فصل: باب إيلاء العبد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك

1119- مالك أنه بلغه أنه كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق أن رجلا قال لامرأته حبلك على غاربك فكتب عمر بن الخطاب إلى عامله أن مره يوافيني بمكة في الموسم فبينما عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال عمر من أنت فقال أنا الذي أمرت أن أجلب عليك فقال له عمر أسألك برب هذه البنية ما أردت بقولك حبلك على غاربك فقال له الرجل لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك أردت بذلك الفراق فقال عمر بن الخطاب هو ما أردت قال أبو عمر روي هذا الخبر عن عمر من وجوه منها ما ذكره عبد الرزاق عن ليث عن مجاهد أن رجلا قال لامرأته في زمن عمر بن الخطاب حبلك على غاربك حبلك على غاربك حبلك على غاربك فاستحلفه عمر بين الركن والمقام ما أردت فقال أردت الطلاق ثلاثا فأمضاه عليه قال أخبرني الثوري عن عبد الملك بن أبي سليمان أن عمر أمر عليا أن يستحلفه على ما نوى قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن قتادة قال إذا قال حبلك على غاربك فهي واحدة أو ما نوى وإن نوى واحدة فهو أحق بها قال أبو عمر أما خبر مالك عن عمر في هذا الباب فيدل على أنه إنما حلف الرجل هل أراد الطلاق بقوله حبلك على غاربك أم لم يرد لأنه قال هو ما أردت‏.‏

وأما خبر مجاهد عن عمر فيحتمل هذا ويحتمل أنه لما كرر اللفظ سأله هل أراد بالتكرار طلاقا أو أراد تأكيدا في الواحدة وقد روي عن عمر وعلي - رضي الله عنهما - أنهما قالا في حبلك على غاربك يستحلف هل أراد طلاقا أم لا ونيته فيما أراد منه ذكر أبو بكر قال حدثني بن نمير عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال أتي بن مسعود في رجل قال لامرأته حبلك على غاربك فكتب بن مسعود إلى عمر فكتب إليه عمر مره فليواف بالموسم فوافاه بالموسم فأرسل إلى علي فقال له علي أنشدك بالله ما نويت قال فراق امرأتي ففرق عمر بينهما هذا يخرج فيمن طلق وقال أردت غير امرأتي واختلف قول مالك فيمن قال لامرأته حبلك على غاربك فمرة قال ينوي ما أراد به من الطلاق ويلزم ما نوى من ذلك ومرة قال لا ينوي أحد في حبلك على غاربك لأنه لا يقوله أحد وقد أبقى من الطلاق شيئا وهي ثلاث على كل حال ولم يختلف قوله أنه لا طلاق ولا يلتفت إلى نيته إن قال لم أرد طلاقا وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم في حبلك على غاربك إن لم يرد الطلاق لم يلزمه شيء وليس بشيء وإن أراد الطلاق فهو طلاق رجعي عند الشافعي لا غير وهو قول قتادة والحسن والشعبي وجماعة‏.‏

وقال أبو حنيفة وإن أراد بقوله ذلك ثلاثا فهي ثلاث وإن أراد اثنتين فهي واحدة بائنة وأن أراد واحدة فهي بائنة وإن لم يرد طلاقا فليس بشيء وكذلك قال أصحابهم إلا زفر فإنه قال إن أراد اثنتين فهما اثنتان وقول الثوري كقول أبي حنيفة في ذلك لأنها كلمة واحدة وقال أبو عبيد وأبو ثور هي واحدة يملك بها الرجعة زاد أبو عبيد إلا أن يريد ثلاثا قال أبو عمر تناقض الكوفيون في هذا الباب لأنهم يقولون إن قال أنت طالق وأراد ثلاثا فإنما هي واحدة لأنه لا يقع بالنية طلاق وقد أوقعوه بالبتة هنا وقال إسحاق بن راهويه كل كلام يشبه الطلاق يراد به الطلاق فهو ما نوى من الطلاق وهو قول إبراهيم النخعي‏.‏

وقال الشافعي الطلاق والفراق والسراح لا يراعى في شيء من ذلك النية لقول الله تعالى ‏(‏إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن‏)‏ ‏[‏الطلاق 1‏]‏‏.‏

وقوله - جل ثناؤه ‏(‏فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف‏)‏ ‏[‏الطلاق 2‏]‏‏.‏

قال‏.‏

وأما الكنايات كلها المحتملة للطلاق وغيره فإن أراد الطلاق كان ما نوى من الطلاق وإن لم ينو شيئا حلف على ما فعل عمر - رضي الله عنه ولم يلزمه شيء‏.‏

1120- مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب كان يقول في الرجل يقول لامرأته أنت علي حرام إنها ثلاث تطليقات قال مالك وذلك أحسن ما سمعت في ذلك قال أبو عمر للعلماء فيمن قال لزوجته أنت علي حرام ثمانية أقوال أشدها قول مالك وهو قول علي وزيد بن ثابت وبه قال الحسن البصري والحكم بن عتيبة وإليه ذهب بن أبي ليلى قال هي ثلاث ولا أساله عن نيته وهو قول مالك في المدخول بها وينويه في التي لم يدخل بها قال أبو عمر روى جعفر بن محمد عن أبيه عن علي في الذي يقول لامرأته أنت علي حرام قال هي ثلاث وروى عبد الرزاق عن بن التيمي عن أبيه أن عليا وزيدا فرقا بين رجل وامرأته قال هي علي حرام وقاله الحسن أيضا وعن معمر عن قتادة عن الحسن قال هي ثلاث وروى قتادة عن خلاس بن عمرو وأبي حسان الأعرج أن عدي بن قيس - أحد بني كلاب - جعل امرأته عليه حراما فقال له علي هي الثلاث والذي نفسي بيده لئن مسستها قبل أن تتزوج غيرك لأرجمنك وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يعلى عن إسماعيل قال قال عامر زعم أناس أن عليا كان جعلها عليه حراما حتى تنكح زوجا غيره والله ما قالها علي قط وروى بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أنه سمعه يقول أنا أعلمكم بما قال علي في الحرام قال لا آمرك أن تتقدم ولا آمرك أن تتأخر قال أبو عمر الصحيح عن علي خلاف ما قال الشعبي من وجوه يطول ذكرها أنه كان يرى الحرام ثلاثا لا تحل له إلا بعد زوج وكذلك مذهب زيد بن ثابت ذكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الوهاب عن سعيد بن مطرف عن حميد بن هلال عن سعيد بن هشام أن زيد بن ثابت قال هي ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره قال‏.‏

وحدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة أن زيد بن ثابت كان يقول في الحرام ثلاث وعبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن زيد بن ثابت قال هي ثلاث قال معمر قال الزهري هو ما نوى ولا تكون أقل من واحدة‏.‏

وقال مالك وأكثر أصحابه فيمن قال لامرأته قبل أن يدخل أنت علي حرام أنها ثلاث إلا أن يقول نويت واحدة وقال عبد الملك بن الماجشون لا ينوى فيها ثلاث وهي واحدة على كل حال كالمدخول بها سواء وقال عبد العزيز بن أبي سلمة هي واحدة إلا أن يقول أردت ثلاثا والقول الثاني قاله سفيان الثوري وطائفة إن نوى بقوله لامرأته أنت علي حرام ثلاثا فهي حرام ثلاث وإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة وإن نوى يمينا فهو يمين يكفرها وإن لم ينو فرقة ولا يمينا فليس بشيء هي كذبة والقول الثالث قاله الأوزاعي هو ما نوى فإن لم ينو شيئا فهي يمين يكفرها والقول الرابع ما قاله الشافعي قال ليس قوله أنت علي حرام بطلاق حتى ينوي به الطلاق فإن نوى به الطلاق فهو على ما أراد من عدده فإن أراد واحدة فهي رجعية وإن أراد تحريمها بغير طلاق فعليه كفارة يمين وليس بمؤول والقول الخامس قاله أبو حنيفة وأصحابه قال إن نوى الطلاق فهي واحدة بائنة إلا أن ينوي ثلاثا فإن نوى ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى اثنتين فهي واحدة وإن لم ينو طلاقها فهي يمين وهو مؤول وإن نوى الكذب فليس بشيء وقال زفر مثل ذلك كله إلا أنه قال إن نوى اثنتين فهي اثنتان والقول السادس قاله إسحاق وغيره قبله قالوا من قال لامرأته أنت علي حرام لزمه كفارة الظهار ولم يطأها حتى يكفر والقول السابع قاله جماعة من التابعين وغيرهم قالوا في الحرام هي يمين يكفرها ما يكفر اليمين إلا أن غيرهم قال هي يمين مغلظة ومن قال هي يمين فحجته قول الله - عز وجل - ‏(‏يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك‏)‏ ‏[‏التحريم 1‏]‏‏.‏

وكان حرم على نفسه مارية سريته ثم قال الله تعالى ‏(‏قد فرض الله لكم تحلة أيمنكم‏)‏ ‏[‏التحريم 2‏]‏‏.‏

وفي هذا اختلاف كثير والقول الثامن أن تحريم المرأة كتحريم الماء ليس بشيء ولا فيه كفارة ولا طلاق لقوله عز وجل ‏(‏لا تحرموا طيبت ما أحل الله لكم‏)‏ ‏[‏المائدة 87‏]‏‏.‏

قال أبو عمر قد رويت هذه الأقوال كلها عن جماعة من جماعة السلف فروى معمر عن منصور عن إبراهيم في الحرام قال أن نوى واحدة فهي يمين واحدة وإن نوى ثلاثا فثلاث وروى الثوري عن منصور عن إبراهيم قال كان أصحابنا يقولون في الحرام هي واحدة بائنة وهي أملك بنفسها وإن شاء خطبها وروى بن إدريس عن الأعمش عن إبراهيم قال إذا قال لامرأته هي علي حرام ينوي الطلاق فأدنى ما تكون تطليقة بائنة وروى جرير عن منصور عن إبراهيم قال إن نوى طلاقا فأدنى ما تكون من نيته واحدة في ذلك بائنة - إن شاء وشاءت تزوجها إن نوى ثلاثا فثلاث وروى الشعبي عن عبد الله بن مسعود في الحرام قال إن نوى طلاقها فهي واحدة وهو أملك برجعتها وإن لم ينو طلاقا فهي يمين يكفرها وروى إبراهيم عن عبد الله بن مسعود قال إن نوى يمينا فهي يمين وإن نوى طلاقا فما نوى وشعبة عن حماد قال الحرام واحدة بائنة‏.‏

وأما من قال إن الحرام يمين تكفر فروى معمر عن يحيى بن أبي كثير وأيوب عن عكرمة أن عمر بن الخطاب قال في الحرام هي يمين قال يحيى وهو قول بن عباس قال أبو عمر ورواه عن عكرمة خالد الحذاء مثله وقال عبد الرزاق سمعت عمر بن راشد يحدث عن يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال هي يمين وتلا ‏(‏لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‏)‏ ‏[‏الأحزاب 21‏]‏‏.‏

وروى سعيد بن المسيب وجابر بن زيد ومطرف عن بن عباس مثله وبن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن بن مسعود قال هي يمين يكفرها وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الأعلى عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن بن عباس وعن جابر بن زيد وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أنهم قالوا الحرام يمين وعبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال هي يمين حدثنا أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن عطاء وطاوس قالا هي يمين قال‏.‏

وحدثني عبد الرحيم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك أن أبا بكر وعمر وبن مسعود - رضي الله عنهم - قالوا من قال لامرأته هي عليه حرام فليست عليه بحرام وعليه كفارة يمين قال‏.‏

وحدثني الثقفي عن برد عن مكحول وسليمان بن يسار قالا الحرام يمين ومن قال هي يمين مغلظة أوجب في كفارته تلك اليمين عتق رقبة وهو قول سعيد بن جبير وذكر أبو بكر عن عبد السلام بن حرب عن خصيف عن سعيد بن جبير في الرجل يقول لامرأته أنت علي حرام قال يعتق رقبة قال وإن قال ذلك لأربع نسوة أعتق أربع رقاب وقد روي عن بن عباس الحرام يمين مغلظة قال أبو عمر فهؤلاء كلهم لا يرون الحرام طلاقا ويرونها يمينا تكفر ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء الرجل يقول لامرأته أنت علي حرام قال يمين ثم تلا ‏(‏ يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك‏)‏ إلى قوله ‏(‏قد فرض الله لكم تحلة أيمنكم‏)‏ ‏[‏التحريم 1‏]‏‏.‏

2 قال وإن كان أراد الطلاق قلت قد علم الله مكان الطلاق قلت وإن قال أنت علي كالميتة والدم ولحم الخنزير هو كقوله أنت علي حرام قال نعم وهو قول الحسن البصري في أن الحرام يمين تكفر كقول عطاء‏.‏

وأما من قال في الحرام ليس بشيء ولا يلزم قائل هذا القول كفارة ولا طلاق وإن زوجته في ذلك كسائر ماله سواء مسروق بن الأجدع وأبو سلمة بن عبد الرحمن والشعبي وغيرهم وروى معمر عن عاصم بن سليمان عن الشعبي أن مسروقا قال لا أبالي حرمت امرأتي أو حرمت حفنة من ثريد وعن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أنه قال ما أبالي حرمتها أو حرمت الفرات والثوري عن صالح بن مسلم عن الشعبي قال أنت علي حرام هو أهون علي من نعلي‏.‏

وأما قول من قال كفارة الحرام كفارة الظهار فروى الثوري عن منصور عن سعيد بن جبير عن بن عباس في الحرام قال عتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا وكذلك روى خصيف عن سعيد بن جبير عن بن عباس بخلاف رواية يعلى بن حكيم وبن المسيب وأبي الشعثاء ومطرف عن بن عباس ومعمر عن خصيف عن سعيد بن جبير وعن أيوب بن أبي قلابة وعن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه قالوا هي بمنزلة الظهار إذا قال هي علي حرام واختلف عن قتادة فروي عنه في الحرام كفارة الظهار وروي عنه كفارة اليمين قال أبو عمر لا يكون الحرام ظهارا عند من قدمنا قوله من الفقهاء وإن أراد قائلة الظهار وقد روي عن بن عباس وعائشة في تأويل قوله - عز وجل ‏(‏لم تحرم ما أحل الله لك‏)‏ ‏[‏التحريم 1‏]‏‏.‏

في حديث بن عباس والله لا أشرب العسل بعدها وفي حديث عائشة لن أعود أشرب العسل ولم يذكر يمينا فكان التحريم المذكور في الآية دالا على أن ثم يمينا كقوله عز وجل ‏(‏قد فرض الله لكم تحلة أيمنكم‏)‏ التحريم وقال نافع حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته فأمر بكفارة يمين وقال مسروق آل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجعل الحرام حلالا فأمر بكفارة يمين قال أبو عمر كأنه يعني ‏(‏لا تحرموا طيبت ما أحل الله لكم‏)‏ والحجة لمالك ومن ذهب مذهبه في الحرام إجماع العلماء أن من طلق امرأته ثلاثا أنها تحرم عليه فلما كانت الثلاث تحريما كان تحريم ثلاثا والله أعلم‏.‏

1121- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول في الخلية والبرية إنها ثلاث تطليقات كل واحدة منهما‏.‏

1122- مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت تحته وليدة لقوم فقال لأهلها شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة واحدة‏.‏

1123- مالك أنه سمع بن شهاب يقول في الرجل يقول لامرأته برئت مني وبرئت منك إنها ثلاث تطليقات بمنزلة البتة قال مالك في الرجل يقول لامرأته أنت خلية أو برية أو بائنة إنها ثلاث تطليقات للمرأة التي قد دخل بها ويدين في التي لم يدخل بها أواحدة أراد أم ثلاثا فإن قال واحدة أحلف على ذلك وكان خاطبا من الخطاب لأنه لا يخلي المرأة التي قد دخل بها زوجها ولا يبينها ولا يبريها إلا ثلاث تطليقات والتي لم يدخل بها تخليها وتبريها وتبينها الواحدة قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال أبو عمر قول الليث بن سعد في ذلك سواء في المدخول بها وغير المدخول وقال بن أبي ليلى في حرام وخلية وبرية وبينونته كلها ثلاث ثلاث ولا ينوي في شيء منها وقال الأوزاعي أما البائنة والبرية فثلاث‏.‏

وأما الخلية فسمعت الزهري يقول واحدة أو ما نوى‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري في خلية وبرية وبائن إن أراد طلاقا فواحدة بائن إلا أن ينوي ثلاثا وإن نوى واحدة أو اثنتين فهي واحدة بائنة وقال زفر إن أراد اثنتين كانت اثنتين وقال عثمان البتي نحو قول الثوري‏.‏

وقال الشافعي في الخلية والبرية والبائن والبتة هو ما نوى فإن نوى أقل وثلاث كان رجعيا قال ولو طلقها واحدة بائنة كانت رجعية قال أبو عمر روي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وبن عباس وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - في الخلية والبرية والبائن والبتة أنها ثلاث روي ذلك عنهم من وجوه في كتاب بن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهما وهو قول مكحول وقاله بن شهاب في البرية والبائن وقوله برئت مني وبرئت منك هو من البرية وكان بعض أصحاب مالك يرى المبارأة من البرية ويجعلها ثلاثا وتحصيل مذهب مالك عند جمهور أصحابه أن المبارأة من باب الصلح والفدية والخلع وذلك كله واحدة عندهم بائنة‏.‏

وأما قول القاسم بن محمد في قول الرجل لأهل امرأته شأنكم بها أن الناس رأوها تطليقة واحدة وروي عن مالك مثل ذلك إلا أن ينوي ثلاثا وروي عنه أنها ثلاث إلا أن ينوي واحدة وقال عيسى عن بن القاسم عن مالك هي ثلاث في المدخول بها وواحدة في التي لم يدخل بها ولا ينوي في شيء من ذلك‏.‏

وقال أبو حنيفة والثوري والشافعي إن أراد بذلك الطلاق فهو ما أراد من الطلاق وإن أراد أقل من ثلاث فهو رجعي عند الشافعي وعند الكوفيين بائن وإن لم يرد طلاقا فليس بطلاق قال أبو عمر أصل هذا الباب في كل كناية عن الطلاق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للتي تزوجها فقالت أعوذ بالله منك قد عذت بمعاذ الحقي بأهلك فكان ذلك طلاقا وقال كعب بن مالك لامرأته حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتزالها الحقي بأهلك فلم يكن ذلك طلاقا فدل بما وصفنا من هذين الخبرين على أن هذه اللفظة مفتقرة إلى النية وإنما لا يقضى فيها إلا بما ينوي اللافظ بها فكذلك سائر الكنايات المحتملات للفراق وغيره والله أعلم ومن الكنايات بعد ما تقدم قول الرجل لامرأته اعتدي وأنت حرة أو اذهبي فأنكحي من شئت أو لست لي بامرأة أو قد وهبتك لأهلك أو خليت سبيلك أو الحقي بأهلك وما كان مثل هذا كله من الألفاظ المحتملة للطلاق وقد اختلف السلف والخلف فيها فواجب أن يسأل عنها قائلها ويلزم من ذلك ما نواه وأراده إن قصده‏.‏

وأما الألفاظ التي ليست من ألفاظ الطلاق ولا يكنى بها عن الفراق فأكثر العلماء لا يوقعون شيئا منها طلاقا وإن قصده القائل‏.‏

وقال مالك كل من أراد الطلاق بأي لفظة كان لزمه الطلاق حتى بقوله كلي واشربي وقومي واقعدي ونحو هذا ولم يتابع مالك على ذلك إلا أصحابه والأصل أن العصمة المتيقنة لا تزول إلا بيقين من نية وقصد وإجماع على مراد الله من ذلك وهذا عندي وجه الاحتياط للمفتي وبالله التوفيق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى ‏)‏‏)‏ والذي أقول به في الذي يهب امرأته لأهلها أنه قد كثر الاختلاف بين الصحابة ومن بعدهم فيها والصواب عندي فيها -والله أعلم- أنه أراد بذلك طلاقا فهو ما نوى من الطلاق قبلوها أو ردها وإن لم يرد طلاقا فليس بشيء قبلوها أو ردوها والله أعلم‏.‏

باب ما يبين من التمليك

1124- مالك أنه بلغه أن رجلا جاء إلى عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن إني جعلت أمر امرأتي في يدها فطلقت نفسها فماذا ترى فقال عبد الله بن عمر أراه كما قالت فقال الرجل لا تفعل يا أبا عبد الرحمن فقال بن عمر أنا أفعل أنت فعلته‏.‏

1125- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول إذا ملك الرجل امرأته أمرها فالقضاء ما قضت به إلا أن ينكر عليها ويقول لم أرد إلا واحدة فيحلف على ذلك ويكون أملك بها ما كانت في عدتها قال أبو عمر هذا قول مالك وأصحابه أن له أن يناكرها ويحلف فإن نكل عن اليمين لزمه ما طلقت به نفسها قال أبو عمر وفي هذه المسألة للسلف أقوال أحدها أن القضاء ما قضت ولا تنفعه مناكرته إياها والثاني أن ذلك مردود في عدة الطلاق إلى نيته فإن قال أردت واحدة كانت واحدة رجعية وله أن ينكر عليها أن توقع أكثر من واحدة لإرادته للواحدة ويحلف أنه ما أراد إلا واحدة والثالث أن طلاقها لا يكون إلا واحدة على كل حال وهو أملك بها ما دامت في عدتها والرابع أنه لا يكون بيد المرأة طلاق الرجل وليس قولها لزوجها قد طلقت نفسي منك بشيء كما لو قالت له أنت مني طالق لم يكن شيئا وهو قول شاذ روي عن بن عباس وطاوس والقول الأول روي عن علي - رضي الله عنه - وعن بن المسيب وبه قال الزهري وعطاء وطائفة روى الثوري عن منصور عن الحكم عن علي - رضي الله عنه - قال إذا جعل أمرها بيدها فالقضاء ما قضت هي وغيرها سواء وعن بن جريج قال أخبرني بن شهاب قال سمعت الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة يقول أيما امرأة جعل زوجها أمرها بيدها أو بيد وليها فطلقت نفسها ثلاث تطليقات فقد برئت منه ومعمر عن الزهري قال إن طلقت نفسها فالقضاء ما قضت إن نوى واحدة فواحدة وإن اثنتين فاثنتين وإن ثلاثا فثلاثا وعن الزهري عن بن المسيب مثله وبن جريج عن عطاء مثله فإن قيل إنه قد روي عن بن عمر مثل ذلك ولم يذكر مناكرة فالجواب أن رواية مالك قد فسرت ما أجمل غيره بقوله إلا أن ينكر عليها فيقول لم أرد إلا واحدة فهذا هو القول الثاني‏.‏

وأما القول الثالث فقول عمر وبن مسعود وروى الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة أو الأسود عن بن مسعود أنه جاءه رجل فقال كان بيني وبين امرأتي بعض ما يكون بين الناس فقالت لو أن الذي بيدك من أمري بيدي لعلمت كيف أصنع فقال فإن الذي بيدي من أمرك بيدك قالت فأنت طالق ثلاثا قال أراها واحدة أنت أحق بها ما دامت في عدتها وسألقى أمير المؤمنين عمر ثم لقيه فقص عليه القصة فقال فعل الله بالرجال وفعل يعمدون إلى ما جعل الله في أيديهم فيجعلونه في أيدي النساء بفيها التراب ماذا قلت فيها قال قلت أراها واحدة وهو أحق بها قال وأنا أرى ذلك ولو رأيت غير ذلك لرأيت أنك لم تصب روى الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق أن رجلا جعل أمر امرأته بيدها فطلقت نفسها ثلاثا فسأل عمر عنها بن مسعود ماذا ترى فيها قال أراها واحدة وهو أحق بها قال عمر وأنا أرى ذلك وروي عن زيد بن ثابت مثل ذلك رواه بن عيينة عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد عن زيد بن ثابت أنه قال في رجل أمر امرأته بيدها فطلقت نفسها ثلاثا قال هي واحدة‏.‏

وأما قول بن عباس وطاوس فروى بن جريج قال أخبرني أبو الزبير أن مجاهدا أخبره أن رجلا جاء بن عباس فقال ملكت امرأتي أمرها فطلقتني ثلاثا قال خطأ الله نوءها إنما الطلاق لك عليها وليس لها عليك قال بن جريج‏.‏

وأخبرني بن طاوس عن أبيه وقلت له كيف كان أبوك يقول في رجل ملك امرأته أمرها أتملك أن تطلق نفسها فقال كان يقول ليس إلى النساء طلاق قال أبو عمر قد روي خبر بن عباس على غير ما ذهب إليه طاوس وروى بن جريج عن عطاء عن بن عباس أن امرأة ملكها زوجها أمر نفسها فقالت أنت الطلاق وأنت الطلاق وأنت الطلاق فقال بن عباس خطأ الله نوءها ألا قالت أنا طالق أنا طالق وهذه مسألة أخرى قد ذهب إليها طائفة من الفقهاء في المملكة قالوا إذا قالت لزوجها أنت طالق لم يقع طلاق حتى يقول أنا منك طالق وذهب جماعة إلى أن ذلك بمعنى واحد وأنه يقع الطلاق بقولها لزوجها أنت طالق كما يقع بقولها أنا طالق منك‏.‏

وأما أقاويل أئمة الفتوى بالأمصار في التمليك يقول مالك ما ذكره في ‏(‏‏(‏موطئه‏)‏‏)‏ ما ذكرناه في هذا الباب ومذهبه في التخير خلاف مذهبه في التمليك ويأتي في باب الخيار من هذا الكتاب وهناك نذكر مذاهب السلف من الخيار - إن شاء الله تعالى‏.‏

وقال الشافعي اختاري أمرك بيدك سواء ليس بشيء من ذلك بطلاق إلا أن يريد الزوج بقوله ذلك الطلاق فإن أراد الطلاق فهو ما أراد من الطلاق فإن أراد واحدة فهي رجعية ولو أراد الطلاق فقالت قد اخترت نفسي فإن أراد الطلاق فهو الطلاق وإن يرده فليس بطلاق‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه في أمرك بيدك إذا طلقت نفسها فهي واحدة بائنة إلا أن تنوي ثلاثا فيكون ثلاثا قال والخيار لا يكون طلاقا وإن نواه وقال الثوري أمرك بيدك مثل الخيار فإن اختارت نفسها فواحدة بائنة وكل هؤلاء التمليك والتخيير عندهم سواء وقال عثمان البتي في أمرك بيدك القضاء ما قضت إلا أن يحلف أنه لم يرد إلا واحدة أو اثنتين نحو قول مالك وهو قول عبيد الله بن الحسن وقال أبن أبي ليلى في أمرك بيدك هي ثلاث ولا يسأل الزوج عن نفسه وقال الأوزاعي في أمرك بيدك القضاء ما قضت واحدة أو اثنتين أو ثلاثا وقال إسحاق إذا ملكها أمرها فإن قال لم أرد إلا واحدة حلف على ذلك ويكون أملك بها‏.‏

وقال أحمد إن أنكر لم يقبل منه والقضاء ما قضت قال أبو عمر كل هؤلاء يقولون إذا ردت الأمر إلى زوجها ولم تقض بشيء ولم يرد طلاقها فلا طلاق والله الموفق‏.‏

باب ما يجب فيه تطليقة واحدة من التمليك

1126- مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه أخبره أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان فقال له زيد ما شأنك فقال ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال له زيد ما حملك على ذلك قال القدر فقال زيد ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة وأنت أملك بها قال أبو عمر هو مذهب مالك والشافعي أن الطلقة الواحدة في التمليك رجعية يملك الزوج فيها رجعة امرأته وعند الكوفيين الطلقة بائنة وقد تقدم ذلك في الباب قبل هذا ولا حجة في هذا الباب من جهة الرأي إلا أن يعارضها مثلها ولا أثر فيه يجب التسليم له للاختلاف بين السلف فيه وأولى ما قيل به في ذلك أن كل طلقة على ظاهر الكتاب فواجب أن تكون رجعية لقول الله تعالى ‏(‏لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا‏)‏ ‏[‏الطلاق 1‏]‏‏.‏

ولقوله عز وجل ‏(‏وبعولتهن أحق بردهن في ذلك‏)‏ ‏[‏البقرة 228‏]‏‏.‏

وهو الرجعة حتى تكون ثلاثا فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره إلا أن من اشترط من النساء في حين عقد نكاحها أنك إن تزوجت علي أو تسريت أو كذا أو كذا فأمري بيدي فالطلاق ها هنا بائن واحدة لا رجعة له فيها إلا برضاها وكذلك الخيار عند جمهور العلماء في الأمة تعتق تحت العبد أن طلاقها واحدة بائنة لأن لو كانت رجعية لم تكن الأمة المعتقة تشفع باختيارها ولا المرأة التي اشترطت طلاقها عند عقد نكاحها لم تكن أيضا تنتفع بشرطها وكذلك المختلعة لأنها ابتاعت عصمتها من زوجها بمالها فلو كانت له الرجعة لذهب مالها ولم ينتفع بذلك وعلى هذا جمهور العلماء وسترى ذلك في باب الخلع - إن شاء الله تعالى‏.‏

1127- مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه إن رجلا من ثقيف ملك امرأته أمرها فقالت أنت الطلاق فسكت ثم قالت أنت الطلاق فقال بفيك الحجر ثم قالت أنت الطلاق فقال بفيك الحجر فاختصما إلى مروان بن الحكم فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة وردها إليه قال مالك قال عبد الرحمن فكان القاسم يعجبه هذا القضاء ويراه أحسن ما سمع في ذلك قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك وأحبه إلي قال أبو عمر قد مضى في الباب قبل هذا وقد ذكرنا ما للمملك من المناكرة وأن ذلك مردود إلى قوله ونيته وما للعلماء في ذلك من التنازع ما يغني عن إعادته وإنما للمملك أن يناكر امرأته إذا أوقعت أكثر من واحدة إذا كان التمليك منه لها في غير عقد نكاحها‏.‏

وأما إذا جعل لها في عقد نكاحها أن أمرها بيدها إن أخرجها من دارها أو تزوج عليها أو غاب عنها ونحو ذلك ثم فعل فطلقت نفسها ما شاء من الطلاق فلا تكره له في ذلك هذا قول مالك‏.‏

وأما قول المرأة في هذا الخبر لزوجها أنت الطلاق فقد اختلف الفقهاء في الرجل يخير المرأة فتقول قد طلقتك ولم تقل قد طلقت نفسي أو يقول الرجل لامرأته أنت طالق فقال مالك والشافعي تطلق المرأة بذلك كله‏.‏

وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي لا يلحق بذلك طلاق واحتج بعض من يقول بقول الكوفيين في ذلك بقول الله - عز وجل ‏(‏وإذا طلقتم النساء‏)‏ ‏[‏البقرة 232‏]‏‏.‏

ولم يقل إلا أن طلقكن النساء وبمثل هذا من آي القرآن قال ومن قال لامرأته أنا منك طالق فإنما طلق نفسه ولم يطلق زوجته قال أبو عمر الذي يحضرني في هذا للحجازيين أن الطلاق إنما يراد به الفراق وجائز أن يقال في كلام العرب فارقتك وفارقتني فعلى هذا يصح فارقتني زوجتي وفارقتها كما يصح بانت مني وبنت منها وهي علي حرام وأنا عليها حرام فعلى هذا المعنى يصح قول أهل الحجاز لا على طلقتني زوجتي والله أعلم‏.‏

باب ما لا يبين من التمليك

1128- مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها خطبت على عبد الرحمن بن أبي بكر قريبة بنت أبي أمية فزوجوه ثم أنهم عتبوا على عبد الرحمن وقالوا ما زوجنا إلا عائشة فأرسلت عائشة إلى عبد الرحمن فذكرت ذلك له فجعل أمر قريبه بيدها فاختارت زوجها فلم يكن ذلك طلاقا‏.‏

1129- مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زوجت حفصة بنت عبد الرحمن المنذر بن الزبير وعبد الرحمن غائب بالشام فلما قدم عبد الرحمن قال ومثلي يصنع هذا به ومثلي يفتات عليه فكلمت عائشة المنذر بن الزبير فقال المنذر فإن ذلك بيد عبد الرحمن فقال عبد الرحمن ما كنت لأرد أمرا قضيتيه فقرت حفصة عند المنذر ولم يكن ذلك طلاقا‏.‏

1130- مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة سئلا عن الرجل يملك امرأته أمرها فترد ذلك إليه ولا تقضي فيه شيئا فقالا ليس ذلك بطلاق‏.‏

1131- مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال إذا ملك الرجل امرأته أمرها فلم تفارقه وقرت عنده فليس ذلك بطلاق قال أبو عمر روي مثل قول سعيد عن بن عمر وبن مسعود ورواية عن علي أنها إذا اختارت زوجها فلا طلاق لها ولا شيء وعلى هذا جماعة العلماء وجمهورهم من المملكة أنها إذا لم تقض شيئا لم يوجب تمليكها شيئا إذا رضيت البقاء مع زوجها واختلف الصحابة والتابعون - رضي الله عنهم - في المخيرة اختلافا متباينا دل على أنهم غابت عنهم السنة في ذلك وذلك تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه قالت عائشة خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقا ومعلوم أنه إنما خيرهن بين الصبر معه على الفقر وبين فراقه بدليل ما في الحديث من قوله لعائشة ‏(‏‏(‏إني أعرض عليك أمرا فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك قالت ما هو فتلا عليها الآية فقالت أوفيك أستأمر أبوي بلى أختار الله ورسوله والدار الآخرة وأسألك ألا تذكر ذلك لامرأة من نسائك فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏إني لم أبعث معنتا وإنما بعثت معلما ميسرا فلا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها رواه أبو الزبير عن جابر عن عائشة ورواه عروة عن عائشة وهذا يدل على فساد قول الحسن إنهن إنما خيرن بين الدنيا والآخرة لا بين فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم والكون معه والقضاء بصحة ما ذهب إليه فقهاء الأمصار من الحجاز والعراق أن المملكة والمخيرة إذا اختارت زوجها لم يقع عليها طلاق حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني عمرو بن مرزوق قال أخبرنا شعبة عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن في ذلك طلاق ورواه الثوري عن الأعمش وعاصم عن الشعبي عن مسروق عن عائشة مثله وإبراهيم عن الأسود عن عائشة مثله قال أبو عمر قوله في حديث هذا الباب أن عائشة زوجت حفصة بنت عبد الرحمن أخيها من المنذر بن الزبير ليس على ظاهره ولم يرد بقوله زوجت حفصة -والله أعلم- إلا الخطبة والكناية في الصداق والرضا ونحو ذلك دون العقد بدليل الحديث المأثور عنها أنها كانت إذا حكمت أمر الخطبة والصداق والرضا قالت أنكحوا واعقدوا فإن النساء لا يعقدن وروى بن جريج عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها أنكحت امرأة من بني أخيها رجلا من بني أختها فضربت بينهم بستر ثم تكلمت حتى إذا لم يبق إلا العقد أمرت رجلا فأنكح ثم قالت ليس إلى النساء النكاح قال أبو عمر قد احتج الكوفيون بحديث مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة المذكور في هذا الباب في جواز عقد المرأة للنكاح ولا حجة فيه لما ذكرنا من حديث بن جريج ولأن عائشة آخر الذين رووا عن النبي -عليه السلام- ‏(‏‏(‏لا نكاح إلا بولي‏)‏‏)‏ والولي المطلق يقتضي العصبة لا النساء وقد مضى هذا المعنى في كتاب النكاح والحمد لله قال مالك في المملكة إذا ملكها زوجها أمرها ثم افترقا ولم تقبل من ذلك شيئا فليس بيدها من ذلك شيء وهو لها ما داما في مجلسهما قال أبو عمر هذا هو المشهور من مذهب مالك - رحمه الله - وعليه جمهور الفقهاء وممن قال إن ذلك على المجلس الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي وأصحابهم والحسن بن حي والليث بن سعد كلهم يقول إذا خيرت فخيارها على المجلس فإن افترقا أو قامت قبل أن تقول شيئا بطل خيارها ولفظ الثوري ومالك والأوزاعي فذلك بيدها حتى يفترقا من مجلسهما وذكر بن القاسم عن مالك قوله هذا في ‏(‏‏(‏موطئه‏)‏‏)‏ وقال عنه بل أمرها بيدها ما لم يجامعها وإن افترقا قال بن القاسم وقوله الأول أعجب إلي وعليه الناس وفي موضع آخر من ‏(‏‏(‏المدونة‏)‏‏)‏‏.‏

قال مالك في رجل ملك امرأته أمرها أن لها أن تقضي وإن افترقا من مجلسهما وكان قوله قبل ذلك إذا تفرقا فلا قضاء لها إذا كان قد أمكنها القضاء قبل قيام زوجها واختلفوا في الوقت الذي يجوز للمملك فيه الرجوع على التمليك فذكر بن القاسم عن مالك فيمن جعل أمر امرأته بيد رجل قال إذا قام الذي جعل ذلك إليه بطل ثم رجع فقال ذلك له ما لم يوقفه السلطان وفي موضع آخر قال بن القاسم قال مالك إذا قال لأجنبي أمر امرأتي بيدك فليس له أن يرجع فيه قال أبو عمر كذلك قال الثوري والليث إلا أن الثوري قال حتى يقضي أو يدع وقال الليث حتى توقف أتقضي بالفراق أم لا وقال الأوزاعي إذا جعل أمر امرأته بيدها فله أن يرجع فيه قبل أن يقول شيئا‏.‏

وقال الشافعي إذا ملك الرجل أمرها غيره فهذه وكالة وله أن يرجع قبل أن يوقعه ومتى أوقعه قبل رجوعه وقع‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قال لها طلقي نفسك أو قال أمرها بيدها فهو على المجلس وليس له الرجوع فيه ولو قال لأجنبي طلق امرأتي كان على المجلس وبعده وله أن ينهاه ولو قال له طلقها إن شئت أو قال له أمرها بيدك كان له على المجلس ولم يكن له الرجوع فيه وقال زفر ذلك له في المجلس وبعده في القولين جميعا قال أبو عمر قول الكوفيين تحكم لا دليل عليه من أثر ولا يعضده قياس ولا نظر والله أعلم قال أبو عمر لأصحابنا في هذا الباب نوازل فيما بينهم اختلاف واضطراب قد ذكرتها في كتاب ‏(‏‏(‏اختلاف قول مالك وأصحابه‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر وروى بن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال إن خير امرأته فلم تقل شيئا حتى تقوم من ذلك المجلس فليس بشيء وعن بن مسعود وعن مجاهد وعطاء وجابر بن زيد أبي الشعثاء والشعبي والنخعي أنهم قالوا إذا قامت من المجلس فلا أمر لها وروى ذلك عن عمر وعثمان وعلي - رضوان الله عليهم ولا أعلم مخالفا في ذلك إلا ما رواه معمر عن الزهري وقتادة والحسن أنهم قالوا ذلك بيدها حتى تقضي وقال أبو الشعثاء كيف يمشي بين الناس وأمر امرأته بيد غيره قال أبو عمر اعترض داود وبعض أصحابه على من قال بأن الخيار على المجلس بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في حين تخييره لأزواجه إني ذاكر لك أمرا فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك ولم يقل في مجلسك قال أبو عمر لا حجة في هذا لأن النبي -عليه السلام- جعل لها الخيار في المجلس وبعده حتى تشاور أبويها ولا خلاف فيمن خير امرأته مدة يوم أو أيام أن ذلك لها إلى انقضاء المدة وبالله التوفيق‏.‏

باب الإيلاء

1132- مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء قال مالك وذلك الأمر عندنا قال أبو عمر الخبر عن علي - رضي الله عنه - يوقف المولي وإن كان منقطعا في ‏(‏‏(‏ الموطأ‏)‏‏)‏ فإنه متصل عنه من طرق كثيرة صحاح منها ما حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني الحسن بن إسماعيل قال حدثني عبد الملك بن بحر قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني سنيد بن داود قال حدثني هشيم قال أخبرنا الشيباني عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال هشيم‏.‏

وأخبرني الشيباني عن الشعبي قال أخبرنا عمرو بن سلمة الكندي قال شهدنا علي بن أبي طالب وقف رجلا عند الأربعة الأشهر إما أن يفيء‏.‏

وأما أن يطلق‏.‏

1133- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول أيما رجل آلى من امرأته فإنه إذا مضت الأربعة الأشهر وقف حتى يطلق أو يفيء ولا يقع عليه طلاق إذا مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف‏.‏

1134- مالك عن بن شهاب أن سعيد بن المسيب وأبا بكر بن عبد الرحمن كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته إنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة ولزوجها عليها الرجعة ما كانت في العدة‏.‏

1135- مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في الرجل إذا آلى من امرأته أنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة وله عليها الرجعة ما دامت في عدتها قال مالك وعلى ذلك كان رأي بن شهاب قال أبو عمر أما علي - رضي الله عنه - فالصحيح من رأيه ومذهبه ما رواه مالك عنه من القول بوقف المولي وقد روي عنه أن المولي تبين منه امرأته بانقضاء الأربعة الأشهر ولا يصح ذلك عنه رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن علي قال إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة ولم يلق الحسن عليا ولا سمع منه ورواه معمر عن قتادة أن عليا وبن مسعود قالا إذا انقضت الأربعة الأشهر فهي واحدة وهي أحق بنفسها وتعتد عدة المطلقة وهذا ليس بشيء عن علي خاصة لأنه لم يأت إلا من هذا الوجه وهو منقطع لا يثبت مثله‏.‏

وأما بن مسعود فهو مذهبه المحفوظ عنه‏.‏

وأما علي فلا يصح إلا ما ذكر مالك من رواية أهل المدينة وما ذكرناه عنه من رواية أهل الكوفة وغيرهم وروى عبد الرزاق ووكيع عن الثوري عن سليمان الشيباني عن الشعبي عن عمرو بن سلمة عن علي في المولي قال إذا مضت الأربعة الأشهر فإنه يوقف حتى يفيء أو يطلق والصحيح عن بن عمر أيضا وقف المولى رواه مالك وأيوب وعبيد الله وسالم وغيرهم عن نافع عن بن عمر وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو داود عن جرير قال قرأت في كتاب أبي قلابة عند أيوب سالت أبا سلمة وسالما عن الإيلاء فقال إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة لم يقل بائنة ولا رجعية وهو قول أبي الدرداء وعائشة لم يختلف عنهما فيما علمت واختلف عن عثمان والصحيح عنه وقف المولي رواه بن عيينة عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن عثمان بن عفان قال يوقف المؤلي عند الأربعة الأشهر فإما أن يفيء وإما أن يطلق وروي عن عمر بن الخطاب مثله وبن عيينة عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد أن رجلا كان يؤلي من امرأته سنة ويأتي عائشة فتقرأ عليه ‏(‏للذين يؤلون من نسائهم‏)‏ الآية ‏[‏البقرة 226‏]‏‏.‏

وتأمره باتقاء الله وأن يفيء والثوري عن جابر عن القاسم بن محمد أن عائشة أمرت رجلا بعد عشرين شهرا أن يفيء أو يطلق وبن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوقفون المؤلي وهو قول سعيد بن المسيب فيما روى عنه عطاء الخرساني قال أبو عمر حديث بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار انفرد به بن عيينة وما أظنه رواه عن سليمان بن يسار غير يحيى بن سعيد وممن قال يوقف المؤلي بعد الأربعة أشهر فإما أن يفيء وإما أن يطلق مجاهد وطاوس وبه قال مالك والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود فإن لم يفيء وطلق أو طلق عليه السلطان فالطلقة رجعية عندهم إلا أن مالكا من بينهم قال لا تصح له رجعة حتى يطأ في العدة ولا أعلم أحدا وافق مالكا على ذلك والله أعلم قال أبو عمر لم يختلف عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فيما ذكر عنه مالك في المؤلي أنه يلزمه بانقضاء الأربعة الأشهر تطليقة رجعية بالصحيح‏.‏

وأما سعيد بن المسيب فالصحيح عنه مثل ذلك من رواية مالك وغيره وقد روى معمر عن عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب قال يوقف المؤلي عند انقضاء الأربعة الأشهر فإما أن يفيء وإما أن يطلق‏.‏

وأما مروان بن الحكم فاختلف عنه أيضا روى الثوري عن ليث عن مجاهد عن مروان عن علي قال إذا مضت الأربعة الأشهر فإنه يجلس حتى يفيء أو يطلق قال مروان ولو وليت هذا الأمر لقضيت بقضاء علي وروى عبد الرزاق عن مالك ومعمر وبن عيينة عن أيوب عن سليمان بن يسار أن مروان وقف رجلا آلى من امرأته بعد ستة أشهر وهو غريب عن مالك وكل ما في هذا الباب فعن عبد الرزاق عن الشيوخ المذكورين فيه وممن قال بقول أبي بكر بن عبد الرحمن وبن شهاب ومن تابعهما على أنه ما بقضاء الأربعة الأشهر تطلق زوجة المؤلي طلقة رجعية الأوزاعي ومكحول وقال الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح إذا مضت للمؤلي أربعة أشهر بانت منه امرأته بتطليقة بائنة لا يملك فيها رجعة وهو قول بن عباس وبن مسعود وزيد بن ثابت ورواية عن عثمان ورواية عن بن عمر فأما بن مسعود وبن عباس فلم يختلف عنهما في ذلك والله أعلم والرواية عن بن عمر بذلك ذكرها أبو بكر قال حدثني بن فضيل وأبو معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن بن عمر وبن عباس قالا إذا آلى فلم يفيء حتى تمضي الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة قال‏.‏

وحدثني وكيع عن شعبة عن الحكم عن مقسم عن بن عباس قال عزيمة الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر والفيء الجماع قال‏.‏

وحدثني جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الله قال إذا آلى فمضت أربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقه وبه قال عطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد - أبو الشعثاء - والحسن وإبراهيم ومسروق وبن سيرين ومحمد بن الحنفية وعكرمة وقبيصة بن ذؤيب وروى معمر عن عطاء الخرساني قال سمعني أبو سلمة بن عبد الرحمن أسأل سعيد بن المسيب عن الإيلاء فمررت به فقال ماذا قال لك فحدثته فقال إلا أخبرك ما كان عثمان وزيد بن ثابت يقولان قلت بلى قال كانا يقولان إذا مضت الأربعة الأشهر فهي طلقة واحدة وهي أحق بنفسها وتعتد عدة المطلقة ذكره بن المبارك وعبد الرزاق جميعا قال أبو عمر كل الفقهاء - فيما علمت - يقولون إنها تعتد بعد الطلاق عدة المطلقة إلا جابر بن زيد فإنه يقول لا تعتد - يعني - إذا كانت قد حاضت ثلاث حيض في الأربعة الأشهر وقال بقوله طائفة وكان الشافعي يقول ذلك في ‏(‏‏(‏القديم‏)‏‏)‏ ثم رجع عنه في ‏(‏‏(‏الجديد‏)‏‏)‏ وقد روى عن بن عباس نحوه رواه أبو عوانة عن قتادة قال كنت عند سليمان بن هشام وعنده الزهري فسألوه عن الايلاء فقال الزهري إذا مضت أربعة أشهر فواحدة وهو أحق بها فقلت له ما قلت بقول علي ولا بقول بن مسعود ولا بقول بن عباس ولا بقول أبي الدرداء ‏!‏ فقال سليمان بن هشام ما قال هؤلاء قلت كان علي يقول إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة لا يخطبها زوجها ولا غيره حتى تنقضي عدتها وقال بن مسعود إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة يخطبها زوجها في العدة ولا يخطبها غيره وقال بن عباس مالكم تقولون عليها إذا مضت أربعة أشهر وقد حاضت فيها ثلاث حيض تزوجت من شاءت وقال أبو الدرداء إذا مضت أربعة أشهر يوقف فإن شاء طلق وإن شاء فاء قال أبو عمر الصحيح عن علي مثل قول أبي الدرداء هذا ولا يصح عنه ما حكاه قتادة وقتادة حافظ مدلس يروي عمن لم يسمع منه ويرسل عنه ما سمعه من ثقة وغير ثقة وروى معمر وبن عيينة وبن علية وأيوب عن أبي قلابة أن بن مسعود قال للنعمان بن بشير وكان قد آلى من امرأته إذا انقضت الأربعة الأشهر فاعترف بتطليقة وروي ذلك عن بن عباس من وجوه قال أبو عمر والصحيح في هذا الباب ما ذهب إليه مالك ومن تابعه لأن الله تعالى قد جعل للمولى أربعة أشهر لا سبيل فيها لامرأته عليه ومعلوم أن الجماع من حقوقها ولها تركه والمطالبة به إذا انقضى الأجل الذي جعل لزوجها عليها فيه التربص فإن طلبته في حين يجب لها طلبه عند السلطان وقف المولي فإما فاء وإما طلق والدليل قول الله عز وجل ‏(‏فإن فاءو فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلق‏)‏ ‏[‏البقرة 226‏]‏‏.‏

227 فجمعها في وقت واحد فلما أجمعوا أن الطلاق لا يقع في الأربعة الأشهر حتى تنقضي فإن الزوج لم يخاطب بإيقاع الطلاق في ذلك الوقت كان كذلك الفيء لا يكون بعد مضي الأربعة الأشهر ولو كان الطلاق يقع بمضيها لما تهيأ أن يخاطب الزوج بالفيء وذلك دليل على أن الفيء ممكن له بعد الأربعة الأشهر ودليل آخر وهو قوله تعالى ‏(‏وإن عزموا الطلق فإن الله سميع عليم‏)‏ ولا يكون السماع إلا المسموع ولو كان الطلاق يقع بمضي الأجل لما تهيأ سماع ذلك فدل على أن الطلاق أيضا إنما يقع بإيقاعه له لا بمضي الأجل والله أعلم مسألة من الإيلاء قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف فيطلق عند انقضاء الأربعة الأشهر ثم يراجع امرأته أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتها فلا سبيل له إليها ولا رجعة له عليها إلا أن يكون له عذر من مرض أو سجن أو ما أشبه ذلك من العذر فإن ارتجاعه إياها ثابت عليها فإن مضت عدتها ثم تزوجها بعد ذلك فإنه إن لم يصبها حتى تنقضي الأربعة الأشهر وقف أيضا فإن لم يفيء دخل عليه الطلاق بالإيلاء الأول إذا مضت الأربعة الأشهر ولم يكن له عليها رجعة لأنه نكحها ثم طلقها قبل أن يمسها فلا عدة له عليها ولا رجعة قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف بعد الأربعة الأشهر فيطلق ثم يرتجع ولا يمسها فتنقضي أربعة أشهر قبل أن تنقضي عدتها إنه لا يوقف ولا يقع عليه طلاق وإنه إن أصابها قبل أن تنقضي عدتها كان أحق بها وأن مضت عدتها قبل أن يصيبها فلا سبيل له إليها وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال أبو عمر أما قوله إنه لم يمسها حتى تنقضي عدتها فلا سبيل له إليها ولا رجعة له عليها ولا أعلم أحدا شرط في صحة الرجعة الجماع إلا مالكا - رحمه الله - ويجعله إذا لم يطأ في حكم المولي كما أنه لو قال لأجنبية والله لئن تزوجتك لأوطأنك ثم تزوجها كان موليا عنده وكذلك لو قال إن تزوجتك فأنت طالق فأنها تطلق عنده إذا تزوجها ولا يسقط عنه الطلاق الإيلاء ودليل ذلك على أن اليمين عليه باقية وأنه مذ وطئها بعد النكاح الجديد حنث كالمولي قبل النكاح الجديد ولا يسقط الإيلاء إلا الجماع لمن قدر عليه وإن عجز عنه بعذر مانع مثل السجن الذي لا يصل معه إليها إو المرض المانع المذنب له من وطئها أو البعد من السفر كان مبيته عنده كفارته بيمينه إن كان ممن يكفر إذ بان عذره قال ومما تعرف به فيئة المريض أن يكفر فتسقط يمينه وإن كانت ممن يكفر إذ قد بان عذره وكذلك المسجون والغائب وإن كانت اليمين لا تكفر فنيته بالقول فمتى زال العذر عاد الحكم هذا كله تحصيل مذهب مالك‏.‏

وأما غيره من العلماء فالطلاق عندهم من السلطان أو انقضاء الأربعة الأشهر عند من اوقع الطلاق بانقضائها كالفيئة لما في الفيئة من الحنث بدليل قول الله عز وجل ‏(‏ فإن فاءو‏)‏ ‏[‏البقرة 226‏]‏‏.‏

أي رجعوا إلى الجماع الذي حلفوا عليه فحنثوا أنفسهم أو عزموا الطلاق فبرئوا فإذا وقع الطلاق لم يعد الإيلاء إلا بيمين أخرى لأن الحنث بالفيئة قد وقع ولا يحنث مرتين وكذلك قال بن عباس وجابر بن زيد وعطاء والحسن وإبراهيم والشعبي وقتادة وغيرهم من العلماء لا إيلاء إلا بيمين ولا يرون الممتنع من الوطء بلا يمين موليا والإيلاء مصدر أولى إيلاء وألية والألية اليمين وجمعها الآلاء قال كثير يمدح عمر بن عبد العزيز ‏(‏قليل الآلاء حافظ ليمينه وإن بدرت منه الألية برت وقد اختلف الفقهاء فيمن طلق ثلاثا بعد الإيلاء ثم تزوجها بعد زوج فقال مالك يكون موليا وهو قول حماد بن أبي سليمان وزفر‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يكون موليا وإن قربها كفر يمينه وهو قول الثوري‏.‏

وقال الشافعي في موضع إذا بانت المرأة ثم تزوجها كان موليا وفي موضع آخر لا يكون موليا واختاره المزني لأنها صارت في حال لو طلقها لم يقع طلاقه عليها وقال بن القاسم إذا آلى وهي صغيرة لم يجامع مثلها لم يكن موليا حتى تبلغ الوطء ثم يوقف بعد مضي أربعة أشهر منذ بلغت الوطء وهو قول بن القاسم ولم يروه عن مالك قال ولا يوقف الخصي وإنما يوقف من يقدر على الجماع‏.‏

وقال الشافعي إذا لم يبق للخصي ما ينال به من المرأة ما يناله الصحيح بمغيب الحشفة فهو كالمجبوب فاء بلسانه ولا شيء عليه غيره لأنه ممن لا يجامع مثله وقال في موضع آخر لا إيلاء على مجبوب واختاره المزني‏.‏

وأما اختلافهم في المولي العاجز عن الجماع فقد مضى قول مالك ومذهبه في ذلك وقال في المسافر إذا طالبته امرأته كتب موضعه فيوقف ليفيء أو ليطلق أو يطلق عليه‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا آلى وهو مريض أو بينها وبينه مسيرة أربعة أشهر أو كانت رتقاء أو صغيرة ففيه الرضا بالقول إذا دام به العذر حتى تمضي المدة فإن قدر في المدة على الجماع لزمه الجماع قالوا ولو كان أحدهما محرما بالحج وبينه وبين وقت الحج أربعة أشهر لم يكن فيؤه إلا بالجماع وكذلك المحبوس وقال زفر فيؤه بالقول وقال الثوري في رواية الأشجعي عنه إذا كان للمولي عذر من مرض أو كبر أو حبس أو كانت حائضا أو نفساء فليفيء بلسانه يقول قد فئت ويجزئه ذلك وهو قول الحسن بن حي وقال الأوزاعي إذا آلى من امرأته ثم مرض أو سافر فأشهد على الفيء من غير جماع وكان لا يقدر على الجماع وقد فاء فليكفر عن يمينه وهي امرأته وكذلك إن ولدت في الأربعة الأشهر أو حاضت أو طرده السلطان فإنه يشهد على الفيء ولا إيلاء عليه وقال الليث بن سعد إذا مرض بعد الإيلاء ثم مضت أربعة أشهر فإنه يوقف كما يوقف الصحيح فإما فاء وإما طلق ولا يؤخر إلى أن يصح وقال المزني عن الشافعي إذا آلى المجبوب ففيؤه باللسان قال وقال في كتاب الإيلاء لا إيلاء على مجبوب قال ولو كانت صبية فآلى منها استأنف لها أربعة أشهر بعد ما تصير في حال يمكن جماعها قال ولو أحرم بالحج لم يكن فيؤه إلا بالجماع فإن وطىء فسد حجه قالوا ولو آلى وهي بكر فقال لا أقدر على افتضاضها أجل أجل العنين قال وإذا كان ممن لا يقدر على الجماع وفاء بلسانه ثم قدر وقف حتى يفيء أو يطلق قال وإذا كانت حائضا أو محرمة لم يلزمه الفيء حتى تحل إصابتها وقال في موضع آخر إذا حبس استأنف أربعة أشهر وإن كان بينهما مسيرة أربعة أشهر فطالبه الوكيل فاء بلسانه وسار إليها كيف أمكنه وإلا طلقت عليه قال أبو عمر لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن قول الله تعالى ‏(‏فإن فاءو‏)‏ ‏[‏البقرة 226‏]‏‏.‏

هو الجماع لمن قدر عليه فصار بإجماعهم على ذلك من المحكم واختلفوا في معنى قوله - عز وجل ‏(‏وإن عزموا الطلق فإن الله سميع عليم‏)‏ ‏[‏البقرة 227‏]‏‏.‏

وعلى حسب اختلافهم الذي ذكرنا عنهم جاءت فروع مذاهبهم على ما وصفنا وجمهور العلماء على أن المولي إذا فاء بالوطء وحنث نفسه فعليه الكفارة إلا رواية عن إبراهيم والحسن أنه لا كفارة عليه إذا فاء لأن الله - عز وجل - قد غفر له ورحمه وهذا مذهب في الأيمان لبعض التابعين في كل من حلف على بر أو تقوى أو باب من أبواب الخير ألا يفعله فإنه يفعله ولا كفارة عليه وهو مذهب ضعيف ترده السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم على من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه فلم يسقط عنه - بإتيانه الخير - ما لزمته من الكفارة قال مالك في الرجل يولي من امرأته ثم يطلقها فتنقضي الأربعة الأشهر قبل انقضاء عدة الطلاق قال هما تطليقتان إن هو وقف ولم يفيء وإن مضت عدة الطلاق قبل الأربعة الأشهر فليس الإيلاء بطلاق وذلك أن الأربعة الأشهر التي كانت توقف بعدها مضت وليست له يومئذ بامرأة قال أبو عمر وأنه طلق بعد الإيلاء طلاقا رجعيا فطالبته امرأته بعد انقضاء الأشهر بحقها في الجماع فأوقف لها بابا أن يفيء إلى جماعها مراجعتها فطلق عليه الحاكم طلقة أخرى فصارتا تطليقتين ولو انقضت العدة قبل أمر التوقيف لم يكن هناك توقيف لأنها ليست بزوجة عند انقضاء العدة وإذا لم يكن توقيف لم يكن طلاق غير الطلاق الأول وهذه المسألة بناها على أصله المتقدم ليس فيها جواب أخبره فيما علمت والله أعلم ويجيء على أصل الشافعي وكل من قال يوقف المؤلي بعد الأربعة الأشهر ما قاله مالك وبالله التوفيق قال مالك ومن حلف أن لا يطأ امرأته يوما أو شهرا ثم مكث حتى ينقضي أكثر من الأربعة الأشهر فلا يكون ذلك إيلاء وإنما يوقف في الإيلاء من حلف على اكثر من الأربعة الأشهر فأما من حلف أن لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو أدنى من ذلك فلا أرى عليه إيلاء لأنه إذا دخل الأجل الذي يوقف عنده خرج من يمينه ولم يكن عليه وقف قال أبو عمر قد اختلف العلماء - رحمهم الله - في هذه المسألة فقال بن أبي ليلى وبن أبي شبرمة والحسن بن حي إن حلف ألا يقرب امرأته يوما أو أقل أو أكثر من المدة ثم ذكرها دون أن يطأها أربعة اشهر بانت منه بالإيلاء وهو قول إبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان والحسن وبن سيرين وروي معنى ذلك عن عبد الله بن مسعود وبه قال إسحاق وبه قال أكثر أهل العلم لا يكون من حلف على أقل من أربعة أشهر موليا وممن روي ذلك عنه بن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والثوري والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وأبو عبيد واختلف هؤلاء على أربعة أشهر لا مزيد فقال مالك والشافعي لا يكون موليا حتى يحلف على أربعة أشهر وبه قال أحمد وأبو ثور والثوري وأصحابه الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعدا وهو قول عطاء وعثمان البتي قال أبو عمر جعل الله تعالى للمؤلي تربص أربعة أشهر فهي له بكمالها لا اعتراض لزوجته عليه فيها كما أن الدين المؤجل لا يستحق صاحبه المطالبة إلا بعد استيفاء الأجل فإذا انقضت الأربعة الأشهر وهي أجل الإيلاء كانت للمرأة المطالبة بحقها من الجماع عند السلطان فيوقف زوجها فإن فاء جامعها وكفر يمينه فهي امرأته وإلا طلق عليه هذا مذهب مالك والشافعي وهو الصواب - إن شاء الله تعالى في هذا الباب قياسا على أجل العنين‏.‏

وأما الكوفيون فيقولون إن الله - عز وجل 0 جعل التربص في الإيلاء أربعة أشهر كما جعل في عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا وفي عدة الطلاق ثلاثة قروء فلا تربص بعدها قالوا فيجب بعد المدة سقوط الإيلاء ولا يسقط إلا بالفيء وهو الجماع في داخل المدة أو الطلاق وعزيمته انقضاء الأربعة الأشهر وروى وكيع عن شعبة عن الحكم عن مقسم عن بن عباس قال عزيمة الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر والفيء الجماع قال مالك من تظاهر من امرأته يوما فهو مظاهر أبدا ولا يسقط عنه الظهار بمضي اليوم وهو قول بن أبي ليلى والليث والحسن بن حي‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي اليوم بطل الظهار بمضي اليوم قال أبو عمر جعله أبو حنيفة والشافعي كاليمين تنقضي بانقضاء المدة وجعله مالك كالطلاق وقد اجمعوا عليه إذا قال لزوجته أنت طالق اليوم أنها طالق أبدا حتى يراجعها إن كانت له رجعة قال مالك من حلف لامرأته أن لا يطأها حتى تفطم ولدها فإن ذلك لا يكون إيلاء وقد بلغني أن علي بن أبي طالب سئل عن ذلك فلم يره إيلاء قال أبو عمر ذكر عبد الرزاق عن معمر أنه بلغه ذلك عن علي بن أبي طالب قال‏.‏

وأخبرنا بن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن سعيد بن جبير أخبره قال بلغني أن علي بن أبي طالب قال له رجل حلفت ألا أمس امرأتي سنتين فأمره فاعتزلها فقال له الرجل إنما ذلك من أجل أنها ترضع فخلى بينه وبينها قال أبو عمر هذا ليس بمضار لأنه أراد إصلاح ولده وقد هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينهي عن الغيلة لما علم أن العرب تعتقد أنه فساد للولد ثم تركها توكلا على الله تعالى إذ بلغه أن فارس والروم يفعلون ذلك فلا يضر أولادهم ومعلوم أن من سبق إلى نفسه مثل ذلك وقصد انتفاع ولده وصلاحه وأنه ليس بمضار لزوجته والغيلة وطء الرجل امرأته في حال الرضاع واختلف الفقهاء في هذه المسألة فقال مالك من قال لامرأته والله لا أقربك حتى تعطي ولدك لم يكن مؤليا لأن هذا ليس على وجه الضرر وإنما أراد إصلاح ولده وهو قول الأوزاعي وبه قال أبو عبيد‏.‏

وقال الشافعي من قال لا أقربك حتى تفطمي ولدك فإن مضت أربعة أشهر قبل أن يكون شيء مما حلف عليه كان مؤليا وقال في موضع آخر لا يكون مؤليا لأنها قد تفطمه قبل الأربعة الأشهر إلا أن يريد أكثر من أربعة أشهر واختاره المزني‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن بقي بينه وبين مدة الفطام أربعة أشهر فهو مؤول‏.‏

باب إيلاء العبد

1136- مالك أنه سأل بن شهاب عن إيلاء العبد فقال هو نحو إيلاء الحر وهو عليه واجب وإيلاء العبد شهران قال أبو عمر اختلف العلماء في مدة إيلاء العبيد هل هو شهران أم أربعة وهل إيلاؤه متعلق به أو بامرأته على حسب اختلافهم في طلاق العبيد هل يعتبر به أو بامرأته فقال مالك يقول بن شهاب في ذلك إيلاؤه شهران على النصف من إيلاء الحر أربعة أشهر - قياسا على حدوده وطلاقه وهو قول عطاء بن أبي رباح وبه قال إسحاق‏.‏

وقال الشافعي إيلاؤه مثل إيلاء الحر أربعة أشهر - قياسا على إجماعهم في أن الحر والعبد فيما يلزمهما من الأيمان سواء في الحنث وقياسا على صلاتهما وصيامهما وقياسا على أجل العنين فإن أجل الحر والعبد عندهم فيه سواء لعموم قوله - عز وجل ‏(‏للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر‏)‏ ‏[‏البقرة 226‏]‏‏.‏

وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود وهؤلاء كلهم يقولون إن الطلاق بالرجال والعدة بالنساء‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كانت الزوجة مملوكة فإيلاؤها شهران من الحر والعبد فإذا كانت حرة فأربعة أشهر من الحر ومن العبد ولا اعتبار بالزوج لأن الطلاق عندهم والعدة جميعا بالنساء وهو قول الحسن وإبراهيم والحكم وحماد والشعبي والضحاك وكل هؤلاء يقولون الطلاق بالنساء يعتبر لا بالرجال واختلفوا في زوال الرق بعد الإيلاء فقال مالك إذا آلى وهو عبد ثم عتق لم تتغير مدة الإيلاء‏.‏

وقال أبو حنيفة إذا أعتقت قبل انقضاء شهرين صارت مدتها أربعة أشهر واختلفوا في إيلاء العبد بالعتق فقال مالك يكون مؤليا لأنه لو حنث من أعتق لزمه اليمين‏.‏

وقال أبو حنيفة إذا حلف بالعتق أو بالصدقة مال نفسه لم يكن موليا ولو حلف بحج أو صيام أو طلاق كان مؤليا والله أعلم‏.‏

باب ظهار الحر

1137- مالك عن سعيد بن عمرو بن سليم الزرقي أنه سأل القاسم بن محمد عن رجل طلق امرأة إن هو تزوجها فقال القاسم بن محمد إن رجلا جعلا امرأة عليه كظهر أمه إن هو تزوجها فأمره عمر بن الخطاب إن هو تزوجها أن لا يقربها حتى يكفر كفارة المتظاهر‏.‏

1138- مالك أنه بلغه أن رجلا سأل القاسم بن محمد وسليمان بن يسار عن رجل تظاهر من امرأته قبل أن ينكحها فقالا إن نكحها فلا يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر قال أبو عمر أما الطلاق قبل النكاح فيمن طلق امرأته قبل أن يتزوجها إن تزوجها وله باب من هذا الكتاب يأتي القول فيه وما للعلماء في ذلك هناك - إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما الظهار فاختلافهم فيه على غير اختلافهم في الطلاق لأن جماعة لم يلزموه الطلاق قبل النكاح وألزموه الكفارة في الظهار إن قال لامرأته أنت مني كظهر أمي إن نكحتك ثم نكحها قالوا لا يقربها حتى يكفر وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وهو ممن يقول في الطلاق إنه لا يلزمه ذلك وهو قول الحسن وعطاء وعروة وبن شهاب والقاسم بن محمد ومالك والأوزاعي والثوري في رواية من قال لامرأته إن نكحتك فأنت علي كظهر أمي ثم نكحها فعليه كفارة الظهار قبل أن يمسها وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقال آخرون الظهار والطلاق في ذلك سواء ولا يقع طلاق ولا ظهار إلا في زوجة قد تقدم نكاحها هذا قول بن عباس وبه قال الثوري في رواية والشافعي وأبو ثور وداود وهو قول بن أبي ذئب وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن البصري وذكره سنيد قال أخبرني حجاج عن بن جريج عن عثمان بن عمارة عن سعيد بن المسيب قال لا ظهار إلا من بعد ما يملك قال‏.‏

وحدثني حجاج عن سعيد بن بشير عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن قالا لا ظهار إلا مما يملك وقال بن أبي ليلى والحسن بن حي إن قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي لم يلزمه شيء وإن قال إن نكحت فلانة فهي علي كظهر أمي أو سمى قرية أو قبيلة لزمه الظهار‏.‏

وقال مالك فيمن قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي لزمه الطلاق فرق بين الطلاق والظهار وقد روي عن الثوري أنه يلزمه الظهار وهو قول أبي حنيفة وأصحابه في المعينة وهو كقوله كل امرأة وقال الثوري فيمن قال إن تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي والله لا أقربك أربعة أشهر فما زاد ثم تزوجها وقع الطلاق وسقط الظهار والإيلاء لأنه بدأ بالطلاق قال أبو عمر يهدم الطلاق المتقدم الظهار إن كان الطلاق باتا وإن كان الطلاق رجعيا هدمه أيضا ما لم يراجع فإن راجع لم يطأ حتى يكفر كفارة المتظاهر وهذا معنى قد ذكرناه مكررا‏.‏

1139- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في رجل تظاهر من أربعة نسوة له بكلمة واحدة أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة‏.‏

1140- مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مثل ذلك قال مالك وعلى ذلك الأمر عندنا قال أبو عمر قول عروة وربيعة في هذا هو قول مالك وأصحابه وبه قال أحمد وإسحاق إذا كان الظهار من أربعة نسوة بكلمة واحدة‏.‏

وقال الشافعي إذا ظاهر بكلمة واحدة من أربع نسوة فعليه لكل واحدة كفارة كما لو ظاهر من كل واحدة بكلمة وهو قول الأوزاعي وبن أبي ذئب والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وعثمان البتي قال أبو عمر جعله مالك كالإيلاء إذا حنث في واحدة فقد حنث فيهن ويجزئه كفارة واحدة والمخالف يقول قد ظاهر من كل واحدة منهن فلا يجوز له وطؤها حتى يكفر عنها كالطلاق عند الجميع والحرام عند مالك ومن تابعه وقد احتج مالك لمذهبه بعموم قول الله - عز وجل وظاهره في قوله تعالى ‏(‏والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا‏)‏ الآية ‏[‏المجادلة 3‏]‏‏.‏

يعني - ولم يقل فتحرير رقبات فجعل كفارة المتظاهر تحرير رقبة ولم يخص واحدة من أربع قال مالك في الرجل يتظاهر من امرأته في مجالس متفرقة قال ليس عليه إلا كفارة واحدة فإن تظاهر ثم كفر ثم تظاهر بعد أن يكفر فعليه الكفارة أيضا قال أبو عمر قول الأوزاعي في هذه المسألة كقول مالك سواء وبه قال أحمد وإسحاق قال إذا ظاهر من امرأته في مجالس متفرقة فعليه كفارة واحدة ما لم يكفر‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما عليه لكل ظهار كفارة‏.‏

وقال أبو حنيفة إذا تظاهر مرتين ولم يكن له نية فظهاران ويمينان إلا أن يكون في مجلس واحد وأراد التكرار فيكون عليه كفارة واحدة‏.‏

وقال الشافعي إذا ظاهر مرتين أو ثلاثا فهو مظاهر وعليه في كل واحدة كفارة وسواء كفر أو لم يكن كفر وهذا إذا أراد بكل واحدة ظهارا غير الآخر فإن ظاهر منها مرارا متتابعا وقال أردت ظهارا واحدا فهو واحد وقال محمد بن الحسن إذا ظاهر من امرأته في مقاعد شتى فعليه كفارات وإن تظاهر منها في مقعد واحد وردد فكفارة واحدة وقال يحيى بن سعيد الأنصاري في رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرات في مجلس واحد في أمور مختلفة بأنه يجب عليه ثلاث كفارات وقال ربيعة إن ظاهر من امرأته ثلاثا في مجالس شتى في أمور شتى كفر عنهن جميعا وإن تظاهر منها ثلاثا في مجلس واحد في أمر واحد فكفارة واحدة وروى بن نافع عن مالك فيمن قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي أنه تجزئه كفارة واحدة عن جميع النساء وبه قال بن القاسم وقال بن نافع لكل امرأة يتزوجها كفارة وروي فيمن ظاهر مرارا كفارة واحدة عن علي - رضوان الله عليه وعن عطاء وجابر بن زيد والشعبي وطاوس والزهري وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود قال مالك ومن تظاهر من امرأته ثم مسها قبل أن يكفر ليس عليه إلا كفارة واحدة ويكف عنها حتى يكفر وليستغفر الله قال مالك وذلك أحسن ما سمعت قال أبو عمر هذا يدل على أنه قد سمع الاختلاف في ذلك وهو أن عمرو بن العاص وقبيصة بن ذؤيب وسعيد بن جبير وبن شهاب وقتادة قالوا في الظهار يطأ قبل أن يكفر كفارتين وقال الأثر السلف وجماعة الأمصار ليس عليه إلا كفارة واحدة وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد وبه قال الليث ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وداود والطبري وهي السنة الواردة في سلمة بن صخر البياضي حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا معلى قال حدثنا يحيى بن حمزة عن إسحاق بن أبي فروة عن بكير بن الإشج عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر أنه ظاهر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقع بامرأته قبل أن يكفر فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأمره أن يكفر تكفيرا واحدا‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال‏.‏

وأخبرنا بن لهيعة وعمر بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر فذكر معناه بأتم من ما مضى‏.‏

وحدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن نمير قال حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر عن البياضي عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه ومعمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن سلمة بن صخر الأنصاري أنه ظاهر على امرأته وواقع عليها قبل أن يكفر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة واحدة قال أبو عمر أوجب الله - عز وجل - الكفارة على من تظاهر من امرأته بالظهار والعود جميعا وجعل وقت أداء وقت الكفارة قبل المسيس لا وقت وجوبها كما إن الصلاة تجب في وقت فإذا ذهب الوقت أداها بعد الوقت لأنها فرض وكان عاصيا من تركها حتى يخرج وقتها وكذلك المظاهر عصى ربه إذا كان مظاهرا إذا كان عالما بتحريم وطء امرأته قبل الكفارة وفرجها عليه محرم كما كان حتى يكفر وليس له أن يعود إلى وطئها حتى يكفر لقول الله - عز وجل ‏(‏من قبل أن يتماسا‏)‏ ‏[‏المجادلة 3‏]‏‏.‏

واختلفوا في مباشرة المظاهر لامرأته التي ظاهر منها ما دون الجماع فقال الثوري لا بأس أن يقبل ويباشر ويأتيها في غير الفرج لأنه إنما عني بالمسيس ها هنا الجماع وهو قول الحسن وعطاء وعمرو بن دينار وقتادة كلهم يقولون في قوله تعالى ‏(‏من قبل أن يتماسا‏)‏ ‏[‏المجادلة 3‏]‏‏.‏

قالوا الجماع وهو قول أصحاب الشافعي وقد روي عنه أنه قال أحب إلى أن يمتنع من القبلة والتلذذ احتياطا‏.‏

وقال أحمد وإسحاق لا بأس أن يقبل ويباشر‏.‏

وقال مالك ولا يباشر في ليل ولا نهار حتى يكفر وكذلك في صيام الشهرين قال مالك ولا ينظر إلى شعرها ولا إلى صدرها حتى يكفر لأن ذلك لا يدعوه إلى خير وقال الأوزاعي يأتي منها ما فوق الإزار كما يأتي الحائض وروي عن الزهري مثل قول مالك ولا يقبل ولا يباشر ولا يتلذذ منها بشيء وهو قول الليث وعن الزهري أيضا من قوله ‏(‏من قبل أن يتماسا‏)‏ قال الوقاع‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يقرب المظاهر امرأته ولا يلمس ولا يقبل ولا ينظر إلى فرجها لشهوة حتى يكفر قال مالك والظهار من ذوات المحارم من الرضاعة والنسب سواء قال أبو عمر لم يختلف مالك وأصحابه في أن الظهار واقع بكل ذات محرم من الرضاع ونسب قياسا على الأم واختلفوا في الأجنبية فروى بن القاسم عن مالك أن من ظاهر من امرأته بأجنبية فهو مظاهر وروى عنه غيره أنه طلاق وقال بن الماجشون لا يكون ظهارا إلا بذوات المحارم وقال عثمان البتي يصح الظهار بالأجنبية كما يصح بذات المحرم وقال الثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو حنيفة وأصحابه من قال لامرأته أنت مني كظهر أختي أو ذات محرم منه وكل امرأة لا تحل له أبدا فهو مظاهر وإن قال كظهر فلانة غير ذات محرم لم يكن مظاهرا وعن الشافعي روايتان وقولان أحدهما أن الظهار لا يصح إلا بالأم وحدها وهو قول داود والآخر أنه يصح بذوات المحارم من النسب والرضاع حكاهما جميعا عنه الزعفراني وقال عنه المزني تقوم المحرمة من نسب أو رضاع مقام الأم قال المزني وحفظي أنا وغيري عنه لا يكون مظاهرا بمن كان حلالا له في حال ثم حرم كالأخت من الرضاع وكنساء الآباء وحلائل الأبناء‏.‏

وقال أحمد وإسحاق الظهار بكل ذات محرم قال إسحاق النسب والرضاع في ذلك واحد‏.‏

وقال أحمد أجبر على الرضاعة قال مالك وليس على النساء ظهار قال أبو عمر هذا قول جمهور العلماء قال بن شهاب وربيعة وأبو الزناد ليس على النساء ظهار وروى معمر عن الزهري في امرأة قالت لزوجها أنت علي كظهر أمي قال قالت منكرا من القول وزورا أرى أن تكفر كفارة الظهار ولا يحول قولها هذا بينها وبين زوجها أن يصيبها وروى بن جريج عن عطاء قال حرمت ما أحل الله عليها كفارة يمين وهو قول أبي يوسف وقال محمد بن الحسن لا شيء عليها وقال الحسن بن زياد هي مظاهرة‏.‏

وقال أبو حنيفة ومحمد ليس ظهار المرأة من الرجل بشيء قبل النكاح كان أو بعده‏.‏

وقال الشافعي لا ظهار للمرأة من الرجل وقال الأوزاعي إذا قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أمي فلانة فهي يمين تكفرها قال وكذلك لو قال لها زوجها أنت علي كظهر فلان رجل فهي يمين يكفرها وقال الأوزاعي لو قالت يوم أتزوج فلانا فهو علي كظهر أمي قال إن ناسا ليقولون وقع عليها الظهار إن تزوجته لزمها الكفارة وكذلك قال بن أبي ذئب إن تزوجت فعليها الكفارة وقال إسحاق لا تكون امرأة مظاهرة من رجل ولكن عليها يمين تكفرها وروى الثوري وغيره عن مغيرة عن إبراهيم قال خطب مصعب بن الزبير عائشة بنت طلحة فقالت هو علي كظهر أمي إن تزوجته فلما ولي العراق خطبها فأرسلت والفقهاء بالمدينة كثير فسألت فأفتوها أن تعتق رقبة وتتزوجه فأعتقت غلاما لها من ألفين وتزوجته وقد روي هذا الخبر عن بن سيرين عن الشعبي وغيرهما وقال بعضهم فيه سألوا بعض أصحاب بن مسعود فقالوا تكفر قال مالك في قول الله تبارك وتعالى ‏(‏والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا‏)‏ ‏[‏المجادلة 3‏]‏‏.‏

قال سمعت أن تفسير ذلك أن يتظاهر الرجل من امرأته ثم يجمع على إمساكها وإصابتها فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه قال مالك فإن تزوجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر قال أبو عمر اختلف العلماء في معنى قول الله تعالى ‏(‏ثم يعودون لما قالوا‏)‏ ‏[‏المجادلة 3‏]‏‏.‏

فقالوا في معنى العودة أقوالا منها قول مالك إنه الإجماع على الإمساك والإصابة هذا قوله في ‏(‏‏(‏موطئه‏)‏‏)‏ وغيره وقال بن القاسم في ‏(‏‏(‏المدونة‏)‏‏)‏ إنما تجب عليه كفارة الظهار بالوطء فإذا وطىء فقد وجبت عليه الكفارة وما لم يطأ فهي غير واجبة إن طلقها أو مات أو ماتت وهذا إنما هو من قوله فيمن ظاهر ثم طلق أو ماتت أنه لا كفارة عليه إلا أن يكون وطئها‏.‏

وقال مالك في الرجل يقول للمرأة إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي ثم يتزوجها فيموت أو يطلقها أنه لا كفارة عليه ولا شيء قال أبو عمر معلوم أنه إذا تزوجها وقد كان ظاهر منها إن تزوجها أنه قد أجمع على إصابتها فكيف لا تجب عليه الكفارة وقد خالفه بن نافع فأوجب عليه الكفارة في ذلك وهذا أصل قول مالك‏.‏

وأما قول بن القاسم إن الكفارة لا تجب إذا مات أو ماتت فقول صحيح أيضا أنه إذا مات أو ماتت كانت إرادة الوطء كلا إرادة لما وقع فيها من الامتناع والاختلاف بين بن القاسم وما رواه أشهب إنما هو في وجوب الكفارة إن ماتت أو مات بعد أن عزم على إمساكها وكذلك إن طلقها وذكر بن نافع عن مالك ما في ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ ثم قال بن نافع الكفارة واجبة عليه أيضا إذا أجمع على إمساكها طلق أم لم يطلق وقد روي عن طاوس ومجاهد وأبي بكر بن حزم مثل قول بن القاسم أن العود بالوطء ومعناه إرادة الوطء كما قلنا -والله أعلم- لقوله في الكفارة ‏(‏من قبل أن يتماسا‏)‏ وهو الجماع‏.‏

وقال الشافعي أحسن ما سمعت في قول الله تعالى ‏(‏ثم يعودون لما قالوا‏)‏ ‏[‏المجادلة 3‏]‏‏.‏

أن يعود لما حرم الله منها فيمسكه فيكون إحلال ما حرم وذلك بأن لا يطلقها فإن أمسكها ساعة يمكنه فيها طلاقها فلم يفعل بعد أن ظاهر منها فقد عاد لما قال ووجبت عليه الكفارة ماتت أو مات وقال الثوري إذا ظاهر من امرأته لم تحل له إلا بعد الكفارة فإن طلقها ثم تزوجها لم يطأها حتى يكفر وقال يزيد بن هارون سمعت سفيان الثوري يقول في قول الله عز وجل ‏(‏ثم يعودون لما قالوا‏)‏ ‏[‏المجادلة 3‏]‏‏.‏

قال الجماع وقال معمر عن قتادة في قوله تعالى ‏(‏ثم يعودون لما قالوا‏)‏ ‏[‏المجادلة 3‏]‏‏.‏

قالوا يحرمها ثم يعود لوطئها‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد الظهار يوجب تحريما لا يرفعه إلا الكفارة ومعنى العود عندهم ألا يستبيح وطأها إلا بكفارة يقدمها وعن أبي حنيفة أن نفس القول هو العود أي عاد إلى القول الذي يقال في الجاهلية فجعله منكرا وزورا وقال غيره قوله وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف أنه لو وطئها ثم مات أحدهما لم تكن عليه كفارة ولا كفارة بعد الجماع وقال الحسن بن حي إن أجمع رأي المظاهر على أن يجامع امرأته فقد لزمته الكفارة وإن أراد تركها بعد ذلك لأن العود الإجماع على مجامعتها وقال عثمان البتي من ظاهر من امرأته ثم طلقها قبل أن يطأها فعليه الكفارة راجعها أو لم يراجعها وإن ماتت لم يصل إلى ميراثها حتى يكفر‏.‏

وقال أحمد بن حنبل في معنى العود في الظهار هو أنه إذا أراد أن يغشى كفر وقال يحيى بن زياد الفراء وداود بن علي وفرقة من أهل الكلام هو أن يعود إلى القول مرة أخرى فإن فعل ذلك لزمته الكفارة ولا يلزمه عندهم بقوله أنت علي كظهر أمي شيء حتى يعود فيقول ذلك مرة أخرى فإذا قال ذلك مرتين لزمته الكفارة وروي ذلك عن بكير بن الأشج وقد روي عن الفراء انه قال اللام في قوله تعالى ‏(‏ثم يعودون لما قالوا‏)‏ ‏[‏المجادلة 3‏]‏‏.‏

يعني ‏(‏‏(‏عن‏)‏‏)‏ والمعنى ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطء وقال الزجاج المعنى ثم يعاودون الجماع من أجل ما قالوا - يعني إلى إرادة الجماع قال أبو عمر الآثار المرفوعة كلها في ظهار أوس بن الصامت من امرأته - خولة التي فيها نزلت آية الظهار وحديث سلمة بن صخر وحديث بن عباس وأبي هريرة أن رجلا ظاهر من امرأته فوطئها وأمره النبي -عليه السلام- ألا يعود حتى يكفر ليس في شيء منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمظاهر هل قلت ذلك مرتين أو هل عدت لما قلت فقلته مرة أخرى ولو كان ذلك واجبا لم يكتمه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم واما قوله ‏(‏‏(‏وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكه‏)‏‏)‏ لآخر كلامه حتى يكفر كفارة المظاهر فإن الفقهاء اختلفوا فيمن ظاهر ثم أتبع ظهاره الطلاق فقول مالك ما ذكره في ‏(‏‏(‏موطئه‏)‏‏)‏ وذكرناه عنه ها هنا‏.‏

وقال الشافعي إذا ظاهر من امرأته ثم أتبعها الطلاق مكانه سقط الظهار عنه لأنه ليس بعائد فإن لم يفعل فإنه عائد والكفارة عليه وسواء طلقها بعد أو لم يطلق فإن كان طلاقه لها رجعيا وراجعها في العدة فعليه الكفارة فإن نكحها بعد العدة لم تكن عليه كفارة كما لو طلقها ثلاثا ثم نكحها بعد زوج لم تكن عليه كفارة وهو قول أحمد وإسحاق‏.‏

وقال مالك إن طلقها دون الثلاث ثم راجعها في العدة أو بعدها فعليه الكفارة وقد قاله الشافعي أيضا واختار المزني ما تقدم من قوله وقال عثمان البتي عليه الكفارة أبدا راجعها أو لم يراجعها تراخى طلاقه أو نسقه بالظهار وقال محمد بن الحسن الظهار راجع عليه إن نكحها بعد الثلاث وبعد الزوج قال أبو عمر أجمعوا أنه إن أفطر في الشهرين المتتابعين متعمدا بوطء أو بأكل أو بشرب من غير عذر استأنف صيامهما واختلفوا إذا وطىء ليلا في صيام الشهرين فعند الشافعي لا شيء عليه وعند الكوفي يستأنف صيامهما وهو قول مالك والليث وغيرهما واختلفوا فيه لو وطىء وقد أطعم ثلاثين مسكينا فقال الشافعي والكوفي يتم الإطعام كما لو وطىء قبل أن يطعم لم يكن عليه إلا طعام واحد‏.‏

وقال مالك والأوزاعي والليث يستأنف إطعام ستين مسكينا قال مالك في الرجل يتظاهر من أمته إنه إن أراد أن يصيبها فعليه كفارة الظهار قبل أن يطأها قال أبو عمر اختلف أهل العلم في الظهار من الأمة فقال منهم قائلون الظهار من الأمة لازم كالظهار من الحرة منهم ربيعة ومالك وبن أبي ذئب والثوري والحسن بن حي والأوزاعي والليث بن سعد وكذلك المدبرة وأم الولد وروي ذلك عن بن عباس وسعيد بن المسيب وعمرو بن دينار وقتادة ومجاهد وإبراهيم وسعيد بن جبير قال هي من النساء وسليمان بن يسار وبن شهاب وعكرمة والحكم‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما ليس الظهار من الأمة بشيء إلا أن تكون زوجة ولا يصح لأحد الظهار من أمة وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور وهو قول الشعبي فقد روى الشعبي عن رجل ظاهر من سريته قال ليس بمتظاهر قال الله تعالى ‏(‏والذين يظهرون من نسائهم‏)‏ ‏[‏المجادلة 3‏]‏‏.‏

وقال الأوزاعي إن كان يطأ امرأته فهو مظاهر وإن لم يكن يطأها فهو يمين يكفرها وروي عن الحسن إن كان يطأها فهو ظهار وإن لم يكن يطأها فليس بظهار وقال عطاء بن أبي رباح إذا ظاهر من أمته ليس عليه إلا نصف كفارة الحر قال أبو عمر حجة من أوقع الظهار من الأمة ظاهر قول الله عز وجل ‏(‏والذين يظهرون من نسائهم‏)‏ ‏[‏المجادلة 3‏]‏‏.‏والإماء من النساء بدليل قول الله عز وجل ‏(‏وأمهت نسائكم‏)‏ ‏[‏النساء 23‏]‏‏.‏

ولذلك حرمن لأنهن أمهات أزواج قبل الدخول ومن حجة من لم يوقع على الأمة ظهارا من سيدها أنه جعل قوله - عز وجل ‏(‏والذين يظهرون من نسائهم‏)‏ ‏[‏المجادلة 3‏]‏‏.‏

مثل قوله ‏(‏للذين يؤلون من نسائهم‏)‏ ‏[‏البقرة 226‏]‏‏.‏

وقد أجمعت الأمة أن ليس إيلاء الرجل من أمته بإيلاء وأنها يمين لا حكم لها إلا الكفارة كسائر الأيمان ولما لم يلحق الأمة طلاق ولا إيلاء ولا لعان فكذلك لا يلحقها ظهار ولما كانت اليمين تقع على كل شيء والظهار لا يقع على كل شيء كان في قسم ما يقع على الزوجات كالطلاق واللعان‏.‏ وأما احتجاجهم بظاهر قول الله عز وجل ‏(‏وأمهت نسائكم‏)‏ ‏[‏النساء 23‏]‏‏.‏

فإن النساء تحرم أمهاتهن بالعقد عليهن قبل الدخول وليس كذلك الإماء لأنهن لا تحرمن أمهاتهن إلا بالدخول قال مالك لا يدخل على الرجل إيلاء في تظاهره إلا أن يكون مضارا لا يريد أن يفيء من تظاهره قال أبو عمر روى بن القاسم في غير ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ عنه قال لا يدخل الإيلاء على الظهار إذا كان مضارا قال ومما يعلم به ضرورة أن يقدر على الكفارة فلا يكفر فإذا علم ذلك وقف فإما كفر وإما طلقت عليه امرأته‏.‏

وقال الشافعي من ظاهر من امرأته ثم تركها أكثر من أربعة أشهر فهو مظاهر ولا إيلاء عليه فإن الله عز وجل حكم في الظهار بغير حكم الإيلاء وسواء كان مضارا بترك الكفارة أو غير مضار وهو قول أبي حنيفة وأصحابه قالوا سواء كان يقدر على الكفارة أم لا وبه قال الأوزاعي والحسن بن حي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وكذلك روى الأشجعي عن الثوري أن الإيلاء لا يدخل على الظهار فتبين منه بانقضاء الأربعة الأشهر‏.‏

1141- مالك عن هشام بن عروة أنه سمع رجلا يسأل عروة بن الزبير عن رجل قال لامرأته كل امرأة أنكحها عليك ما عشت فهي علي كظهر أمي فقال عروة بن الزبير يجزيه عن ذلك عتق رقبة قال أبو عمر يلزمه الظهار عند مالك إذا تزوج وتجزئة كفارة واحدة عن جميع من تزوج وعند أبي حنيفة وأصحابه يلزمه الظهار وقد تقدمت هذه المسألة عنهم وعن غيرهم وعند بن أبي ليلى والشافعي لا يكون مظاهرا قال أبو عمر وقد مضى في مسألة من تظاهر من أربعة نسوة بكلمة واحدة مثله ومن تظاهر في مجالس مفترقة ما يغني عن إعادته هنا والباب واحد وبالله التوفيق‏.‏