فصل: باب العينة وما يشبهها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب بيع الفاكهة

قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من ابتاع شيئا من الفاكهة من رطبها أو يابسها فإنه لا يبيعه حتى يستوفيه ولا يباع شيء منها بعضه ببعض إلا يدا بيد وما كان منها مما ييبس فيصير فاكهة يابسة تدخر وتؤكل فلا يباع بعضه ببعض إلا يدا بيد ومثلا بمثل إذا كان من صنف واحد فإن كان من صنفين مختلفين فلا بأس بأن يباع منه اثنان بواحد يدا بيد ولا يصلح إلى أجل وما كان منها مما لا ييبس ولا يدخر وإنما يؤكل رطبا كهيئة البطيخ والقثاء والخربز والجزر والأترج والموز والرمان وما كان مثله وإن يبس لم يكن فاكهة بعد ذلك وليس هو مما يدخر ويكون فاكهة قال فأراه حقيقا أن يؤخذ منه من صنف واحد اثنان بواحد يدا بيد فإذا لم يدخل فيه شيء من الأجل فإنه لا بأس به قال أبو عمر أما بيع الفاكهة رطبها ويابسها فلا أعلم خلافا بعين فقهاء العراق والحجاز والشام والمشرق والمغرب أنه لا يباع شيء منها قبل القبض وهو الاستيفاء وقبض الشيء منها أن يبرأ البائع منه إلى مبتاعه ويمكنه من قبضه والأصل في ذلك نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفي وسيأتي هذا الحديث في موضعه من هذا الكتاب والقول فيه - إن شاء الله عز وجل وما يدخر من المأكول وما لا يدخر طعام كله فواجب إلا يباع شيء منه حتى يستوفي‏.‏

وأما التفاضل في المأكول والمشروب فالذي ذهب إليه مالك وأصحابه في ذلك هو أن كل ما يؤكل أو يشرب إذا كان يدخر وييبس في الأغلب فإن الربا فيها يدخله إذا كان واحدا من وجهين وهما التفاضل والنسيئة فإن كانا جنسين مختلفين فلا ربا فيهما إلا في النسيئة وجائز بيع بعض ذلك ببعض متفاضلا يدا بيد‏.‏

وأما ما لا ييبس ولا يدخر مثل التفاح والإجاص والكمثري والرمان والخوخ والموز والبطيخ وما أشبه ذلك مما قد اختلفت أسماؤه فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد جنسا واحدا كان أو جنسين والجنس هو الصنف عندهم فالرمان صنف غير التفاح والتفاح صنف غير الخوخ وما أشبه ذلك على عرف الناس وأصل ما ذهب إليه مالك في ذلك ما نقلته الكافة وروته الجماعة من نقل العدول من حديث عبادة وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد ومن زاد أو ازداد فقد أربى وبيع الذهب بالورق كيف شئتم يدا بيد‏)‏‏)‏ فلم يذكر من الطعام إلا ما يدخر وييبس وحرم في الجنس الواحد التفاضل والنسيئة معا وفي الجنس حرم النسيئة فقط وبالله التوفيق‏.‏

وأما الشافعي فالمأكول كله والمشروب كله كان مما يدخر أو لم يكن لا يجوز عنده شيء منه بشيء من جنسه وصنفه متفاضلا لا يجوز عنده رمانة برمانتين ولا تفاحة بتفاحتين ولا بطيخة ببطيختين يدا بيد ويدخله الربا في الجنس الواحد في الوجهين النسيئة والتفاضل على حسب ما هو عند مالك فيما يدخر من الطعام فإذا اختلف الجنسان جازا متفاضلين يدا بيد والطعام المدخر وغير المدخر والمقتات وغير المقتات من المأكولات عنده سواء لا يجوز منه شيء بأكثر من وزنه إن كان يوزن أو كيله إن كان يكال وفي الجنس الواحد وإذا اختلف الجنسان جاز التفاضل دون النسيئة والخلاف بينه وبين مالك في هذا الباب إنما هو فيما يدخر من الفاكهة وما أشبهها واختلف قول مالك وأصحابه في البيض على قولين أحدهما أنه لا يجوز فيه التفاضل يدا بيد والأخرى أنه يجوز متفاضلا يدا بيد والمشهور من مذهبه أن البيض مما يدخر لا يجوز منه واحدة باثنتين وأجاز بيع الصغير بالكبير منه وقال في بيض الدجاج والأوز وبيض النعام إذا تحرى أن يكون مثلا بمثل جاز‏.‏

وأما أبو حنيفة وأصحابه فالجنس عندهم بانفراده تحرم فيه النسيئة وكذلك الكيل والوزن كل واحد منهما بانفراده تحرم فيه النسيئة‏.‏

وأما التفاضل فلا يحرم إلا بإجماع الجنس والكيل والوزن فلا يجوز عندهم العصفر بالعصفر ولا القطن بالقطن ولا الحديد بالحديد إلا مثلا بمثل يدا بيد كالمأكول عند الجميع من الجنس الواحد فإن اختلف الجنسان جاز فيهما التفاضل دون النسيئة كالذهب والورق وروي عن عمار بن ياسر من طريق ليس بالقوي جدا أنه قال كل ما كيل أو وزن ألا يباع صنف منه بصنف آخر إلا مثلا بمثل وما لا يكال ولا يوزن فلا ربا فيه إلا في النسيئة وهو قول إبراهيم وأجاز أبو حنيفة وأصحابه بيع تمرة بتمرتين وبيضة ببيضتين وجوزة بجوزتين إذا كانت شيئا بعينه قد خرج على الكيل والوزن وهو قول الأوزاعي في البيضة بالبيضتين والجوزة بالجوزتين‏.‏

وقال الشافعي والثوري لا يجوز تمرة بتمرتين ولا بتمرة أكبر منها لأن الأصل في التمر تحريم التفاضل واحتج من أجاز ذلك بأن مستهلك التمرة والتمرتين يلزمه فيها القيمة دون المثل لأنه لا مكيل ولا موزون لأن أصله الكيل ولا يدرك بالكيل ولا يصرف المكيل عندهم إلى الوزن وقال بن أبي ليلى لا يجوز رطل سمك برطلين‏.‏

وأما أحمد بن حنبل فقال لا أنظر في هذا الباب إلى الكيل والوزن إذا كان مما لا يؤكل ولا يشرب ولا ينظر إلى ما يؤكل ويشرب إذا كان مما لا يأخذه الكيل والوزن وإنما الربا فيما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب على قول سعيد بن المسيب وما عدا ذلك فلا بأس به يدا بيد ونسيئة وهذا كان قول الشافعي ببغداد ثم ضم بمصر إلى ما يكال أو يوزن ما لا يؤكل أو يشرب وإن كان مما لا يوزن ولا يكال لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطعام بالطعام إلى مثلا بمثل وهذا محمول على الجنس الواحد بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏الذهب بالورق والبر بالشعير كيف شئتم يدا بيد إلا ما اختلفت ألوانه‏)‏‏)‏ وسنذكر الحديث في ذلك في باب بيع الطعام - إن شاء الله عز وجل قال أبو عمر قول سعيد بن المسيب لا ربا إلا في كذا يدل على أن ذلك توقيف لا رؤيا والله أعلم وسيأتي حديثه ذلك في موضعه إن شاء الله عز وجل‏.‏

باب بيع الذهب بالفضة تبرا وعينا

1279- مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين أن يبيعا آنية من المغانم من ذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينا أو كل أربعة بثلاثة عينا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏أربيتما فردا‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر السعدان سعد بن مالك وسعد بن عبادة وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ شاهد ذلك ومعنى هذا الحديث يتصل من حديث عبادة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع العلماء على أن الذهب تبره وعينه سواء لا يجوز التفاضل في شيء منه وكذلك الفضة بالفضة تبرها وعينها ومصنوع ذلك كله ومضروبه لا يحل التفاضل في شيء منه وعلى ذلك مضى السلف من العلماء والخلف إلا شيئا يسيرا يروى عن معاويه من وجوه أنه كان لا يرى الربا في بيع العين بالتبر ولا بالمصنوع وكان يجيز في ذلك التفاضل ويذهب إلى أن الربا لا يكون في التفاضل إلا في التبر بالتبر وفي المصنوع بالمصنوع وفي العين بالعين ألا ترى ما ذكره مالك في هذا الباب‏.‏

1280- عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل فقال له معاوية ما أرى بمثل هذا بأسا فقال أبو الدرداء من يعذرني من معاوية أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض أنت بها ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن وتمام الحديث يأتي بعد هذا - إن شاء الله تعالى قال أبو عمر السنة المجتمع عليها من نقل الآحاد ونقل الكافة خلاف ما كان يذهب إليه معاوية أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب قال أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مسلم بن يسار عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت وكان عقبيا بدريا أحديا نقيبا من نقباء الأنصار بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يخاف في الله لومة لائم قام بالشام خطيبا فقال أيها الناس ‏!‏ إنكم قد أحدثتم بدعا لا أدري ما هي إلا أن الفضة بالفضة وزنا بوزن تبرها أو عينها والذهب بالذهب وزنا بوزن تبره أو عينه وذكر تمام الحديث ورواه همام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكي عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها‏)‏‏)‏ وذكر تمام الحديث في باب الطعام بالطعام إن شاء الله عز وجل‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني عبيد الله بن عمر قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال كنت في حلقة بالشام فيها مسلم بن يسار فجاء أبو الأشعث فقلت له حدث أخانا حديث عبادة قال غزونا غزاة وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس فتنازع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت ذلك فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين من زاد وازداد فقد أربى ‏)‏‏)‏ فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال ما بال رجال يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهدها ونصحبه فلم نسمعها منه فقام عبادة فأعاد القصة ثم قال والله لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية وقال وإن زعم معاوية لا أبالي أن أصحبه في جنده ليلة سوداء حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أحمد بن إسحاق عن وهيب عن يحيى بن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلا سواء بسواء وأمرنا أن نبيع الذهب بالفضة كيف شئنا - يعني - يدا بيد ومن اصح ما في هذا الباب حديث‏.‏

1281- مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز‏)‏‏)‏‏.‏

1282- ومثله أيضا حديث مالك عن حميد بن قيس المكي عن مجاهد أنه قال كنت مع عبد الله بن عمر فجاءه صائغ فقال له يا أبا عبد الرحمن إني أصوغ الذهب ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه فأستفضل من ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله عن ذلك فجعل الصائغ يردد عليه المسألة وعبد الله ينهاه حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها ثم قال عبد الله بن عمر الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم ألا ترى أن بن عمر جعل قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏الدينار بالدينار‏)‏‏)‏ بما فهم من مخرجه كالمصوغ بالدنانير وأرسله حجة على ذلك وقال أنه عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن في هذا الباب إلا حديث نافع عن أبي سعيد الخدري كان حجة بالغة لثبوته وبيانه وقد رواه بن عمر عن أبي سعيد الخدري ومع بن عمر كان نافع إذ سمعه من أبي سعيد وكذلك رواه أيوب وعبيد الله ويحيى بن أبي كثير وغيرهم عن نافع قال دخلت مع بن عمر على أبي سعيد فذكر الحديث وقد ذكرته بطرقه في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وفيه تحريم الشفوف بعضها على بعض في الذهب بالذهب والورق بالورق وكذلك يقتضي قليل الزيادة وكثيرها‏.‏

وأما قوله فيه ولا يباع منها غائب بناجز فقد اختلف العلماء من معناه في تعاطي الدنانير من الدراهم والدراهم من الدنانير وسنذكره في باب بيع الطعام إلى أجل بطعام لأن فيه القول في تقاضي الطعام واختلفوا من ذلك في الدينين يصارف عليهما فقال مالك من كان له على أحد دراهم وعلى الآخر دنانير جاز أن يشتري أحدهما ما عليه بما على الآخر من الافتراق وإن كانا لم يفترقا وهو قول بن القاسم‏.‏

وقال أبو حنيفة يجوز في الحال وفي غير الحال‏.‏

وقال الشافعي والليث لا يجوز في الحال ولا في غير الحال لأنه غائب بغائب وإذا لم يجز غائب بناجز أحرى أن لا يكون غائبا بغائب وهو قول بن وهب وبن كنانة وقد روي عن الشافعي في ذلك مثل قول مالك وبن القاسم قال أبو عمر إذا اجتمع المتصارفان فالذمم كالعين إذا لم يفترقا إلا وقد تفاضلا في صرفها ذلك يشهد له حديث بن عمر كنت أبيع الإبل بالبقيع فآخذ من الدنانير دراهم الحديث نذكره عند ذكرنا تقاضي الطعام من ثمن الطعام إن شاء الله عز وجل ومن معنى حديث بن عمر عن الصائغ مسألة رواها جماعة من أصحاب مالك وهي مسألة سواء منكرة لا يقول بها أحد من فقهاء المسلمين وقد روي عن كثير من أصحاب مالك وبعضهم يرويه عن مالك في التاجر يحفزه الخروج وبه حاجة إلى دراهم مضروبة أو دنانير مضروبة فيأتي دار الضرب بفضته أو ذهبه فيقول للضراب خذ فضتي هذه أو ذهبي وخذ قدر عمل يدك وادفع إلي دنانير مضروبة في ذهبي أو دراهم مضروبة في فضتي هذه لأني محفوز للخروج وأخاف أن يفوتني من أخرج معه قال إن كان ذلك لضرورة خروج الدفعة ونحو ذلك فأرجو ألا يكون به بأس وقال سحنون عن بن القاسم أراه خفيفا للمضطر ولذي الحاجة وقال بن وهب وذلك ربا فلا يحل منه شيء وقال عيسى بن دينار لا يصلح هذا ولا يعجزني وقال سائر الفقهاء لا يجوز شيء من ذلك وهو ربا لأنه أعطى في المضروب أكثر من وزن الفضة ومن ازداد فقد أربى وفي قوله في حديث مالك عن يحيى بن سعيد ‏(‏‏(‏أربيتما فردا‏)‏‏)‏ دليل على أن البيع الحرام مردود أبدا فإن فات رجع فيه إلى القيمة عند الفقهاء‏.‏

1283- مالك عن موسى بن أبي تميم عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما‏)‏‏)‏‏.‏

1284- مالك أنه بلغه عن جده مالك بن أبي عامر أن عثمان بن عفان قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين‏)‏‏)‏ وهذا الحديث قد ذكرناه مسندا متصلا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ ومعناه في هذا الباب مسند ثابت قديم‏.‏

وأما قوله فيه بالدينارين وبالدرهمين لفظ مجمل تفسيره قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ ‏(‏ولا تشفوا بعضها على بعض‏)‏‏)‏ وقوله عليه الصلاة والسلام ‏(‏‏(‏من زاد فقد أربى ‏)‏‏)‏ ولا أعلم خلافا بين أئمة الأنصار بالحجاز والعراق وسائر الآفاق في أن الدينار لا يجوز بيعه بالدينارين ولا بأكثر منه وزنا ولا الدرهم بالدرهمين ولا بشيء من الزيادة عليه إلا ما كان عليه أهل مكة قديما وحديثا من إجازتهم التفاضل في ذلك إذا كان يدا بيد أخذوا ذلك عن بن عباس - رضي الله عنه - فإنه كان يقول لا بأس بالدرهم بالدرهمين وإنما الربا في النسيئة لما رواه عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏(‏‏(‏لا ربا إلا في النسيئة‏)‏‏)‏‏.‏

حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال سمعت بن عباس يقول أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏إنما الربا في النسيئة‏)‏‏)‏‏.‏

قال قاسم‏.‏

وحدثني محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثني بن أبي عمر العدني قال حدثني سفيان بن عيينة فذكره وروي ذلك عن بن عباس عن أسامة بن زيد من وجوه منها ما رواه بن عيينة عن خالد الحذاء عن عكرمة عن بن عباس عن أسامة بن زيد عن النبي عليه الصلاة والسلام قال أبو عمر لم يتابع بن عباس على تأويله في قوله في حديث أسامة هذا أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من بعدهم من فقهاء المسلمين إلا طائفة من المكيين أخذوا ذلك عنه وعن أصحابه وهم محجوجون بالسنة الثابتة التي هي الحجة على من خالفها وجهلها وليس أحد بحجة عليها وقد روي عن بن عباس أنه رجع عن ذلك وقال لا علم لي بذلك إنما أسامة بن زيد أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏إنما الربا في النسيئة‏)‏‏)‏ وروى معمر عن عمرو بن دينار عن أبي صالح قال لقي أبو سعيد الخدري بن عباس فقال له أرأيت ما تفتي به الناس من الصرف أشيء وجدته في كتاب الله أم سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولا في كليهما وأنتم أصحاب رسول الله أعلم به مني ولكن أسامة بن زيد أخبرني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏‏(‏الربا في النسيئة ورواه بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي سعيد مثله وقال بن عيينة قال بن عباس سددت عليكم أبواب الربا فأنشأتم تطلبون مخارجها قال أبو عمر حديثه عن أسامة صحيح ولكنه وضعه غير موضعه وحمله على غير المعنى الذي له أتى ومعنى الحديث عند العلماء أنه خرج على جواب سائل سأل عن الذهب بالورق أو البر بالتمر أو نحو ذلك مما هو جنسان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لا ربا إلا في النسيئة‏)‏‏)‏ فسمع أسامة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمع سؤال السائل فنقل ما سمع والله أعلم والدليل على صحة هذا التأويل إجماع الناس ما عدا بن عباس عليه وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏(‏‏(‏الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما‏)‏‏)‏ وقوله عليه السلام ‏(‏‏(‏لا تبيعوا الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلا مثلا بمثل يدا بيد ولا تبيعوا بعضها على بعض‏)‏‏)‏ رواه أبو سعيد الخدري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا المسدد قال حدثنا حماد عن سليمان الريعي عن أبي الجوزاء قال سمعت بن عباس وهو يأمر بالضرب الدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين يدا بيد فقدمت العراق فابتليت الناس بذلك ثم بلغني أنه نزل عن ذلك فقدمت مكة فسألته فقال إنما كان ذلك رأيا مني وهذا أبو سعيد يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه وروى بن عيينة عن فرات القزاز قال دخلنا على سعيد بن جبير نعوده فقال له عبد الملك بن ميسرة الرزاد كان بن عباس نزل عن الصرف فقال سعيد عهدي به قبل أن يموت بسته وثلاثين يوما وهو يقوله وما رجع عنه قال أبو عمر رجع بن عباس أو لم يرجع بالسنة كفاية عن قول كل أحد ومن خالفها جهلا بها رد إليها قال عمر بن الخطاب ردوا الجهالات إلى السنة وروى بن علية عن خالد عن بن سيرين عن الهذيل بن أخيه عن بن عباس عن الصرف فرجع فقلت إن الناس يقولون فقال الناس يقولون ما شاؤوا وروى الثوري عن أبي هاشم الواسطي عن زياد قال كنت مع بن عباس في الطائف فرجع عن الصرف قبل أن يموت بسبعين يوما وروى هشيم عن أبي حرة قال سأل رجل بن سيرين عن شيء فقال لا علم لي به فقال الرجل أحب أن تقول فيه برأيك فقال إني أكره أن أقول فيه برأيي فربما قلت فيه برأيي ثم فسد إلى غيره فأطلبك فلا أجدك إن بن عباس قد رأى في الصرف رأيا ثم رجع عنه‏.‏

وأما حديث مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقد ذكرناه فيما تقدم من هذا الباب إلى قول أبي الدرداء لمعاوية لا أساكنك بأرض أنت بها ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فكتب عمر إلى معاوية ألا يبيع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن قال أبو عمر لا أعلم هذه القصة روي أنها عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار لم يروه من وجه آخر فيما علمت وليست محفوظة معروفة إلا لمعاوية مع عبادة بن الصامت قال حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا إسماعيل بن خالد عن حكيم بن جابر عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏‏(‏الذهب بالذهب مثلا بمثل الكفة بالكفة والفضة بالفضة مثلا بمثل الكفة بالكفة والبر بالبر مثلا بمثل يدا بيد والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا بيد قال حتى ذكر الملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد قال معاوية إن هذا لا يقول شيئا فقال عبادة إني - والله - ما أبالي ألا أكون بأرضكم وروى عبد الرزاق عن الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت قال كان معاوية يبيع الآنية من الفضة بأكثر من وزنها فقال عبادة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏‏(‏الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن‏)‏‏)‏ وذكر تمام الحديث يأتي في باب البر بالشعير إن شاء الله تعالى والقصة بذلك سواء ترد عن عبادة مع معاوية فذكرنا كثيرا منها في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ في حديث خلف بن قاسم قال حدثني عبد الرحمن بن عمر البجلي قال حدثني أبو زرعة الدمشقي قال حدثني محمد بن المبارك عن يحيى بن حمزة عن برد بن سنان عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب أن عبادة بن الصامت أنكر على معاوية شيئا فقال لا أساكنك بأرض أنت بها ورحل إلى المدينة فقال له عمر ما أقدمك فأخبره فقال أرجع إلى مكانك فقبح الله أرضا لست أنت فيها ولا أمثالك وكتب إلى معاوية لا إمارة لك عليه قال أبو عمر في هذا الموضع في هذا الباب‏.‏

1285، 1286- عن نافع عن بن عمر وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا شيئا منها غائبا بناجز وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء والرماء هو الربا‏.‏

1287- مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد أنه قال قال عمر بن الخطاب الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم والصاع بالصاع ولا يباع كالىء بناجز وعلى هذا جماعة أهل العلم والحمد لله وعن أبي بكر الصديق أنه كتب إلى عماله لا يشترى الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل وقد ذكرنا إسناده في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وروى معمر عن إبي إسحاق الهمداني قال سئل علي - رضي الله عنه - عن الدرهم بالدرهمين والصاع بالصاعين يدا بيد فقال ذلك الربا العجلان يعني من صنف واحد وروى حماد بن زيد عن بن أبي نجيج عن مجاهد عن ثلاثة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبي بن كعب نحو قول علي‏.‏

وأما قول عمر وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره فإن العلماء قد اختلفوا من معناه في كيفية قبض الصرف فقال مالك لا يصلح الصرف إلا يدا بيد فإن لم ينفذه ومكث معه غدوة من إلى ضحوه قاعدا وقد تصارفا غدوة فتقابضا ضحوة لم يصح هذا ولا يصلح الصرف إلا عند الإيجاب بالكلام ولو انتقلا من ذلك الموضع إلى موضع غيره لم يصح تقابضهما‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما يجوز التقابض في الصرف ما لم يفترقا وبينهما شيء وإن طالت المدة وانتقلا إلى مكان آخر وحجة مالك قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء‏)‏‏)‏ فهذا يدل على العود لا على التراخي وحجة الشافعي والكوفيين أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - روى الحديث ثم قال لطلحة والله لا تفارقه حتى تأخذ وقال أيضا ولو استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره فدل على المفارقة بالأبدان‏.‏

1288- مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول لا ربا إلا في ذهب أو فضة أو ما يكال أو يوزن بما يؤكل أو يشرب قال أبو عمر قال مالك رحمه الله لم يكن أحد من التابعين أعلم بالبيوع من سعيد بن المسيب وإنما أخذ ربيعة العلم بها منه وروى هشام الدستوائي عن قتادة قال ما رأيت أحدا من الفقهاء أعلم بالحلال والحرام من سعيد بن المسيب قال أبو عمر قد مضى كثير من معنى هذا الخبر وجملة مذاهب العلماء في ذلك أن الذهب والورق يدخلهما الربا في الجنس الواحد من وجهين على ما تقدم ذكرنا له وهما التفاضل والنسيئة فلا يجوز ذهب بذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد وكذلك الورق بالورق فأما الجنسان بعضها ببعض كالذهب بالورق فجائز التفاضل فيهما بإجماع من العلماء ولا يجوز فيهما النسيئة بإجماع أيضا من العلماء‏.‏

وأما ما يؤكل ويشرب فقد مضى القول في ذلك في باب بيع الفاكهة واما ما يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب فإن مالكا قال الأمر عندنا فيما يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب نحو العصفر والنوى والحنطة والكتم وما أشبه ذلك أنه لا بأس باثنين بواحد يدا بيد ولا يجوز اثنان بواحد إلى أجل ولا باس برطلي حديد برطل حديد يدا بيد ولا يجوز بنسيئة وإن اختلف الصنفان فبان اختلافهما فلا بأس به اثنان بواحد إلى أجل يجوز في ذلك النسيئة والتفاضل وإن كان الصنف منه بنسيئة الصنف الآخر وإن اختلفا في الاسم مثل الشبة والرصاص والآنك فإني أكره اثنين بواحد إلى أجل ولمالك في ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ أربعة أبواب في هذا المعنى سيتكرر القول فيها بأوضح وأبلغ إن شاء الله عز وجل‏.‏

وأما الشافعي فلم يعد ما قاله سعيد بن المسيب في هذا الباب ولا ربا عنده في غير ما ذكره سعيد إلا ما ذكرنا عنه أنه ذهب إليه بمصر من ضم ما لا يكال ولا يوزن من الطعام إلا ما يكال ويوزن ربا قال الشافعي كل ما يخرج من المأكول والمشروب والذهب والفضة فلا بأس ببيع بعضه ببعض متفاضلا أو إلى أجل كان من صنف واحد أو من صنفين لا بأس عنده برطل حديد برطلي حديد وببعير ببعيرين إذا دفع العاجل ووصف الآجل‏.‏

وأما أبو حنيفة فقد تقدم عنه أيضا أن الكيل والوزن كل واحد منهما مما لا يؤكل ولا يشرب عنده يجري فيه الربا كما يجري في المأكول والمشروب‏.‏

وأما داود بن علي فلا ربا عنده إلا في النسيئة إلا الأشياء المنصوصة في الحديث وهي الذهب والورق والبر والشعير والتمر والبلح لا يجوز في الجنس الواحد منها عنده التفاضل دون النسيئة وما عداها من كل شيء يكال او يوزن أو يؤكل أو يشرب أو لا يكال ولا يوزن ولا يؤكل ولا يشرب لا يدخله الربا بوجه من الوجوه وجائز بيع ذلك كله عنده كيف شاء المتبايعون على عموم قول الله عز وجل ‏(‏وأحل الله البيع وحرم الربوا‏)‏ ‏[‏البقرة 275‏]‏‏.‏

ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الربا في حديث عمر بن الخطاب ويأتي ذكره في باب الصرف إن شاء الله تعالى وفي حديث عبادة وقد تقدم‏.‏

وأما الحيوان فاختلاف العلماء هل يدخله الربا في بيع بعضه ببعض بنسيئة يدا بيد وسيأتي في بابه إن شاء الله عز وجل وقال سفيان الثوري سلف ما يكال فيما يوزن وما يوزن فيما يكال وسلف الحنطة في القطن وقال الأوزاعي لا يجوز بيع النحاس المكسور بإناء نحاس معمول وزيادة دراهم لا يجوز إلا وزنا بوزن وقال لا بأس بإبريق رصاص بإبريق رصاص لأنه قد خرج عن الورق ولا بأس ببيع النحاس بالفلوس وقال الليث تفسير الربا أن كل ما ينتفع به الناس من كل صنف من الأصناف وإن كان من الحجارة أو التراب وكل واحد من صنف تلك الأصناف بمثليه من صنفه إلى أجل هو الربا أو واحد بمثله وزيادة شيء إلى أجل ربا قال أبو عمر وهذا مذهب مالك وأصحابه وهو عندهم من باب سلف جر منفعة فإنه أقرضه واحدة بما أقرضه من ذلك للزيادة فيه من جنسه‏.‏

1289- مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض قال أبو عمر كرهه مالك والليث وقالا فيه بقول سعيد بن المسيب‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي كل ما في كسره ضرر لم أقسمه فإن رضيا بكسرة قسمته بينهما قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث علقمة بن عبد الله المزني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس وهو حديث لا يجيء إلا من وجه واحد وإسناده فيه لين حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو بكر بن سليمان ومحمد بن فضاء عن أبيه عن علقمة بن عبد الله المزني عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسر سكة المسلمين الجائزة إلا من بأس وروي عن زيد بن أسلم في قول الله عز وجل ‏(‏قالوا يشعيب أصلوتك تأمرك أن نترك ما يعبد اباءونا أو أن نفعل في أمولنا‏)‏ ‏[‏هود 87‏]‏‏.‏

قال كان ذلك قطع الدراهم والدنانير وروى بن القاسم وبن وهب وأشهب عن مالك أنه سئل عن قطع الدنانير والدراهم فقرأ ‏(‏ قالوا يا شعيب أصلوتك تأمرك أن نترك ما يعبد أباؤنا أو أن نفعل في أمولنا ما نشؤا‏)‏ ‏[‏هود 87‏]‏‏.‏

يعني أن هذه الآية يراد بها نهي شعيب -عليه السلام- قومه عن قطع الدنانير والدراهم قال مالك وهو من الفساد في الأرض وفيه العقوبة من السلطان لمن قدر عليه وهو قول الليث قال أبو عمر قد روي عن مجاهد في قوله تعالى ‏(‏أو أن نفعل في أمولنا ما نشؤا‏)‏ ‏[‏هود 87‏]‏‏.‏

قال الزكاة وعن غيره وهو النعش الذي كانوا يفعلونه وروى عبد الرزاق قال أخبرنا يحيى بن ربيعة قال سمعت عطاء بن أبي رباح يقول وسئل عن قول الله عز وجل ‏(‏وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض‏)‏ ‏[‏النمل 48‏]‏‏.‏

قال كانوا يقرضون الدراهم قال‏.‏

وأخبرنا داود بن قيس عن خالد بن أبي ربيعة عن أبيه أن الزبير حين قدم مكة وجد رجلا يقرض الدراهم فقطع يده قال مالك ولا بأس أن يشتري الرجل الذهب بالفضة والفضة بالذهب جزافا إذا كان تبرا أو حليا قد صيغ فأما الدراهم المعدودة والدنانير المعدودة فلا ينبغي لأحد أن يشتري شيئا من ذلك جزافا حتى يعلم ويعد فإن اشترى ذلك جزافا فإنما يراد به الغرر حين يترك عده ويشتري جزافا وليس هذا من بيوع المسلمين فأما ما كان يوزن من التبر والحلي فلا بأس أن يباع ذلك جزافا وإنما ابتياع ذلك جزافا كهيئة الحنطة والتمر ونحوهما من الأطعمة التي تباع جزافا ومثلها يكال فليس بابتياع ذلك جزافا بأس قال أبو عمر أجاز أكثر العلماء بيع الذهب بالورق جزافا عينا كان ذلك أو تبرأ دراهم كانت أو دنانير والمصوغ وغيره في ذلك سواء لأن التفاضل بينهما حلال جائز وإذا جاز الدينار بأضعافه دراهم جاز الجزاف في ذلك يدا بيد كما يجوز القصد إلى المفاضلة بينهما يدا بيد وإلى هذا ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما وداود ولم يجعلوه قمارا ولا غررا‏.‏

وأما قول مالك إن التبر والحلي تباع جزافا كما تباع الحنطة والتمر فهذا عنده على أن يكون البائع لا يعلم وزن الحلي والتبر ولا وزن الحنطة والتمر فإن علمه ولم يعلمه المبتاع لم يجز عنده إلا كما يجوز بيع ما دلس فيه بعيب وقد قال بقول مالك في ذلك الأوزاعي وطائفة‏.‏

وأما ‏(‏الشافعي و‏)‏ أبو حنيفة وأصحابهما وداود فذلك عندهم جائز وستأتي هذه المسألة أيضا في موضعها - إن شاء الله عز وجل قال مالك من اشترى مصحفا أو سيفا أو خاتما وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم فإن ما اشترى من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته فإن كانت قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدا بيد ولا يكون فيه تأخير وما اشترى من ذلك بالورق مما فيه الورق نظر إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدا بيد ولم يزل ذلك من أمر الناس عندنا قال أبو عمر أما اختلاف العلماء في هذه المسألة فإن أبا حنيفة وأصحابه قالوا لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بعضه أكثر مما فيه من الفضة ولا يجوز بيعه بفضة مثلها أو أقل منها ويحتاج إلى أن يقبض حصة الفضة في المجلس ويقبض السيف وهو قول الثوري والحسن بن صالح بن حي وقال الأوزاعي إذا كان الفضل من النصل وكانت الحية تبعا جاز شراؤه نقدا أو نسيئة وهو قول ربيعة‏.‏

وأما الشافعي وأصحابه فلا يجوز عندهم أن يباع شيء فيه حلية فضة قليلا كان أو كثيرا بشيء من الفضة بحال من الأحوال لأن المماثلة المأمور بها والمفاضلة المنهي عنها في الفضة بالفضة لا يوقف منها ‏(‏في السيف‏)‏ وما كان مثله على حقيقته ولما أجمعوا أنه لا يجوز في كل ما يحرم فيه التفاضل أن يباع شيء منه مجهول بمجهول ‏(‏أجمعوا أنه لا يجوز في كل ما يحرم فيه التفاضل شيء منه مجهول بمجهول‏)‏ أو معلوم ‏(‏بمجهول‏)‏ لم يجز السيف المحلى وما كان مثله من فضة إن كانت الحلية فضة بحال ولا بذهب إلى أجل والثلث وأقل منه وأكثر في ذلك سواء وقد اختلف أصحاب مالك في السيف المحلى بفضة يباع بفضة إلى أجل والحلية الثلث فدون أو سيف محلى بذهب يبتاع بذهب إلى أجل أو يباع بأحدهما إلى أجل ففي ‏(‏‏(‏المدونة‏)‏‏)‏‏.‏

قال بن القاسم نزلت بمالك فلم يرد البيع قال بن القاسم وأنا أرى أن يرد فإن فات مضى لأن ربيعة يجيز بيعه بذهب إلى أجل ‏(‏قال بن القاسم وعليه القيمة إن فات وذكر بن المواز عن بن القاسم لا يجوز إلى أجل أو يفسخ‏)‏ قال وقاله ‏(‏لي‏)‏ مالك وبه قال ‏(‏بن‏)‏ المواز و‏(‏به‏)‏ قال أشهب وأنا أكره ذلك ‏(‏بدءا‏)‏ فإن نزل لم أفسخه لأن ‏(‏الحلية‏)‏ ‏(‏إذا كانت تبعا فإنما هي كالعرض فأنا أفسخ ذلك‏)‏ إذا كانت ليست بتبع وفي ‏(‏‏(‏المدونة‏)‏‏)‏ لابن القاسم إذا كانت الفضة أكثر من قيمة النصل قال يفسخ البيع وإن كان قديما فإن فات عن السيف كان عليه قيمته من الذهب وقال سحنون عليه قيمة النصل مجردا أو يرد وزن الفضة وروى عيسى بن مسكون عن سحنون قال يفسخ البيع على كل حال لأنه ربا إلا أن تفوت العين فيكون على المشتري قيمة النصل ‏(‏والحفز دون الفضة‏)‏‏.‏

باب ما جاء في الصرف

1290- مالك عن بن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري أنه التمس صرفا بمائة دينار قال فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني وأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال حتى يأتيني خازني من الغابة وعمر بن الخطاب يسمع فقال عمر والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر هذا حديث مجتمع على صحته وقد احتج به من جعل البر صنفا غير الشعير لأنه فصل بينهما بالواو الفاصلة كما فصل بين البر والتمر بواو فاصلة وسيأتي القول في بيع الشعير بالبر في موضعه - إن شاء الله تعالى حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال أنه سأل زيد بن أرقم والبراء بن عازب عن الصرف فقالا عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ما كان نسيئة فهو ربا‏)‏‏)‏‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب قال أخبرنا سعيد عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي المنهال قال سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذهب بالفضة نسئا قال‏.‏

وحدثني محمد بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب قال أخبرنا سعيد عن أيوب عن أبي قلابة عن هشام بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذهب بالفضة نسئا ولا خلاف بين علماء الأمة أنه لا يجوز النسيئة في بيع الذهب بالورق وكذلك حكم الطعام بالطعام عند الجمهور ونذكر ذلك في باب الطعام - إن شاء الله تعالى وقد تقدم معنى هاء وهاء ومعنى قول عمر والله لا تفارقة حتى تأخذ منه في الباب قبل هذا عند قول عمر وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره قال مالك إذا اصطرف الرجل دراهم بدنانير ثم وجد فيها درهما زائفا فأراد رده انتقض صرف الدينار ورد إليه ورقة وأخذ إليه ديناره وتفسير ما كره من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء‏)‏‏)‏ وقال عمر بن الخطاب وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره وهو إذا رد عليه درهما من صرف بعد أن يفارقه كان بمنزلة الدين أو الشيء المستأخر فلذلك كره ذلك وانتقض الصرف وإنما أراد عمر بن الخطاب أن لا يباع الذهب والورق والطعام كله عاجلا بآجل فإنه لا ينبغي أن يكون في شيء من ذلك تأخير ولا نظرة وإن كان من صنف واحد أو كان مختلفة أصنافه قال أبو عمر اختلف الفقهاء في هذه المسألة فمذهب مالك وأصحابه أنه إذا اشترى منه مائة دينار بألف درهم دينار بعشرة دراهم ثم وجد درهما زائفا فرضي به جاز وبن رده انتقض الصرف في دينار واحد وإن وجد أحد عشر درهما زيوفا انتقض الصرف في دينارين وهكذا أبدا فيما زاد وإن اشترى دراهم بدينار واحد فوجد فيها درهما واحدا زائفا فرده انتقض الصرف في الدينار وقال الثوري إذا رد الدراهم الزيوف فإن شاء أخذ منه بخمسمائة درهم أو يكون شريكا بقدر ذلك في الدينار‏.‏

وقال أبو حنيفة إذا افترقا ثم وجد النصف زيوفا أو أكثر من النصف فرده بطل الصرف في المردود وإن كان أقل من النصف استبدل رواه محمد في ‏(‏‏(‏الإملاء‏)‏‏)‏ ورواه أبو يوسف أيضا وقال أبو يوسف ومحمد والأوزاعي والليث والحسن بن حي يستبدل الرديء كله وقال زفر يبطل الصرف فيما رد قل أو كثر وعن الثوري مثل قول زفر أيضا وللشافعي قولان أحدهما يبطل الصرف كله والآخر يستبدل0 وذكر أحمد بن حنبل عن الحسن وبن سيرين وقتادة أنهم قالوا يبدل لهم ما رد عليه من الرديء ولا ينتقض شيء من الصرف قال أحمد وهو أحب الأقاويل إلي قال أبو عمر من قال يستبدل احتج بأن الصرف لم يفترقا أولا فيه إلا عن قبض صحيح عندهما وكذلك الاستبدال لا يفارقه حتى يقبض منه فلم يدخل في شيء من فعلهما النساء وفي هذا المعنى جاء عن عمر بن الخطاب أنه قال إنما الربا على من أراد أن يربي رواه معمر عن أيوب عن بن سيرين عن عمر ومن قال انتقض الصرف زعم أن الزائف لم يقبض بذلك فصار كأنه أخره ومعنى قول مالك أنه ينتقض الصرف في الدينار أنه لما سمى لكل دينار من الدراهم شيئا معلوما ما لم ينتقض إلا صرف الدينار إلا أن يكون الزائف أكثر منه فينتقض على حسب ما وصفت والأصل في هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏الذهب بالورق إلا هاء وهاء‏)‏‏)‏ ونهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الفضة بالذهب نسئا ومن هذا الباب أيضا اختلافهم في قبض الصرف فقال مالك والشافعي إذا لم يقبض البعض حتى يفترقا بطل البيع كله‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يصح في المقبوض ويبطل فيما لم يقبض واختلفوا في الصرف على ما ليس عند أحدهم في حين العقد فقال أبو حنيفة والشافعي يجوز أن يشتري دينارا بعشرة دراهم ليست عند واحد منهما ثم يستقرض فيدفعه قبل الافتراق وقال زفر لا يجوز إلا أن يعين أحدهما مثل أن يقول أشتري منك ألف درهم بهذه المائة الدينار وروي عن مالك مثل ذلك إلا أنه قال يحتاج أن يكون قبضه لما لم يعينه قريبا متصلا بمنزلة النفقة كلها منه وكان الحسن بن حي يكره أن يبيعه دراهم بدنانير ليست عنده قال أبو عمر اتفق هؤلاء المذكورون على جواز الصرف إذا كان أحدهما دينا وقبضه في المجلس والله الموفق‏.‏

باب المراطلة

1291- مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه رأى سعيد بن المسيب يراطل الذهب بالذهب فيفرغ ذهبه في كفة الميزان ويفرغ صاحبه الذي يراطله ذهبه في كفة الميزان الأخرى فإذا اعتدل لسان الميزان أخذ وأعطى قال أبو عمر قد روي هذا عن بن عمر وغيره روى بن عيينة عن صدقة بن يسار قال سألت بن عمر أو سمعت بن عمر سئل عن بيع الذهب بالذهب فقال إذا اعتدل الميزان فخذ وأعط وروى بن عيينة عن وردان الرومي قال سألت بن عمر عن الذهب بالذهب فقال ضع هذا في كفة وهذا في كفة فإذا اعتدلا فخذ وأعط هذا عهد صاحبنا إلينا وعهدنا إليكم قال مالك الأمر عندنا في بيع الذهب بالذهب والورق بالورق مراطلة أنه لا بأس بذلك أن يأخذ أحد عشر دينارا بعشرة دنانير يدا بيد إذا كان وزن الذهبين سواء عينا بعين وإن تفاضل العدد والدراهم أيضا في ذلك بمنزلة الدنانير قال مالك من راطل ذهبا بذهب أو ورقا بورق فكان بين الذهبين فضل مثقال فأعطى صاحبه قيمته من الورق أو من غيرها فلا يأخذه فإن ذلك قبيح وذريعة إلى الربا لأنه إذا جاز له أن يأخذ المثقال بقيمته حتى كأنه اشتراه على حدته جاز له أن يأخذ المثقال بقيمته مرارا لأن يجيز ذلك البيع بينه وبين صاحبه قال مالك ولو أنه باعه ذلك المثقال مفردا ليس معه غيره لم يأخذه بعشر الثمن الذي أخذه به لأن يجوز له البيع فذلك الذريعة إلى إحلال الحرام والأمر المنهي عنه قال أبو عمر أما المراطلة الذي ذكر عن سعيد بن المسيب فلا خلاف بين علماء المسلمين فيها فإذا كان الذهبان متقاربين لا يدخل فيهما من غيرهما ولا نقصان في أحد الكفتين ولا زيادة يحتاج فيها إلى وزن أو غيره لأن السنة المجتمع عليها أن المماثلة بالذهب والورق والوزن فإن كانت المراطلة ذهبا بذهب فزادت أحداهما فأخذ صاحب الزيادة فيها ورقا أو كانت المراطلة ورقا بورق فأخذ صاحب الزيادة فيها ذهبا فهو موضع اختلف في الفقهاء فمذهب مالك واصحابه أنه لا يجوز ذهب بفضة وذهب ولا ذهب وفضة بفضة على حال ولا يجوز عندهم أن يشتري ما زاد في المراطلة من أحد الذهبين بفضة ولا من أحد الفضتين بذهب ولا بغير ذلك ولا يصح عندهم مع الصرف بيع وهو قول الشافعي والليث بن سعد ولا يجوز عند مالك والليث والشافعي بيع فضة بنوعين من الفضة ولا بيع فضة بنوعين من الذهب ولا يجوز عندهم بيع ألف درهم سود بألف درهم بيض وسود ولو كانت بيض كلها بسود كلها جاز لأنه لو استحق أحد الذهبين رجع فيه إلى القيمة فيدخله التفاضل وأجاز ذلك كله أبو حنيفة وأصحابه لأنه ذهب بذهب مثلا بمثل وفضة بفضة مثلا بمثل قالوا ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بالمماثلة دل على أن الاعتبار بها في الورق لا في القيمة‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي غرر أن يشتري عشرة دراهم ودنانير باثني عشر درهما وروى نحوه عن الثوري وروي عنه انه قال كان ينبغي أن يحدث الفضل بقيمتها إزاءه وروي عن إبراهيم النخعي مثل قول أبي حنيفة والأوزاعي وإنما أجازوا ذلك لأنهم جعلوا من الأثني عشر درهما عشرة دراهم بإزاء العشرة الدراهم وجعلوا الدرهمين بإزاء الدينار ومعلوم أن الدرهمين ليستا ثمنا للدينار فيدخله التفاضل لا محالة والله أعلم ومن حجتهم أن قالوا جائز بيع دينار بدرهم يدا بيد من كل مالك لنفسه جائز الأمر في ماله فإذا جعلنا ما زاد على المماثلة من الفضة مقابلا موازنا للذهب جاز لأن قد بعنا العشرة دراهم بثلثها وزنا وإلا خرج علينا في بيع الذهب بالورق متفاضلا مثلا وروى عبيد الله بن موسى عن الثوري قال أخبرني عثمان بن الأسود عن مجاهد قال إذا وضعت ذهبك في كفة الميزان ووضع ذهبه في الكفة الأخرى ثم اشتريت منه كذا وكذا قيراطا بدرهم فلا بأس وروى عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن عثمان بن الأسود عن مجاهد في الرجل يبيع الفضة بالفضة بينهما فضل قال يأخذ فضله ذهبا قال مالك في الرجل يراطل الرجل ويعطيه الذهب العتق الجياد ويجعل معها تبرا ذهبا غير جيدة ويأخذ من صاحبه ذهبا كوفية مقطعة وتلك الكوفية مكروهة عند الناس فيتبايعان ذلك مثلا بمثل إن ذلك لا يصلح قال مالك وتفسير ما كره من ذلك أن صاحب الذهب الجياد أخذ فضل عيون ذهبه في التبر الذي طرح مع ذهبه ولولا فضل ذهبه على ذهب صاحبه لم يراطله صاحبه بتبره ذلك إلى ذهبه الكوفية فامتنع وإنما مثل ذلك كمثل رجل أراد أن يبتاع ثلاثة أصوع من تمر عجوة بصاعين ومد من تمر كبيس فقيل له هذا لا يصلح فجعل صاعين من كبيس وصاعا من حشف يريد أن يجيز بذلك بيعه فذلك لا يصلح لأنه لم يكن صاحب العجوة ليعطيه صاعا من العجوة بصاع من حشف ولكنه إنما أعطاه ذلك لفضل الكبيس أو أن يقول الرجل للرجل يعني ثلاثة أصوع من البيضاء بصاعين ونصف من حنطة شامية فيقول هذا لا يصلح إلا مثلا بمثل فيجعل صاعين من حنطة شامية وصاعا من شعير يريد أن يجيز بذلك البيع فيما بينهما فهذا لا يصلح لأنه لم يكن ليعطيه بصاع من شعير صاعا من حنطة بيضاء لو كان ذلك الصاع مفردا وإنما أعطاه إياه لفضل الشامية على البيضاء فهذا لا يصلح وهو مثل ما وصفنا من التبر قال مالك فكل شيء من الذهب والورق والطعام كله الذي لا ينبغي أن يباع إلا مثلا بمثل فلا ينبغي أن يجعل مع الصنف الجيد من المرغوب فيه الشيء الرديء والمسخوط ليجاز البيع وليستحل بذلك ما نهي عنه من الأمر الذي لا يصلح وذكر كلاما يرد فيه المعنى واللفظ دون زيادة شيء غير ما تقدم إلى آخر الباب وبمعنى ما رسمه مالك في هذا الباب يقول الشافعي - رحمه الله قال ولو راطل مائة دينار عتق مروانية وعشرة من ضرب مكروه بمائة دينار وعشرة هاشمية فلا خير فيه من قبل أن قيم المروانية أكثر من قيم الهاشمية وهذا الذهب بالذهب متفاضلا ولا بأس أن يراطل الدنانير الهاشمية التامة بالعتق الناقصة مثلا بمثل في الوزن ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل قال الشافعي ولا يجوز مد عجوة بدرهم بمدى عجوة ولا دينار ودرهم بدينارين قال أبو عمر هذا كله مذهب مالك وأصحابه‏.‏

وأما البصريون والكوفيون جائز ذلك كله عندهم لآن رديء التمر وجيده لا يجوز إلا مثلا بمثل فكذلك رديء البر وجيده ورديء الورق وجيدها ورديء الذهب وجيده لا يجوز الرديء من ذلك كله والوسط والجيد إلا مثلا بمثل فإذا كانت المماثلة ولم يكن تفاضل ولا زيادة فجائز حلال عندهم وكذلك يجوز عندهم مد عجوة ودرهم بمدي عجوة لأن المد بإزاء المد الثاني بالدرهم وكذلك الفضة بالفضة والذهب بالذهب على هذا المذهب الذي قدمنا ذكره عنهم وبالله التوفيق‏.‏

باب العينة وما يشبهها

1292- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏ من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه‏)‏‏)‏‏.‏

1293- مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه‏)‏‏)‏‏.‏

1294- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه هكذا روى مالك هذا الحديث لم يذكر فيه الجزاف ورواه غيره عن نافع عن بن عمر قال كنا نبتاع الطعام جزافا فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله الحديث ورواه جماعة عن نافع عن بن عمر مرفوعا وجوزه عبد الله بن عمر وغيره وعبيد الله متقدم في حفظه حديث نافع حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بكر بن حماد‏.‏

وحدثني عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني بكر بن محمد بن العلاء قال حدثني زياد بن الخليل قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر قال كانوا يتبايعون الطعام جزافا في أعلى السوق فيبيعونه مكانه فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه مكانه حتى ينقلوه قال أبو عمر أما العينة فمعناها بيع ما ليس عندك من قبل أن تبتاعه طعاما كان أو غيره وتفسير ما ذكره مالك وغيره في ذلك أنها ذريعة إلى دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل كأنه قال له وقد بينا له دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل ودراهم بدنانير أكثر منها إلى أجل فقال المسؤول للسائل هذا لا يحل ولا سبيل إليه ولكني أبيع منك في الدراهم التي سألتني سلعة كذا وكذا ليست عندي أبتاعها لك فلم يشتريها مني فيوافقه على الثمن الذي يبيعها به منه ثم يوفى تلك السلعة ممن هي عنده نقدا ثم يسلمها إلى الذي سأله العينة بما قد كان اتفق معه عليه من ثمنها فهذه العينة المجتمع عليها لأنه بيع ما ليس عندك وبيع ما لم يقبضه ولم يستوفه ولم يصره عندك طعاما كان أو غيره وربح ما لم يضمن لأنه ربح أصابه عند غيره قبل أن يبتاعه وهذا كله قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وذكر بن وهب عن مالك قال بلغني أن رجلا سأل عبد الله بن عمر فقال إني ابتعت من رجل طعاما فلما جئت ليوفيني إذا هو لا طعام عنده وإذا هو يريد أن يبتاعه لي من السوق قال عبد الله بن عمر لا آمره أن يبيعك إلا ما كان عنده ولا آمرك أن تبتاع منه إلا ما كان عنده قال مالك وذلك في العينة قال بن وهب‏.‏

وأخبرني مالك قال بلغني أن رجلا جاء إلى عبد الله بن عمر فقال له إن رجلا جاءني فقال لي أن ابتاع هذا البعير حتى اشتريه منك إلى أجل فقال بن عمر لا خير فيه قال‏.‏

وأخبرني يونس بن يزيد عن بن شهاب قال أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر أن أباه كان ينهى أن يبيع أحد سلعة حتى تكون منه قال يونس وكذلك قال أبو الزناد قال‏.‏

وأخبرني بن جريج أن زيد بن أسلم أخبره كنت مع بن عمر إذ سأله نحاس فقال يأتيني الرجل في بعير ليس لي فيساومني فأبيعه منه ثم ابتاعه بعد ذلك فقال بن عمر لا قال‏.‏

وأخبرني عبد الجبار بن عمر قال سألت بن شهاب عن العينة في الدين فقال الرجل يبيع الطعام وليس عنده قال‏.‏

وأخبرني يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول لا يصلح لأحد أن يبيع طعاما ليس عنده ثم يبتاعه بعد أن يوجب بيعه لصاحبه إلا أن يبيع مضمونا عليه إلى حين يرتفع فيه الأسواق قال‏.‏

وأخبرني الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم بن محمد قال إذا أراد الإنسان أن يبتاع الشيء منكم فابتاعوه ثم بيعوه منه وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير قال بعت طعاما من عمر بن عثمان بنسيئة إلى أجل وبعض الطعام عندي وبعضه ليس عندي وربحت مالا كثيرا فأتاني رسولا عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس فقالا ما كان عندك فاقبضه وما لم يكن عندك فاردده وذكر بن وهب قال أخبرني عثمان بن وكيل قال سمعت عبيد الله بن عمر يقول كنت أتعين لأبي ولبعض أهلي فسألت القاسم بن محمد عن ذلك فقال لو أن رجلا أتى إلى رجل فقال إن لي حاجة براوية أو راويتين فذهب الرجل إلى السوق فابتاع الراوية أو الراويتين ثم جاء إلى صاحبه فقال عندي حاجتك وباعها منه لم أر بذلك بأسا قال وأحب إلي أن يمسكها حتى الغد قال عثمان فهذا قول حسن قال عثمان ورأيت مالك بن انس يقول أحب إلى إذا جاء الذي يطلب العينة أن يقول له ليس عندي شيء أبيعه ثم يذهب إلى السوق فيشتري ثم يأتيه بعد أن يشتري الطعام فيقول عندي حاجتك فإن وافقه ذلك الطعام باعه منه قال عثمان وأنا أرى قول بن القاسم نحوا من هذا لأنه ليس فيه رأي ولا يجده وإن وقع فيه البيع على ما وصفنا قيل للبائع إن أعطيت السلعة لمبتاعها منك بما اشتريتها منك جاز ذلك لأنه إنما أسلفه الثمن الذي ابتاعها به ولئن باعها من الذي سأله أن يشتريها له بأكثر مما اشتراها فسخ البيع إلا أن يفوت السلعة فيكون لبائعها قيمتها يوم باعها نقدا وقد روى مالك أنه لا يفسخ البيع لأن المأمون كان ضامنا للسلعة لو هلكت قال بن القاسم وأحب إلي أن لو تورع عن أخذ ما ازداد عليه قال عيسى بن دينار بل من يفسخ البيع إلا أن يفوت السلعة فيكون فيها القيمة قال أبو عمر على هذا سائر الفقهاء بالعراق والحجاز وهو قول مالك لو كانت السلعة طعاما لم يختلف قوله في ذلك لأنه باع طعاما ليس عنده قبل أن يستوفيه وكأنه حمل نهيه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وبيع ما ليس عندك على الطعام يتعين وشك في غير الطعام والله أعلم وحمله عشرة من العلماء على العموم في بيع ما ليس عند البائع وهو الأحوط وبالله التوفيق قال أبو عمر تفسير ما ذكرنا في العينة فأما لفظ نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه‏)‏‏)‏ ولفظ عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي -عليه السلام- من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه فالمعنى في ذلك سواء لأن الاستيفاء بالكيل والوزن هو القبض لما يكال أو يوزن قال الله عز وجل ‏(‏أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين‏)‏ ‏[‏الشعراء 181‏]‏‏.‏

وقال ‏(‏فأوف لنا الكيل وتصدق علينا‏)‏ ‏[‏يوسف 88‏]‏‏.‏

وقال ‏(‏وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون‏)‏ ‏[‏المطففين 3‏]‏‏.‏

ولم يختلف العلماء في كل ما يكال أو يوزن من الطعام كله والآدام أنه لا يجوز بيعه لمن ابتاعه على الكيل والوزن حتى يقبضه كيلا أو وزنا وكذلك الملح والكزبر وزريعة الفجل الذي فيه الزيت المأكول فإن لم يكن فيها زيت فيؤكل فهي كزريعة الكراث والجزر والبصل وما أشبه ذلك مما ليس بطعام فلا بأس عند مالك وأصحابه ببيع ذلك قبل استئنافه واختلف أصحابنا في التوابل والحلبة والشونيز وما أشبه ذلك على ما قد ذكرنا عنهم في كتاب اختلاف قول مالك وأصحابه وكذلك الطعام إذا بيع جزافا صبرا على غير الكيل لا بأس عند مالك ويبيعه قبل قبضه وقبل انتقاله من موضعه وقد روي عنه أنه استمد قوله انتقاله لكل من ابتاعه قبل أن يبيعه وقول الأوزاعي في ذلك كقول مالك في الطعام إذا ابتيع جزافا‏.‏

وقال أبو ثور وأحمد بن حنبل وداود أما الطعام كله فلا يباع شيء منه حتى يستوفيه الذي ابتاعه سواء اشتراه على الكيل أو الجزاف وينتقله ويقبضه مما يقبض به مثله قالوا‏.‏

وأما غيره من العروض كلها فجائز بيعه قبل القبض وهذا مذهب مالك والأوزاعي في بيع العروض كلها جواز بيعها قبل استيفائها على ما نوضحه من ذلك من باب بيع العروض إن شاء الله عز وجل‏.‏

وأما الشافعي والكوفيون فلا يجيزون بيع العروض قبل القبض وهو مذهب بن عباس وسيأتي ذكر تلخيص مذاهبهم في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وقال آخرون كل ما بيع على الكيل أو الوزن من جميع الأشياء كلها طعاما كان أو غيره فلا يباع شيء منه قبل القبض بالكيل أو الوزن حسب العرف والعادة في كيله أو وزنه وما ليس بمكيل ولا موزون فلا بأس ببيعه قبل قبضه من جميع الأشياء كلها وروي هذا القول عن عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب والحسن والحكم وحماد وبه قال الحسن - قياسا على ما يكال أو يوزن من الطعام قال أبو عمر كل ما بيع من الطعام على الكيل او الوزن فلا يجوز عند مالك وأصحابه أن يمهد قبل استئنافه ولا يستأجر به ولا يؤخذ عليه بدل ويجوز عندهم ما استقر من الطعام عند استيفائه على ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه أو حتى يقبضه‏)‏‏)‏ ولم يقل من ملك طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه وجائز عنده بيع ما اشترى من الطعام جزافا قبل نقله‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إنما المهر والجعل وما يؤخذ في الخلع من الطعام وغيره فجائز أن يباع ما ملك بهذه الوجوه قبل القبض قالا والذي لا يباع قبل قبضه ما اشتري أو استؤجر به قالا وكل ما ملك بالشراء فلا يجوز بيعه قبل القبض إلا العقار وحده وقال سفيان الثوري وسفيان بن عيينة والشافعي ومحمد بن الحسن كل ما ملك بشراء أو بعوض من جميع الأشياء كلها عقارا كان أو غيره مأكولا كان أو مشروبا مكيلا كان أو موزونا أو غير مكيل ولا موزون ولا مأكول ولا مسروق فلا يجوز بيع شيء منه قبل القبض وهو مذهب عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وهما رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏(‏‏(‏من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه‏)‏‏)‏ وافتيا جميعا بأن لا يباع شيء حتى يقبض قال بن عباس كل شيء عندي مثل الطعام0 رواه بن عيينة عن عمرو عن طاوس عن بن عباس قال أبو عمر ذهبوا في ذلك إلى عموم قوله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وذلك بجميع الطعام وغيره عندهم وقال إسحاق وأبو عبيد كل شيء لا يكال ولا يوزن فلا بأس ببيعه قبل قبضه وروي ذلك عن عثمان من رواية قتادة عن عبد ربه عن بن عياض عن عثمان‏.‏

وقال أحمد وأبو ثور كل ما وقع عليه اسم طعام مما يؤكل أو يشرب فلا يجوز أن يباع حتى يقبض وما سوى ذلك فلا بأس ببيعه قبل القبض ومن حجة من ذهب مذهب بن عباس نهيه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وقوله لحكيم بن حزام ‏(‏‏(‏إذا ابتعت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه‏)‏‏)‏‏.‏

حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا زهير بن حرب قال حدثني إسماعيل بن علية عن أيوب قال حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لا يحل بيع وسلف ولا ربح ما لم تضمن ولا بيع ما ليس عندك‏)‏‏)‏‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب قال حدثني هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن يوسف بن ماهك أن عبد الله بن عصمة حدثه أن حكيم بن حزام حدثه قال قلت يا رسول الله ‏!‏ إني اشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم فقال ‏(‏‏(‏يا بن أخي ‏!‏ إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر حمل الشافعي والثوري هذا الحديث على عمومه في كل بيع وجعله مالك ومن تابعه مجملا يفسره قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه‏)‏‏)‏ وكذلك حملوا ربح ما لم يضمن على الطعام وحده وقال عيسى سألت بن القاسم عن ربح ما لم يضمن فقال ذكر مالك أن ذلك بيع الطعام قبل أن يستوفيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وربحه حرام قال‏.‏

وأما غير الطعام من العروض والحيوان والثياب فإن ربحها حلال لا بأس به لأن بيعها قبل استيفائها حلال وكذلك قال مالك وقال بن وهب عن مالك أرى أن ربح ما لم يضمن بيع الطعام قبل أن يستوفي وبيع كل ما ابتاع المرء بالخيار شهرا أو شهرين أو أقل أو أكثر من ذلك وكل ما ضمنه من البائع والله أعلم قال أبو عمر يختلف في حديث حكيم بن حزام وأسانيده ما ذكرنا إلا أن عبد الله بن عصمة هذا لم يره وعنه عن يوسف بن ماهك فيما علمت ويوسف ثقة وما أعلم لعبد الله بن عصمة جرحة إلا أن من لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو مجهول عندهم إلا أني أقول إن كان معروفا بالثقة والأمانة والعدالة فلا يضره إذا لم يرو عنه إلا واحد‏.‏

1295- مالك عن نافع أن حكيم بن حزام ابتاع طعاما أمر به عمر بن الخطاب للناس فباع حكيم الطعام قبل أن يستوفيه فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فرده عليه وقال لا تبع طعاما ابتعته حتى تستوفيه قال أبو عمر قوله طعاما ابتعته حتى تستوفيه يبين لك أن العرض بخلاف البيع والله أعلم وروى هذا الحديث معمر عن أيوب عن نافع أن حكيم بن حزام كان يشتري الأرزاق في زمن عمر بن الخطاب فنهاه عمر أن يبيعها حتى يقبضها‏.‏

1296- مالك أنه بلغه أن صكوكا خرجت للناس في زمان مروان بن الحكم من طعام الجار فتبايع الناس تلك الصكوك بينهم قبل ان يستوفوها فدخل زيد بن ثابت ورجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مروان بن الحكم فقالا أتحل بيع الربا يا مروان فقال أعوذ بالله وما ذاك فقالا هذه الصكوك تبايعها الناس ثم باعوها قبل أن يستوفوها فبعث مروان الحرس يتبعونها ينزعونها من أيدي الناس ويردونها إلى أهلها‏.‏

1297- مالك أنه بلغه أن رجلا أراد أن يبتاع طعاما من رجل إلى أجل فذهب به الرجل الذي يريد أن يبيعه الطعام إلى السوق فجعل يريه الصبر ويقول له من أيها تحب أن أبتاع لك فقال المبتاع أتبيعني ما ليس عندك فأتيا عبد الله بن عمر فذكرا ذلك له فقال عبد الله بن عمر للمبتاع لا تبتع منه ما ليس عنده وقال للبائع لا تبع ما ليس عندك قال أبو عمر قد روي بن عيينة وغيره عن الزهري عن عبد الله بن عمرو أنه كان لا يرى ببيع الصكوك إذا خرجت بأسا ويكره لمن اشتراها أن يبيعها حتى يقبضها وعن معمر عن الزهري عن زيد بن ثابت مثله قال أبو عمر قول عمر لحكيم بن حزام وقول زيد بن ثابت وصاحبه لمروان أتحل الربا يا مروان وخبر بن عمر هذه الآثار كلها معناها واحد وهو معنى العينة التي تقدم تفسيرنا لها في صدر هذا الباب وإنما جعل زيد بن ثابت بيع الطعام قبل أن يستوفيه ربا لأنه عنده في باب العينة التي تشبه دراهم بأكبر منها نسيئة وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم وكذلك فقال بن عباس في السبائب التي أراد بيعها الذي سلف فيها قبل أن يقبضها تلك الورق بالورق لأن بيع العروض عنده قبل أن يستوفي بيع الطعام عند زيد بن ثابت وإلى قول زيد ذهب مالك في ذلك واما بيع الذين خرجت لهم الصكوك بما فيها من الطعام قبل استيفائه لأن أخذهم لذلك الطعام لم يكن شراء اشتروه بنقد ولا دين وإنما كان طعاما خارجا عليهم في ديوان العطاء والعطاء شيء واجب لهم في الديون من الفيء فلم يكره لهم بيع ما في تلك الصكوك لما وصفنا وكره للذي ابتاع منهم ما فيها من الطعام بيعه قبل استيفائه لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من ابتاع طعاما أن يبيعه حتى يستوفيه‏)‏‏)‏ وهذا بين واضح لمن يبينه وبالله التوفيق لا شرك له وروى معمر عن الزهري أن زيد بن ثابت وبن عمر كانا لا يريان ببيع الصكوك بأسا إذا خرجت قال ولا يحل لمن ابتاعها أن يبيعها حتى يقبضها ومعمر عن قتادة مثله‏.‏

1298- مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع جميل بن عبد الرحمن المؤذن يقول لسعيد بن المسيب إني رجل أبتاع من الأرزاق التي تعطى الناس بالجار ما شاء الله ثم أريد أن أبيع الطعام المضمون علي إلى أجل فقال له سعيد أتريد أن توفيهم من تلك الأرزاق التي ابتعت فقال نعم فنهاه عن ذلك قال أبو عمر هذا عندي ورع صادق لأنه كره له ما أضمر ونوى من أن يعطيهم من الطعام الذي اشترى قبل الاستيفاء خشية أن يقع في بيع الطعام قبل أن يستوفي ومعلوم أن الطعام المضمون الذي كان عليه لم يكن شيئا بعينه لا ذاك ولا غيره وإنما كان في ذمته القيمة مما شاء وقد كره مالك - رحمه الله - من ذلك الذي كرهه سعيد بن المسيب وروى أصبغ عن بن القاسم فيمن ابتاع طعاما على كيل أو وزن أو عدد أنه لا يبيعه ولا يواعد فيه أحدا حتى يقبضه ولا يبيع طعاما مضمونا عليه فنوى أن يقبضه من ذلك الطعام الذي اشترى كان ذلك الطعام بعينه أو بغير عينه قال أبو عمر قد يحتمل أن تكون الكراهة أن يحضرهم الكسل ويعطيهم إياه على ذلك الكيل فقد جاء في الحديث النهي عن بيع ما اشترى من الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع المشتري الأول ثم الثاني وكذلك لو ولاه أو اشتركه إلا عند مالك وأصحابه وجماعة من أهل المدينة في الشركة والتولية والإقالة على ما يأتي ذكره في موضعه - إن شاء الله تعالى ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال قلت لقتادة اشتريت طعاما ورجل ينظر إلي وأنا أكتاله فأبيعه إياه بكيله قال لي لا حتى يكتاله هو لك وقيل لعبد الرزاق وعبد الملك الصباح سمعنا الثوري يقول في رجلين يبتاع الطعام يكتالانه ثم يربح صاحبه فيه ربحا قال لا يحل حتى يكتالاه كيلا آخر يكتال كل واحد نصيبه ثم يكتال نصيبه الذي أربحه قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه من اشترى طعاما برا أو شعيرا أو سلتا أو ذرة أو دخنا أو شيئا من الحبوب القطنية أو شيئا مما يشبه القطنية مما تجب فيه الزكاة أو شيئا من الأدم كلها الزيت والسمن والعسل والخل والجبن والشبرق ‏(‏والشيرق‏)‏ واللبن وما أشبه ذلك من الأدم فإن المبتاع لا يبيع شيئا من ذلك حتى يقبضه ويستوفيه قال أبو عمر هذا لا خلاف فيه بين العلماء في الطعام كله والآدام كله مقتات وغير مقتات مدخر وغير مدخر كل ما يؤكل أو يشرب فلا يجوز بيعه عند جميعهم حتى يستوفيه مبتاعه وقد مضى بيعه هذا المعنى بينا وإنما اختلفوا فيما يرى الأشياء عن الطعام هل هي في ذلك مثل الطعام أم لا على ما ذكرناه ونذكره أيضا إن شاء الله عز وجل‏.‏

باب ما يكره من بيع الطعام إلى أجل

1299- مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار ينهيان أن يبيع الرجل حنطة بذهب إلى أجل ثم يشتري بالذهب تمرا قبل أن يقبض الذهب‏.‏

1300- مالك عن كثير بن فرقد أنه سأل أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن الرجل يبيع الطعام من الرجل بذهب إلى أجل ثم يشتري بالذهب تمرا قبل أن يقبض الذهب فكره ذلك ونهى عنه‏.‏

1301- مالك عن بن شهاب بمثل ذلك قال مالك وإنما نهى سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وبن شهاب عن أن لا يبيع الرجل حنطة بذهب ثم يشتري الرجل بالذهب تمرا قبل أن يقبض الذهب من بيعه الذي اشترى منه الحنطة فأما أن يشتري بالذهب التي باع بها الحنطة إلى أجل تمرا من غير بائعه الذي باع منه الحنطة قبل أن يقبض الذهب ويحيل الذي اشترى منه التمر على غريمه الذي باع منه الحنطة بالذهب التي له عليه في ثمر التمر فلا بأس بذلك قال مالك وقد سألت عن ذلك غير واحد من أهل العلم فلم يروا به بأسا قال أبو عمر ما ذكره مالك وفسر به قول سعيد وسليمان وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وبن شهاب فهو كما ذكر لا خلاف علمته بين العلماء في ذلك إذا كان البائع للطعام قد اشترى طعاما من غير الذي باعه منه ثم أحاله بثمن ما اشتراه من ثمنه الذي باعه منه طعامه لأنها حوالة لا يدخلها شيء من بيع طعام بطعام وإنما اختلف العلماء فيما كرهه سعيد وسليمان وأبو بكر وبن شهاب فقالت طائفة من العلماء بقولهم إنه لا يجوز لبائع الطعام أن يأخذ من مبتاعه منه في ثمنه طعاما إذا حل الأجل لأن الطعام بالطعام لا يجوز فيه النسيء وجعلوا