم في درج الفساد لأن كونه شعراً أبعد من كونه مفترى لأنه مشحون بالحقائق والحكم وليس فيه ما يناسب قول الشعراء، وهو من كونه أحلاماً لأنه مشتمل على مغيبات كثيرة طابقت الواقع والمفتري لا يكون كذلك بخلاف الأحلام، ولأنهم جربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نيفاً وأربعين سنة وما سمعوا منه كذباً قط، وهو أبعد من كونه سحراً لأنه يجانسه من حيث إنهما من الخوارق. {فَلْيَأْتِنَا بِئَايَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ} أي كما أرسل به الأولون مثل اليد البيضاء والعصا وإبراء الأكمه وإحياء الموتى، وصحة التشبيه من حيث إن الإِرسال يتضمن الإِتيان بالآية.

.تفسير الآية رقم (6):

{مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)}
{مَا ءَامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ} من أهل قرية. {أهلكناها} باقتراح الآيات لما جاءتهم. {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} لو جئتهم بها وهم أعتى منهم، وفيه تنبيه على أن عدم الإتيان بالمقترح للإِبقاء عليهم إذ لو أتى به ولم يؤمنوا استوجبوا عذاب الاستئصال كمن قبلهم.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)}
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً يُوحَى إِلَيْهِمْ فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} جواب لقولهم {هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} فأمرهم أن يسألوا أهل الكتاب عن حال الرسل المتقدمة ليزول عنهم الشبهة والإِحالة عليهم إما للإلزام فإن المشركين كانوا يشاورونهم في أمر النبي عليه الصلاة والسلام ويثقون بقولهم، أو لأن إخبار الجم الغفير يوجب العلم وإن كانوا كفاراً. وقرأ حفص {نُوحِى} بالنون.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)}
{وَمَا جعلناهم جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام وَمَا كَانُواْ خالدين} نفي لما اعتقدوا أنها من خواص الملك عن الرسل تحقيقاً لأنهم كانوا أبشاراً مثلهم. وقيل جواب لقولهم {مَا لهذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِى في الأسواق} {وَمَا كَانُواْ خالدين} تأكيد وتقرير له فإن التعيش بالطعام من توابع التحليل المؤدي إلى الفناء وتوحيد الجسد لا إرادة الجنس، أو لأنه مصدر في الأصل أو على حذف المضاف أو تأويل الضمير بكل واحد وهو جسم ذو لون فلذلك لا يطلق على الماء والهواء، ومنه الجساد للزعفران. وقيل جسم ذو تركيب لأن أصله لجمع الشيء واشتداده.

.تفسير الآية رقم (9):

{ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9)}
{ثُمَّ صدقناهم الوعد} أي في الوعد. {فأنجيناهم وَمَن نَّشَاءُ} يعني المؤمنين بهم ومن في إبقائه حكمة كمن سيؤمن هو أو أحد من ذريته، ولذلك حميت العرب من عذاب الاستئصال. {وَأَهْلَكْنَا المسرفين} في الكفر والمعاصي.

.تفسير الآية رقم (10):

{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)}
{لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ} يا قريش {كتابا} يعني القرآن. {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} صيتكم كقوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} أو موعظتكم أو ما تطلبون به حسن الذكر من مكارم الأخلاق. {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} فتؤمنون.

.تفسير الآية رقم (11):

{وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (11)}
{وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ} وإرادة عن غضب عظيم لأن القصم كسر يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف الفصم. {كَانَتْ ظالمة} صفة لأهلها وصفت بها لما أقيمت مقامه. {وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا} بعد إهلاك أهلها. {قَوْماً ءَاخَرِينَ} مكانهم.

.تفسير الآية رقم (12):

{فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)}
{فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا} فلما أدركوا شدة عذابنا إدراك المشاهد المحسوس، والضمير للأهل المحذوف. {إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ} يهربون مسرعين راكضين دوابهم، أو مشبهين بهم من فرط إسراعهم.

.تفسير الآية رقم (13):

{لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)}
{لاَ تَرْكُضُواْ} على إرادة القول أي قيل لهم استهزاء لا تركضوا إما بلسان الحال أو المقال، والقائل ملك أو من ثم من المؤمنين. {وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} من التنعم والتلذذ والإِتراف إبطار النعمة. {ومساكنكم} التي كانت لكم. {لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ} غدا عن أعمالكم أو تعذبون فإن السؤال من مقدمات العذاب، أو تقصدون للسؤال والتشاور في المهام والنوازل.

.تفسير الآية رقم (14):

{قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14)}
{قَالُواْ يَا وَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظالمين} لما رأوا العذاب ولم يروا وجه النجاة لذلك لم ينفعهم. وقيل إن أهل حضور من قرى اليمن بعث إليهم نبي فقتلوه فسلط الله عليهم بختنصر فوضع السيف فيهم فنادى مناد من السماء يا لثارات الأنبياء فندموا وقالوا ذلك.

.تفسير الآية رقم (15):

{فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)}
{فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} فما زالوا يرددون ذلك، وإنما سماه دعوى لأن المولول كأنه يدعو الويل ويقول: يا ويل تعال فهذا أوانك، وكل من {تِلْكَ} و{دَعْوَاهُمْ} يحتمل الاسمية والخبرية. {حتى جعلناهم حَصِيداً} مثل الحصيد وهو النبت المحصود ولذلك لم يجمع. {خامدين} ميتين من خمدت النار وهو مع {حَصِيداً} منزلة المفعول الثاني كقولك: جعلته حلواً حامضاً إذ المعنى: وجعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والخمود أو صفة له أو حال من ضميره.

.تفسير الآيات (16- 23):

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)}
{وَمَا خَلَقْنَا السمآء والارض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} وإنما خلقناها مشحونة بضروب البدائع تبصرة للنظار وتذكرة لذوي الاعتبار وتسبباً لما ينتظم به أمور العباد في المعاش والمعاد، فينبغي أن يتسلقوا بها إلى تحصيل الكمال ولا يغتروا بزخارفها فإنها سريعة الزوال.
{لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً} ما يتلهى به ويلعب. {لاتخذناه مِن لَّدُنَّا} من جهة قدرتنا، أو من عندنا مما يليق بحضرتنا من المجردات لا من الأجسام المرفوعة والأجرام المبسوطة كعادتكم في رفع السقوف وتزويقها وتسوية الفرش وتزيينها، وقيل اللهو الولد بلغة اليمن وقيل الزوجة والمراد به الرد على النصارى {إِن كُنَّا فاعلين} ذلك ويدل على جواب الجواب المتقدم. وقيل: {إِن} نافية والجملة كالنتيجة للشرطية.
{بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل} إِضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه لذاته عن اللعب أي بل من شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من عداده اللهو. {فَيدمغه} فيمحقه، وإنما استعار لذلك القذف وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمى، والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشق غشاؤه المؤدي إلى زهوق الروح تصويره لابطاله ومبالغة فيه، وقرئ: {فَيَدْمَغُهُ} بالنصب كقوله:
سَأَتْرُكْ مَنْزِلي لَبَنِي تَمِيم ** وَأَلْحَق بِالحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا

ووجه مع بعده الحمل على المعنى والعطف على {الحق}. {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} هالك والزهوق ذهاب الروح وذكره لترشيح المجاز. {وَلَكُمُ الويل مِمَّا تَصِفُونَ} مما تصفونه به مما لا يجوز عليه، وهو في موضع الحال وما مصدرية أو موصولة أو موصوفة.
{وَلَهُ مَن في السموات والارض} خلقاً وملكاً. {وَمَنْ عِندَهُ} يعني الملائكة المنزلين منه لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك، وهو معطوف على {مَن في السموات} وأفرده للتعظيم أو لأنه أعم منه من وجه، أو المراد به نوع من الملائكة متعال عن التبوؤ في السماء والأرض أو مبتدأ خبره: {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} لا يتعظمون عنها. {وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} ولا يعيون منها، وإنما جيء بالاستحسار الذي هو أبلغ من الحسور تنبيهاً على أن عبادتهم بثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ولا يستحسرون.
{يُسَبِّحُونَ الليل والنهار} ينزهونه ويعظمونه دائماً. {لاَ يَفْتُرُونَ} حال من الواو في {يسبحون} وهو استئناف أو حال من ضمير قبله.
{أَمِ اتخذوا ءَالِهَةً} بل اتخذوا والهمزة لإِنكار اتخاذهم. {مِّنَ الأرض} صفة لآلهة أو متعلقة بالفعل على معنى الابتداء، وفائدتها التحقير دون التخصيص. {هُمْ يُنشِرُونَ} الموتى وهم وإن لم يصرحوا به لكن لزم ادعاؤهم لها الإِلهية، فإن من لوازمها الاقتدار على جميع الممكنات والمراد به تجهيلهم والتهكم بهم، وللمبالغة في ذلك زيد الضمير الموهم لاختصاص الانشار بهم.
{وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلاَّ الله} غير الله، وصف ب {إِلاَّ} لتعذر الاستثناء لعدم شمول ما قبلها لما بعدها ودلالته على ملازمة الفساد لكون الآلهة فيهما دونه، والمراد ملازمته لكونها مطلقاً أو معه حملاً لها على غير كما استثنى بغير حملاً عليها، ولا يجوز الرفع على البدل لأنه متفرع على الاستثناء ومشروط بأن يكون في كلام غير موجب.
{لَفَسَدَتَا} لبطلتا لما يكون بينهما من الاختلاف والتمانع، فإنها إن توافقت في المراد تطاردت عليه القدر وإن تخالفت فيه تعاوقت عنه. {فسبحان الله رَبِّ العرش} المحيط بجميع الأجسام الذي هو محل التدابير ومنشأ التقادير. {عَمَّا يَصِفُونَ} من اتخاذ الشريك والصاحبة والولد.
{لاَّ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} لعظمته وقوة سلطانه وتفرده بالألوهية والسلطنة الذاتية. {وَهُمْ يُسْئَلُونَ} لأنهم مملوكون مستعبدون والضمير لل {ءَالِهَةً} أو للعباد.

.تفسير الآية رقم (24):

{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)}
{أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً} كرره استعظاماً لكفرهم واستفظاعاً لأمرهم وتبكيتاً وإظهاراً لجهلهم، أو ضماً لإِنكار ما يكون لهم سنداً من النقل إلى إنكار ما يكون لهم دليلاً من العقل على معنى أوجدوا آلهة ينشرون الموتى فاتخذوهم آلهة، لما وجدوا فيهم من خواص الألوهية، أو وجدوا في الكتب الإِلهية الأمر بإشراكهم فاتخذوهم متابعة للأمر، ويعضد ذلك أنه رتب على الأول ما يدل على فساده عقلاً وعلى الثاني ما يدل على فساده نقلاً. {قُلْ هَاتُواْ برهانكم} على ذلك إما من العقل أو من النقل، فإنه لا يصح القول بما لا دليل عليه كيف وقد تطابقت الحجج على بطلانه عقلاً ونقلاً. {هذا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى} من الكتب السماوية فانظروا هل تجدون فيها إلا الأمر بالتوحيد والنهي عن الإِشراك، والتوحيد لما لم يتوقف على صحته بعثة الرسل وإنزال الكتب صح الاستدلال فيه بالنقل و{مَن مَّعِىَ} أمته و{مَن قَبْلِى} الأمم المتقدمة وإضافة الذِكْر إليهم لأنه عظتهم، وقرئ بالتنوين ولا إعمال وبه وب {مِنْ} الجارة على أن مع اسم هو ظرف كقبل وبعد وشبههما وبعدمها. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق} ولا يميزون بينه وبين الباطل، وقرئ: {الحق} بالرفع على أنه خبر محذوف وسط للتأكيد بين السبب والمسبب. {فَهُمْ مُّعْرِضُونَ} عن التوحيد واتباع الرسول من أجل ذلك.