فصل: باب فدية من حلق قبل أن ينحر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب فدية من أصاب شيئا من الجراد وهو محرم

904- مالك عن زيد بن أسلم أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين إني أصبت جرادات بسوطي وأنا محرم فقال له عمر أطعم قبضة من طعام‏.‏

905- مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فسأله عن جرادات قتلها وهو محرم فقال عمر لكعب تعال حتى نحكم فقال كعب درهم فقال عمر لكعب إنك لتجد الدراهم لتمرة خير من جرادة‏.‏

باب فدية من حلق قبل أن ينحر

906- مالك عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما فآذاه القمل في رأسه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه وقال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين مدين مدين لكل إنسان أو انسك بشاة أي ذلك فعلت أجزأ عنك هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك عن عبد الكريم عن بن أبي ليلى وتابعه بن بكير والقعنبي ومطرف والشافعي ومعن بن عيسى وسعيد بن عفير وعبد الله بن يوسف التنيسي وأبو مصعب الزبيري ومحمد بن المبارك الصوري ورواه بن وهب ومكي بن إبراهيم وبن القاسم عن مالك عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد عن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة والحديث محفوظ لمجاهد عن بن أبي ليلى ولم يلق عبد الكريم بن أبي ليلى‏.‏

907- مالك عن حميد بن قيس عن مجاهد عن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لعلك آذاك هوامك فقلت نعم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك بشاة وتابعه عليه القعنبي والشافعي وبن بكير وأبو مصعب وعتيق بن يعقوب وهو الصواب ورواه بن وهب وبن القاسم وبن عفير عن مالك عن حميد بن قيس عن مجاهد عن كعب بن عجرة سقط لهم بن أبي ليلى والحديث محفوظ لمجاهد عن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عند جماعة العلماء بالحديث وقد ذكرنا كثيرا من طرقه في التمهيد في باب حميد بن قيس والحمد لله‏.‏

908- مالك عن عطاء بن عبد الله الخرساني أنه قال حدثني شيخ بسوق البرم بالكوفة عن كعب بن عجرة أنه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنفخ تحت قدر لأصحابي وقد امتلأ رأسي ولحيتي قملا فأخذ بجبهتي ثم قال احلق هذا الشعر وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أنه ليس عندي ما أنسك به وليس في حديث حميد ذكر مقدار الطعام كما هو ولا في حديث عطاء وعبد الكريم والشيخ الذي روى عنه عطاء الخرساني هذا الحديث الذي لقيه بسوق البرم بالكوفة قيل هو عبد الرحمن بن أبي ليلى وقيل هو عبد الرحمن بن معقل بن مقرن وكلاهما كوفي يروي هذا الحديث ويعرف به وقد ذكرنا طرقه عنهما في باب حميد وباب عطاء الخرساني من التمهيد وذكرنا هنا اختلاف ألفاظ الناقلين لحديث كعب بن عجرة هذا مستوعبة في باب حميد بن قيس وأكثرها وردت بلفظ التخيير وهو نص القرآن في قوله تعالى ‏(‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

وعليه مضى عمل العلماء وقبولهم واختلف الفقهاء في مبلغ الإطعام في فدية الأذى فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم الإطعام في ذلك مدان مدان بمد النبي عليه السلام لكل مسكين ستة مساكين وهو قول أبي ثور وإسحاق وداود وروي عن الثوري أنه قال في الفدية من البر نصف صاع ومن التمر والشعير والزبيب صاع وروي عن أبي حنيفة أيضا مثله جعل نصفا من بر يعدل صاعا من تمر وشعير وهو أصله في الكفارات‏.‏

وقال أحمد بن حنبل مرة كما قال مالك والشافعي ومرة قال إن أطعم برا فمد لكل مسكين وإن أطعم تمرا فنصف صاع قال أبو عمر لم يختلف الفقهاء أن الإطعام لستة مساكين وأن الصيام ثلاثة أيام وأن النسك شاة على ما في حديث كعب بن عجرة إلا شيئا روي عن الحسن وعكرمة ونافع أنهم قالوا الإطعام لعشرة مساكين والصيام عشرة أيام ولم يتابعهم أحد من العلماء على ذلك كما في السنة في حديث كعب بن عجرة من خلافة قال الله تعالى ‏(‏ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

قال بن عباس المرض أن تكون برأسه قروح والأذى القمل وقال عطاء المرض الصداع والقمل وغيره قال أبو عمر حديث كعب بن عجرة أصل هذا الباب في معنى الآية عند العلماء حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن أحمد بن كامل قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال سمعت أحمد بن صالح يقول حديث كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها عند جماعة العلماء ولم يروها أحد من الصحابة غير كعب ولا رواها عن كعب إلا رجلان ثقتان من أهل الكوفة عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن معقل وهي سنة أخذها أهل المدينة وغيرهم عن أهل الكوفة قال بن شهاب سألت عنها علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يثبتوا كم عدة المساكين قال أبو عمر أجمعوا أن الفدية واجبة على من حلق رأسه من عذر وضرورة وأجمع العلماء على أنه إذا كان حلقه لرأسه من أجل ذلك فهو مخير في ما نص الله عليه من الصيام والصدقة والنسك واختلفوا في من حلق رأسه عامدا من غير ضرورة أو تطيب لغير ضرورة فقال مالك بئس ما فعل وعليه الفدية وهو مخير فيها إن شاء صام ثلاثة أيام وإن شاء ذبح شاة وإن شاء أطعم ستة مساكين مدين مدين من قوته أي ذلك شاء فعل ومن حجته أن السنة قد وردت في كعب بن عجرة في حلقه رأسه وقد أذاه هوامه ولو كان حكم الضرورة مخالفا لبينه عليه السلام ولما لم تسقط الفدية من غير ضرورة علم أن الضرورة وغيرها سواء‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور ليس بمخير إلا في الضرورة لشرط الله تعالى بقوله ‏(‏فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه البقرة‏)‏ فأما إذا حلق أو لبس أو تطيب عامدا من غير ضرورة فعليه دم لا غير واختلفوا في من حلق أو لبس أو تطيب عامدا من غير ضرورة فقال مالك العامد والناسي في ذلك سواء في وجوب الفدية وقال إسحاق وداود لا فدية عليهم في شيء من ذلك إن صنعه ناسيا وجمهور العلماء يوجبون الفدية على المحرم إذا حلق شعر جسده أو أطلى أو حلق موضع المحاجم وبعضهم يجعل عليه في ذلك كله دما ولا يجيز إلا في الضرورة وقال داود لا شيء عليه في حلق شعر جسده واختلفوا في موضع الفدية فقال مالك يفعل من ذلك ما شاء أين شاء بمكة أو بغيرها وإن شاء ببلده سواء عنده في ذلك ذبح النسك والإطعام والصيام وهو قول مجاهد والذبح عند مالك ها هنا سنة وليس بهدي قال الهدي لا يكون إلا بمكة والنسك يكون حيث شاء وحجته في أن النسك جائز أن يكون بغير مكة حديث عن يحيى بن سعيد عن يعقوب بن خالد المخزومي عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر أنه أخبره أنه كان مع عبد الله بن جعفر وخرج معه من المدينة فمروا على حسين بن علي وهو مريض بالسقيا فأقام عليه عبد الله بن جعفر حتى إذا خاف الموت خرج وبعث إلى علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وهما بالمدينة فقدما عليه ثم إن حسينا أشار إلى رأسه فأشار علي بحلق رأسه ثم نسك عنه بالسقيا فنحر عنه بعيرا فهذا أوضح في أن الدم في فدية الأذى جائز أن يهراق بغير مكة وجائز عند مالك في الهدي إذا نحر في الحرم أن يعطاه غير أهل الحرم لأن البغية فيه إطعام المساكين ولم يختلفوا أن الصوم جائز أن يؤتى به في غير الحرم‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي الدم والإطعام لا يجزئ إلا بمكة والصوم حيث شاء لأنه لا منفعة في الصوم لجيران بيت الله من أهل مكة والحرم وهو قول طاوس وقال عطاء ما كان من دم فبمكة وما كان من إطعام أو صيام فحيث شاء وعن أبي حنيفة وأصحابه مثله ولم يختلف قول الشافعي أن الدم والإطعام لا يجزئ إلا لمساكين الحرم قال أبو عمر لا يوجب مالك الفدية إلا على من حلق قبل أن يرمي‏.‏

وأما من حلق قبل أن ينحر فلا شيء عليه عنده‏.‏

وقال أبو حنيفة من حلق قبل أن ينحر أو قبل أن يرمي فعليه الفدية‏.‏

وقال الشافعي إن حلق قبل أن يرمي أو قبل أن ينحر فلا شيء عليه وسنزيد هذه المسألة بيانا في باب جامع الحج إن شاء الله عز وجل‏.‏

باب ما يفعل من نسي من نسكه شيئا

909- مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس قال من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما قال أيوب لا أدري قال ترك أو نسي قال مالك ما كان من ذلك هديا فلا يكون إلا بمكة وما كان من ذلك نسكا فهو يكون حيث أحب صاحب النسك قال أبو عمر ليس في هذا الباب معنى إلا وقد تقدم مجودا والحمد لله وفيه أن من أسقط شيئا من سنن الحج خيره بالدم لا غير إلا ما أتى فيه الخبر نصا أن يكون البدل فيه من الدم طعاما أو صياما هذا حكم سنن الحج‏.‏

وأما فرائضه فلا بد من الإتيان بها على ما تقدم من حكمها وربما كان مع ذلك دم لتأخير العمل عن موضعه ونحو ذلك مما قد مضت وجوهه واضحة والحمد لله وقد مضى في باب طواف الحائض حكم طواف الوداع وهل على من تركه دم واختلاف العلماء في ذلك والحمد لله‏.‏

باب جامع الفدية

910- مالك فيمن أراد أن يلبس شيئا من الثياب التي لا ينبغي له أن يلبسها وهو محرم أو يقصر شعره أو يمس طيبا من غير ضرورة ليسارة مؤنة الفدية عليه قال لا ينبغي لأحد أن يفعل ذلك وإنما أرخص فيه للضرورة وعلى من فعل ذلك الفدية قال أبو عمر قد تقدم من مذهبه أن العامد وإن كان مسيئا في فعله ذلك فإنه مخير مع ذلك في الفدية التي وردت فيمن حلق لضرورة وإن كان ذلك مكروها لمن فعله وتقدم قول غيره في ذلك بما لا وجه لإعادته وأهل العلم مجمعون على كراهية ما كره مالك من ذلك وسئل مالك عن الفدية من الصيام أو الصدقة أو النسك أصاحبه بالخيار في ذلك وما النسك وكم الطعام وبأي مد هو وكم الصيام وهل يؤخر شيئا من ذلك أم يفعله في فوره ذلك قال مالك كل شيء في كتاب الله في الكفارات كذا أو كذا فصاحبه مخير في ذلك أي شيء أحب أن يفعل ذلك فعل قال‏.‏

وأما النسك فشاة‏.‏

وأما الصيام فثلاثة أيام‏.‏

وأما الطعام فيطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان بالمد الأول مد النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قد تقدم القول في قتل الصيد خطأ أو عمدا وما للسلف والخلف في ذلك من المذاهب والتنازع في باب فدية ما أصيب من الطير والوحش فلا معنى لإعادة ذلك هنا وفي قول مالك سمعت بعض أهل العلم دليل على علمه بالخلاف في ذلك فأما قوله وكذلك الحلال يرمي في الحرم ففيه إجماع واختلاف فالإجماع أن فيه الجزاء على حسب ما تقدم من اختلافهم في العمد والخطأ‏.‏

وأما الاختلاف فقال مالك هو مخير في الهدي والصيام والإطعام وهو قول الشافعي‏.‏

وقال أبو حنيفة إذا قتل الحلال صيدا في الحرم فعليه الهدي والإطعام ولا يجزئه الصيام وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف أن الهدي لا يجزئه أيضا إلا أن يكون قيمته مذبوحا قيمة الصيد قال مالك في القوم يصيبون الصيد جميعا وهم محرمون أو في الحرم قال أرى أن على كل إنسان منهم جزاءه إن حكم عليهم بالهدي فعلى كل إنسان منهم هدي وإن حكم عليهم بالصيام كان على كل إنسان منهم الصيام ومثل ذلك القوم يقتلون الرجل خطأ فتكون كفارة ذلك عتق رقبة على كل إنسان منهم أو صيام شهرين متتابعين على كل إنسان منهم قال أبو عمر اختلف العلماء في الجماعة يشتركون في قتل الصيد وهم محرمون أو محلون فقال مالك ما ذكرنا وهو قول الحسن بن صالح والثوري قياسا على الكفارة في قتل الخطأ وذلك إجماع‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قتل جماعة محرمون صيدا فعلى كل واحد منهم جزاء كامل فإن قتل محلون صيدا في الحرم فعلى جماعتهم جزاء واحد‏.‏

وقال الشافعي عليهم جزاء واحد كانوا محرمين أو كانوا محلين في الحرم قياسا على الدية وذلك إجماع لأن الله تعالى يقول ‏(‏فجزاء مثل ما قتل من النعم‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏‏.‏

والمثل البدل لا الإبدال قال مالك من رمى صيدا أو صاده بعد رميه الجمرة وحلاق رأسه غير أنه لم يفض إن عليه جزاء ذلك الصيد لأن الله تبارك وتعالى قال ‏(‏وإذا حللتم فاصطادوا‏)‏ ‏[‏المائدة 2‏]‏‏.‏

ومن لم يفض فقد بقي عليه مس الطيب والنساء قال أبو عمر هذه المسألة قد مرت ومر القول فيها في باب الإفاضة عند قول عمر بن الخطاب من رمى الجمرة فقد حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء أو الطيب وذكرنا هناك اختلاف العلماء في هذا المعنى مجودا والحمد لله قال مالك ليس على المحرم فيما قطع من الشجر في الحرم شيء ولم يبلغنا أن أحدا حكم عليه فيه بشيء وبئس ما صنع قال أبو عمر اختلف العلماء فيما على من قطع شيئا من شجر الحرم فقال مالك ما ذكرنا في الموطأ وروى بن وهب عنه أنه ذكر له ما يقول أهل مكة في الدوحة بقرة وفي كل غصن شاة فقال لم يثبت ذلك عندنا ولا نعلم في قطع الشجر شيئا معلوما غير أنه لا يجوز لمحرم ولا لحلال أن يقطع شيئا من شجر الحرم ولايكسره‏.‏

وقال الشافعي إن قطع شجرة فإنما هي تبع لأهلها ولا أنظر إلى فرعها فإن كان أصلها في الحل لم يجزها وإن كان في الحرم جزاها وفي الدوحة بقرة وفيما دونها شاة قال وهذا في شجر الحرم خاصة وسواء قطعه محرم أو حلال‏.‏

وأما إذا قطع المحرم أو غير المحرم من شجر الحرم شيئا فلا فدية عليه‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد كل شيء أنبته الناس فلا شيء على قاطعه وكل شيء لم ينبته الناس فقطعه رجل فعليه قيمته بالغة ما بلغت فإن بلغت هديا كان بمكة فإن لم تبلغ هديا فالصدقة حيث شاء ولا يجوز فيها صيام والصدقة عند أبي حنيفة نصف صاع حنطة لكل مسكين قال أبو عمر هذا لا يطرد لمالك في فتواه وأصوله ولا لمن قال بالقياس‏.‏

وقال مالك في الذي يجهل أو ينسى صيام ثلاثة أيام في الحج أو مرض فيها فلا يصومها حتى يقدم بلده قال ليهد إن وجد هديا وإلا فليصم ثلاثة أيام وسبعة بعد ذلك وهو قول عطاء والحسن البصري وبه قال أبو ثور قال سعيد بن جبير وقتادة يصوم السبعة في بلده ويطعم عن الثلاثة‏.‏

وقال أبو حنيفة إن انقضى يوم عرفة ولم يصم الثلاثة الأيام فعليه دم ولا يجزئه غيره ولا يصوم أيام منى‏.‏

وقال الشافعي إن رجع إلى بلده ولم يكن صام الثلاثة الأيام صامها في بلده وتصدق عن كل يوم بمد وصام السبعة في بلده لا يجب عليه إلا بعد الرجوع فإن رجع ومات ولم يصم الثلاثة ولا السبعة تصدق عليه في الثلاثة وما أمكنه صومه من السبعة فتركه إن أمكن صومه من السبعة فتركه إن أمكنه صومه كلها فلم يصمها حتى مات تصدق عنه بمد عن كل يوم‏.‏

وقال أبو ثور فيها بقول مالك حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن جبير في رجل تمتع ولم يجد الهدي وفاته الصوم في العشر قال يصوم السبعة ويطعم عن الثلاثة وهو قول قتادة وحجة أبي حنيفة ما قاله بن عباس من ترك من نسكه شيئا فليهرق دما وصوم الثلاثة أيام في الحج من مناسك الحج وحجة مالك أن الصيام بكل مكان سواء وإن أهدى فحسن ورواه بن جريج عن عطاء وهشام عن الحسن في المتمتع لا يصوم الثلاثة الأيام في العشر وهو لم يهد حتى رجع إلى أهله قالا يصوم الثلاثة والسبعة بمصره والله الموفق‏.‏

باب جامع الحج

911- مالك عن بن شهاب عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس بمنى والناس يسألونه فجاءه رجل فقال له يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انحر ولا حرج ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج قال فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج قال أبو عمر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في حجته رمى الجمرة يوم النحر ثم نحر بدنة ثم حلق رأسه وأجمع العلماء أن هذه سنة الحاج أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر ثم ينحر هديا إن كان معه ثم يحلق رأسه فمن شاء قدم شيئا من ذلك عن رتبته فللعلماء في ذلك ما أصفه إن شاء الله قال مالك من حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة فعليه الفدية قال أبو عمر لأنه حرام عليه أن يمس من شعره شيئا أو يلبس أو يمس طيبا حتى يرمي جمرة العقبة وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على من حلق رأسه قبل محله من ضرورة بالفدية فكيف من غير ضرورة وقال بن القاسم‏.‏

وقال مالك من حلق قبل أن يذبح فلا شيء عليه قال وكذلك إن ذبح قبل أن يرمي يجزئه ولا شيء عليه لأن الهدي قد بلغ محله وذلك يوم النحر كما لو نحر المعتمر بمكة هديا ساقه قبل أن يطوف بعمرته وقال بن عبد الحكم عن مالك في من طاف طواف الإفاضة قبل أن يرمي الجمرة يوم النحر أنه يرمي ثم يحلق رأسه ثم يعيد الطواف قال ومن رمى ثم طاف قبل الحلاق حلق رأسه وأعاد الطواف قال أبو عمر روي عن إبراهيم وجابر بن زيد مثل قول مالك في إيجاب الفدية على من حلق قبل أن يرمي وهو قول الكوفيين‏.‏

وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود والطبري لا شيء على من حلق قبل أن يرمي ولا على من قدم شيئا أو أخره من رمي أو نحر أو حلاق أو طواف ساهيا - مما يفعل يوم النحر وحجتهم حديث عبد الله بن عمرو المذكور في أول هذا الباب قوله فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج وحديث عطاء عن بن عباس أن النبي عليه السلام سئل يوم النحر عن رجل حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يرمي أو أشباه هذا فأكثروا في التقديم والتأخير فما سئل عن شيء من هذا إلا قال لا حرج لا حرج وقال عطاء من قدم نسكا على نسك فلا حرج وروي ذلك عن سعيد بن جبير وطاوس ومجاهد وعكرمة وقتادة‏.‏

وأما اختلافهم في من حلق قبل أن يذبح فجمهور العلماء على أنه لا شيء عليه كذلك قال عطاء وطاوس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن وقتادة وهو قول مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وداود وإسحاق والطبري وقال النخعي من حلق قبل أن ينحر أهراق دما وبه قال أبو حنيفة قال وإن كان قارنا فعليه دمان دم للقران ودم للحلاق وقال زفر عليه ثلاثة دماء للقران ودمان للحلاق قبل النحر وقال جابر بن زيد من حلق قبل أن ينحر عليه الفدية قال أبو عمر لا أعلم خلافا في من نحر قبل أن يرمي أنه لا شيء عليه وذلك والله أعلم لأن الهدي قد بلغ محله ولأنه منصوص عليه في الحديث نحرت قبل أرمي فقال رسول الله ارم ولا حرج قال أبو عمر روى بن عيينة عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو حديث هذا الباب فلم يقل فيه لم أشعر وقد ذكره مالك وهي لفظة فيها من الفقه أن الرجل فعل ذلك ساهيا فقيل له لا حرج وقد جاء معمر بمعنى هذه اللفظة في معنى هذا الحديث فقال فيه بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال رأيت رسول الله واقفا على راحلته بمنى فأتاه رجل فقال يا رسول الله إني كنت أرى أن الذبح قبل الرمي فذبحت قال ارم ولا حرج فما سئل عن شيء قدمه رجل قبل شيء إلا قال افعل ولا حرج قال أبو عمر ولا أعلم لأهل العلم جوابا في المتعمد في ذلك ولو كان مخالفا للجاهل والساهي لفرقوا بينه في أجوبتهم وفي كتبهم والله أعلم إلا أن بن عباس روي عنه أنه قال من قدم من نسكه شيئا أو أخره فليهرق لذلك دما ولم يفرق بين ساه ولا عامد وليست الرواية عنه بذلك بالقوية وعن سعيد بن جبير وقتادة مثل ذلك وقد ذكرنا مذهبهم في من قدم الإفاضة قبل الرمي والحلق أنه تلزمه إعادة الطواف‏.‏

وقال الشافعي ومن تابعه لا إعادة في الطواف وقال الأوزاعي إنما طاف للإفاضة قبل أن يرمي جمرة العقبة ثم واقع أهله إهراق دما وقد ذكرنا هذه المسألة وما كان مثلها في موضعها من كتابنا هذا والحمد لله‏.‏

912- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده روى هذا الحديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة ثم ذكر مثله سواء وليس في هذا الحديث إلا الحض على شكر الله للمسافر على أوبته ورجعته وشكر الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله واجب على كل مؤمن لازم له بدليل قوله تعالى ‏(‏فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون‏)‏ ‏[‏البقرة 152‏]‏‏.‏

ومن الشكر الاعتراف بالنعمة فنعمة الله عظيمة ومعنى أيبون راجعون ومعنى تائبون أي من الشرك والكفر عائدون بما افترضه عليهم ورضيه منهم ساجدون لوجهه لا لغيره حامدون على ذلك كله وقوله صدق الله وعده فيما كان وعده من ظهور دينه وذلك كله اعتراف بالنعمة وشكر لها وفيه من الخبر أن غزوة الخندق وهي غزوة الأحزاب نصر الله فيها المؤمنين بريح وجنود لم يروها ولم يكن فيها لآدمي صنع فلذلك قال ‏(‏وهزم الأحزاب وحده‏)‏‏.‏

913- مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى عبد الله بن عباس عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهي في محفتها فقيل لها هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بضبعي صبي كان معها فقالت ألهذا حج يا رسول الله قال نعم ولك أجر هكذا روى يحيى هذا الحديث مرسلا وتابعه أكثر الرواة للموطأ ورواه بن وهب وأبو مصعب والشافعي وبن عثمة وعبد الله بن يونس التنيسي عن مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى بن عباس عن بن عباس عن النبي عليه السلام وقد ذكرنا في التمهيد الاختلاف على إبراهيم بن عقبة وعلى محمد بن عقبة أيضا في هذا الحديث وهو حديث مسند صحيح لأنه حديث قد أسنده ثقات ليسوا بدون من قطعه والمحفة شبيهة بالهودج وقيل لا غطاء عليها والضبع باطن الساعد وفي هذا الحديث من الفقه الحج بالصبيان وأجازه جماعة العلماء بالحجاز والعراق والشام ومصر وخالفهم في ذلك أهل البدع فلم يرو الحج بهم وقولهم مهجور عند العلماء لأن النبي عليه الصلاة والسلام حج بأغيلمة بني عبد المطلب وقال في الصبي له حج وللذي يحجه أجر وحج أبو بكر بابن الزبير في خرقة قال عمر تكتب للصبي حسناته ولا تكتب عليه السيئات وحج السلف قديما وحديثا بالصبيان والأطفال يعرضونهم لرحمة الله وروى أبو داود قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشرا فاضربوه عليها فكما تكون له صلاة وليست عليه كذلك يكون له حج وليس عليه وأكثر أهل العلم يرون الزكاة في أموال اليتامى ومحال ألا يؤجروا عليها فالقلم إنما هو مرفوع عنهم فيما أساءوا في أنفسهم ألا ترى أن ما أتلفوه من الأموال ضمنوه وكذلك الدماء عمدهم فيها خطأ يؤديه عنهم من يؤديه عن الكبار في خطئهم وأجمع العلماء أن من حج صغيرا قبل البلوغ أو حج به طفلا ثم بلغ لم يجزه ذلك عن حجة الإسلام وقد شذت فرقة فأجازوا له حجة بهذا الحديث وليس عند أهل العلم بشيء لأن الغرض لا يؤدي إلا بعد الوجوب وهذا بن عباس هو الذي روى هذا الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو الذي كان يفتي بالصبي يحج ثم يحتلم قال يحج حجة الإسلام وفي المملوك يحج ثم يعتق قال عليه الحج ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي السفر عن بن عباس وعن بن عيينة عن مطرف عن بن عباس مثله وعن الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان عن بن عباس مثله وعلى هذا جماعة علماء الأمصار إلا داود بن علي فإنه خالفه في المملوك فقال يجزئه حجة الإسلام ولا يجزئ الصبي وذكر عبد الرزاق عن بن جريج أنه أخبره عن عطاء قال يقضي حجة الصغير عنه فإذا بلغ فعليه حجة واجبة قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن بن طاوس عن أبيه مثله واختلف الفقهاء في المراهق والعبد يحرمان بالحج ثم يحتلم هذا ويعتق هذا قبل الوقوف بعرفة فقال مالك لا سبيل إلى رفض الإحرامين لهذين ولا لأحد ويتماديان على إحرامهما ولا يجزئهما حجهما ذلك عن حجة الإسلام‏.‏

وقال الشافعي إذا أحرم الصبي ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة فوقف بها محرما أجزأه ذلك من حجة الإسلام ولم يحتج واحد منهما إلى تجديد إحرامه‏.‏

وقال أبو حنيفة إذا أحرم الصبي ثم بلغ في حال إحرام فإن جدد إحراما قبل وقوفه بعرفة أجزأه وإن لم يجدد إحراما لم يجزئه قال‏.‏

وأما العبد فلا يجزئه من حجة الإسلام وإن جدد إحراما وقد ذكرنا وجه قول كل واحد منهم وحجته في التمهيد‏.‏

وقال مالك يحج بالصغير ويجرد بالإحرام ويمنع من الطيب ومن كل ما يمنع منه الكبير فإن قوي على الطواف والسعي ورمي الجمار وإلا طيف به محمولا ورمي عنه وإن أصاب صيدا فدي عنه وإن احتاج إلى ما يحتاج إليه الكبير فعل به ذلك وفدي عنه وهذا كله قول الشافعي وأبي حنيفة وجماعة الفقهاء إلا أن أبا حنيفة قال لا جزاء عليه في صيد ولا فدية عليه في لباس ولا طيب وقال بن القاسم تجريده يغني عن التلبية عنه لا يلبي عنه أحد إلا أن يتكلم فيلبي عن نفسه قال‏.‏

وقال مالك لا يطوف به أحد لم يطف طوافه الواجب لأنه يدخل طوافين في طواف وقال بن القاسم عن مالك أرى أن يطوف لنفسه ثم يطوف للصبي ولا يركع عنه ولا شيء على الصبي في ركعتيه ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال كانوا يحجون إذا حج الصبي أن يجردوه وأن يجنبوه الطيب إذا أحرم وأن يلبي عنه إذا كان لا يقدر على التلبية قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن الزهري قال يحج بالصبي ويرمى عنه ويجنب ما يجنبه الكبير من الطيب ولا يخمر رأسه ويهدي عنه إن تمتع‏.‏

14- مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما أري يوم بدر قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة إبراهيم بن أبي عبلة رجل من بني عقيل وقيل تميم والأول أكثر يكنى أبا إسحاق وقيل أبا إسماعيل ثقة أدرك طائفة من الصحابة وعمر عمرا طويلا وهو معدود في الشاميين وطلحة بن عبيد الله بن كريز خزاعي تابعي شامي ثقة وكريز بفتح الكاف في خزاعة وكريز بضمها في عبد شمس بن عبد مناف من قريش وليس في هذا الحديث أكثر من الترغيب في شهود عرفة والتعريف بفضل ذلك الموقف وفي ذلك من فضل الحج مافيه وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج المبرور ليس له جزاء إلا في الجنة كفاية وقال عليه السلام من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقد ذكرنا في التمهيد عند ذكر حديث عبد الله بن أبي عبلة هذا من فضل شهود عرفات في الحج ما فيه شفاء واكتفاء والحمد لله كذلك أتينا من الشواهد على معنى قوله يزع الملائكة في التمهيد أيضا بما لا مزيد فيه ومختصر ذلك أن الوازع هو المانع الذي يكف وهو هذا الحديث بمعنى يعبئهم ويرتبهم للقتال ويصفهم ويمنع من أن يشف بعضهم بعضا ويخرج بعضهم عن بعض قال الشاعر‏:‏

ولا يزع النفس اللجوج عن الهوى *** من الناس إلا وافر العقل كامله

915- مالك عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له وقد ذكرنا هذا الحديث مسندا في التمهيد وفيه فضل الدعاء وفضل يوم عرفة وفي ذلك دليل على فضل الأيام على بعض وقد جاء في فضل يوم الجمعة وفضل يوم عاشوراء وعرفة أحاديث صحاح ثابتة وفيه تفضيل لا إله إلا الله على سائر الكلام وقد اختلفت الآثار في ذلك عن النبي عليه السلام فمنها ما جاء بتفضيل الحمد لله ومنها ما جاء بتفضيل سبحان الله وقد ذكرنا ذلك كله في التمهيد وذكرنا من دعائه يوم عرفة أنواعا منها من حديث علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء يوم عرفة بعرفة فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري أعوذ بك من وساوس الصدر وفتنة القبر ومن شر ما تهب به الرياح ومن شر ما يأتي به الليل والنهار وسئل بن عيينة ما كان أكثر قول النبي عليه السلام بعرفة فقال سبحان الله والحمد لله والله أكبر قال سفيان إنما هو ذكر وليس بدعاء أما علمت أن الله تعالى يقول إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين قال قلت نعم حدثتني أنت يا أبا محمد عن منصور عن مالك بن الحارث‏.‏

وحدثني عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور عن مالك بن الحارث قال هذا تفسيره ثم قال أما علمت قول أمية بن أبي الصلت حين أتى بن جدعان يطلب نائلة وفضلة قلت لا قال قال أمية حين أتى بن جدعان‏:‏

أأطلب حاجتي أم قد كفاني *** إذا أثنى عليك المرء يوم

حياؤك إن شيمتك الحياء *** كفاه من تعرضك الثناء

قال سفيان رحمه الله هذا مخلوق حين ينسب إلى أن يكتفي بالثناء عليه دون مسألته فكيف بالخالق تبارك وتعالى ‏!‏‏.‏

وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا بن أبي عمر العدني حدثنا سفيان بن عيينة قال قال لي عبد العزيز بن عمر كنت أتمنى أن ألقي الزهري فرأيته في النوم بعد موته عند الحدادين فقلت يا أبا بكر هل من دعوة قال نعم لا إله إلا الله وحده لا شريك له توكلت على الحي الذي لا يموت اللهم إني أسألك أن تعيذني وذريتي من الشيطان الرجيم قال أبو عمر فهذا كله يدل على أن الثناء دعاء ويفسر معنى حديث هذا الباب والله الموفق للصواب‏.‏

916- مالك عن بن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال له يا رسول الله بن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوه قال مالك ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ محرما والله أعلم قال أبو عمر حديث مالك عن بن شهاب عن أنس هذا انفرد به مالك عن بن شهاب لم يروه عن بن شهاب أحد غيره من وجه صحيح وقد روي من وجوه لا تصح والصحيح فيه انفراد مالك عن بن شهاب وقد ذكرنا بعض طرقه والاختلاف في ألفاظه في التمهيد وقال بعضهم فيه مغفر من حديد روى زيد بن الحباب وإبراهيم بن علي الغزي عن مالك عن بن شهاب عن أنس أن بن خطل كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى شبابة بن سوار عن مالك عن الزهري عن انس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من رأى منكم بن خطل فليقتله وزعم أصحابنا أن هذا أصل في قتل الذمي إذا سب النبي عليه السلام وهذا غلط لأن بن خطل كان حربيا في دار الحرب لم يدخله رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمان أهل مكة بل استثناه من ذلك الأمان ومعلوم انهم كانوا كلهم أو أكثرهم على سب النبي عليه السلام ولم يجعل لابن خطل أمانا لأن أمره عليه السلام بقتل بن خطل خرج من الأمان لأهل مكة مخرجا واحدا في وقت واحد بذلك وردت الآثار وهو معروف عند أهل السير والوجه في قتل بن خطل أن الله تعالى أمر بقتل المشركين حيث وجدوا وقال ‏(‏فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم‏)‏ ‏[‏الأنفال 57‏]‏‏.‏

وجعل لهم مع ذلك إذا قدر عليهم المن إن شاء وإن شاء الفداء وليس هذا موضع ذكر وجوه ذلك ولما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم الله ذلك صنع ما أذن الله له فيه وكان سبب قتله والله أعلم ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن بن إسحاق قال‏.‏

وأما قتل عبد الله بن خطل فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه وهو رجل من بني تيم بن غالب قال وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه بعثه مصدقا وكان مسلما وبعث معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى له يخدمه وكان مسلما فنزل بن خطل منزلا وأمر المولى أن يذبح له شاة ويصنع له طعاما فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا قال أبو عمر فهذا القتل قود من مسلم ومثل هذا قصة مقيس بن صبابة قتل مسلما بعد أخذ الدية وهو أيضا مما هدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه في حين دخوله مكة كذا حدثنا سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثني أسباط بن نصر قال زعم السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال لما كان فتح يوم مكة أمن رسول الله أهل مكة إلا أربعة نفر وامرأتين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشد الرجلين فقتله وذكر تمام الخبر في التمهيد قال أبو عمر كان هذا كله من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في الساعة التي خلت له من ذلك النهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة ولهذا والله أعلم لم يدخلها رسول الله محرما‏.‏

917- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة حتى إذا كان بقديد جاءه خبر من المدينة فرجع فدخل مكة بغير إحرام ومالك عن بن شهاب بمثل ذلك وتعلق بذلك داود بن علي فقال جائز أن تدخل مكة بغير إحرام وخالفه أكثر العلماء في ذلك وذكر عن الشافعي والمشهور عن وقد روى أشعث عن الحسن مثله ذكر الساجي قال حدثنا محمد بن الحرشي قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا أشعث عن الحسن أنه كان يكره أن تدخل مكة بغير إحرام ورواه بن القاسم وغيره عن مالك قال أبو عمر الحجة لمن قال لا يدخل أحد مكة إلا محرما إلا الحطابين ومن يد من التكرر إليها لإجماعهم أن من نذر مشيا إلى بيت الله أنه لا يدخله إلا محرما بحج أو عمرة لأنه بلد حرام وقال طاوس ما دخل رسول الله قط مكة إلا محرما إلا يوم الفتح قال أبو عمر اختلف العلماء فيما يجب على من دخل مكة بغير إحرام فقال مالك والليث والشافعي لا يدخلها أحد من أهل الآفاق إلا محرما فإن لم يفعل فقد أساء ولا شيء عليه وبه قال أبو ثور‏.‏

وقال الشافعي لا يجب على من دخل مكة بغير إحرام حج ولا عمرة لأن الحج والعمرة لا يجبان إلا على من نواهما وأحرم بهما ولكن سنة الله في عباده أن لا يدخل الحرم إلا حراما وقال أبو يوسف وأبو حنيفة ومحمد لا يدخل أحد مكة بغير إحرام فإن دخلها أحد غير محرم فعليه حجة أو عمرة وهو قول الثوري إلا أنه قال فإن لم يحج ولم يعتمر قيل له استغفر الله وهو قول عطاء والحسن بن حي‏.‏

918- مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي عن محمد بن عمران الأنصاري عن أبيه أنه قال عدل إلي عبد الله بن عمر وأنا نازل تحت سرحة بطريق مكة فقال ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت أردت ظلها فقال هل غير ذلك فقلت لا ما أنزلني إلا ذلك فقال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت بين الأخشبين من منى ونفخ بيده نحو المشرق فإن هناك واديا يقال له السرر به شجرة سر تحتها سبعون نبيا قد مضى القول في محمد بن عمران وفي أبيه التمهيد والسرحة الشجرة قال الخليل السرح الشجر الطوال الذي له شعب وظل واحدته سرحة ونفح بيده أشار والسرر والأخشاب الجبلان وكذلك الأخاشب الجبال وقال بن وهب أراد بقوله الأخشبين من منى الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد وقال إسماعيل يقال إن الأخشبين اسم لجبال مكة ومنى خاصة قال أبو عمر أنشد بن هشام لأبي قيس بن الأسلت‏:‏

فقوموا وصلوا ربكم وتمسحوا *** بأركان هذا البيت بين الأخاشب

وقال العامري في بيعة بن الزبير‏:‏

ويبايع بين الأخشبين وإنما *** يد الله بين الأخشبين تبايع

هذا الحديث دليل على التبرك بمواضع الأنبياء والصالحين ومساكنهم وآثارهم وإلى هذا قصد بن عمر بحديثه هذا والله أعلم وفيه أيضا إباحة الحديث بكل ما يسمع من بني إسرائيل والأمم السالفة لأنه لا حكم فيه يجب وكذلك لا حكم في هذا الحديث من أحكام الشريعة‏.‏

919- مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن بن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب مر بامرأة مجذومة وهي تطوف بالبيت فقال لها يا أمة الله لا تؤذي الناس لو جلست في بيتك فجلست فمر بها رجل بعد ذلك فقال لها إن الذي كان قد نهاك قد مات فاخرجي فقالت ما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا وفي هذا الحديث من الفقه الحكم بأن يحال بين المجذومين وبين اختلاطهم بالناس لما في ذلك من الأذى لهم وأذى المؤمن والجار لا يحل وإذا كان آكل الثوم يؤمر باجتناب المسجد وكان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما أخرج إلى البقيع فما ظنك بالجذام وهو عند بعض الناس يعدي وعند جميعهم يؤذي‏.‏

وأما قول عمر للمرأة لو جلست في بيتك بعد أن أخبرها أنها تؤذي الناس فإن ذلك كان منه والله أعلم من لين القول لها والتعريض بأنه لم يكن يقدم إليها ورحمها بالبلاء الذي نزل بها فرق لها وكان أيضا من مذهبه أنه كان لا يعتقد أن شيئا يعدي وقد كان يجالس معيقيب الدوسي وكان على بيت ماله وكان يؤاكله وربما وضع فمه من الإناء على ما يضع عليه معيقيب فمه وقد ذكرنا الخبر بذلك في صدر كتاب التمهيد فلهذا والله أعلم لم يزجرها ولم ينهها وأشار إليها إشارة كانت منها مقبولة ولعله لم تخطئ فراسته فيها فأطاعته حيا وميتا‏.‏

920- مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما بين الركن والباب الملتزم قال أبو عمر رواية عبيد الله عن أبيه ما بين الركن والمقام الملتزم خطأ لم يتابعوا عليه وأمر بن وضا ح برده ما بين الركن والباب وهوالصواب وكذلك الرواية في الموطأ وغيره وهو الركن الأسود وباب البيت كذلك فسر الخزاعي الملتزم وذكر حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلصق وجهه وصدره بالملتزم وروى عباد بن كثير عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس قال الملتزم والمدعا والمتعوذ ما بين الحجر والباب قال أبو الزبير دعوت الله هناك بدعاء فاستجيب لي وقد روي عن النبي عليه السلام أحاديث فيما يرغب في الصلاة والذكر والدعاء بين الركن والمقام وكان بن عباس كثيرا ما يدعو بين الركن المقام وكان من دعائه فيه اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف علي كل عائبة لي بخير وروى القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز وجعفر بن محمد وأيوب السختياني وحميد الطويل أنهم كانوا يلتزمون ظهر البيت من الركن اليماني والباب المؤخر وقال إن ذلك ملتزم أيضا وهذا خلاف ما تقدم وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال ذلك الملتزم وهو المتعوذ فكأنه جعل ذلك موضع رغبة وهذا موضع استعاذة وعلى ذلك ترك ألفاظ الأخبار عن القاسم بن محمد ومن ذكرنا معه على أنه موضع استعاذة‏.‏

921- مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أنه سمعه يذكر أن رجلا مر على أبي ذر بالربذة وأن أبا ذر سأله أين تريد فقال أردت الحج فقال هل نزعك غيره فقال لا قال فأتنف العمل قال الرجل فخرجت حتى قدمت مكة فمكثت ما شاء الله ثم إذا أنا بالناس منقصفين على رجل فضاغطت عليه الناس فإذا أنا بالشيخ الذي وجدت بالربذة يعني أبا ذر قال فلما رآني عرفني قال أبو عمر في هذا الخبر ما كان عليه أبو ذر من العلم والفقه‏.‏

وأما زهده وعبادته فقد ذهب فيها مثلا سئل علي عن أبي ذر فقال وعي علما عجز الناس عنه ثم أوكأ عليه فلم يخرج شيئا منه ومعلوم أن قول أبي ذر للرجل لا يكون مثله رأيا وإنما يدرك مثله بالتوقيف من النبي عليه السلام وفي هذا الحديث ما يدل أن الله قد رضي من عباده بقصد بيته مرة في عمر العبد ليحط أوزاره بذلك ويغفر ذنوبه ويخرج منها كيوم ولدته أمه كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وقال من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ذكر إسحاق الأزرق عن شريك عن أبي إسحاق عن مالك بن دينار قال حججنا فلما قضينا نسكنا مررنا بأبي ذر فقال لنا استأنفوا العمل فقد كفيتم ما مضى حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أبي ميسرة قال حدثنا بن أبي أويس قال حدثني أبي عن عم أبيه قال حدثنا قاسم بن أبي ميسرة عن ربيع بن مالك عن أبيه عن جعونة بن سعوب الليثي قال خرجت مع عمر بن الخطاب فنظر إلى ركب صادرين من الحج فقال لو يعلم الركب ما ينقلبون به من الفضل بعد المغفرة لا يكلفوا ولكن ليستأنفوا العمل وإذا كان هذا فليأتنف العمل كل من حج حجا مبرورا فطوبى لمن وقف بعد ذلك العمل الصالح روى سفيان الثوري أنه قال لمن سأله حين دفع الناس من عرفة إلى المزدلفة عن أخسر الناس صفقة وهو يعرض بأهل الفسق والظلمة فقال أخسر الناس صفقة من ظن أن الله لا يغفر لهؤلاء‏.‏

922- مالك أنه سأل بن شهاب عن الاستثناء في الحج فقال أو يصنع ذلك أحد وأنكر ذلك قال أبو عمر يريد بقوله الاستثناء أن يشترط ويستثني فيقول عند إحرامه لبيك اللهم لبيك حجا أو عمرة إلا أن يمنعني منه ما لا أقدر على النهوض فيكون محلي حيث حبستني ولا شيء علي فإذا قال ذلك كان له شرطه وما استثناه إن نابه شيء أو عاقه عائق يقوم محله في ذلك الموضع ولا شيء عليه وهذه المسألة اختلف العلماء فيها قديما وحديثا فقال مالك الاشتراط في الحج باطل ويمضي على إحرامه حتى يتمه على سنته ولا ينفعه قوله محلي حيث حبستني وبه قال أبو حنيفة والثوري وهو قول إبراهيم النخعي وبن شهاب الزهري وهو قول بن عمر ذكر عبد الرزاق‏.‏

وأخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول حسبكم سنة رسول الله أنه لم يشترط فإن حبس أحدكم عن الحج حابس فطاف بالبيت فليطف بين الصفا والمروة وليحلق ويقصر وقد حل من كل شيء حتى يحج قابلا ويهدي أو يصوم إن لم يجد هديا‏.‏

وقال الشافعي إن ثبت حديث ضباعة لم أعده ومنهم من يقول الاشتراط باطل وروي عن سعيد بن جبير وطاوس أنهما أنكرا الاشتراط في الحج وذهبا فيه مذهب بن عمر‏.‏

وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود لا بأس أن يشترط وينفعه شرطه على ما روي عن النبي عليه السلام وعن غير واحد من الصحابة قال أبو عمر روي الاشتراط في الحج عند الإحرام عن علي وعمر وعثمان وبن عباس وبن مسعود وعمار وجماعة من التابعين بالمدينة منهم سعيد بن المسيب وعروة بالكوفة ومنهم علقمة وعبيدة السلماني وشريح وهو قول عطاء بن أبي رباح كل ذلك من كتاب عبد الرزاق وبن أبي شيبة سئل مالك هل يحتش الرجل لدابته من الحرم فقال لا قال أبو عمر أجمعوا أنه لا يحتش في الحرم إلا الإذخر الذي أذن النبي عليه السلام في قطعه فإن الجميع يجيزون أخذه ويقولون أذن النبي عليه السلام في قطع الإذخر أجمعوا أنه لا يرعى إنسان في حشيش الحرم لأنه لو جاز أن يرعى جاز أن يحتش‏.‏

وقال الشافعي يقطع السواك من فرع الشجرة ويؤخذ منها الثمر والورق للدواء إذا كان لا يميتها ولا يضر بها لأن هذا يستخلف فيكون كما كان وليس كالذي ينزع أصله قال وأكره أن يخرج من حجارة الحرم وترابه شيء إلى غيره للحرمة التي ثبتت له فأما ماء زمزم فلا أكره الخروج به‏.‏

وقال أبو ثور في ذلك كله نحو قوله وهو معنى قول مجاهد وعطاء‏.‏

باب حج المرأة بغير ذي محرم

923- مالك في الصرورة من النساء التي لم تحج قط إنها إن لم يكن لها ذو محرم يخرج معها أو كان لها فلم يستطع أن يخرج معها أنها لا تترك فريضة الله عليها في الحج لتخرج في جماعة النساء قال أبو عمر قال الله تعالى ‏(‏ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا‏)‏ آل عمران 97 فدخل في ذلك الرجال والنساء المستطيعون إليه سبيلا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم منها واختلفت ألفاظ هذه الأحاديث في هذه المسألة وسنبين ذلك في موضعه من حديث مالك إن شاء الله واختلف الفقهاء هل يكون المحرم من السبيل أم لا فقال مالك ما رسمه في موطأة ولم يختلف فيه عنه ولا عن أصحابه وهو قول الشافعي في أنها تخرج معه مع جملة النساء قال ولو خرجت مع امرأة واحدة مسلمة لله فلا شيء عليها وقال بن سيرين جائز أن تحج مع ثقات المسلمين من الرجال وهو قول الأوزاعي قال الأوزاعي تخرج مع قوم عدول وتتخذ سلما تصعد عليه وتنزل ولا يقربها رجل وكل هؤلاء يقول ليس المحرم للمرأة من السبيل وهو مذهب عائشة لأنها قالت ليس كل امرأة لها ذو محرم أو تجد ذا محرم ذكر عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري عن عمرة قال أخبرت عائشة تفتي ألا تسافر امرأة فوق ثلاث إلا مع ذي محرم فقالت عائشة تجدون ذا محرم قال‏.‏

وأخبرنا معمر وبن التيمي أنهما سمعا أيوب يحدث عن بن سيرين أنه سئل عن المرأة تحج مع غير ذي محرم فقال رب من ليس بذي محرم خير من محرم وقالت طائفة المحرم للمرأة من السبيل فإذا لم يكن معها زوجها ولا ذو محرم منها فليس عليها الحج لأنها لم تجد السبيل إليه وممن ذهب إلى هذا الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأصحابه وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور إلا أن الأثرم روى عن أحمد بن حنبل أنه قال أرجو في الفريضة أن تخرج مع النساء وكل من تأمنه قال أبو عمر حجة من رأى المحرم من السبيل ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم وقد روي لا تحج امرأة إلا مع ذي محرم ذكر عبد الرزاق قال حدثنا بن جريج عن عمرو بن دينار قال أخبرني عكرمة وأبو معبد عن بن عباس قال جاء رجل إلى المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أين نزلت فقال على فلانة فقال أغلقت عليك بابها مرتين لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج‏.‏

وأما بن عيينة فأخبرناه عن عكرمة عن بن عباس ليس فيه شك وعن الثوري عن ليث عن أبي هبيرة عن إبراهيم قال كتبت إليه امرأة من الري تسأله عن الحج مع ذي محرم قال هو من السبيل فإن لم تجد ذا محرم فلا سبيل‏.‏

باب صيام التمتع

924- مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تقول الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج لمن لم يجد هديا ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة فإن لم يصم صام أيام منى ومالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في ذلك مثل قول عائشة رضي الله تعالى عنها قال أبو عمر قال الله تعالى ‏(‏فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

وأجمع العلماء على أن الثلاثة الأيام إن صامها قبل يوم النحر فقد أتى بما يلزمه من ذلك ولهذا قال من قال من أهل العلم بتأويل القرآن في قوله ثلاثة أيام في الحج قال آخرها يوم عرفة وكذلك أجمعوا أنه لا يجوز له ولا لغيره صيام يوم النحر واختلفوا في صيام أيام منى إذا كان قد فرط فلم يصمها قبل يوم النحر فقال مالك يصومها المتمتع إذا لم يجد هديا لأنها من أيام الحج وروي عن بن عمر وعائشة‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وأبو ثور لا يصوم المتمتع أيام منى لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام منى ولم يخص نوعا من الصيام واختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل في ذلك فروي عنه أنه إن لم يصم الثلاثة الأيام آخرها يوم عرفة ولم يصم يوم النحر وصام أيام منى وروي عنه أنه لا يصوم أيام منى ويصم بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم وروي عن عطاء بن أبي رباح أنه يجوز للمتمتع أن يصوم في العشر وهو حلال وقال مجاهد وطاوس إذا صامهن في أشهر الحج أجزأه وهذان القولان شاذان ذكرهما الطبري عن محمد بن بشار وعن بن مهدي وعن سفيان عن بن جريج وعن عطاء عن أبي حميد عن حكام عن عنبسة عن بن أبي نجيح عن مجاهد وطاوس كمل كتاب الحج بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما بسم الله الرحمن الرحيم ‏(‏21كتاب الجهاد‏)‏‏.‏

باب الترغيب في الجهاد

925- ذكر فيه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر ‏(‏1‏)‏ من صلاة ولا صيام حتى يرجع‏)‏‏)‏‏.‏

926- وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة‏)‏‏)‏‏.‏

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏يضمن الله لمن خرج في سبيله إيمانا به وتصديقا برسوله أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى منزله نائلا ما نال من أجر أو غنيمة‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر الحديث الأول من حديثي مالك المذكورين هذا من أجل حديث روي في فضل الجهاد لأنه مثل بالصلاة والصيام وهما أفضل الأعمال وجعل المجاهد بمنزلة من لا يفتر عن ذلك ساعة فأي شيء أفضل من شيء يكون صاحبه راكبا وماشيا وراقدا ومتلذذا بكثير - ما أبيح له - من حديث رفيقه وأكله وشربه وهو في ذلك كله كالمصلي التالي للقرآن في صلاته الصائم المجتهد ولذلك قلنا إن الفضائل لا تدرك بقياس وإنما هو تفضل من الله عز وجل قال الله عز وجل ‏(‏يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون‏)‏ ‏[‏الصف 10‏]‏‏.‏

11 الآيات إلى قوله تعالى ‏(‏وبشر المؤمنين‏)‏ ‏[‏الصف 13‏]‏‏.‏

وفي هذا الحديث استعمال القياس والتشبيه والتمثيل في الأحكام لأنه شبه المجاهد بالصائم القائم وفي الحديث الثاني أيضا فضل الجهاد وأن الأعمال لا يزكو منها إلا ما خلصت فيه النية لله عز وجل ألا ترى إلى قوله ‏(‏‏(‏لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته‏)‏‏)‏ وفي حديث سهيل ‏(‏‏(‏إيمانا به وتصديقا برسوله وقوله فيه من أجر أو غنيمة يريد -والله أعلم- من أجر وغنيمة كما قال الله عز وجل ‏(‏ولا تطع منهم أثما أو كفورا‏)‏ ‏[‏النساء 24‏]‏‏.‏

يريد ولا كفورا وكما قال جل ثناؤه ‏(‏مثنى وثلاث ورباع‏)‏ ‏[‏النساء 3‏]‏‏.‏

فاطر 1 أي مثنى أو ثلاث أو رباع فقد تكون ‏(‏‏(‏أو‏)‏‏)‏ بمعنى ‏(‏‏(‏الواو‏)‏‏)‏ وتكون الواو بمعنى ‏(‏‏(‏أو‏)‏‏)‏ وقد روي منصوصا من أجر وغنيمة بواو الجمع لا ‏(‏‏(‏بأو‏)‏‏)‏‏.‏

حدثنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد السلام بن عتيق قال حدثنا أبو مسهر قال أخبرنا إسماعيل بن عبد الله قال أخبرنا الأوزاعي قال سليمان بن حبيب عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل من خرج غازيا في سبيل الله فهو ضامن على الله عز وجل حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة‏)‏‏)‏ وذكر تمام الخبر وفي هذا الحديث دليل على أن الغنيمة لا تنقص من أجر المجاهد شيئا وأنه أقر الأجر غنم أو لم يغنم وشهد لهذا ما اجتمع على تقبله أهل السير والعلم بالأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لعثمان وطلحة وسعيد بن زيد بأسهمهم يوم بدر وهم غير حاضري القتال فقال كل واحد منهم وأجري يا رسول الله قال ‏(‏‏(‏وأجرك‏)‏‏)‏ وأجمعوا أن تحليل الغنائم لهذه الأمة من وظائفها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم‏)‏‏)‏ وقال عليه السلام ‏(‏‏(‏أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي‏)‏‏)‏ وذكر منها ‏(‏‏(‏فأحلت لي الغنائم‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر ولو كانت تحبط الأجر أو تنقصه ما كانت فضيلة له وقد قال قوم إن الغنيمة تنقص من أجر الغانمين لحديث رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏(‏‏(‏ما من سرية أسرت وأخفقت إلا كتب لها أجرها مرتين قالوا وفي هذا الحديث ما يدل على أن العسكر إذا لم يغنم كان أعظم لأجره واحتجوا أيضا بما حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال حدثنا حيوة بن شريح عن أبي هانئ حميد بن هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏ما من غازية تغزو في سبيل الله فتصيب غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم‏)‏‏)‏‏.‏

وأما قوله عليه السلام في السرية أسرت فأخفقت أن لها أجرها مرتين فيحتمل مثل ما يحتمل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وذلك -والله أعلم- أن يكون الأجر مضاعفا لها بما نالها من الخوف وعلى ما فاتها من الغنيمة كما يؤجر من أصيب بماله مضاعفا فيؤجر على ما يتكلفه من الجهاد أجر المجاهد وعلى ما فاته من الغنيمة أجرا آخر كما يؤجر على ما يذهب من ماله ونحو ذلك‏.‏

927- وذكر مالك في هذا الباب عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏الخيل لرجل أجر ‏(‏2‏)‏ ولرجل ستر وعلى رجل وزر فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضه فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كان له حسنات ولو أنها قطعت طيلها ذلك فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي به كان ذلك له حسنات فهي له أجر ورجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق الله في رقابها ولا في ظهورها فهي لذلك ستر ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر‏)‏‏)‏ وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال ‏(‏ ‏(‏لم ينزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة ‏(‏12‏)‏ الفاذة ‏(‏فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره‏)‏ قال أبو عمر في هذا الحديث من الفقه أن الأعيان لا يؤجر الإنسان في اكتسابها لأعيانها وإنما يؤجر بالنية الحسنة في استعمال ما ورد الشرع من الفضل في عمله لأنها خيل كلها وقد اختلفت أحوال مكتسبيها لاختلاف النيات فيها وفيه أن الحسنات تكتب للمرء إذا كان له فيها سبب واصل وإن لم يقصد فضل الحسنة تفضلا من الله على عباده المؤمنين وليس كذلك حكم السيئات والحمد لله يدلك على ذلك في هذا الحديث أنه لم يذكر حركات الخيل وتقلبها ورعيها وروثها في سيئات المفتخر بها كما ذكرها في حسنات الرابط الذي ربطها ألا ترى أنها لو قطعت حبلها نهارا فأفسدت زرعا أو رمحت فقتلت أو جنت أن صاحبها بريء من الضمان عند جميع أهل العلم ويبين ذلك أيضا قوله في هذا الحديث ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك له حسنات ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من كان منتظرا الصلاة فهو في صلاة وقال صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏انتظار الصلاة بعد الصلاة ذلكم الرباط‏)‏‏)‏ وذلكم الرباط لأن انتظار الصلاة سبب شهودها وكذلك انتظار العدو في الموضع المخوف فيه إرصاد للعدو وقوة لأهل الموضع وعدة للقاء العدو وسبب لذلك كله وقد أوضحنا هذه المعاني في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ بالشواهد فمن أراد الوقوف عليها قابلها هناك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا بشر بن حجر قال حدثنا حماد بن سلمة عن سهيل بن ابي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ما من صاحب كنز‏)‏‏)‏ فذكر الحديث على ما ذكرناه في باب الكنز قال ثم سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخيل فقال ‏(‏‏(‏الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وهي لرجل أجر ولرجل ستر وجمال وعلى آخر وزر فأما الذي هي له أجر فهو الذي يتخذها في سبيل الله فإن مرت بمرج فأكلت منه فما غيبته في بطونها فهو له أجر وإن مرت بنهر فشربت منه فما شربت في بطونها فهو له أجر وإن استنت شرفا كان له أجر‏)‏‏)‏ حتى ذكر أرواثها وأبوالها ‏(‏‏(‏وأما الذي له ستر وجمال فرجل يتخذها تكرما وتجملا ولا سيما من ظهرها وبطونها في عسره ويسره‏.‏

وأما الذي هي عليه وزر فرجل يتخذها بذخا وأشرا ورياء أو سمعة‏)‏‏)‏ ثم سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال ‏(‏‏(‏ما أنزل علي فيها شيء غير الآية الفاذة الجامعة ‏(‏فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره‏)‏ ‏[‏الزلزلة 7 - 8‏]‏‏.‏

وأما قوله فما أصابت في طيلها فالطيل الحبل يطول للدابة وهو مكسور الأول ويقال فيه طول وطيل قال طرفة‏:‏

لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى *** لكالطيل المرخا وثنياه باليد

وقد أتينا من الشواهد على الطيل بكثير من الشعر في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ والحمد لله‏.‏

وأما قوله فاستنت شرفا أو شرفين فإن الاستنان أن يلج الفرس في عدوه في إقباله وإدباره يقال منه جاءت الإبل سننا أي تستن في عدوها وتسرع ومنه المثل القائل ‏(‏‏(‏استنت الفصال حتى القرعا‏)‏‏)‏ تضرب للرجل الضعيف يرى الجلداء يفعلون شيئا فيفعل مثله قال عدي بن زيد‏:‏

فبلغنا صنعه حتى نشا *** فاره البال لجوجا في السنن

فاره البال أي ناعم البال وقال أعشى همدان‏:‏

لا تأسين على شيء فكل فتى *** إلى منيته يسنن في عنف

ومنها شواهد غيرها قد ذكرنا أكثرها في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ والشرف والشرفان الكدية والكديتان والجبل الصغير المعتدل والجبلان‏.‏

وأما قوله تغنيا فيريد استغناء يقال فيه تغنيت تغنيا وتغانيت تغانيا واستغنيت استغناء وشواهده بالشعر في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏‏.‏

وأما قوله ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال أحدها حسن ملكتها والإحسان إليها وركوبها غير مشقوق عليها وخص الرقاب والظهور بالذكر لأنه قد تستعار الرقاب في موضع الحقوق اللازمة والفروض الواجبة وفي معظم الشيء كما قال الله عز وجل ‏(‏فتحرير رقبة‏)‏ ‏[‏النساء 92‏]‏‏.‏

يريد الإنسان كله وكما قال كثير‏:‏

غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا *** غلقت لضحكته رقاب المال

وقد يجعلون العنق في مثل هذا كالرقبة كما جاء في الحديث ‏(‏‏(‏فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه‏)‏‏)‏‏.‏

قال هذا لم يوجب على مالك الخيل فيها شيئا يجب عليه إخراجه لعمره من مسكين أو فقير أو قريب أو غيرهم وهذا مذهب من لا يرى في الأموال حقا سوى الزكاة وهم جماعة من العلماء ومن حجتهم حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك‏)‏‏)‏ وقال بن عباس من أدى زكاة ماله فلا جناح عليه ألا يتصدق وقد ذكرنا إسناد هذين الحديثين في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وذكرنا في باب الكنز من هذا الكتاب في هذا المعنى ما هو الشفاء والحمد لله وقد تأول من قال بهذا في قول الله عز وجل و‏(‏وفي أموالهم حق معلوم‏)‏ ‏[‏المعارج 24‏]‏‏.‏

أنه الزكاة كما قال ‏(‏وأتوا حقه يوم حصاده‏)‏ ‏[‏الأنعام 141‏]‏‏.‏

وقال آخرون معنى قوله ‏(‏‏(‏ولا ينسى حق الله في رقابها ولا ظهورها‏)‏‏)‏ إطراق فحلها وإفقار ظهرها وحمل عليها في سبيل الله وإلى هذا ونحوه ذهب بن نافع فيما أحسب لأن يحيى بن يحيى سأله عن ذلك فقال يريد أن لا ينسى يتصدق لله تعالى ببعض ما يكسبه عليها وهذا مذهب من قال في المال حقوق سوى الزكاة لقول الله عز وجل و‏(‏في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم‏)‏ ‏[‏المعارج 24‏]‏‏.‏

25 وممن قال ذلك الشعبي ومجاهد والحسن وقد ذكرنا الأسانيد عنه بذلك في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وذكر بن أبي شيبة عن بن علية عن أبي حيان قال حدثني مزاحم بن زفر قال كنت جالسا عند عطاء فجاءه أعرابي فقال إن لي إبلا فهل علي فيها حق بعد الصدقة قال نعم وحجة هؤلاء حديث قيس بن عاصم قال قلت يا رسول الله ما خير المال قال ‏(‏‏(‏نعم المال الأربعون والأكثر الستون وويل لأصحاب المئين إلا من أدى حق الله في رسلها ونجدتها وأفقر ظهرها وأطرق فحلها ومنح غزيرتها ونحر سمينها فأطعم القانع والمعتر وذكر تمامها وقد ذكرنا تمام الخبر في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وقال آخرون ‏(‏‏(‏ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها‏)‏‏)‏ الزكاة الواجبة لله تعالى فيها ولا اعلم أحدا من فقهاء الأمصار أوجب الزكاة في الخيل إلا أبا حنيفة فإنه أوجب الزكاة فيها إذا كانت الخيل سائمة ذكورا وإناثا يطلب فسلها وقد ذكرنا هذه المسألة بما فيها للعلماء في كتاب الزكاة‏.‏

وأما قوله ‏(‏‏(‏فرجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام‏)‏‏)‏ فالفخر والرياء معروفان‏.‏

وأما النواء فمصدر ناوأت العدو مناوأة ونواء او هي المناوأة قال أهل اللغة أصله من ناء إليك ونؤت إليه أي نهض إليك ونهضت إليه قال بشر بن أبي خازم ‏(‏بلت قتيبة في النواء بفارس‏.‏‏.‏‏.‏ لا طائش رعش ولا وقاف وقال أعشى باهلة‏:‏

أما يصبك عدو في مناوأة *** يوما فقد كنت تستعلي وتنتصر

وقال أوس بن حجر‏:‏

إذا أنت ناوأت الرجال ولم تنوء *** بقرنين غرتك القرون الكوامل

ولا يستوي قرن النطاح الذي به *** تنوء وقرن كلما نؤت مائل

وأما قوله الآية الجامعة الفاذة فالفاذ هو الشاذ ويقال فاذة وفذة وفاذ وفذ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ‏)‏‏)‏ ومعنى ذلك أنها منفردة في عموم الخير والشر لا آية أعم منها وقد زدنا هذا المعنى بيانا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وقوله في الحمر في هذا الحديث مثل قولة عليه السلام ‏(‏‏(‏في كل كبد رطبة أجر‏)‏‏)‏ وكان الحميدي - رحمه الله - يقول إذا نحرت حمارا فانظر كيف تنحره قال أبو عمر أما الخيل فقد جاء فيها ما جاء وسيأتي في هذا المعنى زيادة عند قوله عوتبت الليلة في الخيل وروى سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رئي صباحا وهو يمسح فرسه بردائه وقال ‏(‏‏(‏إن جبريل عاتبني الليلة في الخيل‏)‏‏)‏‏.‏

أخبرناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن يسار فذكره وفي هذا الحديث دليل والله أعلم على أن كلامه ذلك في الخيل كان بوحي من الله عز وجل لأنه قال في الحمر ‏(‏‏(‏لم ينزل علي فيها شيء إلا الآية الجامعة الفاذة‏)‏‏)‏ فكأن قوله في الخيل كان بوحي والله أعلم ألا ترى إلى قوله ‏(‏‏(‏إني عوتبت الليلة في الخيل‏)‏‏)‏ ‏!‏ وروى زيد بن الحباب قال حدثنا رجاء بن أبي سلمة قال حدثنا سليمان بن موسى قال سمعت عجلان بن سهل الباهلي يقول سمعت أبا أمامة الباهلي يقول من ارتبط فرسا في سبيل الله لم يرتبطه رياء ولا سمعة كان من الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية‏.‏

وأما حديثه في هذا الباب‏.‏

928- عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن عطاء بن يسار أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ألا أخبركم بخير الناس منزلا رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله ألا أخبركم بخير الناس منزلا بعده رجل معتزل في غنيمته يقيم الصلاه ويؤتي الزكاه ويعبد الله لا يشرك به شيئا‏)‏‏)‏ فقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ من وصله وذكرنا طرقه وذكرنا في فضل العزلة هناك وما فيه شفاء في معناه والحمد لله حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة عن بن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن عطاء بن يسار عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم جلوس فقال ‏(‏‏(‏ألا أخبركم بخير الناس منزلا قلنا بلى يا رسول الله فقال ‏(‏‏(‏رجل ممسك برأس فرسه في سبيل الله حتى يقتل أو يموت ألا أخبركم بالذي يليه قالوا بلى يا رسول الله قال رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شر الناس‏.‏

929- مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم قد ذكرنا الاختلاف على يحيى بن سعيد في إسناد هذا الحديث في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وأصح شيء فيه ما قاله مالك عن يحيى بن سعيد عن عبادة بن الوليد عن أبيه عن جده وهذه البيعة لم تكن بيعة العقبة وإنما كانت بالمدينة على الحرب وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ الشواهد بذلك منها ما حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثني أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثنا محمد بن جرير بن يزيد قال حدثنا محمد بن حميد قال سلمة عن بن إسحاق قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده عبادة بن الصامت وكان أحد النقباء قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب - وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوا بيعة العقبة الأولى على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وألا ننازع الأمر أهله وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم قال أبو عمر قوله في حديث مالك بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة الحديث معناه فيما استطاعوا ويبين ذلك حديثه عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا ‏(‏‏(‏فيما استطعتم‏)‏‏)‏‏.‏

وأما قوله في العسر واليسر والمنشط والمكره فمعناه فيما نقدر علية شق علينا أو يسر بنا وفيما نحبه وننشط إليه وفيما نكرهه ويثقل علينا وفي حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو أكره‏)‏‏)‏ وهدى الله على ما يحل في دين الله وما أباحته الشريعة فهو المعروف الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ‏(‏‏(‏لا طاعة إلا في معروف‏)‏‏)‏ ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بالمعروف أطلق السمع والطاعة في المنشط والمكره ثم قيد ذلك لمن جاء بعده بأن قال ‏(‏‏(‏إنما الطاعة في المعروف‏)‏‏)‏ ولهذا يشهد المحكم من كتاب الله عز وجل قال الله تعالى ‏(‏وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان‏)‏ ‏[‏المائدة 2‏]‏‏.‏

وقد قال خضير السلمي لعبادة بن الصامت وقد حدثه بهذا الحديث أرأيت إن أطعت أميري في كل ما يأمرني به قال يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار وليجئ هذا فينقذك وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك كان حقا على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا حدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏إنما الطاعة في المعروف‏)‏‏)‏ في حديث ذكره قال‏.‏

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ ‏(‏السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة‏.‏

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب وهشام عن محمد عن عمران بن حصين والحكم الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏لا طاعة لبشر في معصية الله‏)‏‏)‏‏.‏

وأما قوله ألا ننازع الأمر أهله فقد اختلف الناس في ذلك فقال القائلون منهم أهله أهل العدل والإحسان والفضل والدين مع القوة على القيام بذلك فهؤلاء لا ينازعون لأنهم أهله‏.‏

وأما أهل الجور والفسق والظلم فليسوا بأهل له واحتجوا بقول الله عز وجل لإبراهيم ‏(‏إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين‏)‏ ‏[‏البقرة 124‏]‏‏.‏

ذهب إلى هذا طائفة من السلف الصالح واتبعهم بذلك خلف من الفضلاء والقراء والعلماء من أهل المدينة والعراق وبهذا خرج بن الزبير والحسين على يزيد وخرج خيار أهل العراق وعلمائهم على الحجاج ولهذا أخرج أهل المدينة بني أمية عنهم وقاموا عليهم فكانت الحرة وبهذه اللفظة وما كان مثلها في معناها مذهب تعلقت به طائفة من المعتزلة وهو مذهب جماعة الخوارج‏.‏

وأما جماعة أهل السنة وأئمتهم فقالوا هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلا عالما عدلا محسنا قويا على القيام كما يلزمه في الإمامة فإن لم يكن فالصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء وانطلاق أيدي الدهماء وتبييت الغارات على المسلمين والفساد في الأرض وهذا أعظم من الصبر على جور الجائر روى عبد الرحمن بن هدي عن سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر قال قال بن عمر حين بويع ليزيد بن معاوية إن كان خير رضينا وإن كان بلاء صبرنا وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ آثارا كثيرة تشهد لهذا المعنى وبالله التوفيق حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال أخبرنا أشهب بن عبد العزيز قال قال مالك لا تنبغي الإقامة في أرض يكون فيها العمل بغير الحق والسنة للسلف وروى معن بن عيسى وغيره عن مالك أنه كان يقول ليس لمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفيء حق ويقول قد قسم الله تعالى في سورة الحشر للفقراء المهاجرين الآية ‏(‏والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان‏)‏ ‏[‏الحشر 10‏]‏‏.‏

قال ومن سب من أمره الله تعالى أن يستغفر له فلا حق له في الفيء قال أبو عمر أما قول مالك لا تنبغي الإقامة في بلد يعمل فيه بغير الحق فمعناه إذا وجد بلد يعمل فيه بالحق في الأغلب وقد قال عمر بن عبد العزيز فلان بالمدينة وفلان بمكة وفلان باليمن وفلان بالعراق وفلان بالشام امتلأت الأرض والله ظلما وجورا قال أبو عمر فأين المهرب إلا في السكوت واللزوم في البيوت بالرضا بأقل قوت‏.‏

وأما قوله أن نقول أو نقوم بالحق فالشك من المحدث مالك أو من فوقه‏.‏

وأما قولة لا نخاف في الله لومة لائم فقد أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه على حسب طاقته من قول وعمل على ما تقدم شرطنا ما لم يكن انطلاق الدهماء وإراقة الدماء ولكن على المؤمن أن يغير بلسانه إن عجز عن يده فإن لم يأمن المكروه فعليه أن يغير كما قال بن مسعود بحسب المؤمن إذا رأى منكرا لا يستطيع له تغييرا يعلم الله به من قلبه أنه له كاره رواه شعبة عن عبد الله بن عمير عن الربيع بن عميلة عن بن مسعود وروى طارق بن شهاب عن بن مسعود أن جاءه عتريس بن عرقوب فقال هلك من لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقال بن مسعود بل هلك من لم يعرف المعروف بقلبه وينكر المنكر بقلبه رواه شعبة وسفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب وروى شعبة عن معاوية بن إسحاق عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس أآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فقال إن خشيت أن تقتل فلا وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها وأضعافها في هذا المعنى في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏‏.‏

930- وذكر مالك في هذا الباب عن زيد بن أسلم قال كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر بن الخطاب أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجا وأنه لن يغلب عسر يسرين وأن الله تعالى يقول في كتابه ‏(‏يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون‏)‏ آل عمران 200 قال أبو عمر قد روي هذا الخبر متصلا عن عمر بأكمل من هذه الرواية حدثنا أحمد قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال جاء أبو عبيدة الشام حضر هو وأصحابه فأصابهم جهد شديد فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر سلام عليك أما بعد فإنها لم تكن شدة إلا جعل الله بعدها مخرجا ولن يغلب عسر يسرين وكتب إليه ‏(‏يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون‏)‏ آل عمران 200 فكتب إليه أبو عبيدة سلام عليك أما بعد فإن الله عز وجل يقول ‏(‏ أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد‏)‏ إلى قوله ‏(‏متاع الغرور‏)‏ ‏[‏الحديد 20‏]‏‏.‏

فقرأه عمر على الناس وقال يا أهل المدينة إنما كتب أبو عبيدة يعرض لكم ويحض الناس على الجهاد قال زيد قال إني لقائم في السوق إذ أقبل قوم ينصون قد اطلعوا من التيه فيهم حذيفة بن اليمان يبشرون الناس قال فخرجت نشتد حتى دخلت على عمر فقلت يا أمير المؤمنين ‏!‏ أبشر بنصر الله والفتح فقال عمر الله أكبر رب قائل لو كان خالد بن الوليد ‏!‏ قال أبو عمر في هذا الخبر ما كانوا عليه من المشورة في أمورهم وقد أتى الله على من كان أمرهم شورى بينهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الحروب ليقتدى به وفيه أن الرئيس حق عليه الحذر على جيشه وأن لا يقدمهم على الهلكة ولذلك أوصى بعض السلف من الأمراء أمير جيشه فقال له كن كالتاجر الكيس الذي لا يطلب ربحا إلا بعد إحراز رأس ماله فهذا معنى كتاب أبي عبيدة والله أعلم‏.‏

وأما جواب عمر فجواب مؤمن موقن بما وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم من ظهور دينه على الدين كله وأنه ستفتح عليه ديار كسرى وقيصر ولذلك أمره بالصبر وانتظار الفرج وهو أمر له بالبقاء لأنه أدرب وصار في بلادهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ ‏(‏لا تمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموهم فاثبتوا‏)‏‏)‏ ويروى فاصبروا حدثني عبد الوارث بن سليمان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد‏.‏

وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى قال أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن موسى بن عقبه عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله وكاتبه قال كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى حين خرج إلى الحرورية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف‏)‏‏)‏ ورواه بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة بإسناده وقال فيه فإذا لقيتموهم فاثبتوا فإن جلبوا وصاحوا فعليكم بالصمت أخبرنا سعيد بن يعيش وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن غالب قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية وإذا لقيتموهم فاثبتوا‏)‏‏)‏‏.‏

وحدثنا عبد الوارث ويعيش قالا حدثنا قاسم قال‏.‏

وحدثنا محمد بن غالب قال حدثنا عفان قال حدثنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واعلموا أن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف‏)‏‏)‏‏.‏

وأما أبو عبيدة فولاه عمر بن الخطاب قيادة الجيوش بالشام في أول ولايته وعزل خالد بن الوليد عنها وذلك سنة أربع عشرة وكانت اليرموك سنة خمس عشرة فاجتمعت الروم في جمع لم تجتمع في مثلها قبل ولا بعد قال بن إسحاق في مائة ألف وقال بن الكلبي في ثلاث مائة ألف وعليهم ما هانو - رجل ‏(‏‏(‏من البابا ومن كان تنصر ولحق بالروم وكانت الوقعة في رجب فنصر الله المسلمين وأظهرهم وحضرت أسماء بنت أبي بكر مع زوجها الزبير فحدثت قالت إن كان الرجل من العدو يمر ليسعى فتصيب قدماه عروة أطناب خبائي فيسقط على وجهه ميتا ما أصاب السلاح وروى محمد بن أبي الحسن عن إسحاق بن زائدة عن أبي واقد الليثي قال رأيت الرجل يوم اليرموك من العدو فيسقط فيموت فقلت في نفسي لو أني أضرب أحدهم بطرف ردائي ظننت أنه يموت وجعل الله للمسلمين من الغم الشديد الذي كان نزل بهم فرجا ومخرجا كما قال عمر - رضي الله عنه‏.‏

وأما قوله لن يغلب عسر يسرين فإنه أراد معنى قول الله تعالى ‏(‏فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا‏)‏ ‏[‏الشرح 5‏]‏‏.‏

6 قال أبو عبيدة وغيره من أهل العلم باللغة إن النكرة إذا ثنيت كانت اثنتين فقوله يسرا ويسرا يسران والعسر والعسر عسر واحد كأنه جاء للتأكيد لأنه معرفة هكذا قالوا أو معناه قال أبو عمر أحسن ما روي في قول الله تعالى ‏(‏يا أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون‏)‏ آل عمران 200 ما قاله محمد بن كعب القرظي رواه بن وهب قال أخبرني أبو صخر المزني عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية ‏(‏يا أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون‏)‏ آل عمران 200 قال اصبروا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدتكم عليه ورابطوا عدوكم وعدوي حتى يترك دينه لدينكم واتقوا الله في ما بيني وبينكم لعلكم تفلحون إذا لقيتموني‏.‏

وأخبرنا أبو القاسم خلف بن قاسم بن سهل الحافظ قال أخبرنا أبو إسحاق محمد بن قاسم بن شعبان الفقيه قال حدثنا إبراهيم بن عثمان والحسين بن الضحاك واللفظ لإبراهيم قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا محمد بن إدريس الشافعي قال حدثنا محمد بن عمر الواقدي عن هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال كتب أبو بكر الصديق إلى عمرو بن العاص ‏(‏رضي الله عنهما‏)‏ أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر ما جمعت الروم من الجمع وأن الله تعالى لم ينصرنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم بكثرة عدد ولا بكثرة خيل ولا سلاح ولقد كنا ببدر وما معنا إلا فرسان وإن نحن إلا نتعاقب الإبل وكنا يوم أحد وما معنا إلا فرس واحد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبه ولقد كان الله يظهرنا ويعيننا على من خالفنا فاعلم يا عمرو أن أطوع الناس لله تعالى أشدهم بغضا للمعصية وأن من خاف الله تعالى ردعه خوفه عن كل ما لله تعالى معصية فأطع الله تعالى وسم ومر أصحابك بطاعته فإن المغبون من حرم طاعة الله واحذر على أصحابك البيات وإذا نزلت منزلا فاستعمل على أصحابك أهل الجلد والقوة ليكونوا نعم الذين يحرضونهم ويحفظونهم وقدم أمامك الطائع حتى يأتوا بالخير وشاور أهل الرأي والتجربة ولا تستبد برأيك دونهم فإن في ذلك احتقارا للناس ومعصية لهم فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب وإياك والاستهانة بأهل الفضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرفنا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصار عند موته حين قال ‏(‏‏(‏أحسنوا إلى محسنهم وجاوزوا عن مسيئهم وقربهم منك وأدنهم واستشرهم وأشركهم في أمرك ولا يغب عني خبرك كل يوم بما فيه إن قدرت على ذلك وأشبع الناس في بيوتهم ولا تشبعهم عندك وتعاير أهل الرعاية والأحداث بالعقوبة من غير تعد عليهم وليكن تقدمك إليهم في ما تنهى عنه قبل العقوبة تبرأ إلى أهل الذمة من معرتهم واعلم أنك مسؤول عما أنت فيه فالله الله يا عمرو فيما أوصيك به - جعلني الله وإياك من رفقاء محمد صلى الله عليه وسلم في دار المقامة وقد كتبت إلى خالد بن الوليد يمدك بنفسه ومن معه فله مدد في الحرب وهو ممن يعرف الله تعالى فلا يخالف وشاوره والسلام عليك‏.‏