فصل: تفسير الآيات (26- 37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (26- 37):

{جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37)}
{جَزَاءً وفاقا} أي جوزوا بذلك جزاء ذا وفاق لأعمالهم، أو موافقاً لها أو وافقها وفاقاً، وقرئ: {وفاقا} فعال من وفقه كذا.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً} بيان لما وافقه هذا الجزاء.
{وَكَذَّبُواْ بئاياتنا كِذَّاباً} تكذيباً وفعال بمعنى تفعيل مطرد شائع في كلام الفصحاء. وقرئ بالتخفيف وهو بمعنى الكذب كقوله:
فَصَدَقْتَهَا وَكَذَبْتَهَا ** وَالمَرْءُ يَنْفَعُهُ كِذَّابُهْ

وإنما أقيم مقام التكذيب للدلالة على أنهم كذبوا في تكذيبهم، أو المكاذبة فإنهم كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمون كاذبين عندهم فكان بينهم مكاذبة، أو كانوا مبالغين في الكذب مبالغة فيه، وعلى المعنيين يجوز أن يكون حالاً بمعنى كاذبين أو مكاذبين، ويؤيده أنه قرئ: {كَذَّاباً} وهو جمع كاذب، ويجوز أن يكون للمبالغة فيكون صفة للمصدر أي تكذيباً مفرطاً كذبه.
{وَكُلَّ شئ أحصيناه} وقرئ بالرفع على الابتداء. {كتابا} مصدر لأحصيناه فإن الأحصاء والكتبة يتشاركان في معنى الضبط أو لفعله المقدر أو حال بمعنى مكتوباً في اللوح، أو صحف الحفظة والجملة اعتراض وقوله: {فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً} مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات ومجيئه على طريقة الالتفات للمبالغة. وفي الحديث: «هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار» {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} فوزاً أو موضع فوز.
{حَدَائِقَ وأعنابا} بساتين فيها أنواع الأشجار المثمرة بدل من {مَفَازاً} بدل الاشتمال والبعض.
{وَكَوَاعِبَ} نساء فلكت ثديهن {أَتْرَاباً} لدات {وَكَأْساً دِهَاقاً} ملآنا وأدهق الحوض ملآه.
{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذباً} وقرأ الكسائي بالتخفيف أي كذباً أو مكاذبةٍ، إذ لا يكذب بعضهم بعضاً.
{جَزَاءً مّن رَّبّكَ}. بمقتضى وعده. {عَطَاءً} تفضلاً منه إذ لا يجب عليه شيء، وهو بدل من {جَزَاء}، وقيل منتصف به نصب المفعول به. {حِسَاباً} كافياً من أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال حسبي، أو على حسب أعمالهم وقرئ: {حِسَاباً} أي محسباً كالدراك بمعنى المدرك.
{رَبِّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} بدل من ربك وقد رفعه الحجازيان وأبو عمرو على الابتداء. {الرحمن} بالجر صفة له وكذا في قراءة ابن عامر وعاصم ويعقوب بالرفع في قراءة أبي عمرو، وفي قراءة حمزة والكسائي بجر الأول ورفع الثاني على أنه خبر محذوف، أو مبتدأ خبره: {لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً} والواو لأهل السموات والأرض أي لا يملكون خطابه، والاعتراض عليه في ثواب أو عقاب لأنهم مملوكون له على الاطلاق فلا يستحقون عليه اعتراضاً وذلك لا ينافي الشفاعة بإذنه.

.تفسير الآيات (38- 40):

{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)}
{يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَاباً} تقرير وتوكيد لقوله: {لاَّ يَمْلِكُونَ}، فإن هؤلاء الذين هم أفضل الخلائق وأقربهم من الله إذا لم يقدروا أن يتكلموا بما يكون صواباً كالشفاعة لمن ارتضى إلا بإذنه، فكيف يملكه غيرهم و{يَوْمٍ} ظرف ل {لاَّ يَمْلِكُونَ}، أو ل {يَتَكَلَّمُونَ} و{الروح} ملك موكل على الأرواح أو جنسها، أو جبريل عليه السلام أو خلق أعظم من الملائكة.
{ذَلِكَ اليوم الحق} الكائن لا محالة. {فَمَن شَاء اتخذ إلى رَبّهِ} إلى ثوابه. {مَئَاباً} بالإيمان والطاعة.
{إِنَّا أنذرناكم عَذَاباً قَرِيباً} يعني عذاب الآخرة، وقربه لتحققه فإن كل ما هو آت قريب ولأن مبدأه الموت. {يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} يرى ما قدمه من خير أو شر، و{المرء} عام. وقيل هو الكافر لقوله: {إِنَّا أنذرناكم} فيكون الكافر ظاهراً وضع موضع الضمير لزيادة الذم، و{مَا} موصولة منصوبة بينظر أو استفهامية منصوبة ب {قَدَّمْتُ}، أي ينظر أي شيء قدمت يداه. {وَيَقُولُ الكافر الكافر ياليتنى كُنتُ ترابا} في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف، أو في هذا اليوم فلم أبعث، وقيل يحشر سائر الحيوانات للاقتصاص ثم ترد تراباً فيود الكافر حالها.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة عم سقاه الله برد الشراب يوم القيامة».

.سورة النازعات:

مكية وآيها خمس أو ست وأربعون آية.

.تفسير الآيات (1- 11):

{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11)}
{والنازعات غَرْقاً والناشطات نَشْطاً والسابحات سَبْحاً فالسابقات سَبْقاً}
{فالمدبرات أَمْراً}. هذه صفات ملائكة الموت فإنهم ينزعون أرواح الكفار من أبدانهم غرقاً أي إغراقاً في النزع، فإنهم ينزعونها من أقاصي الأبدان، أو نفوساً غرقت في الأجساد وينشطون أي يخرجون أرواح المؤمنين برفق من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها، ويسبحون في إخراجها سبح الغواص الذي يخرج الشيء من أعماق البحر، فيسبقون بأرواح الكفار إلى النار وبأرواح المؤمنين إلى الجنة، فيدبرون أمر عقابها وثوابها بأن يهيئوها لإدراك ما أعد لها من الآلام واللذات، أو الأوليان لهم والباقيات لطوائف من الملائكة يسبحون في مضيها أي يسرعون فيه فيسبقون إلى ما أمروا به فيدبرون أمره، أو صفات النجوم فإنها تنزع من المشرق إلى المغرب غرقاً في النزع بأن تقطع الفلك حتى تنحط في أقصى الغرب، وتنشط من برج إلى برج أي تخرج من نشط الثور إذا خرج من بلد إلى بلد، ويسبحن في الفلك فيسبق بعضها في السير لكونه أسرع حركة فيدبر أمراً نيط بها، كاختلاف الفصول وتقدير الأزمنة وظهور مواقيت العبادات، ولما كانت حركاتها من المشرق إلى المغرب قسرية وحركاتها من برج إلى برج ملائمة سمى الأولى نزعاً والثانية نشطاً، أو صفات النفوس الفاضلة حال المفارقة فإنها تنزع عن الأبدان غرقاً أي نزعاً شديداً من إغراق النازع في القوس، وتنشط إلى عالم الملكوت وتسبح فيها فتسبق إلى حظائر القدس فتصير لشرفها وقوتها من المدبرات، أو حال سلوكها فإنها تنزع عن الشهوات فتنشط إلى عالم القدس، فتسبح في مراتب الارتقاء فتسبق إلى الكمالات حتى تصير من المكملات، أو صفات أنفس الغزاة، أو أيديهم تنزع القسي بإغراق السهام وينشطون بالسهم للرمي ويسبحون في البر والبحر فيسبقون إلى حرب العدو فيدبرون أمرها، أو صفات خيلهم فإنها تنزع في أعنتها نزعاً تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها وتخرج من دار الإسلام إلى دار الكفر، وتسبح في حربها فتسبق إلى العدو فتدبر أمر الظفر.
أقسم الله تعالى بها على قيام الساعة وإنما حذف لدلالة ما بعده عليه.
{يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة} وهو منصوب به والمراد ب {الراجفة} الأجرام الساكنة التي تشتد حركتها حينئذ كالأرض والجبال لقوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال} أو الواقعة التي ترجف الأجرام عندها وهي النفخة الأولى.
{تَتْبَعُهَا الرادفة} التابعة وهي السماء والكواكب تنشق وتنشر، أو النفخة الثانية. والجملة في موقع الحال.
{قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} شديدة الاضطراب من الوجيف وهي صفة القلوب والخبر: {أبصارها خاشعة} أي أبصار أصحابها ذليلة من الخوف ولذلك أضافها إلى القلوب.
{يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ في الحافرة} في الحالة الأولى يعنون الحياة بعد الموت من قولهم رجع فلان في حافرته أي طريقه التي جاء فيها، فحفرها أي أثر فيها بمشيه على النسبة كقوله تعالى: {فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} أو تشبيه القائل بالفاعل وقرئ: {في الحفرة} بمعنى المحفورة يقال حفرت أسنانه فحفرت حفراً وهي حفرة.
{أَئِذَا كُنَّا} وقرأ نافع وابن عامر والكسائي {إِذَا كُنَّا} على الخبر. {عظاما نَاخِرَةً} بالية وقرأ الحجازيان والشامي وحفص وروح {نَّخِرَةً} وهي أبلغ.

.تفسير الآيات (12- 26):

{قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)}
{قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسرة} ذات خسران أو خاسر أصحابها، والمعنى أنها إن صحت فنحن إذاً خاسرون لتكذيبنا بها وهو استهزاء منهم.
{فَإِنَّمَا هي زَجْرَةٌ واحدة} متعلق بمحذوف أي لا يستصعبوها فما هي إلا صيحة واحدة يعني النفخة الثانية.
{فَإِذَا هُم بالساهرة} فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتاً في بطنها، والساهرة والأرض البيضاء المستوية سميت بذلك لأن السراب يجري فيها من قولهم: عين ساهرة للتي يجري ماؤها وفي ضدها نائمة، أو لأن سالكها يسهر خوفاً وقيل اسم لجهنم.
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى} أليس قد أتاك حديثه فيسليك على تكذيب قومك وتهددهم عليه بأن يصيبهم مثل ما أصاب من هو أعظم منهم.
{إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بالواد المقدس طُوًى} قد مر بيانه في سورة (طه).
{اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} على إرادة القول، وقرئ: {أن أذهب} لما في النداء من معنى القول.
{فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تزكى} هل لك ميل إلى أن تتطهر من الكفر والطغيان، وقرأ الحجازيان ويعقوب {تزكى} بالتشديد.
{وَأَهْدِيَكَ إلى رَبّكَ} وأرشدك إلى معرفته. {فتخشى} بأداء الواجبات وترك المحرمات، إذ الخشية إنما تكون بعد المعرفة وهذا كالتفصيل لقوله: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً} {فَأَرَاهُ الآية الكبرى} أي فذهب وبلغ فأراه المعجزة الكبرى وهي قلب العصا حية فإنه كان المقدم والأصل، أو مجموع معجزاته فإنها باعتبار دلالتها كالآية الواحدة.
{فَكَذَّبَ وعصى} فكذب موسى وعصى الله عز وجل بعد ظهور الآية وتحقق الأمر.
{ثُمَّ أَدْبَرَ} عن الطاعة. {يسعى} ساعياً في إبطال أمره أو أدبر بعدما رأى الثعبان مرعوباً مسرعاً في مشيه.
{فَحَشَرَ} فجمع السحرة أو جنوده. {فنادى} في المجمع بنفسه أو بمناد.
{فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} أعلى كل من يلي أمركم.
{فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى} أخذا منكلاً لمن رآه، أو سمعه في الآخرة بالإِحراق وفي الدنيا بالإِغراق، أو على كلمته {الآخرة} وهي هذه وكلمته الأولى وهو قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى} أو للتنكيل فيهما، أو لهما، ويجوز أن يكون مصدراً مؤكداً مقدراً بفعله.
{إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يخشى} لمن كان من شأنه الخشية.

.تفسير الآيات (27- 40):

{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)}
{أأنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً} أصعب خلقاً. {أَمِ السماء} ثم بين كيف خلقها فقال: {بناها} ثم بين البناء فقال: {رَفَعَ سَمْكَهَا} أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو ثخنها لذاهب في العلو رفيعاً. {فَسَوَّاهَا} فعدلها أو فجعلها مستوية، أو فتممها بما يتم به كمالها من الكواكب والتداوير وغيرها من قولهم: سوى فلان أمره إذا أصلحه.
{وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أظلمه منقول من غطش الليل إذا أظلم، وإنما أضافه إليها لأنه يحدث بحركتها. {وَأَخْرَجَ ضحاها} وأبرز ضوء شمسها. كقوله تعالى: {والشمس وضحاها} يريد النهار.
{والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها} بسطها ومهدها للسكنى.
{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا} بتفجير العيون. {ومرعاها} ورعيها وهو في الأصل لموضع الرعي، وتجريد الجملة عن العاطف لأنها حال بإضمار قد أو بيان للدحو.
{والجبال أرساها} أثبتها وقرئ: {والأرض والجبال} بالرفع على الابتداء، وهو مرجوح لأن العطف على فعلية.
{متاعا لَّكُمْ ولأنعامكم} تمتيعاً لكم ولمواشيكم.
{فَإِذَا جَاءتِ الطامة} الداهية التي تطم أي تعلو على سائر الدواهي. {الكبرى} التي هي أكبر الطامات وهي القيامة، أو النفخة الثانية أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.
{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سعى} بأن يراه مدوناً في صحيفته وكان قد نسيه من فرط الغفلة أو طول المدة، وهو بدل من {فَإِذَا جَاءتِ} و{مَا} موصولة أو مصدرية {وَبُرّزَتِ الجحيم} وأظهرت. {لِمَن يرى} لكل راء بحيث لا تخفى على أحد، وقرئ: {وَبُرّزَتِ} و{لمن رأى} و{لمن ترى} على أن فيه ضمير الجحيم كقوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} أو أنه خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم أي لمن تراه من الكفار، وجواب {فَإِذَا جَاءتِ} محذوف دل عليه {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ} أو ما بعده من التفضيل.
{فَأَمَّا مَن طغى} حتى كفر.
{وَءاثَرَ الحياة الدنيا} فانهمك فيها ولم يستعد للآخرة بالعبادة وتهذيب النفس.
{فَإِنَّ الجحيم هي المأوى} هي مأواه واللام فيه سادة مسد الإضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي، وهي فصل أو مبتدأ. {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ} مقامه بين يدي ربه لعلمه بالمبدأ والمعاد.
{وَنَهَى النفس عَنِ الهوى} لعلمه بأنه مرد.