فصل: تفسير الآيات (28- 36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (28- 36):

{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29) وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)}
{أَمْ نَجْعَلُ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين في الأرض} {أَمْ} منقطعة والاستفهام فيها لإِنكار التسوية بين الحزبين التي هي من لوازم خلقها باطلاً ليدل على نفيه وكذا التي في قوله: {أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار} كأنه أنكر التسوية أولاً بين المؤمنين والكافرين ثم بين المتقين من المؤمنين والمجرمين منهم، ويجوز أن يكون تكريراً للإِنكار الأول باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية من الحكيم الرحيم، والآية تدل على صحة القول بالحشر، فإن التفاضل بينهما إما أن يكون في الدنيا والغالب فيها عكس ما يقتضي الحكمة فيه، أو في غيرها وذلك يستدعي أن يكون لهم حالة أخرى يجازون بها.
{كتاب أنزلناه إِلَيْكَ مبارك} نفاع، وقرئ بالنصب على الحال. {لّيَدَّبَّرُواْ ءاياته} ليتفكروا فيها فيعرفواما يدبر ظاهرها من التأويلات الصحيحة والمعاني المستنبطة وقرئ ليتدبروا على الأصل ولتدبروا أي أنت وعلماء أمتك. {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الألباب} وليتعظ به ذوو العقول السليمة، أو ليستحضروا ما هو كالمركوز في عقولهم من فرط تمكنهم من معرفته بما نصب عليه من الدلائل، فإن الكتب الإليهة بيان لما لا يعرف إلا من الشرع، وإرشاد إلى ما يستقل به العقل، ولعل التدبر للمعلوم الأول والتذكر الثاني. {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سليمان نِعْمَ العبد} أي نعم العبد سليمان إذ ما بعده تعليل للمدح وهو في حاله. {إِنَّهُ أَوَّابٌ} رجاع إلى الله بالتوبة، أو إلى التسبيح مرجع له.
{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ} ظرف ل {أَوَّابٌ} أو ل {نِعْمَ}، والضمير ل {سليمان} عند الجمهور {بالعشى} بعد الظهر {الصافنات} الصافن من الخيل الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل، وهو من الصفات المحمودة في الخيل الذي لا يكاد يكون إلا في العراب الخلص. {الجياد} جمع جواد أو جود، وهو الذي يسرع في جريه وقيل الذي يجود في الركض، وقيل جمع جيد. روي أنه عليه الصلاة والسلام غزا دمشق ونصيبين وأصاب ألف فرس، وقيل أصابها أبوه من العمالقة فورثها منه فاستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر، أو عن ورد كان له فاغتم لما فاته فاستردها فعقرها تقرباً لله.
{فَقَالَ إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِى} أصل {أَحْبَبْتُ} أن يعدى بعلى لأنه بمعنى آثرت لكن لما أنيب مناب أنبت عدي تعديته، وقيل هو بمعنى تقاعدت من قوله:
مِثْلُ بَعِيرِ السُّوءِ إِذَا أَحَبَّا

أي برك، و{حُبَّ الخير} مفعول له والخير المال الكثير، والمراد به الخيل التي شغلته ويحتمل أنه سماها خيراً لتعلق الخير بها. قال عليه الصلاة والسلام: «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة» وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بفتح الياء.
{حتى تَوَارَتْ بالحجاب} أي غربت الشمس، شبه غروبها بتواري المخبأة بحجابها وإضمارها من غير ذكر لدلالة العشي عليها.
{رُدُّوهَا عَلَىَّ} الضمير ل {الصافنات}. {فَطَفِقَ مَسْحاً} فأخذ بمسح السيف مسحاً. {بالسوق والأعناق} أي بسوقها وأعناقها يقطعها من قولهم مسح علاوته إذا ضرب عنقه، وقيل جعل يمسح بيده أعناقها وسوقها حبالها، وعن ابن كثير {بالسؤق} على همز الواو لضمة ما قبلها كمؤقن، وعن أبي عمرو {بالسؤوق} وقرئ: {بالساق} اكتفاء بالواحد عن الجمع لأمن الالباس.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ} وأظهر ما قيل فيه ما روي مرفوعاً: «أنه قال: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة جاءت بشق رجل، فو الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا فرساناً» وقيل ولد له ابن فاجتمعت الشياطين على قتله فعلم ذلك، فكان يغدوه في السحاب فما شعر به إلا أن ألقي على كرسيه ميتاً فتنبه على خطئه بأن لم يتوكل على الله. وقيل إنه غزا صيدون من الجزائر فقتل ملكها وأصاب ابنته جرادة، فأحبها وكان لا يرقأ دمعها جزعاً على أبيها، فأمر الشياطين فمثلوا لها صورته فكانت تغدو إليها وتروح مع ولائدها يسجدن لها كعادتهن في ملكه، فأخبره آصف فكسر الصورة وضرب المرأة وخرج إلى الفلاة باكياً متضرعاً، وكانت له أم ولد اسمها أمينة إذا دخل للطهارة أعطاها خاتمه وكان ملكه فيه، فأعطاها يوماً فتمثل لها بصورته شيطان اسمه صخر وأخذ الخاتم وتختم به وجلس على كرسيه، فاجتمع عليه الخلق ونفذ حكمه في كل شيء إلا في نسائه وغير سليمان عن هيئته، فأتاها لطلب الخاتم فطردته فعرف أن الخطيئة قد أدركته، فكان يدور على البيوت يتكفف حتى مضى أربعون يوماً عدد ما عبدت الصورة في بيته، فطار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة فوقعت في يده فبقر بطنها فوجد الخاتم فتختم به وخر ساجداً وعاد إليه الملك، فعلى هذا الجسد صخر سمي به وهو جسم لا روح فيه لأنه كان متمثلاً بما لم يكن كذلك، والخطيئة تغافله عن حال أهله لأن اتخاذ التماثيل كان جائزاً حينئذ، وسجود الصورة بغير علمه لا يضره.
{قَالَ رَبّ اغفر لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لأَحَدٍ مّن بَعْدِى} لا يتسهل له ولا يكون ليكون معجزة لي مناسبة لحالي، أو لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني بعد هذه السلبة، أو لا يصح لأحد من بعدي لعظمته كقولك: لفلان ما ليس لأحد من الفضل والمال، على إرادة وصف الملك بالعظمة لا أن لا يعطى أحد مثله فيكون منافسة، وتقديم الاستغفار على الاستيهاب لمزيد اهتمامه بأمر الدين ووجوب تقديم ما يجعل للدعاء بصدد الإِجابة. وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء. {إِنَّكَ أَنتَ الوهاب} المعطي ما تشاء لمن تشاء.

.تفسير الآيات (37- 47):

{وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (40) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)}
{فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح} فذللناها لطاعته إجابة لدعوته وقرئ: {الرياح}. {تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاءً} لينة من الرخاوة لا تزعزع، أو لا تخالف إرادته كالمأمور المنقاد. {حَيْثُ أَصَابَ} أراد من قولهم أصاب الصواب فأخطأ الجواب.
{والشياطين} عطف على {الريح}. {كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} بدل منه.
{وَءَاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ في الأصفاد} عطف على كل كأنه فصل الشياطين إلى عملة استعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء والغوص، ومردة قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن الشر، ولعل أجسامهم شفافة صلبة فلا ترى ويمكن تقييدها، هذا والأقرب أن المراد تميل كفهم عن الشرور بالإِقران في الصفد وهو القيد، وسمي به العطاء لأنه يرتبط به المنعم عليه. وفرقوا بين فعليهما فقالوا صفده قيده وأصفده أعطاه عكس وعد وأوعد وفي ذلك نكتة.
{هذا عَطَاؤُنَا} أي هذا الذي أعطيناك من الملك والبسطة والتسلط على ما لم يسلط به غيرك عطائنا. {فامنن أَوْ أَمْسِكْ} فاعط من شئت وامنع من شئت. {بِغَيْرِ حِسَابٍ} حال من المستكن في الأمر، أي غير محاسب على منه وإمساكه لتفويض التصرف فيه إليك أو من العطاء أو صلة له وما بينهما اعتراض. والمعنى أنه عطاء جم لا يكاد يمكن حصره، وقيل الإِشارة إلى تسخير الشياطين، والمراد بالمن والإِمساك إطلاقهم وإبقاءهم في القيد.
{وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى} في الآخرة مع ما له من الملك العظيم في الدنيا. {وَحُسْنَ مَئَابٍ} هو الجنة.
{واذكر عَبْدَنَا أَيُّوبَ} هو ابن عيص بن إسحاق وامرأته ليا بنت يعقوب صلوات الله عليه. {إِذْ نادى رَبَّهُ} بدل من {عَبْدَنَا} و{أَيُّوبَ} عطف بيان له. {أَنّى مَسَّنِىَ} بأن مسني، وقرأ حمزة بإسكان الياء وإسقاطها في الوصل. {الشيطان بِنُصْبٍ} بتعب. {وَعَذَابٍ} ألم وهي حكاية لكلامه الذي ناداه به ولولا هي لقال إنه مسه، والإِسناد إلى {الشيطان} إما لأن الله مسه بذلك لما فعل بوسوسته كما قيل إنه أعجب بكثرة ماله أو استغاثة مظلوم فلم يغثه، أو كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزه، أو لسؤاله امتحاناً لصبره فيكون اعترافاً بالذنب أو مراعاة للأدب، أو لأنه وسوس إلى أتباعه حتى رفضوه وأخرجوه من ديارهم، أو لأن المراد بالنصب والعذاب ما كان يوسوس إليه في مرضه من عظم البلاء والقنوط من الرحمة ويغريه على الجزع، وقرأ يعقوب بفتح النون على المصدر، وقرئ بفتحتين وهو لغة كالرشد والرشد وبضمتين للتثقيل.
{اركض بِرِجْلِكَ} حكاية لما أجيب به أي اضرب برجلك الأرض. {هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} أي فضربها فنبعت عين فقيل هذا مغتسل أي ماء تغتسل به وتشرب منه فيبرأ باطنك وظاهرك، وقيل نبعث عينان حارة وباردة فاغتسل من الحارة واشرب من الأخرى.
{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ} بأن جمعناهم عليه بعد تفرقهم أو أحييناهم بعد موتهم، وقيل وهبنا له مثلهم. {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} حتى كان له ضعف ما كان. {رَحْمَةً مّنَّا} لرحمتنا عليه {وذكرى لأُوْلِى الألباب} وتذكيراً لهم لينتظروا الفرج بالصبر واللجأ إلى الله فيما يحيق بهم.
{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً} عطف على اركض والضغث الحزمة الصغيرة من الحشيش ونحوه. {فاضرب بّهِ وَلاَ تَحْنَثْ} روي أن زوجته ليا بنت يعقوب وقيل رحمة بنت افراثيم بن يوسف ذهبت لحاجة فأبطأت فحلف إن برئ ضربها مائة ضربة، فحلل الله يمينه بذلك وهي رخصة باقية في الحدود. {إِنَّا وجدناه صَابِراً} فيما أصابه في النفس والأهل والمال، ولا يخل به شكواه إلى الله من الشيطان فإنه لا يسمى جزعاً كتمني العافية وطلب الشفاء مع أنه قال ذلك خيفة أن يفتنه أو قومه في الدين. {نِعْمَ العبد} أيوب. {إِنَّهُ أَوَّابٌ} مقبل بشراشره على الله تعالى.
{واذكر عِبَادَنَا إبراهيم وإسحاق وَيَعْقُوبَ} وقرأ ابن كثير {عَبْدَنَا} وضع الجنس موضع الجمع، أو على أن {إِبْرَاهِيمَ} وحده لمزيد شرفه عطف بيان له، {وإسحاق وَيَعْقُوبَ} عطف عليه. {أُوْلِى الأيدى والأبصار} أولي القوة في الطاعة والبصيرة في الدين، أو أولي الأعمال الجليلة والعلوم الشريفة، فعبر بالأيدي عن الأعمال لأن أكثرها بمباشرتها وبالأبصار عن المعارف لأنها أقوى مباديها، وفيه تعريض بالبطلة الجهال أنهم كالزمنى والعماة.
{إِنَّا أخلصناهم بِخَالِصَةٍ} جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة لا شوب فيها هي: {ذِكْرَى الدار} تذكرهم الدار الآخرة دائماً فإن خلوصهم في الطاعة بسببها، وذلك لأن مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون جوار الله والفوز بلقائه وذلك في الآخرة، وإطلاق {الدار} للاشعار بأنها الدار الحقيقية والدنيا معبر، وأضاف نافع وهشام {بِخَالِصَةٍ} إلى {ذِكْرِى} للبيان أو لأنه مصدر بمعنى الخلوص فأضيف إلى فاعله.
{وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين الأخيار} لمن المختارين من أمثالهم المصطفين عليهم في الخير جمع خير كشر وأشرار. وقيل جمع خير أو خير على تخفيفه كأموات في جمع ميت أو ميت.

.تفسير الآيات (48- 60):

{وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)}
{واذكر إسماعيل واليسع} هو ابن أخطوب استخلفه إلياس على بني إسرائيل ثم استنبئ، واللام فيه كما في قوله:
رَأَيْتُ الوَلِيدَ بْنَ اليَزِيدَ مُبَارَكاً

وقرأ حمزة والكسائي {ولليسع} تشبيهاً بالمنقول من ليسع من اللسع. {وَذَا الكفل} ابن عم يسع أو بشر بن أيوب. واختلف في نبوته ولقبه فقيل فر إليه مائة نبي من بني إسرائيل من القتل فآواهم وكفلهم، وقيل كفل بعمل رجل صالح كان يصلي كل يوم مائة صلاة {وَكُلٌّ} أي وكلهم. {مّنَ الأخيار}.
{هذا} إشارة إلى ما تقدم من أمورهم. {ذُكِرٌ} شرف لهم، أو نوع من الذكر وهو القرآن. ثم شرع في بيان ما أعد لهم ولأمثالهم فقال: {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} مرجع.
{جنات عَدْنٍ} عطف بيان {لَحُسْنَ مَئَابٍ} وهو من الأعلام الغالبة لقوله: {جنات عَدْنٍ التي وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ بالغيب} وانتصب عنها. {مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب} على الحال والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل، وقرئتا مرفوعتين على الابتداء والخبر أو أنهما خبران لمحذوف.
{مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بفاكهة كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} حالان متعاقبان أو متداخلان من الضمير في لهم لا من المتقين للفصل، والأظهر أن يدعون استئناف لبيان حالهم فيها ومتكئين حال من ضميره، والاقتصار على الفاكهة للإشعار بأن مطاعمهم لمحض التلذذ، فإن التغذي للتحلل ولا تحلل ثمة.
{وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف} لا ينظرون إلى غير أزواجهن. {أَتْرَابٌ} لذات لهم فإن التحاب بين الأقران أثبت، أو بعضهن لبعض لا عجوز فيهن ولا صبية، واشتقاقه من التراب فإنه يمسهن في وقت واحد.
{هذا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الحساب} لآجاله فإن الحساب علة الوصول إلى الجزاء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء ليوافق ما قبله.
{إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} انقطاع.
{هذا} أي الأمر هذا أو هذا كما ذكر أو خذ هذا. {وَإِنَّ للطاغين لَشَرَّ مَئَابٍ}.
{جَهَنَّمَ} إعرابه ما سبق. {يَصْلَوْنَهَا} حال من جهنم. {فَبِئْسَ المهاد} المهد والمفترش، مستعار من فراش النائم والمخصوص بالذم محذوف وهو {جَهَنَّمَ} لقوله: {لَهُم مّن جَهَنَّمَ مهادا} {هذا فَلْيَذُوقُوهُ}، أي ليذوقوا هذا فليذوقوه، أو العذاب هذا فليذوقوه، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره: {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} وهو على الأولين خبر محذوف أي هو {حَمِيمٍ}، والغساق ما يغسق من صديد أهل النار من غسقت العين إذا سال دمعها، وقرأ حفص وحمزة والكسائي {غَسَّاق} بتشديد السين.
{وَءَاخَرُ} أي مذوق أو عذاب آخر، وقرأ البصريان {وأخرى} أي ومذوقات أو أنواع عذاب أخر. {مِن شَكْلِهِ} من مثل هذا المذوق أو العذاب في الشدة، وتوحيد الضمير على أنه لما ذكر أو للشراب الشامل للحميم والغساق أو للغساق.
وقرئ بالكسر وهو لغة. {أزواج} أجناس خبر ل {ءَاخَرُ} أو صفة له أو للثلاثة، أو مرتفع بالجار والخبر محذوف مثل لهم.
{هذا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ} حكاية ما يقال للرؤساء الطاغين إذا دخلوا النار واقتحمها معهم فوج تبعهم في الضلال، والاقتحام ركوب الشدة والدخول فيها. {لاَ مَرْحَباً بِهِمْ} دعاء من المتبوعين على أتباعهم أو صفة ل {فَوْجٌ}، أو حال أي مقولاً فيهم لا مرحباً أي ما أتوا بهم رحباً وسعة. {إِنَّهُمْ صَالُو النار} داخلون النار بأعمالهم مثلنا.
{قَالُواْ} أي الأتباع للرؤساء. {بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ} بل أنتم أحق بما قلتم، أو قيل لنا لضلالكم وإضلالكم كما قالوا: {أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} قدمتم العذاب أو الصلي لنا بإِغوائنا وإغرائنا على ما قدمتموه من العقائد الزائغة والأعمال القبيحة. {فَبِئْسَ القرار} فبئس المقر جهنم.