فصل: باب صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب صيام يوم عاشوراء

621- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه‏.‏

622- وذكر عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان يوم عاشوراء عام حج وهو على المنبر يقول يا أهل المدينة ‏!‏ أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهذا اليوم هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر قال أبو عمر لا يختلف العلماء أن يوم عاشوراء ليس بفرض صيامه وفي هذا الحديث دليل على فضل صوم يوم عاشوراء لأنه لم يخصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بندبه أمته إلى صيامه وإرشادهم إلى ذلك وإخباره إياهم بأنه صائم له ليقتدوا به إلا لفضل فيه وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة وقوله فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطر فإنها إباحة وردت بعد وجوب وذلك أن طائفة من العلماء قالوا إن صوم يوم عاشوراء كان فرضا ثم نسخ بشهر رمضان فلهذا ما أخبرهم بهذا الكتاب واحتجوا بحديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل في رمضان الحديث هكذا رواه بن عيينة وجماعة عن بن شهاب عن عروة عن عائشة وروى سعيد بن جبير عن بن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد يهود تصوم يوم عاشوراء فقال لهم ما هذا قالوا يوم نجى الله فيه موسى وأغرق فرعون فنحن نصومه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه ولما فرض رمضان صام رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه الفضيلة والتبرك وأمر بصيامه على ذلك‏.‏

وأخبر بفضل صومه وفعل ذلك بعده أصحابه‏.‏

623- ذكر مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أرسل إلى الحارث بن هشام إن غدا يوم عاشوراء فصم وأمر أهلك أن يصوموا وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه أخبره أن عمر بن الخطاب أرسل إلى عبد الرحمن بن الحارث ليلة عاشوراء أن تسحر لتصبح صائما فأصبح عبد الرحمن صائما هكذا قال أرسل إلى عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهذا حديث متصل وهو عندي أصح من بلاغ مالك والله أعلم وروي عن علي مثل ذلك حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أنه كان يأمر بالصيام يوم عاشوراء‏.‏

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن يزيد قال سمعت بن عباس يقول ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم يوم فضله على الأيام إلا يوم عاشوراء ومن حديث أبي قتادة عن النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ قال صيام يوم عاشوراء يكفر سنة والدليل على تأكيد صومه على جهة الفضل لا على الفرض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه أذن في قومك يوم عاشوراء أن يصوموا ومن أكل منهم فليصم بقية يومه أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن المنهال قال حدثنا زيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة عن محمد أن أسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء فقال صمتم يومكم هذا قالوا لا قال فأتموا بقية يومكم واقضوه وهذا عندي يحتمل أن يكون ذلك قبل أن يفرض رمضان إذ كان عاشوراء يصام على الوجوب ويحتمل أن يكون ذلك لفضله تأكيدا في التقرب بصومه والله أعلم وهو حديث مختلف فيه على قتادة فسعيد يقول عبد الرحمن بن سلمة أو سلمة عن عمه وشعبة يقول عن قتادة عن عبد الرحمن بن المنهال الخزاعي عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسلم يوم عاشوراء صوموا اليوم قالوا إنا قد أكلنا قال صوموا بقية يومكم واختلف العلماء في يوم عاشوراء فقالت طائفة هو اليوم العاشر من المحرم وممن روي ذلك عنه سعيد بن المسيب والحسن البصري وقال آخرون هو اليوم التاسع منه واحتجوا بحديث الحكم بن الأعرج قال أتيت بن عباس في المسجد الحرام فسألته عن صيام يوم عاشوراء فقال اغد فإذا أصبحت اليوم التاسع فأصبح صائما قلت كذلك كان محمد يصوم قلت نعم صلى الله عليه وسلم وقد روي عن بن عباس القولان جميعا وقال قوم من أهل العلم من أحب صيام يوم عاشوراء صام التاسع والعاشر وأظن ذلك احتياطا منهم وممن روي عنه ذلك بن عباس أيضا وأبو رافع صاحب أبي هريرة وبن سيرين وقاله الشافعي وأحمد وإسحاق وروى القطان عن بن أبي ذئب عن شعبة مولى بن عباس قال كان بن عباس يصوم يوم عاشوراء في السفر ويوالي بين اليومين مخافة أن يفوته وكان بن سيرين يصوم العاشر فيبلغه أن بن عباس كان يصوم التاسع والعاشر فكان بن سيرين يصوم التاسع والعاشر وروى بن جريج عن عطاء أنه سمع بن عباس يقول خالفوا اليهود صوموا التاسع والعاشر وقال معقل بن يسار وبن عباس عاشوراء اليوم التاسع ولكنه اسمه العاشوراء وروى بن وهب عن يحيى بن أيوب أن إسماعيل بن أمية حدثه أنه سمع أبا غطفان يقول سمعت بن عباس يقول حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان العام القابل صمنا التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال صاحب العين عاشوراء اليوم العاشر من المحرم قال ويقال اليوم التاسع وروي عن بن شهاب أنه كان يصوم يوم عاشوراء في السفر وكان يأمر بفطر رمضان في السفر فقيل له في ذلك فقال رمضان له عدة من أيام أخر وعاشوراء يفوت وروي عن بن عمر وطاوس أنهما كانا لا يصومان عاشوراء في السفر حدثنا أحمد بن قاسم ومحمد بن إبراهيم ومحمد بن حكم قالوا حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا الفضل بن الحباب قال حدثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي قال حدثنا شعبة عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته قال جابر جربناه فوجدناه كذلك وقال أبو الزبير وقال شعبة مثله حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو وضاح قال حدثنا أبو محمد العابد عن بهلول بن راشد عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال قال عمر بن الخطاب من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة قال يحيى بن سعيد جربنا ذلك فوجدناه حقا وروى بن عيينة وإبراهيم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال من وسع على أهله في عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة قال سفيان جربنا ذلك فوجدناه كذلك وسيأتي القول في معنى قول معاوية يا أهل المدينة أين علماؤكم في باب إصلاح الشعر في الجامع إن شاء الله تعالى‏.‏

باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر

624- ذكر فيه مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين يوم الفطر ويوم الأضحى‏.‏

625- وذكر أنه سمع أهل العلم يقولون لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها وهي أيام مني ويوم الأضحى ويوم الفطر فيما بلغنا قال وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر صيام هذين اليومين لا خلاف بين العلماء في أنه لا يجوز على حال من الأحوال لا لمتطوع ولا لناذر ولا لقاض فرضا أن يصومهما ولا لمتمتع لا يجد هديا ولا يأخذ من الناس وهما يومان حرام صيامهما فمن نذر صيام واحد منهما فقد نذر معصية وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ولو نذر ناذر صيام يوم بعينه أو صياما بعينه مثل سنة بعينها فوافق هذا اليوم فطرا أو أضحى فأجمعوا أنه لا يصومها واختلفوا في قضائها ففي أحد قولي الشافعي وزفر بن الهذيل وجماعة ليس عليه قضاؤها وهو قول بن كنانة صاحب مالك‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يقضيهما وهو قول الحسن بن حي والأوزاعي وآخر قولي الشافعي وروي عن الأوزاعي أنه يقضيهما إلا أن ينوي أن لا يقضيهما ولا يصومهما واختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أوجه أحدها أنه لا يقضيهما والآخر أنه يقضيهما إلا أن يكون نوى أن لا يقضيهما والثالث أنه لا يقضيهما إلا أن يكون نوى أن يصومهما وروى الرواية الأولى بن وهب عنه والروايتان الأخريان رواهما بن وهب وبن القاسم عنه قال بن القاسم قوله لا قضاء عليه إلا أن ينوي أن يقضيهما أحب إلي فأما آخر أيام التشريق الذي ليس فيه ذبح عنده فإنه يصومه ولا يدعه وقال الليث بن سعد فيمن جعل على نفسه صيام سنة أنه يجعل على نفسه صيام ثلاثة عشر شهرا لمكان رمضان ويومين لمكان الفطر والأضحى ويصوم أيام التشريق وقال المرأة في ذلك مثل الرجل وتقضي أيام الحيض وروي عنه فيمن نذر صيام الاثنين والخميس فوافق ذلك الفطر والأضحى أنه يفطر ولا قضاء عليه وهذا خلاف الأول إلا أني أحسب أنه جعل الاثنين والخميس كمن نذر صوم سنة بعينها والجواب الأول في سنة بغير عينها قال أبو عمر القياس أن لا قضاء في ذلك لأن من نذر صيام يوم بعينه أبدا لا يخلو أن يدخل يوم الفطر والأضحى في نذره أو لا يدخل فإن دخل في نذره فلا يلزمه لأن من قصد إلى نذر صومه لم يلزمه ونذره ذلك باطل ومن لم يدخل في نذره فهو أبعد من أن يجب عليه قضاؤه وعلى ما ذكرنا يسقط الاعتكاف عمن نذره يوم الفطر ويوم النحر عند من يقول لا اعتكاف إلا بصوم‏.‏

وأما صيام الدهر لمن أفطر الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصيامها فمباح عند أكثر العلماء إلا أن الصيام عمل من أعمال البر وفضله معلوم وفي نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام أيام ذكرها على إباحة ما سواها والله أعلم وقد كره بعض أهل العلم صيام الدهر لحديث أبي قتادة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صيام الدهر فقال من فعل ذلك فلا صام ولا أفطر ويروى لا صام ولا أفطر أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وهذا عندي على الاختيار -والله أعلم- لا على شيء يلزم‏.‏

باب النهي عن الوصال في الصيام

626- ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال فقالوا يا رسول الله فإنك تواصل فقال إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى‏.‏

627- وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم والوصال إياكم والوصال قالوا فإنك تواصل يا رسول الله قال إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني قال أبو عمر قد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما رواه بن عمر وأبو هريرة أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وعائشة ‏(‏رضي الله عنهم‏)‏ واختلف أهل العلم في تأويل هذا الحديث فقال منهم قائلون إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رفقا لأمته ورحمة بهم فمن قدر على الوصال فلا حرج لأنه لله عز وجل يدع طعامه وشرابه وكان عبد الله بن الزبير وغيره جماعة يواصلون الأيام أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا أحمد بن إسماعيل الأنصاري قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن سلمة عن مالك بن أنس أن عامر بن عبد الله بن الزبير كان يواصل في شهر رمضان ثلاثا فقيل له ثلاثة أيام قال لا ومن يقوى يواصل ثلاثة أيام يومه وليله ومن حجة من ذهب هذا المذهب حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة قالوا يا رسول الله إنك تواصل قال إني لست كأحد منكم يطعمني ربي ويسقيني وكان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه لا يكرهان أن يواصل الرجل من سحر إلى سحر لا غير ومن حجة من ذهب إلى هذا أيضا حديث عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر قالوا فإنك تواصل قال إني لست كهيئتكم إن لي مطعما يطعمني وساقيا يسقيني وحديث بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال فقال رجل من المسلمين إنك يا رسول الله تواصل فقال لستم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال صلى الله عليه وسلم لو تأخر لزدتكم كالمنكل بهم هكذا رواه صالح بن كيسان وشعيب بن أبي حمزة ويحيى بن سعيد عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة وزاد بعضهم فيه كالمنكل بهم حين أبوا أن ينتهوا ورواه عبد الرحمن بن سمرة عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار كلها في التمهيد وكره مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي وجماعة من أهل الفقه والأثر الوصال على كل حال لمن قوي عليه ولغيره ولم يجيزوه لأحد ومن حجتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال وأنه ‏(‏عليه السلام‏)‏ قال إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا وإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم وحقيقة النهي الزجر والمنع وقالوا لما قال لهم إني لست كهيئتكم أعلمهم أن الوصال له خاصة لا لغيره كما خص بسائر ما خص صلى الله عليه وسلم وقد احتج من ذهب هذا المذهب بحديث عمر بن الخطاب ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عاصم بن عمر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم قالوا ففي هذا ما يدل على أن الوصال للنبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ مخصوص وأن المواصل لا ينتفع بوصاله لأن الليل ليس بموضع للصيام بدليل هذا الحديث وشبهه وروى عبد الله بن أبي أوفى عن النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ مثله ولا معنى لطلب الفضل في الوصال إلى السحر على مذهب من أراد ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وقالت عائشة كان النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ أعجل الناس فطرا‏.‏

باب صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر

628- قال مالك أحسن ما سمعت فيمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في قتل خطأ أو تظاهر فعرض له مرض يغلبه ويقطع عليه صيامه أنه إن صح من مرضه وقوي على الصيام فليس له أن يؤخر ذلك وهو يبني على ما قد مضى من صيامه وكذلك المرأة التي يجب عليها الصيام في قتل النفس خطأ إذا حاضت بين ظهري صيامها أنها إذا طهرت لا تؤخر الصيام وهي تبني على ما قد صامت وليس لأحد وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الله أن يفطر إلا من علة مرض أو حيضة وليس له أن يسافر فيفطر قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك وروى بن القاسم عن مالك في غير الموطأ قال من أفطر يوما في السفر بعذر ولم يصله استأنف وإن وصله بنى وإن سافر لا يفطر وإن فطر استأنف وإن مرض في سفره مرضا لم يجب عليه السفر من حر أو برد واستيقن أنه من غير السفر بنى إذا صح قال أبو عمر قوله أحسن ما سمعت يدل على علمه بالخلاف في هذه المسألة والذي أراد -والله أعلم- الرجل يمرض بين ظهري شهري التتابع في الظهار أو القتل أو الكفارة من رمضان‏.‏

وأما الحائض فلا أعلم فيها خلافا أنها إذا طهرت فلم تؤخر ووصلت بأي صيامها بما سلف منه إلا أنها لا شيء عليها غير ذلك وتستأنف البناء وليس عليها أن تسقط إلا أن تكون طاهرا قبل الفجر فتترك صيام ذلك اليوم عالمة بطهرها فإن فعلت استأنفت عند جماعة العلماء‏.‏

وأما اختلافهم في المريض الذي قد صام من شهري التتابع بعضها قضى قولين أحدهما ما قال مالك في سن البناء ومن قال بذلك سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن والشعبي وعطاء ومجاهد وقتادة وطاوس وذكر بن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن أنهما قالا يعتد بما صام إذا كان له عذر وسائرهم قال المريض يبني إذا برأ ووصل ذلك ولم يفرط كما وصفنا في الحائض والقول الثاني يستأنف الصيام وممن قال ذلك سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وعطاء الخرساني قال معمر سألت عطاء الخرساني فقال كنا نرى أنه مثل شهري رمضان حتى كتبنا فيه إلى أحد الناس من أهل الكوفة فكتبوا إلينا أنه يستقبل وذكر عبد الرزاق عن الثوري مثله وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأحد قولي الشافعي وله قول آخر وهو يبني وقول بن شبرمة يقضي ذلك اليوم وحده إن كان عذر غالب كصوم رمضان قال أبو عمر حجة من قال يبني لأنه معذور في قطع التتابع بمرضه ولم يتعذر وقد تجاوز الله عن غير المعتمر وحجة من قال يستأنف لأن التتابع فرض لا يسقط بعذر وإنما يسقط فيه المأثم قياسا على الصلاة لأنها ركعات متتابعات فإذا قطعها عذر استأنف ولم يبن‏.‏

باب ما يفعل المريض في صيامه

629- قال مالك الأمر الذي سمعت من أهل العلم أن المريض إذا أصابه المرض الذي يشق عليه الصيام معه ويتعبه ويبلغ ذلك منه فإن له أن يفطر وكذلك المريض الذي اشتد عليه القيام في الصلاة وبلغ منه وما الله أعلم بعذر ذلك من العبد ومن ذلك ما لا تبلغ صفته فإذا بلغ ذلك صلى وهو جالس ودين الله يسر وقد أرخص الله للمسافر في الفطر في السفر وهو أقوى على الصيام من المريض قال الله تعالى في كتابه ‏(‏فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر‏)‏ ‏[‏البقرة 184‏]‏‏.‏

فأرخص الله للمسافر في الفطر في السفر وهو أقوى على الصوم من المريض فهذا أحب ما سمعت إلي وهو الأمر المجتمع عليه قال أبو عمر قد جود مالك في هذا الباب وأتى عليه بعين الصواب والأمر في هذا المعنى أنه شيء يؤتمن عليه المسلم فإذا بلغ به المرض إلى حال لا يقدر معها على الصيام أو كان بحال يستيقن أنه قال إذا قام فأداه المريض حتى بلغ به إلى الحال المخوفة عليه كان له أيضا أن يتأول في مرضه ذلك وحسب المسلم أن لا يفطر حتى يدخل تحت قول الله عز وجل بيقين ‏(‏فمن كان منكم مريضا أو على سفر‏)‏ ‏[‏البقرة 184‏]‏‏.‏

فإذا صح مرضه صح له الفطر وبالله التوفيق وقد قيل إن المريض إنما يفطر للمرض الذي قد نزل به ولا يطيق الصيام ولا يفطر لما يخشى من زيادة المرض لأنه ظن لا يقين معه وقد وجب عليه الصيام بيقين وسقط عنه المرض بيقين فإذا لم يستيقنه لم يجز له الفطر والله أعلم‏.‏

باب النذر في الصيام والصيام عن الميت

630- ذكر فيه مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل نذر صيام شهر هل له أن يتطوع فقال سعيد ليبدأ بالنذر قبل أن يتطوع قال مالك وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك قال أبو عمر هذا عند أهل العلم على الاختيار وعلى استحسان البدار إلى ما وجب عليه قبل التطوع قال الله تعالى ‏(‏يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود‏)‏ ‏[‏المائدة 1‏]‏‏.‏

وقال تعالى ‏(‏ سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة‏)‏ ‏[‏الحديد 21‏]‏‏.‏

وقال ‏(‏فاستبقوا الخيرات‏)‏ ‏[‏البقرة 148‏]‏‏.‏

فهذا الذي ينبغي من جهة الاختيار فإن تطوع قبل نذره ثم أتى بنذره في وقته إن كان مؤقتا وأتى به قبل موته إن لم يكن مؤقتا فقد أجزأه ولا شيء عليه وقد مضى في كتاب الصلاة ما للعلماء فيمن دخل المسجد وقد صلى أهله هل يتطوع قبل الفرض أم لا وهو من هذا المعنى‏.‏

وقال مالك من مات وعليه نذر من رقبة يعتقها أو صيام أو صدقة أو بدنة فأوصى أن ينفذ عنه فإن ذلك من ثلثه يبدى على ما سواه من الوصايا التي يتطوع بها قال وإنما كان ذلك أنا لو جعلناه في راس ماله لإقراره بأنه كان لازما له لم يؤمن على من شاء أن يمنع ورثته الميراث إلا منعه ما يقر به على نفسه من زكاة وكفارات فرض فيها فلذلك منع من أن يكون في رأس ماله وجعل في ثلثه وبدي على سائر ما يتطوع به قال أبو عمر هذا معنى قوله دون لفظه وقد ذكرنا في الزكاة هذه المعاني واختلاف العلماء فيما اختلفوا فيه من ذلك ويأتي في كتاب الوصايا ما للعلماء فيما يبدي منها وما يكون منها في الثلث وفي رأس المال إن شاء الله‏.‏

631- وذكر مالك في هذا الباب أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد قال أبو عمر أما الصلاة فإجماع من العلماء أنه لا يصلي أحد عن أحد فرضا عليه من الصلاة ولا سنة ولا تطوعا لا عن حي ولا عن ميت وكذلك الصيام عن الحي لا يجزئ صوم أحد في حياته عن أحد وهذا كله إجماع لا خلاف فيه‏.‏

وأما من مات وعليه صيام فهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا فقال مالك ما تقدم ذكره لا يصوم أحد عن أحد قال وهو أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه عندنا وروي مثل قول مالك عن بن عباس وبن عمر إلا أنه اختلف فيه عن بن عباس من رواته عنه بمذهب بن عمر ومالك في ذلك ما حدثناه محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا حجاج الأحول قال حدثنا أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن بن عباس قال لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة‏.‏

وقال الشافعي يطعم عنه ولا يصام عنه وهو قول الثوري في رواية‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إن من أمكنه القضاء فقد أبعد فإنه يطعم عنه قال والنذر من قضاء رمضان في ذلك سواء وهو قول بن علية وقال الأوزاعي يجعل وليه مكان الصوم صدقة فإن لم يجد صام عنه وروي ذلك عن الثوري وقال الحسن بن حي لا يصوم أحد عن أحد فإن اعتكف اعتكف عنه وصام عنه بعد موته وقال الثوري يصوم عنه وليه‏.‏

وقال أحمد بن حنبل وأبو عبيد القاسم بن سلام يطعم عنه مدا من حنطة عن كل يوم مدا وفي النذر يصوم عنه‏.‏

وقال أبو ثور يقضي عنه الصوم في ذلك كله وجملة أقوالهم في ذلك أن أبا حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي والحسن بن حي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبا عبيد قالوا واجب أن يطعم عنه من رأس ماله أوجب عليه إلا أبا حنيفة فإنه قال يسقط عنه ذلك بالموت‏.‏

وقال مالك الإطعام غير واجب على الورثة إلا أن يوصي بذلك إليهم وتحصيل مذهبه أن ذلك واجب على الميت غير واجب على الورثة فإن أوصى بذلك كان في ثلثه ومعنى قولي واجب عليه أي واجب عليه صومه فإن حضرته الوفاة كان واجبا عليه أن يوصي بالإطعام عنه كسائر الكفارات في الإيمان وغيرها فإن فعل كان في ثلث وإن لم يفعل فلا شيء على الورثة قال أبو عمر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه أخبرنا عبد الله بن محمد بن بكر قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا بن وهب قال أخبرنا عمر بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه قال أبو داود وهذا في النذر حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا زائدة قال قاسم‏.‏

وحدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا معاوية بن عمرو قال حدثنا زائدة قال قاسم قال حدثنا عبد الله بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية كلاهما عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها قال نعم فدين الله أحق أن يقضى وفي حديث أبي معاوية أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن امي ماتت وعليها صوم شهر فذكره‏.‏

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا نبيشة بن سعيد قال حدثنا عبيد عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها فقال أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضيه قال نعم قال فدين الله أحق أن يقضى رواه الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه وروي عن سعيد بن جبير عن بن عباس أنه أفتى في قضاء رمضان فقال يطعم وفي النذر يصام عنه وهو قول أحمد روى عنه محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان فيهما جميعا الإطعام وزعم من احتج للكوفيين ومالك أن بن عباس لم يخالف بفتواه وقد روي عن عائشة أيضا من قوله أنه يطعم عنه في قضاء رمضان ولا يصام رواه عبد العزيز بن رفيع عن امرأة منهم يقال لها عمرة عن عائشة وهذا والله أعلم قال أحمد إن معنى حديث بن عباس المرفوع أنها في النذر دون قضاء رمضان‏.‏

وأما أبو ثور فقال يصام عنه في الوجهين جميعا وهو قول داود على ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم من مات وعليه صيام صام عنه وليه وهذا عندهم واجب عليه وقال الحسن إن صام عنه ثلاثون رجلا يوما واحدا جاز يريد أن ذلك كرجل واحد صام ثلاثين يوما قال أبو عمر لولا الأثر المذكور لكان الأصل القياس على الأصل المجتمع عليه في الصلاة وهو عمل بدن لا يصوم أحد عن أحد كما لا يصلي أحد عن أحد‏.‏

باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات

632- ذكر فيه مالك عن زيد بن أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب أفطر ذات يوم في رمضان في ذي غيم ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس فجاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين طلعت الشمس فقال عمر الخطب يسير وقد اجتهدنا قال مالك يريد بقوله الخطب يسير القضاء فيما نرى والله أعلم وخفة مؤونته ويسارته يقول نصوم يوما مكانه قال أبو عمر ما تأوله مالك - رحمه الله - عمل عمر - رضوان الله عليه - فقد روي عن عمر من أهل الحجاز وأهل العراق أيضا ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال حدثني زيد بن أسلم عن أبيه قال أفطر الناس في شهر رمضان في يوم مغيم ثم نظر ناظر فإذا الشمس فقال عمر الخطب يسير وقد اجتهدنا نقضي يوما مكانه قال بن جريج فهذا الحديث عن زيد بن أسلم عن أبيه ولم يقل عن أخيه وروى الثوري عن جبلة بن سحيم عن علي بن حنظلة عن أبيه أنه شهد عمر فذكر هذه القصة وقال يا هؤلاء ‏!‏ من كان أفطر فإن قضاء يوم يسير ومن لم يكن أفطر فليتم صومه وروى معمر عن الأعمش عن زيد بن وهب قال أفطر الناس في زمان عمر فرأيت عساسا أخرجت من بيت حفصة فشربوا في رمضان ثم طلعت الشمس من سحاب فكأن ذلك شق على الناس وقالوا أنقضي هذا اليوم فقال عمر ولم تقضي والله ما تجانفنا الإثم قال أبو عمر فهذا خلاف عن عمر في هذه المسألة والرواية الأولى أولى بالصائم إن شاء الله وممن قال لا يقضي هشام بن عروة وداود بن علي والجمهور على القضاء‏.‏

وأما مالك فيقضي عنده قياسا على الناسي عنده قال مالك فيمن أكل قبل غروب الشمس وهو يظنها قد غابت أو أكل بعد الفجر وهو يظنه لم يطلع قال فإن كان نظر غامضا فيه فلا شيء عليه وإن كان واجبا فعليه القضاء وقال الكوفيون والشافعي والثوري وبن سعد إذا تسحر بعد طلوع الفجر أو أكل قبل غروب الشمس فعليه القضاء قال أبو عمر الدليل على صحة من قال يقضي اليوم إجماعه على أنه لو غم هلال رمضان فأفطروا ثم قامت الحجة برؤية الهلال أن عليهم القضاء بعد إتمام صيامهم يومهم‏.‏

وأما اختلافهم في من أكل وهو شاك في الفجر فقال مالك أكره أن يأكل إذا شك فإن أكل فعليه القضاء أرى أن يقضي يوما مكانه فإن كان عليه فقد قضاه وإن لم يكن عليه فقد أجر إن شاء الله وقال الثوري يتسحر ما شك في الفجر حتى يرى الفجر‏.‏

وقال الشافعي وعبيد الله بن الحسن لا يأكل إذا شك فإن أكل فلا شيء عليه وقال الأوزاعي إذا شك الرجل فلم ير وأكل في الفجر أم في الليل فلا شيء عليه‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إن كان أكثر رأيه أنه أكل بعد طلوع الفجر فأوجب أن يقضي قال أبو عمر قول الشافعي ومن تابعه قول احتياط لأنه قد نهاه عن الأكل مع الشك خوفا أن يواقع ما لا يحل من الأكل بعد الفجر ولم ير عليه قضاء لأنه لم يبن له أنه أكل بعد الفجر وإيجاب القضاء إيجاب فرض فلا ينبغي أن يكون إلا بيقين واحتج بعض أصحابنا لمالك بأن الصائم يلزمه اعتراف طرفي النهار وذلك لا يكون إلا بتقدم شيء وإن قل من السحر وآخر شيء من الليل قال أبو عمر هذا التزام لصوم ما لم يأمر الله بصيامه مع مخالفة الآثار في تعجيل الفطر وتأخير السحور وهي متواترة صحاح وقول الثوري من الفقه وقول الله عز وجل ‏(‏وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر‏)‏ ‏[‏البقرة 187‏]‏‏.‏ فلم يمنعهم من الأكل حتى يستبين لهم الفجر فأما رواية مالك في هذا الباب‏.‏

633- عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول يصوم قضاء رمضان متتابعا من أفطره من مرض أو في سفر‏.‏

634- وعن بن شهاب أن عبد الله بن عباس وأبا هريرة اختلفا في قضاء رمضان فقال أحدهما يفرق بينه وقال الآخر لا يفرق بينه لا أدري أيهما قال يفرق بينه‏.‏

635- وعن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يسأل عن قضاء رمضان فقال سعيد أحب إلي أن لا يفرق قضاء رمضان وأن يواتر قال أبو عمر هو قول مالك لا خلاف عنه في أنه يستحب أن يتابع قضاء رمضان ولا يرى إعادة على من لم يتابعه هذا قوله في موطئه وغيره وكذلك يستحب في كل صيام مذكور في كتاب الله - عز وجل - بكفارة يمين وغيرها‏.‏

وأما حديث بن شهاب عن أبي هريرة وبن عباس وقوله لا أدري أيهما قال لا يفرق بينه وأيهما قال يفرق بينه ولا أدري عمن أخذ بن شهاب ذلك وقد صح عندنا عن بن عباس وأبي هريرة أنهما أجازا أن يفرق قضاء رمضان ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء عن بن عباس وأبي هريرة قالا في قضاء رمضان فرقه إن شئت حسبك إذا أحصيته قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس قال صم كيف شئت قال الله - عز وجل - ‏(‏فعدة من أيام أخر‏)‏ ‏[‏البقرة 185‏]‏‏.‏

قال‏.‏

وأخبرنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن هشام بن يحيى عن أبي هريرة قال صم كيف شئت وأحص العدة قال‏.‏

وأخبرنا الثوري عن رجل من قريش عن أمه أنها سألت أبا هريرة عن قضاء رمضان فقال لا بأس أن تفرقيه إنما هي عدة من أيام أخر‏.‏

وأما بن عمر فلا أعلم عنه خلافا أنه قال صمه متتابعا كما أفطرته ذكره معمر وبن جريج عن بن شهاب عن سالم عن بن عمر وعبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر وعن الثوري عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال صمه متتابعا وهو قول الحسن والشعبي وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت نزلت ‏(‏من أيام أخر‏)‏ ‏[‏البقرة 184‏]‏‏.‏

‏(‏متتابعات‏)‏ ثم سقطت متتابعات قال أبو عمر قولها سقطت يحتمل نسخت ورفعت وهو دليل على سقوط التتابع وليس شيء بين الدفتين ‏(‏متتابعات‏)‏ فصح سقوطها ورفعها وعلى هذا جمهور العلماء وهو قول طاوس ومجاهد وعطاء وعبيد بن عمير وجماعة وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق وكلهم مع ذلك يستحبونها متتابعات‏.‏

636- وأما حديثه في هذا الباب عن نافع عن بن عمر أنه كان يقول من استقاء وهو صائم فعليه القضاء ومن ذرعه القيء فليس عليه القضاء فقد روى هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا من حديث أبي هريرة رواه عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن يزيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه القضاء ومن استقاء فعليه القضاء أخبرنا عبد الله بن محمد أخبرنا محمد بن بكر أخبرنا أبو داود أخبرنا مسدد أخبرنا عيسى بن يونس وعيسى ثقة فاضل إلا أنه عند أهل الحديث قد وهم فيه وأنكروه عليه وقد زعم بعضهم أنه قد رواه حفص بن غياث عن هشام بن حسان بإسناده والله أعلم قال أبو عمر وقد رواه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن جده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن سعيد ضعيف لا يحتج به ورواه معاوية بن سلام وغيره عن يحيى بن كثير قال أخبرني عمر بن الحكم بن ثوبان أنه سمع أبا هريرة يقول إذا قاء أحدكم فلا يفطر فإنما يخرج ولا يدخل وهذا عندهم أصح موقوفا على أبي هريرة واختلف العلماء فيمن استقاء بعد إجماعهم على أن من ذرعه القيء فلا شيء عليه فقال مالك والثوري وأبو حنيفة وصاحباه والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق من استقاء عامدا فعليه القضاء قال أبو عمر على هذا جمهور العلماء فيمن استقاء أنه ليس عليه إلا القضاء روي ذلك عن عمر وعلي وبن عمر وأبي هريرة وجماعة من التابعين وهو قول بن شهاب قال أبو عمر ليس في قوله -عليه السلام- إن صح - ثلاث لا يفطرن الصائم القيء والحجامة والاحتلام حجة في هذا الباب لأنه يحتمل للتأويل في الاستقاءة ومن ذرعه القيء وقال الأوزاعي وأبو ثور عليه القضاء والكفارة مثل كفارة الآكل عمدا في رمضان وهو قول عطاء بن أبي رباح وحجة هؤلاء حديث الأوزاعي عن يعيش بن الوليد بن هشام أن أباه حدثه قال حدثني معدان فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فقلت إن أبا الدرداء حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قال صدق وأنا صببت له وضوءه وزاده عمر عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد بمعناه قالوا وإذا كان القيء يفطر الصائم فعلى من تعمده قياسا على من تعمد الأكل أو الشرب أو الجماع لأنه بهذه أو بواحدة منها يكون مفطرا ومن تعمد الإفطار فعليه القضاء والكفارة قال أبو عمر زعم محمد بن عيسى الترمذي وغيره أن حديث أبي الدرداء أصح من حديث أبي هريرة المرفوع في هذا الباب وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء رجل استقاء في رمضان قال يقضي ذلك اليوم ويكفر بما قال النبي صلى الله عليه وسلم قال وإن كان جاهلا أو ناسيا فلا قال بن جريج وقال مثل ذلك عمرو بن دينار وفي هذا الباب قال مالك من أكل أو شرب في رمضان ساهيا أو ناسيا أو ما كان من صيام واجب عليه أن عليه قضاء يوم مكانه هذا قوله في موطئه وقال أشهب عنه أحسن ما سمعت ثم ذكر معناه وقال الليث بن سعد كما قال مالك من أكل أو شرب أو جامع ناسيا فعليه القضاء وهو قول ربيعة وبن علية قال بن علية من أكل أو جامع ناسيا فإنما عليه القضاء لا غير ولا إثم عليه ولو تعمد أثم وكفر‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والحسن بن حي والثوري وبن أبي ذئب والأوزاعي وأبو ثور من جامع أو أكل أو شرب ناسيا في رمضان فلا قضاء عليه هذا قول الثوري في رواية الأشجعي وقد روي عن أبي حنيفة أنه قال لولا قول الناس لقلت يقضي وروى المعافري عن الثوري أنه قال إذا جامع ناسيا فليصم يوما مكانه وإن أكل أو شرب ولم يفطر فلا شيء عليه وقال أهل الظاهر من جامع ناسيا أو عامدا فعليه القضاء والكفارة وهو قول أحمد بن حنبل قال ليس في حديث أبي هريرة الفرق بين الناسي والعامد يريد حديث بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة موقوفا قال أحمد قال مجاهد في الرجل يطأ أهله في رمضان وهو ناس لا شيء عليه وقال عطاء ليس مثل هذا ينسى ولا يعذر فيه أحد قال أحمد وقول عطاء أحب إلي قال أحمد بن حنبل من أكل أو شرب ناسيا في رمضان فلا شيء عليه لا قضاء ولا كفارة وذهب فيه إلى حديث أبي هريرة ثم قال حدثنا محمد بن جعفر وروح بن عبادة قالا حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي رافع أنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أكل أو شرب في صومه ناسيا فليتم يومه قال أبو عمر أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا بن سلمة عن أيوب وحبيب بن الشهيد عن محمد بن سيرين قال قال رجل يا رسول الله ‏!‏ إني أكلت وشربت ناسيا في رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أطعمك وسقاك أتم صومك ولا شيء عليك‏.‏