فصل: باب النهي عن ذبح الضحية قبل انصراف الإمام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما ينهى عنه من الضحايا

994- مالك عن عمرو بن الحارث عن عبيد بن فيروز عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال ‏(‏‏(‏أربعا‏)‏‏)‏ وكان البراء يشير بيده ويقول يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏العرجاء البين ظلعها ‏(‏1‏)‏ والعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقي‏)‏‏)‏ هكذا روى مالك حديث البراء هذا عن عمرو بن الحارث عن عبيد بن فيروز لم يختلف الرواة عن مالك في ذلك والحديث إنما رواه عمرو بن الحارث عن سليمان بن عبد الرحمن ولا يعرف هذا الحديث إلا لسليمان بن عبد الرحمن هذا لم يروه غيره عن عبيد بن فيروز ولا يعرف عبيد بن فيروز إلا بهذا الحديث وبرواية سليمان هذا عنه ورواه عن سليمان جماعة منهم عمرو بن الحارث بن يعقوب المصري شيخ مالك هذا ومنهم الليث بن سعد وشعبة بن الحجاج ويزيد بن أبي حبيب وبن لهيعة وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏‏.‏

حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن زهير قال حدثني عفان وعاصم بن علي قالا حدثني شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن - مولى بني أسد - قال سمعت عبيد بن فيروز - مولى بني شيبان - قال سألت البراء ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأضاحي وما نهى عنه فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ويدي أقصر من يده العوراء البين عورها والعرجاء البين ظلعها والمريضة البين مرضها والكسير التي لا تنقي‏)‏‏)‏ قلت للبراء إني أكره أن يكون في السن نقص أو في الأذن نقص أو في القرن نقص قال ما كرهته فدعه ولا تحرمه على أحد قال أبو عمر أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها لا أعلم خلافا بين العلماء فيها ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها فإذا كانت العلة في ذلك قائمة آلا ترى أن العوراء إذا لم تجز في الضحايا فالعمياء أحرى ألا تجوز وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أحرى ألا تجوز وكذلك ما كان مثل ذلك كله وفي هذا الحديث دليل على أن المرض الخفيف يجوز في الضحايا والعرج الخفيف الذي تلحق به الشاة في الغنم لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏البين مرضها والبين ظلعها‏)‏‏)‏ وكذلك النقطة في العين إذا كانت يسيرة لقوله العوراء البين عورها وكذلك المهزولة التي ليست بغاية في الهزال لقوله والعجفاء التي لا تنقي يريد بذلك التي لا شيء فيها من الشحم والنقي الشحم كذلك جاء في هذا الحديث لبعض رواته وقد ذكرناه في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ ولا خلاف في ذلك أيضا ومعنى قول شعبة فيه والكسير التي لا تنقي يريد الكسير التي لا تقوم ولا تنهض من الهزال قال مالك العرجاء التي لا تلحق الغنم فلا تجوز في الضحايا وقد زعم بعض العلماء أن ما عدا الأربعة العيوب المذكورة في هذا الحديث تجوز في الضحايا والهدايا بدليل الخطاب في أن ما عدا المذكور بخلافه وهو لعمري وجه من وجوه القول لولا أنه قد جاء عن النبي -عليه السلام- في الأذن والعين ما يجب أن يكون مضموما إلى الأربعة المذكورة في حديث البراء وكذلك ما كان في معناها عند جمهور العلماء حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا إسرائيل قال حدثني عن أبي إسحاق عن شريح بن النعمان عن علي - رضي الله عنه - قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء وبه عن أبي بكر قال حدثني وكيع قال حدثني سفيان بن عيينة عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي عن علي - رضي الله عنه - قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن قال أبوعمر المقابلة عند أهل الفقه وأهل اللغة ما قطع طرف أذنها والمدابرة ما قطع من جانبي الأذن والشرفاء المشقوقة الأذن والخرقاء المثقوبة الأذن ولا خلاف علمته بين العلماء أن قطع الأذن كلها أو أكثرها عيب يتقى في الضحايا واختلفوا في الصكاء وهي التي خلقت بلا أذنين فذهب مالك والشافعي أنها إذا لم تكن لها أذن خلقة لم تجز وإن كانت صغيرة الأذنين جازت وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل ذلك وذكر محمد بن الحسن عنه وعن أصحابه أنها إذا لم يكن لها أذن خلقة أجزأت في الضحايا قال والعمياء خلقة لا تجوز في الضحايا وقال بن وهب عن مالك والليث المقطوعة الأذن أو جل الأذن لا تجوز والشق للميسم يجزئ وهو قول الشافعية وجماعة الفقهاء واختلفوا في جواز الأبتر في الضحية فروي عن بن عمر وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن وإبراهيم أنه يجزئ في الضحية وذكر بن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد أنه سمعه يقول يكره ذهاب الذنب والعور والعجف وذهاب الأذن أو نصفها قال بن وهب وكان الليث يكره الضحية بالأبتر قال أبو عمر قد روي في الأبتر حديث مرفوع من حديث شعبة عن جابر الجعفي عن محمد بن قرظة عن أبي سعيد الخدري أنه قال اشتريت كبشا لأضحي به فأكل الذئب من ذنبه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏(‏‏(‏ضح به‏)‏ وحديث جابر الجعفي لا يحتج به وإن كان حافظا لسوء مذهبه فقد روى عنه الأئمة منهم الثوري وشعبة ويحتمل أن يكون أكل من ذنبه اليسير وإن كان كذلك فهو جائز عند العلماء وقد تكلمنا على هذا الحديث في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏‏.‏

995- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسن والتي نقص من خلقها قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبوعمر جمهور العلماء روى حديث بن عمر هذا في ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ وغيره وقال بعضهم أنه كان يتقي من الضحايا التي لم تسن بكسر السين وبعضهم يرويه التي لم تسن بفتح السين فمن روى بكسر السين يجعله من السنن ويقول إن المعروف من مذهب بن عمر أنه كان لا يضحي إلا بالثني من الضأن والمعز والإبل والبقر في الهدايا والضحايا والذي روي عنه لم تسن بفتح السين يقول معناه لم تعط أسنانا وهي الهتماء لا تجوز عند أكثر أهل العلم في الضحايا وكان أبو محمد بن قتيبة يقول ليس الصواب في حديث بن عمر هنا إلا قول من رواه لم تسنن بنونين أي لم تعط أسنانا قال وهذا كلام العرب لم يقولوا تسنن من لم تخرج أسنانه فكما يقولون لم يلبن إذا لم يعط لبنا ولم يستمن إي لم يعط سمنا ولم يعسل لم يعط عسلا وهذا مثل النهي عن الهتماء في الأضاحي وقال غير بن قتيبة لم تسنن التي لم تبدل أسنانها وهذا نحو قول بن عمر في أنه لا يجوز إلا الثني فما فوقه إلا الجدع‏.‏

وأما حديث بن عمر أنه كان يتقي في الضحايا والبدن التي تنقص من خلقها والتي لم تسنن ففيه دليل على أن كل ما نقص من الخلق في الشاة لا تجوز في الضحية عنده إلا أن العلماء مجمعون على أن الجماء جائز أن يضحى بها فدل إجماعهم هذا على أن النقص المكروه هو ما تتأذى به البهيمة وينقص من ثمنها ومن شحمها وأجمع الجمهور على أن لا بأس أن يضحي بالخصي الأجم إذا كان سمينا وهم مع ذلك يقولون أن الأقرن الفحل أفضل من الخصي الأجم إلا أن يكون الخصي الأجم ‏(‏ أسمن‏)‏ فالأصل مع تمام الخلق السمن ذكر بن وهب قال أخبرني عبد الجبار بن عمر ‏(‏عن ربيعة‏)‏ أنه كان يكره كل نقص يكون في الضحبة أن يضحي به قال فأخبرني ‏(‏عمرو‏)‏ بن الحارث وبن لهيعة عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار أنه كان يكره من الضحايا التي بها من العيب ما ‏(‏ينتقص‏)‏ من سمنها قال وسمعت مالكا يكره كل نقص ‏(‏يكون‏)‏ في الضحية إلا ‏(‏القرون وحدهم‏)‏ فإنه ‏(‏كان‏)‏ لا يرى بأسا أن يضحي بمكسورة القرن وتراه بمنزلة الشاة الجماء قال أبو عمر جمهور العلماء على القول بجواز الضحية ‏(‏المكسورة‏)‏ القرن إذا كان لا يدمي فإن كان يدمي فقد كرهه مالك وكأنه جعله مرضا بينا وقد روى قتادة عن جرير بن كليب عن علي ‏(‏بن أبي طالب - رضي الله عنه‏)‏ - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الضحايا عن أعضب الأذن والقرن قال قتادة فقلت لسعيد بن المسيب ما عضب الأذن والقرنقال النصف أو أكثر قال أبو عمر لا يوجد ذكر القرن في غير هذا الحديث وبعض أصحاب أبي قتادة لا يذكر فيه القرن ‏(‏ويقتصر‏)‏ فيه على ذكر الأذن وحدها ‏(‏بذكره‏)‏ كذلك رواه هشام عن قتادة وهذا الذي عليه جماعة الفقهاء في القرن‏.‏

وأما الأذن فكلهم يراعون فيه ما قدمنا ذكره وفي إجماعهم على إجازة الضحية بالجماء ما يبين لك أن حديث القرن لا يثبت ولا يصح ‏(‏و‏)‏ هو منسوخ لأنه معلوم أن ذهاب القرنين معا أكثر من ذهاب بعض أحدهما‏.‏

وأما قول بن عمر يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسن فإن بن قتيبة قال هي التي لم تنبت أسنانها كأنها لم تعط أسنانا وهذا كما تقول لم تلبن أي لم تعط لبنا ولم تستمن أي لم تعط سمنا ولم تعسل أي لم تعط عسلا قال وهذا مثل النهي عن الهتماء في الأضاحي وقال غيره التي لم تسن التي لم تنزل أسنانها وهذا يشبه مذهب بن عمر لأنه كان يقول في الضحايا والبدن الثني فما فوقها ولا يجوز عنده الجدع من الضأن فما فوقها ولا غيره وهذا خلاف الآثار المرفوعة وخلاف الجمهور الذين هم حجة على من شذ عنهم وبالله التوفيق قال أبو عمر ورواية مالك عن نافع عن بن عمر في التي لم تسن والتي نقص من خلقها أصح من رواية من روي عنه جواز الأضحية بالأبتر والله أعلم وذكر بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب أنه قال لا تجوز في الضحايا المجذوعة ثلث الأذن ومن أسفل منها ولا تجوز المسلولة ‏(‏الأسنان‏)‏ ولا الصرماء ولا جداء ‏(‏الضرع‏)‏ ولا العجفاء ولا الجرباء ولا المصرمة الأطماء وهي المقطوعة حلمة الثدي ولا العوراء ولا العرجاء قال أبو عمر قول بن شهاب في هذا الباب هو المعمول به والله الموفق للصواب‏.‏

باب ما يستحب من الضحايا

996- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر ضحى مرة بالمدينة قال نافع فأمرني أن أشتري له كبشا فحيلا أقرن ثم أذبحه يوم الأضحى في مصلى الناس قال نافع ففعلت ثم حمل إلى عبد الله بن عمر فحلق رأسه حين ذبح الكبش وكان مريضا لم يشهد العيد مع الناس قال نافع وكان عبد الله بن عمر يقول ليس حلاق الرأس بواجب على من ضحى وقد فعله بن عمر قال أبو عمر أما الكبش الأقرن الفحل فهو أفضل الضحايا عند مالك وأكثر أهل العلم وقد ذكرنا اختلافهم في الأفضل من الإبل والبقر والغنم في الهدايا والضحايا عند قوله صلى الله عليه وسلم في كتاب الصلاة ‏(‏‏(‏من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ‏(‏3‏)‏ بما أغنى عن إعادته ها هنا والدليل على أن الكبش أفضل ما يضحى به حدثناه عبد الملك بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن الهيثم أبو الأحوص قال حدثني أبو يعقوب الحنيني عن هشام بن ربيعة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال تجلى جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏كيف رأيت نسكنا يا جبريل فقال لقد تباهى به أهل السماء واعلم يا محمد أن الجذع من الضأن خير من السيد من الإبل ومن البقر ولو علم الله ذبحا خيرا منه لفدى به إبراهيم‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال قرة قال حدثني يحيى عن شعبة عن قتادة عن أنس قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين فرأيته ذبحهما بيده واضعا قدمه على صفاحهما وسمى وكبر وروي هذا المعنى من حديث جابر وأبي هريرة وأبي الدرداء وفي حديث أبي الدرداء وجابر خصيين موجوءين وفي حديث أبي هريرة أنه قال حين ذبحهما بسم الله والله أكبر حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين قال أنس وأنا أضحي بكبشين‏.‏

وأما تفسير الأملحين فإن الأملح ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني حفص عن جعفر بن محمد عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبش أقرن فحيل ينظر في سواد ويأكل في سواد ويمشي في سواد‏.‏

وأخبرنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثنا سليمان قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرنا حيوة بن شريح قال ‏(‏أخبرنا‏)‏ أبو صخر عن بن قسيط عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن ينظر في سواد ويطأ في سواد ويبرك في سواد فضحى به فقال يا عائشة هلم المدية ثم قال اشحذيها بحجر ففعلت فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه وذبحه وقال بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به‏.‏ وأما حلق بن عمر لرأسه فلم يذكر أنه من سنة الأضحى ويمكن أن يكون فعله لمرضه الذي كان يشكو أو قد أخبر أنه ليس بواجب على الناس ولا هو عند أحد من ‏(‏أهل العلم‏)‏ من سنة الأضحى فيما علمت والله أعلم‏.‏

باب النهي عن ذبح الضحية قبل انصراف الإمام

997- مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن أبا بردة بن نيار ذبح ضحيته قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعود بضحية أخرى قال أبو بردة لا أجد إلا جذعا يا رسول الله قال ‏(‏‏(‏وإن لم تجد إلا جذعا فذبح‏)‏‏)‏‏.‏

998- مالك عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر ذبح ضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى وأنه ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعود بضحية أخرى قال أبو عمر أما حديث يحيى بن سعيد هذا عن عباد بن تميم فظاهره - في رواية مالك - الانقطاع وكذلك قال يحيى بن معين هو مرسل ذكر ذلك عنه أحمد بن زهير وليس هو عندي كذلك لأن حماد بن سلمة روى عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر ذبح قبل أن يصلي فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد ورواه الدراوردي عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر أخبره أنه ذبح قبل الصلاة وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعيد أضحيته فرفع الدراوردي الإشكال في ذلك وبين في روايته أن الحديث متصل مسند‏.‏

وأما لفظ حديث مالك ذبح أضحيته قبل أن يغدو إلى المصلى فلا خلاف بين العلماء أن من ذبح ضحيته قبل أن يغدو إلى المصلى بعد الصلاة فقد فعل ما لا يجب وأنه لا ضحية له وأن عليه إعادة ما أفسد من ضحيته تلك إذا ذبحها قبل وقتها وإنما اختلفوا فيمن ذبح بعد الصلاة وقبل أن يذبح الإمام على ما تراه فيما بعد من هذا الباب إن شاء الله‏.‏

وأما حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار في أول هذا الباب ورواه رواة الموطأ وورد كما رواه يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن أبا بردة ذبح ضحيته قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث كذلك رواه يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن أبي بردة بن نيار أنه ذبح وذكر الحديث وقصة أبي بردة بن نيار في ذلك محفوظة من حديث البراء بن عازب رواها الشعبي عن البراء ورواها عن الشعبي جماعة منهم منصور بن المعتمر وداود بن أبي هند ومطرف بن طريف وزبيد اليامي وعاصم الأحول وسيار كلهم يرونه عن الشعبي عن البراء ومن رواه عن الشعبي عن جابر فقد أخطأ وفي حديث البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بردة بن نيار تلك شاة لحم قال فإن عندي عناقا جذعة خير من شاة لحم فهل تجزئ عني قال نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك وقد ذكرنا هذا الحديث بإسناده وطرقه في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وفي حديث مالك في الفقه أن الذبح لا يجوز قبل ذبح الإمام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الذي ذبح قبله بالإعادة وقد أمر الله - عز وجل - عباده بالتأسي بنبيه صلى الله عليه وسلم وحذرهم من مخالفته وقد أجمع العلماء على أن الأضحى مؤقت بوقت إلا أنهم اختلفوا في تعيين ذلك الوقت على ما نورده عنهم في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله وأجمعوا على أن الذبح لأهل الحضر لا يجوز قبل الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ ‏(‏ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم‏)‏‏)‏‏.‏

وأما الذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام فموضع اختلف فيه العلماء واختلفت فيه الآثار أيضا فذهب مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي إلى أنه لا يجوز لأحد أن يذبح أضحيته قبل ذبح الإمام وحجتهم حديث مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بردة بن نيار أن يعود بضحية أخرى وكان ذبح قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى بن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن النبي عليه السلام صلى يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر فأمر من كان نحر قبله أن يعيد بذبح آخر ولا ينحر حتى ينحر النبي عليه السلام وقال معمر عن الحسن في قوله تعالى ‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله‏)‏ ‏[‏الحجرات 1‏]‏‏.‏

نزلت في قوم ذبحوا قبل أن ينحر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبل أن يصلي فأمرهم أن يعيدوا‏.‏ وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والليث بن سعد لا يجوز ذبح الأضحية قبل الصلاة ويجوز بعدها قبل أن يذبح الإمام لأن الإمام وغيره فيما يحل من الذبح ويحرم سواء فإذا أحل الإمام الذبح حل لغيره ولا معنى لانتظاره وحجتهم حديث الشعبي عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏من نسك قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم‏)‏‏)‏ وقال داود بن أبي هند وعاصم عن الشعبي عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏من ذبح قبل الصلاة فليعد