فصل: تفسير الآية رقم (1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم



.تفسير الآيات (173- 174):

{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)}
{فَأَمَّا الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} بيانٌ لحال الفريقِ المنويِّ ذكرُه في الإجمال، قُدّم على بيان حالِ ما يقابله إبانةً لفضله ومسارعةً إلى بيان كونِ حشرِه أيضاً معتبراً في الإجمال، وإيرادُه بعنوان الإيمانِ والعمل الصالحِ لا يوصْفِ عدمِ الاستنكافِ المناسبِ لما قبله وما بعده للتنبيه على أنه المستتبِعُ لما يعقبُه من الثمرت {فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ} من غير أن ينقُص منها شيئاً أصلاً {وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} بتضعيفها أضعافاً مضاعفةً وبإيفاء ما لا عين رأتْ ولا أُذنٌ سمعت ولا خطَر على قلب بشر {وَأَمَّا الذين استنكفوا} أي من عبادته عز وجل {واستكبروا فَيُعَذّبُهُمْ} بسبب استنكافِهم واستكبارِهم {عَذَاباً أَلِيماً} لا يُحيط به الوصف {وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مّن دُونِ الله وَلِيّاً} يلي أمورَهم ويدبّر مصالحَهم {وَلاَ نَصِيراً} ينصُرهم من بأسه تعالى وينجِّيهم من عذابه.
{يَا أَيُّهَا الناس} تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ إلى كافة المكلفين إثرَ بيانِ بطلانِ ما عليه الكفرةُ من فنون الكفرِ والضلالِ وإلزامِهم بالبراهين القاطعةِ التي تخِرُّ لها صُمُّ الجبالِ، وإزاحةِ شُبَهِهم الواهيةِ بالبينات الواضحةِ، وتنبيهٌ لهم على أن الحجةَ قد تمت عليهم فلم يبقَ بعد ذلك علةٌ لمتعلِّلٍ ولا عُذرٌ لمعتذر.
{قَدْ جَاءكُمُ} أي وصل إليكم وتقرَّرَ في قلوبكم بحيث لا سبيلَ لكم إلى الإنكار {بُرْهَانَ} البرهانُ ما يُبرهَنُ به على المطلوب، والمرادُ به القرآنُ الدالُّ على صحة نبوةِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام المُثبِتُ لما فيه من الأحكام التي من جملتها ما أشير إليه مما أثبتته الآياتُ الكريمةُ من حقية الحقِّ وبُطلانِ الباطل. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام عبَّر عنه به لما معه من المعجزات التي تشهد بصدقه، وقيل: هو المعجزاتُ التي أظهرها، وقيل: هو دينُ الحقِّ الذي أتى به، وقوله تعالى: {مّن رَّبّكُمْ} إما متعلق بجاءكم أو بمحذوف وقع صفةً مشرّفةً لبرهانٌ مؤكدةً لما أفاده التنوينُ من الفخامة الذاتيةِ بالفخامة الإضافيةِ أي كائنٌ منه تعالى، على أن مِنْ لابتداء الغايةِ مجازاً، وقد جُوِّز على الثاني كونُها تبعيضيةً بحذف المضافِ أي كائنٌ من براهينِ ربِّكم. والتعرضُ لعنوان الربوبيّة مع الإضافة إلى ضمير المخاطَبين لإظهار اللُّطفِ بهم والإيذانِ بأن مجيئَه إليهم لتربيتهم وتكميلِهم {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً} أريد به أيضاً القرآنُ الكريمُ، عبّر عنه تارة بالبُرهان لما أشير إليه آنفاً وأخرى بالنور النيِّرِ بنفسه المنوَّرِ لغيره إيذاناً بأنه بيِّنٌ بنفسه مستغنٍ في ثبوت حقِّيتِه وكونِه من عند الله تعالى بإعجازه، غيرُ محتاجٍ إلى غيره مبينٌ لغيره من الأمور المذكورةِ وإشعاراً بهدايته للخلق وإخراجِهم من ظلمات الكفرِ إلى نور الإيمانِ، وقد سلك به مسلك العطفِ المبنيِّ على تغايُر الطرفين تنزيلاً للمغايرة العُنوانيةِ منزلةَ المغايَرَةِ الذاتية، وعبِّر عن لابسته للمخاطَبين تارةً بالمجيء المسنَدِ إليه المنبىءِ عن كمال قوتِه في البرهانية كأنه يجيء بنفسه فيُثبِتُ أحكامَه من غير أن يجيءَ به أحدٌ، ويجيءُ على شُبَه الكفرةِ بالإبطال وأخرى بالإنزال الموُقَعِ عليه الملائمِ لحيثية كونِه نوراً توفيراً له باعتبار كلِّ واحدٍ من عنوانية حظِّه اللائقِ به، وإسنادُ إنزالِه إليه تعالى بطريق الالتفاتِ لكمال تشريفِه، هذا على تقدير كونِ البرهانِ عبارةً عن القرآن العظيمِ، وأما على تقدير كونِه عبارةً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن المعجزات الظاهرةِ على يده أو عن الدينِ الحقِّ فالأمرُ هيِّنٌ، وقولُه تعالى: {إِلَيْكُمْ} متعلقٌ بأنزلنا فإن إنزالَه بالذات وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لكنه منزلٌ إليهم أيضاً بواسطته عليه الصلاة والسلام، وإنما اعتُبر حالُه بالواسطة دون حالِه بالذات كما في قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس} ونظائرِه لإظهار كمالِ اللطفِ بهم والتصريحِ بوصوله إليهم مبالغةً في الإعذار، وتقديمُه على المفعول الصريح مع أن حقَّه التأخرُ عنه لما مر غير مرة من الاهتمام بما قُدّم والتشويقِ إلى ما أُخِّر، وللمحافظة على فواصلِ الآي الكريمة.

.تفسير الآيات (175- 176):

{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)}
{فَأَمَّا الذين ءامَنُواْ بالله} حسبما يوجبُه البرهانُ الذي أتاهم {واعتصموا بِهِ} أي عصَموا به أنفسَهم مما يُرديها من زيغ الشيطانِ وغيره {فَسَيُدْخِلُهُمْ رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ} قال ابنُ عباس رضي الله تعالى عنهما: هي الجنةُ وما يُتفضَّل عليهم به مما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمِعت ولا خطَر على قلب بشر. وعبّر عن إفاضة الفضلِ بالإدخال على طريقةِ قوله:
علفتُها تبناً وماءً بارداً

وتنوينُ رحمةً وفضلٍ تفخيميٌّ ومنه متعلقٌ بمحذوف وقع صفةً مشرِّفة لرحمة {وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ} أي إلى الله عز وجل، وقيل: إلى الموعود، وقيل: إلى عبادته {صراطا مُّسْتَقِيماً} هو الإسلامُ والطاعةُ في الدينا وطريقُ الجنةِ في الآخرة. وتقديمُ ذكرِ الوعد بإدخال الجنةِ على الوعد بالهداية إليها على خلاف الترتيبِ في الوجود بين الموعودَين للمسارعة إلى التبشير بما هو المقصِدُ الأصليُّ. قيل: انتصابُ صِراطاً على أنه مفعولٌ لفعلٍ محذوف يُنبىءُ عنه يهديهم أي يعرِفهم صراطاً مستقيماً.
{يَسْتَفْتُونَكَ} أي في الكلالة، استُغني عن ذكره بوروده في قوله تعالى: {قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِي الكلالة} وقد مر تفسيرُها في مطلع السورة الكريمةِ، والمستفتي جابرُ بنُ عبد اللَّه رضي الله تعالى عنه، يروى «أنه أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكةَ عام حَجةِ الوداعِ فقال: إن لي أختاً فكم آخذُ من ميراثها إن ماتت؟، وقيل: كان مريضاً فعاده رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني كَلالةٌ فكيف أصنع في مالي؟. وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: عادني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضٌ لا أعقِل، فتوضأ وصبَّ من وَضوئه عليَّ فعقَلْت فقلت: يا رسولَ الله لمن الميراثُ وإنما يرثني كلالةٌ فنزلت» وقولُه تعالى: {إِن امرؤ هَلَكَ} استئنافٌ مبينٌ للفُتيا، وارتفع امرؤٌ بفعل يفسّره المذكورُ، وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} صفةٌ له، وقيل: حال من الضمير في هلَك. ورُدّ بأنه مفسِّرٌ للمحذوف غيرُ مقصودٍ في الكلام أي إن هلَك امرؤٌ غيرُ ذي ولدٍ ذكراً كان أو أنثى واقتُصر على ذكر عدمِ الولدِ مع أن عدمَ الوالدِ أيضاً معتبرٌ في الكلالة ثقةً بظهور الأمرِ ودَلالةِ تفضيلِ الورثةِ عليه، وقوله تعالى: {وَلَهُ أُخْتٌ} عطفٌ عُطف على قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} أو حالٌ والمرادُ بالأخت من ليست لأم فقط فإن فرضَها السدسُ، وقد مر بيانُه في صدر السورةِ الكريمة {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} أي بالفرض والباقي للعَصَبة، أو لها بالرد إن لم يكن عَصَبة {وَهُوَ} أي المرءُ المفروضُ {يَرِثُهَا} أي أختَه المفروضةَ إن فُرض هلاكُها مع بقائه {إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ} ذكراً كان أو أنثى، فالمرادُ بإرثه لها إحرازُ جميعِ ما لها إذ هو المشروطُ بانتفاء الولدِ بالكلية لا إرثُه لها في الجملة فإنه يتحقق مع وجود بنتِها، وليس في الآية ما يدل على سقوط الإخوةِ بغير الولدِ ولا على عدمِ سقوطِهم، وإنما دلت السنةُ الشريفةُ على سقوطهم في الأب {فَإِن كَانَتَا اثنتين} عطفٌ على الشرطية الأولى أي اثنتين فصاعداً {فَلَهُمَا الثلثان مِمَّا تَرَكَ} الضميرُ لمن يرث بالأخُوّة، والتأنيثُ والتثنيةُ باعتبار المعنى، قيل: وفائدةُ الإخبارِ عنها باثنتين مع دَلالة ألفِ التثنية على الاثْنَيْنِيّة التنبيهُ على أن المعتبرَ في اختلاف الحُكْمِ هو العددُ دون الصِغَر والكِبَر وغيرِهما {وَإِن كَانُواْ} أي من يرث بطريق الأخُوّة {إِخْوَةً} أي مختلطة {رّجَالاً وَنِسَاء} بدلٌ من إخوةٍ والأصلُ وإن كانوا إخوةً وأخواتٍ فغلَبَ المذكرُ على المؤنث {فَلِلذَّكَرِ} أي فللذكر منهم {مِثْلُ حَظِ الانثيين} يقتسمون التركةَ على طريقة التعصيبِ، وهذا آخر ما أُنزل من كتاب الله تعالى في الأحكام، رُوي أن الصديقَ رضي الله تعالى عنه قال في خطبته: ألا إن الآيةَ التي أنزلها الله تعالى في سورة النساءِ في الفرائض فأولُها في الولد والوالد وثانيها في الزوج والزوجة والأخُوَّة من الأم والآيةُ التي خَتَم بها السورةَ في الأخوة والأخوات لأبوين أو لأب والآيةُ التي خَتَم بها سورةَ الأنفالِ أنزلها في أولي الأرحام.
{يُبَيّنُ الله لَكُمْ} أي حكمَ الكلالةِ أو أحكامَه وشرائعَه التي من جملتها حِكَمُها {أَن تَضِلُّواْ} أي كراهةَ أن تضلوا في ذلك وهذا رأيُ البصريين صرّح به المبرَّدُ، وذهب الكسائيُّ والفراءُ وغيرُهما من الكوفيين إلى تقدير اللام ولا في طرفي أن، أي لئلا تضِلوا، وقال الزجاج: هو مثلُ قوله تعالى: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السموات والارض أَن تَزُولاَ} وقال أبو عبيد: رويتُ للكسائي حديثَ ابنِ عمرَ رضي الله تعالى عنهما وهو لا يدعُوَنّ أحدُكم على ولده أن يوافقَ من الله إجابةً أي لئلا يوافقَ، فاستحسنه وليس ما ذكر من الآية والحديثِ نصاً فيما ذهب إليه الكسائي وأضرابُه فإن التقديرَ فيهما عند البصْريين كراهةَ أن تزولا وكراهةَ أن يوافِقَ الخ، وقيل: ليس هناك حذفٌ ولا تقديرٌ وإنما هو مفعولُ يبيِّن أي يُبين لكم ضلالَكم الذي هو من شأنكم إذا خُلِّيتم وطباعَكم لتحترزوا عنه وتتحرَّوا خلافَه. وأنت خبير بأن ذلك إنما يليقُ بما إذا كان بيانُه تعالى التعيينَ، على طريقة مواقع الخطأ والضلالِ من غير تصريح بما هو الحقُّ والصواب وليس كذلك.
{والله بِكُلّ شَيْء} من الأشياء التي من جملتها أحوالُكم المتعلقةُ بمحياكم ومماتِكم {عَلِيمٌ} مبالِغٌ في العلم فيبيِّنُ لكم ما فيه مصلحتُكم ومنفعتُكم. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورةَ النساءِ فكأنما تصدّق على كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ ورِث ميراثاً، وأُعطي من الأجر كمن اشترى محرَّراً أو برِىء من الشرك وكان في مشيئة الله تعالى من الذين يُتجاوز عنهم» والله أعلم.

.سورة المائدة:

مدنية وهي مائة وعشرون آية.

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)}
{يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود} الوفاءُ القيامُ بموجَبِ العَقْد، وكذا الإيفاء، والعقد هو العهدُ الموَثَّقُ المشبَّه بعقد الحبل ونحوه، والمراد بالعقود ما يعمّ جميعَ ما ألزمه الله تعالى عبادَه وعقَده عليهم من التكاليف والأحكام الدينية وما يعقِدونه فيما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها، مما يجب الوفاء به، أو يحسنُ دِيناً بأن يُحمل الأمرُ على معنىً يعمّ الوجوبَ والندبَ. أُمرَ بذلك أولاً على وجه الإجمال، ثم شُرِعَ في تفصيلِ الأحكام التي أمر بالإيفاء بها وبُدىء بما يتعلّق بضروريات مَعايشِهم فقيل: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الانعام} البهيمةُ كلُّ ذات أربع، وإضافتُها إلى الأنعام للبيان كثوب الخزّ، وإفرادُها لإرادة الجنس، أي أحِلّ لكم أكلُ البهيمة من الأنعام، وهي الأزواجُ الثمانية المعدودة في سورة الأنعام، وأُلحِق بها الظباءُ وبقَرُ الوَحْش ونحوُهما، وقيل: هي المرادة بالبهيمة هاهنا لتقدّم بيان حِلِّ الأنعام، والإضافةُ لما بينهما من المشابهة والمماثلة في الاجترار وعدم الأنياب، وفائدتُها الإشعارُ بعِلة الحكم المشتركة بين المضافَيْن، كأنه قيل: أُحلت لكم البهيمةُ الشبيهة بالأنعام التي بَيَّن إحلالَها فيما سبق، المماثِلةُ لها في مَناطِ الحُكم. وتقديم الجارّ والمجرور على القائم مَقام الفاعل لما مر مراراً من إظهار العناية بالمقدَّم، لما فيه من تعجيل المسرَّة والتشويق إلى المؤخَّر، فإن ما حقُّه التقديمُ إذا أُخِّر تبقى النفسُ مترقِّبةً إلى وروده، فيتمكّن عندها فضلُ تمكّن.
{إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} استثناء من {بهيمةُ} أي إلا مُحرَّمَ ما يتلى عليكم من قوله تعالى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} ونحوَه، أو إلا ما يُتلى عليكم آيةُ تحريمه. {غَيْرَ مُحِلّى الصيد} أي الاصطيادِ في البَرّ أو أكلِ صيده، وهو نصبٌ على الحالية من ضمير لكم، ومعنى عدمِ إحلالِهم له تقريرُ حرمته عملاً واعتقاداً، وهو شائع في الكتاب والسنة، وقوله تعالى: {وَأَنتُمْ حُرُمٌ} أي مُحرمون، حال من الضمير في مُحِلِّي، وفائدةُ تقييد إحلالِ بهيمةِ الأنعام بما ذُكر من عدم إحلالِ الصيد حالَ الإحرام على تقدير كونِ المراد بها الظباءَ ونظائرَها ظاهرةٌ، لما أن إحلالها غيرُ مُطلق، كأنه قيل: أحل لكم الصيدُ حالَ كونِكم ممتنعين عنه عند إحرامكم.
وأما على التقدير الأول ففائدته إتمامُ النعمة وإظهارُ الامتنان بإحلالها بتذكير احتياجهم إليه، فإن حرمةَ الصيد في حالة الإحرام من مظانِّ حاجتهم إلى إحلال غيرِه حينئذ، كأنه قيل: أحلت لكم الأنعام مطلقاً حالَ كونكم ممتنِعين عن تحصيل ما يُغنيكم عنها في بعض الأوقات محتاجين إلى إحلالها. وفي إسناد عدم الإحلال إليهم بالمعنى المذكور مع حصول المراد بأن يقال: غيرُ محلَّلٍ لكم، أو محرماً عليكم الصيدُ حال إحرامكم مزيدُ تربيةٍ للامتنان، وتقرير للحاجة ببيان علتها القريبة، فإن تحريم الصيد عليهم إنما يوجب حاجتهم إلى إحلال ما يغنيهم عنه باعتبار تحريمهم له عملاً واعتقاداً، مع ما في ذلك من وصفهم بما هو اللائق بهم، {إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} من الأحكام حسبما تقتضيه مشيئتُه المبْنيةُ على الحِكَم البالغة، فيدخل فيها ما ذُكر من التحليل والتحريم دخولاً أولياً، ومعنى الإيفاء بهما الجرَيانُ على موجبهما عقداً وعملاً، والاجتنابُ عن تحليل المحرمات وتحريم بعضِ المحلَّلاتِ كالبَحيرة ونظائرِها التي سيأتي بيانها.

.تفسير الآية رقم (2):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}
{يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ الله} لمّا بيّن حُرمةَ إحلال الإحرام الذي هو من شعائر الحج عقّب ذلك ببيان حرمة إحلال سائر الشعائر، وإضافتُها إلى الله عز وجل لتشريفها وتهويلِ الخطب في إحلالها، وهي جمع شعيرةٍ وهي اسم لما أُشعِر، أي جُعل شِعاراً وعَلَماً للنُسُك من مواقيت الحج ومرامي الجمار والمطافِ والمسعى، والأفعالِ التي هي علاماتُ الحج يُعرف بها، من الإحرام والطوافِ والسعْي والحلق والنحر، وإحلالُها أن يُتهاوَن بحرمتها ويُحال بينها وبين المتنسّكين بها ويُحدَثَ في أشهر الحج ما يُصَدّ به الناسُ عن الحج. وقيل: المراد بها دينُ الله لقوله تعالى: {وَمَن يُعَظّمْ شعائر الله} أي دِينه، وقيل: حرماتِ الله، وقيل: فرائضَه التي حدّها لعباده، وإحلالُها الإخلالُ بها، والأول أنسبُ بالمقام. {وَلاَ الشهر الحرام} أي لا تُحِلّوه بالقتال فيه، وقيل: بالنّسيء، والأول هو الأولى بحالة المؤمنين، والمراد به شهر الحج، وقيل: الأشهر الأربعة الحرم، والإفراد لإرادة الجنس {وَلاَ الهدى} بأن يُتعرَّضَ له بالغَضْب أو بالمنع عن بلوغِ مَحِلِّه، وهو ما أُهدِيَ إلى الكعبة من إبل أو بقر أو شاءِ، جمعُ هَدْيَة كجَدْيٍ وجَدْية {وَلاَ القلائد} هي جمعُ قِلادة، وهي ما يُقلَّد به الهدْيُ من نعلٍ أو لِحاءِ شجرٍ ليُعلم به أنه هدْيٌ فلا يُتعرَّضَ له، والمراد النهيُ عن التعرض لذوات القلائد من الهدْي وهي البُدْن، وعطفُها على الهدي مع دخولها فيه لمزيد التوصية بها لمزيتها على ما عداها، كما عَطفَ جبريلَ وميكالَ على الملائكة عليهم السلام، كأنه قيل: والقلائدَ منه خصوصاً، أو النهيُ عن التعرض لنفس القلائدِ مبالغةً في النهي عن التعرض لأصحابها، على معنى لا تُحِلّوا قلائدَها فضلاً عن أن تحلوها، كما نهى عن إبداء الزينة بقوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} مبالغةً في النهي عن إبداء مواقِعِها {وَلاَ الشهر الحرام وَلاَ} أي لا تُحلّوا قوماً قاصدين زيارته بأن تصُدّوهم عن ذلك بأي وجه كان، وقيل: هناك مضافٌ محذوف أي قتالَ قومٍ أو أذى قوم آمين الخ، وقرئ {ولا آمِّي البيتِ الحرامِ} بالإضافة، وقوله تعالى: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّن رَّبّهِمْ ورضوانا} حالٌ من المستكنِّ في آمين لا صفةٌ له، لأن المختار أن اسم الفاعل إذا وُصف بطَلَ عملُه أي قاصدين زيارته حال كونهم طالبين أن يُثيبَهم الله تعالى ويرضَى عنهم. وتنكيرُ {فضلاً ورضواناً} للتفخيم، و{من ربهم} متعلق بنفس الفعل، أو بمحذوفٍ وقع صفة لفضلاً مُغنيةً عن وصفِ ما عُطف عليه بها، أي فضلاً كائناً من ربهم ورضواناً كذلك.
والتعرُّضُ لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم لتشريفهم والإشعارِ بحصول مبتغاهم. وقرئ {تَبْتغون} على الخطاب، فالجملة حينئذ حال من ضمير المخاطَبين في {لا تُحلوا} على أن المرادَ بيانُ منافاة حالهم هذه للمنهيِّ عنه لا تقييدُ النهي بها، وإضافة الرب إلى ضمير الآمّين للإيماء إلى اقتصار التشريف عليهم، وحِرمانِ المخاطَبين عنه وعن نيل المبتغى، وفي ذلك من تعليلِ النهْي وتأكيدِه والمبالغة في استنكار المنهيّ عنه ما لا يخفى، ومن هاهنا قيل: المراد بالآمّين هم المسلمون خاصة، وبه تمسك من ذهب إلى أن الآية مُحْكمة، وقد رُوي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
«سورة المائدة من آخِرِ القرآن نزولاً فأحِلّوا حَلالَها وحرِّموا حرامَها» وقال الحسن رحمه الله تعالى: ليس فيها منسوخ، وعن أبي ميسرة: فيها ثماني عشرةَ فريضةً وليس فيها منسوخ.
وقد قيل: هم المشركون خاصة لأنهم المحتاجون إلى نهي المؤمنين عن إحلالهم دون المؤمنين، على أن حرمة إحلالهم ثبتت بطريق دلالة النص، ويؤيده أن الآية نزلت في الحطم بنِ ضبيعة البَكْري وقد كان أتى المدينة فخلّف خيلَه خارجها فدخل على النبي عليه الصلاة والسلام وحده ووعده أن يأتيَ بأصحابه فيُسلموا، ثم خرج من عنده عليه السلام فمر بسَرْح المدينة فاستاقه، فلما كان في العام القابل خرج من اليمامة حاجاً في حُجّاج بكرِ بنِ وائل ومعه تجارة عظيمة وقد قلّدوا الهدْي، فسأل المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم أن يُخلِّيَ بينهم وبينه فأباه النبي عليه الصلاة والسلام فأنزل الله عز وجل: {يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ الله} الآية، وفُسِّر ابتغاءُ الفضل بطلب الرزق بالتجارة، وابتغاءُ الرضوان بأنهم كانوا يزعُمون أنهم على سِدادٍ من دَيْنهم، وأن الحج يقرّبهم إلى الله تعالى، فوصفهم الله تعالى بظنهم، وذلك الظنُّ الفاسد وإن كان بمعزل من استتباع رضوانِه تعالى لكن لا بُعدَ في كونه مداراً لحصول بعض مقاصدهم الدنيوية وخلاصِهم عن المكاره العاجلة لاسيما في ضمن مراعاة حقوق الله تعالى وتعظيم شعائره، وقال قتادة: هو أن يُصلح معايشَهم في الدنيا ولا يعجّلَ لهم العقوبة فيها، وقيل: هم المسلمون والمشركون، لما رُوي عن ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما أن المسلمين والمشركين كانوا يُحجّون جميعاً فنهى الله المسلمين أن يمنعوا أحداً عن حج البيت بقوله تعالى: {لاَ تُحِلُّواْ} الآية، ثم نزل بعد ذلك، {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام} وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله} وقال مجاهد والشعبي: {لا تحلوا} نُسخ بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} ولا ريب في تناول الآمّين للمشركين قطعاً، إما استقلالاً وإما اشتراكاً لما سيأتي من قوله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ} الخ، فيتعين النسخُ كُلاًّ أو بعضاً، ولابد في الوجه الأخير من تفسير الفضل والرضوان بما يناسب الفريقين، فقيل: ابتغاء الفضل أي الرزق للمؤمنين والمشركين عامة، وابتغاء الرضوان للمؤمنين خاصة، ويجوز أن يكون الفضلُ على إطلاقه شاملاً للفضل الأخروي أيضاً، ويختص ابتغاؤه بالمؤمنين {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا} تصريح بما أشير إليه بقوله تعالى: {وَأَنتُمْ حُرُمٌ} من انتهاء حرمة الصيد بانتفاء موجِبِها، والأمر للإباحة بعد الحظر كأنه قيل: إذا حَلَلْتم فلا جُناح عليكم في الاصطياد، وقرئ {أَحْللتم}، وهو لغة في حلَّ، وقرئ بكسر الفاء بإلقاءِ حركة همزة الوصل عليها وهو ضعيف جداً.
{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} نهَى عن إحلال قومٍ من الآمِّين خُصّوا به مع اندراجهم في النَهْي عن إحلال الكلِّ كافة، لاستقلالهم بأمور ربما يُتوهَّم كونُها مُصحِّحةً لإحلالهم، داعيةً إليه. وجَرَم جارٍ مَجْرى كَسَبَ في المعنى وفي التعدِّي إلى مفعول واحد وإلى اثنين، يقال: جَرَم ذنباً نحوُ كسبَه، وجرَمتُه ذنباً نحو كَسَبْتُه إياه، خلا أن جَرَم يستعمل غالباً في كسْبِ ما لا خير فيه، وهو السبب في إيثارِه هاهنا على الثاني. وقد يُنقل الأولُ من كلَ منهما بالهمزة إلى معنى الثاني، فيقال: أجرمته ذنباً وأكسبته إياه، وعليه قراءة من قرأ يُجرِمَنَّكم بضم الياء {شَنَانُ قَوْمٍ} بفَتْح النون وقرئ بسكونها، وكلاهما مصدرٌ أضيف إلى مفعوله، لا إلى فاعله كما قيل، وهو شدة البغض وغاية المقت {أَن صَدُّوكُمْ} متعلق بالشنآن بإضمار لام العلة أي لاِءَنْ صدوكم عامَ الحُدَيْبية {عَنِ المسجد الحرام} عن زيارته والطواف به للعمرة، وهذه آية بيّنةٌ في عموم آمّين للمشركين قطعاً، وقرئ {إِنْ صدوكم} على أنه شرط معترضٌ أغنى عن جوابه {لا يجرمنكم}، قد أبرز الصدَّ المحقّقَ فيما سبق في معرِض المفروض، للتوبيخ والتنبيه على أن حقه ألا يكون وقوعُه إلا على سبيل الفرض والتقدير {أَن تَعْتَدُواْ} أي عليهم، وإنما حُذف تعويلاً على ظهوره وإيماءً إلى أن المقصِدَ الأصلي من النهْي منعُ صدورِ الاعتداء عن المخاطَبين محافظةً على تعظيم الشعائر، لا منعُ وقوعِه على القوم مراعاة لجانبهم، وهو ثاني مفعولَيْ {يجرمنكم}، أي لا يَكسِبَنَّكم شدةُ بغضِكم لهم لصدهم إياكم عن المسجد الحرام اعتداءَكم عليهم وانتقامَكم منهم للتشفّي، وهذا وإن كان بحسب الظاهر نهياً للشنآن عن كسب الاعتداء للمخاطَبين، لكنه في الحقيقة نهيٌ لهم عن الاعتداء على أبلغِ وجهٍ وآكَدِه، فإن النهي عن أسباب الشيء ومباديه المؤديةِ إليه نهيٌ عنه بالطريق البرهاني، وإبطالٌ للسببية، وقد يوجِّه النهيُ إلى المسبَّب ويراد النهيُ عن السبب كما في قوله: لا أُرَيَنّك هاهنا. يريد به نهي مخاطِبَه عن الحضور لديه، ولعل تأخير هذا النهي عن قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا} مع ظهور تعلقِه بما قبله للإيذان بأن حرمة الاعتداء لا تنتهي بالخروج عن الإحرام كانتهاء حرمة الاصطياد به، بل هي باقية ما لم تنقطع علاقتُهم عن الشعائر بالكلية وبذلك يُعلم بقاءُ حرمة التعرضِ لسائر الآمّين بالطريق الأَوْلى.
{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى} لما كان الاعتداءُ غالباً بطريق التظاهرُ والتعاون أُمروا إِثْرَ ما نُهوا عنه بأن يتعاونوا على كل ما هو من باب البر والتقوى، ومتابعةِ الأمر ومجانبةِ الهوى، فدخل فيه ما نحن بصدده من التعاون على العفو والإغضاءِ عما وقع منهم دخولاً أولياً، ثم نُهُوا عن التعاون في كل ما هو من مَقولة الظلمِ والمعاصي بقوله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان} فاندرج فيه النهيُ عن التعاون على الاعتداء والانتقام بالطريق البرهاني، وأصل {لا تعاونوا} لا تتعاونوا فحذَفَ منه إحدى التاءين تخفيفاً، وإنما أَخَّر النهْي عن الأمر مع تقدُّم التخلية على التحلية مسارعةً إلى إيجاب ما هو مقصود بالذات، فإن المقصود من إيجاب تركِ التعاونِ على الإثم والعدوان إنما هو تحصيلُ التعاون على البر والتقوى، ثم أُمروا بقوله تعالى: {واتقوا الله} بالاتقاء في جميع الأمور التي من جملتها مخالفةُ ما ذُكر من الأوامر والنواهي، فثبت وجوبُ الاتقاءِ فيها بالطريق البرهاني ثم علل ذلك بقوله تعالى: {أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب} أي لمن لا يتقيه فيعاقبكم لا محالة إن لم تتقوه، وإظهارُ الاسم الجليل لما مرّ مراراً من إدخال الرَّوْعة وتربية المهابةِ وتقويةِ استقلال الجملة.