فصل: تفسير الآيات (74- 75):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (74- 75):

{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74) وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)}
{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله الذين يَشْرُونَ الحياة الدنيا بالآخرة} أي الذين يبيعونها بها، والمعنى إن بطأ هؤلاء عن القتال فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم في طلب الآخرة، أو الذين يشترونها ويختارونها على الآخرة وهم المبطئون، والمعنى حثهم على ترك ما حكي عنهم. {وَمَن يقاتل في سَبِيلِ الله فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} وعد له الأجر العظيم غَلَبَ أو غُلِبَ، ترغيباً في القتال وتكذيباً لقولهم {قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً} وإنما قال: {فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ} تنبيهاً على أن المجاهد ينبغي أن يثبت في المعركة حتى يعز نفسه بالشهادة أو الدين، بالظفر والغلبة وأن لا يكون قصده بالذات إلى القتل، بل إلى إعلاء الحق وإعزاز الدين.
{وَمَا لَكُمْ} مبتدأ وخبر. {لاَ تقاتلون فِي سَبِيلِ الله} حال والعامل فيها ما في الظرف من معنى الفعل. {والمستضعفين} عطف على اسم الله تعالى أي وفي سبيل المستضعفين، وهو تخليصهم من الأسر وصونهم عن العدو، أو على سبيل بحذف المضاف أي وفي خلاص المستضعفين، ويجوز نصبه على الاختصاص فإن سبيل الله تعالى يعم أبواب الخير، وتخليص ضعفة المسلمين من أيدي الكفار أعظمها وأخصها. {مِنَ الرجال والنساء والولدان} بيان للمستضعفين وهم المسلمون الذين بقوا بمكة لصد المشركين، أو ضعفهم عن الهجرة مستذلين ممتحنين، وإنما ذكر الولدان مبالغة في الحث وتنبيهاً على تناهي ظلم المشركين بحيث بلغ أذاهم الصبيان، وأن دعوتهم أجيبت بسبب مشاركتهم في الدعاء حتى يشاركوا في استنزال الرحمة واستدفاع البلية. وقيل المراد به العبيد والإِماء وهو جمع وليد. {الذين يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذه القرية الظالم أَهْلُهَا واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} فاستجاب الله دعاءهم بأن يسر لبعضهم الخروج إلى المدينة وجعل لمن بقي منهم خير ولي وناصر بفتح مكة على نبيه صلى الله عليه وسلم، فتولاهم ونصرهم ثم استعمل عليهم عتاب بن أسيد فحماهم ونصرهم حتى صاروا أعز أهلها، والقرية مكة والظالم صفتها، وتذكيره لتذكير ما أسند إليه فإن اسم الفاعل أو المفعول إذا جرى على غير من هو له كان كالفعل يذكر ويؤنث على حسب ما عمل فيه.

.تفسير الآية رقم (76):

{الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)}
{الذين ءامَنُواْ يقاتلون فِي سَبِيلِ الله} فيما يصلون به إلى الله سبحانه وتعالى. {والذين كَفَرُواْ يقاتلون فِي سَبِيلِ الطاغوت} فيما يبلغ بهم إلى الشيطان. {فقاتلوا أَوْلِيَاء الشيطان} لما ذكر مقصد الفريقين أمر أولياءه أن يقاتلوا أولياء الشيطان ثم شجعهم بقوله: {إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفاً} أي إن كيده للمؤمنين بالإِضافة إلى كيد الله سبحانه وتعالى للكافرين. ضعيف لا يؤبه به فلا تخافوا أولياءه، فإن اعتمادهم على أضعف شيء وأوهنه.

.تفسير الآية رقم (77):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)}
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ} أي عن القتال. {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} واشتغلوا بما أمرتم به. {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَخْشَوْنَ الناس كَخَشْيَةِ الله} يخشون الكفار أن يقتلوهم كما يخشون الله أن ينزل عليهم بأسه، وإذا للمفاجأة جواب لما وفريق مبتدأ منهم صفته ويخشون خبره وكخشية الله من إضافة المصدر إلى المفعول، وقع موقع المصدر أو الحال من فاعل يخشون على معنى، يخشون الناس مثل أهل خشية الله منه. {أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} عطف عليه إن جعلته حالاً وإن جعلته مصدراً فلا، لأن أفعل التفضيل إذا نصب ما بعده لم يكن من جنسه بل هو معطوف على اسم الله تعالى أي: وكخشية الله تعالى أو كخشية أشد خشية منه، على الفرض اللهم إلا أن تجعل الخشية ذات خشية كقولهم: جد جده على معنى يخشون الناس خشية مثل خشية الله تعالى، أو خشية أشد خشية من خشية الله. {وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القتال لَوْلا أَخَّرْتَنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} استزادة في مدة الكف عن القتال حذراً عن الموت، ويحتمل أنهم ما تفوهوا به ولكن قالوه في أنفسهم فحكى الله تعالى عنهم. {قُلْ متاع الدنيا قَلِيلٌ} سريع التقضي {والآخرة خَيْرٌ لّمَنِ اتقى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} أي ولا تنقصون أدنى شيء من ثوابكم فلا ترغبوا عنه، أو من آجالكم المقدرة. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي {وَلاَ يُظْلَمُونَ} لتقدم الغيبة.

.تفسير الآية رقم (78):

{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)}
{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت} قرئ بالرفع على حذف الفاء كما في قوله:
مَنْ يَفْعَلِ الحَسَناتِ الله يَشْكُرُهَا. أو على أنه كلام مبتدأ، وأينما متصل ب {لاَ تُظْلَمُونَ}. {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} في قصور أو حصون مرتفعة، والبروج في الأصل بيوت على أطراف القصور، من تبرجت المرأة إذا ظهرت. وقرئ مشيدة بكسر الياء وصفاً لها بوصف فاعلها كقولهم: قصيدة شاعرة، ومشيدة من شاد القصر إذا رفعه. {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِ الله وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ} كما تقع الحسنة والسيئة على الطاعة والمعصية يقعان على النعمة والبلية، وهما المراد في الآية أي: وإن تصبهم نعمة كخصب نسبوها إلى الله سبحانه وتعالى، وإن تصبهم بلية كقحط ضافوها إِليك وقالوا إن هي إلا بشؤمك كما قالت اليهود: منذ دخل محمد المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها. {قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ الله} أي يبسط ويقبض حسب إرادته. {فَمَالِ هَؤُلاء القوم لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} يوعظون به، وهو القرآن فإنهم لو فهموه وتدبروا معانيه لعلموا أن الكل من عند الله سبحانه وتعالى، أو حديثاً ما كبهائم لا أفهام لها أو حادثاً من صروف الزمان فيفتكرون فيه فيعملون أن القابض والباسط هو الله سبحانه وتعالى.

.تفسير الآية رقم (79):

{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)}
{مَا أَصَابَكَ} يا إنسان. {مِنْ حَسَنَةٍ} من نعمة. {فَمِنَ الله} أي تفضلاً منه، فإن كل ما يفعله الإِنسان من الطاعة لا يكافئ نعمة الوجود، فكيف يقتضي غيره، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «ما يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى قيل ولا أنت قال: ولا أنا» {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيّئَةٍ} من بلية. {فَمِن نَّفْسِكَ} لأنها السبب فيها لاستجلابها بالمعاصي، وهو لا ينافي قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ الله} فإن الكل منه إيجاداً وإيصالاً غير أن الحسنة إحسان وامتنان والسيئة مجازاة وانتقام كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: «ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب وما يعفو الله أكثر» والآيتان كما ترى لا حجة فيهما لنا وللمعتزلة. {وأرسلناك لِلنَّاسِ رَسُولاً} حال قصد بها التأكيد إن علق الجار بالفعل والتعميم إن علق بها أي رسولاً للناس جميعاً كقوله تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ} ويجوز نصبه على المصدر كقوله: ولا خَارِجاً مِنْ فيَّ زُور كَلاَمِ. {وكفى بالله شَهِيداً} على رسالتك بنصب المعجزات.

.تفسير الآية رقم (80):

{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)}
{مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} لأنه عليه الصلاة والسلام في الحقيقة مبلغ، والأمر هو الله سبحانه وتعالى. روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «من أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني فقد أطاع الله» فقال: المنافقون لقد قارف الشرك وهو ينهى عنه، ما يريد إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى رباً فنزلت. {وَمَن تولى} عن طاعته. {فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها، إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب وهو حال من الكاف.

.تفسير الآية رقم (81):

{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)}
{وَيَقُولُونَ} إذا أمرتهم بأمر. {طَاعَةٌ} أي أمرنا أو منا طاعة، وأصلها النصب على المصدر ورفعها للدلالة على الثبات. {فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ} خرجوا. {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ غَيْرَ الذي تَقُولُ} أي زورت خلاف ما قلت لها، أو ما قالت لك من القبول وضمان الطاعة، والتبييت إما من البيتوتة لأن الأمور تدبر بالليل، أو من بيت الشعر، أو البيت المبني لأنه يسوي ويدبر. وقرأ أبو عمرو وحمزة {بَيَّتَ طَائِفَةٌ} بالإِدغام لقربهما في المخرج. {والله يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} يثبته في صحائفهم للمجازاة، أو في جملة ما يوحى إليك لتطلع على أسرارهم. {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} قلل المبالاة بهم أو تجاف عنهم. {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} في الأمور كلها سيما في شأنهم. {وكفى بالله وَكِيلاً} يكفيك مضرتهم وينتقم لك منهم.

.تفسير الآية رقم (82):

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)}
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان} يتأملون في معانيه ويتبصرون ما فيه، وأصل التدبر النظر في أدبار الشيء. {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله} أي ولو كان من كلام البشر كما تزعم الكفار. {لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً} من تناقض المعنى وتفاوت النظم، وكان بعضه فصيحاً وبعضه ركيكاً، وبعضه يصعب معارضته وبعضه يسهل، ومطابقة بعض أخباره المستقبلة للواقع دون بعض، وموافقة العقل لبعض أحكامه دون بعض، على ما دل عليه الاستقراء لنقصان القوة البشرية. ولعل ذكره هاهنا للتنبيه على أن اختلاف ما سبق من الأحكام ليس لتناقض في الحكم بل لاختلاف الأحوال في الحكم والمصالح.

.تفسير الآية رقم (83):

{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)}
{وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ الأمن أَوِ الخوف} مما يوجب الأمن أو الخوف. {أَذَاعُواْ بِهِ} أفشوه كما كان يفعله قوم من ضعفة المسلمين إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بما أوحي إليه من وعد بالظفر، أو تخويف من الكفرة أذاعوا به لعدم حزمهم فكانت إذاعتهم مفسدة. والباء مزيدة أو لتضمن الإِذاعة معنى التحدث. {وَلَوْ رَدُّوهُ} أي ولو ردوا ذَلك الخبر. {إِلَى الرسول وإلى أُوْلِى الأمر مِنْهُمْ} إلى رأيه ورأي كبار أصحابه البصراء بالأمور، أو الأمراء. {لَعَلِمَهُ} لَعلم ما أخبروا به على أي وجه يذكر. {الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} يستخرجون تدابيره بتجاربهم وأنظارهم. وقيل كانوا يسمعون أراجيف المنافقين فيذيعونها فتعود وبالاً على المسلمين، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم حتى يسمعوه منهم وتعرفوا أنه هل يذاع لعلم ذلك من هؤلاء الذين يستنبطونه من الرسول وأولي الأمر أي: يستخرجون علمه من جهتهم، وأصل الاستنباط إخراج النبط: وهو الماء، يخرج من البئر أول ما يحفر. {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} بإرسال الرسول وإنزال الكتاب. {لاَتَّبَعْتُمُ الشيطان} والكفر والضلال. {إِلاَّ قَلِيلاً} أي إِلا قليلاً منكم تفضل الله عليه بعقل راجح اهتدى به إلى الحق والصواب، وعصمه عن متابعة الشيطان كزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل. أو إلا اتباعاً قليلاً على الندور.

.تفسير الآية رقم (84):

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)}
{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله} أن تثبطوا وتركوك وحدك. {لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} إلا فعل نفسك لا يضرك مخالفتهم وتقاعدهم، فتقدم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد فإن الله ناصرك لا الجنود. روي: «أنه عليه الصلاة والسلام دعا الناس في بدر الصغرى إلى الخروج فكرهه بعضهم فنزلت فخرج عليه الصلاة والسلام وما معه إلا سبعون لم يلو على أحدٍ» وقرئ لا {تُكَلَّف} بالجزم، و{لا نكلف} بالنون على بناء الفاعل أي لا نكلفك إلا فعل نفسك، لا أنا لا نكلف أحداً إلا نفسك لقوله: {وَحَرّضِ المؤمنين} على القتال إذ ما عليك في شأنهم إلا التحريض {عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ} يعني قريشاً، وقد فعل بأن ألقى في قلوبهم الرعب حتى رجعوا. {والله أَشَدُّ بَأْساً} من قريش. {وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} تعذيباً منهم، وهو تقريع وتهديد لمن لم يتبعه.