فصل: القاعدة السادسة عشرة: إذا بطل الخصوص هل يبقى العموم؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ***


القاعدة الثالثة والثلاثون‏:‏ لا عبرة بالظن البين خطؤه‏.‏

من فروعها‏:‏

لو ظن المكلف‏,‏ في الواجب الموسع أنه لا يعيش إلى آخر الوقت‏.‏ تضيق عليه‏,‏ فلو لم يفعله‏,‏ ثم عاش وفعله‏:‏ فأداء على الصحيح‏.‏

ولو ظن أنه متطهر‏,‏ فصلى‏,‏ ثم بان حدثه‏.‏

أو ظن دخول الوقت‏,‏ فصلى‏,‏ ثم بان أنه لم يدخل‏.‏

أو طهارة الماء‏,‏ فتوضأ به‏,‏ ثم بان نجاسته‏.‏

أو ظن أن إمامه مسلم‏,‏ أو رجل قارئ‏,‏ فبان كافرا‏,‏ أو امرأة‏,‏ أو أميا‏.‏ أو بقاء الليل‏,‏ أو غروب الشمس‏,‏ فأكل‏,‏ ثم بان خلافه‏.‏

أو دفع الزكاة إلى من ظنه من أهلها‏,‏ فبان خلافه‏.‏

أو رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف‏,‏ فبان خلافه‏,‏ أو بان أن هناك خندقا‏.‏

أو استناب على الحج‏,‏ ظانا أنه لا يرجى برؤه‏,‏ فبرئ‏:‏ لم يجز في الصور كلها‏.‏

فلو أنفق على البائن ظانا حملها‏,‏ فبانت حائلا‏:‏ استرد‏.‏

وشبهه الرافعي‏:‏ بما إذا ظن أن عليه دينا فأداه‏.‏ ثم بان خلافه‏.‏ وما إذا أنفق على ظن إعساره‏,‏ ثم بان يساره‏.‏

ولو سرق دنانير ظنها فلوسا‏,‏ قطع‏.‏ بخلاف ما لو سرق مالا يظنه ملكه‏,‏ أو ملك أبيه‏,‏ فلا قطع‏,‏ كما لو وطئ امرأة يظنها زوجته‏,‏ أو أمته‏.‏

ويستثنى صور‏:‏

منها لو صلى خلف من يظنه متطهرا‏,‏ فبان حدثه‏:‏ صحت صلاته‏.‏

ولو رأى المتيمم ركبا‏,‏ فظن أن معهم ماء‏:‏ توجه عليه الطلب‏.‏

ولو خاطب امرأته بالطلاق‏.‏ وهو يظنها أجنبية‏,‏ أو عبده بالعتق‏,‏ وهو يظنه لغيره‏;‏ نفذ‏.‏

ولو وطئ أجنبي أجنبية حرة يظنها زوجته الرقيقة‏:‏ فالأصح أنها تعتد بقرأين‏,‏ اعتبارا بظنه‏,‏ أو أمة يظنها زوجته الحرة‏.‏ فالأصح أنها تعتد بثلاثة أقراء لذلك‏.‏

القاعدة الرابعة والثلاثون‏:‏ الاشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود‏.‏

ولهذا لو حلف‏:‏ لا يسكن هذه الدار‏,‏ ولا يقيم فيها‏,‏ فتردد ساعة‏:‏ حنث‏,‏ وإن اشتغل بجمع متاعه‏,‏ والتهيؤ لأسباب النقلة‏:‏ فلا‏.‏

ولو قال طالب الشفعة للمشتري‏,‏ عند لقائه‏:‏ بكم اشتريت‏؟‏ أو اشتريت رخيصا‏؟‏ بطل حقه‏.‏

ولو كتب‏:‏ أنت طالق‏,‏ ثم استمد‏.‏ فكتب‏:‏ إذا جاءك كتابي‏,‏ فإن لم يحتج إلى الاستمداد طلقت‏,‏ وإلا فلا‏.‏

القاعدة الخامسة والثلاثون‏:‏ لا ينكر المختلف فيه‏,‏ وإنما ينكر المجمع عليه‏.‏

ويستثنى صور‏,‏ ينكر فيها المختلف فيه‏:‏

إحداها‏:‏ أن يكون ذلك المذهب بعيد المأخذ‏,‏ بحيث ينقص‏.‏

ومن ثم وجب الحد على المرتهن بوطئه المرهونة‏,‏ ولم ينظر لخلاف عطاء‏.‏

الثانية‏:‏ أن يترافع فيه الحاكم‏,‏ فيحكم بعقيدته‏,‏ ولهذا يحد الحنفي بشرب النبيذ‏;‏ إذ لا يجوز للحاكم أن يحكم بخلاف معتقده‏.‏

الثالثة‏:‏ أن يكون للمنكر فيه حق‏,‏ كالزوج يمنع زوجته من شرب النبيذ‏,‏ إذا كانت تعتقد إباحته‏,‏ وكذلك الذمية على الصحيح‏.‏

القاعدة السادسة والثلاثون‏:‏ يدخل القوي على الضعيف‏,‏ ولا عكس‏.‏

ولهذا يجوز إدخال الحج على العمرة قطعا‏,‏ لا عكسه على الأظهر‏.‏

ولو وطئ أمة‏,‏ ثم تزوج أختها‏,‏ ثبت نكاحها وحرمت الأمة‏;‏ لأن الوطء بفراش النكاح أقوى من ملك اليمين‏,‏ ولو تقدم النكاح‏,‏ حرم عليه الوطء بالملك‏;‏ لأنه أضعف الفراشين‏.‏

 

القاعدة الثامنة والثلاثون‏:‏ الميسور لا يسقط بالمعسور‏.‏

قال ابن السبكي‏:‏ وهي من أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏"‏‏.‏ وبها رد أصحابنا على أبي حنيفة قوله‏:‏ ‏"‏إن العريان يصلي قاعدا‏"‏‏.‏ فقالوا‏:‏ إذا لم يتيسر ستر العورة‏,‏ فلم يسقط القيام المفروض‏؟‏ وذكر الإمام‏:‏ أن هذه القاعدة من الأصول الشائعة التي لا تكاد تنسى ما أقيمت أصول الشريعة‏.‏

وفروعها كثيرة‏:‏

منها‏:‏ إذا كان مقطوع بعض الأطراف‏,‏ يجب غسل الباقي جزما‏.‏

ومنها‏:‏ القادر على بعض السترة‏,‏ يستر به القدر الممكن جزما‏.‏

ومنها‏:‏ القادر على بعض الفاتحة‏,‏ يأتي به بلا خلاف‏.‏

ومنها‏:‏ إذا لم يمكنه رفع اليدين في الصلاة إلا بالزيادة على القدر المشروع‏,‏ أو نقص أتى بالممكن‏.‏ ومنها‏:‏ إذا كان محدثا وعليه نجاسة‏,‏ ولم يجد إلا ما يكفي أحدهما‏,‏ عليه غسل النجاسة قطعا‏.‏

ومنها‏:‏ لو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لزمه بلا خلاف عندنا‏.‏

ومنها‏:‏ نقل العراقيون عن نص الشافعي‏:‏ أن الأخرس يلزمه أن يحرك لسانه بدلا عن تحريكه إياه بالقراءة كالإيماء بالركوع والسجود‏.‏

ومنها‏:‏ لو خاف الجنب من الخروج من المسجد‏,‏ ووجد غير تراب المسجد‏,‏ وجب عليه التيمم كما صرح به في الروضة ووجه بأن أحد الطهورين التراب‏:‏ وهو ميسور فلا يسقط بالمعسور‏.‏

ومنها‏:‏ واجد ماء لا يكفيه لحدثه أو نجاسته‏,‏ فالأظهر وجوب استعماله‏.‏

ومنها‏:‏ واجد تراب لا يكفيه‏,‏ فالمذهب القطع بوجوب استعماله‏.‏

ومنها‏:‏ من بجسده جرح يمنعه استيعاب الماء‏,‏ والمذهب القطع بوجوب غسل الصحيح مع التيمم عن الجريح‏.‏

ومنها‏:‏ المقطوع العضد من المرفق‏,‏ يجب غسل رأس عظم العضد على المشهور‏.‏ ومنها‏:‏ واجد بعض الصاع في الفطرة يلزمه إخراجه في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو أعتق نصيبه وهو موسر ببعض نصيب شريكه‏,‏ فالأصح السراية إلى القدر الذي أيسر به‏.‏ 

ومنها‏:‏ لو انتهى في الكفارة إلى الإطعام فلم يجد إلا إطعام ثلاثين مسكينا‏:‏ فالأصح وجوب إطعامهم‏,‏ وقطع به الإمام‏.‏

ومنها‏:‏ لو قدر على الانتصاب وهو في حد الراكعين‏,‏ فالصحيح أنه يقف كذلك‏.‏ ومنها‏:‏ من ملك نصابا بعضه عنده وبعضه غائب‏,‏ فالأصح أنه يخرج عما في يده‏.‏ في الحال‏.‏

ومنها‏:‏ المحدث الفاقد للماء إذا وجد ثلجا أو بردا‏,‏ قيل‏:‏ يجب استعماله‏,‏ فيتيمم عن الوجه واليدين‏,‏ ثم يمسح به الرأس‏,‏ ثم يتيمم عن الرجلين‏,‏ ورجحه النووي في شرح المهذب‏,‏ نظرا للقاعدة‏,‏ والمذهب أنه لا يجب‏.‏

ومنها‏:‏ إذا أوصى بعتق رقاب‏,‏ فلم يوجد إلا اثنان وشقص‏,‏ ففي شراء الشقص‏,‏ وجهان أصحهما عند الشيخين‏:‏ لا‏,‏ وخالفهما ابن الرفعة والسبكي نظرا للقاعدة‏.‏

تنبيه‏:‏

خرج عن هذه القاعدة مسائل‏:‏

منها‏:‏ واجد بعض الرقبة في الكفارة‏,‏ لا يعتقها‏,‏ بل ينتقل إلى البدل بلا خلاف‏.‏ ووجه بأن إيجاب بعض الرقبة مع صوم الشهرين‏,‏ جمع بين البدل والمبدل‏,‏ وصيام شهر مع عتق نصف الرقبة فيه تبعيض الكفارة‏,‏ وهو ممتنع‏,‏ وبأن الشارع قال‏:‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ‏}‏ وواجد بعض الرقبة لم يجد رقبة‏.‏

فلو قدر على البعض‏,‏ ولم يقدر على الصيام ولا الإطعام‏,‏ فثلاثة أوجه لابن القطان‏:‏

أحدها‏:‏ يخرجه ويكفيه‏.‏

والثاني‏:‏ يخرجه ويبقى الباقي في ذمته‏.‏

والثالث‏:‏ لا يخرجه‏.‏

ومنها‏:‏ القادر على صوم بعض يوم دون كله‏,‏ لا يلزمه إمساكه‏.‏

ومنها‏:‏ إذا وجد الشفيع بعض ثمن الشقص‏,‏ لا يأخذ قسطه من الشقص‏.‏

ومنها‏:‏ إذا أوصى بثلثه يشترى به رقبة‏,‏ فلم يف بها‏,‏ لا يشترى شقص‏.‏

ومنها‏:‏ إذا اطلع على عيب‏,‏ ولم يتيسر له الرد ولا الإشهاد‏,‏ لا يلزمه التلفظ بالفسخ‏,‏ في الأصح‏.‏

القاعدة التاسعة والثلاثون‏:‏ ما لا يقبل التبعيض‏,‏ فاختيار بعضه كاختيار كله‏,‏ وإسقاط بعضه كإسقاط كله‏.‏

ومن فروعها‏:‏

إذا قال‏:‏ أنت طالق نصف طلقة أو بعضك طالق‏,‏ طلقت طلقة‏.‏ 

ومنها‏:‏ إذا عفا مستحق القصاص عن بعضه‏,‏ أو عفا بعض المستحقين‏,‏ سقط كله‏.‏ ومنها إذا عفا الشفيع عن بعض حقه‏,‏ فالأصح سقوط كله‏,‏ والثاني لا يسقط شيء لأن التبعيض تعذر‏,‏ وليست الشفعة مما يسقط بالشبهة‏,‏ ففارقت القصاص والطلاق‏.‏

ومنها‏:‏ عتق بعض الرقبة‏,‏ أو عتق بعض المالكين نصيبه وهو موسر‏.‏

ومنها‏:‏ هل للإمام إرقاق بعض الأسير‏؟‏ فيه وجهان‏,‏ فإن قلنا لا‏,‏ فضرب الرق على بعضه رق كله‏.‏ قال الرافعي‏:‏ وكان يجوز أن يقال‏:‏ لا يرق شيء‏,‏ وضعفه ابن الرفعة بأن في إرقاق كله درء القتل‏,‏ وهو يسقط بالشبهة كالقصاص‏,‏ ثم وجهه بنظيره من الشفعة‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قال‏:‏ أحرمت بنصف نسك‏,‏ انعقد بنسك كالطلاق‏,‏ كما في زوائد الروضة‏,‏ ولا نظير لها في العبادات‏.‏

ومنها‏:‏ إذا اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا‏,‏ لم يجز إفراده بالرد‏,‏ فلو قال رددت المعيب منهما‏,‏ فالأصح لا يكون ردا لهما‏,‏ وقيل يكون‏.‏

ومنها‏:‏ حد القذف‏,‏ ذكر الرافعي في باب الشفعة‏:‏ أن بالعفو عن بعضه لا يسقط شيء عنه‏,‏ واستشهد به للوجه القائل بمثله في الشفعة‏,‏ وتبعه جماعة آخرهم السبكي‏.‏

قال ولده‏,‏ ولم يذكر المسألة في باب حد القاذف‏,‏ وإنما ذكر فيه مسألة عفو بعض الورثة‏,‏ وفيها الأوجه المشهورة أصحها‏:‏ أن لمن بقي استيفاء جميعه‏,‏ وهو يؤيد أن حد القذف لا يتبعض‏.‏

قال‏:‏ وفيه نظر فإنه جلدات معروفة العدد‏,‏ ولا ريب في أن الشخص لو عفا بعد جلد بعضها سقط ما بقي منها‏,‏ فكذلك إذا أسقط منها في الابتداء قدرا معلوما‏.‏

تنبيه‏:‏

حيث جعلنا اختيار البعض اختيارا للكل‏,‏ فهل هو بطريق السراية أو لا‏,‏ بل اختياره للبعض نفس اختياره للكل‏؟‏ فيه خلاف مشهور في تبعيض الطلاق وطلاق البعض وعتق البعض وإرقاق البعض‏.‏

ضابط‏:‏

لا يزيد البعض على الكل إلا في مسألة واحدة وهي‏:‏

إذا قال‏:‏ أنت علي كظهر أمي فإنه صريح‏,‏ ولو قال‏:‏ أنت علي كأمي لم يكن صريحا‏.‏

 

القاعدة الأربعون‏:‏ إذا اجتمع السبب أو الغرور والمباشرة‏,‏ قدمت المباشرة

من فروعها‏:‏

لو أكل المالك طعامه المغصوب جاهلا به‏,‏ فلا ضمان على الغاصب في الأظهر‏.‏

وكذا لو قدمه الغاصب للمالك على أنه ضيافة فأكله‏,‏ فإن الغاصب يبرأ‏.‏

ولو حفر بئرا فرداه فيها آخر أو أمسكه‏,‏ فقتله آخر‏,‏ أو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر فقده‏,‏ فالقصاص على المردي والقاتل والقاد فقط‏.‏

تنبيه‏:‏

يستثنى من القاعدة صور‏:‏

منها‏:‏ إذا غصب شاة‏,‏ وأمر قصابا بذبحها‏,‏ وهو جاهل بالحال‏,‏ فقرار الضمان على الغاصب قطعا‏,‏ قاله في الروضة‏.‏

ومنها‏:‏ إذا استأجره لحمل طعام فسلمه زائدا‏,‏ فحمله المؤجر جاهلا‏,‏ فتلفت‏,‏ الدابة‏,‏ ضمنها المستأجر في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ إذا أفتاه أهل للفتوى بإتلاف ثم تبين خطؤه‏,‏ فالضمان على المفتي‏.‏

ومنها‏:‏ قتل الجلاد بأمر الإمام ظلما وهو جاهل‏,‏ فالضمان على الإمام‏.‏

ومنها‏:‏ وقف ضيعة على قوم‏,‏ فصرفت غلتها إليهم‏,‏ فخرجت مستحقة‏,‏ ضمن الواقف‏,‏ لتغريره‏.‏

الكتاب الثالث‏:‏ في القواعد المختلف فيها ولا يطلق الترجيح لاختلافه في الفرع‏.‏

وهي عشرون قاعدة‏:‏

القاعدة الأولى‏:‏ الجمعة‏:‏ ظهر مقصورة‏,‏ أو صلاة على حيالها‏؟‏

قولان‏:‏ ويقال‏:‏ وجهان‏.‏

قال في شرح المهذب‏:‏ ولعلهما مستنبطان من كلام الشافعي‏,‏ فيصح تسميتهما قولين ووجهين‏.‏ والترجيح فيهما مختلف في الفروع المبنية عليهما‏.‏

منها‏:‏ لو نوى بالجمعة الظهر المقصورة‏.‏ قال صاحب التقريب‏:‏ إن قلنا‏:‏ هي صلاة على حيالها‏,‏ لم يصح‏:‏ بل لا بد من نية الجمعة‏,‏ وإن قلنا‏:‏ ظهر مقصورة‏;‏ فوجهان‏:‏ 

أحدهما‏:‏ تصح جمعته‏;‏ لأنه نوى الصلاة على حقيقتها‏.‏

والثاني‏:‏ لا‏;‏ لأن مقصود النيات التمييز‏,‏ فوجب التمييز بما يخص الجمعة‏.‏

ولو نوى الجمعة‏,‏ فإن قلنا‏:‏ صلاة مستقلة أجزأته‏,‏ وإن قلنا‏:‏ ظهر مقصورة‏,‏ فهل يشترط نية القصر‏؟‏ فيه وجهان‏.‏ الصحيح‏:‏ لا‏,‏ انتهى‏.‏ والأصح في هذا الفرع أنها صلاة مستقلة‏.‏

ومنها‏:‏ لو اقتدى مسافر في الظهر بمن يصلي الجمعة‏,‏ فإن قلنا‏:‏ ظهر مقصورة فله القصر‏,‏ وإلا لزمه الإتمام‏,‏ وهو الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ هل له جمع العصر إليها‏,‏ لو صلاها وهو مسافر‏؟‏

قال العلائي‏:‏ يحتمل تخريجه على هذا الأصل‏.‏ فإن قلنا‏:‏ صلاة مستقلة‏,‏ لم يجز‏,‏ وإلا جاز‏.‏ قلت‏:‏ ينبغي أن يكون الأصح‏:‏ الجواز‏.‏

ومنها‏:‏ إذا خرج الوقت فيها‏,‏ فهل يتمونها ظهرا‏,‏ بناء‏,‏ أو يلزم الاستئناف‏؟‏ قولان‏.‏ قال الرافعي‏:‏ مبنيان على الخلاف‏,‏ في أن الجمعة ظهر مقصورة‏,‏ أو صلاة على حيالها‏.‏ إن قلنا‏:‏ بالأول‏,‏ جاز البناء‏,‏ وإلا فلا‏,‏ والأصح جواز البناء‏.‏ فقد رجح في هذا الفرع أنها ظهر مقصورة‏.‏

ومنها‏:‏ لو صلوا الجمعة خلف مسافر‏,‏ نوى الظهر قاصرا‏,‏ فإن قلنا‏:‏ هي ظهر مقصورة‏,‏ صحت قطعا‏,‏ وإن قلنا‏:‏ صلاة مستقلة‏,‏ جرى في الصحة خلاف‏.‏

القاعدة الثانية‏:‏ الصلاة خلف المحدث المجهول الحال‏.‏

إذا قلنا بالصحة‏,‏ هل هي صلاة جماعة أو انفراد‏؟‏ وجهان‏.‏ والترجيح مختلف‏;‏ فرجح الأول في فروع‏:‏

منها‏:‏ لو كان في الجمعة‏,‏ وتم العدد بغيره‏,‏ إن قلنا‏:‏ صلاتهم جماعة صحت‏,‏ وإلا فلا‏.‏ والأصح الصحة‏.‏

ومنها‏:‏ حصول فضيلة الجماعة‏,‏ والأصح‏:‏ تحصل‏.‏

ومنها‏:‏ لو سها‏,‏ أو سهوا ثم علموا حدثه قبل الفراغ‏,‏ وفارقوه‏.‏ إن قلنا‏:‏ صلاتهم جماعة سجدوا لسهو الإمام لا لسهوهم‏,‏ وإلا فبالعكس‏.‏ والأصح‏:‏ الأول‏.‏

ورجح الثاني في فروع‏:‏

منها‏:‏ إذا أدركه المسبوق في الركوع‏,‏ إن قلنا‏:‏ صلاة جماعة‏,‏ حسبت له الركعة وإلا فلا‏.‏ والصحيح‏:‏ عدم الحسبان‏.‏

 

القاعدة الثالثة‏:‏ قال الأصحاب‏:‏ من أتى بما ينافي الفرض دون النفل‏,‏ في أول فرض‏,‏ أو أثنائه بطل فرضه‏,‏ وهل تبقى صلاته نفلا‏,‏ أو تبطل‏؟‏

فيه قولان‏.‏ والترجيح مختلف‏,‏ فرجح الأول في فروع‏:‏

منها إذا أحرم بفرض فأقيمت جماعة‏,‏ فسلم من ركعتين‏,‏ ليدركها‏,‏ فالأصح‏:‏ صحتها نفلا‏.‏

ومنها‏:‏ إذا أحرم بالفرض قبل وقته جاهلا‏,‏ فالأصح‏:‏ الانعقاد نفلا‏.‏

ومنها‏:‏ إذا أتى بتكبيرة الإحرام‏,‏ أو بعضها في الركوع جاهلا فالأصح‏:‏ الانعقاد نفلا‏.‏

ورجح الثاني في الصورتين إذا كان عالما‏,‏ وفيما إذا قلب فرضه إلى فرض آخر‏,‏ أو إلى نفل بلا سبب‏.‏ وفيما إذا وجد المصلي قاعدا خفة في صلاته‏,‏ وقدر على القيام‏,‏ فلم يقم‏,‏ وفيما إذا أحرم القادر على القيام بالفرض قاعدا‏.‏

القاعدة الرابعة‏:‏ النذر‏,‏ هل يسلك به مسلك الواجب‏,‏ أو الجائز‏؟‏

قولان‏:‏ والترجيح مختلف في الفروع‏:‏

فمنها‏:‏ نذر الصلاة‏,‏ والأصح فيه الأول‏;‏ فيلزمه ركعتان‏.‏ ولا يجوز القعود مع القدرة ولا فعلهما على الراحلة‏,‏ ولا يجمع بينها وبين فرض‏,‏ أو نذر آخر بتيمم‏.‏

ولو نذر بعض ركعة‏,‏ أو سجدة‏:‏ لم ينعقد نذره‏,‏ على الأصح‏,‏ في الجميع‏.‏

ومنها‏:‏ نذر الصوم‏,‏ والأصح فيه‏:‏ الأول‏.‏ فيجب التثبيت‏,‏ ولا يجزي إمساك بعض يوم‏,‏ ولا ينعقد نذر بعض يوم‏.‏

ومنها‏:‏ إذا نذر الخطبة في الاستسقاء‏,‏ ونحوه‏,‏ والأصح فيها‏:‏ الأول‏,‏ حتى يجب فيها القيام عند القدرة‏.‏

ومنها‏:‏ نذر أن يكسو يتيما‏,‏ والأصح فيه‏:‏ الأول‏,‏ فلا يخرج عن نذره بيتيم ذمي‏.‏

ومنها‏:‏ نذر الأضحية‏,‏ والأصح فيها‏:‏ الأول فيشترط فيها السن‏,‏ والسلامة من العيوب‏.‏

ومنها‏:‏ نذر الهدي‏,‏ ولم يسم شيئا‏,‏ والأصح فيه‏:‏ الأول‏,‏ فلا يجزئ إلا ما يجزئ في الهدي الشرعي‏,‏ ويجب إيصاله إلى الحرم‏.‏

ومنها‏:‏ الحج‏,‏ والأصح فيه‏:‏ الأول‏,‏ فلو نذره معضوب‏,‏ لم يجز أن يستنيب صبيا أو عبدا‏,‏ أو سفيها بعد الحجر‏,‏ لم يجز للولي منعه‏.‏

ومنها‏:‏ نذر إتيان المسجد الحرام‏,‏ والأصح فيه‏:‏ الأول‏,‏ فلزم إتيانه بحج‏,‏ أو عمرة‏.‏

ومنها‏:‏ الأكل من المنذورة‏,‏ والأصح فيه‏:‏ أنه إن كان في معينة‏,‏ فله الأكل‏,‏ أو في الذمة فلا‏.‏

ومنها‏:‏ العتق‏,‏ والأصح فيه‏:‏ الثاني‏,‏ فيجزئ عتق كافر‏,‏ ومعيب‏.‏

ومنها‏:‏ لو نذر أن يصلي ركعتين‏,‏ فصلى أربعا بتسليمة بتشهد‏,‏ أو تشهدين‏,‏ والأصح‏:‏ فيه‏:‏ الثاني‏,‏ فيجزيه‏.‏

ومنها‏:‏ لو نذر أربع ركعات‏,‏ فأداها بتسليمتين‏,‏ والأصح فيه‏:‏ الثاني‏,‏ فتجزيه‏.‏

قال في زوائد الروضة‏:‏ والفرق بينهما وبين سائر المسائل المخرجة على الأصل غلبة وقوع الصلاة‏,‏ وزيادة فضلها‏.‏

ومنها‏:‏ نذر القربات التي لم توضع لتكون عبادة‏,‏ وإنما هي أعمال‏,‏ وأخلاق مستحسنة‏,‏ رغب الشرع فيها‏,‏ لعموم فائدتها‏,‏ كعيادة المريض‏,‏ وإفشاء السلام‏,‏ وزيارة القادمين‏,‏ وتشميت العاطس‏,‏ وتشييع الجنائز‏,‏ والأصح فيها‏:‏ الثاني‏,‏ فتلزم بالنذر‏,‏ وعلى مقابله‏:‏ لا تلزم لأن هذه الأمور لا يجب جنسها بالشرع‏.‏

ومنها‏:‏ لو نذر صوم يوم معين‏,‏ والأصح فيه الثاني‏,‏ فلا يثبت له خواص رمضان من الكفارة بالجماع فيه‏,‏ ووجوب الإمساك لو أفطر فيه‏,‏ وعدم قبول صوم آخر من قضاء‏,‏ أو كفارة‏,‏ بل لو صامه عن قضاء أو كفارة‏:‏ صح‏.‏ وفي التهذيب وجه‏:‏ أنه لا ينعقد‏,‏ كأيام رمضان‏.‏

ومنها‏:‏ نذر الصلاة قاعدا‏,‏ الأصح فيه الثاني‏:‏ فلا يلزمه القيام عند القدرة‏:‏

قال الإمام‏:‏ وقد جزم الأصحاب فيما لو قال‏:‏ علي أن أصلي ركعة واحدة بأنه لا يلزمه إلا ركعة‏,‏ ولم يخرجوه على الخلاف‏,‏ وتكلفوا بينهما فرقا‏.‏

قال ولا فرق‏,‏ فيجب تنزيله‏,‏ على الخلاف‏.‏ ومثله‏:‏ لو أصبح ممسكا‏,‏ فنذر الصوم يومه ففي لزوم الوفاء قولان بناء على الأصل المذكور‏,‏ فإنه بالإضافة إلى واجب الشرع بمنزلة الركعة بالإضافة إلى أقل واجب الصلاة‏.‏ قال الإمام‏:‏ والذي أراه اللزوم‏,‏ وأقره الشيخان‏,‏ فعلى هذا يكون المصحح فيه الثاني ومنها‏:‏ إذا نذر صوم الدهر فلزمته كفارة‏,‏ والأصح فيه‏:‏ الثاني‏.‏ فيصوم عنها ويفدي عن النذر وعلى الآخر‏:‏ لا‏.‏ بل هو كالعاجز عن جميع الخصال‏.‏

ومما يصلح أن يعد من فروع القاعدة‏:‏

لو نذر الطواف لم يجزه إلا سبعة أشواط‏,‏ ولا يكفي طوفة واحدة‏,‏ وإن كان يجوز التطوع بها كما ذكر في الخادم‏:‏ تنزيلا لها منزلة الركعة لا السجدة منها‏.‏

 ومما سلك بالنذر فيه مسلك الجائز‏:‏ الطواف المنذور‏,‏ فإنه تجب فيه النية‏,‏ كما تجب في النفل‏,‏ ولا تجب في الفرض لشمول نية الحج والعمرة له‏,‏ وهذا المعنى منتف في النفل والنذر ولو نذر صلاة‏:‏ لم يؤذن لها‏,‏ ولا يقيم‏.‏ ولم يحكوا فيه خلافا‏,‏ وكأن السبب فيه أن الأذان حق الوقت على الجديد‏,‏ وحق المكتوبة على القديم‏,‏ وحق الجماعة على رأيه‏,‏ في الإملاء والثلاثة منتفية في المنذورة‏.‏ على أن صاحب الذخائر قال‏:‏ إن المنذورة يؤذن لها ويقيم إذا قلنا‏:‏ سلك بالمنذور واجب الشرع لكن قال في شرح المهذب‏:‏ إنه غلط منه وأن الأصحاب اتفقوا على خلافه‏,‏ وخرج النذر عن الفرض والنفل معا‏,‏ في صورة‏,‏ وهي‏:‏

ما إذا نذر القراءة‏,‏ فإنه تجب نيتها‏,‏ كما نقله القمولي في الجواهر‏,‏ مع أن قراءة النفل لا نية لها‏,‏ وكذا القراءة المفروضة في الصلاة‏.‏

القاعدة الخامسة‏:‏ هل العبرة بصيغ العقود‏,‏ أو بمعانيها‏؟‏

خلاف‏:‏ والترجيح مختلف في الفروع‏:‏

فمنها‏:‏ إذا قال‏:‏ اشتريت منك ثوبا‏,‏ صفته كذا بهذه الدراهم‏.‏ فقال‏:‏ بعتك‏;‏ فرجح الشيخان‏:‏ أنه ينعقد بيعا‏,‏ اعتبارا باللفظ‏,‏ والثاني ورجحه السبكي سلما‏,‏ اعتبارا بالمعنى ومنها‏:‏ إذا وهب بشرط الثواب‏,‏ فهل يكون بيعا اعتبارا بالمعنى‏,‏ أو هبة اعتبارا باللفظ‏؟‏ الأصح الأول‏.‏

ومنها‏:‏ بعتك بلا ثمن‏,‏ أو لا ثمن لي عليك فقال‏:‏ اشتريت وقبضه‏,‏ فليس بيعا‏,‏ وفي انعقاده هبة قولا تعارض اللفظ‏,‏ والمعنى‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قال‏:‏ بعتك‏,‏ ولم يذكر ثمنا‏,‏ فإن راعينا المعنى انعقد هبة‏,‏ أو اللفظ‏,‏ فهو بيع فاسد‏.‏ ومنها‏:‏ إذا قال‏:‏ بعتك‏:‏ إن شئت‏,‏ إن نظرنا إلى المعنى صح‏,‏ فإنه لو لم يشأ لم يشتر‏,‏ وهو الأصح‏,‏ وإن نظرنا إلى لفظ التعليق بطل‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد‏,‏ فليس بسلم قطعا‏,‏ ولا ينعقد بيعا على الأظهر‏.‏ لاختلال اللفظ‏,‏ والثاني‏:‏ نعم‏,‏ نظرا إلى المعنى‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قال لمن عليه الدين‏:‏ وهبته منك‏,‏ ففي اشتراط القبول وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يشترط اعتبارا بلفظ الهبة‏.‏

والثاني‏:‏ لا اعتبارا بمعنى الإبراء وصححه الرافعي في كتاب الصداق‏.‏

ومنها‏:‏ لو صالحه من ألف في الذمة على خمسمائة في الذمة‏,‏ صح وفي اشتراط القبول وجهان‏.‏ قال الرافعي‏:‏ الأظهر اشتراطه‏.‏

قيل وقد يقال‏:‏ إنه مخالف لما صححه في الهبة‏,‏ وليس كذلك فقد قال السبكي‏,‏ إن اعتبرنا اللفظ اشترط القبول في الهبة والصلح‏,‏ وإن اعتبرنا المعنى اشترط في الهبة دون الصلح‏.‏ ومنها‏:‏ إذا قال‏:‏ أعتق عبدك عني بألف هل هو بيع أو عتق بعوض‏؟‏ وجهان‏.‏

فائدتهما إذا قال‏:‏ أنت حر غدا على ألف‏,‏ إن قلنا‏:‏ بيع فسد‏,‏ ولا تجب قيمة العبد‏,‏ وإن قلنا عتق بعوض صح ووجب المسمى‏,‏ ذكرها الهروي وشريح في أدب القضاء‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قال خالعتك ولم يذكر عوضا‏,‏ قال الهروي فيه قولان بناء على القاعدة أحدهما‏:‏ لا شيء‏.‏ والثاني‏:‏ خلع فاسد يوجب مهر المثل‏,‏ وهو المصحح في المنهاج‏,‏ على كلام فيه سيأتي في مبحث التصريح والكناية‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال‏:‏ خذ هذه الألف مضاربة‏,‏ ففي قول إبضاع لا يجب فيه شيء‏,‏ وفي آخر مضاربة فاسدة توجب المثل‏.‏

ومنها‏:‏ الرجعة بلفظ النكاح‏,‏ فيها خلاف خرجه الهروي على القاعدة والأصح صحتها به‏.‏

ومنها‏:‏ لو باع المبيع للبائع قبل قبضه بمثل الثمن الأول‏,‏ فهو إقالة بلفظ البيع‏,‏ ذكره صاحب التتمة وخرجه السبكي على القاعدة‏.‏

قال‏:‏ ثم رأيت التخريج للقاضي حسين‏.‏ قال‏:‏ إن اعتبرنا اللفظ لم يصح‏,‏ وإن اعتبرنا المعنى فإقالة‏.‏ ومنها‏:‏ إذا قال‏:‏ استأجرتك لتتعهد نخلي بكذا من ثمرتها‏,‏ فالأصح أنه إجارة فاسدة‏.‏ نظرا إلى اللفظ وعدم وجود شرط الإجارة‏,‏ والثاني أنه يصح مساقاة‏,‏ نظرا إلى المعنى ومنها‏:‏ لو تعاقدا في الإجارة بلفظ المساقاة فقال‏:‏ ساقيتك على هذه النخيل مدة كذا بدراهم معلومة‏,‏ فالأصح أنه مساقاة فاسدة نظرا إلى اللفظ وعدم وجود شرط المساقاة‏,‏ إذ من شرطها أن لا تكون بدراهم‏,‏ والثاني‏:‏ تصح إجارة نظرا إلى المعنى‏.‏

ومنها‏:‏ إذا عقد بلفظ الإجارة على عمل في الذمة‏,‏ فالصحيح اعتبار قبض الأجرة في المجلس‏;‏ لأن معناه معنى السلم‏,‏ وقيل‏:‏ لا‏,‏ نظرا إلى لفظ الإجارة‏.‏

ومنها‏:‏ لو عقد الإجارة بلفظ البيع فقال‏:‏ بعتك منفعة هذه الدار شهرا‏,‏ فالأصح لا ينعقد نظرا إلى اللفظ‏.‏ وقيل ينعقد نظرا إلى المعنى

ومنها‏:‏ إذا قال‏:‏ قارضتك على أن كل الربح لك فالأصح أنه قراض فاسد رعاية للفظ‏,‏ والثاني قراض صحيح رعاية للمعنى‏.‏

وكذا لو قال‏:‏ على أن كله لي‏,‏ فهل هو قراض فاسد أو إبضاع‏؟‏ الأصح الأول‏.‏ 

وكذا لو قال‏:‏ أبضعتك على أن نصف الربح لك‏;‏ فهل هو إبضاع‏,‏ أو قراض‏؟‏ فيه الوجهان‏.‏

ومنها‏:‏ إذا وكله أن يطلق زوجته طلاقا منجزا وكانت قد دخلت الدار فقال لها‏:‏ إن كنت دخلت الدار فأنت طالق فهل يقع الطلاق‏؟‏ فيه وجهان‏,‏ لأنه منجز من حيث المعنى‏,‏ معلق من حيث اللفظ‏.‏ ومنها‏:‏ إذا اشترى جارية بعشرين‏,‏ وزعم أن الموكل أمره فأنكر‏,‏ يتلطف الحاكم بالموكل ليبيعها له‏,‏ فلو قال إن كنت أمرتك بعشرين فقد بعتكها بها‏,‏ فالأصح الصحة نظرا إلى المعنى‏;‏ لأنه مقتضى الشرع‏.‏ والثاني لا‏,‏ نظرا إلى صيغة التعليق‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قال لعبد بعتك نفسك بكذا‏,‏ صح‏,‏ وعتق في الحال‏,‏ ولزمه المال في ذمته نظرا للمعنى‏,‏ وفي قول لا يصح نظرا إلى اللفظ‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قال‏:‏ إن أديت لي ألفا فأنت حر‏,‏ فقيل‏:‏ كتابة فاسدة‏,‏ وقيل معاملة صحيحة‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قصد بلفظ الإقالة البيع‏,‏ فقيل يصح بيعا نظرا للمعنى‏,‏ وقيل لا يصح نظرا إلى اختلال اللفظ‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قال ضمنت ما لك على فلان بشرط أنه بريء‏,‏ ففي قول أنه ضمان فاسد نظرا إلى اللفظ وفي قول‏,‏ حوالة بلفظ الضمان نظرا إلى المعنى والأصح الأول‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال أحلتك بشرط أن لا أبرأ‏,‏ ففيه القولان والأصح‏:‏ فساده‏.‏

ومنها‏:‏ البيع من البائع قبل القبض‏,‏ قيل يصح ويكون فسخا اعتبارا بالمعنى والأصح لا‏,‏ نظرا إلى اللفظ‏.‏

ومنها‏:‏ إذا وقف على قبيلة غير منحصرة‏,‏ كبني تميم مثلا‏,‏ وأوصى لهم‏,‏ فالأصح الصحة اعتبارا بالمعنى‏,‏ ويكون المقصود الجهة لا الاستيعاب كالفقراء والمساكين‏.‏

والثاني لا يصح اعتبارا باللفظ‏,‏ فإنه تمليك لمجهول‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قال‏:‏ خذ هذا البعير ببعيرين‏,‏ فهل يكون قرضا فاسدا نظرا إلى اللفظ أو بيعا نظرا إلى المعنى وجهان‏.‏

ومنها لو ادعى الإبراء فشهد له شاهدان أنه وهبه ذلك‏,‏ أو تصدق عليه‏,‏ فهل يقبل نظرا إلى المعنى أو لا نظرا إلى اللفظ‏؟‏ وجهان‏.‏

ومنها‏:‏ هبة منافع الدار هل تصح وتكون إعارة نظرا إلى المعنى أو لا‏؟‏ وجهان حكاهما الرافعي في الهبة من غير ترجيح‏,‏ ورجح البلقيني‏:‏ أنه تمليك منافع الدار‏,‏ وأنه لا يلزم إلا ما استهلك من المنافع‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال‏:‏ إذا دخلت الدار فأنت طالق‏,‏ فهل هو حلف نظرا إلى المعنى‏;‏ لأنه تعلق به منع أو لا‏,‏ نظرا إلى اللفظ لكون ‏"‏إذا‏"‏ ليست من ألفاظه لما فيه من التأقيت بخلاف ‏"‏إن‏"‏ وجهان‏,‏ الأصح الأول‏.‏

ومنها‏:‏ لو وقف على دابة فلان‏,‏ فالأصح البطلان نظرا إلى اللفظ‏,‏ والثاني يصح نظرا إلى المعنى ويصرف في علفها‏.‏

فلو لم يكن لها مالك بأن كانت وقفا‏,‏ فهل يبطل نظرا للفظ‏,‏ أو يصح نظرا للمعنى‏,‏ وهو الإنفاق عليها إذ هو من جملة القرب‏؟‏ وجهان‏,‏ حكاهما ابن الوكيل‏.‏

القاعدة السادسة‏:‏ العين المستعارة للرهن‏,‏ هل المغلب فيها جانب الضمان أو جانب العارية‏؟‏

قولان قال في شرح المهذب‏:‏ والترجيح مختلف في الفروع‏.‏

فمنها‏:‏ هل للمعير الرجوع بعد قبض المرتهن‏؟‏ إن قلنا عارية‏:‏ نعم أو ضمان‏:‏ فلا وهو الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ الأصح اشتراط معرفة المعير جنس الدين وقدره وصفته بناء على الضمان‏.‏ والثاني‏:‏ لا بناء على العارية‏.‏

ومنها‏:‏ هل له إجبار المستعير على فك الرهن إن قلنا له الرجوع فلا وإن قلنا لا فله ذلك على القول بالعارية‏,‏ وكذا على القول بالضمان إن كان حالا بخلاف المؤجل‏,‏ كمن ضمن دينا مؤجلا لا يطالب الأصيل بتعجيله لتبرأ ذمته‏.‏

ومنها‏:‏ إذا حل الدين وبيع فيه فإن قلنا عارية‏,‏ رجع المالك بقيمته‏,‏ أو ضمان‏,‏ رجع بما بيع به سواء كان أقل أو أكثر‏,‏ وهو الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو تلف تحت يد المرتهن ضمنه الراهن على قول العارية‏,‏ ولا شيء على قول الضمان لا على الراهن ولا على المرتهن‏.‏

والأصح في هذا الفرع‏:‏ أن الراهن يضمنه‏,‏ كذا قال النووي‏:‏ إنه المذهب فقد صحح هنا‏.‏ قول العارية‏.‏

ومنها‏:‏ لو جنى فبيع في الجناية فعلى قول الضمان‏:‏ لا شيء على الراهن‏:‏ وعلى قول العارية‏:‏ يضمن‏.‏ ومنها‏:‏ لو أعتقه المالك‏,‏ فإن قلنا‏:‏ ضمان فهو كإعتاق المرهون‏.‏ قاله في التهذيب‏,‏ وإن قلنا عارية‏:‏ صح وكان رجوعا‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال‏:‏ ضمنت ما لك عليه في رقبة عبدي هذا‏.‏ قال القاضي حسين‏:‏ يصح ذلك على قول الضمان‏,‏ ويكون كالإعارة للرهن‏.‏

تنبيه‏:‏

عبر كثيرون بقولهم‏:‏ هل هو ضمان أو عارية‏,‏ وقال الإمام‏:‏ العقد فيه شائبة من هذا‏.‏ وشائبة من هذا‏.‏ وليس القولان في تمحض كل منهما‏,‏ بل هما في أن المغلب منهما ما هو فلذلك عبرت به‏,‏ وكذا في القواعد الآتية‏.‏

القاعدة السابعة‏:‏ ‏"‏الحوالة هل هي بيع أو استيفاء‏؟‏ خلاف‏"‏‏.‏

قال في شرح المهذب‏:‏ والترجيح مختلف في الفروع‏:‏

فمنها‏:‏ ثبوت الخيار فيها‏,‏ الأصح‏:‏ لا‏,‏ بناء على أنها استيفاء‏,‏ وقيل‏:‏ نعم‏,‏ بناء على أنها بيع‏.‏

ومنها‏:‏ لو اشترى عبدا بمائة‏,‏ وأحال البائع بالثمن على رجل‏,‏ ثم رد العبد بعيب‏,‏ أو تحالف أو إقالة ونحوها‏,‏ فالأظهر البطلان‏,‏ بناء على أنها استيفاء‏.‏ والثاني‏:‏ لا‏,‏ بناء على أنها بيع‏.‏

ومنها‏:‏ الثمن في مدة الخيار في جواز الحوالة به وعليه‏,‏ وجهان‏:‏ قال في التتمة‏:‏ إن قلنا‏:‏ استيفاء جاز‏,‏ أو بيع‏:‏ فلا كالتصرف في البيع في زمن الخيار‏,‏ والأصح‏:‏ الجواز‏.‏

ومنها‏:‏ لو احتال‏,‏ بشرط أن يعطيه المحال عليه رهنا أو يقيم له ضامنا فوجهان‏,‏ إن قلنا‏:‏ بأنها بيع‏,‏ جاز‏,‏ أو استيفاء‏,‏ فلا والأصح‏:‏ الثاني‏.‏

ومنها‏:‏ لو أحال على من لا دين عليه برضاه‏,‏ فالأصح‏:‏ بطلانها‏,‏ بناء على أنها بيع والثاني‏:‏ يصح‏,‏ بناء على أنها استيفاء‏.‏

ومنها‏:‏ في اشتراط رضى المحال عليه‏,‏ إذا كان عليه دين‏:‏ وجهان‏.‏ إن قلنا‏:‏ بيع‏,‏ لم يشترط‏;‏ لأنه حق المحيل‏,‏ فلا يحتاج إلى رضى الغير‏,‏ وإن قلنا‏:‏ استيفاء اشترط‏,‏ لتعذر إقراضه من غير رضاه‏.‏ والأصح‏:‏ عدم الاشتراط‏.‏

ومنها‏:‏ نجوم الكتابة في صحة الحوالة بها‏,‏ وعليها أوجه‏.‏

أحدهما‏:‏ الصحة‏,‏ بناء على أنها استيفاء‏.‏

والثاني‏:‏ المنع‏,‏ بناء على أنها بيع‏.‏

والأصح‏:‏ وجه ثالث‏,‏ وهو الصحة بها‏,‏ لا عليها‏;‏ لأن للمكاتب أن يقضي حقه باختياره‏,‏ والحوالة عليه‏:‏ تؤدي إلى إيجاب القضاء عليه بغير اختياره‏.‏ وفي الوسيط‏:‏ وجه بعكس هذا‏,‏ والأوجه جارية في المسلم فيه‏.‏

ومنها‏:‏ قال المتولي‏:‏ لو أحال من عليه الزكاة للساعي‏:‏ جاز إن قلنا‏:‏ استيفاء‏.‏ وإن قلنا‏:‏ بيع‏,‏ فلا‏;‏ لامتناع أخذ العوض عن الزكاة‏.‏ 

ومنها‏:‏ لو خرج المحال عليه مفلسا‏,‏ وقد شرط يساره‏,‏ فالأصح‏:‏ لا رجوع له‏,‏ بناء على أنها استيفاء‏,‏ والثاني‏:‏ نعم‏,‏ بناء على أنها بيع‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال رجل لمستحق الدين‏:‏ احتل علي بدينك الذي في ذمة فلان‏,‏ على أن تبرئه‏,‏ فرضي واحتال‏,‏ وأبرأ المدين‏,‏ فقيل‏:‏ يصح‏.‏ وقيل‏:‏ لا‏,‏ بناء على أنها استيفاء إذ ليس للأصيل دين في ذمة المحال عليه‏,‏ ذكره في السلسلة‏.‏

ومنها‏:‏ لو أحال أحد المتعاقدين الآخر في عقد الربا‏,‏ وقبض في المجلس‏,‏ فإن قلنا‏:‏ استيفاء‏:‏ جاز‏,‏ أو بيع‏:‏ فلا‏,‏ والأصح المنع‏,‏ كما نقله ألسبكي في تكملة شرح المهذب عن النص والأصحاب‏.‏

القاعدة الثامنة‏:‏ الإبراء‏,‏ هل هو إسقاط‏,‏ أو تمليك‏؟‏ قولان‏.‏

والترجيح مختلف في الفروع‏:‏

فمنها‏:‏ الإبراء مما يجهله المبرئ‏,‏ والأصح فيه التمليك‏,‏ فلا يصح‏.‏

ومنها‏:‏ إبراء المبهم‏.‏ كقوله لمدينيه‏:‏ أبرأت أحدكما‏.‏ والأصح فيه التمليك‏,‏ فلا يصح كما لو كان له في يد كل واحد عبد‏,‏ فقال‏:‏ ملكت أحدكما العبد الذي في يده‏,‏ لا يصح‏.‏

ومنها‏:‏ تعليقه‏,‏ والأصح فيه التمليك فلا يصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو عرف المبرئ قدر الدين‏,‏ ولم يعرفه المبرأ‏.‏ والأصح فيه‏:‏ الإسقاط‏.‏ كما في الشرح الصغير‏,‏ وأصل الروضة في الوكالة‏,‏ فيصح‏.‏

ومنها‏:‏ اشتراط القبول‏,‏ والأصح فيه الإسقاط‏,‏ فلا يشترط‏.‏

ومنها‏:‏ ارتداده بالرد‏,‏ والأصح فيه الإسقاط‏,‏ فلا يصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو كان لأبيه دين على رجل‏,‏ فأبرأه منه‏,‏ وهو لا يعلم موت الأب‏,‏ فبان ميتا‏.‏ فإن قلنا‏:‏ إسقاط صح جزما‏,‏ أو تمليك‏,‏ ففيه الخلاف فيمن باع مال مورثه‏,‏ ظانا حياته‏,‏ فبان ميتا‏.‏

ومنها‏:‏ إذا وكل في الإبراء‏,‏ فالأصح اشتراط علم الموكل بقدره‏,‏ دون الوكيل بناء على أنه إسقاط‏,‏ وعلى التمليك عكسه‏,‏ كما لو قال‏:‏ بع بما باع به فلان فرسه‏,‏ فإنه يشترط لصحة البيع علم الوكيل‏,‏ دون الموكل‏.‏

ومنها‏:‏ لو وكل المدين ليبرئ نفسه‏,‏ صح على قول الإسقاط‏,‏ وهو الأصح‏,‏ وجزم به الغزالي‏,‏ كما لو وكل العبد في العتق‏,‏ والمرأة في طلاق نفسها‏.‏ ولا يصح على قول التمليك‏,‏ كما لو وكله ليبيع من نفسه‏.‏

 ومنها‏:‏ لو أبرأ ابنه عن دينه‏,‏ فليس له الرجوع على قول الإسقاط‏.‏ وله‏,‏ على التمليك‏:‏ ذكره الرافعي‏.‏ وقال النووي‏:‏ ينبغي أن لا يكون له رجوع على القولين‏,‏ كما لا يرجع إذا زال الملك عن الموهوب‏.‏

القاعدة التاسعة‏:‏ الإقالة‏,‏ هل هي فسخ‏,‏ أو بيع‏؟‏ قولان‏:‏

والترجيح مختلف في الفروع‏:‏

فمنها‏:‏ لو اشترى عبدا كافرا من كافر فأسلم‏,‏ ثم أراد الإقالة‏,‏ فإن قلنا‏:‏ بيع‏;‏ لم يجز‏,‏ أو فسخ‏,‏ جاز‏,‏ كالرد بالعيب في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ الأصح عدم ثبوت الخيارين فيها‏,‏ بناء على أنها فسخ‏.‏ والثاني‏:‏ نعم‏,‏ بناء على أنها بيع‏.‏

ومنها‏:‏ الأصح لا يتجدد حق الشفعة‏,‏ بناء على أنها فسخ‏,‏ والثاني‏:‏ نعم‏,‏ بناء على أنها بيع‏.‏

ومنها‏:‏ إذا تقايلا في عقود الربا‏,‏ يجب التقابض في المجلس‏,‏ بناء على أنها بيع‏,‏ ولا يجب‏,‏ بناء على أنها فسخ‏,‏ وهو الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ تجوز الإقالة قبل القبض‏,‏ إن قلنا‏:‏ فسخ‏,‏ وهو الأصح وإن قلنا‏:‏ بيع فلا‏.‏

ومنها‏:‏ تجوز في السلم قبل القبض‏,‏ إن قلنا فسخ‏,‏ وهو الأصح‏.‏ وإن قلنا‏:‏ بيع فلا‏.‏

ومنها‏:‏ لو تقايلا بعد تلف المبيع جاز‏,‏ إن قلنا‏:‏ فسخ‏,‏ وهو الأصح‏.‏ ويرد مثل المبيع أو قيمته‏.‏ وإن قلنا‏:‏ بيع‏,‏ فلا‏.‏

ومنها‏:‏ لو اشترى عبدين‏,‏ فتلف أحدهما‏:‏ جازت الإقالة في الباقي‏,‏ ويستتبع التالف على قول الفسخ‏,‏ وهو الأصح‏,‏ وعلى مقابله‏:‏ لا‏.‏

ومنها‏:‏ إذا تقايلا واستمر في يد المشتري‏.‏ نفذ تصرف البائع فيه‏,‏ على قول الفسخ وهو الأصح‏,‏ ولا ينفذ على قول البيع‏.‏

ومنها‏:‏ لو تلف في يده بعد التقايل‏.‏ انفسخت‏,‏ إن كانت بيعا‏,‏ وبقي البيع الأصلي بحاله وإن قلنا‏:‏ فسخ ضمنه المشتري‏,‏ كالمستام‏,‏ وهو الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو تعيب في يده غرم الأرش‏,‏ على قول الفسخ‏,‏ وهو الأصح‏:‏ وعلى الآخر يتخير البائع بين أن يجيز‏,‏ ولا أرش له‏,‏ أو يفسخ ويأخذ الثمن‏.‏

ومنها‏:‏ لو استعمله بعد الإقالة‏,‏ فإن قلنا‏:‏ فسخ‏,‏ فعليه الأجرة‏,‏ وهو الأصح‏,‏ أو بيع‏,‏ فلا‏.‏

ومنها‏:‏ لو اطلع البائع على عيب حدث عند المشتري‏,‏ فلا رد له‏,‏ إن قلنا‏:‏ فسخ وهو الأصح‏,‏ وإن قلنا‏:‏ بيع‏;‏ فله الرد‏.‏

 

القاعدة العاشرة‏:‏ الصداق المعين في يد الزوج قبل القبض مضمون ضمان عقد‏,‏ أو ضمان يد‏؟‏

قولان‏.‏ والترجيح مختلف في الفروع‏:‏

فمنها‏:‏ الأصح‏,‏ لا يصح بيعه قبل قبضه‏,‏ بناء على ضمان العقد‏.‏

والثاني‏:‏ يصح‏,‏ بناء على ضمان اليد‏.‏

ومنها‏:‏ الأصح انفساخ الصداق إذا تلف‏,‏ أو أتلفه الزوج‏,‏ قبل قبضه‏,‏ والرجوع إلى مهر المثل‏,‏ بناء على ضمان العقد‏,‏ والثاني‏:‏ لا‏.‏ ويلزم مثله‏,‏ أو قيمته‏,‏ بناء على ضمان اليد‏.‏

ومنها‏:‏ لو تلف بعضه‏,‏ انفسخ فيه‏,‏ لا في الباقي‏.‏ بل لها الخيار فإن فسخت رجعت إلى مهر المثل‏,‏ على قول ضمان العقد‏.‏ وهو الأصح‏,‏ وإلى قيمة العبدين على مقابله‏.‏ وإن أجازت رجعت إلى حصة التالف من مهر المثل‏,‏ على الأصح‏,‏ وإلى قيمته على الآخر‏.‏

ومنها‏:‏ لو تعيب فلها الخيار على الصحيح وفي وجه‏:‏ لا خيار على ضمان العقد‏.‏ فإن فسخت رجعت إلى مهر المثل على الأصح والبدل على الآخر‏.‏ وإن أجازت‏:‏ فلا شيء لها على الأصح كالمبيع قبل القبض‏.‏ وعلى ضمان اليد لها الأرش‏.‏

ومنها‏:‏ المنافع الثابتة في يده لا يضمنها على الأصح بناء على ضمان العقد‏.‏ ويضمنها بناء على ضمان اليد‏.‏

ومنها‏:‏ لو زاد في يده زيادة منفصلة فللمرأة قطعا بناء على ضمان اليد‏,‏ وعلى ضمان العقد وجهان‏:‏ كالمبيع‏.‏

ومنها‏:‏ لو أصدقها نصابا‏,‏ ولم تقبضه حتى حال الحول‏,‏ وجبت عليها الزكاة في الأصح‏,‏ كالمغصوب‏,‏ ونحوه‏,‏ وفي وجه‏:‏ لا‏,‏ بناء على ضمان العقد‏,‏ كالمبيع قبل القبض‏.‏

فقد صحح هنا قول ضمان اليد‏.‏

ومنها‏:‏ لو كان دينا‏,‏ جاز الاعتياض عنه على الأصح‏,‏ بناء على ضمان اليد‏,‏ وعلى ضمان العقد لا يجوز‏,‏ كالمسلم فيه‏.‏

فهذه صورة أخرى صحح فيها قول ضمان اليد‏.‏

 

القاعدة الحادية عشرة‏:‏ الطلاق الرجعي‏,‏ هل يقطع النكاح‏,‏ أو لا‏؟‏ قولان‏:‏

قال الرافعي‏:‏ والتحقيق أنه لا يطلق ترجيح واحد منهما‏,‏ لاختلاف الترجيح في فروعه‏.‏

فمنها‏:‏ لو وطئها في العدة وراجع‏,‏ فالأصح‏:‏ وجوب المهر‏,‏ بناء على أنه ينقطع‏.‏ ومنها‏:‏ لو مات عن رجعية‏,‏ فالأصح‏:‏ أنها لا تغسله‏,‏ والثاني‏:‏ تغسله‏,‏ كالزوجة‏.‏

ومنها‏:‏ لو خالعها‏,‏ فالأصح‏:‏ الصحة‏,‏ بناء على أنها زوجه‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال‏:‏ نسائي‏,‏ أو زوجاتي‏:‏ طوالق‏,‏ فالأصح‏:‏ دخول الرجعية فيهن‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ جزم بالأول‏,‏ في تحريم الوطء والاستمتاعات كلها‏,‏ والنظر‏,‏ والخلوة‏,‏ ووجوب استبرائها‏,‏ لو كانت رقيقة واشتراها‏.‏ وجزم بالثاني في الإرث‏,‏ ولحوق الطلاق‏,‏ وصحة الظهار والإيلاء‏,‏ واللعان‏,‏ ووجوب النفقة‏.‏

الثاني‏:‏ في أصل القاعدة قول ثالث‏,‏ وهو الوقف‏,‏ فإن لم يراجعها حتى انقضت العدة‏,‏ تبينا انقطاع النكاح بالطلاق‏,‏ وإن راجع‏,‏ تبينا أنه لم ينقطع‏.‏

ونظير ذلك‏:‏ الأقوال في الملك زمن الخيار‏.‏

الثالث‏:‏ يعبر عن القاعدة بعبارة أخرى‏,‏ فيقال‏:‏ الرجعة‏,‏ هل هي ابتداء النكاح أو استدامته‏؟‏ فصحح الأول فيما إذا طلق المولي في المدة‏,‏ ثم راجع‏,‏ فإنها تستأنف‏,‏ ولا تبني‏.‏ وصحح الثاني‏,‏ في أن العبد يراجع بغير إذن سيده‏,‏ وأنه لا يشترط فيها الإشهاد‏,‏ وأنها تصح في الإحرام‏.‏

القاعدة الثانية عشرة‏:‏ الظهار‏,‏ هل المغلب فيه مشابهة الطلاق‏,‏ أو مشابهة اليمين‏؟‏

فيه خلاف‏.‏ والترجيح مختلف‏,‏ فرجح الأول في فروع‏:‏

منها‏:‏ إذا ظاهر من أربع نساء بكلمة واحدة‏,‏ فقال‏:‏ أنتن علي كظهر أمي‏,‏ فإذا أمسكهن لزمه أربع كفارات‏,‏ على الجديد‏,‏ فإن الطلاق‏,‏ لا يفرق فيه بين أن يطلقهن بكلمة‏,‏ أو كلمات‏,‏ والقديم‏:‏ كفارة‏,‏ تشبيها باليمين‏,‏ كما لو حلف لا يكلم جماعة‏,‏ لا يلزمه إلا كفارة واحدة‏.‏ 

ونظير هذا‏:‏ الخلاف فيمن قذف جماعة بكلمة واحدة‏,‏ فيحد لكل واحد حدا في الأظهر والثاني حدا واحدا‏.‏

ومنها‏:‏ هل يصح بالخط‏؟‏ الأصح‏:‏ نعم‏,‏ كالطلاق‏,‏ صرح به الماوردي‏,‏ وأفهمه كلام الأصحاب‏,‏ حيث قالوا‏:‏ كل ما استقل به الشخص‏,‏ فالخلاف فيه‏,‏ كوقوع الطلاق بالخط‏,‏ وجزم القاضي حسين بعدم الصحة في الظهار‏,‏ كاليمين‏,‏ فإنها لا تصح إلا باللفظ‏.‏

ومنها‏:‏ إذا كرر لفظ الظهار في امرأة واحدة على الاتصال‏,‏ ونوى الاستئناف‏.‏ فالجديد يلزمه بكل كفارة‏,‏ كالطلاق‏.‏ والثاني‏:‏ كفارة واحدة‏,‏ كاليمين‏.‏

ولو تفاصلت‏,‏ وقال‏:‏ أردت التأكيد‏,‏ فهل يقبل منه‏؟‏ الأصح‏:‏ لا‏,‏ تشبيها بالطلاق‏.‏ والثاني‏:‏ نعم‏,‏ كاليمين‏.‏ ورجح الثاني في فروع‏:‏

منها‏:‏ لو ظاهر مؤقتا‏,‏ فالأصح الصحة مؤقتا كاليمين‏,‏ والثاني‏:‏ لا‏,‏ كالطلاق ومنها‏:‏ التوكيل فيه‏,‏ والأصح المنع‏,‏ كاليمين‏,‏ والثاني‏:‏ الجواز‏,‏ كالطلاق‏.‏

ومنها‏:‏ لو ظاهر من إحدى زوجتيه‏,‏ ثم قال للأخرى‏:‏ أشركتك معها‏,‏ ونوى الظهار‏,‏ فقولان‏,‏ أحدهما‏:‏ يصير مظاهرا منها أيضا‏,‏ كما لو طلقها‏,‏ ثم قال للأخرى أشركتك معها‏.‏ ونوى الطلاق‏,‏ والثاني‏:‏ لا‏,‏ كاليمين‏.‏

القاعدة الثالثة عشرة‏:‏ فرض الكفاية‏.‏ هل يتعين بالشروع‏,‏ أو لا‏؟‏

فيه خلاف‏.‏ رجح في المطلب‏:‏ الأول‏,‏ والبارزي في التمييز‏:‏ الثاني‏.‏

قال في الخادم‏:‏ ولم يرجح الرافعي والنووي شيئا‏;‏ لأنها عندهما من القواعد التي لا يطلق فيها الترجيح‏,‏ لاختلاف الترجيح في فروعها‏:‏

فمنها‏:‏ صلاة الجنازة‏,‏ الأصح تعيينها بالشروع‏,‏ لما في الإعراض عنها من هتك حرمة الميت‏.‏

ومنها‏:‏ الجهاد‏,‏ ولا خلاف أنه يتعين بالشروع‏.‏ نعم جرى خلاف في صورة منه وهي‏:‏ ما إذا بلغه رجوع من يتوقف غزوه على إذنه‏.‏ والأصح‏:‏ أنه تجب المصابرة‏,‏ ولا يجوز الرجوع‏.‏

ومنها‏:‏ العلم‏,‏ فمن اشتغل به وحصل منه طرفا وآنس منه الأهلية‏,‏ هل يجوز له تركه أو يجب عليه الاستمرار‏؟‏ وجهان‏.‏ الأصح‏:‏ الأول‏:‏ ووجه بأن كل مسألة مستقلة برأسها منقطعة عن غيرها‏.‏ قال العلائي‏:‏ مقتضى كلام الغزالي‏:‏ أن الأصح فيما سوى القتال‏,‏ وصلاة الجنازة من فروض الكفاية‏:‏ أنها لا تتعين بالشروع‏,‏ وينبغي أن يلحق بها غسل الميت وتجهيزه‏.‏ قلت‏:‏ صرح بما اقتضاه كلام الغزالي البارزي في التمييز‏.‏ ولك أنت تبدل هذه القاعدة بقاعدة أعم منها‏,‏ فتقول‏:‏ فرض الكفاية‏,‏ هل يعطى حكم فرض العين‏,‏ أو حكم النفل‏؟‏ فيه خلاف‏,‏ والترجيح مختلف في الفروع‏:‏

فمنها‏:‏ الجمع بينه وبين فرض آخر بتيمم‏.‏ فيه وجهان‏.‏ والأصح‏:‏ الجواز‏.‏

ومنها‏:‏ صلاة الجنازة قاعدا مع القدرة‏.‏ وعلى الراحلة‏.‏ فيه خلاف‏.‏ والأصح‏:‏ المنع وفرق بأن القيام معظم أركانها‏,‏ فلم يجز تركه مع القدرة‏,‏ بخلاف الجمع بينها وبين غيرها بالتيمم‏.‏

ومنها‏:‏ هل يجبر عليه تاركه‏,‏ حيث لم يتعين‏؟‏ فيه صور مختلفة‏,‏ فالأصح الإجبار في صورة الولي والشاهد إذا دعي للأداء‏,‏ مع وجود غيره‏,‏ وعدمه فيما إذا دعي للتحمل‏.‏ وفيما إذا امتنع من الخروج معها للتغريب‏,‏ وفيما إذا طلب للقضاء‏,‏ فامتنع‏.‏

القاعدة الرابعة عشرة‏:‏ الزائل العائد‏,‏ هل هو كالذي لم يزل‏,‏ أو كالذي لم يعد‏؟‏

فيه خلاف‏.‏ والترجيح مختلف‏,‏ فرجح الأول في فروع‏:‏

منها‏:‏ إذا طلق قبل الدخول‏,‏ وقد زال ملكها عن الصداق وعاد‏,‏ تعلق بالعين في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ إذا طلقت رجعيا‏.‏ عاد حقها في الحضانة في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ إذا تخمر المرهون بعد القبض‏,‏ ثم عاد خلا‏,‏ يعود رهنا في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ إذا باع ما اشتراه‏,‏ ثم علم به عيبا‏,‏ ثم عاد إليه بغير رد‏:‏ فله رده‏,‏ في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ إذا خرج المعجل له الزكاة في أثناء الحول عن الاستحقاق‏,‏ ثم عاد‏.‏ تجزئ في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ إذا فاتته صلاة في السفر‏,‏ ثم أقام‏,‏ ثم سافر‏.‏ يقصرها‏,‏ في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ إذا زال ضوء إنسان‏,‏ أو كلامه‏,‏ أو سمعه‏,‏ أو ذوقه‏,‏ أو شمه‏,‏ أو أفضاها ثم عاد‏.‏ يسقط القصاص‏,‏ والضمان‏,‏ في الأصح‏.‏ ورجح الثاني في فروع‏:‏

منها‏:‏ لو زال الموهوب عن ملك الفرع‏,‏ ثم عاد‏,‏ فلا رجوع للأصل في الأصح‏.‏ ومنها‏:‏ لو زال ملك المشتري‏,‏ ثم عاد وهو مفلس‏,‏ فلا رجوع للبائع في الأصح‏.‏ 

ومنها‏:‏ لو أعرض عن جلد ميتة‏,‏ أو خمر‏,‏ فتحول بيد غيره‏,‏ فلا يعود الملك في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو رهن شاة‏,‏ فماتت‏,‏ فدبغ الجلد‏,‏ لم يعد رهنا في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو جن قاض‏,‏ أو خرج عن الأهلية‏,‏ ثم عاد‏.‏ لم تعد ولايته في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو قلع سن مثغور‏,‏ أو قطع لسانه‏,‏ أو أليته فنبتت‏,‏ أو أوضحه‏;‏ أو أجافه‏,‏ فالتأمت‏.‏ لم يسقط القصاص‏,‏ والضمان في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو عادت الصفة المحلوف عليها‏,‏ لم تعد اليمين في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو هزلت المغصوبة عند الغاصب‏,‏ ثم سمنت‏.‏ لم يجبر‏.‏ ولم يسقط الضمان في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قلنا‏:‏ للمقرض الرجوع في عين القرض‏,‏ ما دام باقيا بحاله‏.‏ فلو زال وعاد فهل يرجع في عينه‏؟‏ وجهان في الحاوي‏.‏

قلت‏:‏ ينبغي أن يكون الأصح‏:‏ لا‏.‏

تنبيه‏:‏

جزم بالأول في صور‏:‏

منها‏:‏ إذا اشترى معيبا وباعه‏,‏ ثم علم العيب ورد عليه به‏,‏ فله رده قطعا‏.‏

ومنها‏:‏ إذا فسق الناظر‏,‏ ثم صار عدلا‏,‏ وولايته بشرط الواقف منصوصا عليه‏.‏ عادت ولايته‏,‏ وإلا فلا‏.‏ أفتى به النووي‏,‏ ووافقه ابن الرفعة‏.‏ وجزم بالثاني في صور‏:‏

منها‏:‏ إذا تغير الماء الكثير بنجاسة‏,‏ ثم زال التغير‏.‏ عاد طهورا‏,‏ فلو عاد التغير بعد زواله والنجاسة غير جامدة‏,‏ لم يعد التنجيس قطعا‏.‏ قاله في شرح المهذب‏.‏

ولو زال الملك عن العبد قبل هلال شوال‏,‏ ثم ملكه بعد الغروب‏.‏ لا تجب عليه فطرته قطعا‏.‏

ولو سمع بينته ثم عزل قبل الحكم ثم عادت ولايته فلا بد من إعادتها قطعا‏.‏ ولو قال‏:‏ إن دخلت دار فلان ما دام فيها‏,‏ فأنت طالق فتحول‏,‏ ثم عاد إليها‏,‏ لا يقع الطلاق قطعا‏;‏ لأن إدامة المقام‏,‏ التي انعقدت عليها اليمين قد انقطعت‏.‏ وهذا عود جديد‏,‏ وإدامته إقامة مستأنفة‏,‏ نقله الرافعي‏.‏

فرع‏:‏

وقع في الفتاوى‏:‏ أن رجلا وقف على امرأته ما دامت عزبا‏,‏ يعني بعد وفاته‏.‏ فتزوجت ثم عادت عزبا‏,‏ فهل يعود الاستحقاق أو لا‏؟‏‏.‏ وقد اختلف فيه مشايخنا‏.‏ فأفتى شيخنا قاضي القضاة شرف الدين المناوي‏,‏ وبعض الحنفية‏:‏ بالعود‏.‏ وأفتى شيخنا البلقيني‏,‏ وكثير‏:‏ بعدمه‏.‏ وهو المتجه‏.‏ ثم رأيت في تنزيه النواظر‏,‏ في رياض الناظر للأسنوي ما نصه‏:‏ الحكم المعلق على قوله‏:‏ ‏"‏ما دام كذا وكذا‏"‏ ينقطع بزوال ذلك‏,‏ وإن عاد‏.‏

مثاله‏:‏ إذا حلف لا يصطاد ما دام الأمير في البلد‏.‏ فخرج الأمير‏,‏ ثم عاد‏,‏ فاصطاد الحالف فإنه لا يحنث‏;‏ لأن الدوام‏,‏ قد انقطع بخروجه‏,‏ كذا نقله الرافعي‏.‏ قال الأسنوي‏:‏ وقياسه‏:‏ أنه إذا وقف على زيد‏;‏ ما دام فقيرا‏,‏ فاستغنى‏,‏ ثم افتقر لم يستحق شيئا‏.‏

القاعدة الخامسة عشرة‏:‏ هل العبرة بالحال أو بالمآل‏؟‏

فيه خلاف‏,‏ والترجيح مختلف‏.‏

ويعبر عن هذه القاعدة بعبارات‏:‏

منها‏:‏ ما قارب الشيء‏,‏ هل يعطى حكمه‏؟‏

والمشرف على الزوال‏,‏ هل يعطى حكم الزائل‏؟‏

والمتوقع‏,‏ هل يجعل كالواقع‏؟‏‏.‏

وفيها فروع‏:‏

منها‏:‏ إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا‏,‏ فأتلفه قبل الغد‏,‏ فهل يحنث في الحال أو حتى يجيء الغد‏؟‏ وجهان‏,‏ أصحهما‏:‏ الثاني‏.‏

ومنها‏:‏ لو كان القميص‏,‏ بحيث تظهر منه العورة عند الركوع‏,‏ ولا تظهر عند القيام فهل تنعقد صلاته ثم إذا ركع تبطل‏,‏ أو لا تنعقد أصلا‏؟‏ وجهان‏,‏ أصحهما‏:‏ الأول‏.‏

ونظيرها‏:‏ لو لم يبق من مدة الخف ما يسع الصلاة‏,‏ فأحرم بها‏,‏ فهل تنعقد‏؟‏ فيه وجهان‏,‏ الأصح‏:‏ نعم‏.‏

وفائدة الصحة في المسألتين‏:‏ صحة الاقتداء به ثم مفارقته‏.‏

وفي المسألة الأولى‏:‏ صحتها إذا ألقى على عاتقه ثوبا قبل الركوع‏.‏

قال صاحب المعين‏:‏ وينبغي القطع بالصحة فيما إذا صلى على جنازة‏;‏ إذ لا ركوع فيها‏.‏

ومنها‏:‏ من عليه عشرة أيام من رمضان‏,‏ فلم يقضها حتى بقي من شعبان خمسة أيام فهل يجب فدية ما لا يسعه الوقت في الحال‏,‏ أو لا يجب‏,‏ حتى يدخل رمضان‏؟‏ فيه وجهان وشبههما الرافعي وغيره‏,‏ بما إذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز غدا‏,‏ فانصب قبل الغد‏.‏ قال السبكي‏:‏ وفي هذا التشبيه نظر‏;‏ لأن الصحيح فيما إذا انصب بنفسه‏.‏ عدم الحنث‏.‏

ونظيره هنا‏:‏ إذا لم يزل عذره إلا ذلك الوقت‏.‏ ولا شك أنه لا يجب عليه شيء‏.‏ فيجب فرض المسألة فيما إذا كان التمكن سابقا‏,‏ وحينئذ فنظيره‏:‏ أن يصب هو الماء‏,‏ فإنه يحنث‏,‏ وفي وقت حنثه‏:‏ الوجهان‏.‏ قال الرافعي‏:‏ الذي أورده ابن كج‏:‏ أنه لا يحنث إلا عند مجيء الغد‏,‏ وعلى قياسه هنا‏:‏ لا يلزم إلا بعد مجيء رمضان‏.‏

ومنها‏:‏ لو أسلم فيما يعم وجوده عند المحل‏,‏ فانقطع قبل الحلول‏,‏ فهل يتنجز حكم الانقطاع‏.‏ وهو ثبوت الخيار في الحال‏,‏ أو يتأخر إلى المحل وجهان‏.‏ أصحهما‏:‏ الثاني‏.‏

ومنها‏:‏ لو نوى في الركعة الأولى الخروج من الصلاة في الثانية‏,‏ أو علق الخروج بشيء يحتمل حصوله في الصلاة‏,‏ فهل تبطل في الحال‏,‏ أو حتى توجد الصفة‏؟‏ وجهان‏.‏ أصحهما‏:‏ الأول‏.‏

ومنها‏:‏ من عليه دين مؤجل يحل قبل رجوعه‏,‏ فهل له السفر‏;‏ إذ لا مطالبة في الحال أولا‏,‏ إلا بإذن الدائن‏;‏ لأنه يجب في غيبته‏؟‏ وجهان‏.‏ أصحهما‏:‏ الأول‏.‏

ومنها‏:‏ إذا استأجر امرأة أشرفت على الحيض لكنس المسجد‏.‏ جاز‏,‏ وإن ظن طروءه‏,‏ وللقاضي حسين‏:‏ احتمال بالمنع‏,‏ كالسن الوجيعة‏,‏ إذا احتمل زوال الألم‏.‏

والفرق على الأصح‏:‏ أن الكنس في الجملة جائز‏,‏ والأصل عدم طروء الحيض‏.‏

ومنها‏:‏ هل العبرة في مكافأة القصاص بحال الجرح‏,‏ أو الزهوق‏؟‏

ومنها‏:‏ هل العبرة في الإقرار للوارث بكونه وارثا حال الإقرار‏,‏ أو الموت‏؟‏ وجهان أصحهما‏:‏ الثاني‏,‏ كالوصية‏.‏

ومنها‏:‏ هل العبرة بالثلث الذي يتصرف فيه المريض بحال الوصية أو الموت‏؟‏ وجهان أصحهما‏:‏ الثاني‏.‏ ومقابله‏,‏ قاسه على ما لو نذر التصدق بماله‏.‏

ومنها‏:‏ هل العبرة في الصلاة المقضية بحال الأداء‏,‏ أو القضاء‏؟‏ وجهان يأتيان في بحثه‏.‏

ومنها‏,‏ هل العبرة في تعجيل الزكاة بحال الحول أو التعجيل‏.‏

ومنها‏,‏ هل العبرة في الكفارة المرتبة بحال الوجوب أو الأداء‏؟‏ قولان أصحهما‏:‏ الثاني‏.‏

ومنها‏:‏ هل العبرة في طلاق السنة‏,‏ أو البدعة بحال الوقوع أو التعليق‏؟‏

ومنها‏:‏ تربية جرو الكلب لما يباح تربية الكبير له‏.‏ 

ومنها‏:‏ الجارية المبيعة‏,‏ هل يجوز وطؤها بعد الترافع إلى مجلس الحكم قبل التحالف‏؟‏ وجهان‏,‏ أصحهما‏:‏ نعم‏,‏ وبعد التحالف وجهان مرتبان‏,‏ وأولى بالمنع‏.‏

ومنها‏:‏ لو حدث في المغصوب نقص يسري إلى التلف‏,‏ بأن جعل الحنطة هريسة‏,‏ فهل هو كالتالف أو لا‏؟‏ بل يرده مع أرش النقص‏؟‏ قولان أصحهما‏:‏ الأول‏.‏

تنبيه‏:‏

جزم باعتبار الحال في مسائل‏:‏

منها‏:‏ إذا وهب للطفل من يعتق عليه وهو معسر وجب على الولي قبوله‏,‏ لأنه لا يلزمه نفقته في الحال‏,‏ فكان قبول هذه الهبة تحصيل خير‏,‏ وهو العتق بلا ضرر‏,‏ ولا ينظر إلى ما لعله يتوقع من حصول يسار للصبي‏,‏ وإعسار لهذا القريب‏;‏ لأنه غير متحقق أنه آيل‏.‏

وجزم باعتبار المآل في مسائل‏:‏

منها‏:‏ بيع الجحش الصغير جائز‏,‏ وإن لم ينتفع به حالا لتوقع النفع به مآلا‏.‏

ومنها‏:‏ جواز التيمم لمن معه ماء يحتاج إلى شربه في المآل‏,‏ لا في الحال‏.‏

ومنها‏:‏ المساقاة على ما لا يثمر في السنة‏,‏ ويثمر بعدها جائز بخلاف إجارة الجحش الصغير‏;‏ لأن موضوع الإجارة تعجيل المنفعة‏,‏ ولا كذلك المساقاة‏,‏ إذ تأخر الثمار محتمل فيها‏.‏

كذا فرق الرافعي‏.‏ قال ابن السبكي‏:‏ وبه يظهر لك أن المنفعة المشترطة في البيع غير المشترطة في الإجارة‏,‏ إذ تلك أعم من كونها حالا أو مآلا‏,‏ ولا كذلك الإجارة‏.‏

تنبيه‏:‏

يلتحق بهذه القاعدة قاعدة ‏"‏تنزيل الاكتساب منزلة المال الحاضر‏"‏

وفيها فروع‏:‏

منها‏:‏ في الفقر والمسكنة‏,‏ قطعوا بأن القادر على الكسب كواجد المال‏.‏

ومنها‏:‏ في سهم الغارمين‏,‏ هل ينزل الاكتساب منزلة المال‏؟‏ فيه وجهان‏,‏ الأشبه‏:‏ لا وفارق الفقير والمسكين بأن الحاجة تتجدد كل وقت‏,‏ والكسب يتجدد كذلك‏,‏ والغارم محتاج إلى وفاء دينه الآن‏,‏ وكسبه متوقع في المستقبل‏.‏

ومنها‏:‏ المكاتب إذا كان كسوبا‏,‏ هل يعطى من الزكاة‏؟‏ فيه وجهان‏.‏ الأصح‏:‏ نعم‏,‏ كالغارم‏.‏ ومنها‏:‏ إذا حجر عليه بالفلس‏,‏ أنفق على من تلزمه نفقته من ماله إلى أن يقسم‏,‏ إلا أن يكون كسوبا‏.‏ 

ومنها‏:‏ إذا قسم ماله بين غرمائه وبقي عليه شيء وكان كسوبا‏,‏ لم يجب عليه الكسب لوفاء الدين‏.‏

قال الفراوي‏:‏ إلا أن يكون الدين لزمه بسبب هو عاص به‏,‏ كإتلاف مال إنسان عدوانا‏,‏ فإنه يجب عليه أن يكتسب لوفائه‏;‏ لأن التوبة منه واجبة ومن شروطها‏:‏

إيصال الحق إلى مستحقه فيلزمه التوصل إليه‏,‏ حكاه عنه ابن الصلاح في فوائد رحلته ومنها‏:‏ من له أصل وفرع ولا مال له‏,‏ هل يلزمه الاكتساب للإنفاق عليهما‏؟‏ وجهان‏,‏ أحدهما‏:‏ لا‏,‏ كما لا يجب لوفاء الدين‏,‏ والأصح‏:‏ نعم‏;‏ لأنه يلزمه إحياء نفسه بالكسب‏,‏ فكذلك إحياء بعضه‏.‏

وفي التتمة‏:‏ أن محل الخلاف بالنسبة إلى نفقة الأصول‏,‏ أما بالنسبة إلى نفقة الفروع فيجب الاكتساب قطعا‏;‏ لأن نفقة الأصول سبيلها سبيل المواساة‏,‏ فلا تكلف أن يكتسب ليصير من أهل المواساة‏,‏ ونفقة الفروع بسبب حصول الاستمتاع‏,‏ فألحقت بالنفقة الواجبة للاستمتاع وهي نفقة الزوجة‏.‏

قال الرافعي‏:‏ هذا ذهاب إلى القطع بوجوب الاكتساب لنفقة الزوجة‏;‏ وهو الظاهر لكن في كلام الإمام وغيره‏:‏ أن فيها وجهين مرتبين على وجوب الاكتساب لنفقة القريب‏,‏ وهي أولى بالمنع‏;‏ لالتحاقها بالديون‏.‏

ومنها‏:‏ المتفق عليه من أصل وفرع لو كان قادرا على الاكتساب فهل يكلف به‏,‏ ولا تجب نفقته‏؟‏ أقوال‏.‏ أصحها‏:‏ لا يكلفها الأصل‏;‏ لعظم حرمة الأبوة فتجب نفقته‏,‏ بخلاف الفرع‏.‏

والثاني‏:‏ يكلفان‏;‏ لأن القادر على الكسب مستغن عن أن يحمل غيره كله‏.‏

والثالث‏:‏ لا يكلفان‏,‏ وتجب نفقتهما إذ يقبح أن يكلف الإنسان قريبه الكسب مع اتساع ماله‏.‏ ومنها‏:‏ إذا كان الأب قادرا على كسب مهر حرة‏,‏ أو ثمن سرية لا يجب إعفافه‏.‏ وينزل منزلة المال الحاضر‏.‏ قاله الشيخ أبو علي‏.‏ قال الرافعي‏:‏ وينبغي أن يجيء فيه الخلاف المذكور في النفقة‏.‏

ومنها‏:‏ لو أجر السفيه نفسه‏,‏ هل يبطل‏,‏ كبيعه شيئا من أمواله‏؟‏‏.‏

حكى القاضي حسين العبادي فيه وجهين وفي الحاوي‏:‏ إن آجر نفسه فيما هو مقصود من عمله‏,‏ مثل أن يكون صانعا‏,‏ وعمله مقصود في كسبه لم يصح‏,‏ ويتولى العقد عليه‏,‏ وإن كان غير مقصود‏,‏ مثل أن يؤجر نفسه في حج‏,‏ أو وكالة في عمل صح‏;‏ لأنه إذا جاز أن يتطوع عن غيره بعمله‏,‏ فأولى أن يجوز بعوض‏,‏ كما قالوا‏:‏ يصح خلعه‏;‏ لأن له أن يطلق مجانا‏,‏ فبالعوض أولى انتهى‏.‏

تنبيه‏:‏

وأعم من هذه القاعدة‏:‏ قاعدة ‏"‏ما قارب الشيء هل يعطى حكمه‏؟‏‏"‏

وفيه فروع‏:‏

منها غير ما تقدم الديون المساوية لمال المفلس‏:‏ هل توجب الحجر عليه‏؟‏ وجهان‏,‏ الأصح‏:‏ لا وفي المقاربة للمساواة الوجهان‏,‏ وأولى بالمنع‏.‏

ومنها‏:‏ الدم الذي تراه الحامل حال الطلق‏,‏ ليس بنفاس على الصحيح‏.‏

ومنها‏:‏ لا يملك المكاتب ما في يده على الأصح‏,‏ ووجه مقابله أنه قارب العتق‏.‏

القاعدة السادسة عشرة‏:‏ إذا بطل الخصوص هل يبقى العموم‏؟‏

فيه خلاف‏.‏ والترجيح مختلف في الفروع‏:‏

فمنها‏:‏ إذا تحرم بالفرض‏,‏ فبان عدم دخول الوقت‏,‏ بطل خصوص كونها ظهرا مثلا‏.‏ وتبقى نفلا في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو نوى بوضوئه الطواف وهو بغير مكة فالأصح‏:‏ الصحة‏,‏ إلغاء للصفة‏.‏

ومنها‏:‏ لو أحرم بالحج في غير أشهره بطل‏,‏ وبقي أصل الإحرام‏,‏ فينعقد عمرة في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو علق الوكالة بشرط فسدت‏,‏ وجاز له التصرف‏,‏ لعموم الإذن في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو تيمم لفرض قبل وقته‏:‏ فالأصح البطلان‏,‏ وعدم استباحة النفل به‏.‏

ومنها‏:‏ لو وجد القاعد خفة في أثناء الصلاة‏,‏ فلم يقم بطلت‏.‏ ولا يتم نفلا في الأظهر‏.‏

تنبيه‏:‏

جزم ببقائه في صور‏:‏

منها‏:‏ إذا أعتق معيبا عن كفارة‏,‏ بطل كونه كفارة‏,‏ وعتق جزما‏.‏

ومنها‏:‏ لو أخرج زكاة ماله الغائب‏,‏ فبان تالفا‏,‏ وقعت تطوعا قطعا‏.‏

وجزم بعدمه في صور‏:‏

منها‏:‏ لو وكله ببيع فاسد‏,‏ فليس له البيع قطعا‏,‏ لا صحيحا‏;‏ لأنه لم يأذن فيه‏,‏ ولا فاسدا‏;‏ لعدم إذن الشرع فيه‏.‏

ومنها‏:‏ لو أحرم بصلاة الكسوف‏,‏ ثم تبين الانجلاء قبل تحرمه بها‏.‏ لم تنعقد نفلا قطعا‏,‏ لعدم نفل على هيئتها‏,‏ حتى يندرج في نيته‏.‏

ومنها‏:‏ لو أشار إلى ظبية‏.‏ وقال‏:‏ هذه أضحية لغا ولا يلزمه التصدق بها قطعا‏,‏ قاله في شرح المهذب‏.‏

 

القاعدة السابعة عشرة‏:‏ الحمل‏,‏ هل يعطى حكم المعلوم أو المجهول‏؟‏

فيه خلاف‏:‏ والترجيح مختلف في الفروع‏:‏

فمنها‏:‏ بيع الحامل إلا حملها‏,‏ فيه قولان‏.‏ أظهرهما‏:‏ لا يصح‏,‏ بناء على أنه مجهول‏.‏ واستثناء المجهول من المعلوم يصير الكل مجهولا‏.‏

ومنها‏:‏ بيع الحامل بحر‏,‏ وفيه وجهان‏.‏ أصحهما‏:‏ البطلان‏;‏ لأنه مستثنى شرعا‏,‏ وهو مجهول‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال‏:‏ بعتك الجارية أو الدابة أو حملها أو بحملها أو مع حملها‏,‏ وفيه وجهان‏.‏ الأصح‏:‏ البطلان أيضا لما تقدم‏.‏

ومنها‏:‏ لو باعها بشرط أنها حامل‏,‏ ففيه قولان‏:‏ أحدهما البطلان‏;‏ لأنه شرط معها شيئا مجهولا وأصحهما‏:‏ الصحة بناء على أنه معلوم‏;‏ لأن الشارع أوجب الحوامل في الدية‏.‏

ومنها‏:‏ هل للبائع حبس الولد إلى استيفاء الثمن‏؟‏ وهل يسقط من الثمن حصته‏,‏ لو تلف قبل القبض‏؟‏ وهل للمشتري بيع الولد قبل القبض‏؟‏ الأصح نعم في الأوليين‏,‏ ولا في الثالثة‏,‏ بناء على أنه يعلم‏,‏ ويقابله قسط من الثمن‏.‏

ومنها‏:‏ لو حملت أمة الكافر الكافرة من كافر فأسلم فالحمل مسلم‏,‏ فيحتمل أن يؤمر مالك الأمة الكافرة بإزالة ملكه عن الأم إن قلنا‏,‏ الحمل يعطى حكم المعلوم‏,‏ قاله في البحر ومنها‏:‏ الإجازة للحمل والأظهر كما قال العراقي الجواز‏;‏ بناء على أنه معلوم‏.‏

تنبيه‏:‏

جزم بإعطائه حكم المجهول فيما إذا بيع وحده‏,‏ فلا يصح قطعا وبإعطائه حكم المعلوم في الوصية له‏,‏ أو الوقف عليه فيصحان قطعا‏.‏

القاعدة الثامنة عشرة‏:‏ النادر‏.‏ هل يلحق بجنسه أو بنفسه‏؟‏

فيه خلاف‏,‏ والترجيح مختلف في الفروع‏:‏

فمنها‏:‏ مس الذكر المبان فيه وجهان‏,‏ أصحهما أنه ينقض‏;‏ لأنه يسمى ذكرا‏.‏

ومنها‏:‏ لمس العضو المبان من المرأة‏,‏ فيه وجهان‏:‏ أصحهما عدم النقض‏;‏ لأنه لا يسمى امرأة‏,‏ والنقض منوط بلمس المرأة‏.‏

ومنها‏:‏ النظر إلى العضو المبان من الأجنبية‏,‏ وفيه وجهان أصحهما‏:‏ التحريم‏.‏ ووجه مقابله‏:‏ ندور كونه محل فتنة‏,‏ والخلاف جار في قلامة الظفر‏.‏ 

ومنها‏:‏ لو حلف لا يأكل اللحم‏,‏ فأكل الميتة ففيه وجهان‏,‏ أصحهما عند النووي‏:‏ عدم الحنث‏.‏ ويجريان فيما لو أكل ما لا يؤكل‏,‏ كذئب وحمار‏.‏

ومنها‏:‏ الاكتساب النادر‏,‏ كالوصية واللقطة والهبة‏:‏ هل تدخل في المهايأة في العبد المشترك‏,‏ وجهان‏:‏ الأصح نعم‏.‏

ومنها‏:‏ جماع الميتة يوجب عليه الغسل‏,‏ والكفارة عن إفساد الصوم والحج‏,‏ ولا يوجب الحد‏,‏ ولا إعادة غسلها‏,‏ على الأصح فيهما‏,‏ ولا المهر‏.‏

ومنها‏:‏ يجزئ الحجر في المذي والودي على الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ يبقى الخيار للمتبايعين إذا داما أياما على الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ في جريان الربا في الفلوس إذا راجت رواج النقود‏.‏ وجهان أصحهما‏:‏ لا‏.‏

ومنها‏:‏ ما يتسارع إليه الفساد في شرط الخيار‏.‏ فيه وجهان أصحهما لا يجوز‏.‏

تنبيه‏:‏

جزم بالأول في صور‏:‏

منها‏:‏ من خلق له وجهان لم يتميز الزائد منهما‏,‏ يجب غسلهما قطعا‏.‏

ومن خلقت بلا بكارة‏,‏ لها حكم الأبكار‏,‏ قطعا‏.‏

ومن أتت بولد لستة أشهر ولحظتين من الوطء يلحق قطعا‏,‏ وإن كان نادرا‏.‏

وجزم بالثاني في صور‏:‏

منها‏:‏ الأصبع الزائدة‏,‏ لا تلحق بالأصلية في الدية قطعا‏,‏ وكذا سائر الأعضاء‏.‏

القاعدة التاسعة عشرة‏:‏ القادر على اليقين هل له الاجتهاد والأخذ بالظن‏؟‏

فيه خلاف‏,‏ والترجيح مختلف في الفروع‏:‏

فمنها‏:‏ من معه إناءان‏,‏ أحدهما نجس‏,‏ وهو قادر على يقين الطهارة بكونه على البحر‏,‏ أو عنده ثالث طاهر‏,‏ أو يقدر على خلطهما وهما قلتان‏.‏ والأصح‏:‏ أن له الاجتهاد‏.‏

ومنها‏:‏ لو كان معه ثوبان‏,‏ أحدهما نجس‏,‏ وهو قادر على طاهر بيقين‏,‏ والأصح أن له الاجتهاد‏.‏ ومنها‏:‏ من شك في دخول الوقت‏,‏ وهو قادر على تمكين الوقت‏,‏ أو الخروج من البيت المظلم لرؤية الشمس‏,‏ والأصح أن له الاجتهاد‏.‏

ومنها‏:‏ الصلاة إلى الحجر‏,‏ الأصح‏:‏ عدم صحتها إلى القدر الذي ورد فيه أنه من البيت‏.‏ 

وسببه‏:‏ اختلاف الروايات‏,‏ ففي لفظ‏.‏ ‏"‏الحجر من البيت‏"‏ وفي لفظ‏.‏‏"‏سبعة أذرع‏"‏وفي آخر‏"‏ستة‏"‏ وفي آخر‏.‏‏"‏خمسة‏"‏ والكل في صحيح مسلم‏,‏ فعدلنا عنه إلى اليقين‏,‏ وهو الكعبة‏.‏

وذكر من فروعها أيضا‏:‏ الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم وفي زمانه‏,‏ والأصح جوازه‏.‏

تنبيه‏:‏

جزم بالمنع فيما إذا وجد المجتهد نصا‏,‏ فلا يعدل عنه إلى الاجتهاد جزما‏,‏ وفي المكي لا يجتهد في القبلة جزما‏.‏

وفرق بين القبلة والأواني‏:‏ بأن في الإعراض عن الاجتهاد في الآنية إضاعة مال‏,‏ وبأن القبلة في جهة واحدة‏,‏ فطلبها مع القدرة عليها في غيرها عبث‏,‏ والماء جهاته متعددة‏.‏

وجزم بالجواز‏,‏ فيمن اشتبه عليه لبن طاهر ومتنجس‏,‏ ومعه ثالث طاهر بيقين‏,‏ ولا اضطرار‏,‏ فإنه مجتهد بلا خلاف‏,‏ نقله في شرح المهذب‏.‏

القاعدة العشرون‏:‏ المانع الطارئ هل هو كالمقارن‏؟‏

فيه خلاف‏,‏ والترجيح مختلف في الفروع‏:‏

فمنها‏:‏ طريان الكثرة على الاستعمال والشفاء على المستحاضة في أثناء الصلاة والردة على الإحرام‏,‏ وقصد المعصية على سفر الطاعة وعكسه‏,‏ والإحرام على ملك الصيد وأحد العيوب على الزوجة‏,‏ والحلول على دين المفلس الذي كان مؤجلا‏,‏ وملك المكاتب زوجة سيده‏,‏ والوقف على الزوجة‏,‏ أعني إذا وقفت زوجته عليه‏.‏ والأصح في الكل‏:‏ أن الطارئ كالمقارن‏,‏ فيحكم للماء بالطهورية وللصلاة والإحرام بالإبطال‏,‏ وللمسافر بعدم الترخص في الأولى‏,‏ وبالترخص في الثانية‏,‏ وبإزالة الملك عن الصيد‏,‏ وبإثبات الخيار للزوج‏,‏ وبرجوع البائع في عين ماله‏,‏ وبانفساخ النكاح في شراء المكاتب والموقوفة‏,‏ كما لا يجوز له نكاح من وقفت عليه ابتداء‏.‏

ومنها‏:‏ طريان القدرة على الماء في أثناء الصلاة‏,‏ ونية التجارة بعد الشراء‏,‏ وملك الابن على زوجة الأب‏,‏ والعتق على من نكح جارية ولده‏,‏ واليسار ونكاح الحرة على حر نكح أمة‏,‏ وملك الزوجة لزوجها بعد الدخول قبل قبض المهر‏,‏ وملك الإنسان عبدا له في ذمته دين‏,‏ والإحرام على الوكيل في النكاح‏,‏ والاسترقاق على حربي استأجره مسلم‏,‏ والعتق على عبد آجره سيده مدة‏.‏ والأصح في الكل أن الطارئ ليس كالمقارن‏,‏ فلا تبطل الصلاة ولا تجب الزكاة‏,‏ ولا نفسخ النكاح في الصور الأربع‏,‏ ولا يسقط المهر والدين عن ذمة العبد‏,‏ ولا تبطل الوكالة‏,‏ ولا تنفسخ الإجارة في الصورتين‏.‏

تنبيه‏:‏

جزم بأن الطارئ كالمقارن‏,‏ في صور‏:‏

منها‏:‏ طريان الكثرة على الماء النجس‏,‏ والرضاع المحرم‏,‏ والردة على النكاح‏,‏ ووطء الأب أو الابن أو الأم أو البنت بشبهة‏,‏ وملك الزوج الزوجة أو عكسه‏,‏ والحدث العمد على الصلاة‏,‏ ونية القنية على عروض التجارة وأحد العيوب على الزوج‏.‏

وجزم بخلافه في صور‏:‏

منها‏:‏ طريان الإحرام‏,‏ وعدة الشبهة‏,‏ وأمن العنت على النكاح‏,‏ والإسلام على السبي‏,‏ فلا يزيل الملك‏,‏ ووجدان الرقبة في أثناء الصوم‏,‏ والإباق‏,‏ وموجب الفساد على الرهن‏,‏ والإغماء على الاعتكاف‏,‏ والإسلام على عبد الكافر فلا يزيل الملك‏,‏ بل يؤمر بإزالته‏,‏ ودخول وقت الكراهة على التيمم لا يبطله بلا خلاف‏;‏ ولو تيمم فيه للنفل لم يصح‏.‏

خاتمة‏:‏

يعبر عن أحد شقي هذه القاعدة بقاعدة‏:‏

يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء‏.‏

ولهم قاعدة عكس هذه‏,‏ وهي‏:‏

يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام‏.‏

ومن فروعها‏:‏

إذا طلع الفجر وهو مجامع‏,‏ فنزع في الحال صح صومه‏.‏

ولو وقع مثل ذلك في أثناء الصوم أبطله‏.‏

ومنها‏:‏ لو أحرم مجامعا بحج أو عمرة‏,‏ فأوجه‏:‏

أحدها‏:‏ ينعقد صحيحا‏.‏

وبه جزم الرافعي في باب الإحرام‏,‏ وأقره في الروضة‏.‏

فإن نزع في الحال استمر‏,‏ وإلا فسد نسكه‏,‏ وعليه البدنة والقضاء والمضي في الفاسد‏.‏

فعلى هذا اغتفر الجماع في ابتداء الإحرام‏.‏ ولم يغتفر في أثنائه‏.‏

والوجه الثاني‏:‏ لا ينعقد أصلا وهو الأصح في زوائد الروضة‏.‏

والثالث‏,‏ وهو الأصح ينعقد فاسدا‏,‏ فإن نزع في الحال لم تجب البدنة‏,‏ وإن مكث وجبت‏.‏

والفرق بينه وبين الصوم أن طلوع الفجر ليس من فعله بخلاف إنشاء الإحرام‏.‏ 

ومنها‏:‏ الجنون‏,‏ لا يمنع ابتداء الأجل‏,‏ فيجوز لوليه أن يشتري له شيئا بثمن مؤجل‏,‏ ويمنع دوامه على قول‏,‏ صححه في الروضة فيحل عليه الدين المؤجل إذا جن‏.‏

ولكن المعتمد خلافه‏.‏

ومنها وهي أجل مما تقدم ‏:‏ الفطرة‏,‏ لا يباع فيها المسكن والخادم‏.‏

قال الأصحاب‏:‏ هذا في الابتداء‏,‏ فلو ثبتت الفطرة في ذمة إنسان بعنا خادمه ومسكنه فيها‏;‏ لأنها بعد الثبوت التحقت بالديون‏.‏

ومنها‏:‏ إذا مات للمحرم قريب وفي ملكه صيد‏,‏ ورثه على الأصح‏,‏ ثم يزول ملكه عنه على الفور‏.‏ ومنها‏:‏ الوصية بملك الغير‏,‏ الراجح صحتها حتى إذا ملكه بعد ذلك أخذه الموصى له‏.‏ ولو أوصى بما يملكه ثم أزال الملك فيه‏,‏ بطلت الوصية‏,‏ كذا جزموا به‏.‏ قال الأسنوي‏:‏ وكان القياس أن تبقى الوصية بحالها‏,‏ فإن عاد إلى ملكه أعطيناه الموصى له‏,‏ كما لو لم يكن في ملكه حال الوصية‏,‏ بل الصحة هنا أولى‏.‏ انتهى‏.‏

وعلى ما جزموا به‏,‏ قد اغتفر في الابتداء ما لم يغتفر في الدوام‏.‏

ومنها‏:‏ إذا حلف بالطلاق لا يجامع زوجته‏,‏ لم يمنع من إيلاج الحشفة على الصحيح‏,‏ ويمنع من الاستمرار لأنها صارت أجنبية‏.‏

الكتاب الرابع‏:‏ في أحكام يكثر دورها ويقبح بالفقيه جهلها‏.‏

القول في الناسي‏,‏ والجاهل‏,‏ والمكره

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‏"‏‏.‏هذا حديث حسن‏.‏ أخرجه ابن ماجه‏,‏ وابن حبان في صحيحه‏,‏ والحاكم في مستدركه بهذا اللفظ من حديث ابن عباس وأخرجه الطبراني والدار قطني من حديثه بلفظ‏:‏ ‏"‏تجاوز‏"‏بدل‏"‏وضع‏"‏‏.‏

وأخرجه أبو القاسم الفضل بن جعفر التميمي في فوائده من حديثه‏,‏ بلفظ‏:‏ ‏"‏رفع‏"‏‏.‏ وأخرجه ابن ماجه أيضا من طريق أبي بكر الهذلي عن شهر عن أبي ذر قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‏"‏‏.‏ وأخرجه بهذا اللفظ الطبراني في الكبير من حديث ثوبان‏.‏ وأخرجه في الأوسط من حديث ابن عمر‏,‏ وعقبة بن عامر‏,‏ بلفظ‏:‏ ‏"‏وضع عن أمتي‏"‏ إلى آخره‏.‏ وإسناد حديث ابن عمر صحيح‏.‏ وأخرجه ابن عدي في الكامل‏,‏ وأبو نعيم في التاريخ من حديث أبي بكرة‏,‏ بلفظ‏:‏ ‏"‏رفع الله عن هذه الأمة الخطأ‏,‏ والنسيان‏,‏ والأمر يكرهون عليه‏"‏‏.‏ وأخرجه ابن أبي حاتم‏,‏ في تفسيره من طريق أبي بكر الهذلي‏,‏ عن شهر بن حوشب‏,‏ عن أم الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث‏:‏ الخطأ‏,‏ والنسيان‏,‏ والاستكراه‏"‏‏.‏ قال أبو بكر‏:‏ فذكرت ذلك للحسن‏,‏ فقال‏:‏ أجل‏,‏ أما تقرأ بذلك قرآنا‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏‏.‏وأبو بكر ضعيف‏,‏ وكذا شهر‏.‏ وأم الدرداء إن كانت الصغرى‏,‏ فالحديث مرسل وإن كانت الكبرى فهو منقطع‏.‏ وقال سعيد بن منصور في سننه‏:‏ حدثنا خالد بن عبد الله‏,‏ عن هشام‏,‏ عن الحسن‏,‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن الله عفا لكم عن ثلاث‏:‏ عن الخطأ‏,‏ والنسيان‏,‏ وما استكرهتم عليه‏"‏‏.‏وقال أيضا‏:‏ حدثني إسماعيل بن عياش‏,‏ حدثني جعفر بن حبان العطاردي‏.‏ عن الحسن قال سمعته يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تجاوز الله لابن آدم عما أخطأ‏,‏ وعما نسي‏,‏ وعما أكره‏,‏ وعما غلب عليه‏"‏‏.‏وأخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة‏:‏ ‏"‏إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورها ما لم تعمل‏,‏ أو تتكلم به‏,‏ وما استكرهوا عليه‏"‏‏.‏ هذه شواهد قوية تقضي للحديث بالصحة‏.‏ اعلم أن قاعدة الفقه‏:‏ أن النسيان والجهل‏,‏ مسقط للإثم مطلقا‏.‏

وأما الحكم‏:‏ فإن وقعا في ترك مأمور لم يسقط‏.‏ بل يجب تداركه‏.‏ ولا يحصل الثواب لمترتب عليه لعدم الائتمار‏,‏ أو فعل منهي‏,‏ ليس من باب الإتلاف فلا شيء فيه‏,‏ أو فيه إتلاف لم يسقط الضمان‏.‏ فإن كان يوجب عقوبة كان شبهة في إسقاطها‏.‏

وخرج عن ذلك صور نادرة‏,‏ فهذه أقسام‏.‏

فمن فروع القسم الأول‏:‏

من نسي صلاة‏,‏ أو صوما أو حجا‏,‏ أو زكاة‏,‏ أو كفارة‏,‏ أو نذرا‏:‏ وجب تداركه بالقضاء بلا خلاف‏.‏

وكذا لو وقف بغير عرفة يجب القضاء اتفاقا‏.‏

ومنها‏:‏ من نسي الترتيب في الوضوء‏.‏ 

أو نسي الماء في رحله‏,‏ فتيمم وصلى ثم ذكره‏.‏

أو صلى بنجاسة لا يعفى عنها ناسيا‏,‏ أو جاهلا بها‏.‏

أو نسي قراءة الفاتحة في الصلاة‏.‏

أو تيقن الخطأ في الاجتهاد في الماء‏,‏ والقبلة‏,‏ والثوب وقت الصلاة‏,‏ والصوم‏,‏ والوقوف‏,‏ بأن بان وقوعها قبله‏.‏

أو صلوا لسواد ظنوه عدوا‏,‏ فبان خلافه‏.‏

أو دفع الزكاة إلى من ظنه فقيرا فبان غنيا‏.‏

أو استناب في الحج لكونه معضوبا‏.‏ فبرأ‏.‏

وفي هذه الصور كلها خلاف‏:‏

قال في شرح المهذب‏:‏ بعضه كبعض‏,‏ وبعضه مرتب على بعض‏,‏ أو أقوى من بعض‏.‏ والصحيح في الجميع‏:‏ عدم الإجزاء‏,‏ ووجوب الإعادة‏.‏

ومأخذ الخلاف‏:‏ أن هذه الأشياء‏,‏ هل هي من قبيل المأمورات التي هي شروط‏,‏ كالطهارة عن الحدث‏,‏ فلا يكون النسيان والجهل عذرا في تركها‏;‏ لفوات المصلحة منها‏,‏ أو أنها من قبيل المناهي‏:‏ كالأكل‏,‏ والكلام‏,‏ فيكون ذلك عذرا‏؟‏ والأول أظهر‏.‏

ولذلك تجب الإعادة بلا خلاف‏,‏ فيما لو نسي نية الصوم‏;‏ لأنها من قبيل المأمورات‏.‏

وفيما لو صادف صوم الأسير‏,‏ ونحوه‏:‏ الليل‏,‏ دون النهار‏;‏ لأنه ليس وقتا للصوم كيوم العيد‏,‏ ذكره في شرح المهذب‏.‏

ولو صادف الصلاة أو الصوم‏,‏ بعد الوقت‏,‏ أجزأ بلا خلاف‏,‏ لكن هل يكون أداء للضرورة‏,‏ أو قضاء‏;‏ لأنه خارج عن وقته‏؟‏ قولان‏,‏ أو وجهان‏.‏ أصحهما‏:‏ الثاني‏.‏

ويتفرع عليه‏:‏ ما لو كان الشهر ناقصا ورمضان تاما‏.‏

وأما الوقوف‏:‏ إذا صادف ما بعد الوقت‏,‏ فإن صادف الحادي عشر‏.‏ لم يجز‏,‏ بلا خلاف‏,‏ كما لو صادف السابع‏,‏ وإن صادف العاشر‏.‏ أجزأ‏,‏ ولا قضاء‏;‏ لأنهم لو كلفوا به لم يأمنوا الغلط في العام الآتي أيضا‏.‏

ويستثنى‏:‏ ما إذا قل الحجيج‏,‏ على خلاف العادة‏,‏ فإنه يلزمهم القضاء‏,‏ في الأصح‏;‏ لأن ذلك نادر‏.‏ وفرق بين الغلط في الثامن والعاشر بوجهين‏:‏ 

أحدهما‏:‏ أن تأخير العبادة عن الوقت‏,‏ أقرب إلى الاحتساب من تقديمها عليه‏.‏

والثاني‏:‏ أن الغلط بالتقديم يمكن الاحتراز عنه‏,‏ فإنما يقع لغلط في الحساب‏,‏ أو لخلل في الشهود‏,‏ الذين شهدوا بتقديم الهلال‏.‏

والغلط بالتأخير قد يكون بالغيم المانع من الرؤية‏,‏ ومثل ذلك لا يمكن الاحتراز عنه‏.‏

ثم صورة المسألة كما قال الرافعي‏:‏ أن يكون الهلال غم‏,‏ فأكملوا ذا القعدة ثلاثين‏,‏ ثم قامت بينة برؤيته ليلة الثلاثين‏.‏

أما لو وقع الغلط‏,‏ بسبب الحساب‏,‏ فإنه لا يجزئ‏,‏ بلا شك‏,‏ لتفريطهم‏,‏ وسواء تبين لهم ذلك بعد العاشر‏,‏ أو فيه‏,‏ في أثناء الوقوف‏,‏ أو قبل الزوال‏,‏ فوقفوا عالمين‏.‏ كما نقله الرافعي عن عامة الأصحاب‏,‏ وصححه في شرح المهذب‏.‏

ولو أخطأ الاجتهاد في أشهر الحج‏.‏ فأحرم النفير العام في غير أشهره‏.‏ ففي انعقاده حجا وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ نعم‏,‏ كالخطأ في الوقوف العاشر‏.‏

والثاني‏:‏ لا‏.‏

والفرق‏:‏ أنا لو أبطلنا الوقوف في العاشر‏,‏ أبطلناه من أصله‏,‏ وفيه إضرار‏.‏

وأما هنا‏:‏ فينعقد عمرة‏,‏ كذا في شرح المهذب‏,‏ بلا ترجيح‏.‏

ومن فروع هذا القسم‏,‏ في غير العبادات‏:‏

 ما لو فاضل في الربويات جاهلا‏,‏ فإن العقد يبطل اتفاقا‏,‏ فهو من باب ترك المأمورات‏;‏ لأن المماثلة شرط‏,‏ بل العلم بها أيضا‏.‏

وكذا لو عقد البيع‏,‏ أو غيره على عين يظنها ملكه فبانت بخلافه‏,‏ أو النكاح على محرم‏,‏ أو غيرها من المحرمات جاهلا‏,‏ لا يصح‏.‏

ومن فروع القسم الثاني‏:‏

من شرب خمرا جاهلا‏,‏ فلا حد‏,‏ ولا تعزير‏.‏

ومنها‏:‏ لو قال‏:‏ أنت أزنى من فلان‏,‏ ولم يصرح في لفظه بزنا فلان‏,‏ لكنه كان ثبت زناه بإقرار‏,‏ أو بينة‏.‏ والقائل جاهل‏,‏ فليس بقاذف‏,‏ بخلاف ما لو علم به‏,‏ فيكون قاذفا لهما‏.‏

ومنها‏:‏ الإتيان بمفسدات العبادة ناسيا‏,‏ أو جاهلا‏,‏ كالأكل في الصلاة‏,‏ والصوم وفعل ما ينافي الصلاة‏:‏ من كلام‏,‏ وغيره‏.‏ والجماع في الصوم‏.‏ والاعتكاف‏,‏ والإحرام والخروج من المعتكف‏,‏ والعود من قيام الثالثة إلى التشهد ومن السجود إلى القنوت‏,‏ والاقتداء بمحدث‏,‏ وذي نجاسة‏,‏ وسبق الإمام بركنين ومراعاة المزحوم ترتيب نفسه إذا ركع الإمام في الثانية‏,‏ وارتكاب محظورات الإحرام‏,‏ التي ليست بإتلاف‏.‏ كاللبس‏.‏ والاستمتاع‏,‏ والدهن‏,‏ والطيب‏.‏ سواء جهل التحريم‏,‏ أو كونه طيبا‏.‏

والحكم في الجميع‏:‏ عدم الإفساد‏,‏ وعدم الكفارة‏,‏ والفدية‏.‏ وفي أكثرها خلاف‏.‏

واستثني من ذلك‏:‏

الفعل الكثير في الصلاة‏,‏ كالأكل‏,‏ فإنه يبطلها في الأصح لندوره‏.‏

وألحق بعضهم الصوم بالصلاة في ذلك‏.‏ والأصح‏:‏ أنه لا يبطل بالكثير‏;‏ لأنه لا يندر فيه‏,‏ بخلاف الصلاة‏;‏ لأن فيه هيئة مذكرة‏.‏

ومنها‏:‏ لو سلم عن ركعتين ناسيا‏,‏ وتكلم عامدا ‏"‏لظنه إكمال الصلاة‏"‏ لا تبطل صلاته لظنه أنه ليس في صلاة‏.‏

ونظيره‏:‏ ما لو تحلل من الإحرام وجامع‏,‏ ثم بان أنه لم يتحلل‏,‏ لكون رميه وقع قبل نصف الليل والمذهب‏:‏ أنه لا يفسد حجه‏.‏

ومن نظائره أيضا‏:‏

لو أكل ناسيا‏,‏ فظن بطلان صومه‏,‏ فجامع‏,‏ ففي وجه‏:‏ لا يفطر قياسا عليه‏.‏ والأصح‏:‏ الفطر‏;‏ كما لو جامع على ظن أن الصبح لم يطلع‏,‏ فبان خلافه‏,‏ ولكن لا تجب الكفارة‏;‏ لأنه وطئ وهو يعتقد أنه غير صائم‏.‏

ونظيره أيضا‏:‏

لو ظن طلاق زوجته بما وقع منه فأشهد عليه بطلاقها‏.‏

ومن فروع هذا القسم أيضا‏:‏

ما لو اشترى الوكيل معيبا جاهلا به‏.‏ فإنه يقع عن الموكل‏,‏ إن ساوى ما اشتراه به‏,‏ وكذا إن لم يساو في الأصح‏,‏ فإنه بخلاف ما إذا علم‏.‏

تنبيه‏:‏

من المشكل‏:‏ تصوير الجهل بتحريم الأكل في الصوم‏,‏ فإن ذلك جهل بحقيقة الصوم‏.‏ فإن من جهل الفطر جهل الإمساك عنه‏,‏ الذي هو حقيقة الصوم‏,‏ فلا تصح نيته‏.‏

قال السبكي‏:‏ فلا مخلص إلا بأحد أمرين‏:‏ إما أن يفرض في مفطر خاص من الأشياء النادرة‏,‏ كالتراب‏,‏ فإنه قد يخفى‏,‏ ويكون الصوم الإمساك عن المعتاد‏,‏ وما عداه شرط في صحته‏,‏ ‏"‏وإما أن يفرض‏"‏ كما صوره بعض المتأخرين فيمن احتجم أو أكل ناسيا‏;‏ فظن أنه أفطر‏,‏ فأكل بعد ذلك‏,‏ جاهلا بوجوب الإمساك‏,‏ فإنه لا يفطر على وجه‏.‏ لكن الأصح فيه‏:‏ الفطر‏.‏

انتهى‏.‏وقال القاضي حسين‏:‏ كل مسألة تدق‏,‏ ويغمض معرفتها‏,‏ هل يعذر فيها العامي‏؟‏ وجهان‏,‏ أصحهما‏:‏ نعم‏.‏

 ومن فروع القسم الثالث‏:‏ إتلاف مال الغير‏:‏

فلو قدم له غاصب طعاما ضيافة‏,‏ فأكله جاهلا‏,‏ فقرار الضمان عليه في أظهر القولين‏,‏ ويجريان في إتلاف مال نفسه جاهلا‏.‏

وفيه صور‏:‏

منها‏:‏ لو قدم له الغاصب المغصوب منه‏,‏ فأكله ضيافة جاهلا‏,‏ برئ الغاصب في الأظهر‏.‏

ومنها‏:‏ لو أتلف المشتري المبيع قبل القبض جاهلا‏,‏ فهو قابض في الأظهر‏.‏

ومنها‏:‏ لو خاطب زوجته بالطلاق جاهلا بأنها زوجته‏,‏ بأن كان في ظلمة‏,‏ أو نكحها له وليه‏,‏ أو وكيله‏,‏ ولم يعلم‏.‏ وقع‏,‏ وفيه احتمال للإمام‏.‏

ومنها‏:‏ لو خاطب أمته بالعتق‏,‏ كذلك قال الرافعي‏.‏

ومن نظائرها‏:‏ ما إذا نسي أن له زوجة‏,‏ فقال‏:‏ زوجتي طالق‏.‏

ومنها‏:‏ كما قال ابن عبد السلام‏:‏ ما إذا وكل وكيلا في إعتاق عبد‏,‏ فأعتقه ظنا منه أنه عبد الموكل‏,‏ فإذا هو عبد الوكيل‏,‏ نفذ عتقه‏.‏

قال العلائي‏:‏ ولا يجيء فيه احتمال الإمام‏;‏ لأن هذا قصد قطع الملك‏,‏ فنفذ‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قال الغاصب‏,‏ لمالك العبد المغصوب‏:‏ أعتق عبدي هذا‏,‏ فأعتقه جاهلا‏,‏ عتق على الصحيح‏.‏ وفي وجه‏:‏ لا‏;‏ لأنه لم يقصد قطع ملك نفسه‏.‏

قلت‏:‏ خرج عن هذه النظائر مسألة‏,‏ وهي‏:‏

ما إذا استحق القصاص على رجل‏,‏ فقتله خطأ‏,‏ فالأصح‏:‏ أنه لا يقع الموقع‏.‏

ومن فروع هذا القسم أيضا‏:‏

محظورات الإحرام‏,‏ التي هي إتلاف‏,‏ كإزالة الشعر‏,‏ والظفر‏,‏ وقتل الصيد‏.‏ لا تسقط فديتها بالجهل والنسيان‏.‏

ومنها‏:‏ يمين الناسي والجاهل‏,‏ فإذا حلف على شيء بالله‏,‏ أو الطلاق‏,‏ أو العتق‏:‏ أن يفعله‏,‏ فتركه ناسيا‏,‏ أو لا يفعله‏,‏ ففعله ناسيا للحلف‏,‏ أو جاهلا أنه المحلوف عليه‏,‏ أو على غيره‏,‏ ممن يبالي بيمينه‏,‏ ووقع ذلك منه جاهلا‏,‏ أو ناسيا‏,‏ فقولان في الحنث‏,‏ رجح كلا المرجحون‏.‏ ورجح الرافعي في المحرر عدم الحنث مطلقا‏,‏ واختاره في زوائد الروضة والفتاوى‏.‏ قال‏:‏ لحديث‏:‏ ‏"‏رفع عن أمتي الخطأ والنسيان‏"‏ وهو عام‏,‏ فيعمل بعمومه‏,‏ إلا ما دل دليل على تخصيصه كغرامة المتلفات‏.‏ ثم استثني من ذلك‏:‏ ما لو حلف لا يفعل عامدا‏,‏ ولا ناسيا‏,‏ فإنه يحنث بالفعل ناسيا بلا خلاف‏,‏ لالتزام حكمه‏.‏ هذا في الحلف على المستقبل‏.‏

أما على الماضي‏,‏ كأن حلف أنه لم يفعل‏,‏ ثم تبين أنه فعله فالذي تلقفناه من مشايخنا أنه يحنث‏.‏ ويدل له قول النووي في فتاويه‏:‏ صورة المسألة أن يعلق الطلاق على فعل شيء‏,‏ فيفعله ناسيا لليمين‏,‏ أو جاهلا بأنه المحلوف عليه‏.‏ ولابن رزين‏:‏ فيه كلام مبسوط‏,‏ سأذكره‏.‏ والذي في الشرح والروضة‏:‏ أن فيه القولين‏.‏ في الناسي ومقتضاه‏,‏ عدم الحنث‏.‏ وعبارة الروضة‏:‏ لو جلس مع جماعة‏,‏ فقام ولبس خف غيره‏,‏ فقالت له امرأته‏:‏ استبدلت بخفك‏,‏ ولبست خف غيرك‏,‏ فحلف بالطلاق‏:‏ أنه لم يفعل‏,‏ إن قصد أني لم آخذ بدله كان كاذبا‏,‏ فإن كان عالما طلقت‏.‏ وإن كان ساهيا‏,‏ فعلى قولي طلاق الناسي انتهى‏.‏ ولك أن تقول‏:‏ لا يلزم من إجراء القولين الاستواء في التصحيح‏,‏ وابن رزين أبسط من تكلم على المسألة‏.‏ وها أنا أورد عبارته بنصها‏,‏ لما فيها من الفوائد‏.‏ قال‏:‏ للجهل والنسيان والإكراه حالتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أن يكون ذلك واقعا في نفس اليمين أو الطلاق‏,‏ فمذهب الشافعي أن المكره على الطلاق‏,‏ لا يقع طلاقه‏,‏ إذا كان غير مختار لذلك من جهة غير الإكراه‏,‏ بل طاوع المكره‏,‏ فيما أكرهه عليه بعينه وصفته‏.‏ ويستوي في ذلك‏:‏ الإكراه على اليمين‏,‏ وعلى التعليق‏.‏

ويلتحق بالإكراه في ذلك‏:‏ الجهل الذي يفقد معه القصد إلى اللفظ‏,‏ مع عدم فهم معناه والنسيان‏,‏ وذلك بأن يتلفظ بالطلاق من لا يعرف معناه أصلا‏,‏ أو عرفه‏,‏ ثم نسيه فهذان نظير المكره‏,‏ فلا يقع بذلك طلاق‏,‏ ولا ينعقد بمثله يمين‏.‏ وذلك إذا حلف باسم من أسماء الله تعالى‏,‏ وهو لا يعرف أنه اسمه‏.‏

أما إذا جهل المحلوف عليه‏,‏ أو نسيه‏,‏ كما إذا دخل زيد الدار‏,‏ وجهل ذلك الحالف أو علمه‏,‏ ثم نسيه فحلف بالله أو بالطلاق‏:‏ أنه ليس في الدار فهذه يمين ظاهرها تصديق نفسه في النفي‏,‏ وقد يعرض فيها أن يقصد أن الأمر كذلك ‏"‏في اعتقاده أو فيما انتهى إليه علمه أي‏:‏ لم يعلم خلافه‏,‏ ولا يكون قصده الجزم بأن الأمر كذلك‏"‏ في الحقيقة‏,‏ بل ترجع يمينه إلى أنه حلف أنه يعتقد كذا‏,‏ أو يظنه‏,‏ وهو صادق في أنه يعتقد ذلك‏,‏ أو ظان له‏,‏ فإن قصد الحالف ذلك حالة اليمين أو تلفظ به متصلا بها لم يحنث‏,‏ وإن قصد المعنى الأول‏,‏ أو أطلق ففي وقوع الطلاق‏,‏ ووجوب الكفارة قولان مشهوران‏:‏

مأخذهما‏:‏ أن النسيان‏,‏ والجهل هل يكونان عذرا له في ذلك‏,‏ كما كانا عذرا في باب الأوامر والنواهي‏,‏ أم لا يكونان عذرا‏,‏ كما لم يكونا عذرا في غرامات المتلفات‏؟‏

ويقوي إلحاقهما بالإتلافات‏,‏ بأن الحالف بالله أن زيدا في الدار‏,‏ إذا لم يكن فيها‏.‏ 

قد انتهك حرمة الاسم الأعظم جاهلا‏,‏ أو ناسيا‏,‏ فهو كالجاني خطأ‏.‏ والحالف بالطلاق إن كانت يمينه بصيغة التعليق‏,‏ كقوله‏:‏ إن لم يكن زيد في الدار‏,‏ فزوجتي طالق‏,‏ إذا تبين أنه لم يكن فيها‏,‏ فقد تحقق الشرط‏,‏ الذي علق الطلاق عليه‏,‏ فإنه لم يتعرض إلا لتعليق الطلاق على عدم كونه في الدار‏,‏ ولا أثر لكونه جاهلا‏,‏ أو ناسيا في عدم كونه في الدار‏.‏

وأما إذا كان بغير صيغة التعليق‏,‏ كقوله لزوجته‏:‏ أنت طالق‏,‏ لقد خرج زيد من الدار‏.‏ وكقوله‏:‏ الطلاق يلزمني ليس زيد في الدار‏.‏ فهذا إذا قصد به اليمين‏,‏ جرى مجرى التعليق وإلا لوقع الطلاق في الحال‏,‏ وإذا جرى مجرى التعليق‏,‏ كان حكمه حكمه‏.‏

والحالة الثانية‏:‏ الجهل‏,‏ والنسيان‏,‏ والإكراه‏,‏ أن يعلق الطلاق على دخول الدار أو دخول زيد الدار‏,‏ أو يحلف بالله لا يفعل ذلك‏,‏ فإذا دخلها المحلوف عليه ناسيا‏,‏ أو جاهلا‏,‏ أو مكرها‏,‏ فإن جرد قصده عن التعليق المحض‏,‏ كما إذا حلف لا يدخل السلطان البلد اليوم‏,‏ أو لا يحج الناس في هذا العام‏.‏ فظاهر المذهب‏:‏ وقوع الطلاق‏,‏ والحنث في مثل هذه الصورة‏.‏ وقع ذلك عمدا‏,‏ أو نسيانا‏,‏ اختيارا‏,‏ أو مع إكراه‏,‏ أو جهل‏.‏ وإن قصد باليمين تكليف المحلوف عليه ذلك‏,‏ لكونه يعلم أنه لا يرى مخالفته مع حلفه أو قصد باليمين على فعل نفسه‏,‏ أن تكون يمينه رادعة عن الفعل‏,‏ فالمذهب في هاتين الصورتين أنه لا يحنث إذا فعل المحلوف عليه ناسيا أو جاهلا إذ رجعت حقيقة هذه اليمين إلى تكليف نفسه ذلك‏,‏ أو تكليف المحلوف عليه ذلك‏,‏ والناسي لا يجوز تكليفه‏,‏ وكذلك الجاهل‏.‏

وأما إن فعله مكرها فالإكراه لا ينافي التكليف‏,‏ فإنا نحرم على المكره القتل ونبيح له الفطر في الصوم‏,‏ وإذا كان مكلفا وقد فعل المحلوف عليه فيظهر وقوع الطلاق والحنث كما تقدم في المسألة الأولى إلحاقا بالإتلاف‏,‏ لتحقق وجود الشرط المعلق عليه‏.‏

إذ لفظ التعليق عام يشمل فعل المعلق عليه مختارا‏,‏ ومكرها وناسيا وجاهلا وذاكرا ليمين وعالما‏,‏ وبهذا تمسك من مال إلى الحنث‏,‏ ووقوع الطلاق في صورة النسيان والجهل‏.‏ لكنا إنما اخترنا عدم وقوع الطلاق فيهما‏;‏ لأن قصد التكليف يخصهما‏,‏ ويخرجهما عن الدخول تحت عموم اللفظ‏,‏ فلا ينهض‏;‏ لأن مخرج الإكراه لكونه لا ينافي التكليف‏,‏ كما ذكرنا‏.‏

هذا ما ترجح عندي في الصورة التي فصلتها‏.‏

وبقي صورة واحدة وهي‏:‏

ما إذا أطلق التعليق ولم يقصد تكليفا ولا قصد التعليق المحض بل أخرجه مخرج اليمين‏.‏ 

فهذه الصورة‏:‏ هي التي أطلق معظم الأصحاب فيها القولين‏.‏ واختار صاحب المهذب والانتصار والرافعي‏,‏ عدم الحنث وعدم وقوع الطلاق‏.‏

وكان شيخنا ابن الصلاح‏:‏ يختار وقوعه ويعلله بكونه مذهب أكثر العلماء‏,‏ وبعموم لفظ التعليق ظاهرا‏,‏ لكن قرينة الحث والمنع تصلح للتخصيص وفيها بعض الضعف‏.‏

ومن ثم توقف صاحب الحاوي‏,‏ ومن حكى عنه التوقف من أشياخه في ذلك‏.‏

فالذي يقوي التخصيص‏:‏ أن ينضم إلى قرينة الحث‏,‏ والمنع‏:‏ القصد للحث‏,‏ والمنع‏,‏ فيقوي حينئذ التخصيص كما اخترناه‏.‏

والغالب‏:‏ أن الحالف على فعل مستقبل من أفعال من يعلم أنه يرتدع منه يقصد الحث أو المنع فيختار أيضا‏:‏ أن لا يقع طلاقه بالفعل مع الجهل والنسيان‏,‏ إلا أن يصرفه عن الحث أو المنع بقصد التعليق على الفعل مطلقا‏,‏ فيقع في الصور كلها بوجود الفعل‏.‏

وأما من حلف على فعل نفسه‏,‏ فلا يمتنع وقوع طلاقه بالنسيان أو الجهل إلا عند قصد الحث أو المنع‏,‏ انتهى كلامه بحروفه‏.‏

وما جزم به من الحنث في الحالة الأولى وهي‏:‏ الحلف على الماضي ناسيا أو جاهلا‏:‏ ذكره بحروفه القمولي في شرح الوسيط جازما به‏,‏ ونقله عنه الأذرعي في القوت‏.‏

وقال‏:‏ إنه أخذه من كلام ابن رزين ونقل غير واحد أن ابن الصلاح صرح بتصحيحه وبتصحيح الحنث في المستقبل أيضا‏,‏ فإذا جمعت بين المسألتين حصلت ثلاثة أقوال‏.‏

ثالثها‏:‏ الحنث في الماضي دون المستقبل‏,‏ وهو الذي قرره ابن رزين‏,‏ ومتابعوه‏,‏ وهو المختار‏.‏

تنبيه‏:‏

من المشكل قول المنهاج‏:‏ ولو علق بفعله ففعل ناسيا للتعليق أو مكرها‏,‏ لم تطلق في الأظهر أو بفعل غيره ممن يبالي بتعليقه وعلم به‏;‏ فكذلك وإلا فيقع قطعا‏.‏

ووجه الإشكال أن قوله‏:‏ ‏"‏وأن لا يدخل فيه‏"‏ ما إذا لم يبال بتعليقه ولم يعلم به‏.‏

وما إذا علم به ولم يبال‏,‏ وما إذا بالى ولم يعلم‏,‏ والقطع بالوقوع في الثالثة مردود‏.‏

وقد استشكله السبكي وقال‏:‏ كيف يقع بفعل الجاهل قطعا‏,‏ ولا يقع بفعل الناسي على الأظهر‏,‏ مع أن الجاهل أولى بالمعذرة من الناسي‏؟‏

وقد بحث الشيخ علاء الدين الباجي في ذلك هو والشيخ زين الدين الكتاني في درس ابن بنت الأعز‏,‏ وكان ابن الكتاني مصمما على ما اقتضته عبارة المنهاج والباجي في مقابله‏.‏

قال السبكي‏:‏ والصواب أن كلام المنهاج محمول على ما إذا قصد الزوج مجرد التعليق‏,‏ ولم يقصد إعلامه ليمتنع‏.‏

وقد أرشد الرافعي إلى ذلك‏,‏ فإن عبارته وعبارة النووي في الروضة‏:‏ ولو علق بفعل الزوجة أو أجنبي‏,‏ فإن لم يكن للمعلق بفعله شعور بالتعليق‏,‏ ولم يقصد الزوج إعلامه‏.‏

ففي قوله‏:‏ ‏"‏ولم يقصد إعلامه‏"‏ ما يرشد إلى ذلك‏.‏ وقال في المهمات‏:‏ أشار بقوله‏:‏ ‏"‏ولم يقصد إعلامه‏"‏ إلى قصد الحث والمنع‏,‏ وعبر عنه به‏;‏ لأن قاصده يقصد إعلام الحالف بذلك ليمتنع منه‏.‏ ولهذا لما تكلم على القيود‏,‏ ذكر الحث والمنع عوضا عن الإعلام‏.‏ قال‏:‏ والظاهر أنه معطوف بأو‏,‏ لا بالواو‏,‏ حتى لا يكون المجموع شرطا‏,‏ فإن الرافعي شرط بعد ذلك‏,‏ لعدم الوقوع شروطا ثلاثة‏:‏ شعوره‏,‏ وأن يبالي‏,‏ وأن يقصد الزوج الحث والمنع‏.‏ قال‏:‏ وما اقتضاه كلام الرافعي من الحنث‏,‏ إذا لم يعلم المحلوف عليه‏,‏ رجحه الصيدلاني‏,‏ فيما جمعه من طريقة شيخه القفال فقال‏:‏ فإن قصد منعه‏,‏ فإن لم يعلم القادم حتى قدم‏,‏ حنث الحالف وإن علم به ثم نسي فعلى قولين‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ على قولين بكل حال‏,‏ وكذلك الغزالي في البسيط فقال‏:‏ إذا علق بفعلها في غيبتها فلا أثر لنسيانها‏,‏ وإن كانت مكرهة فالظاهر الوقوع‏;‏ لأن هذا في حكم التعليق لا قصد المنع‏,‏ ومنهم من طرد فيه الخلاف‏,‏ انتهى‏.‏

وخالف الجمهور فخرجوه على القولين‏:‏ الشيخ أبو حامد والمحاملي وصاحبا المهذب والتهذيب والجرجاني والخوارزمي انتهى‏.‏ وقال ابن النقيب‏:‏ القسم الثالث وهو‏:‏ ما إذا بالى‏,‏ ولم يعلم‏,‏ ليس في الشرح والروضة هنا‏,‏ ويقتضي المنهاج‏:‏ الوقوع فيه قطعا‏,‏ فليحرر‏.‏

فرع‏:‏

في المسائل المبنية على الخلاف في حنث الناسي والمكره‏.‏

قال‏:‏ لأقتلن فلانا‏,‏ وهو يظنه حيا فكان ميتا‏,‏ ففي الكفارة خلاف الناسي‏.‏

قال‏:‏ لا أسكن هذه الدار‏,‏ فمرض وعجز عن الخروج‏,‏ ففي الحنث خلاف المكره‏.‏

قال‏:‏ لأشربن ماء هذا الكوز‏,‏ فانصب‏,‏ أو شربه غيره أو مات الحالف قبل الإمكان‏,‏ ففيه خلاف المكره‏.‏

قال‏:‏ لا أبيع لزيد مالا‏,‏ فوكل زيد وكيلا وأذن له في التوكيل‏,‏ فوكل الحالف فباع وهو لا يعلم‏,‏ ففيه خلاف الناسي‏.‏

قال‏:‏ لأقضين حقك غدا‏,‏ فمات الحالف قبله أو أبرأه أو عجز‏,‏ ففيه خلاف المكره‏.‏

قال‏:‏ لأقضين عند رأس الهلال‏,‏ فأخره عن الليلة الأولى للشك فيه‏,‏ فبان كونها من الشهر‏,‏ ففيه خلاف الناسي‏.‏ 

قال‏:‏ لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى القاضي فلم يتمكن من الرفع لمرض أو حبس أو جاء إلى باب القاضي فحجب‏,‏ أو مات القاضي قبل وصوله إليه‏,‏ ففيه خلاف المكره‏.‏ قال‏:‏ لا أفارقك حتى أستوفي حقي‏,‏ ففر منه الغريم‏,‏ ففيه خلاف المكره‏.‏ فإن قال لا تفارقني ففر الغريم‏,‏ حنث مطلقا‏;‏ لأنها يمين على فعل غيره‏,‏ بخلاف الأولى ولا يحنث مطلقا إن فر الحالف‏,‏ فإن أفلس في الصورة الأولى فمنعه الحاكم من ملازمته‏,‏ ففيه خلاف المكره‏,‏ وإن استوفى فبان ناقصا ففيه خلاف الجاهل‏.‏

فرع‏:‏

خرج عن هذا القسم صور عذر فيها بالجهل في الضمان‏.‏

منها‏:‏ إذا أخرج الوديعة من الحرز على ظن أنها ملكه فتلفت‏,‏ فلا ضمان عليه ولو كان عالما ضمن‏,‏ ذكره الرافعي‏.‏

قال الأسنوي‏:‏ ومثله الاستعمال والخلط ونحوهما‏.‏

ومنها‏:‏ إذا استعمل المستعير العارية‏,‏ بعد رجوع المعير جاهلا فلا أجرة عليه نقله الرافعي عن القفال وارتضاه‏.‏

ومنها‏:‏ إذا أباح له ثمرة بستان ثم رجع فإن الآكل لا يغرم ما أكله بعد الرجوع‏,‏ وقبل العلم كما ذكره في الحاوي الصغير‏.‏ وحكى الرافعي‏:‏ فيه وجهين من غير تصريح بترجيح‏.‏

ومنها‏:‏ إذا وهبت المرأة نوبتها من القسم لضرتها ثم رجعت فإنها لا تعود إلى الدور من الرجوع على الصحيح بل من حين العلم به‏.‏

ومن فروع القسم الرابع‏.‏

الواطئ بشبهة فيه مهر المثل‏;‏ لإتلاف منفعة البضع دون الحد‏.‏

منها‏:‏ من قتل جاهلا بتحريم القتل‏,‏ فلا قصاص عليه‏.‏

ومنها‏:‏ قتل الخطأ‏,‏ فيه الدية والكفارة دون القصاص‏.‏

ومن ذلك مسألة الوكيل‏:‏ إذا اقتص بعد عفو موكله جاهلا فلا قصاص عليه على المنصوص‏,‏ وعليه الدية في ماله والكفارة ولا رجوع له على العافي‏;‏ لأنه محسن بالعفو وقيل لا دية‏,‏ وقيل هي على العاقلة وقيل يرجع على العافي‏;‏ لأنه غره بالعفو‏.‏

ونظير هذه المسألة‏:‏ ما لو أذن الإمام للولي في قتل الجانية‏,‏ ثم علم حملها فرجع ولم يعلم الولي رجوعه فقتل‏,‏ فالضمان على الولي‏.‏

ومن ذلك‏:‏ بعد أقسام مسألة الدهشة ولنلخصها فنقول‏:‏

إذا قال مستحق اليمين للجاني‏:‏ أخرجها‏,‏ فأخرج يساره فقطعت فله أحوال‏.‏ 

أحدها‏:‏ أن يقصد إباحتها‏,‏ فهي مهدرة لا قصاص ولا دية سواء علم القاطع أنها اليسار وأنها لا تجزئ أو لا‏;‏ لأن صاحبها بذلها مجانا‏;‏ ولأن فعل الإخراج اقترن بقصد الإباحة فقام مقام النطق‏,‏ كتقديم الطعام إلى الضيف‏;‏ ولأن الفعل بعد السؤال والطلب‏,‏ كالإذن كما لو قال‏:‏ ناولني يدك لأقطعها‏,‏ فأخرجها أو ناولني متاعك لألقيه في البحر فناوله‏,‏ فلا ضمان‏.‏ نعم‏,‏ يعزر القاطع إذا علم ويبقى قصاص اليمين كما كان‏.‏

فإن قال‏:‏ ظننت أنها تجزئ أو علمت أنها لا تجزئ ولكن جعلتها عوضا عنها سقط وعدل إلى دية اليمين لرضاه بسقوط قصاصها اكتفاء باليسار‏.‏

الحال الثاني‏:‏ أن يقصد المخرج إجزاءها عن اليمين‏,‏ فيسأل المقتص‏.‏

فإن قال‏:‏ ظننت أنه أباحها بالإخراج أو أنها اليمين‏,‏ أو علمت أنها اليسار‏,‏ وأنها لا تجزئ ولا تجعل بدلا‏,‏ فلا قصاص فيها في الصور الثلاث في الأصح لتسليط المخرج له عليها‏,‏ ولكن تجب ديتها ويبقى قصاص اليمين‏.‏

وإن قال‏:‏ علمت أنها اليسار وظننت أنها تجزئ‏,‏ سقط قصاص اليمين وتجب لكل الدية على الآخر‏.‏ الحال الثالث‏:‏ أن يقول‏:‏ دهشت فأخرجت اليسار‏,‏ وظني أني أخرج اليمين فيسأل المقتص‏,‏ فإن قال ظننت أنه أباحها‏.‏

قال الرافعي‏:‏ فقياس المذكور في الحال الثاني‏,‏ أن لا يجب القصاص في اليسار‏.‏

قال الأذرعي‏:‏ وصرح به الكافي لوجود صورة البدل‏,‏ قال البلقيني هو السديد‏.‏

قال البغوي‏:‏ تجب كمن قتل رجلا وقال ظننته أذن لي في القتل‏;‏ لأن الظنون البعيدة لا تدرأ القصاص‏.‏ وإن قال‏:‏ ظننتها اليمين أو علمت أنها اليسار وظننتها تجزئ‏,‏ فلا قصاص في الأصح أما في الأولى‏,‏ فلأن الاشتباه فيهما قريب‏.‏

وأما في الثانية‏,‏ فلعذره بالظن‏.‏

وإن قال‏:‏ علمت أنها اليسار وأنها لا تجزئ وجب القصاص في الأصح‏;‏ لأنه لم يوجد من المخرج بذل وتسليط‏.‏

وفي الصور كلها يبقى قصاص اليمين‏,‏ إلا في قوله‏:‏ ظننت أن اليسار تجزئ‏.‏

وإن قال‏:‏ دهشت أيضا‏,‏ لم يقبل منه ويجب القصاص‏;‏ لأن الدهشة لا تليق بحاله وإن قال‏:‏ قطعتها عدوانا وجب أيضا‏.‏

وإن قال المخرج‏:‏ لم أسمع أخرج يمينك وإنما وقع في سمعي يسارك‏.‏

أو قال‏:‏ قصدت فعل شيء يختص بي أو كان مجنونا‏,‏ فهو كالمد هوش‏.‏

هذا تحرير أحكام هذه المسألة‏.‏ 

وفي نظيرها من الحد يجزئ‏,‏ ويسقط قطع اليمين بكل حال‏.‏

والفرق أن المقصود في الحد التنكيل‏,‏ وقد حصل‏,‏ والقصاص مبني على التماثل وأن الحدود مبنية على التخفيف‏,‏ وأن اليسار تقطع في السرقة في بعض الأحوال‏,‏ ولا تقطع في القصاص عن اليمين بحال‏.‏

فرع‏:‏

خرج عن هذا القسم صور‏,‏ لم يعذر فيها بالجهل‏.‏

منها‏:‏ ما إذا بادر أحد الأولياء‏,‏ فقتل الجاني بعد عفو بعض الأولياء‏,‏ جاهلا به فإن الأظهر وجوب القصاص عليه‏;‏ لأنه متعد بالانفراد‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قتل من علمه مرتدا أو ظن أنه لم يسلم‏,‏ فالمذهب‏:‏ وجوب القصاص لأن ظن الردة لا يفيد إباحة القتل‏,‏ فإن قتل المرتد إلى الإمام‏,‏ لا إلى الآحاد‏.‏

ومنها‏:‏ ما إذا قتل من عهده ذميا أو عبدا‏,‏ وجهل إسلامه وحريته فالمذهب وجوب القصاص‏;‏ لأن جهل الإسلام والحرية لا يبيح القتل‏.‏

ومنها‏:‏ ما إذا قتل من ظنه قاتل أبيه‏,‏ فبان خلافه‏,‏ فالأظهر وجوب القصاص‏;‏ لأنه كان من حقه التثبت‏.‏

ومنها‏:‏ ما إذا ضرب مريضا جهل مرضه ضربا يقتل المريض دون الصحيح فمات فالأصح‏:‏ وجوب القصاص‏;‏ لأن جهل المرض لا يبيح الضرب‏.‏

وعلم من ذلك‏:‏ أن الكلام فيمن لا يجوز له الضرب‏.‏

أما من يجوز له للتأديب‏,‏ فلا يجب القصاص قطعا‏,‏ وصرح به في الوسيط وخرج عنه صور عذر فيها بالجهل‏.‏حتى في الضمان‏.‏

منها‏:‏ ما إذا قتل مسلما بدار الحرب‏,‏ ظانا كفره‏,‏ فلا قصاص قطعا‏,‏ ولا دية في الأظهر‏.‏

ومنها‏:‏ إذا رمى إلى مسلم تترس به المشركون فإن علم إسلامه‏:‏ وجبت الدية وإلا فلا ومنها‏:‏ إذا أمر السلطان رجلا بقتل رجل ظلما‏,‏ والمأمور لا يعلم‏,‏ فلا قصاص عليه ولا دية‏,‏ ولا كفارة‏.‏

ومنها‏:‏ إذا قتل الحامل في القصاص‏;‏ فانفصل الجنين ميتا‏,‏ ففيه غرة وكفارة‏.‏ أو حيا فمات‏,‏ فدية‏.‏

ثم إذا استقل الولي بالاستيفاء‏,‏ فالضمان عليه‏.‏ وإن أذن له الإمام‏,‏ فإن علما أو جهلا أو علم الإمام دون الولي‏,‏ اختص الضمان بالإمام على الصحيح‏;‏ لأن البحث عليه‏,‏ وهو الآمر به‏.‏ 

وفي وجه‏:‏ على الولي‏;‏ لأنه المباشر‏.‏

وفي آخر‏:‏ عليهما‏.‏

وإن علم الولي‏,‏ دون الإمام‏,‏ اختص بالولي على الصحيح لاجتماع العلم والمباشر‏.‏

وفي وجه‏:‏ بالإمام لتقصيره‏.‏

ولو باشر القتل جلاد الإمام‏;‏ فإن جهل‏,‏ فلا ضمان عليه بحال‏;‏ لأنه آلة الإمام‏,‏ وليس عليه البحث عما يأمره به‏,‏ وإن كان عالما‏,‏ فكالولي إن علم الإمام‏,‏ فلا شيء عليه وإلا اختص به‏.‏

ولو علم الولي مع الجلاد‏,‏ ففي أصل الروضة‏:‏ الأصح أنه يؤثر‏,‏ حتى إذا كانوا عالمين ضمنوا أثلاثا‏.‏ قال في المهمات‏:‏ وهذا غير مستقيم‏;‏ لأن الأصح فيما إذا علما‏,‏ أو جهلا‏:‏ أن الضمان على الإمام خاصة‏,‏ فكيف يستقيم ذلك هنا‏؟‏‏.‏قال‏:‏ قال‏:‏ فالصواب تفريع المسألة على القول بالوجوب عليهما إذا علما‏.‏ ثم من المشكل‏:‏ أنهما صححا هنا اختصاص الضمان بالإمام‏,‏ إذا علم هو والولي‏;‏ وصححا فيما إذا رجع الشهود‏,‏ واقتص الولي بعد حكم الحاكم‏,‏ بأن القصاص واجب على الكل‏,‏ بل لم يقل أحد بأن الضمان في هذه الصورة يختص بالحاكم‏.‏ وصححا فيما إذا أمر السلطان بقتل رجل ظلما وكان هو والمأمور عالمين اختصاصه بالمأمور‏,‏ إذا لم يكن إكراه‏.‏ فهذه ثلاث نظائر مختلفة‏.‏ قال في ميدان الفرسان‏:‏ وكأن الفرق‏:‏ أن الإحاطة بسبب المنع من الإقدام على القتل في غير مسألة الحامل لا يتوقف على اختيار الحاكم به بخلاف فيها‏,‏ فإن مناط المنع فيها الظن الناشئ من شهادة النسوة بالحمل‏.‏ ومنصب سماع الشهادة يختص بالحاكم‏,‏ فإذا أمكن من القتل بعد أدائها‏.‏ آذن ذلك بضعف السبب عنده‏,‏ فأثر في ظن الولي‏,‏ فلذلك أحيل الضمان على تفريط الحاكم‏,‏ ولم يقل به عند رجوع الولي والقاضي‏,‏ لعدم ذلك فيه‏.‏ انتهى‏.‏ من يقبل منه دعوى الجهل ومن لايقبل‏.‏ كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس‏.‏ لم يقبل‏,‏ إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام‏,‏ أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك‏:‏ كتحريم الزنا‏,‏ والقتل‏,‏ والسرقة والخمر‏,‏ والكلام في الصلاة‏,‏ والأكل في الصوم‏,‏ والقتل بالشهادة إذا رجعا‏,‏ وقالا تعمدنا‏,‏ ولم نعلم أنه يقتل بشهادتنا‏.‏ ووطء المغصوبة‏,‏ والمرهونة بدون إذن الراهن‏,‏ فإن كان بإذنه قبل مطلقا‏;‏ لأن ذلك يخفى على العوام‏.‏ ومن هذا القبيل أعني الذي يقبل فيه دعوى الجهل مطلقا لخفائه كون التنحنح مبطلا للصلاة‏,‏ أو كون القدر الذي أتى به من الكلام محرما‏,‏ أو النوع الذي تناوله مفطرا فالأصح في الصور الثلاث‏:‏ عدم البطلان‏.‏ ولو علم تحريم الطيب‏,‏ واعتقد في بعض أنواع الطيب أنه ليس بحرام‏,‏ فالصحيح وجوب الفدية لتقصيره‏,‏ كذا في كتب الشيخين‏.‏ فقد يقال‏:‏ إنه مخالف لمسألتي الصلاة‏,‏ والصوم‏.‏ ولا يقبل دعوى الجهل‏,‏ بثبوت الرد بالعيب‏.‏ والأخذ بالشفعة من قديم الإسلام لاشتهاره‏,‏ وتقبل في ثبوت خيار العتق‏,‏ وفي نفي الولد في الأظهر‏;‏ لأنه لا يعرفه إلا الخواص‏.‏

قاعدة‏:‏ كل من علم تحريم شيء‏,‏ وجهل ما يترتب عليه‏,‏ لم يفده ذلك‏.‏

كمن علم تحريم الزنا‏,‏ والخمر‏,‏ وجهل وجوب الحد‏.‏ يحد بالاتفاق‏;‏ لأنه كان حقه الامتناع‏.‏

وكذا لو علم تحريم القتل‏,‏ وجهل وجوب القصاص‏:‏ يجب القصاص‏.‏ أو علم تحريم الكلام‏,‏ وجهل كونه مبطلا‏:‏ يبطل‏.‏ وتحريم الطيب‏,‏ وجهل وجوب الفدية‏:‏ تجب‏.‏

فرع‏:‏

علم بثبوت الخيار‏,‏ وقال‏:‏ لم أعلم أنه على الفور‏.‏ قالوا‏:‏ في الرد بالعيب‏,‏ والأخذ بالشفعة‏.‏ يقبل‏;‏ لأن ذلك مما يخفى‏.‏ كذا أطلقه الرافعي‏,‏ واستدركه النووي‏,‏ فقال‏:‏ شرطه أن يكون مثله ممن يخفى عليه‏.‏

وفي عتق الأمة نقل الرافعي عن الغزالي‏:‏ أنها لا تقبل‏.‏ وجزم به في الحاوي الصغير‏;‏ لأن من علم ثبوت أصل الخيار علم كونه على الفور‏.‏ ثم قال الرافعي‏:‏ ولم أر لهذه الصورة تعرضا في سائر كتب الأصحاب‏.‏ نعم‏:‏ صورها العبادي في الرقم‏:‏ بأن تكون قديمة عهد بالإسلام‏,‏ وخالطت أهله‏:‏ فإن كانت حديثة عهد‏,‏ ولم تخالط أهله‏,‏ فقولان‏.‏ وفي نفي الولد‏:‏ سوى في التنبيه بينه وبين دعوى الجهل بأصل الخيار‏,‏ فيفصل فيه بين قديم الإسلام وقريبه‏.‏ وأقره النووي في التصحيح ولا ذكر للمسألة في الروضة وأصلها‏.‏

 

تذنيب‏:‏

في نظائر متعلقة بالجهل‏.‏

منها‏:‏ عزل الوكيل قبل علمه‏.‏ فيه وجهان‏,‏ والأصح‏:‏ انعزاله‏,‏ وعدم نفوذ تصرفه‏.‏

ومنها‏:‏ عزل القاضي قبل علمه‏.‏ والأصح فيه‏:‏ عدم الانعزال‏,‏ حتى يبلغه‏.‏ والفرق‏:‏ عسر تتبع أحكامه بالإبطال‏,‏ بخلاف الوكيل‏.‏

ومنها‏:‏ الواهبة نوبتها في القسم إذا رجعت ولم يعلم الزوج‏:‏ لا يلزمه القضاء‏,‏ وقيل‏:‏ فيه خلاف الوكيل‏.‏

ومنها‏:‏ لو قسم للحرة ليلتين‏,‏ والأمة ليلة فعتقت ولم يعلم‏.‏ قال الماوردي‏:‏ لا قضاء وقال ابن الرفعة‏:‏ القياس أن يقضي لها‏.‏

ومنها‏:‏ لو أباح ثمار بستانه‏,‏ ثم رجع‏,‏ ولم يعلم المباح له‏.‏ ففي ضمان ما أكل خلاف الوكيل‏.‏

ومنها‏:‏ النسخ قبل بلوغ المكلف‏,‏ فيه خلاف الوكيل‏,‏ قاله الروياني‏.‏

ومنها‏:‏ لو عفا الولي‏,‏ ولم يعلم الجلاد‏.‏ فاقتص‏,‏ ففي وجوب الدية قولان مخرجان من عزل الوكيل‏.‏ أصحهما‏:‏ الوجوب‏.‏

ومنها‏:‏ لو أذن لعبده في الإحرام‏.‏ ثم رجع‏,‏ ولم يعلم العبد‏,‏ فله تحليله في الأصح‏.‏

ومنها‏:‏ لو أذن المرتهن في بيع المرهونة‏.‏ ثم رجع‏,‏ ولم يعلم الراهن ففي نفوذ تصرفه وجهان‏.‏ أصحهما‏:‏لا ينفذ‏.‏

ومنها‏:‏ إذا خرج الأقرب عن الولاية‏,‏ فهي للأبعد‏,‏ فلو زال المانع من الأقرب‏,‏ وزوج الأبعد وهو لا يعلم ففي الصحة‏:‏ الوجهان‏.‏

ومنها‏:‏ لو عتقت الأمة‏,‏ ولم تعلم‏,‏ فصلت مكشوفة الرأس فقولان‏.‏ أصحهما‏:‏ تجب الإعادة‏.‏

ومنها‏:‏ لو وكله وهو غائب‏,‏ فهل يكون وكيلا من حين التوكيل‏,‏ أو من حين بلوغ الخبر‏؟‏ وجهان‏:‏ مقتضى ما في الروضة‏:‏ تصحيح الأول‏.‏

ومنها‏:‏ لو أذن لعبده في النكاح‏,‏ ثم رجع ولم يعلم العبد‏,‏ ففي صحة نكاحه‏.‏ وجهان‏.‏

ومنها‏:‏ لو استأذنها غير المجبر‏,‏ فأذنت‏,‏ ثم رجعت‏,‏ ولم يعلم حتى زوج‏:‏ ففي صحته خلاف الوكيل