فصل: باب النهي عن الصلاة والإنسان يريد حاجته

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب جامع سبحة الضحى

329- ذكر فيه مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن جدته مليكة دعت رسول الله إلى طعام صنعته فأكل منه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا فلأصل لكم قال أنس فقمت إلى حصير لنا قد إسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين ثم انصرف في هذا الحديث إجابة الدعوة إلى الطعام في غير الوليمة وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة وفيه أن المرأة المتجالة والمرأة الصالحة إذا دعت إلى طعام أجيبت قال الله عز وجل ‏(‏والقوعد من النساء التي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن‏)‏ ‏[‏النور 60‏]‏‏.‏

وفيه من الفقه أن من حلف ألا يلبس ثوبا ولم تكن له نية ولا لكلامه بساط يعلم به مخرج يمينه فإنه يحنث بما ينوي ويبسط من الثياب لأن ذلك يسمى لباسا ألا ترى إلى قوله فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس‏.‏

وأما نضح الحصير فإن إسماعيل بن إسحاق وغيره من أصحابنا كانوا يقولون إنما كان ذلك ليلين الحصير لا لنجاسة فيه وقال بعض أصحابنا إن النضح طهارة لما شك فيه لتطييب النفس عليه اتباعا لعمر في قوله أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أره قال أبو عمر الذي أقول به أن ثوب المسلم محمول على الطهارة حتى يستيقن بالنجاسة وأن النضح فيما قد يحبس لا يزيده إلا شرا وقد يسمى الغسل نضحا وقد ذكرنا ذلك بالشاهد عليه فيما تقدم من هذا الكتاب إلا أن من قصد بالنضح الذي هو الرش إلى قطع الوسوسة وحزازة النفس فيما يشك فيه اتباعا لعمر وغيره من السلف واتباعا للأصل في الثوب أنه على الطهارة محمول حتى نضح النجاسة فيه إلا أن يكون في النفس فيما شك فيه اتباعا شيء من الشك يقطع بالرش على ما جاء عن السلف فهو احتياط غير مضر وبالله التوفيق‏.‏

وأما النضح بالخاء المنقوطة فالكثير المنهمر يدل على ذلك قول الله عز وجل ‏(‏فيهما عينان نضاختان‏)‏ ‏[‏الرحمن 66‏]‏‏.‏

وفي هذا الحديث حجة على الكوفيين القائلين إذا كانوا ثلاثة وأرادوا أن يصلوا جماعة قام إمامهم وسطهم لحديث رووه عن علقمة والأسود أن بن مسعود صلى بهما فقام وسطهما وقد ذكرنا في التمهيد من رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح أنه موقوف وقال أهل الحجاز وأكثر أهل العلم يقومان خلفه كما لو كانوا ثلاثة سوى الإمام ولم يختلفوا فيما لو كانوا ثلاثة سوى الإمام أنه يقف أمامهم ويقومون خلفه وكذلك إذا كانوا اثنين سوى الإمام بدليل هذا الحديث عن أنس قوله فصففت أنا واليتيم من ورائه وقد روينا عن جابر بن عبد الله قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبجبار بن صخر فأقامنا خلفه وزعم الشافعي أن فيه حجة على من أبطل صلاة المصلي خلف الصف وحده لأن العجوز قد قامت خلف الصف في هذا الحديث وكان أحمد بن حنبل والحميدي وأبو ثور يذهبون إلى الفرق بين الرجل والمرأة في المصلي خلف الصف فكانوا يرون الإعادة على من صلى خلف الصف وحده من الرجال لحديث وابصة بن معبد عن النبي عليه السلام بذلك ولا يرون على المرأة إذا صلت خلف الصف شيئا لهذا الحديث وقالوا سنة المرأة أن تقوم خلف الرجال لا تقوم معهم قالوا فليس في حديث أنس هذا حجة لمن أجاز الصلاة للرجل خلف الصف وحده قال أبو عمر لا خلاف في أن سنة النساء القيام خلف الرجال لا يجوز لهن القيام معهم في الصف وقد ذكرنا في التمهيد حديث شعبة عن عبد الله بن المختار عن موسى بن أنس عن أنس قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم بي وبامرأة من أهلي فأقامني عن يمينه والمرأة خلفنا وحديث أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصف الرجال ثم الصبيان خلف الرجال ثم النساء خلف الصبيان في الصلاة‏.‏

وأما الشافعي فقد استدل على جواز صلاة الرجل خلف الصف وحده بحديث أنس هذا وأردفه بحديث أبي بكرة حين ركع خلف الصف وحده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد ولم يأمره بإعادة الصلاة قال وقوله لأبي بكرة لا تعد يعني لا تعد أن تتأخر عن الصلاة حتى تفوتك أو تفوتك منها ركعة قال وإذا جاز الركوع للرجل خلف الصف وحده أجزأ ذلك عنه فكذلك سائر صلاته لأن الركوع ركن من أركانها فإذا جاز للمصلي أن يركع خلف الصف وحده جاز له أن يسجد وأن يتم صلاته والله أعلم وقد احتج جماعة من أصحابنا ما احتج به الشافعي في هذه المسألة والذي أقول إنه ليس في هذا الباب حجة على من أنكر صلاة الرجل وحده خلف الصف لأن السنة المجتمع عليها أن تقوم المرأة خلف الرجال ولكني أقول إن الحديث في إبطال صلاة الرجل خلف الصف وحده مضطرب الإسناد لا يقوم به حجة وقد اتفق فقهاء الحجاز والعراق على ترك القول به منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم ومن سلك سبيلهم كلهم يرى أن صلاة الرجل خلف الصف جائزة وفي هذا الحديث أيضا ما يدل على أن الصبي إذا عقل الصلاة حضرها مع الجماعة ودخل معهم في الصف إذا كان يؤمن منه اللعب والأذى وكان ممن يفهم معنى ما هو فيه من الصلاة وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا أبصر صبيا في الصف أخرجه وعن زر بن حبيش وأبي وائل مثل ذلك وهذا يحتمل أن يكون ذلك الصبي من لا يؤمن لعبة وعبثه أو يكون كثرة التقدم له في الصف مع الشيوخ والأصل ما ذكرنا بحديث هذا الباب والله أعلم وقد كان أحمد بن حنبل يذهب إلى كراهة ذلك قال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يكره أن يقوم مع الناس في المسجد إلا من قد احتلم أو انبت أو بلغ خمس عشرة سنة فذكرت له حديث أنس واليتيم فقال ذلك في التطوع وفي هذا الحديث صلاة الضحى ولذلك ساقه مالك وقد مضى القول في صلاة الضحى في الباب قبل هذا وقد ذكرنا في التمهيد حديث شعبة عن بن سيرين عن أنس بن مالك قال كان رجل ضخم لا يستطيع أن يصلي مع النبي عليه الصلاة والسلام فقال إني لا أستطيع أن أصلي معك فلو أتيت منزلي فصليت فأقتدي بك فصنع الرجل طعاما ثم دعا بالنبي عليه الصلاة والسلام ونضح حصيرا لهم فصلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه ركعتين فقال رجل من آل الجارود لأنس أكان رسول الله يصلي الضحى فقال ما رأيته صلاها إلا يومئذ‏.‏

330- وأما حديثه في هذا الباب عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال دخلت على عمر بالهاجرة فوجدته يسبح فقمت وراءه فقربني حتى جعلني عن يمينه فلما جاء يرفأ تأخرت فصففنا وراءه ففي هذا الحديث من الفقه معرفة صلاة عمر في الضحى وأنه كان يصليها وقد تقدم أن من الصحابة من صلاها ومنهم من لم يصلها وأن بن عمر كان ممن لا يعرفها ويقول وهل للضحى صلاة وكان أبوه يصليها وكذلك كان بن عمر أيضا لا يقنت ولا يعرف القنوت وروي القنوت عن عمر من وجوه وكان بن عمر أيضا يصلي بعد العصر ما لم تصفر الشمس وتدنو للغروب وكان عمر يضرب الناس بالدرة عليها ومثل هذا كثير من اختلاف مذهبيهما وفيه أن الإمام إذا قام أحد معه فسنته أن يقوم عن يمينه ويقرب منه وهذا الذي فعله عمر موجود في السنة الثابتة التي رواها بن عباس وغيره وقد صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن عباس مثل ما صنع عمر هذا وقد تقدم هذا في باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل من هذا الكتاب وفيه أن العمل القليل في الصلاة لا يضرها مثل المشي إلى الفرج والتقدم اليسير والتأخر إذا كان ذلك مما ينبغي عمله في الصلاة لأن السنة في الجماعة خلف الإمام في أن الواحد يقوم عن يمينه إلا أن الاثنين مختلف فيهما والثلاثة فما زاد ولا خلاف أن سنتهم القيام خلف الإمام وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم والحمد لله‏.‏

باب التشديد في أن يمر أحد بين يدي المصلي

331- ذكر فيه مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان قد ذكرنا عبد الرحمن بن أبي سعيد في التمهيد وذكرنا أباه في الصحابة وعن بن وهب في هذا الحديث إسناد آخر عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري وهو محفوظ أيضا لعطاء عن أبي سعيد وعن أبي سعيد في هذا طرق قد ذكرتها وبعضها في التمهيد وفي هذا الحديث كراهية المرور بين يدي المصلي إذا كان وحده وصلى إلى غير سترة وكذلك حكم الإمام إذا صلى إلى غير سترة وأشد من ذلك أن يدخل المار بين يدي المصلي وبين سترته ومن السنة أن يدنو المصلي من سترته هذا كله في الإمام وفي المنفرد فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه كما أن الإمام والمنفرد لا يضر واحدا منهما من مر من وراء سترته لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه وقد قيل الإمام نفسه سترة لمن خلفه والدليل على أن ما قلناه كما وصفنا في الإمام والمنفرد دون المأمومين قوله صلى الله عليه وسلم إذا كان أحدكم يصلي ومعناه عند العلماء إذا كان أحدهم يصلي وحده لحديث بن عباس فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع فدخلت الصف فلم ينكر ذلك علي أحد وإذا كان الإمام أو المنفرد مصليا إلى سترة فليس عليه أن يدفع من يمر من وراء سترته هذا كله لا خلاف فيه بين العلماء على ما رسمته ومما يوضح لك أن الإمام سترة لمن خلفه حديث هشام بن الغازي عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر أو العصر فجاءت بهمة تمر بين يديه فجعل يداريها حتى رأيته ألصق منكبه بالجدار فمرت خلفه وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وذكرناه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وفي هذا الحديث دليل على جواز العمل في الصلاة وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز ‏(‏منه إلا‏)‏ القليل الذي لا يخرج المصلي عن عمل صلاته إلى غيرها ولا يشتغل به عنها نحو حك الجسد حكا غير طويل ‏(‏وأخذ البرغوث‏)‏ وقتل العقرب بما خف من الضرب وقد أوضحنا هذا المعنى في مواضع من هذا الكتاب‏.‏

وأما قوله في ‏(‏الحديث فإن أبى ‏)‏ فليقاتله فالمقاتلة هنا المدافعة وأحسبه كلاما خرج على التغليط ولكل شيء حد وأجمعوا أنه لا يقاتله بسيف ولا يبلغ به مبلغا يفسد به على نفسه صلاته وفي إجماعهم على هذا ما يبين لك المراد بمعنى ‏(‏الحديث فإن دافعه مدافعة لا يقصد بها إلا قتله فكان فيها تلف نفسه كان عليه ديته كاملة في ماله وقد ‏(‏ قيل على ‏)‏ عاقلته وقيل هي هدر على حسب ثنية العاض وهذا كله يدل على أن فيه القود لا خلاف في ذلك والله أعلم وقد أجمعوا أيضا أنه إذا مر بين يديه ولم يدركه من مقامه الذي يقوم فيه أنه لا يمشي إليه كي لا يصير المصلي مثله وهذا كله يبين لك ما ادعيناه في معنى الحديث وأنه غير ظاهره ‏(‏وقال بن القاسم عن مالك إذا جاز‏)‏ المار بين يدي المصلي فلا يرده قال وكذلك لا يرده وهو ساجد وقال أشهب إذا ‏(‏مر من قدامه فليرده بإشارة ولا يمش إليه‏)‏ لأن مشية إليه أشد من مروره بين يديه قال فإن مشى إليه ورده لم تفسد بذلك صلاته وإنما ينبغي له أن يدرأه درأ لا يشتغل به عن صلاته فإن غلبة فليدعه يبوء بإثمه لأن الأصل في مروره أنه لا يقطع المار صلاة المصلي والكراهة للمار صلاة أكثر منها للمصلي ذكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن الأسود قال قال عبد الله من استطاع منكم أن لا يمر بين يديه وهو يصلي فليفعل فإن المار أبغض من الممر عليه وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يقطع الصلاة شيء رواه أبو الخدري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ذلك في التمهيد وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر وبن فضيل عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال إن مر بين يديك فلا ترده قال أبو عمر قد كان أبو سعيد الخدري يشدد في هذا وهو رواية الحديث طلبا لاستعمال ظاهره والله أعلم ذكر أبو بكر قال حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن بن سيرين قال كان أبو سعيد الخدري قائما يصلي فجاء عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يمر بين يديه فمنعه فأبى أن لا يمضي فدفعه أبو سعيد فطرحه فقيل له تصنع هذا بعبد الرحمن فقال والله لو أبي إلا أن آخذ بشعره لأخذت قال‏.‏

وحدثنا أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال سمعت عبد الحميد بن عبد الرحمن عامل عمر بن عبد العزيز ومر رجل بين يديه وهو يصلي فجبذه حتى كاد يخرق ثيابه وهذا يحتمل أن يكون المار عاتيا جبارا لا يريد الرجوع وقوله كاد يخرق ثيابه يدل على أنه لم يخرق ولكل شيء وجه والذي عليه جمهور العلماء ما وصفت لك وبالله التوفيق وقد روينا عن الثوري قال إنه ليمر بين يدي الرجل الضعيف فلا أكابره ويمر بين يدي المتجبر فلا أدعه ذكر بن أبي حاتم قال حدثنا أبو سعيد الأشج قال حدثنا أبو خالد قال سمعت سفيان الثوري يقول إنه ليمر بين يدي المسكين وأنا أصلي فأدعه فإذا مر أحد وعليه ثياب يتمشى بطرا لم أدعه وهذا يدل على أنه ليس بواجب عنده دفع المار وإنما هو شيء أباحته السنة للمصلي أن يفعله والكراهة كلها إنما هي للمار دون المصلي وذكر أبو داود من حديث أبي حاجب سليمان بن عبد الملك قال رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائما يصلي فذهبت أمر بين يديه فردني ثم قال حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من استطاع أن لا يحول بينه وبين قبلته حاجز فليفعل وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم عن محمد بن سيرين عن أبي العالية عن أبي سعيد الخدري قال مر رجل من بني مروان بين يدي في الصلاة فدفعته ثلاث مرات فشكاني إلى مروان فذكر ذلك لي فقلت لو أبى لأخذت شعره قال‏.‏

وأخبرني بن جريج قال سمعت سليمان بن موسى يحدث عطاء قال أراد داود بن مروان أن يمر بين يدي أبي سعيد وهو يصلي وعليه حلة له ومروان أمير بالمدينة فرده فكأنه أبى فلهزه في صدره فذهب الليثي إلى أبيه فأخبره فدعا مروان أبا سعيد وهو يظن أنما لهزه من أجل حلته قال فذكر ذلك له فقال نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم اردده فإن أبى فجاهده وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا بن علية قال قلت لسعيد بن جبير أدع أحدا يمر بين يدي قال لا قلت فإن أبى قال فما تصنع قلت بلغني أن بن عمر كان لا يدع أحدا يمر بين يديه قال إن ذهبت تصنع صنيع بن عمر دق أنفك وقوله فإنما هو شيطان يعني قد بعد في فعله من الخير من قول ‏(‏العرب‏)‏ شطون أي عيدة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا يتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانة لأنه ‏(‏كان نهى ‏)‏ عن اللعب بالحمام وتطييرها‏.‏

332- وأما حديثه عن أبي النضر عن بسر بن سعيد عن أبي جهيم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ‏(‏قال لو يعلم‏)‏ المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه فليس فيه أكثر من كراهة المرور ‏(‏بين يدي المصلي‏)‏ والتغليظ عليه والتشديد فيه ومعنى قوله ماذا عليه يريد ماذا عليه من الإثم وكذلك هو مفسر في رواية الثوري ‏(‏عن أبي النضر‏)‏ لهذا الحديث وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لأن يقف أربعين عاما وروي من حديث أبي هريرة ‏(‏عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أنه قال لو يعلم أحدكم ما له في أن يمر بين يدي المصلي معترضا كان لأن يقف مائة عام خير له ‏(‏من الخطوة التي‏)‏ خطاها حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن عبد الله بن عبد ‏(‏الرحمن عن موهب عن عمه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعلم أحدكم فذكره وروى وكيع عن سعيد بن عبد العزيز ‏(‏التنوخي عن مولى ليزيد بن‏)‏ ثروان عن يزيد بن نمران قال رأيت بتبوك رجلا مقعدا فقال مررت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ‏(‏على حمار وهو يصلي فقال اللهم‏)‏ اقطع أثره فقال فما مشيت عليهما‏.‏

333- وأما قول كعب الأحبار لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ‏(‏لكان أن يخسف به خير له من أن يمر بين يديه رواه مالك عن‏)‏ زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن كعب فهو معنى حديث أبي النضر عن بسر بن سعيد عن أبي جهيم والمعنى فيه تعظيم الإثم والله أعلم بما ذكره من ذلك فإنه لا يقطع الصلاة شيء يمر بين يدي المصلي كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم والدليل على أنه لا يقطع صلاة المصلي مرور من مر بين يديه مع ما ذكرناه قبل حديث وكيع عن أسامة بن زيد عن محمد بن قيس عن أمه عن أم سلمة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فمر بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة فقال بيده فرجع فمرت زينب بنت أم سلمة فقال بيده هكذا فمضت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هن أغلب ألا ترى أنه لم يعد صلاته وهذا رد من قال المرأة تقطع الصلاة وقد ذكرنا الحجة في ذلك من الآثار المرفوعة عن عائشة في موضعه‏.‏

334- وأما حديثه في هذا الباب أنه بلغه عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره أن يمر بين أيدي النساء وهن يصلين وفائدته كراهة بن عمر للمرور بين يدي المصلي وإن لم يكن بحيث تناله يده لأن صفوف النساء كان بينها وبين صفوف الرجال شيء من البعد ولا يحتمل عندي ما ظنه بعض الناس من كراهية المرور بين يدي صفوف النساء وهن خلف الإمام لما قدمنا في سترة الإمام أنها سترة لمن خلفه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المصلي بالدنو من سترته من حديث سهل بن أبي حثمة وهو مذكور في التمهيد وها هنا أن الدنو منها موجود في حديث مالك وغيره عن نافع عن بن عمر عن بلال في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة وفيه وجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع هكذا رواه بن القاسم وجماعة عن مالك وإليه ذهب الشافعي وأحمد وهو قول عطاء قال عطاء أقل ما يكفيك ثلاثة أذرع والشافعي وأحمد يستحبان ثلاثة أذرع ولا يوجبان ذلك ولم يحد فيه مالك حدا وكان عبد الله بن مغفل يجعل بينه وبين سترته ستة أذرع وقال عكرمة إذا كان بينك وبين الذي يقطع الصلاة قذفة حجر لم يقطع الصلاة وخير من هذا الموضع الاقتداء والتأسي بحديث سهل بن سعد قال كان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنز قال أبو عمر الفرق عندي لمن صلي بغير سترة بين من يدرأه وبين من لا يدرأه هو المقدار الذي لا ينال المصلي فيه المار بين يديه إذا مد يده إليه ليدرأه ويدفعه لإجماعهم على أن المشي في الصلاة لا يجوز إلا إلى الفرج في الصف لمن ركع دونه وقد قيل لا يذب إلا راكعا ولو أجزنا له المشي إليه باعا أو باعين من غير أثر لزمنا أكثر من ذلك وذلك فاسد بإجماع والله المستعان‏.‏

وأما استقبال السترة والصمد لها ففي حديث المقداد بن الأسود قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى عود ولا إلى عمود ولا شجرة إلا جعله عن جانبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمدا وكل العلماء يستحسنون هذا ولا يوجبونه خوفا من الحد في ما لم يجزه الله ولا رسوله‏.‏

وأما قدر السترة وصفتها في ارتفاعها وغلظها فقد اختلف العلماء في ذلك فقال مالك أقل ما يجزئ المصلي في السترة غلظ الرمح وكذلك السوط إن كان قائما والعصا وارتفاعها قدر عظم الذراع هذا أقل ما يجزئ عنده ولا يفسد غيره صلاة من صلى إلى غير سترة وإن كان ذلك مكروها له وقول الشافعي في ذلك كقول مالك وقال الثوري وأبو حنيفة أقل السترة قدر مؤخرة الرحل ويكون ارتفاعها على ظهر الأرض ذراعا وهو قول عطاء وقال قتادة ذراع وشبر وقال الأوزاعي على قدر مؤخرة الرحل ولم يحد ذراعا ولا عظم ذراع ولا غير ذلك وقال يجزئ السهم والسوط والسيف يعني في الغلظة واختلفوا فيما يعرض ولا ينصب وفي الخط فكل من ذكرنا قوله أنه لا يجزئ عنده أقل من عظم الذراع أو أقل من ذراع لا يجيز الخط إلا أن يعرض العصا والعود في الأرض فيصلي إليها وهم مالك والليث وأبو حنيفة كلهم يقولون الخط ليس بشيء وهو قول إبراهيم النخعي قال مالك الخط باطل‏.‏

وقال أحمد بن حنبل وأبو ثور إذا لم يجعل تلقاء وجهه شيئا ولم يجد عصا ينصبها فليخط خطا وكذلك قال الشافعي بالعراق وقال الأوزاعي إذا لم ينتصب له عرضه بين يديه وصلى إليه فإن لم يجد خط خطا وهو قول سعيد بن جبير وقال الأوزاعي والسوط بعرضه أحب إلي من الخط‏.‏

وقال الشافعي بمصر لا يخط الرجل بين يديه خطأ إلا أن يكون في ذلك حديث ثابت فيتبع قال أبو عمر احتج من ذهب إلى الخط بحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصاه فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ولا يضره من مر بين يديه أخرجه أبو داود وقد ذكرناه في التمهيد ولا يجيء إلا من حديث إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن محمد بن حريث عن جده عن أبي هريرة قال الطحاوي أبو عمرو وجده مجهولان‏.‏

وأما أحمد بن حنبل وعلي بن المديني فكانا يصححان هذا الحديث قال أبو عمر اختلف القائلون بالخط كيف يكون نصبه بين يدي المصلي فقالت طائفة يخطه في الأرض كما كان يفعل قائما ولا يعرض عرضا وقال آخرون بل يجعله معترضا بين يديه وقال آخرون بل يخط خطا كالمحراب ويصلي إليه كالصلاة في المحراب وكان أحمد بن حنبل يختار هذا ويجيز الوجوه الثلاثة وبالله التوفيق‏.‏

باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي

336- ذكر فيه عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس قال أقبلت راكبا على آتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي للناس بمنى فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد‏.‏

337- ثم أردفه بأنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص كان يمر بين يدي بعض الصفوف والصلاة قائمة قال مالك وأنا أرى ذلك واسعا إذا أقيمت الصلاة وبعد أن يحرم الإمام ولم يجد المرء مدخلا إلى المسجد إلا بين الصفوف قال أبو عمر حديث بن شهاب في هذا الباب خالف بن عيينة مالكا في بعض ألفاظه فرواه عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس قال جئت أنا والفضل على أتان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعرفة فمررنا بين يدي بعض الصف فنزلنا وتركناها ترتع فلما دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قال أبو عمر قول مالك في هذا الباب مع ما ترجم به الباب يدل على أن في المشي بين يدي الصفوف خلف الإمام رخصة لمن لم يجد من ذلك بدا وغيره لا يرى بذلك بأسا لحديث بن عباس هذا قوله فمررت بين يدي بعض الصف فلم ينكر علي أحد وقد قدمنا أن الإمام سترة لمن خلفه فالماشي خلفه أمام الصف كالماشي خلفه دون الصف ويحتمل هذا أن يكون المار لم يجد بدا كما قال مالك ولكن الظاهر ما قدمنا في الباب قبل هذا من الآثار الدالة على أن الإمام سترة لمن خلفه وظاهرها يدل على أن الرخصة المترجم بها هذا الباب ليست في معنى التشديد في الباب قبله والآثار كلها دالة على ذلك ومن ذلك حديث عبد الله بن عمر وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رد البهيمة التي همت بالمرور بين يديه حتى ألصق منكبه بالجدار فمرت خلفه وقد استدل قوم بهذا الحديث على أن الحمار لا يقطع الصلاة وانفصل منهم مخالفهم في ذلك بأن قال مرور الآتان كان خلف الإمام بين يدي الصف وفيه إجازة شهادة من علم الشيء صغيرا فأداه كبيرا وهذا أملا لا خلاف فيه وكذلك العبد يعلم في حال عبوديته ما يؤديه في حال الحرية والفاسق يعلم فسقه ما يشهد به في حال عدالته وهذا لا اختلاف فيه بين العلماء إلا أنهم اختلفوا لو شهد أحد هؤلاء بشهادة في الحال الأولى فردت ثم شهد بها في الحال الثانية فقال مالك لا تقبل إذا ردت قبل وقال غيره تقبل لارتفاع العلة التي لها ردت أولا‏.‏

338- وأما حديثه أنه بلغه أن علي بن أبي طالب قال لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي فقد حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبدة بن سليمان ووكيع عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي وعثمان قالا لا يقطع الصلاة شيء وادرؤوا عنكم ما استطعتم‏.‏

339- وأما حديثه عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يقول لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي فلا خلاف عن بن عمر في ذلك وقد رواه عنه نافع كما رواه سالم ورواه عبيد الله بن عمرو وأيوب عن نافع عن بن عمر وذكر أبو بكر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم أن بن عمر قيل له إن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة يقول يقطع الصلاة الحمار والكلب قال لا يقطع صلاة المسلم شيء وبن عيينة عن عمرو بن دينار قال انصرف الإمام من العصر فقلت أبادر مجلس عبيد بن عمير فمررت بين يدي بن عمر وأنا لا أشعر فقال سبحان الله سبحان الله مرتين وحثى على ركبته ومد يده حتى ردني قال أبو عمر هذا في معنى حديث مالك في الباب قبل هذا عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يمر بين يدي أحد وهو يصلي ولا يدع أحدا يمر بين يديه قال أبو بكر‏.‏

وحدثنا بن عيينة عن عبد الكريم قال سألت سعيد بن المسيب فقال لا يقطع الصلاة إلا الحدث‏.‏

وحدثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه كان يقول لا يقطع الصلاة شيء إلا الكفر حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن المجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع الصلاة شيء وادرؤوا ما استطعتم فإنه شيطان حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا مجالد قال حدثنا أبو الوداك قال مر شاب من قريش بين يدي أبي سعيد الخدري وهو يصلي فدفعه ثم عاد فدفعه ثلاث مرات فلما انصرف قال إن الصلاة لا يقطعها شيء ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ادرؤوا ما استطعتم فإنه شيطان وهذا الحديث يفسر حديث أبي سعيد الخدري في أول الباب الذي قبل هذا الباب والله الموفق للصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل‏.‏

باب سترة المصلي في السفر

340- ذكر فيه مالك أنه بلغه عن بن عمر أنه كان يستتر براحلته إذا صلى‏.‏

341- وعن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يصلي في الصحراء إلى غير سترة قال أبو عمر أما الاستتار بالراحلة فلا أعلم فيه خلافا وحسب المصلي وما يستره ما يزيد على عظم الذراع‏.‏

وأما الصلاة في الصحراء أو غيرها إلى غير سترة فهذا عند أهل العلم محمول على الموضع الذي يأمن فيه المصلي أنه يمر أحد بين يديه فإن كان على غير ذلك فلا حرج على من فعله لأن الأصل في سترة المصلي استحباب وندب إلى اتباع السنة في ذلك وحسبك بما مضى فإنه لا يقطع صلاة المصلي شيء مما يمر بين يديه وإنما يقطعها ما يفسدها من الحدث وغيره حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن بن عباس قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضاء ليس بين يديه شيء وقال أبو بكر في المصنف حدثنا معن بن عيسى عن خالد بن أبي بكر قال رأيت القاسم وسالما يصليان في السفر إلى غير سترة قال‏.‏

وحدثنا شريك عن جابر قال رأيت أبا جعفر وعامر يصليان إلى غير أسطوانة قال‏.‏

وحدثنا وكيع عن مهدي بن ميمون قال رأيت الحسن يصلي في الجبانة إلى غير سترة قال‏.‏

وحدثنا بن عيينة عن عمرو بن دينار قال رأيت محمد بن الحنفية يصلي في مسجد منى والناس يمرون بين يديه فجاء فتى من أهله فجلس بين يديه‏.‏

باب مسح الحصباء في الصلاة

342- ذكر فيه مالك عن أبي جعفر القارئ قال رأيت عبد الله بن عمر إذا أهوى ليسجد مسح الحصباء لموضع جبهته مسحا خفيفا‏.‏

343- وعن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن أبا ذر كان يقول مسح الحصباء مرة واحدة وتركها خير من حمر النعم قال أبو عمر أما فعل بن عمر فإن عنده من الفعل الخفيف الذي لا يشغله عن صلاته‏.‏

وأما قول أبي ذر فهو الاختيار ألا يمسح موضع سجوده إلا مرة واحدة لأن ترك ذلك من التذلل والتواضع لله عز وجل وكذلك لا يمسح جبهته من التراب إلا مرة واحدة أيضا في آخر صلاته وقد روي حديث أبي ذر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة أنه سمع عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة يقول مر بي أبو ذر وأنا أصلي فقال إن الأرض لا تمسح إلا مرة واحدة وروي عن عمر بن الخطاب وجابر وأبي هريرة وجماعة من السلف أنهم كرهوا للمصلي مسح الحصى إلا مرة واحدة قال أبو الدرداء ما أحب أن لي حمر النعم وإني مسحت مكان جبيني من الحصباء إلا أن يغلبني فأمسحه مسحة واحدة والنعم الإبل والحمر منها أرفعها وروى بن أبي ذئب عن شرحبيل بن سعد عن جابر قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصباء في الصلاة قال واحدة لأن تمسك عنها خير لك من مائة ناقة كلها سود الحدقة‏.‏

وأما مسح الجبهه فقال بن عباس إذا كنت في صلاة فلا تمسح جبهتك ولا تنفخ ولا تحرك الحصباء وقال بن مسعود أربع من الجفاء أن يصلي إلى غير سترة أو يمسح جبهته قبل أن ينصرف أو يبول قائما أو يسمع المنادي ثم لا يجيبه وعن بن بريدة مثله إلا أنه جعل الرابعة أو ينفخ في سجوده ولم يذكر فيها الصلاة إلى غير سترة وكان سعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري يكرهون أن يمسح الرجل جبهته قبل أن ينصرف ويقولون هو من الجفاء أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا طلق بن غنام بن طلق قال حدثنا سعيد أبو عثمان الوراق عن أبي صالح قال دخلت على أم سلمة فدخل عليها بن أخ لها فصلى في بيتها ركعتين فلما سجد نفخ التراب فقالت أم سلمة يا بن أخي لا يتنفخ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لغلام له يقال له يسار ونفخ ترب وجهك لله تعالى‏.‏

وأخبرنا عبد الله قال حدثنا أحمد قال حدثنا عبد الله قال حدثنا أبي قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا أبو حمزة عن أبي صالح عن أم سلمة أنها رأت نسيبا لها ينفخ إذا أراد أن يسجد فقالت له لا تنفخ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لغلام لنا يقال له رباح ترب وجهك يا رباح‏.‏

باب تسوية الصفوف

344- ذكر فيه مالك عن نافع أن عمر بن الخطاب كان يأمر بتسوية الصفوف فإذا أخبروه أن قد استوت كبر‏.‏

345- وعن عمه أبي سهيل عن أبيه عن عثمان معناه وفي ذلك جواز الكلام بين الإقامة والإحرام خلاف ما ذهب إليه العراقيون‏.‏

وأما تسوية الصفوف في الصلاة فالآثار فيها متواترة من طرق شتى صحاح كله ثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تسوية الصفوف وعمل الخلفاء الراشدين بذلك بعده وهذا ما لا خلاف فيما بين العلماء فيه وأسانيد الأحاديث في ذلك كثيرة في كتب المصنفين فلم أر لذكرها وجها‏.‏

باب وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة

346- ذكر فيه مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري أنه قال من كلام النبوة إذا لم تستح فافعل ما شئت ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة ‏(‏يضع اليمنى على اليسرى ‏)‏ وتعجيل الفطر والاستيناء بالسحور‏.‏

347- وعن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم لا أعلمه إلا أنه ينمي ذلك قد جرا في التمهيد من القول في عبد الكريم ما يغني عن ذكره هنا وما ذكر مالك عنه في هذا الباب معروف محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه صحاح كثيرة‏.‏

وأما قوله من كلام النبوة إذا لم تستح فافعل ما شئت رواه شعبة والثوري وشريك وزهير بن معاوية عن منصور عن ربعي بن خراش عن أبي مسعود الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من ما أدرك الناس ولفظ الثوري آخر ما تعلق به الناس من كلام النبوة ولفظ شريك آخر ما كان من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت وفي حديث بعضهم فافعل ما شئت وهذا حديث ثابت لا يختلف في صحته ومن رواه عن ربعي عن حذيفة فقد أخطأ فيه‏.‏

وأما معناه فإنه لفظ يقتضي التحذير والذم على قلة الحياء وهو أمر في معنى الخبر فإن من لم يكن له حياء يحجزه عن محارم الله تعالى فسواء عليه فعل الكبائر منها والصغائر ومن هذا المعنى حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من باع الخمر فليشقص الخنازير فليس هذا على إباحة شقص الخنازير لمن باع الخمر ولكنه تقريع وتوبيخ يقول من استحل بيع الخمر وقد نهاه الله عن بيعها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس يمتنع عن شقص الخنازير ومن هذا الباب أيضا قول عمر بن الخطاب من استطاع إلى الحج سبيلا ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا ومعنى قوله ولم يحج أي لم ير الحج واجبا ومن ذلك قول أبي هريرة من وجد سعة ولم يضح فلا يشهد مصلانا يقول من ترك السنة في الصحبة مع السعة رغبة عنها فما له لا يرغب عن الصلاة معنا ونحو هذا ومن ذلك قول الشاعر‏:‏

إذا لم تخش عاقبة الليالي *** ولم تستح فاصنع ما تشاء

‏(‏فلا والله ما في العيش خير‏.‏‏.‏‏.‏ ولا الدنيا إذا ذهب الحياء وقال أبو دلف العجلي‏:‏

إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا *** وتستح مخلوقا فما شئت فاصنع

وقد قيل إن معنى هذا الحديث افعل ما شئت مما لا تستحي من فعله أيما حل لك وأبيح فافعله ولا تستحي منه وهذا تأويل ضعيف والأول أولى عند العلماء بالنسة واللسان العربي‏.‏

وأما وضع اليمنى على اليسرى ففيه آثار ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها حديث وائل بن حجر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة هذه رواية عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر ورواية علقمة بن وائل عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائما في الصلاة قبض على شماله بيمينه وبعضهم يقول فيه إذا كبر أدخل يده في ثوبه فأدخل شماله بيمينه وذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد وحديث بن مسعود قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم قد وضعت شمالي على يميني فأخذ يميني فوضعا على شمالي وحديث الحارث بن غطيف أو غطيف بن الحارث قال متى رأيت شيئا فنسيته فإني لم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة وحديث سماك عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة وعن علي رضي الله عنه قال من السنة وضع اليمين على الشمال في الصلاة وعنه أيضا أنه كان إذا قام إلى الصلاة وضع يمينه على رسغه فلا يزال كذلك حتى يركع إلا أن يصلح ثوبا ولحك جسده وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد وروى عاصم الجحدري عن عقبة بن ظهير عن علي في قوله ‏(‏فصل لربك وانحر‏)‏ ‏[‏الكوثر 2‏]‏‏.‏

قال وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة تحت الصدر وذكر بن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد العطار عن ثور ين يزيد عن خالد بن معدان عن أبي زياد مولى آل دراج قال ما رأيت فنسيت غير أني لم أنس أن أبا بكر الصديق كان إذا قام إلى الصلاة قال هكذا ووضع اليمنى على اليسرى قال أبو الدراداء من أخلاق النبيين وضع اليمين على الشمال في الصلاة وقال بن الزبير صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة وكل هذا مذكور في التمهيد بأسانيده‏.‏

وأما أقاويل الفقهاء في هذا الباب فذهب مالك في رواية بن القاسم عنده إلى إرسال اليدين في الصلاة وهو قول الليث بن سعد قال بن القاسم قال مالك في وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة إنما يفعل ذلك في النوافل من طول القيام قال وتركه أحب إلي وقال الليث سدل اليدين في الصلاة أحب إلي إلا أن يطول القيام فلا بأس أن يضع اليمنى على اليسرى وروى بن نافع وعبد الملك ومطرف عن مالك أنه قال توضع اليمنى على اليسرى في الصلاة في الفريضة والنافلة قال لا بأس بذلك قال أبو عمر هو قول المدنيين من أصحابه وقال الأوزاعي ما شاء فعل ومن شاء ترك وهو قول عطاء وقال عبد الرزاق رأيت بن جريج يصلي في إزار وقميص ويمينه على شماله وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد وداود بن علي والطبري يضع المصلي يده على شماله في الفريضة والنافلة وهو عند جميعهم حسن وليس بواجب ومنهم من قال إنه سنة مسنونة واختلفوا فقال بعضهم عند الصدر وقال بعضهم عند السرة وقد أوضحنا ذلك عنهم في التمهيد والحمد لله‏.‏

وأما قوله وتعجيل الفطر والاستيناء في السحور فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ذكرنا بعضها في التمهيد في باب عبد الرحمن بن حرملة وسيأتي في هذا الكتاب في كتاب الصيام إن شاء الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وقد حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن الحداد قال حدثنا زكريا بن يحيى خياط السنة قال حدثنا وهب بن بقية قال حدثنا محمد بن المطلب عن أبان بن بشير المعلم قال حدثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من النبوة تعجيل الفطر وتأخير السحور ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة‏.‏

وأخبرنا خلف بن قاسم قال حدثنا إبراهيم بن محمد الديلي قال حدثنا محمد بن علي بن يزيد قال حدثنا سعيد بن منصور قال أخبرنا هشيم قال أخبرنا منصور بن زاذان عن محمد بن أبان الأنصاري عن عائشة قالت ثلاث من النبوة تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة‏.‏

وأما قول سهل بن سعد كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة فالأغلب فيه أنه عمل معمول به في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده وقول أبي حازم لا أعلمه إلا أنه ينمي ذلك أو يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

باب القنوت في الصبح

348- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يقنت في شيء من الصلاة لم يذكر في رواية يحيى في هذا الباب غير ذلك وفي أكثر الموطآت بعد حديث بن عمر هذا مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان لا يقنت في شيء من الصلاة ولا في الوتر إلا أنه كان يقنت في صلاة الفجر قبل أن يركع الركعة الآخرة إذا قضى قراءته وعند أبي مصعب في باب السعي إلى الجمعة مالك أنه سأل بن شهاب عن القنوت يوم الجمعة فقال محدث وفي غير الموطآت عن طاووس وإبراهيم قالا القنوت في الجمعة بدعة وكان مكحول يكرهه ولي عن أحد من الصحابة أنه قنت في الجمعة وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبي قال أدركت الناس قبل عمر بن عبد العزيز يقنتون في الجمعة فلما كان زمن عمر بن عبد العزيز ترك القنوت في الجمعة وقد مضى كثير من هذا المعنى في باب القيام في رمضان‏.‏

وأما القنوت في صلاة الصبح فاختلف الآثار المسندة في ذلك وكذلك اختلف فيه عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبن مسعود وغيرهم فروي عنهم القنوت وترك القنوت من الفجر وكذلك اختلف عنهم في القنوت قبل الركوع وبعده وقد أكثر في ذلك المصنفون بن أبي شيبة وغيره والأكثر عن عمر بن الخطاب أنه كان يقنت في الصبح وروي ذلك عنه من وجوه متصلة صحاح‏.‏

وأما بن عمر فكان لا يقنت لم يختلف عنه في ذلك وروى سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح قال قلت لمجاهد صحبت بن عمر إلى المدينة فهل رأيته يقنت قال لا قال ولقيت سالم بن عبد الله فقلت له أكان بن عمر يقنت قال لا إنما هو شيء أحدثه الناس سفيان عن بن أبي نجيح عن مجاهد ن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر بن الخطاب كان يقنت في الصبح وسفيان عن بن جريح عن عطاء عن عبيد بن عمير قال سمعت عمر بن الخطاب يقنت في الصبح ها هنا بمكة وسفيان عن مخارق أنه حدثه عن طارق قال صليت خلف عمر بن الخطاب الصبح فقنت وقال سفيان قلت لابن طاووس ما كان أبوك يقول في القنوت قال كان يقول طاعة لله وكان لا يراه قال أبو عمر وكان الشعبي لا يرى القنوت وسئل بن شبرمة عنه فقال الصلاة كلها قنوت قال فقلت له أليس قنت علي يدعو على رجال فقال إنما هلكتم حين دعا بعضكم على بعض ذكره بن عيينة عن بن شبرمة‏.‏

وأما الفقهاء الذين دارت عليهم الفتيا في الأمصار فكان مالك وبن أبي ليلى والحسن بن حي والشافعي وأحمد بن حنبل وداود يرون القنوت في الفجر قال الشافعي وأحمد بعد الركوع‏.‏

وقال مالك قبل الركوع وقد روي عنه أنه خير في ذلك قبل الركوع وبعده وقال بن شبرمة وأبو حنيفة وأصحابه والثوري في رواية والليث بن سعد لا قنوت في الفجر‏.‏

وقال أبو حنيفة ومحمد إن صلى خلف من يقنت سكت وهو قول الثوري في رواية وقال أبو يوسف يقنت ويتبع الإمام وقد قال الشافعي إن احتاج الإمام عند نائبة تنزل بالمسلمين قنت في الصلاة كلها لحديث أبي هريرة وغيره في قنوت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ونحو ذلك من الآثار وذكر بن أبي شيبة قال سمعت وكيعا يقول سمعت سفيان يقول من قنت فحسن ومن لم يقنت فحسن ومن قنت فإنما القنوت على الإمام وليس على من وراءه قنوت حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال لما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الآخرة من صلاة الصبح قال اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو حنيفة قال سمعت مسددا يقول كان يحيى بن سعيد يقول يجب الدعاء إذا وغلت الجيوش في بلاد العدو يعني القنوت قال وكذلك كانت الأئمة تفعل قال وكان مسدد يجهر بالقنوت قال أبو حنيفة والدليل على ذلك حديث أبي الشعثاء أنه سأل بن عمر عن القنوت فقال ما شهدت ولا رأيت ووجه ذلك أن عبد الله بن عمر كان لا يتخلف عن جيش ولا سرية أيام أبي بكر وأيام عمر فكان لا يشهد القنوت لذلك قال أبو حنيفة والعمل عندنا على ذلك وهو قول مالك في القنوت إنما هو دعاء فإذا شاء وإن شاء ترك واختلف الفقهاء فيما يقنت به من الدعاء فقال الكوفيون ومالك ليس في القنوت دعاء موقت ولكنهم يستحبون ألا يقنت إلا بقولهم اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجوا رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق وهذا يسميه العراقيون السورتين ويرون أنها في مصحف أبي بن كعب وقال الحسن بن حي والشافعي وإسحاق بن راهويه يقنت باللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت اللهم قني شر ما قضيت وبارك لي فيما أعطيت فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك وأنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت وهذا يرويه الحسن بن علي من طرق ثابتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه هذا الدعاء يقنت به في الصلاة وقال عبد الله بن داود من لم يقنت بالسورتين فلا تصل خلفه قال أبو عمر هذا خطأ بين وخلاف للجمهور وللأصول‏.‏

باب النهي عن الصلاة والإنسان يريد حاجته

349- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة ولم يختلف الرواة للموطأ في إسناد هذا الحديث وقد ذكرنا الاختلاف فيه على هشام في التمهيد‏.‏

350- مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لا يصلين أحدكم وهو ضام بين وركيه قال أبو عمر أجمع العلماء على أنه لا ينبغي لأحد أن يصلي وهو حاقن إذا كان حقنة ذلك يشغله عن إقامة شيء من فروض صلاته وإن قل واختلفوا فيمن صلى وهو حاقن إلا أنه أكمل صلاته فقال مالك فيما روى بن القاسم عنه إذا شغله ذلك فصلى كذلك فإنني أحب أن يعيد في الوقت وبعده‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وعبد الله بن الحسن يكره أن يصلي وهو حاقن وصلاته جائزة مع ذلك إن لم يترك شيئا من فروضها وقال الثوري إذا خاف أن يسبقه البول قدم رجلا وانصرف قال أبو عمر في هذا الباب حديث حسن أيضا قد ذكرناه بإسناده في التمهيد وهو حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يصلي أحدكم بحضرة الطعام ولا هو يدافعه الأخبثان يعني البول والغائط وقد أجمعوا أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل صلاته ولم يترك من فرائضها شيئا أن صلاته مجزية عنه وكذلك إذا صلى حاقنا فأكمل صلاته وفي هذا دليل على أن الصلاة بحضرة الطعام إنما هو لأن لا يشتغل قلب المصلي بالطعام فيسهو عن صلاته ولا يقيمها بما يجب عليه فيها وكذلك الحاقن وإن كنا نكره لكل حاقن أن يبدأ بصلاته في حالته فإن فعل وسلمت صلاته جزت عنه وبئس ما صنع والمرء أعلم بنفسه فليست أحوال الناس في ذلك سواء ولا الشيخ في ذلك كالشاب والله أعلم وقد روي من حديث الشاميين في هذا الباب حديث لا حجة فيه لضعف إسناده منهم من يجعله عن أبي هريرة ومنهم من يجعله عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يحل لمؤمن أن يصلي وهو حاقن جدا وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وروي عن عمر فيه كراهية وعن علي مثل ذلك وعن بن عباس أنه قال لأن أصلي وهو في ناحية من ثوبي أحب إلي من أن أصلي وأنا أدافعه وعن عبد الله بن عمر مثله وعن سعيد بن جبير معناه وعن نافع مولى بن عمر كراهيته وعن عكرمة مثله كل هؤلاء يكرهون للحاقن الصلاة وروي عن المسور بن مخرمة فيه رخصة وعن طاوس أنه قال إنا لنصره صرا ونضغطه ضغطا وعن إبراهيم النخعي أنه قال لا بأس به ما لم يعجله عن الركوع والسجود وعن أبي جعفر محمد بن علي وعطاء بن رباح والشعبي أنهم قالوا لا بأس أن يصلي وهو حاقن وذكر أبو بكر قال حدثنا أبو معاوية عن واصل قال قلت لعطاء أجد العصر من البول وتحضر الصلاة أفأصلي وأنا أجده قال نعم إذا كنت ترى أنك تحبسه حتى تصلي وفي هذا الحديث قوله إذا أراد أحدكم الغائط ما يدل على ما كان عليه العرب في مخاطباتها من البعد عن الفحش والبذاء والقذع ومجانبه الخنا ودناءة القول وفسولته ولهذا قالوا لموضع حاجة الإنسان الخلاء والمذهب والغائط والمخرج والكنيف والحش والمرحاض والمرفق وكل ذلك كناية وفرار عن التصريح باسم الرجيع‏.‏

باب انتظار الصلاة والمشي إليه

351- ذكر فيه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث اللهم اغفر له اللهم ارحمه قال مالك لا أرى قوله ما لم يحدث إلا الحدث الذي ينقض الوضوء قال أبو عمر أما قوله الملائكة تصلي على أحدكم فقد بان في سياق الحديث معناه وذلك قوله اللهم اغفر اللهم ارحمه ومعنى تصلي على أحدكم يريد تدعو له وتترحم عليه ومصلاه موضع صلاته وذلك عندي في المسجد لأن هناك يحصل منتظرا للصلاة في الجماعة وهذا هو الأغلب في معنى انتظار الصلاة ولو قعدت المرأة في مصلى بيتها تنتظر وقت الصلاة الأخرى فتقوم إليها لم يبعد أن تدخل في معنى الحديث لأنها حبست نفسها عن التصرف رغبة في الصلاة وخوفا من أن تكون في شغل يفوتها معه الصلاة ومن هذا المعنى قيل وانتظار الصلاة رباط لأن المرابط يحبس نفسه عن المكاسب والتصرف إرصادا للعدو وملازمة للموضع الذي يخشى فيه طريق العدو وللصلاة في كلام العرب وجوه قال أبو بكر بن الأنباري الصلاة تنقسم في لسان العرب على ثلاثة أقسام تكون الصلاة المعروفة التي فيه الركوع والسجود كما قال تعالى ‏(‏فصل لربك وانحر‏)‏ ‏[‏الكوثر 2‏]‏‏.‏

قال أبو عمر أنشد نفطويه في هذا المعنى قول الأعشى‏:‏

يراوح من صلوات الملك *** طورا سجودا وطورا جؤار

والحوار ها هنا الرجوع إلى القيام والقعود ومن هذا قولهم للبكرة تدور على الحور قال بن الأنباري وتكون الصلاة الترحم من الله تعالى قال الله عز وجل ‏(‏أؤلئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة‏)‏ ‏[‏البقرة 157‏]‏‏.‏

ومن ذلك قول كعب بن مالك‏:‏

صلى الإله عليهم من فتية *** وسقى عظامهم الغمام المسبل

وقال آخر‏:‏

صلى على يحيى وأشياعه *** رب كريم وشفيع مطاع

ومنه الحديث الذي يروى عن بن أبي أوفى قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة آل أبي أوفى فقال اللهم صل على آل أبي أوفى يريد اللهم ارحمهم حدثنا إبراهيم بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد يعني بن حبابه ببغداد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد العزيز قال حدثنا علي بن الجعد بن عبيد الجوهري قال حدثنا شعبة قال أخبرني عمرو بن مرة قال سمعت عبد الله بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال اللهم صل عليهم فأتاه أبي بصدقة فقال اللهم صل على آل أبي أوفى وتكون الصلاة الدعاء ومن ذلك الصلاة على الميت معناها الدعاء لأنها لا ركوع فيها ولا سجود ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل يريد يدعو‏.‏

وأما قوله عز وجل ‏(‏ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها‏)‏ ‏[‏الإسراء 110‏]‏‏.‏

فقيل والصلاة ها هنا الدعاء وقيل غير ذلك مما نزلت بسببه الآية على ما قد أوردناه في التمهيد ويأتي في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله ومن معنى قوله اللهم اغفر له اللهم ارحمه ماروي عن سعيد بن المسيب إذ عوتب على تخلفه عن الجنائز فقال قعودي في المسجد انتظر الصلاة أحب إلي لأن الملائكة تصلي علي اللهم اغفر لسعيد بن المسيب وقد ذكرنا في التمهيد خبر سعيد هذا بتمامه وذكرنا قول من خالفه في مذهبه هذا ورأى شهود الجنائز أفضل لأنه فرض على الكفاية والفرض على الكفاية أفضل من التطوع والنافلة‏.‏

وأما قول مالك في معنى ما لم يحدث أنه الحدث الذي ينقض الطهارة وهو قول صحيح لأن المحدث في المسجد القاعد على غير وضوء لا يكون منتظرا للصلاة وقول مالك هذا أولى من قول من قال إن الحدث ها هنا الكلام القبيح وهذا قول ضعيف أن من تكلم بما لا يصلح من القول لا يخرجه ذلك من أن يكون منتظرا للصلاة ويرجى له أن يدخل في دعاء الملائكة له بالمغفرة والرحمة لأنه منتظر للصلاة في حال يجوز له بها الصلاة إذا كان عقده ونيته انتظار الصلاة بعد الصلاة ويشهد لهذا التأويل حديث مالك في هذا الباب أيضا‏.‏

352- عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة وهذا الحديث بين واضح لا يحتاج إلى القول فيه‏.‏

353- وكذلك حديثه أيضا عن نعيم المجمر عن أبي هريرة قال إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي والقول في الحديث قبل هذا يغني عن القول في هذا لأن معناهما سواء إلا أن في هذا أن قيام المصلي من مصلاه لا يخرجه من أن يكون له ثواب المصلي إذا كان منتظرا للصلاة إلا أنه لا يقال إنه لا تصلي عليه الملائكة كما تصلي على الذي في مصلاه ينتظر الصلاة والله أعلم على أنه ممكن يكون قوله ما دام في مصلاه شرطا يخرج ما خالفه عن حكمه وممن أن يكون له حكمه بالعلة الجامعة بينهما لانتظار الصلاة والله أعلم إذا لم يقم من مجلسه لشيء من عرض الدنيا وأقام لما يعنيه على ما كان يصنعه في مجلسه من الذكر‏.‏

354- وأما حديثه عن سمي مولى أبي بكر أن أبا بكر بن عبد الرحمن كان يقول من غدا أو راح إلى المسجد لا يريد غيره ليتعلم خيرا أو ليعلمه ثم رجع إلى بيته كان كالمجاهد في سبيل الله فمعلوم أن هذا لا يدركه بالرأي والاجتهاد لأنه قطع على عيب من حكم الله وأمره في ثوابه وقد رويت في هذا المعنى آثار مرفوعة وقد أوردنا من ذلك أبوابا في كتاب جامع بيان العلم وفضله كافية والحمد لله‏.‏

355- وأما حديثه عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الربط وهو من أفضل حديث يروى في فضائل الأعمال وفيه من العلم طرح المسألة على المتكلم وابتداؤه بالفائدة وعرضها على من يرجو حفظها وحملها‏.‏

وأما قوله إسباغ الوضوء على المكاره الإكمال والإتمام من ذلك قول الله عز وجل ‏(‏ وأسبغ عليكم نعمة‏)‏ ‏[‏لقمان 20‏]‏‏.‏

يعني أتمها عليكم وأكملها وإسباغ الوضوء أن يأتي بالماء على كل عضو يلزمه غسله مع إمرار اليد فإذا فعل ذلك مرة وأكمل فقد توضأ مرة‏.‏

وأما قوله على المكاره فقيل إنه أراد شدة البرد وكل حال يكره المرء فيها نفسه على الوضوء ومنه دفع تكسيل الشيطان له عنه وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال من صدق الإيمان وبره إسباغ الوضوء في المكاره ومن صدق الإيمان وبره أن يخلو الرجل بالمرأة الجميلة ويدعها لا يدعها إلا لله عز وجل‏.‏

وأما قوله فذلكم الرباط فإن الرباط ها هنا ملازمة المسجد لانتظار الصلاة وذلك معروف في اللغة قال صاحب العين الرباط ملازمة الثغور قال والرباط ملازمة الصلاة وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن في قول الله عز وجل ‏(‏يأيها الذي ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا‏)‏ آل عمران 200 قال ما كان الرباط على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن نزلت في انتظار الصلاة بعد الصلاة وقال محمد بن كعب القرظي في ذلك اصبروا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدتكم ورابطوا عدوي وعدوكم حتى يترك دينه لدينكم واتقوا فيما بيني وبينكم لعلكم تفلحون قال أبو عمر قوله عز وجل ‏(‏لعلكم تفلحون‏)‏ أي إلي تفلحون وقال قتادة صابروا المشركين ورابطوا في سبيل الله وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد وذكرنا فيه من حديث سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إسباغ الوضوء في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة تغسل الخطايا غسلا‏.‏

356- وذكر مالك في هذا الباب أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال يقال لا يخرج أحد من المسجد بعد النداء إلا أحد يريد الرجوع إليه إلا منافق وهذا كما قال سعيد بن المسيب إذا كان ممن لا يصلي تلك الصلاة في جماعة وخرج مشتغلا لها أبيا لإقامتها فهذا لا شك في كفره ونفاقه وقد ذكر مالك رحمه الله قال دخل أعرابي المسجد وأذن المؤذن فقام يحل عقال ناقته ليخرج فنهاه سعيد بن المسيب فلم ينته فما سارت به ناقته إلا يسيرا حتى وقصت به فأصيب في جسده فقال سعيد بلغني أن من خرج من الأذان والإقامة لغير الوضوء فإنه شيطان‏.‏

357- وأما حديثه عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قال مالك وذلك حسن وليس بواجب فعلى قول مالك في استحسانه الركوع لكل من دخل المسجد وهو طاهر في وقت تجوز النافة فيه وترك إيجاب الركوع على من دخل المسجد جماعة الفقهاء ويستحسنون لكل من دخله وهو على وضوء أن يحييه ولو بركعتين على ظاهر هذا الحديث ولا يوجبون ذلك عليه والدليل على صحة ما ذهبوا في ذلك إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مرة رجلا دخل المسجد وهو يخطب يوم الجمعة أن يركع الركعتين وأمر مرة أخرى رجلا رآه يتخطى رقاب الناس بالجلوس ولم يقل له اركع واستعمال الأحاديث في هذا الباب لا يكون إلا على ما قاله مالك وجمهور الفقهاء في الداخل المسجد إن شاء ركع ركعتين وإن شاء لم يركع حدثني خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الرحمن بن عمر قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا يزيد بن عبد الله بن أبي بردة قال رأيت الحسن دخل يوم الجمعة وبن هبيرة يخطب على المنبر فصلى ركعتين في مؤخر المسجد ثم جلس وأوجب أهل الظاهر على كل من دخل المسجد طاهرا في حين يجوز فيه الصلاة أن يركع وأوجب ذلك بعضهم في كل وقت وقالوا فعل الخير لا يمتنع منه إلا بدليل لا معارض له ولم يقولوا بالمجمل والمفسر من الكتاب والسنة والذي عليه السلف ما ذهب إليه الفقهاء في ذلك وروى أبو مصعب الزهري عن المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله عن عبد الله بن عمر العمري عن أخيه عبيد الله بن عمر قال رأيت القاسم بن محمد يدخل المسجد فيجلس فيه ولا يصلي فيه وذكر بن أبي شيبة عن الدراوردي عن زيد بن أسلم قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون قال وقد رأيت بن عمر يفعله وروى حماد بن زيد عن الجريري عن جابر بن زيد قال إذا دخلت المسجد فصل فيه فإن لم تصل فيه فاذكر الله فكأنك قد صليت فيه وهذا كله يدلك على أن الأمر بالركعتين لمن دخل المسجد ندب وإرشاد لا إيجاب وفي قول الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس هل علي غيرهن قال لا إلا أن تطوع دليل على خطأ ما ذهب إليه أهل الظاهر وصواب ما ذهب إليه الفقهاء في ذلك وبالله التوفيق‏.‏

358- وأما قول أبي سلمة بن عبد الرحمن على عمر بن عبيد الله أنه لم يركع إذ دخل المسجد فيحتمل أن يكون عاب عليه تقصيره عن حظ نفسه في استعمال السنة مع قدرته عليها إلا أن ذلك كان واجبا عنده والله أعلم واختلف الفقهاء فيمن ركع ركعتي الفجر في بيته ثم دخل المسجد قبل أن تقام صلاة الصبح فاختلف في ذلك قول مالك أيضا فروى أشهب عنه أحب إلي أن يركع وروى بن القاسم عنه أحب إلي ألا يركع وذكر بن عبد الحكم القولين وقال أحب إلي أن يركع‏.‏

وقال أبو حنيفة والليث والأوزاعي لا يركع‏.‏

وقال الشافعي وأحمد وداود يركع‏.‏