فصل: تفسير الآيات (34- 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (34- 41):

{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)}
{واذكرن مَا يتلى في بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءايات الله والحكمة} من الكتاب الجامع بين الأمرين وهو تذكير بما أنعم الله عليهم من حيث جعلهن أهل بيت النبوة ومهبط الوحي وما شاهدن من برحاء الوحي مما يوجب قوة الإِيمان والحرص على الطاعة حثاً على الانتهاء والائتمار فيما كلفن به. {إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} يعلم ويدبر ما يصلح في الدين ولذلك خيركن ووعظكن، أو يعلم من يصلح لنبوته ومن يصلح أن يكون أهل بيته.
{إِنَّ المسلمين والمسلمات} الداخلين في السلم المنقادين لحكم الله. {والمؤمنين والمؤمنات} المصدقين بما يجب أن يصدق به. {والقانتين والقانتات} المداومين على الطاعة. {والصادقين والصادقات} في القول والعمل {والصابرين والصابرات} على الطاعات وعن المعاصي. {والخاشعين والخاشعات} المتواضعين لله بقلوبهم وجوارحهم. {والمتصدقين والمتصدقات} بما وجب في مالهم. {والصائمين والصائمات} الصوم المفروض. {والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات} عن الحرام. {والذاكرين الله كَثِيراً والذاكرات} بقلوبهم وألسنتهم. {أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً} لما اقترفوا من الصغائر لأنهم مكفرات. {وَأَجْراً عَظِيماً} على طاعتهم، والآية وعد لهن ولأمثالهم على الطاعة والتدرع بهذه الخصال. روي: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن: يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن بخير فما فينا خير نذكر به فنزلت. وقيل: لما نزل فيهن ما نزل قال نساء المسلمين فما نزل فينا شيء فنزلت: وعطف الاناث على الذكور لاختلاف الجنسين وهو ضروري، وعطف الزوجين على الزوجين لتغاير الوصفين فليس بضروري ولذلك ترك في قوله: {مسلمات مؤمنات} وفائدته الدلالة على أن إعداد المعد لهم للجمع بين هذه الصفات.
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} ما صح له. {إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً} أي قضى رسول الله، وذكر الله لتعظيم أمره والإِشعار بأن قضاءه قضاء الله، لأنه نزل في زينب بنت جحش بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة فأبت هي وأخوها عبد الله. وقيل في أم كلثوم بنت عقبة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فزوجها من زيد. {أَن تَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ} أن يختاروا من أمرهم شيئاً بل يجب عليهم أن يجعلوا اختيارهم تبعاً لاختيار الله ورسوله، والخيرة ما يتخير وجمع الضمير الأول لعموم مؤمن ومؤمنة من حيث إنهما في سياق النفي، وجمع الثاني للتعظيم. وقرأ الكوفيون وهشام {يكون} بالياء. {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضلالا مُّبِيناً} بين الانحراف عن الصواب.
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنعَمَ الله عَلَيْهِ} بتوفيقه للإسلام وتوفيقك لعتقه واختصاصه. {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بما وفقك الله فيه وهو زيد بن حارثة.
{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} زينب. وذلك: أنه عليه الصلاة والسلام أبصرها بعد ما أنكحها إياه فوقعت في نفسه فقال سبحان الله مقلب القلوب، وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرت لزيد ففطن لذلك ووقع في نفسه كراهة صحبتها، فأتى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: أريد أن أفارق صاحبتي، فقال: «ما لك أرابك منها شيء؟»، فقال: لا والله ما رأيت منها إلا خيراً ولكنها لشرفها تتعظم علي، فقال له: «أمسك عليك زوجك» {واتق الله} في أمرها فلا تطلقها ضراراً وتعللاً بتكبرها. {وَتُخْفِى في نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ} وهو نكاحها إن طلقها أو إرادة طلاقها. {وَتَخْشَى الناس} تعييرهم إياك به. {والله أَحَقُّ أَن تخشاه} إن كان فيه ما يخشى، والواو للحال، وليست المعاتبة على الإِخفاء وحده فإنه حسن بل على الإخفاء مخافة قالة الناس وإظهار ما ينافي إضماره، فإن الأولى في أمثال ذلك أن يصمت أو يفوض الأمر إلى ربه. {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً} حاجة بحيث ملها ولم يبق له فيها حاجة وطلقها وانقضت عدتها. {زوجناكها} وقيل قضاء الوطر كناية عن الطلاق مثل لا حاجة لي فيك. وقرئ: {زوجتكها}، والمعنى أنه أمر بتزويجها منه أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد. ويؤيده أنها كانت تقول لسائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى تولى إنكاحي وأنتن زوجكن أولياؤكن. وقيل كان زيد السفير في خطبتها وذلك ابتلاء عظيم وشاهد بين على قوة إيمانه. {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً} علة للتزويج، وهو دليل على أن حكمه وحكم الأمة واحدة إلا ما خصه الدليل {وَكَانَ أَمْرُ الله} أمره الذي يريده {مَفْعُولاً} مكوناً لا محالة كما كان تزويج زينب {مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ} قسم له وقدر من قولهم فرض له في الديوان، ومنه فروض العسكر لأرزاقهم. {سُنَّةَ الله} سن ذلك سنة. {فِى الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} من الأنبياء، وهو نفي الحرج عنهم فيما أباح لهم. {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً} قضاء مقضياً وحكماً مبتوتاً.
{الذين يُبَلّغُونَ رسالات الله} صفة للذين خلوا أو مدح لهم منصوب أو مرفوع، وقرئ: {رسالة الله}. {وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله} تعريض بعد تصريح. {وكفى بالله حَسِيباً} كافياً للمخاوف أو محاسباً فينبغي أن لا يخشى إلا منه.
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ} على الحقيقة فيثبت بينه وبينه ما بين الوالد وولده من حرمة المصاهرة وغيرها، ولا ينتقض عمومه بكونه أبا للطاهر والقاسم وإبراهيم لأنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال ولو بلغوا كانوا رجاله لا رجالهم. {ولكن رَّسُولَ الله} وكل رسول أبو أمته لا مطلقاً بل من حيث إنه شفيق ناصح لهم، واجب التوقير والطاعة عليهم وزيد منهم ليس بينه وبينه ولادة.
وقرئ: {رَسُولُ الله} بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ولكن بالتشديد على حذف الخبر أي {ولكن رَّسُولَ الله} من عرفتم أنه لم يعش له ولد ذكر. {وَخَاتَمَ النبيين} وآخرهم الذي ختمهم أو ختموا به على قراءة عاصم بالفتح، ولو كان له ابن بالغ لاق بمنصبه أن يكون نبياً كما قال عليه الصلاة والسلام في إبراهيم حين توفى: «لو عاش لكان نبياً» ولا يقدح فيه نزول عيسى بعده لأنه إذا نزل كان على دينه، مع أن المراد منه أنه آخر من نبئ. {وَكَانَ الله بِكُلّ شَئ عَلِيماً} فيعلم من يليق بأن يختم به النبوة وكيف ينبغي شأنه.
{يا أيها الذين ءَامَنُواْ اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً} يغلب الأوقات ويعم الأنواع بما هو أهله من التقديس والتحميد والتهليل والتمجيد.

.تفسير الآيات (42- 54):

{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)}
{وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أول النهار وآخره خصوصاً، وتخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الأوقات لكونهما مشهودين كأفراد التسبيح من جملة الأذكار لأنه العمدة فيها. وقيل الفعلان موجهان إليهما. وقيل المراد بالتسبيح الصلاة.
{هُوَ الذي يُصَلّي عَلَيْكُمْ} بالرحمة. {وملائكته} بالاستغفار لكم والاهتمام بما يصلحكم، والمراد بالصلاة المشترك وهو العناية بصلاح أمركم وظهور شرفكم مستعار من الصلو. وقيل الترحم والانعطاف المعنوي مأخوذ من الصلاة المشتملة على الانعطاف الصوري الذي هو الركوع والسجود، واستغفار الملائكة ودعاؤهم للمؤمنين ترحم عليه سيما وهو السبب للرحمة من حيث إنهم مجابو الدعوة. {لِيُخْرِجَكُمْ مّنَ الظلمات إِلَى النور} من ظلمات الكفر والمعصية إلى نوري الإِيمان والطاعة. {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً} حيث اعتنى بصلاح أمرهم وإنافة قدرهم واستعمل في ذلك ملائكته المقربين.
{تَحِيَّتُهُمْ} من إضافة المصدر إلى المفعول أو يحيون. {يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ} يوم لقائه عند الموت أو الخروج من القبور، أو دخول الجنة. {سلام} إخبار بالسلامة عن كل مكروه وآفة. {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} هي الجنة، ولعل اختلاف النظم لمحافظة الفواصل والمبالغة فيما هو أهم.
{يا أيها النبى إِنَّا أرسلناك شَاهِداً} على من بعثت إليهم بتصديقهم وتكذيبهم ونجاتهم وضلالهم وهو حال مقدرة. {وَمُبَشّراً وَنَذِيراً}.
{وَدَاعِياً إِلَى الله} إلى الإِقرار به وبتوحيده وما يجب الإِيمان به من صفاته. {بِإِذْنِهِ} بتيسيره وأطلق له من حيث أنه من أسبابه وقيد به الدعوة إيذاناً بأنه أمر صعب لا يتأتى إلا بمعونة من جناب قدسه. {وَسِرَاجاً مُّنِيراً} يستضاء به عن ظلمات الجهالات ويقتبس من نوره أنوار البصائر.
{وَبَشّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً} على سائر الأمم أو على جزاء أعمالهم، ولعله معطوف على محذوف مثل فراقب أحوال أمتك.
{وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين} تهييج له على ما هو عليه من مخالفتهم. {وَدَعْ أَذَاهُمْ} إيذاءهم إياك ولا تحتفل به، أو إيذاءك إياهم مجازاة أو مؤاخذة على كفرهم، ولذلك قيل إنه منسوخ. {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} فإنه يكفيكهم. {وكفى بالله وَكِيلاً} موكولاً إليه الأمر في الأحوال كلها، ولعله سبحانه وتعالى لما وصفه بخمس صفات قابل كلا منها بخطاب يناسبه، فحذف مقابل الشاهد وهو الأمر بالمراقبة لأن ما بعده كالتفصيل له، وقابل المبشر بالأمر والسراج المنير بالاكتفاء به فإن من أناره الله برهاناً على جميع خلقه كان حقيقاً بأن يكتفى به عن غيره.
{يا أيها الذين ءَامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} تجامعوهن، وقرأ حمزة والكسائي بألف وضم التاء. {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} أيام يتربصن فيها بأنفسهن. {تَعْتَدُّونَهَا} تستوفون عددها من عددت الدراهم فاعتدها كقولك: كلته فاكتاله، أو تعدونها. والإِسناد إلى الرجال للدلالة على أن العدة حق الأزواج كما أشعر به فما لكم، وعن ابن كثير {تَعْتَدُّونَهَا} مخففاً على إبدال إحدى الدالين بالياء أو على أنه من الاعتداء بمعنى تعتدون فيها، وظاهره يقتضي عدم وجوب العدة بمجرد الخلوة وتخصيص المؤمنات والحكم عام للتنبيه على أن من شأن المؤمن أن لا ينكح إلا مؤمنة تخييراً لنطفته، وفائدة ثم إزاحة ما عسى أن يتوهم تراخي الطلاق ريثما تمكن الإِصابة كما يؤثر في النسب يؤثر في العدة.
{فَمَتّعُوهُنَّ} أي إن لم يكن مفروضاً لها فإن الواجب للمفروض لها نصف المفروض دون المتعة ويجوز أن يؤول التمتيع بما يعمهما، أو الأمر بالمشترك بين الوجوب والندب فإن المتعة سنة للمفروض لها. {وَسَرّحُوهُنَّ} أخرجوهن من منازلكم إذ ليس لكم عليهن عدة. {سَرَاحاً جَمِيلاً} من غير ضرار ولا منع حق، ولا يجوز تفسيره بالطلاق السني لأنه مرتب على الطلاق والضمير لغير المدخول بهن.
{يا أيها النبى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك اللاتى ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} مهورهن لأن المهر أجر على البضع، وتقييد الإِحلال له بإعطائها معجلة لا لتوقف الحل عليه بل لإيثار الأفضل له كتقييد إحلال المملوكة بكونها مسبية بقوله: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكَ} فإن المشتراة لا يتحقق بدء أمرها وما جرى عليها، وتقييد القرائب بكونها مهاجرات معه في قوله: {وَبَنَاتِ عَمّكَ وَبَنَاتِ عماتك وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خالاتك اللاتى هاجرن مَعَكَ} ويحتمل تقييد الحل بذلك في حقه خاصة ويعضده قول أم هانئ بنت أبي طالب: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني، ثم أنزل الله هذه الآية فلم أحل له لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء. {وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيّ} نصب بفعل يفسره ما قبله أو عطف على ما سبق، ولا يدفعه التقييد بأن التي للاستقبال فإن المعنى بالإحلال والإِعلام بالحل أي: أعلمناك حل امرأة مؤمنة تهب لك نفسها ولا تطلب مهراً إن اتفق ولذلك نكرها. واختلف في اتفاق ذلك والقائل به ذكر أربعاً: ميمونة بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة الأنصارية، وأم شريك بنت جابر، وخولة بنت حكيم. وقرئ: {أَن} بالفتح أي لأن وهبت أو مدة أن وهبت كقولك: اجلس ما دام زيد جالساً. {إِنْ أَرَادَ النبى أَن يَسْتَنكِحَهَا} شرط للشرط الأول في استيجاب الحل فإن هبتها نفسها منه لا توجب له حلها إلا بإرادته نكاحها، فإنها جارية مجرى القبول والعدول عن الخطاب إلى الغيبة بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم مكرراً، ثم الرجوع إليه في قوله: {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين} إيذان بأنه مما خص به لشرف نبوته وتقرير لاستحقاق الكرامة لأجله. واحتج به أصحابنا على أن النكاح لا ينعقد بلفظ الهبة لأن اللفظ تابع للمعنى وقد خص عليه الصلاة والسلام بالمعنى فيختص باللفظ، والاستنكاح طلب النكاح والرغبة فيه، {وخَالِصَةً} مصدر مؤكد أي خلص إحلالها أو إحلال ما أحللنا لك على القيود المذكورة خلوصاً لك، أو حال من الضمير في {وَهَبَتْ} أو صفة لمصدر محذوف أي هبة خالصة.
{قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ في أزواجهم} من شرائط العقد ووجوب القسم والمهر بالوطء حيث لم يسم. {وَمَا مَلَكَتْ أيمانهم} من توسيع الأمر فيها أنه كيف ينبغي أن يفرض عليهم، والجملة اعتراض بين قوله: {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} ومتعلقه وهو {خَالِصَةٌ} للدلالة على أن الفرق بينه وبين {المؤمنين} في نحو ذلك لا لمجرد قصد التوسيع عليه، بل لمعان تقتضي التوسيع عليه والتضييق عليهم تارة وبالعكس أخرى. {وَكَانَ الله غَفُوراً} لما يعسر التحرز عنه. {رَّحِيماً} بالتوسعة في مظان الحرج.
{تُرْجِى مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ} تؤخرها وتترك مضاجعتها. {وَتُؤْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ} وتضم إليك من تشاء وتضاجعها، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء. وقرأ نافع وحمزة والكسائيي وحفص {تُرْجِى} بالياء والمعنى واحد. {وَمَنِ ابتغيت} طلبت. {مِمَّنْ عَزَلْتَ} طلقت بالرجعة. {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} في شيء من ذلك. {ذَلِكَ أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا ءاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} ذلك التفويض إلى مشيئتك أقرب إلى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعاً، لأن حكم كلهن فيه سواء، ثم إن سويت بينهن وجدن ذلك تفضلاً منك وإن رجحت بعضهن علمن أنه بحكم الله تعالى فتطمئن به نفوسهم، وقرئ: {تَقَرَّ} بضم التاء و{أَعْيُنُهُنَّ} بالنصب و{تَقَرَّ} بالبناء للمفعول و{كُلُّهُنَّ} تأكيد نون {يرضين}، وقرئ بالنصب تأكيداً لهن. {والله يَعْلَمُ مَا في قلُوبِكُمْ} فاجتهدوا في إحسانه. {وَكَانَ الله عَلِيماً} بذات الصدور. {حَلِيماً} لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بأن يتقى.
{لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء} بالياء لأن تأنيث الجمع غير حقيقي، وقرأ البصريان بالتاء. {مِن بَعْدِ} من بعد التسع وهو في حقه كالأربع في حقنا، أو من بعد اليوم حتى لو ماتت واحدة لم يحل له نكاح أخرى. {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} فتطلق واحدة وتنكح مكانها أخرى و{مِنْ} مزيدة لتأكيد الاستغراق. {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} حسن الأزواج المستبدلة، وهو حال من فاعل {تُبَدَّلُ} دون مفعوله وهو {مِنْ أَزْوَاجٍ} لتوغله في التنكير، وتقديره مفروضاً إعجابك بهن واختلف في أن الآية محكمة أو منسوخة بقوله: {تُرْجِى مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ} على المعنى الثاني فإنه وإن تقدمها قراءة فهو مسبوق بها نزولاً. وقيل المعنى لا يحل لك النساء من بعد الأجناس الأربعة اللاتي نص على إحلالهن لك ولا أن تبدل بهن أزواجاً من أجناس أخر. {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} استثناء من النساء لأنه يتناول الأزواج والإِماء، وقيل منقطع. {وَكَانَ الله على كُلّ شَئ رَّقِيباً} فتحفظوا أمركم ولا تتخطوا ما حد لكم.
{يا أيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} إلا وقت أن يؤذن لكم أو إلا مأذوناً لكم. {إلى طَعَامٍ} متعلق ب {يُؤْذَنَ} لأنه متضمن معنى يدعى للإشعار بأنه لا يحسن الدخول على الطعام من غير دعوة وإن أذن كما أشعر به قوله: {غَيْرَ ناظرين إناه} غير منتظرين وقته، أو إدراكه حال من فاعل {لاَ تَدْخُلُواْ} أو المجرور في {لَكُمْ}. وقرئ بالجر صفة لطعام فيكون جارياً على غير من هو له بلا إبراز الضمير، وهو غير جائز عند البصريين وقد أمال حمزة والكسائي إناه لأنه مصدر أنى الطعام إذا أدرك. {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا} تفرقوا ولا تمكثوا، ولأنه خطاب لقوم كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإِدراكه، مخصوصة بهم وبأمثالهم وإلا لما جاز لأحد أن يدخل بيوته بالإِذن لغير الطعام ولا اللبث بعد الطعام لهم. {وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} لحديث بعضكم بعضاً، أو لحديث أهل البيت بالتسمع له عطف على {ناظرين} أو مقدر بفعل أي: ولا تدخلوا أو ولا تمكثوا مستأنسين. {إِنَّ ذَلِكُمْ} اللبث. {كَانَ يُؤْذِي النبي} لتضييق المنزل عليه وعلى أهله وإشغاله بما لا يعنيه. {فَيَسْتَحِي مّنكُمْ} من إخراجكم بقوله: {والله لاَ يَسْتَحْىيِي مِنَ الحق} يعني أن إخراجكم حق فينبغي أن لا يترك حياء كما لم يتركه الله ترك الحيي فأمركم بالخروج، وقرئ: {لاَ يَسْتَحْىِ} بحذف الياء الأولى وإلقاء حركتها على الحاء. {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ متاعا} شيئاً ينتفع به. {فاسألوهن} المتاع. {مِن وَرَاء حِجَابٍ} ستر. روي: «أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فنزلت». وقيل أنه عليه الصلاة والسلام كان يطعم ومعه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل عائشة رضي الله عنها فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فنزلت. {ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} من الخواطر النفسانية الشيطانية. {وَمَا كَانَ لَكُمْ} وما صح لكم. {أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} أن تفعلوا ما يكرهه. {وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً} من بعد وفاته أو فراقه، وخص التي لم يدخل بها، لما روي أن أشعث بن قيس تزوج المستعيذة في أيام عمر رضي الله عنه فهم برجمها، فأخبر بأنه عليه الصلاة والسلام فارقها قبل أن يمسها فتركها من غير نكير. {إِنَّ ذَلِكُمْ} يعني إيذاءه ونكاح نسائه. {كَانَ عِندَ الله عَظِيماً} ذنباً عظيماً، وفيه تعظيم من الله لرسوله وإيجاب لحرمته حياً وميتاً ولذلك بالغ في الوعيد عليه فقال: {إِن تُبْدُواْ شَيْئاً} كنكاحهن على ألسنتكم. {أَوْ تُخْفُوهْ} في صدوركم. {فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلّ شَئ عَلِيماً} فيعلم ذلك فيجازيكم به، وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود مزيد تهويل ومبالغة في الوعيد.