فصل: باب قضاء الاعتكاف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به

654- مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد ونافعا مولى عبد الله بن عمر قالا لا اعتكاف إلا بصيام بقول الله تبارك وتعالى في كتابه ‏(‏وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد‏)‏ ‏[‏البقرة 187‏]‏‏.‏

فإنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام قال مالك وعلى ذلك الأمر عندنا أنه لا اعتكاف إلا بصيام قال أبو عمر قول مالك وعلى ذلك الأمر عندنا أنه لا اعتكاف إلا بصيام في هذا الباب هو قول بن عباس على اختلاف عنه وهو قول عبد الله بن عمر وعائشة - رضي الله عنهم ذكر بن وهب وعبد الرزاق قالا أخبرنا بن جريج عن عطاء عن بن عباس وبن عمر قالا لا اعتكاف إلا بصوم وبه قال عروة بن الزبير وعامر الشعبي وبن شهاب الزهري وسفيان الثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد‏.‏

وقال الشافعي الاعتكاف جائز بغير صيام وهو قول علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - كلاهما قال المعتكف إن شاء صام وإن شاء لم يصم وعن بن مسعود أنه قال ليس على المعتكف صوم إلا أن يجعله على نفسه وبه قال الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وبن علية وداود واختلف في هذه المسألة عن بن عباس وروى عنه طاوس ليس على المعتكف صوم إلا أن يجعله على نفسه رواه أبو سهيل نافع بن مالك عن طاوس وروى عنه عطاء ومقسم وأبو فاختة لا اعتكاف إلا بصوم وكذلك روى ليث عن طاوس واختلف في هذه المسألة عن إبراهيم النخعي فروي عنه القولان جميعا وكذلك اختلف فيها عن أحمد وإسحاق‏.‏

وأما أبو ثور فقوله فيها كقول الشافعي وهو اختيار المزني واحتج لمذهبه ومذهب الشافعي كذلك بحجج ‏(‏منها‏)‏ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نذر أن يعتكف ليلة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفي بنذره وليس الليل موضع صيام ‏(‏ومنها‏)‏ أن صيام رمضان لا ينوي به أحد رمضان وغيره معا لا واجبا من الصيام ولا غير واجب ومعلوم أن اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في رمضان ‏(‏ومنها‏)‏ أن ليل المعتكف ونهاره سواء وليس الليل بموضع الصيام وذكر الحميدي عن الدراوردي قال أخبرني أبو سهيل بن مالك قال اجتمعت أنا وبن شهاب عند عمر بن عبد العزيز فكان على امرأتي اعتكاف ثلاثة أيام في المسجد الحرام فقال بن شهاب لا يكون الاعتكاف إلا بصيام فقال عمر بن عبد العزيز أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قال فمن أبي بكر قال لا قال فمن عمر قال لا قال فمن عثمان قال لا قال أبو سهيل فانصرفت فوجدت طاوسا وعطاء فسألتهما عن ذلك فقال طاوس كان بن عباس لا يرى على المعتكف صياما إلا أن يجعله على نفسه قال عطاء وذلك رأيي وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل‏.‏

باب خروج المعتكف للعيد

هذا الباب والبابان اللذان بعده إلى آخر كتاب الاعتكاف لم يسمع ذلك يحيى عن مالك فرواه عن زياد بن عبد الرحمن عن مالك وقيل سمع الموطأ من زياد عن مالك ثم دخل إلى مالك فلم يتم الموطأ فاته منه عليه لمرضه وحضور أجله هذه الأبواب فتحملها عن زياد عنه لما فاته عن مالك أتى زيادا فرواها عنه عن مالك‏.‏

655- ذكر فيه مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أن أبا بكر بن عبد الرحمن اعتكف فكان يذهب لحاجته تحت سقيفة في حجرة مغلقة في دار خالد بن الوليد ثم لا يرجع حتى يشهد العيد مع المسلمين قال أبو عمر أما مشي أبي بكر بن عبد الرحمن تحت سقيفة حجرة خالد بن الوليد فقد مضى القول فيمن أجاز ذلك ومن كرهه في الباب الذي قبل هذا والأصل في الأشياء الإباحة حتى يقرع السمع ما يوجب الحظر ولم يمنع الله من ذلك ولا رسوله ولا اتفق الجميع على المنع منه ولا تقوم الحجة إلا من هذه الوجوه أو ما كان في معناها‏.‏

656- وأما قول مالك أنه رأى أهل العلم إذا اعتكفوا في العشر الأواخر من رمضان لا يرجعون إلى أهليهم حتى يشهدوا الفطر مع المسلمين قال مالك وبلغني ذلك عن أهل الفضل الذين مضوا وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر هذا من قوله يدل على أنه سمع الاختلاف في هذه المسألة وقد اختلف قوله فيها فالأكثر عنه ما في موطئه أنه لا يخرج من معتكفه من اعتكف العشر الأواخر إلا إلى المصلى وإن خرج فلا شيء عليه رواه بن القاسم عن مالك في المدونة وهو قول بن القاسم وقال بن الماجشون وسحنون يعيد اعتكافه قال سحنون لأن السنة المجتمع عليها أن يبيت في معتكفه حتى يصبح قال أبو عمر لم يقل بقولهما أحد من أهل العلم فيما علمت إلا رواية جاءت عن مالك ذكرها إسماعيل في المبسوط لا وجه لها في القياس لما وصفنا والصحيح عن مالك فيها ما ذكرنا ولم يجتمع على ما ذكر سحنون أنها سنة مجمع عليها والخلاف موجود فيها والخلاف لا حجة فيه وذكر بن وهب عن الليث أن عقيلا حدثه عن بن شهاب أنه كان لا يرى بأسا أن ينصرف المعتكف إلى أهله ليلة الفطر وبه قال الليث بن سعد قال أبو عمر هي مسألة استحباب ليصل المعتكف اعتكافه بصلاة العيد فيكون قد وصل نسكا بنسك والله أعلم لأن ذلك لا واجب ولا لازم ولا سنة مؤكدة لأن الأصل ليلة العيد ويوم العيد ليس بموضع اعتكاف لا سيما عند من لا يراه إلا بصيام ومع هذا فإن الذي ذكره مالك معلوم بالمدينة وبالكوفة ذكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن مغيرة عن أبي معشر عن إبراهيم قال كانوا يستحبون للمعتكف أن يبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يكون غدوه منه إلى العيد وعن وكيع عن بن عمر عن عمران بن جرير عن أبي مجلز قال يبيت ليلة الفطر في المسجد الذي اعتكف فيه حتى يكون خروجه منه إلى مصلاه وعن إسماعيل بن علية عن أيوب عن أبي قلابة أنه فعل مثل ذلك فهؤلاء من أهل الكوفة والبصرة أعلام إلى ما حكاه مالك عن طائفة من فضلاء أهل المدينة وعلمائهم ومذهب أحمد بن حنبل في ذلك على ما اختاره مالك واستحبه وكان الشافعي والأوزاعي يقولان يخرج من اعتكافه إذا غربت الشمس من آخر أيامه قال الشافعي إذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر دخل قبل الغروب فإذا أهل هلال شوال فقد أتم العشر وهو قول أبي حنيفة وأصحابه قال أبو عمر قد أجمعوا في المعتكف في العشر الأول أو الوسط من رمضان أنه يخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه وفي إجماعهم على ذلك ما يوهن ورواية من روى يخرج من صبيحتها أو في صبيحتها وإجماعهم على ذلك نقيض ما اختلفوا فيه من الخروج لمن اعتكف العشر الأواخر ويدل على تصويب رواية من روى يخرج فيها من اعتكافه يعني بعد الغروب والله أعلم والصحيح في تحصيل مذهب مالك أن يقام المعتكف ليلة الفطر في معتكفه وخروجه منه إلى العيد استحباب وفضل لا إيجاب وهو الذي ذكر فيه قوله في موطئه بل قد نص عليه وبالله التوفيق‏.‏

باب قضاء الاعتكاف

657- مالك عن بن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه وجد أخبية خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب فلما رآها سأل عنها فقيل له هذا خباء عائشة وحفصة وزينب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آلبر تقولون بهن ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال قال أبو عمر كذا روى يحيى بن يحيى هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب ولم يتابعه على روايته عن مالك عن بن شهاب أحد من رواة الموطأ والحديث معروف عن مالك وغيره عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة ولم يروه بن شهاب أصلا ولا يعرف هذا الحديث لابن شهاب لا من رواية مالك ولا من رواية غيره من أصحابه وإنما هو في الموطأ وغيره لمالك عن يحيى بن سعيد كذلك رواه جماعة الموطأ عن مالك وكذلك رواه أصحاب يحيى بن سعيد عنه عن عمرة لا يذكر عائشة ومنهم من يرويه عن مالك عن يحيى بن سعيد لا يذكر عمرة وقد ذكرنا كثيرا من طرقه بذلك عن يحيى بن سعيد في التمهيد وذكره البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف وساقه بكماله وذكره البخاري أيضا عن أبي النعمان عارم بن الفضل عن حماد بن زيد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قال أبو عمر هذا الحديث أدخله مالك في باب قضاء الاعتكاف وهو أعظم ما اعتمد عليه من فقه ومعنى ذلك عندي -والله أعلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد عزم على اعتكاف العشر الأواخر من رمضان فلما رأى ما كرهه من تنافس زينب وحفصة وعائشة في ذلك وخشي أن يدخل نيتهن داخلة انصرف ثم وفى الله عز وجل بما نواه من فعل البر فاعتكف عشرا من شوال وفي ذلك جواز الاعتكاف في غير رمضان وهو أمر لا خلاف فيه‏.‏

وأما قوله في الحديث آلبر تقولون بهن فمعناه يظنون بهن البر وأنا أخشى عليهن أن يردن الكون معي على ما يريد النساء من الانفراد بالأزواج في كل حين وإن لم يكن حين جماع فكأنهن مع إرادتهن لذلك لم يكن اعتكافهن خالصا لله فكره لهن ذلك وهو معنى قوله في غير حديث مالك آلبر تردن - أو يردن كأنه توبيخ أي ما أظنهن يردن البر وقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كره لأزواجه الاعتكاف لشدة مؤنته لأن ليله ونهاره سواء قال مالك لم يبلغني أن أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا بن المسيب ولا أحدا من سلف هذه الأمة اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن وذلك -والله أعلم- لشدة الاعتكاف ولو ذهب ذاهب إلى أن الاعتكاف للنساء مكروه بهذا الحديث لكان مذهبا ولولا أن بن عيينة وهو حافظ ذكر فيه أنهن استأذنه في الاعتكاف لقطعت بأن الاعتكاف للنساء في المساجد غير جائز وما أظن استئذانهن محفوظا ولكن بن عيينة حافظ وقد تابعه الأوزاعي وبن فضيل في أن عائشة استأذنته لنفسها وبعضهم يقول إن عائشة استأذنته لنفسها وحفصة في الاعتكاف فأذن لمن استأذنته منهن ورسول الله ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ أعلم فيما في نيتهن وفي هذا الحديث من الفقه أن الاعتكاف يلزم مع النية بالدخول فيه فإذا دخل الإنسان ثم قطعه لزمه قضاؤه وإنما قلنا إنه يلزمه بالنية مع الدخول وإن لم يكن في حديث مالك ذكر دخوله صلى الله عليه وسلم في ذلك الاعتكاف الذي قضاه إلا في رواية بن عيينة لهذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذ أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه فلما صلى الصبح - يعني في المسجد - وهو موضع اعتكافه مع عقد نيته على ذلك والنية هي الأصل في الأعمال وعليها تقع المجازات فمن هنا -والله أعلم- قضى اعتكافه في ذلك في شوال صلى الله عليه وسلم وقد ذكر سنيد قال حدثنا معمر بن سليمان عن كهمس عن معبد بن ثابت في قوله عز وجل ‏(‏ ومنهم من عاهد الله لئن ءاتانا من فضله‏)‏ ‏[‏التوبة 75‏]‏‏.‏

إنما هو شيء يروه في أنفسهم ولم يتكلموا به ألا تسمع إلى قوله تعالى في الآية ‏(‏أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب‏)‏ ‏[‏التوبة 78‏]‏‏.‏

قال‏.‏

وحدثنا معتمر وقال ركبت البحر فأصابتنا ريح شديدة فنذر قوم معنا نذرا ونويت أنا شيئا لم أتكلم به فلما قدمت البصرة سألت أبا سليمان التيمي فقال يا بني فء به فغير نكير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قضى الاعتكاف من أجل أنه كان قد نوى أن يعمله وإن لم يدخل فيه لأنه كان أوفى الناس لربه بما عاهده عليه وأبدرهم إلى طاعته فإن كان دخل فيه فالقضاء واجب عند العلماء لا يختلف في ذلك الفقهاء وإن كان لم يدخل فيه فالقضاء مستحب لمن هذه حاله عند أهل العلم مندوب إليه أيضا مرغوب فيه ومن العلماء من أوجب قضاءه عليه من أجل أنه كان عقد عليه نيته والوجه عندنا ما ذكرنا ومن جعل على المعتكف قضاء ما قطعه من اعتكافه قاسه على الحج التطوع يقطعه صاحبه عمدا أو مغلوبا وقد ذكرنا حكم قطع الصلاة التطوع والصيام التطوع وما للعلماء في ذلك من المذاهب فيما مضى من هذا الكتاب وذكر الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن النساء أيعتكفن قال نعم وقد ذكرنا طرفا من اختلاف العلماء في مكان معتكف النساء في أول باب الاعتكاف وقد ذكرنا ها هنا ما هو على شرطنا قال مالك لا يعجبني أن تعتكف المرأة في مسجد بيتها ولتعتكف في مسجد الجماعة‏.‏

وقال أبو حنيفة لا تعتكف المرأة إلا في مسجد بيتها ولا تعتكف في مسجد الجماعة وقال الثوري اعتكاف المرأة في بيتها أفضل من اعتكافها في المسجد وهو قول إبراهيم قال أبو عمر من حجة من أجاز اعتكاف المرأة حديث بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة هذا لأن فيه أنهن استأذنه في الاعتكاف فأذن لهن فضربن أخبيتهن في المسجد ثم منعهن بعد ومعلوم أن منعه لهن كان لغير المعنى الذي أذن لهن من أجله وقال أصحاب أبي حنيفة إنما جاز لهن ضرب أخبيتهن في المسجد للاعتكاف من أجل أنهن كن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وللنساء أن يعتكفن في المسجد مع أزواجهن وكما أن للمرأة أن تسافر مع زوجها كذلك لها أن تعتكف معه وقال من لم يجز اعتكافهن في المسجد أصلا إنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعتكاف إنكارا عليهن قال ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم آلبر يردن أي ليس هذا ببر ولم يختلفوا أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد فكذلك الاعتكاف قال أبو عمر ليس في حديث مالك في هذا الباب ذكر دخول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الاعتكاف الذي قضاه أي وقت هو وقد ذكره غيره حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا الحميد قال سفيان بن عيينة قال سمعت يحيى يحدث عن عمرة عن عائشة قالت أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان فسمعت بذلك فاستأذنته فأذن لي ثم استأذنته حفصة فأذن لها ثم استأذنته زينب فأذن لها قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه فلما صلى الصبح رأى في المسجد أربعة أبنية وذكر الحديث وذكره البخاري قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي يعتكف فيه قال فاستأذنته عائشة وذكر الحديث وذكره أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية ويعلى بن عبيد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه وذكر باقي الحديث قال أبو عمر لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بهذا الحديث مع ثبوته وصحته في وقت دخول المعتكف موضع اعتكافه إلا الأوزاعي والليث بن سعد وقد قال به طائفة من التابعين وروى بن وهب عن الليث قال إنما يدخل المعتكف المسجد للاعتكاف قبل الفجر ليلة إحدى وعشرين وذكر الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن المعتكف في أي وقت يدخل معتكفه فقال يدخل قبل غروب الشمس فيكون يبتدي ليلته فقيل له قد روى يحيى بن سعيد عن عمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر ثم يدخل معتكفه فسكت قال وسمعته مرة أخرى يسأل عن المعتكف في أي وقت يدخل معتكفه فقال قد كنت أحب له أن يدخل معتكفه في أول الليل حتى يبيت فيه ويبتدي ولكن حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل معتكفه إذا صلى الغداة قيل فمتى يخرج قال يخرج منه إلى المصلى قال أبو عمر اتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة على خلاف هذا الحديث إلا أنهم اختلفوا في وقت دخول المعتكف المسجد للاعتكاف إذا نذره أياما وليالي أو يوما واحدا فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة إذا أوجب على نفسه اعتكاف شهر دخل المسجد قبل غروب الشمس قال مالك ومن أراد أن يعتكف يوما أو أكثر يدخل معتكفه قبل مغيب الشمس من ليلة ذلك اليوم‏.‏

وقال الشافعي إذا قال لله علي اعتكاف يوم دخل قبل طلوع الفجر وخرج بعد غروب الشمس خلاف قوله في الشهر وقال زفر بن الهذيل والليث بن سعد يدخل قبل طلوع الفجر والشهر واليوم عندهما سواء تقدم وروي مثل ذلك عن أبي يوسف وقال الأوزاعي بظاهر حديث عائشة المذكور قال يصلي في المسجد الصبح ويقوم إلى معتكفه‏.‏

وقال أبو ثور إذا أراد اعتكاف عشرة أيام دخل في اعتكافه قبل طلوع الفجر وإذا أراد عشر ليال دخل قبل غروب الشمس قال أبو عمر ذهب هؤلاء إلى أن الليل لا يدخل في الاعتكاف إلا أن يتقدمه اعتكاف النهار لأن الليل ليس بموضع اعتكاف فلا يصلح الابتداء به وذهب أولئك إلى أن الليل تبع للنهار على كل حال فلذلك ابتدؤوا به والله أعلم‏.‏

وأما قوله في حديث مالك ثم اعتكف عشرا من شوال فقد مضى القول في وجوب قضاء الاعتكاف للباد والقاطع بعذر وبغير عذر ومضى مع ما قضى النبي صلى الله عليه وسلم اعتكافه كل ذلك في هذا الباب والحمد لله ومضى في الباب قبله خروج المعتكف لمرض يعرض له واختلاف العلماء في حكمه فقول مالك في موطئه أصح ما روي عنه في ذلك أن المريض يتم ما بقي عليه من اعتكافه إذا صح واحتج مالك بحديثه في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد الاعتكاف في رمضان فلم يعتكف واعتكف عشرا من شوال قال مالك والمتطوع في الاعتكاف والذي عليه الاعتكاف أجرهما سواء فيما يحل لهما ويحرم عليهما قال ولم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اعتكافه إلا تطوعا قال أبو عمر هذا قوله مع جملة العلماء لأن الاعتكاف وإن لم يكن واجبا لا على من نذره فإنه يجب بالدخول فيه كالصلاة النافلة والحج والعمرة النافلتين وقد اختلف العلماء في أقل ما يلزمه ها هنا ولم يرو في شيء من الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل على نفسه اعتكافا وذلك دليل على أن اعتكافه كان تطوعا وقد أوضحنا وجه قضائه عشرا من شوال في اعتكافه بما لا معنى لإعادته ها هنا واختلف العلماء في أقل مدة الاعتكاف ف روى بن وهب عن مالك أن أقله عنده ثلاثة أيام وذكر بن حبيب أن أقله عنده يوم وليلة وقال بن القاسم في المدونة وقفت مالكا على ذلك فأنكره وقال أقله عشرة أيام قال أبو عمر هذا على الاستحقاق لأن مالكا قال من عليه الجمعة فلا يعتكف في غير مسجد الجامع إلا من الجمعة إلى الجمعة وهو قول الشافعي ولا حد عند أبي حنيفة والشافعي وأكثر الفقهاء في أقل مدته وروى بن جريج عن عطاء عن بن أمية قال إني لأمكث ساعة معتكفا قال عطاء وسمعت أنه لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام قال عطاء والاعتكاف ما مكث فيه المعتكف قال مالك في المرأة إنها إذا اعتكفت ثم حاضت في اعتكافها إنها ترجع إلى بيتها فإذا طهرت رجعت إلى المسجد أية ساعة طهرت ثم تبني على ما مضى من اعتكافها ومثل ذلك المرأة يجب عليها صيام شهرين متتابعين فتحيض ثم تطهر فتبني على ما مضى من صيامها ولا تؤخر ذلك قال أبو عمر حكم المعتكفة تحيض كحكم من نذر صيام أيام متتابعات أو كان عليه أيام متتابعات صيام متتابع وعلى ما ذكره مالك جماعة الفقهاء وقد مضى القول فيمن كان عليه أيام متتابعات فمرض أو امرأة كان عليها صيام متتابع فمرضت أو حاضت في باب صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر بما أغنى عن إعادته وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال إذا حاضت المعتكفة خرجت إلى بيتها فإذا طهرت قضت ذلك وعن بن جريج عن عطاء قال إذا حاضت المعتكفة خرجت فإذا طهرت رجعت إلى موضعها قلت فيطؤها زوجها في يوم طهرها قال لا قلت فإن كانت مريضة قال تخرج إلى بيتها فإذا صحت رجعت إلى موضعها قلت أيطؤها زوجها في مرضها قال لا إن وطىء الحائض في طهرها أو المريضة في مرضها فسد اعتكافها ولم يكن لها البناء على ما مضى وبالله التوفيق‏.‏

باب النكاح في الاعتكاف

قال مالك لا بأس بنكاح المعتكف نكاح الملك ما لم يكن المسيس والمرأة المعتكفة أيضا تنكح نكاح الخطبة ما لم يكن المسيس ويحرم على المعتكف من أهله بالليل ما يحرم عليه منهن بالنهار ولا يحل لرجل أن يمس امرأته وهو معتكف ولا يتلذذ منها بقبلة ولا غيرها ولم أسمع أحدا يكره للمعتكف ولا للمعتكفة أن ينكحا في اعتكافهما ما لم يكن المسيس وكذلك الصائم ينكح في ليل صيامه وليس للمحرم إلى آخر كلامه قال أبو عمر قال الله عز وجل ‏(‏ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد‏)‏ ‏[‏البقرة 187‏]‏‏.‏

فأجمع العلماء على أنه إن وطىء في اعتكافه عامدا في ليل أو نهار يبدأ اعتكافه وروي عن بن عباس ومجاهد والضحاك قالوا كانوا يجامعون وهم معتكفون حتى نزلت ‏(‏ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد‏)‏ وقال بن عباس كانوا إذا اعتكفوا يخرج أحدهم إلى الغائط جامع امرأته ثم اغتسل ورجع إلى اعتكافه فنزلت الآية وأجمعوا أن قوله تعالى ‏(‏ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد‏)‏ قد اقتضى الجماع واختلفوا فيما دونه من القبلة واللمس والمباشرة فقال مالك من أفطر في اعتكافه يوما عامدا أو جامع ليلا أو نهارا ناسيا أو قبل أو لمس أو باشر فسد اعتكافه أنزل أو لم ينزل لقوله تعالى ‏(‏ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد‏)‏‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن باشر أو قبل أو نزل فسد اعتكافه‏.‏

وقال الشافعي إن باشر فسد اعتكافه وقال في موضع آخر لا يفسد الاعتكاف إلا بالوطء الذي يوجب الحد وهو قول عطاء‏.‏

وقال أبو ثور إذا جامع دون الفرج أفسد اعتكافه وقال الزهري والحسن ويجب عليه ما يجب على الواطئ في رمضان وروى بن عيينة والثوري عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن بن عباس قال إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم وسالم وعطاء وجماعة الفقهاء وكلهم يلزمه الاستئناف إلا الشعبي فإنه قال يتم ما بقي وقال مجاهد يتصدق بدينارين قال أبو عمر فساد الاعتكاف بالوطء لا شك فيه والعزم في الكفارة مختلف فيه ولا حجة لمن أوجبه فإن كان الاعتكاف في رمضان ووطئ فيه فكفارته كفارة الجماع في رمضان أو كان في غير رمضان فلا كفارة عليه وعليه قضاء اعتكافه ولا أعلم خلافا في المعتكف يطأ أهله عامدا أنه قد أفسد اعتكافه كما يفسد صومه لو فعل ذلك فإن وطىء ناسيا فكل على أصله يقضي بفساد الصوم بالوطء ناسيا فالاعتكاف كذلك عنده فاسد ومن لم يفسد الصوم بالوطء ناسيا لم يفسد لذلك الاعتكاف وبالله التوفيق‏.‏

باب ما جاء في ليلة القدر

658- مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من صبحها من اعتكافه قال من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد من صبحها في ماء وطين فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر قال أبو سعيد فأمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد قال أبو سعيد فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبح ليلة إحدى وعشرين قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على أن الاعتكاف في رمضان سنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يواظب على الاعتكاف فيه وما واظب عليه فهو سنة والدليل على أنه كان يعتكف في كل رمضان قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوسط من رمضان وهذا اللفظ يدل على المداومة وفي رواية محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد في هذا الحديث بيان ذلك عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان‏.‏

وأما قوله حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من صبيحتها من اعتكافه هكذا رواه يحيى بن بكير والشافعي عن مالك يخرج فيها من صبيحتها ورواه القعنبي وبن وهب وبن القاسم وجماعة عن مالك وقالوا فيه وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه وقد ذكرنا مسألة خروج المعتكف في العشر الأواخر أي وقت هو في باب خروج المعتكف إلى العيد‏.‏

وأما خروج من اعتكف العشر الوسط أو اعتكف في أول الشهر ف روى بن وهب وبن عبد الحكم عن مالك قال من اعتكف أول الشهر أو وسطه فليخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه وإن اعتكف في آخر الشهر فلا ينصرف إلى بيته حتى يشهد العيد وكذلك بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر لا أعلم خلافا في المعتكف في غير رمضان أو في العشر الأول أو الوسط من رمضان أنه لا يخرج من اعتكافه إلا إذا غربت الشمس من آخر أيام اعتكافه وهذا يعضد ويشهد بصحة رواية من روى يخرج فيها من اعتكافه وأن رواية من روى يخرج من صبيحتها وهم وأظن الوهم دخل عليهم من مذهبهم في خروج المعتكف العشر الأواخر في صبيحة يوم الفطر حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو سلمة القعنبي قال حدثنا مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه وذكر الحديث وروى البخاري عن عبد الله بن منير عن هارون بن إسماعيل عن علي بن المبارك عن يحيى بن كثير عن أبي سلمة أنه سأل أبا سعيد الخدري قال قلت هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ليلة القدر قال نعم اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان فخرجنا صبيحة عشرين فخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عشرين فقال إني أريت ليلة القدر فذكر الحديث كذا قال صبيحة عشرين وهذا خلاف ما رواه مالك وغيره في حديث أبي سعيد الخدري هذا والوجه عندي -والله أعلم- انه أراد خطبهم غداة عشرين ليعرفهم أنه اليوم الآخر من أيام اعتكافهم وأن الليلة التي تلك الصبيحة هي ليلة إحدى وعشرين هي المطلوب فيها ليلة القدر بما رأى من الرؤيا وقوله إني أريتها ثم أنسيتها ورأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر فهذا يدل على أن ليلة القدر تنتقل ويخيل أن يكون قوله التمسوها في العشر الأواخر يعني في الوتر منها أي في ذلك العام والله أعلم ويحتمل أن يكون ذلك في الأغلب من كل عام ورؤياه صلى الله عليه وسلم دلته على أنها من ذلك العام في الأيام الباقية من شهر رمضان وهي العشر الأواخر وأنها في الوتر منها فلذلك خاطبهم ثم خاطبهم به والله أعلم ويدل على هذا التأويل اختلاف الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم واختلاف العلماء فيها على ما نراه في هذا الباب إن شاء الله حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا عبد الرحيم بن شريك عن أبيه عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر فإني قد رأيتها فنسيتها وهي ليلة مطر وريح أو قال فطر وريح قال أبو عمر هذا يدل على أنه أراد في ذلك العام والله أعلم‏.‏

وأما قوله وكان المسجد على عريش فوكف فإنه أراد أن سقفه كان معرشا بالجريد من غير طين ولذلك كان يكف وقوله فوكف يعني هطل فتبلل المسجد من ذلك ماء وطين وقد اختلف قول مالك في الصلاة في الطين على حسب اختلاف الأحوال فمرة قال لا يجزيه إلا أن ينزل بالأرض ويسجد عليها على حسب ما يمكنه استدلالا بهذا الحديث لقوله فيه فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين ومرة قال يجزيه أن يومئ إيماء ويجعل سجوده أخفض من ركوعه يعني إذا كان الماء قد أحاط به أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن عمر بن يحيى بن حرب قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أنه قال أومأ في ماء وطين قال عمرو وما رأيت أعلم من جابر بن زيد وقد ذكرنا في التمهيد حديث يعلى بن أمية قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتنا السماء فكانت البلة من تحتنا والسماء من فوقنا ونحن في مضيق فحضرت الصلاة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن وأقام وتقدم رسول الله يصلي على راحلته والقوم على راحلتهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع وقد ذكرنا هذا من طرق في التمهيد وعن جماعة من التابعين مثل ذلك بالأسانيد وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الصلاة المكتوبة على الراحلة فقال في شدة الحرب‏.‏

وأما الأمن فلا إلا في موضعين التطوع وفي الطين المحيط به وقد تكلمنا على هذه المسألة في التمهيد وأتينا منه ها هنا وفي كتاب الصلاة بما فيه كفاية والحمد لله وفي هذا الحديث ما يدل أن السجود على الأنف والجبهة جميعا واجتمع العلماء على أنه إذا سجد على جبهته وأنفه فقد أدى فرض سجوده واختلفوا فيمن سجد على أنفه دون جبهته أو على جبهته دون أنفه فقال مالك يسجد على جبهته وأنفه فإن سجد على أنفه دون جبهته لم يجزه وإن سجد على جبهته دون أنفه فقد أدى ولا إعادة عليه‏.‏

وقال الشافعي لا يجزيه حتى يسجد على جبهته وأنفه وهو قول الحسن بن حي واحتج الشافعي بحديثه في هذا الباب وبقوله -عليه السلام- أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء وذكر منها الوجه وبان في حديث أبي سعيد هذا أن سجوده على وجهه كان على جبهته وأنفه وروى حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لم يضع أنفه في الأرض في سجوده فلا صلاة له‏.‏

وقال أبو حنيفة إذا سجد على جبهته أو ذقنه أو أنفه أجزأه وحجته حديث بن عباس عن النبي -عليه السلام- أمرت أن أسجد على سبعة آراب فذكر منها الوجه قالوا فأي شيء وضع من الوجه أجزأه وهذا ليس بشيء لأن حديث بن عباس قد ذكر فيه جماعة من الحفاظ الأنف والجبهة وقد ذكرناه في التمهيد من طرق ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله عز وجل مراده قولا وفعلا‏.‏

659- وأما حديث مالك في هذا الباب عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان فقد وصلناه في التمهيد أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمر قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي يعقوب عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال سمعت عائشة تقول كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله‏.‏

وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق الجوهري قال حدثنا محمد بن جعفر بن أعين قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا المسعودي عن محارب بن دثار عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال التمسوها - ليلة القدر - في العشر الأواخر من رمضان ومعلوم سماع عروة من عائشة وبن عمر في غير حديث وقوله التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر على انتقالها في الوتر منها على ما قدمنا ذكره‏.‏

660- وحديثه عن عبد الله بن دينار عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان القول فيه كالقول فيما قبله والأغلب من قوله في السبع الأواخر أنه في ذلك العام والله أعلم لئلا يتضاد مع قوله في العشر الأواخر ويكون قوله وقد مضى من الشهر ما يوجب قول ذلك وفي هذه الأحاديث الحض على التماس ليلة القدر وطلبها بصلاة الليل والاجتهاد بالدعاء‏.‏

661- وذكر عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عبد الله بن أنيس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ‏!‏ إني رجل شاسع الدار فمرني ليلة أنزل لها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان قال أبو عمر وهذا حديث منقطع ولم يلق أبو النضر عبد الله بن أنيس ولا رآه ولكنه يتصل من وجوه شتى صحاح ثابتة منها ما رواه الزهري عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم متصل‏.‏

وأخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو بكر بن الأسود قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن الحارث التيمي عن بن عبد الله بن أنيس قال حدثني أبي قال قلت يا رسول الله إني أكون في باديتي وأنا بحمد الله أصلي فيها فمرني بليلة من هذا الشهر أنزل بهذا المسجد أصليها فيه قال انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها فيه وروى يزيد بن الهاد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه أخبره عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عبد الله بن أنيس بمعناه قال بن الهاد وكان محمد بن إبراهيم يجتهد تلك الليلة وذكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة عن بن عباس قال بينا أنا نائم في رمضان فقيل لي إن الليلة ليلة القدر فقمت وأنا ناعس فتعلقت ببعض أطناب فسطاط رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وهو يصلي فنظرت في الليلة فإذا هي ليلة ثلاث وعشرين قال بن عباس إن الشيطان يطلع مع الشمس كل يوم إلا ليلة القدر وذلك أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد قال كان بن عباس ينضح على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين وعن بن جريج قال أخبرني يونس بن يوسف أنه سمع سعيد بن المسيب يقول استقام ملأ القوم أنها ليلة ثلاث وعشرين قال أبو عمر يعني في ذلك العام والله أعلم وهذه الليلة تعرف بليلة الجهني بالمدينة وذكر عبد الرزاق عن منصور عن إبراهيم عن الأسود قال كانت عائشة توقظ أهلها ليلة ثلاث وعشرين وعن محمد بن راشد عن مكحول أنه كان يراها ليلة ثلاث وعشرين قال معمر كان أيوب يغتسل في ليلة ثلاث وعشرين وذكر بن وضاح قال حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثنا رشدين بن سعد عن زهرة بن معبد قال أصابني احتلام في أرض العدو وأنا في البحر ليلة ثلاث وعشرين في رمضان قال فذهبت لأغتسل فسقطت في الماء فإذا الماء عذب فأذنت أصحابي وأعلمتهم أني في ماء عذب‏.‏

662- وأما حديث مالك في هذا الباب عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فقال إني أريت هذه الليلة في رمضان حتى تلاحى رجلان فرفعت فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة هكذا روى مالك هذا الحديث عن أنس قال خرج علينا رسول الله وخالفه أصحاب حميد كأنهم قرؤوه عن حميد عن أنس عن عبادة بن الصامت قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الوهاب عن حميد عن أنس عن عبادة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان فقال إني خرجت أن أخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان ولعل ذلك أن يكون خيرا فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة وكذلك رواه يحيى القطان وبشر بن المفضل وبن أبي عدي وحماد بن سلمة وغيرهم عن حميد عن أنس عن عبادة كلهم جعله من مسند عبادة وقال علي بن المديني وهم فيه مالك وخالفه أصحاب حميد وهم أعلم به منه ولم يكن له وحميد علم كعلمه بمشيخة أهل المدينة قال أبو عمر ليس في حديث عبد الوهاب هذا فرفعت وهو في حديث مالك وغيره والله أعلم بما أراد رسوله بقوله ذلك والأظهر من معانيه أنه رفع علم تلك الليلة عنه فأنسيها بعد أن كان علمها وكان سبب ذلك ما كان من تلاحي الرجلين والله أعلم والملاحاة المراء والمراء لا تؤمن فتنته ولا تفهم حكمته ومن تقدم الملاحاة أنهم حرموا ليلة القدر في تلك الليلة ولم يحرموها في ذلك العام بدليل قوله التمسوها في التاسعة والخامسة والله أعلم‏.‏

وأما قوله في التاسعة فإنه أراد تاسعة تبقى وهي ليلة إحدى وعشرين وقوله والسابعة السابعة تبقى وهي ليلة ثلاث وعشرين والخامسة يريد الخامسة تبقى وهي ليلة خمس وعشرين وهذا عن الأغلب في أن الشهر ثلاثين يوما وهو الأصل بدليل قوله صلى الله عليه وسلم فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ومعلوم أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الشهر تسع وعشرون وثلاثون وقد أوضحنا هذا المعنى بالآثار والشواهد في التمهيد قال أبو عمر في ليلة إحدى وعشرين حديث أبي سعيد الخدري من رواية مالك وغيره وفي ليلة ثلاث وعشرين حديث عبد الله بن أنيس الجهني وقد تقدم ذكره وفي ليلة سبع وعشرين حديث أبي بن كعب وحديث معاوية وهي كلها صحاح تدل على انتقال ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر في الأغلب ولا يبعد أن تكون في غير العشر الأواخر ولا أن تكون في غير الوتر ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر في كل وتر‏.‏

وأما حديث أبي بن كعب فحدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا حدثنا حماد عن عاصم عن زر قال قلت لأبي بن كعب يا أبا المنذر أخبرني عن ليلة القدر فإن صاحبنا سئل عنها فقال من يقم الحول يصبها فقال رحم الله أبا عبد الرحمن والله لقد علم أنها في رمضان ولكن كره أن تتكلوا والله إنها لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثني قلت يا أبا المنذر أنى علمت ذلك قال بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ما الآية قال تطلع الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع‏.‏

وأما قوله إنها تكون في غير الوتر فلحديث عبد الله بن أنيس وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أرسلني إليك رهط من بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر فقال كم الليلة قلت اثنان وعشرون قال هي الليلة ثم رجع فقال أو القابلة يريد ثلاثا وعشرين وفي هذا الحديث دليل على جواز كونها ليلة اثني وعشرين وليس ذلك بوتر إلا أنه حديث انفرد به عباد بن إسحاق عن الزهري عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن أنيس عن أبيه وعباد ليس بالقوي وممن ذهب إلى هذا الحسن البصري ذكر معمر عن من سمع الحسن يقول نظرت الشمس عشرين سنة فرأيتها تطلع ليلة أربع وعشرين من رمضان ليس لها شعاع‏.‏

وأما قولي إنها قد تكون في غير العشر الأواخر فلما رواه جعفر عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يتحرى ليلة القدر ليلة تسعة عشر وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وروى يزيد بن هارون قال أخبرنا المسعودي عن حوط الخزاعي قال سألت زيد بن أرقم عن ليلة القدر فما تمارى ولا شك ليلة تسع عشرة ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان وعن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود قال قال عبد الله بن مسعود تحروا ليلة القدر ليلة سبع عشرة صبيحة بدر أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين وقد روي حديث بن مسعود هذا مرفوعا وقد ذكرناه وما كان مثله في التمهيد وذكرنا هناك بالأسانيد عن أربعة من الصحابة أن ليلة القدر في كل رمضان بن عمر وبن عباس وأبي ذر وأبي هريرة ومنهم من يروي حديث بن عمر وحديث أبي ذر مرفوعين وقد ذكرنا ذلك في التمهيد وروى بن جريج قال أخبرني داود بن أبي عاصم عن عبد الله بن محصن قال قلت لأبي هريرة وعمر أإن ليلة القدر قد رفعت قال كذب من قال ذلك قلت فهي في كل رمضان قال نعم وهذا كله من قول بن مسعود وغيره يرد رواية من روى عن بن مسعود من يقم الحول يصبها وأن ذلك على ما تأوله عليه أبي بن كعب حين قال أحب أبا عبد الرحمن أن لا يتكلوا وقد حكى الجوزجاني عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أنهم قالوا ليلة القدر في السنة كلها كأنهم ذهبوا إلى قول بن مسعود قال مالك والشافعي والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور هي منتقلة في العشر الأواخر من رمضان ولا يدفعون أن تكون في كل رمضان قال أبو عمر روى حماد بن سلمة قال أخبرنا ربيعة بن كلثوم قال سأل رجل الحسن وأنا عنده فقال يا أبا سعيد ‏!‏ أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان هي قال أي والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي كل رمضان وأنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم فيها يقضي الله كل خلق وأجل ورزق وعمل إلى مثلها وذكرنا في التمهيد خبر بن عباس من طريق عكرمة عنه ومن طريق سعيد بن جبير أيضا عنه واختصرنا هنا الخبرين معا أن عمر بن الخطاب دعا جماعة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر فقالوا كنا نراها في العشر الأوسط وبلغنا أنها في العشر الأواخر وأكثروا في ذلك فقال بن عباس إني لأعلم أي ليلة هي فقال عمر وأي ليلة هي فقال سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال عمر من أين علمت ذلك قال رأيت الله عز وجل خلق سبع سماوات وسبع أرضين وسبعة أيام يدور الدهر عليهن وخلق الإنسان من سبع ويأكل من سبع فتلا قوله - عز وجل - ‏(‏ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين‏)‏ المؤمنون‏.‏

12- 14‏.‏

وأما يأكل من سبع فقول الله تعالى ‏(‏فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا‏)‏ عبس 27031 فالأب للأنعام والسبعة للإنسان قال أبو عمر وفي هذا الخبر أن عمر سأل من حضره يومئذ من الصحابة - وكانوا جماعة - عن معنى نزول سورة ‏(‏إذا جاء نصر الله والفتح‏)‏ ‏[‏الفتح 1‏]‏‏.‏

فوقفوا ولم يزيدوا على أن قالوا أمر نبيه -عليه السلام- إذا فتح الله عليه أن يسبحه ويستغفره فقال عمر ما تقول يا بن عباس فقال معنى يا أمير المؤمنين أنه نعى إليه نفسه وأعلمه أنه قابضه إليه إذا دخلت العرب في الدين أفواجا فسر عمر بذلك وقال يلوموني في تقريب هذا الغلام فقال عبد الله بن مسعود لو أدرك أسناننا ما عاشره منا رجل ونعم ترجمان القرآن بن عباس‏.‏

663- وأما حديث مالك في هذا الباب أنه بلغه أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تواطأت في السبع فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر هكذا روى هذا الحديث وتابعه قوم ورواه القعنبي والشافعي ومعن بن عيسى وبن وهب وبن القاسم بن بكير وأكثر الرواة عن مالك عن نافع عن بن عمر أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الحديث والحديث محفوظ معلوم من حديث نافع عن بن عمر لمالك وغيره محفوظ أيضا معناه لمالك وغيره عن عبد الله بن دينار عن بن عمر على ما تقدم ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال كانوا لا يزالون يقصون على رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا بأنها في الليلة السابعة من العشر الأواخر فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني أرى رؤياكم قد تواطأت أنها الليلة السابعة من العشر الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها ليلة السابعة من العشر الأواخر قال أبو عمر قوله من كان متحريها يدل على أن قيام ليلة القدر نافلة غير واجب ولكنها فضل ويدل هذا الحديث وما كان مثله على أن الأغلب فيها ليلة سبع وعشرين ويمكن أن تكون ليلة ثلاث وعشرين وقوله أرى رؤياكم قد تواطأت يعني في ذلك المنام والله أعلم وبدليل سائر الأحاديث في ذلك أخبرنا عبد الرحمن بن مروان قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن يحيى القلزمي قال حدثنا عبد الله بن علي قال حدثنا إسحاق بن منصور قال حدثنا عبد الرحمن بن سعيد قال حدثنا جابر بن يزيد بن رفاعة عن يزيد بن أبي سليمان قال سمعت زر بن حبيش يقول لولا سفهاؤكم لوضعت يدي في أذني ثم ناديت إلا إن ليلة القدر في السبع الأواخر قبلها ثلاث نبأ من لم يكذبني عن نبأ من لم يكذبه يعني به أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

664- مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر قال أبو عمر لا أعلم هذا الحديث يروى مسندا ولا مرسلا من وجه من الوجوه إلا ما في الموطأ وهو أحد الأربعة الأحاديث التي لا توجد في غير الموطأ أحدها إني لأنسى - أو أنسى والثاني إذا نشأت بحرية والثالث حسن خلقك للناس معاذ بن جبل والرابع هذا وليس منها حديث منكر ولا ما يدفعه أصل وفيه من وجوه العلم أن ليلة القدر لم يعطها إلا محمد وأمته صلى الله عليه وسلم وفيه أن أعمار من مضى كانت أطول من أعمارنا أخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا محمد بن المصفى قال حدثنا بقية بن الوليد قال حدثني بجير بن سعيد عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة القدر في العشر البواقي من قامهن ابتغاء وجه الله غفر الله له ما تقدم من ذنبه وهي ليلة تسع تبقى أو سبع أو خمس أو ثلاث أو آخر ليلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمرا ساطعا ساكنة لا برد فيها ولا حر ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى يصبح وإن أمارتهما الشمس أن تخرج صبيحتها مشرقة ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل للشيطان أن يطلع معها يومئذ قال أبو عمر هذا حديث حسن حديث غريب وهو من حديث الشاميين رواته كلهم ثقات وبقية إذا روى عن الثقات فليس بحديثه بأس‏.‏

665- وأما حديث مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها قال أبو عمر مثل هذا لا يكون رأيا ولا يؤخذ إلا توقيفا ومراسيل سعيد أصح المراسيل وفيه الحض على شهود العشاء في جماعة وبيان فضيلة ليلة القدر وبالله التوفيق تم شرح كتاب الاعتكاف‏.‏

كتاب الحج - القسم الأول

باب الغسل للإهلال

666- مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء بنت عميس أنها ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مرها فلتغتسل ثم لتهل‏.‏

667- مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن أسماء بنت عميس ولدت محمد بن أبي بكر بذي الحليفة فأمرها أبو بكر أن تغتسل ثم تهل‏.‏

668- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم ولدخوله مكة ولوقوفه عشية عرفة قال أبو عمر حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء مرسل لأنه لم يسمع القاسم من أسماء بنت عميس وقد رواه سليمان بن بلال قال حدثنا يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم بن محمد يحدث عن أبيه عن أبي بكر الصديق ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ أنه خرج حاجا بامرأته أسماء بنت عميس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت محمد بن أبي بكر بالشجرة فأتى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأخبره فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمرها أن تغتسل ثم تهل بالحج ثم تصنع ما يصنعه الحاج إلا أنها لا تطوف بالبيت حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان بن بلال فذكره مسندا ورواه إسحاق بن محمد الفروي أيضا مسندا عن عبد الله بن عمر العمري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة وعن نافع عن بن عمر - أن أبا بكر خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أسماء بنت عميس حتى إذا كانت بذي الحليفة ولدت أسماء محمد بن أبي بكر فاستفتى أبو بكر لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال مرها فلتغتسل ثم تهل قال أبو عمر مرسل مالك أقوى وأثبت من مسانيد هؤلاء لما ترى من اختلافهم في إسناده والفروي ضعيف وسليمان بن بلال أحد ثقات أهل المدينة‏.‏

وأما حديث مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب فاختلفوا فيه عن سعيد فرواه بن وهب عن الليث ويونس وعمرو بن الحارث عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس أم عبد الله بن جعفر وكانت عاركا أن تغتسل ثم تهل بالحج قال بن شهاب فلتفعل المرأة في العمرة ما تفعل في الحج ورواه بن عيينة عن عبد الكريم الجزري وعن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب موقوفا على أبي بكر كما رواه مالك والمعنى فيه صحيح عند جماعة العلماء في أن الحائض والنفساء تغتسلان وتهلان بالحج وإن شاءتا بالعمرة ثم تحرمان وإن شاءتا فلتعملا عمل الحج كله إلا الطواف بالبيت أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عيسى وإسماعيل بن إبراهيم أبو معمر قالا حدثنا مروان بن شجاع عن خصيف عن عكرمة ومجاهد وعطاء عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال النفساء والحائض إذا أتتا على الوقت تغتسلان وتحرمان وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت لم يذكر بن عيسى عن عكرمة ومجاهد وإنما قال عن خصيف عن عطاء عن بن عباس عن بن عمر قال أبو عمر في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائض والنفساء بالغسل عند الإهلال دليل على تأكيد الإحرام بالغسل بالحج أو العمرة إلا أن جمهور العلماء يستحبونه ولا يوجبونه وما أعلم أحدا من المتقدمين أوجبه إلا الحسن البصري فإنه قال في الحائض والنفساء إذا لم تغتسل عند الإهلال اغتسلت إذا ذكرت وبه قال أهل الظاهر قالوا الغسل واجب عند الإهلال على كل من أراد أن يهل وعلى كل من أراد الحج طاهرا كان أو غير طاهر وقد روي عن عطاء إيجابه وروي عنه أن الوضوء يكفي منه قال أبو عمر الغسل عند الإهلال بالحج أو العمرة سنة مؤكدة عند مالك وأصحابه لا يرخصون في تركها إلا من عذر ولا يجوز عندهم ترك السنن اختيارا روى بن نافع عن مالك أنه استحب الأخذ بقول بن عمر في الاغتسال والإهلال بذي الحليفة وبذي طوى لدخول مكة وعند الرواح إلى عرفة ولو تركه تارك من عذر لم أر عليه شيئا وقال بن القاسم لا يترك الرجل والمرأة الغسل عند الإحرام إلا من ضرورة‏.‏

وقال مالك إن اغتسل بالمدينة وهو يريد الإحرام ثم مضى من فوره إلى ذي الحليفة فأحرم فإن غسله يجزئ عنه قال وإن اغتسل بالمدينة غدوة ثم أقام إلى العشي ثم راح إلى ذي الحليفة فأحرم قال لا يجزئه غسله إلا أن يغتسل ويركب من فوره إلا أن يأتي ذا الحليفة إذا أراد الإحرام‏.‏

وقال أحمد بن المعذل عن عبد الملك بن الماجشون الغسل عند الإحرام لازم إلا أنه ليس في تركه ناسيا ولا عامدا دم ولا فدية قال وإن ذكره بعد الإهلال فلا أرى عليه غسلا قال ولم أسمع أحدا قاله يعني أوجبه بعد الإهلال وقال بن نافع عن مالك لا تغتسل الحائض بذي طوى لأنها لا تطوف بالبيت وقد روي عن مالك أنها تغتسل كما تغتسل غير الحائض وقال بن خويز منداد الغسل عند الإهلال عند مالك أوكد من غسل الجمعة‏.‏

وقال أبو حنيفة والأوزاعي والثوري يجزئه الوضوء وهو قول إبراهيم‏.‏

وقال الشافعي لا أحب لأحد أن يدع الاغتسال عند الإهلال فإن لم يفعل فقد أساء إن تعمد ذلك وأجزأه‏.‏