فصل: باب التيمم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب غسل المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

95- مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير أن أم سليم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل أتغتسل فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏نعم فلتغتسل‏)‏‏)‏ فقالت لها عائشة أف لك ‏!‏ وهل ترى ذلك المرأة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏تربت يمينك ‏(‏2‏)‏ ومن أين يكون الشبه‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر قد ذكرنا من وصل حديث بن شهاب في هذا الباب ومن تابع مالكا على إرساله في كتاب التمهيد ومن وصله أيضا من أصحاب مالك على خلاف الموطإ ومن وصله عن بن شهاب من أصحابه فإنما رواه عنه عن عروة عن عائشة وكذلك رواه مسافع عن عروة عن عائشة‏.‏

وأما حديث هشام بن عروة فمتصل مسند‏.‏

96- رواه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ‏!‏ إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت فقال ‏(‏‏(‏نعم إذا رأت الماء‏)‏‏)‏ وكذلك رواه سائر من رواه عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة لا عن عروة عن عائشة وهو الصحيح عندهم لعروة عن زينب عن أمها لا عن عائشة والله أعلم وفي هذا الحديث والذي قبله - إيجاب الغسل على النساء إذا احتلمن ورأين الماء حكمهن في ذلك حكم الرجال في الاحتلام إذا كان معه الإنزال وهذا ما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء والحمد لله وأكثر أصحاب بن شهاب يقولون في هذا الحديث نعم إذا وجدت الماء وكذلك في حديث أم سلمة وأنس في قصة أم سليم وكذلك روته خولة بنت حكيم عن النبي عليه السلام والعلماء على ذلك مجمعون فيمن وجد الماء الدافق من الرجال والنساء وقد أوضحنا في التمهيد هذا المعنى وقد روي هذا المعنى ملخصا من أخبار الآحاد العدول مرفوعا رواه عبد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال ‏(‏‏(‏يغتسل‏)‏‏)‏ وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل قال لا غسل عليه فقالت أم سليم ‏(‏‏(‏المرأة ترى ذلك أعليها الغسل قال نعم إنما النساء شقائق الرجال ‏(‏2‏)‏ وروى قتادة عن أنس أن أم سليم سألت رسول الله عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏إذا رأت ذلك فأنزلت فعليها الغسل‏)‏‏)‏ فقالت أم سلمة أيكون هذا يا رسول الله قال نعم ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فأيهما سبق أو علا أشبهه الولد حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد حدثنا أبو بكر حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا سعيد بن عروبة عن قتادة عن أنس وهذا واضح لا إشكال فيه ولا مدخل للقول وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد وفي هذا الحديث ما كان عليه نساء ذلك الزمان من الاهتبال والاهتمام بأمر دينهن والسؤال عنه وهذا يلزم كل مؤمن ومؤمنة إذا جهل شيئا من أمر دينه أن يسأل عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏شفاء العي السؤال‏)‏‏)‏ وقالت عائشة رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن وكانت أم سليم من فواضل نساء الأنصار وفيه أيضا دليل على أن النساء ليس كلهن يحتلمن ولهذا أنكرت عائشة وأم سلمة سؤال أم سليم وقد يعدم الاحتلام في بعض الرجال فالنساء أحرى أن يعدم ذلك فيهن وقد قيل إن إنكار عائشة لذلك إنما كان لصغر سنها وكونها مع زوجها لأنها لم تحض إلا عنده ولم تفقده فقدا طويلا إلا بموته عليه السلام فلذلك لم تعرف في حياته الاحتلام لأن الاحتلام لا يعرفه النساء ولا أكثر الرجال إلا عند عدم الجماع بعد المعرفة به فإذا فقد النساء أزواجهن احتلمن والوجه الأول عندي أصح وأولى والله أعلم لأن أم سلمة فقدت زوجها وكانت كبيرة عالمة بذلك وأنكرت منه ما أنكرت عائشة رحمها الله فدل ذلك على أن من النساء من لا تنزل الماء في غير الجماع الذي يكون حقيقة في اليقظة والله أعلم وفيه جواز الإنكار والدعاء بالسوء على من اعترض فيما لا علم له به وفيه أن الشبه يكون من سبق الماء وعلوه وغلبته والله أعلم على ما مضى في الآثار التي ذكرنا ومثلها ما ذكره بن وهب قال أخبرنا بن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سليم امرأة أبي طلحة قالت يا رسول الله ‏!‏ هل على المرأة ترى زوجها في المنام يقع عليها - غسل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إذا رأت بللا فقالت أم سلمة يا رسول الله ‏!‏ وتفعل ذلك المرأة فقال ‏(‏‏(‏ترب جبينك‏)‏‏)‏ وأنى يكون شبه الخؤولة إلا من ذلك أي النطفتين سبقت إلى الرحم غلبت على الشبه قال أبو عمر كذا قال جبينك والمعروف تربت يمينك وتربت يداك والله أعلم وقد أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ببغداد قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا يزيد بن هارون وحجاج بن محمد قالا أخبرنا بن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة أن أم سليم قال حجاج امرأة أبي طلحة قالت يا رسول الله ‏!‏ المرأة ترى زوجها في المنام يقع عليها أعليها غسل قال نعم إذا رأت بللا فقالت أم سلمة أو تفعل ذلك المرأة فقالت تربت يمينك أنى يأتي شبه الخؤولة إلا من ذلك أي النطفتين سبقت إلى الرحم غلبت على الشبه‏)‏‏)‏ وقال حجاج في حديثه ‏(‏‏(‏ترب جبينك‏)‏‏)‏ وروى أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أمها مثل حديث مالك عن هشام بن عروة المذكور في هذا الباب إلا أنه قال فقالت أم سلمة - وغطت وجهها - أو تحتلم المرأة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تربت يداك فبم يشبهها ولدها وقد روى ثوبان مولى النبي عن النبي -عليه السلام- ما يخالف الحديث المذكور في الشبه رواه معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام الحبشي يقول حدثني أبو أسماء الرحبي أن ثوبان مولى النبي عليه السلام حدثه أن حبرا من أحبار اليهود قال لرسول الله أسألك عن الولد فقال رسول الله ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله فقال اليهودي أشهد أنك نبي ثم انصرف وذكر تمام الحديث‏.‏

وأما قوله في الحديث ‏(‏‏(‏أف لك‏)‏‏)‏ فيجر ويرفع وينصب بتنوين وغير تنوين ذكر ذلك أبو عبيدة وغيره وقال هو ما غلظ من الكلام وقبح وقال غيره معنى هذه اللفظة أنه يقال جوابا لما يستثقل من الكلام وما يضجر منه وقالوا الأف والتف بمعنى قالوا والأف وسخ الأذن والتف وسخ الأظفار‏.‏

وأما قوله ‏(‏‏(‏تربت يداك‏)‏‏)‏ و‏(‏‏(‏تربت يمينك‏)‏‏)‏ ففيه قولان أحدهما أن يكون استغنت يداك أو يمينك كأنه يعرض لها بالجهل لما أنكرت ما لا ينبغي أن ينكر وأنها كانت تحتاج أن تسأل عن ذلك فخاطبها بضد المعنى تنبيها وتأنيبا كما قيل في قوله تعالى ‏(‏ذق إنك أنت العزيز الكريم‏)‏ ‏[‏الدخان 49‏]‏‏.‏

وكما تقول لمن كف عن السؤال فيما جهله أما أنت فاستغنيت أن تسأل عن مثل هذا أي لو أنصفت نفسك ونصحت لها لسألت وقال غيره هو كما يقال للشاعر إذا أجاد قاتله الله وأخزاه لقد أجاد ‏!‏ ويله مسعر حرب ‏!‏ وقال ويل أمه وهو يريد مدحه وهذا كله عند من قال هذا القول فرارا من الدعاء على عائشة تصريحا وأن ذلك غير ممكن من النبي -عليه السلام- عندهم وأنكر أكثر أهل العلم باللغة والمعاني أن تكون هذه اللفظة بمعنى الاستغناء وقالوا لو كانت بمعنى الاستغناء لقال أتربت يمينك لأن الفعل منه رباعي يقال أترب الرجل إذا استغنى وترب إذا افتقر وقالوا معنى قوله ‏(‏‏(‏تربت يمينك‏)‏‏)‏ أي افتقرت من العلم بما سألت عنه أم سليم ونحو هذا قال أبو عمر أما قوله ‏(‏‏(‏تربت يمينك‏)‏‏)‏ فمعلوم من دعاء العرب بعضهم على بعض مثل قاتله الله وهوت أمه وثكلته أمه وعقرا حلقا ولليدين والفم ونحو هذا والشبه والشبه مثل المثل والمثل والقتب والقتب‏.‏

باب جامع غسل الجنابة

97- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا بأس أن يغتسل بفضل المرأة ما لم تكن حائضا أو جنبا قال أبو عمر هذا معنى قد اختلفت فيه الآثار واختلفت فيه أيضا فقهاء الأمصار قال الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعي يقول لا بأس بفضل وضوء المرأة إلا أن تكون حائضا أو جنبا قال الوليد‏.‏

وقال مالك والليث بن سعد يتوضأ به إذا لم يجد غيره ولا يتيمم وفي هذه المسألة للسلف خمسة أقوال أحدها قول بن عمر هذا وبه قال الأوزاعي وروي ذلك عن الحسن والشعبي رواه هشيم وغيره عن يونس عن الحسن وقال إسماعيل بن أبي خالد سألت الشعبي عن فضل وضوء الحائض والجنب فنهى أن يتوضأ به والثاني الكراهية أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة وأن تتوضأ المرأة بفضل الرجل رواه داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري قال لقيت رجلا صحب النبي -عليه السلام- ما صحبه أبو هريرة أربع سنين فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغتسل الرجل بفضل المرأة ولا تغتسل المرأة بفضله هكذا رواه أبو خيثمة زهير بن معاوية عن داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري ورواه أبو عوانة عن داود الأودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة فأخطأ فيه وروى عبد العزيز بن المختار عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس أن النبي -عليه السلام- نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل ولكن ليشرعا جميعا وقد روى سليمان التيمي عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي -عليه السلام- نهى أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد والوجه الثالث الكراهية أن يتوضأ الرجل بفاضل طهور المرأة والترخيص في أن تتطهر المرأة بفضل طهور الرجل ورواه شعبة عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس عن النبي عليه السلام ورواه سليمان التيمي عن أبي حاجب عن رجل من أصحاب النبي عن النبي عليه السلام ورواه شعبة عن عاصم الأحول وهو عاصم بن سليمان عن أبي حاجب عن الحكم الغفاري عن النبي عليه السلام واسم أبي حاجب سوادة بن عاصم وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب رواه قتادة عنهما وروى الوليد بن مسلم قال أخبرني سالم أنه سمع الحسن يقول أكره الوضوء بفضل المرأة حائضا كانت أو غير حائض والقول الرابع أنهما إذا شرعا جميعا في التطهر فلا بأس به وإذا خلت المرأة بالطهور فلا خير في أن يتوضأ بفضل طهورها روي ذلك عن جويرية زوج النبي عليه السلام ورواه الشيباني عن عكرمة ورواه الأوزاعي عن عطاء وهو قول أحمد بن حنبل قال الأثرم قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - فضل وضوء المرأة فقال إذا خلت به تتوضأ منه إنما الذي رخص فيه أن يتوضأ معا جميعا وذكر حديث الحكم بن عمرو الغفاري فقال هو يرجع إلى أن الكراهة إذا خلت به المرأة قيل له فالمرأة تتوضأ بفضل الرجل قال أما الرجل فلا بأس به إنما كرهت المرأة وجاء عن عطاء أنه قال لا يصلح للرجل أن يغتسل بماء اغتسلت به المرأة إلا أن يشرعا فيه جميعا ذكره دحيم عن محمد بن شعيب عن الأوزاعي ومعاوية بن سلام عن عطاء وذكره عبيد الله بن موسى عن زكريا عن الشعبي قال لا يغتسل الرجلان جميعا إذا أجنبا والرجل والمرأة يغتسلان جميعا وهذا غريب عجيب والقول الخامس أنه لا بأس أن يتطهر كل واحد منهما بفضل طهور صاحبه شرعا جميعا أو خلا كل واحد منهما به وعلى هذا القول فقهاء الأمصار وجمهور العلماء والآثار في معناه متواترة فمنها حديث بن عباس أن امرأة من نساء النبي -عليه السلام- اغتسلت من الجنابة رأى رسول الله أن يغتسل من فضلها فأخبرته أنها اغتسلت منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏الماء لا ينجسه شيء‏)‏‏)‏ وروى عكرمة عن بن عباس من طرق كثيرة ومنهم من يجعله عن بن عباس عن ميمونة ومنهم من قال فيه بعض أزواج النبي عليه السلام وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء جابر بن زيد عن بن عباس أن ميمونة أخبرته أنها كانت تغتسل هي والنبي -عليه السلام- من إناء واحد - هو الفرق - من الجنابة ولحديث عائشة طرق متواترة منهم من يقول فيه يشرعان فيه جميعا ومنهم من يقول فيه وهما جنبان وروي أيضا حديث عائشة من طرق سعيد بن المسيب وعكرمة ومعاذة العدوية كلهم عن عائشة بمعنى واحد وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة مثله قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة وروي من حديث علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وبعض نسائه من إناء واحد وروي عن أم صبية الجهنية - وهي خولة بنت قيس - أنها قالت اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء واحد ومن حديث أم هانئ قالت اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة من إناء واحد وقال بن عمر كان الرجال والنساء يتوضؤون من إناء واحد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بن عباس لا بأس أن تتوضأ بفضلها وتتوضأ بفضلك وكان يقول هن ألطف بنانا وأطيب ريحا وقال الزهري تتوضأ بفضلها كما تتوضأ بفضلك‏.‏

وقال مالك لا بأس بذلك حائضا كانت أو جنبا‏.‏

وقال الشافعي لا بأس أن يتوضأ بفضل الحائض والجنب لأن النبي -عليه السلام- اغتسل هو وعائشة من إناء واحد فكل واحد منهما مغتسل بفضل وضوء صاحبه وليست الحيضة في اليد وليس المؤمن بنجس وإنما هو متعبد بأن يمس الماء في بعض حالاته دون بعض قال أبو عمر في حديث عائشة وميمونة من نقل الحفاظ ذكر الجنابة وهو قاطع لقول من قال لا يغتسل بفضل الحائض والجنب وهو قول الحجازيين والعراقيين‏.‏

98- وأما حديث مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يعرق في الثوب وهو جنب ثم يصلي فيه‏.‏

99- وبه عن بن عمر أن جواريه كن يغسلن رجليه ويعطينه الخمرة وهن حيض فلا خلاف بين العلماء في طهارة عرق الجنب وعرق الحائض قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن ليس بنجس‏)‏‏)‏ وقالت عائشة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ناوليني الخمرة فقلت إني حائض فقال‏)‏ ‏(‏‏(‏إن حيضتك ليست في يدك‏)‏‏)‏ فدل هذا على أن كل عضو منها ليس فيه نجاسة فهو طاهر وقد أجمعوا على جواز نكاح الكتابية وان لا غسل على زوجها منها إلا كما هو عليه من المسلمة ومعلوم أنه لا يؤمن عليه عرقها معه وإذا لم يكن عرق الكافرة نجسا فعرق الجنب أحرى بذلك وإنما النجاسة على ما قدمنا ذكره من الأثفال الخارج من السبيلين والميتات‏.‏

وأما البصاق والعرق فظاهر عن الجميع نقلا وعملا إلا ما روي عن سلمان لا وجه له ولا يصح عنده وقد ثبت عن النبي -عليه السلام- أنه كان يبصق في ثوبه وهو يصلي وأمر المصلي أن يبصق في ثوبه أو تحت قدميه ولا يبصق قبالة وجهه إذا صلى والأمر في هذا أوضح من أن يحتاج فيه إلى أكثر من هذا لأن العلماء مجمعون عليه والحمد لله وهذا المعنى يقتضي قول مالك في الجنب يدخل إصبعه في الماء ليعلم حره من برده وقد مضى ذكر الماء وحكم قليله في ورود النجاسة عليه ووروده عليها فلا وجه لإعادته وتكريره فأما قول مالك في رجل له نسوة أنه لا بأس أن يطأ الرجل جاريته قبل أن يغتسل ويكره أن يطأ الرجل المرأة الحرة في يوم الأخرى - فوجه ذلك أن الجواري لا قسم لهن عليه فله أن يطأ جميعهن في اليوم والليلة وقد روي عن النبي -عليه السلام- أنه طاف على نسائه في غسل واحد وهذا معناه في حين قدومه من سفر أو نحوه في وقت ليس لواحدة منهن يوم معين معلوم فجمعن حينئذ ثم دار بالقسم عليهن بعد -والله أعلم- لأنهن كن حرائر وسنته عليه السلام - فيهن العدل في القسم بينهن وألا يمس الواحدة في يوم الأخرى وهذا قول جماعة الفقهاء وهو مروي عن بن عباس وعطاء وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ وضوءه للصلاة قال أحمد بن حنبل إن توضأ فهو أعجب إلي فإن لم يفعل فأرجو ألا يكون به بأس وكذلك قال إسحاق إلا أنه قال لا بد من غسل الفرج إن أراد أن يعود‏.‏

باب التيمم

ذكر فيه عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة حديثها في خروجها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره إذ انقطع العقد لها فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ملتمسا له مع الناس وهم على غير ماء ولا ماء معهم وحضرت الصلاة - وهم على تلك الحالة - فنزلت آية التيمم‏.‏

100- ساقه مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت عائشة فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء وقالت عائشة فعاتبني أبو بكر فقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن حضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر قالت فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته قال أبو عمر هذا الحديث عندي أصح حديث روي في التيمم والله أعلم والسفر المذكور فيه كان في غزوة المريسيع إلى بني المصطلق بن خزاعة في سنة ست من الهجرة وقيل سنة خمس في هذا الحديث من الفقه خروج النساء في الأسفار مع أزواجهن جهاد كان السفر أو غيره لأنه إذا جاز جاز خروجهن مع ذوي المحارم والأزواج إلى الجهاد - مع الخوف عليهن وعلى من معهن من الرجال في الإيغال في أرض العدو فأحرى أن يخرجن إلى غير الجهاد من الحج والعمرة وسائر الأسفار المباحة وخروجهن إلى الجهاد مع ذوي المحارم والأزواج إنما يصح -والله أعلم- في العسكر الكبير الذي الأغلب منه الأمن عليهن وقد ذكرت في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ حديث أنس أن النبي -عليه السلام- كان يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى وحديث الربيع بنت معوذ بن عفراء أنه قيل لها هل كنتن تخرجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو قالت نعم كنا نخرج معه نسقي الجرحى ونداويهم وهذا كله مقيد بقوله عليه السلام لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع زوجها أو ذي محرم منها ومقيد أيضا بحديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يسافر أقرع بين نسائه فأيهن خرج سهمها خرج بها وسيأتي القول في هذا المعنى في موضعه إن شاء الله وقد ذكرنا في ‏(‏ ‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ أيضا اختلاف ألفاظ الرواة لهذا الحديث عن عائشة في العقد لمن كان في الموضع الذي سقط فيه ومن سماه عقد ومن سماه قلادة وكل ذلك من نقل الثقات ولا يقدح شيء من ذلك في المعنى المقصود إليه من الحديث وليس في الموطإ حديث مرفوع في التيمم غير هذا وهو أصل التيمم إلا أنه ليس فيه رتبة التيمم وكيفيته وقد نقلت آثار عن النبي -عليه السلام- مختلفة في كيفية التيمم هل هو ضربة أو ضربتان وهل يبلغ به المرفقان أم لا وهل الرواية في التيمم إلى الآباط عن عمار منسوخة أم لا وكل ذلك مبسوط في التمهيد ويأتي فيه ها هنا ما يغني ويكفي إن شاء الله وأجمع العلماء بالأمصار بالمشرق والمغرب - فيما علمت - أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء طهور كل مسلم مريض أو مسافر وسواء كان جنبا أو على غير وضوء ولا يختلفون في ذلك وكان عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود يقولان إن الجنب لا يطهره إلا الماء وأنه لا يستبيح بالتيمم الصلاة أبدا بقوله تعالى ‏(‏وإن كنتم جنبا فاطهروا‏)‏ ‏[‏المائدة 6‏]‏‏.‏

وقوله ‏(‏ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا‏)‏ ‏[‏النساء 43‏]‏‏.‏

وخفيت عليهما السنة في ذلك ولم يصل إليهما من ذلك إلا قول عمار وكان عمر حاضرا ذلك معه فأنسي قصد عمار وارتاب في ذلك بحضوره معه ونسيانه لذلك ‏(‏فلم‏)‏ يقنع بقوله فذهب هو وبن مسعود إلى أن الجنب لم يدخل في المراد بقوله ‏(‏وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا‏)‏ ‏[‏المائدة 6‏]‏‏.‏

وكانا يذهبان إلى أن الملامسة ما دون الجماع وقد ذكرنا اختلاف العلماء في معنى الملامسة فيما مضى والحمد لله وروى أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن بن مسعود قال لا يتيمم الجنب وإن لم يجد الماء شهرا ولم يتعلق أحد من فقهاء الأمصار من قال إن الملامسة الجماع ومن قال إنها ما دون الجماع بقول عمر وبن مسعود في ذلك ولا ذهب إليه لما روي عن النبي -عليه السلام- من حديث عمار وحديث عمران بن حصين وحديث أبي ذر أنه -عليه السلام- أمر الجنب بالتيمم إذا لم يجد الماء ولو غاب عن الماء شهرا وقد ذكرنا الآثار بذلك في التمهيد وقد غلط بعض الناس في هذا المعنى عن بن مسعود فزعم أنه كان يرى الجنب إذا تيمم ثم وجد الماء لم يغتسل ولا وضوء عليه حتى يحدث وهذا لا يقوله أحد من علماء المسلمين ولا روى عن أحد من السلف ولا الخلف - فيما علمت - إلا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ولا يعرف عنه والمحفوظ عن بن مسعود ما وصفنا عنه وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر وغيره ‏(‏‏(‏التراب كافيك ما لم تجد الماء ولو أقمت عشر سنين لا تجده فإذا وجدت الماء فاغتسل‏)‏‏)‏ وفي بعض الروايات ‏(‏‏(‏فأمسه بشرتك‏)‏‏)‏ - دليل واضح على أن الجنب إذا وجد الماء لزمه استعماله وأن تيممه ليس بطهارة كاملة وإنما هو استباحة للصلاة ثم هو على حاله جنب عند وجود الماء وقد أمليت في هذه المسألة ما فيه كفاية في باب أفردته لها والحمد لله واختلف الفقهاء في الذي يدخل عليه وقت الصلاة ويخشى خروجه وهو لا يجد الماء ولا يستطيع الوصول إليه ولا إلى صعيد يتيمم به فقال بن القاسم في المحبوس إذا لم يجد ماء ولم يقدر على الصعيد - صلى كما هو وأعاد إذا قدر على الماء أو على الصعيد وقال أشهب في المتهدم عليهم والمحبوس والمربوط ومن صلب في خشبة ولم يمت وحان وقت الصلاة عليه إنه لا صلاة على واحد من هؤلاء حتى يقدروا على الماء أو على الصعيد فإن قدروا على ذلك توضؤوا أو تيمموا وصلوا وقال بن القاسم في هؤلاء وفي كل من معه عقله إنهم يصلون على حسب ما يقدرون ثم يعيدون إذا قدروا على الطهارة بالماء أو بالصعيد عند عدم الماء وروى معن بن عيسى عن مالك فيمن كتفه الوالي وحبسه عن الصلاة حتى خرج وقتها إنه لا إعادة عليه وإلى هذه الرواية -والله أعلم- ذهب بن خواز منذاد لأنه قال في الصحيح من مذهب مالك أن كل من لم يقدر على الماء ولا الصعيد حتى خرج الوقت أنه لا يصلي ولا إعادة عليه قال ورواه المدنيون عن مالك وهو الصحيح من مذهبه قال أبو عمر لا أدري كيف أقدم على أن جعل هذا الصحيح من مذهب مالك مع خلافه جمهور السلف وعامة الفقهاء وجماعة المالكيين وأظنه ذهب إلى ظاهر حديث مالك في هذا في قوله وليسوا على ماء وليس معهم ماء فنام رسول الله حتى أصبح وهذا لا حجة فيه لأنه لم يذكر أنهم لم يصلوا بل فيه نزلت آية التيمم وفي حديث عمر أنهم تيمموا يومئذ إلى المناكب في حين نزول الآية وقد روى هشام بن عروة في هذا الحديث أنهم صلوا بغير وضوء إلا أنه لم يذكر إعادة ويحتمل أن تكون الإعادة مأخوذة من حديث عمار كأنهم إذ نزلت التيمم توضؤوا وأعادوا ما كانوا قد صلوا بغير وضوء وعلى هذا ترتبت الآثار وعلى هذين القولين فقهاء الأمصار‏.‏

وأما قول بن خواز منداذ في سقوط الصلاة عمن معه عقله لعدم الطهارة فقول ضعيف مهجور شاذ مرغوب عنه وقال بن القاسم كيف تسقط الصلاة عمن معه عقله لعدم الطهارة لم يغم عليه ولم يجن وعلى هذا سائر العلماء فيمن لم يصل إلى الصعيد ولا الماء فإذا زال المانع له توضأ أو تيمم وصلى وذكر بن حبيب قال سألت مطرفا وبن الماجشون وأصبغ بن الفرج عن الخائف تحضره الصلاة وهو على دابته على غير وضوء ولا يجد إلى النزول للوضوء والتيمم سبيلا فقال بعضهم يصلي كما هو على دابته إيماء فإذا أمن توضأ إن وجد الماء أو تيمم إن لم يجد الماء وأعاد الصلاة في الوقت وبعد الوقت وقال لي أصبغ بن الفرج لا يصلي وإن خرج الوقت حتى يجد السبيل إلى الطهور بالماء أو الصعيد عند عدم الماء قال ولا يجوز لأحد أن يصلي بغير طهور قال عبد الملك بن حبيب وهذا أحب إلي قال وكذلك الأسير المغلول لا يجد السبيل إلى الوضوء والمريض المثبت الذي لا يجد من يناوله الماء ولا يستطيع التيمم هما مثل الذي وصفنا من الخائف وكذلك قال أصبغ بن الفرج في هؤلاء الثلاثة قال وهو أحسن ذلك عندي وأقواه‏.‏

وأما الشافعي فعنه في هذا روايتان إحداهما لا يصلي حتى يجد طهارة والأخرى يصلي كما هو ويعيد الصلاة وهو المشهور عنه قال المزني وإذا كان محبوسا لا يقدر على طهارة بماء أو تراب نظيف صلى وأعاد إذا قدر‏.‏

وقال أبو حنيفة في المحبوس في المصر إذا لم يجد ماء ولا ترابا نظيفا لم يصل فإذا وجد ذلك صلى وقال أبو يوسف ومحمد والثوري والشافعي والطبري يصلي ويعيد كقول بن القاسم‏.‏

وقال أبو ثور القياس ألا يصلي من لا يجد الماء ولا قدر عليه ولا على الصعيد وإن خرج الوقت فإذا قدر على ذلك صلى بالطهارة تلك الصلاة ثم رجع فقال بقول الشافعي ومن تابعه في هذا الباب وقد قال أبو ثور أيضا إن القياس فيمن لم يقدر على الطهارة أن يصلي كما هو ولا يعيد كمن لا يقدر على الثوب وصلى عريانا الصلاة لازمة له يصلي على ما يقدر ويؤدي ما عليه بقدر طاقته وعند أبي يوسف وأبي حنيفة ومحمد والشافعي إن وجد المحبوس في المصر ترابا نظيفا صلى في قولهم وأعاد وقال زفر لا يتيمم ولا يصلي وإن وجد ترابا نظيفا على أصله لأنه لا يتيمم أحد في الحضر وقال بن القاسم لو تيمم من لا يجد الماء في المصر على التراب النظيف أو على وجه الأرض لم تكن عليه إعادة إذا وجد الماء بعد الوقت قال أبو عمر ها هنا مسألة أخرى في تيمم الذي يخشى فوت الوقت وهو في الحضر نذكرها بعد إن شاء الله قال أبو عمر أما الذين ذهبوا إلى ألا يصلي حتى يجد الطهارة فحجتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لا يقبل الله صلاة بغير طهور‏)‏‏)‏ وليس فرض الوقت بأوكد من هذا كما أنه لا يقبلها قبل وقتها‏.‏

وأما الذين ذهبوا إلى أن يصلي كما هو ويعيد فاحتاطوا للصلاة في الوقت على حسب الاستطاعة لاحتمال قوله ‏(‏‏(‏بغير طهور‏)‏‏)‏ لمن قدر عليه ولم يكونوا على يقين من هذا التأويل فرأوا الإعادة واجبة مع وجود الطهارة قال أبو عمر في حديث مالك هذا عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قولها ‏(‏‏(‏ فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء ولم يكن يومئذ طهارة غير الماء وحينئذ نزلت آية التيمم‏)‏‏)‏ دليل على أن من عدم الماء لم يصل حتى يمكنه والله أعلم وقد يحتمل قولها ‏(‏‏(‏حتى أصبح‏)‏‏)‏ قارب الصباح أو طلع الفجر ولم تطلع الشمس حتى نزلت آية التيمم والله أعلم وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ في هذا الموضع الأحاديث عن النبي عليه السلام أنه قال ‏(‏‏(‏لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول‏)‏‏)‏ وقوله عليه السلام ‏(‏‏(‏لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ‏)‏‏)‏ بالأسانيد الصحاح والحمد لله وقوله في حديث مالك وليسوا على ماء وليس معهم ماء دليل واضح على أن الوضوء بالماء قد كان لازما لهم قبل نزول آية التيمم وهي آية الوضوء وأنهم لم يكونوا يصلون إلا بوضوء قبل نزول الآية ألا ترى قوله ‏(‏‏(‏فأنزل الله آية التيمم‏)‏‏)‏ وهي آية الوضوء المذكورة في تفسير المائدة أو الآية التي في سورة النساء ليس التيمم مذكورا في غير هاتين الآيتين وهما مدنيتان وليست الآية بالكلمة أو الكلمتين وإنما هي الكلام المجتمع الدال على الإعجاز الجامع لمعنى يستفاد القائم بنفسه ومعلوم أن غسل الجنابة لم يفترض قبل الوضوء فكما انه معلوم عند جميع أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم افترضت عليه الصلاة بمكة والغسل من الجنابة وأنه لم يصل قط بمكة إلا بوضوء مثل وضوئه بالمدينة ومثل وضوئنا اليوم وهذا ما لا يجهله عالم ولا يدفعه إلا معاند وفيما ذكرنا دليل على أن آية الوضوء إنما نزلت ليكون فرضها المتقدم متلوا في التنزيل ولها نظائر ليس هذا موضع ذكرها وفي قوله في حديث مالك ‏(‏‏(‏فنزلت آية التيمم‏)‏‏)‏ ولم يقل فنزلت آية الوضوء ما يدلك أن الذي طرأ عليهم من العلم في ذلك الوقت حكم التيمم لا حكم الوضوء بالماء والله أعلم ومن فضل الله ونعمته على عباده أن نص على حكم الوضوء وهيئته بالماء ثم أخبر بحكم التيمم عند عدم الماء فقال أسيد بن الحضير ‏(‏‏(‏ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر‏)‏‏)‏ وفي قوله ‏(‏‏(‏وليس معهم ماء‏)‏‏)‏ دليل على أنه غير واجب حمل الماء للوضوء وأنه جائز سلوك كل طريق مباح سلوكها وإن عدم الماء في بعضها‏.‏

وأما التيمم فمعناه في اللغة القصد مجملا ومعناه في الشريعة القصد إلى الصعيد خاصة للطهارة للصلاة عند عدم الماء فيضرب عليه بباطن كفيه ثم يمسح بهما وجهه ويديه وقد ذكرنا شواهد الشعر واللغة على لفظ التيمم في التمهيد‏.‏

وأما الصعيد فقيل وجه الأرض وقيل بل التراب خاصة والطيب طاهر لا خلاف في ذلك‏.‏

وأما اختلاف العلماء في الصعيد فقال مالك وأصحابه الصعيد وجه الأرض ويجوز التيمم عندهم على الحصباء والجبل والرمل والتراب وكل ما كان وجه الأرض‏.‏

وقال أبو حنيفة وزفر يجوز أن يتيمم بالنورة والحجر والزرنيخ والجص والطين والرخام وكل ما كان من الأرض وقال الأوزاعي يجوز التيمم على الرمل وقال الثوري وأحمد بن حنبل يجوز التيمم بغبار الثوب واللبد ولا يجوز عند مالك وقال بن خويز منداد يجوز التيمم عندنا على الحشيش إذا كان ذلك وجه الأرض واختلفت الرواية عن مالك في التيمم على الثلج فأجازه مرة وكرهه أخرى ومنع منه ومن الحجة لمذهب مالك في هذا الباب قوله تعالى ‏(‏صعيدا زلقا‏)‏ ‏[‏الكهف 40‏]‏‏.‏

‏(‏وصعيدا جرزا‏)‏ ‏[‏الكهف 8‏]‏‏.‏

والجرز الأرض الغليظة التي لا تنبت شيئا وقوله عليه السلام ‏(‏‏(‏جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا‏)‏‏)‏ فكل موضع جازت الصلاة فيه من الأرض جائز التيمم به وقال -عليه السلام- ‏(‏‏(‏يحشر الناس يوم القيامة على صعيد واحد‏)‏‏)‏ أي أرض واحدة‏.‏

وقال الشافعي وأبو يوسف الصعيد التراب ولا يجزئ عندهم التيمم بغير التراب‏.‏

وقال الشافعي لا يقع الصعيد إلا على تراب غبار أو نحوه فأما الصخرة الغليظة والرقيقة والكثيب الغليظ - فلا يقع عليه اسم صعيد‏.‏

وقال أبو ثور لا تيمم إلا على تراب أو رمل قال أبو عمر أجمع العلماء على أن التيمم بالتراب جائز واختلفوا فيما عداه من الأرض وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏جعلت لي الأرض مسجدا وجعلت تربتها لي طهورا‏)‏‏)‏ وروى هذا جماعة من حفاظ العلماء عن الصحابة عن النبي -عليه السلام- وهو يغضي على رواية من روى ‏(‏‏(‏جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا‏)‏‏)‏ ويفسرها والله أعلم ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضيل عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن خراش عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏فضلنا على الأنبياء بثلاث جعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا‏)‏‏)‏ وذكر تمام الحديث قال حدثنا يحيى بن أبي بكير عن زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية أنه سمع علي بن أبي طالب يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض وسميت أحمد وجعل لي التراب طهورا وجعلت أمتي خير الأمم‏)‏‏)‏ والآثار بهذا كثيرة وهي تفسر المجمل والله أعلم وقال بن عباس أطيب الصعيد أرض الحرث وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه قال سئل بن عباس أي الصعيد أفضل فقال الحرث وفي قول بن عباس هذا ما يدل على أن الصعيد يكون غير أرض الحرث وجماعة الفقهاء على إجازة التيمم بالسباخ إلا إسحاق بن راهويه فإنه قال لا تيمم بتراب السبخة وروي عن بن عباس فيمن أدركه التيمم وهو في طين قال يأخذ من الطين فيطلي به بعض جسده فإذا جف تيمم به واختلف الفقهاء في كيفية التيمم فقال مالك والشافعي وأصحابهما والثوري وبن أبي سلمة والليث ضربتان ضربة للوجه يمسح بها وجهه وضربة لليدين يمسحهما إلى المرفقين يمسح اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى إلا أن بلوغ المرفقين عند مالك ليس بفرض وإنما الفرض عنده إلى الكوعين والاختيار عنده إلى المرفقين‏.‏

وأما سائر من ذكرنا معه من الفقهاء فإنهم يرون بلوغ المرفقين بالتيمم فرضا واجبا وممن روي عنه التيمم إلى المرفقين عبد الله بن عمر والشعبي والحسن البصري وسالم بن عبد الله بن عمر وقال الأوزاعي التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الكوعين وهما الرسغان وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وقد روي عن الأوزاعي - وهو أشهر عنه - أن التيمم ضربة واحدة يمسح بها وجهه ويديه إلى الكوعين وهو قول عطاء والشعبي في رواية وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي والطبري وهذا أثبت ما يروى في حديث عمار ورواه أبو وائل شقيق بن سلمة عن أبي موسى عن عمار فقال فيه ضربة واحدة لوجهه وكفيه ولم يختلف في حديث أبي وائل هذا ورواه سفيان الثوري وأبو معاوية وجماعة عن الأعمش عن أبي وائل ولم يختلفوا فيه وسائر أسانيد حديث عمار مختلف فيها‏.‏

وقال مالك إن مسح وجهه ويديه بضربة واحدة أجزأه وإن مسح يديه إلى الكوعين أجزأه وأحب إلي أن يعيد في الوقت والاختيار عند مالك ضربتان وبلوغ المرفقين وحجة من رأى التيمم إلى الكوعين - ما ثبت عن النبي -عليه السلام- من حديث عمار وغيره أنه قال في التيمم ضربة للوجه والكفين وفي بعض الآثار عن عمارة ضربة للوجه وضربة للكفين وحديثه هذا غير حديثه عند نزول آية التيمم وقد بينا ذلك في التمهيد قال الله تعالى ‏(‏فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه‏)‏ ‏[‏النساء 43‏]‏‏.‏

والمائدة 6 ولم يقل إلى المرفقين كما قال في الوضوء وقال تعالى ‏(‏والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما‏)‏ ‏[‏المائدة 38‏]‏‏.‏

وأجمعوا أن القطع إلى الكوعين‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والليث بن سعد والشافعي لا تجزيه إلا ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وبه قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وإليه ذهب إسماعيل بن إسحاق القاضي وقد رويت بذلك آثار عن النبي -عليه السلام- من حديث عمار أيضا وغيره وقد ذكرنا ذلك في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏‏.‏

حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبان بن يزيد قال سئل قتادة عن التيمم في السفر فقال كان بن عمر يقول إلى المرفقين وكان الحسن يقول إلى المرفقين وكان إبراهيم يقول إلى المرفقين قال‏.‏

وحدثني محدث عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار بن ياسر عن النبي -عليه السلام- قال إلى المرفقين قال أبو عمر أحاديث عمار في التيمم كثيرة الاضطراب وإن كان رواتها ثقات ولما اختلفت الآثار في كيفية التيمم وتعارضت كان الواجب في ذلك الرجوع إلى ظاهر القرآن وهو يدل على ضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين قياسا على الوضوء واتباعا لفعل عمر رحمه الله ولما كان غسل الوجه بالماء غير غسل اليدين - فكذلك يجب أن تكون الضربة في التيمم للوجه غير الضربة لليدين قياسا ونظرا -والله أعلم- إلا أن يصح عن النبي -عليه السلام- خلاف ذلك فيسلم له وقال بن أبي ليلى والحسن بن حي التيمم ضربتان يمسح بكل ضربة منهما وجهه وذراعيه ومرفقيه وما أعلم أحدا قال ذلك غيرهما والله أعلم وقال بن شهاب الزهري يبلغ بالتيمم الآباط ولم يقل ذلك غيره - فيما علمت - والله أعلم إلا ما في حديث عمار حين نزول آية التيمم وهو حديث رواه بن شهاب من رواية مالك وغيره عنه عن عبيد الله بن عتبة عن أبيه عن عمار بن ياسر ومن أصحاب بن شهاب من يرويه عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس فذكر نحو حديث عائشة أنها حبست الناس وليس معهم ماء فأنزل الله على رسوله رخصة التيمم بالصعيد الطيب فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحوا بأيديهم الأرض ورفعوها ولم يقبضوا من التراب شيئا فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب من بطون أيديهم إلى الآباط وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ واختلافهم في إسناده وألفاظه إلا أنهم لم يختلفوا عن بن شهاب في هذا الحديث أن التيمم إلى المناكب وهو حجة لابن شهاب فيما ذهب من ذلك إليه مع أن اللغة تقضي أن اليدين من المناكب إلا أن الحديث بذلك ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك والآثار عن النبي -عليه السلام- أنه أمر بالتيمم إلى المرفقين وإلى الكوعين كثيرة وقد يحتمل أن يكون من تيمم عند نزول الآية إلى المناكب أخذ بظاهر الكلام وما تقتضيه اللغة من عموم لفظ الأيدي ثم أحكمت الأمور بعد بفعل النبي -عليه السلام- وأمره بالتيمم إلى المرفقين وروي عنه إلى الكوعين كما روي ضربة واحدة وضربتان وكل ذلك صحيح عنه وصار من ذلك الفقهاء كل إلى ما رواه وما أداه إليه اجتهاده ونظره وأجمع العلماء على أن الطهارة بالتيمم لا ترفع الجنابة ولا الحدث إذا وجد الماء إلا شيء روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن رواه بن جريج وعبد الحميد بن جبير بن شيبة عنه ورواه بن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن حرملة عنه أنه قال في الجنب المتيمم يجد الماء إنه على طهارة ولا يحتاج إلى غسل ولا وضوء حتى يحدث‏.‏

وأما سائر العلماء الذين هم الحجة على من خالف جميعهم فقالوا في الجنب إذا تيمم ثم وجد الماء إنه يلزمه الغسل لما يستقبل حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر أنه سمع أبا ذر يقول كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏(‏‏(‏يا أبا ذر إن الصعيد طيب طهور وإن لم تجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسسه جلدك‏)‏‏)‏ ورواه سفيان الثوري وغيره عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر أنه سمعه يقول قال لي رسول الله ‏(‏‏(‏إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليمسسه بشرته‏)‏‏)‏ وقد روي عن أبي سلمة فيمن تيمم وصلى ثم يجد الماء في الوقت أنه يتوضأ ويعيد الصلاة وهذا تناقض وقلة روية ولم يكن أبو سلمة عندهم يفقه كفقه أصحابه التابعين بالمدينة حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا مؤمل بن إهاب قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال كان أبو سلمة يباري بن عباس فحرم بذلك علما كثيرا وأجمع الجمهور من الفقهاء أن من طلب الماء فلم يجده وتيمم وصلى ثم وجد الماء في الوقت - وقد كان اجتهد في الطلب فلم يجد الماء ولا نسيه في رحله - أن صلاته ماضية إلا أنهم منهم من يستحب له أن يعيد صلاته بعد وضوئه أو بعد غسله ما دام في الوقت وأجمع العلماء أن من تيمم بعد أن طلب الماء فلم يجده ثم وجد الماء قبل دخوله في الصلاة أن تيممه باطل لا يجزيه أن يصلي به وأنه قد عاد بحاله قبل التيمم واختلفوا إذا وجد الماء بعد دخوله في الصلاة فقال مالك والشافعي وأصحابهما إلا المزني - وبه قال داود بن علي والطبري يتمادى في صلاته وتجزيه فإذا فرغ توضأ للصلاة الأخرى بذلك الماء لأنه إذا وجد الماء ولم يكن في الصلاة وجب عليه الوضوء به للصلاة فإذا كان في الصلاة لم يقطعها لرؤيته الماء وهو فيها قالوا لأنه لم تثبت في ذلك سنة توجب عليه قطع صلاته بعد دخوله فيها ولا إجماع يجب التسليم له قالوا وليس قول من قال إن رؤية الماء حدث من الأحداث بشيء لأن ذلك لو كان كذلك لكان الجنب إذا تيمم ثم وجد الماء يعود كالمحدث لا يلزمه إلا الوضوء وكان الذي يطرأ عليه الماء وهو في الصلاة بالتيمم - عند الكوفيين - يقطعها ثم يتوضأ ويبني كالمحدث عندهم وهم لا يقولون بذلك ولا غيرهم فصح أن رؤية الماء ليست بحدث ولا كالحدث ومن حجتهم أيضا أن من وجب عليه الصوم في ظهار أو قتل فصام منه أكثره ثم وجد الرقبة - أنه لا يلغي صومه ولا يعود إلى الرقبة فكذلك من دخل في الصلاة بالتيمم لا يقطعها ولا يعود إلى الوضوء بالماء‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وجماعة أهل العراق من أهل الرأي والحديث منهم أحمد بن حنبل وإليه ذهب المزني صاحب الشافعي وبه قال بن علية من طرأ عليه الماء - وهو في الصلاة أو وجده أو علمه في رحله وهو في الصلاة - قطع وخرج إلى استعماله في الوضوء أو الغسل ثم استقبل صلاته ولم يجز له أن يتمادى في صلاته متيمما وقد وجد الماء وحجتهم أن التيمم لما بطل بوجود الماء قبل الدخول في الصلاة وصار المتيمم في حكم من ليس على طهارة لوجود الماء قبل دخوله في الصلاة فكذلك إذا دخل في الصلاة لأنه لما لم يجز له أن يبتدئ صلاته بالتيمم مع وجود الماء فكذلك لا يجب له التمادي فيها ولا عمل شيء منها بالتيمم وهو واجد للماء وإذا بطل بعض الصلاة بطل جميعها واحتجوا بالإجماع في المعتدة بالشهور ولا يبقى عليها إلا أقلها ثم تحيض - أنها تستقبل عدتها بالحيض والذي يطرأ عليه الماء وهو في الصلاة ولم يبق عليه منها إلا أقلها - كذلك وللفريقين ضروب من الاحتجاج والإدخال والمعارضة تركت ذلك لأن الذي ذكرت كاف وبالله التوفيق وفي هذا الحديث التيمم في السفر وهو أمر مجمع عليه واختلف العلماء في التيمم في الحضر عند عدم الماء فذهب مالك وأصحابه - على اضطراب منهم في ذلك - إلى أن التيمم في السفر والحضر سواء إذا عدم الماء أو تعذر استعماله لمرض أو خوف شديد أو خوف خروج الوقت وهذا قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وحجتهم أن ذكر الله تعالى - المرضى والمسافرين في شرط التيمم خرج على الأغلب ممن لا يجد الماء‏.‏

وأما الحاضرون فالأغلب عليهم وجود الماء فلذلك لم ينص عليهم فإذا لم يجد الحاضر الماء أو منعه منه مانع لا يقدر على دفعه وجب عليه التيمم للصلاة في وقتها لأن التيمم إنما ورد لإدراك وقت الصلاة وخوف فوته محافظة على الوقت فكل من لم يجد الماء وخاف فوت وقت الصلاة كان له أن يتيمم إن كان مريضا أو مسافرا بالنص وإن كان حاضرا صحيحا فبالمعنى والله أعلم‏.‏

وقال الشافعي لا يجوز للحاضر الصحيح أن يتيمم إلا أن يخاف الهلاك على نفسه وبه قال الطبري وقال أبو يوسف وزفر لا يجوز التيمم في الحضر ولا لمرض ولا لخوف خروج الوقت‏.‏

وقال الشافعي والليث بن سعد والطبري إذا عدم في الحضر الماء وخاف فوات الوقت جاز له التيمم وإن كان صحيحا كما جاز للمريض والمسافر إلا أنه يعيد إذا وجد الماء وحجة الشافعي وهؤلاء أن الله - تعالى - جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر كالفطر وقصر الصلاة ولم يبح التيمم إلا بشرط المرض والسفر لقول الله تعالى ‏(‏وإن كنتم مرضى أو على سفر‏)‏ ‏[‏النساء 43‏]‏‏.‏

فلا دخول للحاضر ولا للصحيح المقيم في ذلك لخروجهما من شرط الله - تعالى - في ذلك والكلام بين الفرق في هذه المسألة يطول وفيما أومأنا إليه كفاية والحمد لله قال أبو عمر التيمم للمريض والمسافر إذا لم يجد الماء بالكتاب والسنة والإجماع إلا ما ذكرت لك في تيمم الجنب فإذا وجد المريض والمسافر الماء حرم عليهما التيمم إلا أن يخاف المريض ذهاب نفسه وتلف مهجته في استعماله الماء فيجوز له حينئذ التيمم مع وجود الماء بالسنة لا بالكتاب إلا أن يتأول ‏(‏ولا تقتلوا أنفسكم‏)‏ ‏[‏النساء 69‏]‏‏.‏

والسنة في ذلك ما أجازه النبي -عليه السلام- في حديث جابر من التيمم للمجروح وكان مسافرا صحيحا بقوله ‏(‏‏(‏قتلوه قتلهم الله‏)‏‏)‏ وقد روي من حديث بن عباس أيضا ذكر أبو داود وذكر حديث عمرو بن العاص في خوف شدة البرد والمريض أحرى بجواز ذلك قياسا ونظرا واتباعا لمعنى الكتاب والله أعلم وقال عطاء لا يتيمم المريض إذا وجد الماء ولا غير المريض لأن الله تعالى قال ‏(‏وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا‏)‏ ‏[‏النساء 43‏]‏‏.‏

المائدة 6 فلم يبح التيمم إلا عند عدم الماء وفقده ولولا الأثر الذي ذكرنا وقول جمهور العلماء لكان قول عطاء صحيحا والله أعلم واختلف الفقهاء في التيمم هل تصلى به صلوات كالوضوء بالماء أم هو لازم لكل صلاة فقال مالك لا يصلي صلاتين بتيمم واحد ولا يصلي نافلة ومكتوبة بتيمم واحد إلا أن تكون نافلة بعد المكتوبة قال فإن صلى ركعتي الفجر بتيمم الفجر - أعاد التيمم لصلاة الفجر‏.‏

وقال الشافعي يتيمم لكل صلاة فرض ويصلي الفرض والنافلة وصلاة الجنائز بتيمم واحد ولا يجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد في سفر ولا حضر وهو قول بن عباس وقال شريك يتيمم لكل صلاة نافلة وفريضة ومن حجة من رأى التيمم لكل صلاة فرضا واجبا - أن الله أوجب على كل قائم إلى الصلاة طلب الماء وأوجب عند عدمه التيمم وعلى المتيمم عند دخول وقت صلاة أخرى مثل ما عليه في الأولى وليست الطهارة بالصعيد كالطهارة بالماء لأنها طهارة ضرورة لاستباحة الصلاة قبل خروج الوقت وليست بطهارة كاملة بدليل بطلانها بوجود الماء قبل الصلاة وأن الجنب يعود جنبا بعدها إذا وجد الماء وكذلك أمر كل من استباح بها الصلاة أن يطلب الماء للصلاة الأخرى فإذا طلب الماء ولم يجده لزمه التيمم بظاهر قوله ‏(‏فلم تجدوا ماء فتيمموا‏)‏ قالوا ولما أجمعوا أنه لا تيمم قبل دخول الوقت دل على أنه يلزمه التيمم لكل صلاة لئلا يكون تيممه قبل الوقت‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والليث بن سعد والحسن بن حي وداود يصلي ما شاء بتيمم واحد ما لم يحدث لأنه طاهر ما لم يجد الماء وليس عليه طلب الماء إذا يئس منه والكلام في هذه المسألة بين المختلفين كثير جدا لم أر لذكره وجها ولم يختلف قول مالك وأصحابه فيمن تيمم للصلاة فصلاها فلما سلم منها ذكر صلاة نسيها أنه تيمم لها واختلفوا فيمن صلى صلاتي فرض بتيمم واحد فروى يحيى عن بن القاسم فيمن صلى صلوات كثيرة بتيمم واحد أنه يعيد ما زاد على واحدة في الوقت واستحب له أن يعيد أبدا وروى أبو زيد بن أبي الغمر عنه أنه يعيد أبدا وقال أصبغ بن الفرج أن جمع بين صلاتين بتيمم واحد نظر فإن كانتا مشتركتين في الوقت أعاد الآخرة في الوقت وإن كانتا غير مشتركتين في الوقت أعاد الثانية أبدا وذكر بن عبدوس أن بن نافع روى عن مالك في الذي يجمع بين الصلاتين أنه يتيمم لكل صلاة وقال أبو الفرج في ذاكر الصلوات إن قضاهن بتيمم واحد فلا شيء عليه وقد ذكرنا اختلاف قول مالك وأصحابه في هذه المسألة في كتاب جمعناه في اختلافهم قال أبو عمر قد اقتضى ما كتبنا في هذا الباب القول في معاني ما ذكره مالك في موطئه في التيمم وذلك ثلاثة أبواب إلا قوله سئل مالك عن رجل تيمم أيؤم أصحابه وهم متوضئون فقال يؤمهم غيره أحب إلي ولو أمهم هو لم أر بذلك بأسا ثم قال في ذلك الباب من قام إلى الصلاة فلم يجد ماء فعمل بما أمره الله به من التيمم فقد أطاع الله وليس الذي وجد الماء بأطهر منه ولا أتم صلاة لأنهما أمرا جميعا فكل عمل بما أمره الله به وهذا من قول مالك يقضي بأنه لا بأس أن يؤم المتيمم المتوضئ وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي وزفر والثوري وقال الأوزاعي ومحمد بن الحسن والحسن بن حي لا يؤم متيمم متوضأ ومن حجة هؤلاء أن شأن الإمامة الكمال ومعلوم أن الطهارة بالصعيد طهارة ضرورة كما قلنا بدليل الإجماع على أن الجنب إذا صلى بالتيمم ثم وجد الماء لزمه الغسل وأن المتيمم غير الجنب يلزمه الوضوء إذا وجد الماء فأشبهت القاعد المريض يؤم قائما والأمي يؤم قارئا وقال محمد بن الحسن إنما تيمم بن عمر بالمدينة لأنه كان في آخر الوقت ولو كان في سعة من الوقت ما تيمم وهو بطرف المدينة ينظر إلى الماء ولكنه خاف خروج الوقت فتيمم‏.‏

باب ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض

101- مالك عن زيد بن أسلم أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما يحل لي من امرأتي وهي حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لتشد عليها إزارها ‏(‏1‏)‏ ثم شأنك بأعلاها‏)‏‏)‏‏.‏

102- مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد وأنها قد وثبت وثبة شديدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ما لك لعلك نفست‏)‏‏)‏ يعني الحيضة فقالت نعم قال ‏(‏‏(‏شدي على نفسك إزارك ثم عودي إلى مضجعك‏)‏‏)‏ في حديث ربيعة من الأحكام جواز نوم الشريف مع أهله في ثوب واحد وسرير واحد وفيه أنه عليه السلام - لم يكن يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله ومعنى قوله ‏(‏‏(‏نفست‏)‏‏)‏ أي أصبت بالدم والنفس اسم من أسماء الدم قال إبراهيم النخعي كل ما ليس له نفس سائلة يموت في الماء لا يفسده يعني بها دما سائلا وقد ذكرنا معاني هذين الحديثين متصلة بالأسانيد القوية في كتاب ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وتدل ترجمة ‏(‏هذا‏)‏ الباب والحديث فيه على أن الحائض لا يقرب منها ما تحت الإزار ولا يحل منها إلا ما فوقه وهو تفسير لقوله تعالى ‏(‏ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض‏)‏ ‏[‏البقرة 222‏]‏‏.‏

فبين عليه السلام كيف اعتزالهن ومعنى قوله ‏(‏ولا تقربوهن حتى يطهرن‏)‏ ‏[‏البقرة 223‏]‏‏.‏

أنه أراد الجماع لا المؤاكلة ولا المشاربة ولا المجالسة ولا المضاجعة في ثوب واحد ونحو هذا كله وأنه أراد الجماع نفسه وجعل المئزر قطعا للذريعة وتنبيها على الحال والله أعلم‏.‏

103- مالك عن نافع أن عبيد بن عبد الله بن عمر أرسل إلى عائشة يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض فقالت لتشد إزارها على أسفلها ثم يباشرها إن شاء قال أبو عمر لا أجد بعد السنة أقعد بهذا المعنى من عائشة فكانت تفتي بمعنى ما وعت عن النبي -عليه السلام- في ذلك وقد ذكرنا في التمهيد حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت فسئل رسول الله عن ذلك فأنزل الله ‏(‏تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ‏)‏ ‏[‏البقرة 222‏]‏‏.‏

فقال رسول الله ‏(‏‏(‏جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح‏)‏‏)‏ فبان في هذا الحديث المعنى الذي فيه نزلت الآية ومراد الله بها على لسان نبيه عليه السلام‏.‏

وأما قول الفقهاء في مباشرة الحائض وما يستباح منها - فقال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف له منها ما فوق الأزار وهو قول سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وحجتهم ظواهر الآثار عن عائشة وميمونة وأم سلمة عن النبي -عليه السلام- أنه كان يأمر إحداهن أن تشد إزارها ثم يباشرها وقال سفيان الثوري ومحمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي يجتنب موضع الدم وممن روي عنه هذا المعنى بن عباس ومسروق بن الأجدع وإبراهيم النخعي وعكرمة وهو قول داود بن علي ومن حجتهم حديث ثابت عن أنس عن النبي -عليه السلام- قوله ‏(‏‏(‏اصنعوا كل شيء ما خلا النكاح‏)‏ وفي رواية بعض رواته ‏(‏‏(‏ما خلا الجماع‏)‏‏)‏ وحديث الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ناوليني الخمرة من المسجد قلت إني حائض قال إن حيضتك ليست في يدك‏)‏‏)‏ رواه أبو إسحاق السبيعي عن البهزي عن عائشة وقد ذكرنا هذه الأحاديث بأسانيدها في التمهيد وفيها دليل على أن كل عضو منها ‏(‏ليست فيه الحيضة فهو في الطهارة بمعنى أنه يبقى على ما كان ذلك العضو عليه‏)‏ قبل الحيضة ودل على أن الحيض لا حكم له في غير موضعه الذي أمرنا بالاجتناب له من أجله وروى أيوب عن أبي معشر عن إبراهيم عن مسروق قال سألت عائشة ما يحل لي من امرأتي وهي حائض قالت كل شيء إلا الفرج وروى الليث عن حكيم بن الأشج عن أبي مرة مولى عقيل عن حكيم بن عقال سألت عائشة ما يحل لي من امرأتي إذا حاضت قالت ما عدا فرجها وإذا ترتبت هذه الآثار مع حديث زيد بن أسلم في هذا الباب وحديث ربيعة والأحاديث عن أزواج النبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرهن أن تشد كل واحدة منهن عليها إزارها إذا حاضت ثم يباشرها - لم تتدافع وكان بعضها يعضد بعضا على ما تأولنا من قطع الذريعة في شد الإزار لئلا يتطرق إلى الموضع المحظور والله أعلم وقد ذكر أبو داود في السنن حديثا مسندا عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها وهي حائض - ‏(‏‏(‏اكشفي عن فخذيك فكشفت فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفئ وكان قد أوجعه البرد وهذا يبين لك ما قلناه وبالله توفيقنا واختلف الفقهاء في الذي يأتي امرأته وهي حائض فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم يستغفر الله ولا يعود ولا شيء عليه ‏(‏من غرم‏)‏ وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد وبه قال داود وروي عن محمد بن الحسن أنه قال يتصدق بنصف دينار لحديث خصيف عن مقسم عن بن عباس عن النبي -عليه السلام- فإذا وقع على أهله وهي حائض فليتصدق بنصف دينار‏.‏

وقال أحمد بن حنبل يتصدق بدينار أو بنصف دينار‏.‏

وقال أحمد ما أحسن حديث عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن بن عباس عن النبي -عليه السلام- في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار ورواه الثوري وشعبة وغيرهما عن الحكم بن عتبة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وقال أبو داود هي الرواية الصحيحة وربما لم يرفعه شعبة وقال الطبري استحب له أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار فإن لم يفعل فلا شيء عليه وهو قول الشافعي ببغداد ثم رجع عنه بمصر وقالت فرقة من أهل الحديث إن وطىء في الدم فعليه دينار ‏(‏وإن وطىء في انقطاع الدم فعليه نصف دينار‏)‏ لحديث علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن بن عباس عن النبي -عليه السلام- بذلك كذلك رواه بن جريج عن علي بن الحكم عن مقسم عن بن عباس وقال الأوزاعي من وطىء امرأته وهي حائض يتصدق بخمسي دينار ورواه عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد عن عبد الرحمن عن النبي عليه السلام قال أبو عمر حجة من لم يوجب عليه إلا الاستغفار والتوبة - اضطراب هذا الحديث عن بن عباس مرسلاوالذمم على البراءة لا يجب أن يثبت فيها شيء لمسكين ولا غيره إلا بدليل لا مدفع فيه وذلك معدوم في هذه المسألة واختلف الفقهاء أيضا في وطء الحائض بعد الطهر فقال مالك وأكثر أهل المدينة إذا انقطع عنها الدم لم يجز وطؤها حتى تغتسل وبه قال الشافعي والطبري ومحمد بن مسلمة وقال أبو يوسف وأبو حنيفة ومحمد إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام كان له أن يطأها قبل الغسل فإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت صلاة قال أبو عمر هذا الحكم لا وجه له وقد حكموا للحائض بعد انقطاع دمها بحكم الحائض في العدة وقالوا لزوجها عليها الرجعة ما لم تغتسل فعلى قياس قولهم هذا لا يجب أن توطأ حتى تغتسل وهو الصواب مع موافقة أهل الحجاز في ذلك‏.‏

104- وذكر مالك أنه بلغه أن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار سئلا عن الحائض هل يصيبها زوجها إذا رأت الطهر قبل أن تغتسل فقالا لا حتى تغتسل فإن قيل أن في قوله تعالى ‏(‏ولا تقربوهن حتى يطهرن‏)‏ ‏[‏البقرة 222‏]‏‏.‏

دليلا على أنهن إذا طهرن من المحيض حل ما حرم منهن من أجل المحيض لأن حتى غاية فما بعدها بخلافها فالجواب أن في قوله تعالى ‏(‏فإذا تطهرن‏)‏ دليلا على تحريم الوطء بعد الطهر حتى يتطهرن بالماء لأن تطهرن تفعلن من قوله تعالى ‏(‏وإن كنتم جنبا فاطهروا‏)‏ ‏[‏المائدة 6‏]‏‏.‏

ويريد الاغتسال بالماء وقد يقع التحريم بالشيء ولا يزول بزواله لعلة أخرى دليل ذلك قوله تعالى في المبتوتة ‏(‏فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره‏)‏ ‏[‏البقرة 230‏]‏‏.‏

وليس بنكاح الزوج تحل له حتى يطلقها الزوج وتعتد منه ومن ذلك قوله عليه السلام ‏(‏‏(‏ولا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض حيضة ومعلوم أنها لا توطأ نفساء ولا حائض حتى تطهر ولم تكن ‏(‏حتى ‏)‏ هنا بمبيحة لما قام الدليل على حظره وفي المسألة اعتراضات يطول ذكرها‏.‏