فصل: باب افتتاح الصلاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب النداء في السفر وعلى غير وضوء

132- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح فقال ألا صلوا في الرحال ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول ‏(‏‏(‏ألا صلوا في الرحال‏)‏‏)‏ هكذا عن يحيى في ترجمة هذا الباب وعلى غير وضوء ولم يتابعه أحد على هذه الزيادة من رواة الموطأ فيما علمت ولا في غير هذا الباب ما يدل على ذلك أيضا ولو كان في مكان قوله وعلى غير وضوء والأذان راكبا - كان صوابا لأنها مسألة في الباب مذكورة وليس في حديث مالك هذا أنه كان في السفر ولكنه قيده بترجمة الباب وقد روي أن ذلك في السفر من وجوه ذكرتها في التمهيد وفي هذا الحديث من الفقه الأذان في السفر وقد اختلف الفقهاء في ذلك فروى بن القاسم عن مالك أن الأذان إنما هو في المصر للجماعات في المساجد وروى أشهب عن مالك إن ترك الأذان مسافر عمدا أعاد الصلاة وذكره الطبري قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى عن أشهب عن مالك‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه أما المسافر فيصلي بأذان وإقامة ويكره أن يصلي بغير أذان ولا إقامة قالوا‏.‏

وأما المصر فيستحب للرجل إذا صلى وحده أن يؤذن ويقيم فإن استجزأ بأذان الناس وإقامتهم أجزأه وقال الثوري تجزئك الإقامة من الأذان في السفر وإن شئت أذنت وأقمت‏.‏

وقال أحمد بن حنبل يؤذن المسافر على حديث مالك بن الحويرث وقال داود الأذان واجب على كل مسافر في خاصته والإقامة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث ولصاحبه ‏(‏‏(‏إذا كنتما في سفر فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما‏)‏‏)‏ وهو قول أهل الظاهر واتفق الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري على أن المسافر إن ترك الأذان عامدا أو ناسيا أجزأته صلاته وكذلك لو ترك الإقامة عندهم - وهم أشد كراهية لتركه الإقامة واحتج الشافعي أن الأذان غير واجب فرضا من فروض الصلاة بسقوط أذان الواحد عند الجميع بعرفة والمزدلفة وقد أوضحنا هذا المعنى في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ بالآثار ووجوه الأقوال وتحصيل مذهب مالك في الأذان في السفر كالشافعي سواء وفيه أيضا من الفقه الرخصة في التخلف عن الجماعة في الليلة المطيرة والريح الشديدة وفي معنى ذلك كل عذر مانع وأمر مؤذ وإذا جاز التخلف عن الجماعة للعشاء والبول والغائط - فالتخلف عنها لمثل هذا أحرى والسفر عندي والحضر في ذلك سواء لأن السفر إن دخل بالنص دخل الحضر بالمعنى لأن العلة من المطر والأذى قائمة فيهما واستدل قوم على أن الكلام في الأذان جائز بهذا الحديث إذا كان مما لا بد منه وذكرنا حديث الثقفي أنه سمع منادي النبي -عليه السلام- في ليلة مطيرة في السفر يقول إذا قال حي على الفلاح ألا صلوا في الرحال وقد ذكرنا الخبر بإسناده من طرق في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ واختلف العلماء في كراهية الكلام في الأذان وإجازته فكان مالك يكره الكلام في الأذان روى ذلك عنه جماعة من أصحابه وقال لم أعلم أحدا يقتدى به تكلم في أذانه وكره رد السلام في الأذان لئلا يشتغل المؤذن بغير ما هو فيه وكذلك لا يشمت عاطسا فإن فعل شيئا من ذلك وتكلم في أذانه فقد أساء ويبني على أذانه ولا شيء عليه وقول الشافعي وأبي حنيفة والثوري في ذلك نحو قول مالك قالوا لا يتكلم المؤذن في أذانه ولا إقامته وإن تكلم مضى ويجزئه وهو قول إسحاق وروي عن الشعبي والنخعي وبن سيرين كراهة الكلام في الأذان ولم أجد عن أحد من العلماء فيما علمت - إعادة الأذان وابتداءه لمن تكلم فيه إلا عن بن شهاب بإسناد فيه ضعف ورخصت طائفة من العلماء في الكلام في الأذان منهم الحسن وعروة وعطاء وقتادة وإليه ذهب أحمد بن حنبل وروي عن سليمان بن صرد أنه كان يأمر غلامه بالحاجة في أذانه وروى الوليد بن مزيد عن الأوزاعي قال لا بأس برد السلام في أذانه ولا يرد في الإقامة قال الأوزاعي ما سمعت أن مؤذنا قط أعاد أذانه وقد زدنا في التمهيد هذا الحديث بيانا والحمد لله‏.‏

133- وأما حديث مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يزيد على الإقامة في السفر إلا في الصبح فإنه كان ينادي فيها ويقيم وكان يقول إنما الأذان للإمام الذي يجتمع الناس إليه فيدل على ما قد مضى في الباب قبل هذا من مذهب من قال الأذان غير واجب في السفر لكنه سنة حسنة فمن شاء فعل ومن شاء ترك‏.‏

134- ومثله حديثه عن هشام بن عروة أن أباه قال له إذا كنت في سفر فإن شئت أن تؤذن وتقيم فعلت وإن شئت فأقم ولا تؤذن وذلك نحو رواية بن القاسم عن مالك أن الأذان إنما يجب في الحضر عند الجماعات والحجة له أن المسافر قد سقطت عنه الجمعة فكذلك الجماعة ولا معنى للتأذين إلا ليجتمع الناس وحجة من قال إن المكتوبات تقام بأذان وإقامة في الحضر والسفر إجماع المسلمين على الأذان لها في الأمصار وأن ذلك من سنتها فلا تسقط تلك السنة في السفر إذ لم يجمعوا على سقوطها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن له في السفر والحضر ويأمر بذلك وقد أجمعوا على أنه جائز للمسافر الأذان وأنه محمود عليه مأجور فيه فدل على أن ذلك ليس كما قال من زعم أنه لا معنى له إلا ليجتمع الناس وأن لذلك فضلا كثيرا‏.‏

135- ألا ترى إلى ما رواه مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك وعن شماله ملك فإذا أذن وأقام الصلاة أو أقام صلى وراءه من الملائكة أمثال الجبال وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال قال علي - رضي الله عنه - أيما رجل خرج إلى أرض فحضرت الصلاة فليتخير أطيب البقاع وأنظفها فإن كل بقعة يجب أن يذكر الله فيها فإن شاء أذن وأقام وإن شاء أقام وصلى قال أبو بكر حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان عن سلمان قال من كان بأرض فلاة فتوضأ ونادى بالصلاة ثم أقام وصلى صلى خلفه من جنود الله وخلقه ما لا يرى طرفاه وقال سعد بن أبي وقاص لأن أقوى على الأذان أحب إلي من أن أحج وأعتمر وأجاهد وعن زاذان أنه قال لو يعلم الناس ما في الأذان لاضطربوا عليه بالسيوف وقد مضى في فضل الأذان ما فيه كفاية‏.‏

136- وأما حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه قال ‏(‏‏(‏إذا كنت في سفر فإن شئت أن تؤذن وتقيم فعلت وإن شئت أن تقيم ولا تؤذن‏)‏‏)‏ فقد خير فيه عروة من استفتاه وكان يختار لنفسه أن يؤذن ويقيم ذكره بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه وذلك لفضل الأذان عنده في السفر والحضر والله أعلم‏.‏

وأما قول مالك في هذا الباب لا بأس أن يؤذن الرجل وهو راكب فلا أعلم فيه خلافا للمسافر ومن كرهه للمقيم لم ير عليه إعادة الأذان ذكر أبو بكر حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا عبيد الله عن نافع عن بن عمر أنه كان يؤذن على البعير وينزل فيقيم وروى أشعث عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يؤذن الرجل ويقيم على راحلته ثم ينزل فيصلي وروى العمري عن عبد الرحمن بن المجبر قال رأيت سالما يقوم على غرز الرحل فيؤذن وروى وكيع عن محمد بن علي السلمي قال رأيت ربعي بن خراش يؤذن على برذون ذكر أبو بكر قال حدثنا حفص عن حجاج عن أبي إسحاق قال كانوا يكرهون أن يؤذن الرجل وهو قاعد وروى بن جريج عن عطاء أنه كره أن يؤذن قاعدا إلا من علة أو ضرورة‏.‏

وأما الإقامة راكبا فقد أجازها قوم وكرهها آخرون روى بن وهب عن مالك أنه سئل عن الإقامة على الدواب قال لا أرى بذلك بأسا إذا كان ذلك لسرعة السير ثم ينزلون فيصلون وقال الأوزاعي يؤذن الرجل على ظهر دابته حيث توجهت به ويكره له أن يؤذن وهو جالس وذكر الزعفراني عن الشافعي قال يؤذن الرجل راكبا في السفر‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يجزئ الأذان قاعدا ويؤذن المسافر راكبا إن شاء وينزل فيقيم ولو أقام راكبا أجزأه وذكر أبو الفرج عن مالك قال لا بأس أن يؤذن الرجل قائما وقاعدا وراكبا وجنبا وغير جنب ‏(‏ولم يذكره في القاعد عن مالك غيره وأجاز مالك والأوزاعي والثوري الأذان على غير وضوء جنبا وغير جنب‏)‏‏.‏

وقال الشافعي أكره أن يؤذن أو يقيم على غير طهارة فإن فعل لم يعد أذانه ولا إقامته ولو أعاد الإقامة كان حسنا ‏(‏وروي عن الأوزاعي مثله سواء‏)‏ وهو قول أبي حنيفة وأصحابه قال أبو عمر روينا عن وائل بن حجر قال حق وسنة ألا يؤذن إلا وهو قائم ولا يؤذن إلا وهو على طهر ووائل بن حجر من الصحابة وقوله حق وسنة يدخل في المسند وذلك أولى من الرأي والله الموفق‏.‏

باب قدر السحور من النداء

137- مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏إن بلالا ينادي بليل ‏(‏1‏)‏ فكلوا واشربوا حتى ينادي بن أم مكتوم‏)‏‏)‏‏.‏

138- مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بن أم مكتوم‏)‏‏)‏ ‏(‏قال‏)‏ وكان بن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت وقد ذكرنا في التمهيد من وصل حديث بن شهاب فجعله عن سالم عن بن عمر ‏(‏عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي هذا الحديث جواز الأذان لصلاة الصبح ليلا وفي إجماع المسلمين على أن النافلة لا أذان لها ما دل على أن أذان بلال بالليل إنما كان لصلاة الصبح والله أعلم وهذا قول علماء أهل الحجاز والشام وممن أجاز الأذان لصلاة الصبح ليلا مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود والطبري وهو قول أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي الكوفي وحجتهم حديث هذا الباب لأن فيه الإخبار بأن بلالا كان شأنه أن يؤذن للصبح بليل يقول فإذا جاء رمضان فلا يمنعكم أذانه من سحوركم وكلوا واشربوا حتى يؤذن بن أم مكتوم فإن من شأنه أن يقارب الصباح بأذانه‏.‏

وقال أبو حنيفة والثوري وزفر ومحمد بن الحسن والحسن بن حي وجمهور أهل العراق من التابعين ومن بعدهم لا يجوز الأذان لصلاة الفجر حتى يطلع الفجر وعندهم في ذلك آثار كثيرة قد ذكرها جماعة من المصنفين منهم بن أبي شيبة وعبد الرزاق وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ بعضها منها أن رسول الله قال لبلال ‏(‏‏(‏لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر‏)‏‏)‏ ومنها أن بلالا أذن مرة قبل الفجر فأمره رسول الله أن يعيد الأذان فينادي ألا إن العبد قد نام وعرض مثل هذا لعمر مع مؤذن له يقال له مسروح أذن قبل الفجر فأمره بمثل ذلك وآثار كثيرة بمثل هذا المعنى عن بلال وعن سلف أهل العراق إلا أن حديث بن عمر في هذا الباب أثبت عند أهل العلم بالنقل ومن حجتهم أيضا أن سائر الصلوات قد أجمعوا أنه لا يجوز لها الأذان قبل وقتها واختلفوا في الصبح فواجب أن ترد الصبح قياسا على غيرها إذ لم يجمعوا فيها على ما يجب التسليم له والذي أقول به أنه جائز الأذان للصبح قبل الفجر لصحة الإسناد بذلك في حديث بن عمر على أن يؤذن لها مع ذلك المؤذن مؤذن آخر قرب الفجر استحسانا واحتياطا وإنما قلت ذلك استحسانا ولم نر ذلك واجبا لأنا تأولنا في قوله أصبحت أصبحت قاربت الصباح بدليل قوله ‏(‏‏(‏كلوا واشربوا حتى ينادي بن أم مكتوم‏)‏‏)‏ ولو أذن قبل الفجر لم يؤمروا بالأكل إلى وقت أذانه وقد أجمعوا أن الصيام من أول الفجر وشذ في ذلك عنهم من هو محجوج بهم وتأويل مقاربة الصباح موجودة في الأصول بدليل قوله ‏(‏وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف‏)‏ ‏[‏البقرة 231‏]‏‏.‏

وهذا معناه قاربن بلوغ أجلهن ولو بلغن أجلهن لم يكن لأزواجهن امساكهن بالمراجعة لهن وقد انقضت عدتهن وفي هذا الحديث معان من الصيام ذكرتها عند ذكر هذا الحديث في التمهيد وأخرتها في هذا الكتاب إلى كتاب الصيام لأنه أولى المواضع بذلك‏.‏

باب افتتاح الصلاة

139- مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا وقال ‏(‏‏(‏سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد‏)‏‏)‏ وكان لا يفعل ذلك في السجود هكذا رواية يحيى لم يذكر الرفع عند الركوع وتابعه من رواة الموطأ جماعة وروته أيضا جماعة عن مالك فذكرت فيه رفع اليدين عند الافتتاح وعند الركوع وعند الرفع من الركوع وكذلك رواه أصحاب بن شهاب وهو الصواب وقد ذكرنا في التمهيد من تابع يحيى على روايته كما وصفنا ومن رواه كما ذكرنا بحمد الله‏.‏

140- وذكر عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الصلاة قال أبو عمر معنى رفع اليدين عند الافتتاح وغيره - خضوع واستكانة وابتهال وتعظيم لله تعالى واتباع لسنة رسوله عليه السلام وليس بواجب والتكبير في كل رفع وخفض أو كد منه وقد قال بعض العلماء إنه من زينة الصلاة ذكر بن وهب قال أخبرني عياض بن عبد الله الفهري أن عبد الله بن عمر كان يقول لكل شيء زينة وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي فيها وعن بن لهيعة عن بن عجلان عن النعمان بن أبي عياش كان يقال لكل شيء زينة وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي عند الافتتاح وحين يريد أن يركع وحين يريد أن يرفع وقال عقبة بن عامر له بكل إشارة عشر حسنات بكل إصبع حسنة وقد ذكرت الإسناد عن عقبة بن عامر بذلك في التمهيد واختلف العلماء في رفع الأيدي في الصلاة وعند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع وعند السجود والرفع منه بعد إجماعهم على جواز رفع الأيدي عند افتتاح الصلاة مع تكبيرة الإحرام فقال مالك فيما روى عنه بن القاسم يرفع للإحرام عند افتتاح الصلاة ولا يرفع في غيرها قال وكان مالك يرى رفع اليدين في الصلاة ضعيفا وقال إن كان ففي الإحرام وهو قول الكوفيين أبي حنيفة وسفيان الثوري والحسن بن حي وسائر فقهاء الكوفة قديما وحديثا وهو قول بن مسعود وأصحابه والتابعين بها وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي لا أعلم مصرا من الأمصار تركوا بأجمعهم رفع اليدين عند الخفض والرفع في الصلاة إلا أهل الكوفة فكلهم لا يرفع إلا في الإحرام وذكر بن خواز بنداد قال اختلفت الرواية عن مالك في رفع اليدين في الصلاة فمرة قال يرفع في كل خفض ورفع على حديث بن عمر ومرة قال لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام ومرة قال لا يرفع أصلا والذي عليه أصحابنا أن الرفع عند الإحرام لا غير قال أبو عمر وحجة من ذهب مذهب بن القاسم في روايته عن مالك في ذلك حديث بن مسعود وحديث البراء بن عازب عن النبي عليه السلام أنه كان يرفع عند الإحرام مرة لا يزيد عليها وبعض رواتهما يقول كان لا يرفع في الصلاة إلا مرة ‏(‏وبعضهم يقول كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة‏)‏ وقد ذكرنا الحديثين من طرق في التمهيد وذكرنا العلة عن العلماء فيهما هنا وروى أبو مصعب وبن وهب عن مالك أنه كان يرفع يديه إذا أحرم وإذا ركع وإذا رفع من الركوع على حديث بن عمر وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك عن مالك في التمهيد ورواه أيضا عن مالك الوليد بن مسلم وسعيد بن أبي مريم وقال بن عبد الحكم لم يرو أحد عن مالك مثل رواية بن القاسم في رفع اليدين قال محمد والذي آخذ به أن أرفع على حديث بن عمر وذكر احمد بن سعيد عن أحمد بن خالد قال كان عندنا جماعة من علمائنا يرفعون أيديهم في الصلاة على حديث بن عمر ورواية من روى ذلك عن مالك وجماعة لا يرفعون إلا في الإحرام على رواية بن القاسم فما عاب هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء وسمعت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الله بن هاشم يقول كان أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم شيخنا يرفع يديه كلما خفض ورفع على حديث بن عمر في الموطأ وكان أفضل من رأيت وأفقههم وأصحهم علما فقلت لأبي عمر لم لا ترفع فنقتدي بك قال لا أخالف رواية بن القاسم لأن الجماعة عندنا اليوم عليها ومخالفة الجماعة فيما أبيح لنا ليست من شيم الأئمة وقال الأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وأبو ثور وإسحاق ومحمد بن جرير الطبري وجماعة أهل الحديث بالرفع على حديث بن عمر إلا أن من أهل الحديث من يرفع عند السجود والرفع منه على حديث وائل بن حجر وعن النبي -عليه السلام- في ذلك وقال داود بن علي الرفع عند تكبيرة الإحرام واجب ركن من أركان الصلاة واختلف أصحابه فقال بعضهم الرفع عند الإحرام وعند الركوع والرفع منه واجب وقال بعضهم لا يجب الرفع عند الإحرام ولا غيره فرضا لأنه فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به وقال بعضهم لا يجب الرفع إلا عند الإحرام وقال بعضهم هو واجب كله لقوله عليه السلام ‏(‏‏(‏صلوا كما رأيتموني أصلي‏)‏‏)‏ وحجة من رأى الرفع عند الركوع وعند الرفع منه حديث بن عمر المذكور في هذا الباب عن بن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي -عليه السلام- وهو حديث لا مطعن لأحد فيه وروى مثل ما روى بن عمر من ذلك عن النبي -عليه السلام- نحو ثلاثة عشر رجلا من الصحابة ذكر ذلك جماعة من أهل العلم بالحديث والمصنفين فيه منهم أبو داود وأحمد بن شعيب والبخاري ومسلم وأفرد لذلك بابا أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري البزار وصنف فيه كتابا أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي من كتابه الكبير أكثر فيه من الآثار وطول وروي الرفع في الخفض والرفع عن جماعة من الصحابة منهم بن عمر وأبو موسى وأبو سعيد وأبو الدرداء وأنس وبن عباس وجابر وروي عن الحسن البصري قال كان أصحاب رسول الله يرفعون أيديهم في الصلاة إذا ركعوا وإذا رفعوا كأنها المراوح ولم يرو عن أحد من الصحابة ترك الرفع عند كل خفض ورفع ممن لم يختلف فيه إلا بن مسعود وحده وروى الكوفيون عن على مثل ذلك وروى عنه المدنيون الرفع من حديث عبد الله بن رافع وكذلك اختلف عن أبي هريرة فروى عنه أبو جعفر القارئ ونعيم المجمر أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ويكبر في كل خفض ورفع ويقول أنا أشبهكم صلاة برسول الله وروى عنه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أنه كان يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وهذه الرواية أولى لما فيها من الزيادة‏.‏

وأما قوله أنا أشبهكم صلاة برسول الله فإنما ذكره أبو سلمة وغيره عنه في التكبير في كل خفض ورفع على ما يأتي بعد إن شاء الله وروي الرفع عند الركوع والرفع منه عن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق والشام يطول الكتاب بذكرهم منهم القاسم بن محمد وسالم والحسن وبن سيرين وعطاء وطاوس ومجاهد ونافع مولى بن عمر وعمر بن عبد العزيز وبن أبي نجيح وقتادة والحسن بن مسلم وقال بن سيرين هو من تمام الصلاة وقال عمر بن العزيز إن كنا لنؤدب عليها بالمدينة إذا لم نرفع أيدينا وكان عمر بن عبد العزيز أيضا يقول في ذلك سالم قد حفظ عن أبيه وقد ذكرنا الأسانيد عن كل من ذكرنا بكل ما وصفنا في التمهيد وقال أبو بكر الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يقول رأيت معتمر بن سليمان ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وإسماعيل بن علية يرفعون أيديهم عند الركوع وإذا رفعوا رؤوسهم وقيل لأحمد بن حنبل نرفع عند القيام من اثنتين وبين السجدتين قال لا أنا أذهب إلى حديث سالم عن أبيه ولا أذهب إلى وائل بن حجر لأنه مختلف في ألفاظه قال أبو عمر قد ذكرنا حديث وائل بن حجر في التمهيد وقد عارضه حديث بن عمر بقوله وكان يرفع بين السجدتين وقيل لأحمد بن حنبل يرفع المصلي عند الركوع فقال نعم ومن يشك في ذلك كان بن عمر إذا رأى رجلا لا يرفع يديه حصبه قال أحمد حدثنا الوليد بن مسلم قال سمعت زيد بن رافع قال سمعت نافعا قال كان بن عمر إذا رأى من لا يرفع حصبه قال أبو عمر كل من رأى الرفع وعمل به من العلماء لا يبطل صلاة من لم يرفع إلا الحميدي وبعض أصحاب داود ورواية عن الأوزاعي وذكر الطبري قال حدثنا العباس بن الوليد بن زيد عن أبيه عن الأوزاعي قال بلغنا أن من السنة فيما أجمع عليه علماء أهل الحجاز والبصرة والشام أن رسول الله -عليه السلام- كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر لافتتاح الصلاة وحين يكبر للركوع وحين يرفع رأسه منه إلا أهل الكوفة فإنهم خالفوا في ذلك أمتهم قيل للأوزاعي فإن نقص من ذلك شيئا قال ذلك نقص من صلاته قال أبو عمر قد صح عن النبي -عليه السلام- من حديث أبي هريرة وحديث رفاعة بن رافع في الذي أمره أن يعيد صلاته فقال له ارجع فصل فإنك لم تصل ثم علمه فرائض الصلاة دون سننها قال له ‏(‏‏(‏إذا أردت الصلاة فأسبغ الوضوء واستقبل القبلة وكبر ثم اقرأ ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تطمئن رافعا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا‏)‏‏)‏ الحديث فلم يأمره برفع اليدين ولا من التكبير إلا بتكبيرة الإحرام وعلمه الفرائض في الصلاة وسنبين هذا فيما بعد إن شاء الله فلا وجه لمن جعل صلاة من لم يرفع ناقصة ولا لمن أبطلها مع اختلاف الآثار في الرفع عن النبي -عليه السلام- واختلاف الصحابة ومن بعدهم واختلاف أئمة الأمصار في ذلك والفرائض لا تثبت إلا بما لا مدفع له ولا مطعن فيه وقول الحميدي ومن تابعه شذوذ عند الجمهور وخطأ لا يلتفت أهل العلم إليه وقد أوضحنا معاني هذا الباب وبسطناها في التمهيد والحمد لله واختلفت الآثار عن النبي -عليه السلام- في كيفية رفع اليدين في الصلاة فروي عنه أنه كان يرفع يديه مدا فوق أذنيه مع رأسه روي عنه أنه كان يرفع يديه حذو أذنيه وروي عنه أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه وروي عنه أنه كان يرفعها إلى صدره وكلها آثار معروفة مشهورة وأثبت ما في ذلك حديث بن عمر هذا وفيه ‏(‏‏(‏حذو منكبيه‏)‏‏)‏ وعليه جمهور التابعين وفقهاء الأمصار وأهل الحديث‏.‏

141- وقد روى مالك عن نافع عن بن عمر أنه كان يرفع يديه في الإحرام حذو منكبيه وفي غير الإحرام دون ذلك قليلا وكل ذلك واسع حسن وبن عمر روى الحديث وهو أعلم بمخرجه وتأويله وكل ذلك معمول عند العلماء به‏.‏

وأما قوله في الحديث وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك وقال ‏(‏‏(‏سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد‏)‏‏)‏ فإن أهل العلم اختلفوا في الإمام هل يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد أم يقتصر على سمع الله لمن حمده فقط فذهب مالك وأبو حنيفة ومن قال بقولهما إلى أن الإمام يقول سمع الله لمن حمده لا غير وحجتهم حديث الزهري عن أنس عن النبي -عليه السلام- قوله في الإمام ‏(‏‏(‏وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد‏)‏‏)‏ فقصر الإمام على قول سمع الله لمن حمده والمأموم على قول ربنا ولك الحمد‏.‏

وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وجماعة من أهل الحديث يقول الإمام سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد‏.‏

وقال مالك يقولها المنفرد وحجتهم في ذلك حديث بن عمر هذا المذكور في هذا الباب وفيه أن رسول الله قال ‏(‏‏(‏ سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد‏)‏‏)‏ وما كان مثله وممن روى عن النبي -عليه السلام- أنه كان يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد - كما روى بن عمر - أبو هريرة من حديث بن شهاب عن أبي بكر عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعن أبي سلمة عن أبي هريرة ومن حديث أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة ورواه أبو سعيد الخدري وعبد الله بن أبي أوفى كلهم عن النبي -عليه السلام- أنه كان يقول ‏(‏‏(‏سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد‏)‏‏)‏ وكان أبو هريرة يفتي به ويعمل روى بن عيينة عن أيوب السختياني عن عبد الرحمن الأعرج قال سمعت أبا هريرة - يؤم الناس - إذا قال سمع الله لمن حمده قال ربنا ولك الحمد‏.‏

وأما المأموم فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري لا يقول المأموم سمع الله لمن حمده وإنما يقول ربنا ولك الحمد فقط‏.‏

وقال الشافعي يقول المأموم سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد كما يقول الإمام والمنفرد تأسيا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتداء بفعل إمامه وفي حديث بن شهاب عن أنس حجة لمالك في المأموم والإمام وسيأتي في موضعه إن شاء الله ولم يذكر مالك في هذا الباب - وهو باب افتتاح الصلاة - شيئا من الذكر للاستفتاح غير التكبير ومذهبه التكبير والقراءة متصلة به ليس بينهما تعوذ ولا ذكر بتوجيه ولا غيره ونبين ذلك فيما بعد إن شاء الله‏.‏

142- وأما ما ذكره أيضا في هذا الباب عن بن شهاب عن علي بن حسين بن أبي طالب أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله‏.‏

143- وعن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض ورفع فإذا انصرف قال والله إني لأشبهكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

144- وعن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع‏.‏

145- وعن أبي نعيم وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله أنه كان يعلمهم التكبير في الصلاة قال فكان يأمرنا أن نكبر كلما خفضنا ورفعنا وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ الآثار المروية المسندة في معنى حديث بن شهاب عن علي بن حسين هذا منها حديث مطرف بن الشخير قال صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب فكان إذا سجد كبر وإذا رفع رأسه كبر وإذا رفع من الركعتين كبر فلما قضى الصلاة وانصرفنا أخذ عمران بيدي فقال لي أذكرني هذا صلاة محمد عليه السلام وحديث عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري أنه جمع قومه فقال ألا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم الظهر فكبر بهم اثنتين وعشرين تكبيرة يعني بتكبيرة الافتتاح يكبر إذا ركع وإذا رفع وإذا سجد وحديث عكرمة قال صليت خلف شيخ بمكة فكبر اثنتين وعشرين تكبيرة فقلت لابن عباس إنه أحمق فقال ثكلتك أمك ‏!‏ سنة أبى القاسم وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد وحديث الزهري عن أبي سلمة وأبي بكر بن عبد الرحمن أن أبا هريرة صلى لهم حين استخلفه مروان على المدينة فكبر حين قام إلى الصلاة وحين ركع وحين رفع رأسه وحين يهوي ساجدا وحين يقوم من اثنتين وبين السجدتين ثم قال والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله ‏!‏ وقد ذكرنا هذا الحديث عن الزهري باختلاف أصحابه عليه في إسناده وألفاظه في التمهيد وهو حديث ثابت من رواية مالك وغيره عن الزهري ولم يختلف في معناه أن أبا هريرة كان يكبر بهم في كل خفض ورفع ويقول لهم هذه صلاة رسول الله كما قال بن عباس سنة أبي القاسم وهذا كله يدل على أن التكبير في الخفض والرفع لم يكن مستعملا عندهم ولا ظاهرا فيهم ولا مشهورا من فعلهم في صلاتهم ولو كان ذلك ما كان أبو هريرة يفعله ويقول إنه أشبههم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أنكر عكرمة على الشيخ ما قال له بن عباس فيه إنه السنة ولا قال عمران بن حسين في مثل ذلك من صلاة علي لقد أذكرني هذا صلاة محمد عليه السلام ومثل هذا وأبين حديث أبي إسحاق السبيعي عن يزيد بن أبي مريم عن أبي موسى الأشعري قال صلى بنا علي يوم الجمل صلاة أذكرنا بها صلاة رسول الله كان يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود قال أبو موسى فإما نسيناها وإما تركناها عمدا وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة قال رأيت أبا هريرة يكبر هذا التكبير الذي ترك الناس قال فقلت يا أبا هريرة ‏!‏ ما هذا التكبير فقال إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد وهذا يدلك على أن التكبير في غير الإحرام لم ينقله السلف من الصحابة والتابعين على الوجوب ولا على أنه من مؤكدات السنن بل قد قال قوم من أهل العلم إن التكبير إنما هو إذن بحركات الإمام وشعار الصلاة وليس بسنة إلا في الجماعة‏.‏

وأما من صلى وحده فلا بأس عليه ألا يكبر ولهذا ما ذكر مالك في هذا الباب حديثه عن بن شهاب عن علي بن حسين وعن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعين وعن بن عمر وجابر فعلهما ليبين بذلك أن التكبير في كل خفض ورفع سنة مسنونة وإن لم يعمل بها إلا بعض الصحابة فالحجة في السنة لا فيما خالفها ومما يدلك على ما وصفنا ما ذكره بن أبي ذئب في موطئه عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة أنه قال ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا وكان يقف قبل القراءة هنية يسأل الله من فضله وكان يكبر كلما خفض ورفع وروى أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة عن عبد الله بن مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل ركوع وسجود وخفض ورفع وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وقد روي عن النبي -عليه السلام- حديث ليس في الاشتهار ولا في الصحة كأحاديث مالك في هذا الباب ورواه شعبة بن الحجاج عن الحسن بن عمران عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال صليت مع النبي -عليه السلام- فلم يتم التكبير وصليت مع عمر بن عبد العزيز فلم يتم التكبير وقال إسحاق بن منصور سمعت أحمد بن حنبل يقول يروى عن بن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده قال وكان قتادة يكبر إذا صلى وحده قال أحمد وأحب إلي أن يكبر من صلى وحده في الفرض‏.‏

وأما التطوع فلا قال وقلت لأحمد ما الذي نقصوا من التكبير قال إذا انحط إلى السجود من الركوع وإذا أراد أن يسجد السجدة الثانية من كل ركعة قال أبو عمر ما رواه مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر أن أباه كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع يرد ما حكى عنه أحمد بن حنبل إلا أن يحمل على المجمل والمفسر فيكون حديث مالك إذا صلى إماما أو مأموما ويكون معنى ما حكى عنه أحمد إذا صلى وحده وقد روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عون بن عبد الله قال قال لي عمر بن عبد العزيز أرضي كان عندك عمر وابنه فإنهما كانا لا يكبران هذا التكبير في الخفض والرفع وسفيان عن عمرو بن دينار قال قال لي أبو الشعثاء يا عمرو ‏!‏ صليت خلف بن عباس بالبصرة فلم يكبر هذا التكبير‏.‏

146- وقد روى أشهب عن مالك عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يكبر كلما خفض ورفع ويخفض بذلك صوته فانفرد أشهب بقوله في حديث مالك هذا ويخفض بذلك صوته لم يقله عن مالك في هذا الحديث أحد غيره فيا علمت والله أعلم قال أبو عمر اختلف الفقهاء فيمن ترك التكبير في الصلاة فكان بن القاسم يقول من أسقط من التكبير في الصلاة ثلاث تكبيرات فما فوقها سجد للسهو قبل السلام فإن لم يسجد بطلت صلاته وإن نسي تكبيرة واحدة أو اثنتين سجد أيضا للسهو قبل السلام فإن لم يفعل فلا شيء عليه وروي عنه أن التكبيرة الواحدة لا سهو على من سها عنها وهذا يدل على أن عظم التكبير وجملته عنده فرض وأن اليسير منه متجاوز عنه وقال أصبغ بن الفرج وبن عبد الحكم من رواية مالك ليس على من لم يكبر في الصلاة من أولها إلى آخرها شيء إذا كبر تكبيرة الإحرام فإن فعله ساهيا سجد للسهو فإن لم يسجد فلا شيء عليه ولا ينبغي لأحد أن يترك التكبير عامدا لأنه سنة من سنن الصلاة فإن فعل فقد أساء وصلاته ماضية وعلى هذا القول جماعة من فقهاء الأمصار من الشافعيين والكوفيين وجماعة أهل الحديث والمالكيين غير من ذهب منهم مذهب بن القاسم وقال أبو بكر الأبهري على مذهب مالك الفرائض في الصلاة خمس عشرة فريضة أولها النية ثم الطهارة وستر العورة والقيام إلى الصلاة ومعرفة دخول الوقت والتوجه إلى القبلة وتكبيرة الإحرام وقراءة أم القرآن والركوع ورفع الرأس منه والسجود ورفع الرأس منه والقعود الأخير والسلام وقطع الكلام فلم يذكر الأبهري من التكبير في فرائض الصلاة غير تكبيرة الإحرام ثم ذكر سنن الصلاة فقال وسنن الصلاة خمس عشرة سنة أولها الأذان والإقامة ورفع اليدين والسورة مع أم القرآن والتكبير كله سوى تكبيرة الإحرام وسمع الله لمن حمده والاستواء من الركوع ومن السجود والتسبيح في الركوع والتسبيح في السجود والتشهد والجهر في صلاة الليل والسر في صلاة النهار وأخذ الرداء ورد السلام على الإمام إذا سلم من الصلاة فذكر في سنن الصلاة والتكبير كله سوى تكبيرة الإحرام وهذا هو الصواب وعليه جماعة أئمة الفقهاء بالأمصار وإنما اختلف الأئمة من الفقهاء في تكبيرة الإحرام فذهب مالك في أكثر الرواية عنه والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن تكبيرة الإحرام فرض واجب من فروض الصلاة والحجة لهم الحديث الذي ذكرنا عن أبى هريرة ورفاعة بن رافع عن النبي -عليه السلام- أنه قال للرجل ‏(‏‏(‏إذا أردت الصلاة فأسبغ الوضوء واستقبل القبلة ثم كبر ثم اقرأ ثم اركع حتى تطمئن‏)‏‏)‏ الحديث فعلمه ما كان من الصلاة واجبا سكت له عن كل ما كان منه مسنونا ومستحبا مثل التكبير ورفع اليدين والتسبيح ونحو ذلك فبان بذلك أن تكبيرة الإحرام واجب فعلها مع قوله عليه السلام ‏(‏‏(‏تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم‏)‏‏)‏ رواه علي بن أبي طالب عن النبي عليه السلام ورواه أبو سعيد الخدري وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد ومنها حديث سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم‏)‏‏)‏ وقال عبد الرحمن بن مهدي لو افتتح الرجل الصلاة بسبعين اسما من أسماء الله ولم يكبر تكبيرة الإحرام لم يجزه وإن أحدث قبل أن يسلم لم يجزه وهذا تصحيح من عبد الرحمن بن مهدي لحديث ‏(‏‏(‏تحريمها التكبير وتحليلها التسليم‏)‏‏)‏ وتدين منه به وهو إمام في علم الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه وحسبك به وقال الزهري والأوزاعي وطائفة تكبيرة الإحرام ليست بواجبة وقد روي عن مالك في المأموم ما يدل على هذا القول ولم يختلف قوله في الإمام والمنفرد أن تكبيرة الإحرام واجبة على كل واحد منهما وأن الإمام إذا لم يكبر للإحرام بطلت صلاته وصلاة من خلفه وهذا يقضي على قوله في المأموم والصحيح في مذهبه إيجاب تكبيرة الإحرام وأنها فرض ركن من أركان الصلاة وهو الصواب وكل من خالف ذلك فمخطئ محجوج بما وصفنا وبالله توفيقنا واختلف الفقهاء في حين تكبير المأموم إذا كبر الإمام تكبيرة الإحرام فقال بن خوار بنداذ قال مالك إذا كبر الإمام كبر المأموم بعده ويكره له أن يكبر في حال تكبيره فإن كبر في حال تكبيره أجزأه وإن كبر قبله لم يجزه قال‏.‏

وقال أبو حنيفة وزفر ومحمد والثوري وعبيد الله بن الحسن يكبر مع تكبير الإمام قال محمد بن الحسن فإن فرغ المأموم من التكبيرة قبل الإمام لم يجزه وقال الثوري يجزئه وقال أبو يوسف والشافعي في أشهر قوليه لا يكبر المأموم حتى يفرغ الإمام من التكبير وللشافعي قول آخر إن كبر قبل الإمام أجزأه وعند بعض أصحابه أنه لو افتتح الصلاة لنفسه ثم أراد أن يدخل في صلاة الإمام كان ذلك على أحد قولي الشافعي وقالت طائفة من أصحاب داود وغيرهم إن تقدم جزء من تكبير المأموم في تكبير الإحرام لم يجزه وإنما يجزيه أن يكون تكبيره كله في الإحرام بعد إمامه وإلى هذا ذهب الطحاوي واحتج بأن المأموم إنما أمر أن يدخل في صلاة الإمام بالتكبير والإمام إنما يصير داخلا فيها بالفراغ من التكبير فكيف يصح دخول المأموم في صلاة لم يدخل فيها إمامه بعد واحتج أيضا لمن أجاز من أصحابه تكبيرهما معا بقوله عليه السلام ‏(‏‏(‏إذا كبر الإمام فكبروا‏)‏‏)‏‏.‏

قال وهذا يدل على أنهم يكبرون معا لقوله ‏(‏‏(‏وإذا ركع فاركعوا‏)‏‏)‏ وهم يركعون معا والقول عنده أصح وهو قول أبي يوسف وأحد قولي الشافعي وهو تحصيل مذهب مالك عند المتأخرين من أصحابه البغداديين قال أبو عمر محتمل أن يكون قوله إذا كبر فكبروا فيما عدا الإحرام لأن تكبيرة الإحرام قد باينت سائر التكبير بالدلائل التي أوردنا على أن في حديث أبي موسى ‏(‏‏(‏ فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم‏)‏‏)‏ واختلفوا في الوقت الذي يكبر فيه الإمام للإحرام فقال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة وبعد أن تعتدل الصفوف ويقوم الناس في مقاماتهم والحجة لهم حديث أنس أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكبر في الصلاة فقال ‏(‏‏(‏ أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري‏)‏‏)‏ وعن عمر وعثمان مثل ذلك في حال التكبير للإحرام حتى تفرغ الإقامة وتستوي الصفوف‏.‏

وقال أبو حنيفة والثوري وزفر لا يكبر الإمام قبل فراغ المؤذن من الإقامة ويستحبون أن يكون تكبير الإمام في الإحرام إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة وحجتهم حديث الثوري عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن بلال قلت ‏(‏‏(‏يا رسول الله لا تسبقني بآمين‏)‏‏)‏ وقد ذكرنا إسناده فيما تقدم من هذا الكتاب وهو يدل على أنه كان يكبر قبل فراغ بلال من الإقامة واختلفوا أيضا في التكبير فيما عدا الإحرام هل يكون مع العمل أو بعده فذهب مالك وأصحابه إلى أن التكبير يكون في حال الرفع والخفض حين ينحط إلى الركوع وإلى السجود وحين يرفع عنهما إلا في القيام من الجلسة الأولى فإن الإمام وغيره لا يكبر حتى يستوي قائما فإذا اعتدل قائما كبر ولا يكبر إلا واقفا كما لا يكبر في الإحرام إلا واقفا ما لم تكن ضرورة وروى نحو ذلك عن عمر بن عبد العزيز‏.‏

وقال أبو حنيفة والثوري والشافعي وجمهور العلماء التكبير في القيام من اثنتين وغيره سواء يكبر في حال الرفع والخفض والقيام والقعود على حديث بن مسعود بذلك عن النبي عليه السلام وهو ظاهر أحاديث الموطأ المرفوعة وقول بن عمر وجابر في الموطأ بمثل ذلك أيضا وقد أشبعنا هذا المعنى في التمهيد والحمد لله وقد مضى في هذا الباب بالدلائل الواضحة ما بان به أن تكبيرة الإحرام فرض واجب وإذا كان ذلك كذلك صح أن الإمام لا يحملها عن المأموم لأنه لا يحمل عنه فرضا وقد أتى عن مالك وبعض أصحابه في المأموم ينسى تكبيرة الإحرام ما نورده بعد ونوضح ضعفه ووهنه لأنهم حرجوا فيه عما أصلوه في وجوب التكبير للإحرام إلى قول من لم يوجبه وراعوا في ذلك ما لا تجب مراعاته من اختلاف السلف في وجوب تكبيرة الإحرام والاختلاف ليس بحجة إنما الحجة في الإجماع وبالله التوفيق وأجمع جمهور العلماء على أن التكبير في افتتاح الصلاة لا يجزئ منه غيره من سائر الذكر تهليلا كان أو تسبيحا أو تحميدا وعلى هذا مذهب الحجازيين مالك والشافعي ومن اتبعهم وأكثر العراقيين وروي عن الحكم بن عتبة قال إذا ذكر الله مكان التكبير أجزأه‏.‏

وقال أبو حنيفة إن افتتح بلا إله إلا الله يجزيه وإن قال اللهم اغفر لي لم يجزه ولا يجزئ عند مالك إلا ‏(‏‏(‏الله أكبر‏)‏‏)‏ لا غيره وكذلك قال الشافعي وزاد ويجزي الله الأكبر ولا يجزئ عند المالكيين الله الأكبر وقال أصحاب مالك والشافعي وأصحابه وأبو يوسف ومحمد بن الحسن من أحسن العربية لم يجزه أن يكبر بالفارسية‏.‏

وقال أبو حنيفة يجزيه التكبير بالفارسية وإن كان يحسن العربية وكذلك لو قرأ بالفارسية عنده‏.‏

وأما من نسي من المأمومين تكبيرة الافتتاح فلم يذكرها حتى صلى ولا كبر للركوع تكبيرة ينوي بها الإحرام فلا صلاة له عند جمهور الفقهاء منهم مالك والثوري وربيعة بن أبي عبد الرحمن وإبراهيم النخعي وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق وأبو ثور واختلف في ذلك عن حماد بن أبى سليمان والصحيح عنه أنه قال يعيد صلاته ويستأنف كقول إبراهيم وقال الحكم تجزيه تكبيرة الركوع وهو قول سعيد بن المسيب والحسن البصري والزهري والأوزاعي فإن نوى بتكبيرة الركوع الافتتاح والركوع أجزأه عند مالك إن كان في حال الدخول للصف وكان الإمام راكعا ولا يجزيه عند الشافعي إلا أن يبدأ بنية في تكبيرة الإحرام للإحرام لا للركوع فإن نوى بتكبيرة الإحرام الإحرام والركوع بطلت عنده صلاته وعليه إعادتها وكذلك كل من كبر للإحرام منحطا للركوع لا يجزيه حتى يكون قائما معتدلا فإن هوى بشيء من تكبيرة الإحرام ولم يتمها معتدلا قطع بسلام وابتدأ الإحرام هذا كله قول الشافعي وبالله التوفيق‏.‏

147- ذكر مالك في الموطأ عن بن شهاب أنه كان يقول إذا أدرك الرجل الركعة فكبر تكبيرة واحدة أجزأت عنه تلك التكبيرة قال مالك وذلك إذا نوى بتلك التكبيرة افتتاح الصلاة وسئل مالك عن رجل دخل مع الإمام فنسي تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع حتى صلى ركعة ثم ذكر أنه لم يكن كبر تكبيرة الافتتاح ولا عند الركوع وكبر في الركعة الثانية قال يبتدئ صلاته أحب إلي ولو سها مع الإمام عن تكبيرة الافتتاح وكبر في الركوع الأول رأيت ذلك مجزيا عنه إذا نوى بها تكبيرة الافتتاح قال أبو عمر أما قول بن شهاب في المسألة قبل هذا فليس فيه دليل أنه نوى بتكبيرته تلك الافتتاح وهو معروف من مذهبه في ترك إيجاب التكبير للافتتاح فرضا‏.‏

وأما قول مالك وذلك إذا نوى بتلك التكبيرة الافتتاح فإنما هو على مذهبه كأنه قال وذلك إذا نوى به عندنا تكبيرة الافتتاح وهذا صحيح لأن الداخل المدرك للإمام راكعا إذا كبر تكبيرة واحدة ينوي بها افتتاح الصلاة وركع بها أغنته عن تكبيرة الركوع وقد أوضحنا أن التكبير فيما عدا الإحرام سنة فدل ذلك على أن من قال من العلماء يكبر الداخل تكبيرتين إحداهما للافتتاح والأخرى للركوع - أراد الكمال والإتيان بالفرض والسنة ومن اقتصر على تكبيرة الافتتاح فقد اقتصر على ما أجزأه‏.‏

وأما قول مالك في الذي يدخل مع الإمام فينسى تكبيرة الافتتاح والركوع حتى صلى ركعة ثم ذكر ذلك وكبر في الركعة الثانية إنه استحب له أن يبتدئ صلاته فالجواب أن قوله ثم كبر في الركعة الثانية لا يخلو من أن يكون نوى بالتكبيرة تكبيرة الافتتاح أو لم ينو بها إلا تكبيرة الركوع فقط فإن كان نوى بها الافتتاح - وهو في الركعة الثانية - فوجه الاستحباب له أن يبتدئ صلاته يعني -والله أعلم- بالإقامة والإحرام لأنه راعى فيه قول من قال إن الإحرام ليس بواجب وإنه لو تمادى في صلاته أجزته إلا أن مالكا يرى عليه الإعادة بعد ذلك للأخذ بالأوثق والاحتياط لأداء فرضه فوجه استحبابه أن يقطع ويبتدئ صلاته - رجوعه إلى أصله في إيجاب تكبيرة الإحرام وترك مراعاة من خالف ذلك فرأى له أن يبتدئ فيصلي ما أدرك ويقضي ما فاته على أنه قد يأتي له - رحمه الله - استحباب في موضع الوجوب وإن كان لم ينو بها الافتتاح وإنما كبر للركوع دون نية الافتتاح وذلك في الركعة الثانية ‏(‏فذلك أحرى ‏)‏ أن يقطع ويبتدئ صلاته كما قد روى عنه بن القاسم وغيره ويكون قوله أحب إلي أن يبتدئ صلاته - من باب استحباب ما يجب فعله فإنه قد يأتي له مثل هذا اللفظ في الواجب أحيانا وقد اضطرب أصحابه في هذه المسألة اضطرابا كثيرا ينقض بعضه ما قد أصلوه في إيجاب تكبيرة الإحرام ولم يختلفوا في وجوبها على المنفرد والإمام كما لم يختلفوا أن الإمام لا يحمل فرضا من فروض الصلاة عمن خلفه فقف على هذا كله من أصولهم بين لك وجه الصواب إن شاء الله ومن اضطرابهم في هذه المسألة تفرقتهم بين تكبير الداخل للركوع دون الإحرام في الركعة الأولى وبين تكبيرة الركوع في الركعة الثانية بما لا معنى لإيراده ولا للاشتغال به كما أنه من راعى في أجوبته قولا لا يصح عنده ولا يذهب إليه فإنه فساد داخل عليه ألا ترى أنه لا يراعى ذلك أحد منهم ولا من غيرهم في غير هذه المسألة من مسائل الوضوء ولا الصلاة ولا الصيام وأكثر أبواب الشرائع والأحكام وبالله التوفيق لا شريك له وفيما ذكرنا ما يبين لك به أن من لم يكبر للإحرام ليس في صلاة ومن ليس في صلاة فلا حاجة به إلى القطع بسلام وهذا موضع قد اضطرب فيه أصحاب مالك أيضا وذلك لمراعاتهم الاختلاف فيما لا تجب مراعاته لأن الاختلاف لا يوجب حكما إنما يوجبه الإجماع أو الدليل من الكتاب والسنة وبذلك أمرنا عند التنازع‏.‏

وأما الثوري فقال إذا وجدت الإمام راكعا فكبر تكبيرة تنوي بها الافتتاح وكبر أخرى للركوع وكذلك إذا وجدته ساجدا كبر تكبيرة للافتتاح ثم كبر أخرى للسجود ولا تحسب لها فإن وجدته جالسا فكبر للافتتاح واجلس بغير تكبيرة وإذا قمت فقم بتكبير‏.‏

وقال الشافعي إذا وجد الإمام راكعا فكبر تكبيرة نوى بها الافتتاح أجزأته وكان داخلا في الصلاة فإن نوى بها غير الافتتاح أو نوى بها الافتتاح والركوع جميعا لم يكن داخلا في الصلاة لأنه لم يفرد النية لها‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد مثل قول مالك إذا نوى بتكبيرة الركوع تكبيرة الافتتاح أو تكبيرة الافتتاح والركوع معا أجزأه وهو قول أبي ثور وهو الصحيح عندنا لما قدمنا عن بن عمر أنه كان يغتسل للجنابة والجمعة غسلا واحدا‏.‏

باب القراءة في المغرب والعشاء

ما ذكره في هذا الباب‏.‏

148- من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة المغرب بالطور وبالمرسلات‏.‏

149- وقراءته في العشاء بالتين والزيتون ومثل ذلك حديث أنس وجابر بن سمرة أن النبي -عليه السلام- كان يقرأ في الظهر بسبح اسم ربك الأعلى من غير الموطأ‏.‏

149- م - ومن قراءة أبي بكر الصديق بأم القرآن في المغرب وبقراءته مع ذلك ‏(‏ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا‏)‏ آل عمران 8 وبالقراءة في كل ركعة بأم القرآن وسورة من قصار المفصل‏.‏

150- وقراءة بن عمر في كل ركعة بأم القرآن وسورة وربما قرأ السورتين والثلاث في ركعة فكل ذلك من المباح الجائز أن يقول المرء بما شاء مع أم القرآن ما لم يكن إماما يطول على من خلفه وبنحو ذلك تواترت الآثار في القراءة عن النبي -عليه السلام- في الصلاة مرة يخفف وربما طول صنع ذلك في كل صلاة وهذا كله يدل على أن لا توقيت في القراءة عند العلماء بعد فاتحة الكتاب وهذا إجماع من علماء المسلمين ويشهد لذلك قوله -عليه السلام- ‏(‏‏(‏من أم الناس فليخفف‏)‏‏)‏ ولم يحد شيئا وإنما اختلفوا في أقل ما يجزئ من القراءة وفي أم القرآن هل يجزئ منها غيرها من القرآن أم لا وأجمعوا أن لا صلاة إلا بقراءة وقد قال الشافعي ببغداد تسقط القراءة عمن نسي فإن النسيان موضوع ثم رجع عن هذا بمصر فقال لا تجزئ صلاة من يحسن فاتحة الكتاب إلا بها ولا يجزئه أن ينقص منها حرفا فإن لم يقرأها أو نقص منها حرفا أعاد الصلاة وكذا إن قرأ بغيرها قال أبو عمر أظن قول الشافعي القديم دخلت الشبهة فيه عليه بما روي عن عمر أنه صلى المغرب فلم يقرأ فيها فذكر ذلك له فقال كيف كان الركوع والسجود قيل حسن قال لا بأس إذن وهذا حديث منكر وقد ذكره مالك في الموطأ وهو عند بعض رواته ليس عند يحيى وطائفة معه لأنه رماه مالك من كتابه بأخرة وقال ليس عليه العمل لأن النبي -عليه السلام- قال ‏(‏‏(‏كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر وقد وري عن عمر أنه أعاد تلك الصلاة وهو الصحيح عنه وروى يحيى بن يحيى النيسابوري قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث أن عمر نسي القراءة في المغرب فأعاد الصلاة وهو حديث متصل وحديث مالك مرسل عن عمر لا يصح والإعادة عنه صحيحة رواها عن عمر جماعة منهم همام وعبد الله بن حنظلة وزياد بن عياض وكلهم لقي عمر وسمع منه وشهد القصة وروى الإعادة عن عمر أيضا غيرهم وذكر عبد الرزاق عن عكرمة بن عمار عن ضمضم بن جوس عن عبد الله بن حنظلة قال صليت مع عمر فلم يقرأ فأعاد الصلاة وروى إسرائيل عن جابر عن الشعبي عن زياد بن عياض أن عمر صلى بهم فلم يقرأ فأعاد الصلاة وقال لا صلاة إلا بقراءة وروى معمر عن قتادة وعن أبان عن جابر بن زيد أن عمر أعاد تلك الصلاة بإقامة وقال بن جريج عن عكرمة بن خالد إن عمر أمر المؤذن فأقام وأعاد تلك الصلاة ذكر عبد الرزاق ذلك عن معمر عن بن جريج وروى أشهب عن مالك قال سئل مالك عن الذي ينسى القراءة أيعجبك ما قال عمر قال أنا أنكر أن يكون عمر فعله وأنكر الحديث وقال يرى الناس عمر يصنع هذا في المغرب فلا يسبحون به ولا يخبرونه أرى أن يعيد الصلاة من فعل هذا ويعيد القوم الذين صلوا معه‏.‏

وأما اختلافهم فيما يجزئ من القراءة في الصلاة فقال مالك إذا لم يقرأ في الركعتين يعني من صلاة أربع أعاد وقد قال من لم يقرأ في نصف صلاته أعاد وقال مرة أخرى من نسي أن يقرأ في الصلاة كلها أو في أكثرها رأيت أن يعيد الصلاة كلها قال وسنة القراءة أن يقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب وقال الأوزاعي يقرأ بأم القرآن فإن لم يقرأ بأم القرآن وقرأ بغيرها أجزأه قال وإن نسي أن يقرأ في ثلاث ركعات أعاد وقال الثوري يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة ويسبح في الآخرتين وهو قول أبي حنيفة وسائر الكوفيين قال سفيان وإن لم يقرأ في ثلاث ركعات أعاد الصلاة لأنه لا تجزئه قراءة ركعة قال وكذلك إن نسي أن يقرأ في ركعة من صلاة الفجر‏.‏

وقال أبو ثور لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة كقول الشافعي المصري وعليه جماعة أصحاب الشافعي وقال بن خواز منداد المالكي قراءة أم القرآن واجبة عندنا في كل ركعة قال ولم يختلف قول مالك أنه من نسيها في ركعة من صلاة ركعتين أن يعيد الصلاة ولا تجزئه واختلف قوله إذا تركها ناسيا في ركعة من صلاة ثلاثية أو رباعية فقال يعيد الصلاة أصلا وهو قول بن القاسم وروايته عنه وقال يسجد سجدتي السهو وتجزئه وهي رواية بن عبد الحكم عنه قال قد قيل يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلام قال‏.‏

وقال الشافعي وأحمد بن حنبل لا يجزئه حتى يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة نحو قولنا قال‏.‏

وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي إن تركها عامدا في صلاته كلها وقرأ غيرها أجزأه قال أبو حنيفة أقله آية وقال أبو يوسف ومحمد ثلاث آيات أو آية طويلة نحو آية الدين‏.‏

وقال الشافعي أقل ما يجزئه فاتحة الكتاب إن أحسنها فإن كان لا يحسنها ويحسن غيرها من القرآن قرأ بعدها سبع آيات لا يجزئه دون ذلك وإن لم يحسن شيئا من القرآن حمد الله وكبر بمكان القراءة لا يجزئه غيره ومن أحسن فاتحة الكتاب فإن ترك منها حرفا واحدا وخرج من الصلاة أعاد وقال الطبري يقرأ بأم القرآن فإن لم يقرأ بها لم يجزه إلا مثلها من القرآن في عدد آياتها وحروفها قال أبو عمر قوله عليه السلام لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن فهي خداج غير تمام - حديث أبي هريرة وقول أبي سعيد الخدري بين لنا نبينا عليه السلام أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر فعين فاتحة الكتاب لوجوبها وخير فيما ليس بواجب رحمة ورفقا وهذا كله يشهد لصحة قول من أوجب القراءة بها في الصلاة في كل ركعة كما قال جابر لأن ركوع ركعة لا ينوب عن ركوع أخرى ولا سجود ركعة ينوب عن سجود أخرى فكذلك لا تنوب قراءة ركعة عن قراءة أخرى وهي رواية بن القاسم عن مالك واختياره وهو الصواب إن شاء الله‏.‏

وأما قول أبي بكر في الركعة الثالثة من المغرب ‏(‏ربنا لا تزغ قلوبنا‏)‏ الآية فإنما هو ضرب من القنوت والدعاء لما كان فيه من أمر أهل الردة والقنوت جائز في المغرب عند جماعة من أهل العلم وفي كل صلاة أيضا وأوكد ذلك في الصبح ومنهم من لا يرى ذلك أصلا وسيأتي في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله‏.‏

151- وذكر عن بن عمر أنه كان إذا صلى وحده يقرأ في الأربعة جميعا في كل ركعة بأم القرآن وسورة من القرآن وكان يقرأ أحيانا بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة من صلاة الفريضة قال أبو عمر لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وما تيسر‏)‏‏)‏ علم أن تعيينه لفاتحة الكتاب إيجاب وأن قوله ‏(‏‏(‏ما تيسر‏)‏‏)‏ ندب وإذا جاز أن يقرأ المصلي مع فاتحة الكتاب بسورة فيها طول - جاز أن يقرأ بسور توازي تلك السورة وهذا كله مباح عند الجميع إلا أنهم يستحبون ألا يقرأ مع فاتحة الكتاب إلا بسورة واحدة لأنه أكثر ما جاء عن النبي -عليه السلام- وقد أجمع العلماء على أن لا حد في القراءة واجب بفاتحة الكتاب عند من أوجبها وكفى بهذا‏.‏