فصل: تفسير الآيات (57- 65):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (57- 65):

{أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)}
{أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِى} بالإرشاد إلى الحق. {لَكُنتُ مِنَ المتقين} الشرك والمعاصي.
{أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العذاب لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المحسنين} في العقيدة والعمل، وأو للدلالة على أنها لا تخلوا من هذه الأقوال تحيراً وتعللاً بما لا طائل تحته.
{بلى قَدْ جَاءتْكَ ءاياتي فَكَذَّبْتَ بِهَا واستكبرت وَكُنتَ مِنَ الكافرين} رد من الله عليه لما تضمنه قوله: {لَوْ أَنَّ الله هَدَانِى} من معنى النفي وفصله عنه لأن تقديمه يفرق القرائن وتأخير المودود يخل بالنظم المطابق للوجود لأنه يتحسر بالتفريط ثم يتعلل بفقد الهداية ثم يتمنى الرجعة، وهو لا يمنع تأثير قدرة الله في فعل العبد ولا ما فيه من إسناد الفعل إليه كما عرفت وتذكير الخطاب على المعنى، وقرئ بالتأنيث للنفس.
{وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله} بأن وصفوه بما لا يجوز كاتخاذ الولد. {وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} بما ينالهم من الشدة أو بما يتخيل عليها من ظلمة الجهل، والجملة حال إذ الظاهر أن ترى من رؤية البصر واكتفى فيها بالضمير عن الواو. {أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى} مقام. {لّلْمُتَكَبّرِينَ} عن الإِيمان والطاعة وهو تقرير لأنهم يرون كذلك.
{وَيُنَجِّي الله الذين اتقوا} وقرئ وَيُنَجّي. {بِمَفَازَتِهِمْ} بفلاحهم مفعلة من الفوز وتفسيرها بالنجاة تخصيصها بأهم أقسامه وبالسعادة والعمل الصالح إطلاق لها على السبب، وقرأ الكوفيون غير حفص بالجمع تطبيقاً لهم بالمضاف إليه والباء فيها للسببية صلة لينجي أو لقوله: {لاَ يَمَسُّهُمُ السوء وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} وهو حال أو استئناف لبيان المفازة.
{الله خالق كُلّ شَئ} من خير وشر وإيمان وكفر. {وَهُوَ على كُلّ شَئ وَكِيل} يتولى التصرف.
{لَّهُ مَقَالِيدُ السموات والأرض} لا يملك أمرها ولا يتمكن من التصرف فيها غيره، وهو كناية عن قدرته وحفظه لها وفيها مزيد دلالة على الاختصاص، لأن الخزائن لا يدخلها ولا يتصرف فيها الا من بيده مفاتيحها، وهو جمع مقليد أو مقلاد من قلدته إذا ألزمته، وقيل جمع إقليد معرب إكليد على الشذوذ كمذاكير. وعن عثمان رضي الله عنه: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المقاليد فقال: «تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر، وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير» والمعنى على هذا إن لله هذه الكلمات يوحد بها ويمجد، وهي مفاتيح خير السموات والأرض من تكلم بها أصابه. {والذين كَفَرُواْ بئايات الله أُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} متصل بقوله: {وَيُنَجّى الله الذين اتقوا} وما بينهما اعتراض للدلالة على أنه مهيمن على العباد مطلع على أفعالهم مجاز عليها، وتغيير النظم للإشعار بأن العمدة في فلاح المؤمنين فضل الله وفي هلاك الكافرين أن خسروا أنفسهم، وللتصريح بالوعد والتعريض بالوعيد قضية للكرم أو بما يليه، والمراد بآيات الله دلائل قدرته واستبداده بأمر السموات والأرض، أو كلمات توحيده وتمجيده وتخصيص الخسار بهم لأن غيرهم ذو حظ من الرحمة والثواب.
{قُلْ أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون} أي أفغير الله أعبد بعد هذه الدلائل والمواعيد، و{تَأْمُرُونّى} اعتراض للدلالة على أنهم أمروه به عقيب ذلك وقالوا استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك لفرط غباوتهم، ويجوز أن ينتصب غير بما دل عليه {تَأْمُرُونّى أَنْ أَعْبُدَ} لأنه بمعنى تعبدونني على أن أصله تأمرونني أن أعبد فحذف إن ورفع كقوله:
أَلاَ أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضِر الوَغَى

ويؤيده قراءة {أَعْبُدُ} بالنصب، وقرأ ابن عامر: {تأمرونني} بإظهار النونين على الأصل ونافع بحذف الثانية فإنها تحذف كثيراً.
{وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ} أي من الرسل. {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} كلام على سبيل الفرض والمراد به تهييج الرسل وإقناط الكفرة والإِشعار على حكم الأمة، وإفراد الخطاب باعتبار كل واحد واللام الأولى موطئة للقسم والأخريان للجواب، وإطلاق الإِحباط يحتمل أن يكون من خصائصهم لأن شركهم أقبح، وأن يكون على التقييد بالموت كما صرح به في قوله: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم} وعطف الخسران عليه من عطف المسبب على السبب.

.تفسير الآيات (66- 69):

{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)}
{بَلِ الله فاعبد} رد لما أمروه به ولولا دلالة التقديم على الاختصاص لم يكن كذلك. {وَكُنْ مّنَ الشاكرين} إنعامه عليك وفيه إشارة الى موجب الاختصاص.
{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} ما قدروا عظمته في أنفسهم حق تعظيمه حيث جعلوا له شركاء ووصفوه بما لا يليق به، وقرئ بالتشديد. {والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ} تنبيه على عظمته وحقارة الأفعال العظام التي تتحير فيها الأوهام بالإِضافة إلى قدرته، ودلالة على أن تخريب العالم أهون شيء عليه على طريقة التمثيل والتخييل من غير اعتبار القبضة واليمين حقيقة ولا مجازاً كقولهم: شابت لمة الليل، والقبضة المرة من القبض أطلقت بمعنى القبضة وهي المقدار المقبوض بالكف تسمية بالمصدر أو بتقدير ذات قبضة. وقرئ بالنصب على الظرف تشبيهاً للمؤقت بالمبهم، وتأكيد {الأرض} بالجميع لأن المراد بها الأرضون السبع أو جميع أبعاضها البادية والغائرة. وقرئ: {مطويات} على أنها حال و{السموات} معطوفة على {الأرض} منظومة في حكمها. {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ما أبعد وأعلى من هذه قدرته وعظمته عن إشراكهم، أو ما يضاف إليه من الشركاء.
{وَنُفِخَ في الصور} يعني المرة الأولى. {فَصَعِقَ مَن في السموات وَمَن في الأرض} خر ميتاً أو مغشياً عليه. {إِلاَّ مَن شَاءَ الله} قيل جبريل ومكائيل وإسرافيل فإنهم يموتون بعد. وقيل حملة العرش. {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى} نفخة أخرى وهي تدل على أن المراد بالأُولى ونفخ في الصور نفخة واحدة كما صرح به في مواضع، وأخرى تحتمل النصب والرفع. {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ} قائمون من قبورهم أو متوقفون، وقرئ بالنصب على أن الخبر. {يُنظَرُونَ} وهو حال من ضميره والمعنى: يقلبون أبصارهم في الجوانب كالمبهوتين أو ينتظرون ما يفعل بهم.
{وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبّهَا} بما أقام فيها من العدل، سماه {نور} لأنه يزين البقاع ويظهر الحقوق كما سمى الظلم ظلمة. وفي الحديث: «الظلم ظلمات يوم القيامة» ولذلك أضاف اسمه إلى {الأرض} أو بنور خلق فيها بلا واسطة أجسام مضيئة ولذلك أضافه الى نفسه. {وَوُضِعَ الكتاب} للحساب والجزاء من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه، أو صحائف الأعمال في أيدي العمال، واكتفى باسم الجنس عن الجمع. وقيل اللوح المحفوظ يقابل به الصحائف {وَجِئ بالنبيين والشهداء} الذين يشهدون للأمم وعليهم من الملائكة والمؤمنين، وقيل المستشهدون. {وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ} بين العباد. {بالحق وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} بنقص ثواب أو زيادة عقاب على ما جرى به الوعد.

.تفسير الآيات (70- 75):

{وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)}
{وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} جزاءه. {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} فلا يفوته شيء من أفعالهم، ثم فصل التوفية فقال: {وَسِيقَ الذين كَفَرُواْ إلى جَهَنَّمَ زُمَراً} أفواجاً متفرقة بعضها في أثر بعض على تفاوت أقدامهم في الضلالة والشرارة، جمع زمرة واشتقاقها من الزمر وهو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه، أو من قولهم شاة زمرة قليلة الشعر ورجل زمر قليل المروءة وهي الجمع القليل. {حتى إِذَا جَاءوهَا فُتِحَتْ أبوابها} ليدخلوها و{حتى} وهي التي تحكي بعدها الجملة، وقرأ الكوفين {فُتِحَتْ} بتخفيف التاء. {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} تقريعاً وتوبيخاً. {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ} من جنسكم. {يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءايات رَبّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا} وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار، وفيه دليل على أنه لا تكليف قبل الشرع من حيث إنهم عللوا توبيخهم بإتيان الرسل وتبليغ الكتب. {قَالُواْ بلى ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين} كلمة الله بالعذاب علينا وهو الحكم عليهم بالشقاوة، وأنهم من أهل النار ووضع الظاهر فيه موضع الضمير للدلالة على اختصاص ذلك بالكفرة، وقيل هو قوله: {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} {قِيلَ ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا} أبهم القائل لتهويل ما يقال لهم. {فَبِئْسَ مَثْوَى} مكان. {المتكبرين} اللام فيه للجنس والمخصوص بالذم سبق ذكره، ولا ينافي إشعاره بأن مثواهم في النار لتكبرهم عن الحق أن يكون دخولهم فيها لأن كلمة العذاب حقت عليهم، فإن تكبرهم وسائر مقابحهم مسببة عنه كما قال عليه الصلاة والسلام: «إِن الله تعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار» {وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة} إِسراعاً بهم إلى دار الكرامة، وقيل سيق مراكبهم إذ لا يذهب بهم إلا راكبين. {زُمَراً} على تفاوت مراتبهم في الشرف وعلو الطبقة. {حتى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أبوابها} حذف جواب إذا للدلالة على أن لهم حينئذ من الكرامة والتعظيم ما لا يحيط به الوصف، وأن أبواب الجنة تفتح لهم قبل مجيئهم غير منتظرين، وقرأ الكوفيون {فُتِحَتْ} بالتخفيف. {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سلام عَلَيْكُمْ} لا يعتريكم بعد مكروه. {طِبْتُمْ} طهرتم من دنس المعاصي. {فادخلوها خالدين} مقدرين الخلود فيها، والفاء للدلالة على أن طيبهم سبب لدخولهم وخلودهم، وهو لا يمنع دخول العاصي بعفوه لأنه مطهره.
{وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} بالبعث والثواب. {وَأَوْرَثَنَا الأرض} يريدون المكان الذي استقروا فيه على الاستعارة، وإيراثها تمليكها مخلفة عليهم من أعمالهم أو تمكينهم من التصرف فيها تمكين الوارث فيما يرثه.
{نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَاءُ} أي يتبوأ كل منا في أي مقام أراده من جنته الواسعة، مع أن في الجنة مقامات معنوية لا يتمانع واردوها. {فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} الجنة.
{وَتَرَى الملائكة حَافّينَ} محدقين. {مِنْ حَوْلِ العرش} أي حوله و{مِنْ} مزيدة أو لابتداء الحفوف. {يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ} ملتبسين بحمده. والجملة حال ثانية أو مقيدة للأولى، والمعنى ذاكرين له بوصفي جلاله وإكرامه تلذذاً به، وفيه إشعار بأن منتهى درجات العليين وأعلى لذائذهم هو الاستغراق في صفات الحق. {وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بالحق} أي بين الخلق بإدخال بعضهم النار وبعضهم الجنة، أو بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب تفاضلهم. {وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبّ العالمين} أي على ما قضي بيننا بالحق. والقائلون هم المؤمنون من المقضي بينهم أو الملائكة وطي ذكرهم لتعينهم وتعظيمهم.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الزمر لم يقطع رجاءه يوم القيامة وأعطاه الله ثواب الخائفين» عن عائشة رضي الله عنها: «أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر» والله أعلم.

.سورة غافر:

مكية وآيها خمس وثمانون.

.تفسير الآيات (1- 2):

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)}
{حَم} أماله ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر صريحاً، ونافع برواية ورش وأبو عمرو بين بين، وقرئ بفتح الميم على التحريك لالتقاء الساكنين، أو النصب بإضمار اقرأ ومنع صرفه للتعريف والتأنيث، أو لأنها على زنة أعجمي كقابيل وهابيل.
{تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز العليم} لعل تخصيص الوصفين لما في القرآن من الإِعجاز والحكم الدال على القدرة الكاملة والحكمة البالغة.