فصل: باب ما تجب فيه الزكاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


كتاب الزكاة

باب ما تجب فيه الزكاة

532- مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس ذود صدقة وليس فيما دون خمس أواق صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة‏.‏

533- مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبيه أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواقي من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة‏.‏

534- مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله على دمشق في الصدقة إنما الصدقة في الحرث والعين والماشية قال مالك ولا تكون الصدقة إلا في ثلاثة أشياء في الحرث والعين والماشية قال أبو عمر حديث أبي سعيد الخدري في هذا الباب من رواية عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد ومن رواية محمد بن يحيى بن حبان وغيره عن يحيى بن عمارة والد عمرو بن يحيى عن أبي سعيد صحيح ولا مطعن لأحد فيه‏.‏

وأما رواية بن أبي عبد الرحمن بن أبي صعصعة فمعلولة لا تصح عنه عن أبيه عن أبي سعيد وإنما هي ليحيى بن عمارة عن أبي سعيد وقد بينا ذلك في التمهيد وقال بعض أهل العلم إن هذه السنة الثابتة من رواية أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم لا توجد إلا من رواية أبي سعيد الخدري دون سائر الصحابة والذي ذكره من ذلك هو الأغلب المعروف إلا أني قد وجدتها من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ومن رواية محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن جابر كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرتهما بإسناديهما في التمهيد وحديث جابر المذكور أكثر بيانا وأكثر فائدة في النص قال عمرو بن دينار كان جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صدقة في شيء من الزرع والنخل والكرم حتى يكون خمسة أوسق ولا في الرقة حتى تبلغ مائتي درهم وهذا أعم فائدة ولا خلاف فيه وإن كان إسناده فيه لين فإن إجماع العلماء على القول به تصحيح له‏.‏

وأما قوله ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة الذود واحد الإبل تقول ليس فيما دون خمس من الإبل أو خمس جمال أو خمس نوق صدقة والذود واحد ومنه قيل الذود إلى الذود إبل وقد قيل إن الذود قطعة من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر والأول عند أكثر أهل اللغة وأشهر قال الحطيئة‏:‏

ونحن ثلاثة وثلاث ذود *** لقد عال الزمان على عيالي

أي مال عليهم والأكثر أن الذود عند أهل اللغة من الثلاثة إلى العشرة قال أبو حاتم وتركوا القياس في الجمع فقالوا ثلاث ذود لثلاث من الإبل وأربع ذود وعشر ذود كما قالوا ثلاث مائة وأربع مائة على غير قياس والقياس ثلاث مئين ومئات ولا يكادون يقولون ذلك قال بن قتيبة ذهب قوم إلى أن الذود واحد وذهب آخرون إلى أن الذود جميع واختار بن قتيبة قول من قال إنه جميع واحتج له بأنه لا يقال خمس ذود كما لا يقال خمس ثوب قال أبو عمر ليس قوله بشيء لأنه لا يقال خمس ثوب وقد كان بعض الشيوخ لا يروونه إلا في خمس ذود على التنوين لا على الإضافة وعلى هذا يصح ما قاله أهل اللغة قال أبو عمر الصدقة المذكورة في حديث أبي سعيد الخدري وغيره في هذا الباب هي الزكاة المعروفة وهي الصدقة المفروضة سماها الله صدقة وسماها زكاة وقال عز وجل ‏(‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها‏)‏ ‏[‏التوبة 103‏]‏‏.‏

وقال ‏(‏إنما الصدقات للفقراء والمساكين‏)‏ ‏[‏التوبة 60‏]‏‏.‏ يعني الزكاة وقال ‏(‏وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة‏)‏ ‏[‏البقرة 43‏]‏‏.‏ وقال ‏(‏الذين لا يؤتون الزكاة‏)‏ ‏[‏فصلت 7‏]‏‏.‏

فهي الصدقة وهي الزكاة وهذا ما لا تنازع فيه والحمد لله وفي هذا الحديث دليل على أن ما كان دون الخمس من الإبل فلا زكاة فيه وهذا إجماع من علماء المسلمين وأفادنا قوله ليس فيما دون خمس ذود صدقة فائدتين إحداهما إيجاب الزكاة في الخمس فما فوقها ونفي الزكاة عما في دونها ولا خلاف في ذلك فإذا بلغت خمسا ففيها شاة واسم الشاة يقع على واحدة من الغنم والغنم الضان والمعز وهذا أيضا إجماع من العلماء أنه ليس في خمس من الإبل إلا شاة واحدة وهي فريضتها فإذا بلغت الإبل عشرة ففيها شاتان وسيأتي القول في زكاة الإبل مبسوطا في باب صدقة الماشية من هذا الكتاب إن شاء الله‏.‏

وأما قوله ‏(‏عليه السلام‏)‏ ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة فإنه إجماع من العلماء أيضا وفيه معنيان يقتضيان فائدتين كما ذكرنا فيما قبل في الإبل إحداهما نفي الزكاة عما دون خمس أواق والثانية إيجابها في هذا المقدار وفيما زاد عليه بحسابها هذا ما يوجبه ظاهر الحديث لعدم النص عن العفو منها فيما بعد الخمس الأواقي حتى تبلغ مقدارا فلما عدم النص في ذلك وجب القول بإيجابها في القليل والكثير بدلالة العفو عما دون الخمس الأواقي لأنه إيجاب لها في الخمس فما فوقها وعلى هذا أكثر العلماء وسنذكر القائلين به والخلاف فيه في هذا الباب بعد إن شاء الله والأوقية عندهم أربعون درهما كيلا لا خلاف في ذلك والأصل في الأوقية ما ذكره أبو عبيد قال الأوقية اسم لوزن سلعة أربعون درهما كيلا والنش نصف الأوقية والنواة وزنها خمسة دراهم كيلا وما قاله أبو عبيد ذلك هو قول جمهور العلماء قال أبو عبيد كانت الدراهم غير معلومة إلى أيام عبد الملك بن مروان فجمعها وجعل كل عشرة من الدراهم وزن سبعة مثاقيل قال وكانت الدراهم يومئذ درهم من ثمانية دوانق زيف ودرهم من أربعة دوانق جيد قال فاجتمع رأي علماء ذلك الوقت لعبد الملك على أن جمعوا الأربعة الدوانق إلى الثمانية فصارت اثني عشر دانقا فجعلوا الدرهم ستة دوانق وسموه كيلا فاتفق لهم في ذلك أن كل مائتي درهم زكاة وأن أربعين درهما أوقية وأن في الخمس الأواقي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دونها صدقة مائتي درهم لا زيادة وهي نصاب الصدقة قال أبو عمر الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز أن تكون مجهولة المبلغ من الدراهم في الوزن ثم يوجب الزكاة عليها وليس يعلم مبلغ وزنها ووزن الدينار درهمان أمر مجتمع عليه في البلدان وكذلك درهم الوزن اليوم أمر مجتمع عليه معروف بالآفاق إلا أن الوزن عندنا بالأندلس مخالف لوزنهم فالدرهم الكيل عندهم هو عندنا بالأندلس درهم وأربعة أعشار درهم لأن دراهمنا مبنية على دخل أربعين ومائة منها في مائة كيل من دراهمهم هكذا أجمع الأمراء والناس عندنا بالأندلس وما أظن عبد الملك وعلماء عصره نقصوا شيئا من الأصل وإنما أنكروا وكرهوا الجاري عندهم من ضرب الروم فردوها إلى ضرب الإسلام فعلى ما ذكرنا في الدرهم المعهود عندنا أنه درهم وخمسان تكون المائتا درهم كيلا مائتي درهم وثمانين درهما بدرهمنا وقد قيل إن الدرهم المعهود بالمشرق وهو المعهود بالكيل المذكور هو بوزننا اليوم بالأندلس درهم ونصف وأظن ذلك بمصر وما والاها‏.‏

وأما أوزان أهل العراق فعلى ما ذكرت لك لم تختلف علينا كتب علمائهم أن درهمهم درهم وأربعة أعشار درهم بوزننا وهذا موجود في كتب الكوفين والبغداديين إلى عصرنا هذا ويسمونها في وثائقهم وزن سبعة وقد حكى الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه اختلاف الدينار والدرهم في اليمن وناحية عدن فقال قد اصطلح الناس على دراهمنا وإن كان بينهم في ذلك اختلاف لطيف قال‏.‏

وأما الدنانير فليس فيها اختلاف قال أبو عمر فجملة النصاب ومبلغه اليوم بوزننا على الدخل المذكور خمسة وثلاثون دينارا دراهم حساب الدينار ثمانية دراهم بدراهمنا التي هي دخل أربعين درهما ومائة في مائة كيلا على حساب الدرهم الكيل درهم وأربعة أعشار كما ذكرنا عن السلف بالعراق والحجاز والخلف منهم‏.‏

وأما على حساب الدرهم الدرهم ونصف فإنها تكون سبعة وثلاثين دينارا دراهم وأربعة دراهم والقول الأول هو المعروف عند العلماء فإذا ملك الحر المسلم وزن المائتي الدرهم المذكورة من فضة مضروبة أو غير مضروبة وهي الخمس الأواقي المنصوص عليها في الحديث حولا كاملا فقد وجبت عليه صدقتها وذلك ربع عشرها خمسة دراهم للمساكين والفقراء ومن ذكر في آية الصدقة إلا المؤلفة قلوبهم فإن الله قد أغنى الإسلام وأهله اليوم عن أن يتألف عليه كافر وسنبين هذا المعنى في باب قسم الصدقات من هذا الكتاب مجودا إن شاء الله‏.‏

وأما قوله في هذا الحديث من الورق فإن أهل اللغة قالوا الورق والرقة هي الدراهم المضروبة ولا يقال عندهم لما عداها من النقود والمسبوك والمصنوع ورقا ولا رقة وإنما يقال له فضة والفضة اسم جامع لذلك كله‏.‏

وأما الفقهاء فالفضة والورق عندهم سواء واختلفوا فيما زاد على المائتي درهم الخمس الأواق المذكورة من الفضة فقال أكثرهم ما زاد على المائتي درهم الورق فبحساب ذلك في كل شيء منه ربع عشرة قل أو كثر هذا قول مالك والليث والشافعي وأكثر أصحاب أبي حنيفة منهم أبو يوسف ومحمد وهو قول بن أبي ليلى والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبي عبيد وبن علية وروي ذلك عن علي وبن عمر روى سفيان الثوري وغيره عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي في كل عشرين دينارا نصف دينار وفي كل أربعين دينارا دينار وفي كل مائتي درهم خمسة دراهم وما زاد فبالحساب وروى بن عيينة وغيره عن أيوب عن بن سيرين عن جابر الحذاء عن بن عمر قال في كل مائتي درهم خمسة دراهم فما زاد فبالحساب وعن إبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز مثله وقالت طائفة من أهل العلم أكثرهم أهل العراق لا شيء فيما زاد على المائتي درهم حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما فإذا بلغتها كان فيها درهم وذلك ربع عشرها مضافا إلى الخمسة دراهم تتمم ستة دراهم وما زاد على العشرين دينار من الذهب فلا شيء فيه حتى تبلغ أربعة دنانير هذا قول يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رواه الليث بن سعد وغيره عن يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس عن عمر بن الخطاب وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وطاوس وعطاء والشعبي وبن شهاب الزهري ومكحول وعمرو بن دينار والأوزاعي وأبو حنيفة وزفر وطائفة من أصحابنا واحتج أبو حنيفة ومن قال بقوله لهذا المذهب بما رواه الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة ربع العشر من كل مائتي درهم خمسة دراهم ومن كل عشرين دينارا نصف دينار وليس في مائتي درهم شيء حتى يحول عليها الحول فإذا حال عليها الحول ففيها خمسة دراهم فما زاد ففي كل أربعين درهم وفي كل أربعة دنانير تزيد على العشرين دينارا درهم حتى يبلغ الذهب أربعين دينارا فيكون فيها دينار وفي أربعة وعشرين دينارا نصف دينار ودرهم هكذا روى هذا الحديث من أوله إلى آخره الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة والحارث الخارقي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الحفاظ من أصحاب أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي من قوله لم يذكروا فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه الثوري وغيره لم يتجاوزوا به عليا رضي الله عنه ولا ساقوه المساق الذي ساقه الحسن بن عمارة ولا يحفظ هذا التلخيص الذي ذكره الحسن بن عمارة إلا من أقاويل التابعين عطاء بن أبي رباح وغيره وقد روي عن علي أيضا خلاف هذا الحديث أنه قال فما زاد على المائتي درهم فبالحساب كما روي فيه عن بن عمر ومن ذكرنا معه وقد احتج بعض الكوفيين لمذهبه هذا من جهة النظر بأن قال ما زاد على المائتي درهم إلى أن تبلغ أربعين درهما مختلف فيه لا يثبت باختلاف قال وهم مجمعون على الأربعين الزائدة على المائتي درهم فكأنه قال فما زاد على المائتي درهم فبالحساب كما قال فيما زادت ففي كل مائتين شاة قال ولما أجمعوا على الأوقاص في الماشية واختلفوا في العين وجب رد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه من أوقاص المواشي قال وهذا معنى قوله فبالحساب إذ زادت تزيد إذا زادت أربعين فبالحساب في كل أربعين درهما درهم وكذلك الذهب إذا زادت أربعة دنانير قال أبو عمر هذا غير لازم لأن ما اختلفوا فيه من هذا الباب أصول والأصول لا يقاس بعضها ببعض ولا يرد بعضها إلى بعض وأصل الكوفيين في ذلك غير صحيح لأن الحسن بن عمارة لا يلتفت أهل العلم بالحديث إلى حديثه لضعفه وقد روي عن طاوس في هذا الباب قول ثالث رواه بن جريج عن هشام بن حجير عن طاوس قال إذا زادت الدراهم على مائتي درهم فلا شيء فيها حتى تبلغ أربع مائة درهم قال أبو عمر كأنه ذهب إلى الخبر في المائتي درهم خمسة دراهم كما جاء في الخبر في كل خمس من الإبل شاة وفي عشر شاتان ولا أعلم أحدا قاله كما رواه بن جريج عن هشام بن حجير عن طاوس وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن هشام بن حجير عن طاوس خلاف ذلك على ما رواه بن طاوس عن أبيه والذي روى بن طاوس عن أبيه أنه إذا زادت الدراهم على مائتين فلا شيء فيها حتى تبلغ أربعين فإذا زادت الدنانير على عشرين دينار فلا شيء فيها حتى تبلغ أربعة دنانير على ما روي عن عمر وسعيد بن المسيب ومن ذكرنا معهما وهذا هو الصحيح عن طاوس ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن يونس عن الحسن قال ما زاد على المائتين فلا يؤخذ منه شيء حتى يبلغ أربعين درهما كيلا قال وقاله بن جريج عن عطاء وعمرو بن دينار وعن هشام بن حجير عن طاوس مثله‏.‏

وأما قوله صلى الله عليه وسلم وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ففيه معنيان أحدهما نفي وجوب الزكاة عما كان دون هذا المقدار والثاني وجوب الزكاة في هذا المقدار فما فوقه والوسق ستون صاعا بإجماع من العلماء بصاع النبي صلى الله عليه وسلم والصاع أربعة أمداد بمده صلى الله عليه وسلم ومده زنة رطل وثلث وزيادة شيء لطيف بالرطل البغدادي وهو رطل الناس في آفاق الإسلام اليوم وعلى هذا جمهور العلماء وإلى هذا رجع أبو يوسف حين ناظره مالك في المد وأتاه بمد أبناء المهاجرين والأنصار بما ذكره وراثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وكان هو وأصحابه قبل ذلك يقولون في زنة مد النبي صلى الله عليه وسلم رطلان ويقولون في الصاع والصحيح ما قاله أهل الحجاز أن الصاع خمسة أرطال وثلث والمد رطل وثلث وقد بينا الآثار بما ذهب إليه أهل الحجاز في رواية المد والصاع في التمهيد وقد اختلف في معنى زنة المد الذي مبلغه رطل وثلث فقيل هو بالماء وقيل هو بالبر المتوسط فمبلغ الخمسة الأوسق ألف مد ومائتي مد بالمد المدني مد النبي صلى الله عليه وسلم الذي ورثه أهل الحجاز وهي بالكيل القرطبي عندنا خمسة وعشرون قفيزا على حساب كل قفيز ثمانية وأربعون مدا وإن كان القفيز اثنين وأربعين مدا كما زعم جماعة من الشيوخ عندنا فهي ثمانية وعشرون قفيزا ونصف قفيز أو أربعة أسباع قفيز ووزن جميعها ثلاثة وخمسون ربعا وثلث ربع كل ربع منها من ثلاثين رطلا والأحوط عندي والأولى أن يكون النصاب خمسة وعشرين قفيزا بكيل قرطبة هو هذا المقدار الذي لا تجب الزكاة فيما دونه وتجب فيه وفيما دونه كيلا بحساب ذلك من كل شيء عشرة‏.‏

وأما قوله من التمر فهو عندي جواب السائل سأله عن نصاب زكاة التمر فأجابه وسمع المحدث التمر فذكره على حسب ما سمعه وليس ذكر التمر بمانع من جري الزكاة في غير التمر بدليل الآثار والاعتبار والإجماع وحديث عمرو بن يحيى وهو أصحها ليس فيه ذكر التمر ولا غيره وعموم لفظه يقتضي أن كل ما يوسق إذا بلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة تمرا كان أو حبا وقد روى إسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق الحديث وسنذكر الحبوب التي تجب فيها الزكاة والثمار في بابه إن شاء الله‏.‏

وأما قول عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس أن الصدقة لا تكون إلا في الحرث والعين والماشية فهو إجماع من العلماء أن الزكاة في العين والحرث والماشية لا يختلفون في جملة ذلك ويختلفون في تفصيله على ما نذكره عنهم في أبوابه من هذا الكتاب إن شاء الله والحرث يقتضي كل ما يزرعه الآدميون ويقتضي الثمار والكروم وللعلماء فيما تجب فيه الزكاة من الثمار والحبوب اختلاف كثير سنبين وجوهه في مواضعه إن شاء الله وكذلك عروض التجارة‏.‏

باب الزكاة في العين من الذهب والورق

535- مالك عن محمد بن عقبة مولى الزبير أنه سأل القاسم بن محمد عن مكاتب له قاطعة بمال عظيم هل عليه فيه زكاة فقال القاسم إن أبا بكر الصديق لم يكن يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول قال القاسم بن محمد وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أعطياتهم يسأل الرجل هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة فإذا قال نعم أخذ من عطائه زكاة ذلك المال وإن قال لا أسلم إليه عطاءه ولم يأخذ منه شيئا‏.‏

536- مالك عن عمر بن حسين عن عائشة بنت قدامة عن أبيها أنه قال كنت إذا جئت عثمان بن عفان أقبض عطائي سألني هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة قال فإن قلت نعم أخذ من عطائي زكاة ذلك المال وإن قلت لا دفع إلي عطائي‏.‏

537- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول قال أبو عمر قد روي حديث بن عمر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه حارثة بن أبي الرجال عن أبيه عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

538- مالك عن بن شهاب أنه قال أول من أخذ من الأعطية الزكاة معاوية بن أبي سفيان قال أبو عمر أما أمر المكاتب فمعنى مقاطعته أخذ مال معجل منه دون ما كوتب عليه ليعجل به عتقه وهي فائدة لا زكاة على مستفيدها حتى يحول الحول عليها وسيأتي القول في وجوه معاني الفائدة في الزكاة فيما بعد إن شاء الله‏.‏

وأما ما ذكره عن أبي بكر وعثمان وبن عمر فقد روي عن علي وبن مسعود مثله وعليه جماعة الفقهاء قديما وحديثا لا يختلفون فيه انه لا تجب في مال من العين ولا في ماشية زكاة حتى يحول عليه الحول إلا ما روي عن بن عباس وعن معاوية أيضا فأما حديث بن عباس فرواه بن حبان عن عكرمة عن بن عباس في الرجل يستفيد المال قال يزكيه يوم يستفيده ذكره عبد الرزاق وغيره عن هشام بن حسان ورواه حماد بن سلمة عن قتادة عن جابر بن زيد عن عبد الله بن عباس مثله ولم يعرف بن شهاب مذهب بن عباس في ذلك والله أعلم فلذلك قال أول من أخذ من الأعطية الزكاة معاوية يريد أخذ منها نفسها في حين العطاء لا أنه أخذ منها عن غيرها مما حال عليه الحول عند ربه المستحق للعطية‏.‏

وأما وجه أخذ أبي بكر وعثمان - رضي الله عنهما - من الأعطية زكاة فيما يقر صاحب العطاء أنه عنده من المال الذي تلزم فيه الزكاة بمرور الحول وكمال النصاب ففيه تصرف الناس في أموالهم التي تجري فيها الزكاة وفيه أن زكاة العين كان يقبضها الخلفاءكما كانوا يقبضون زكاة الحبوب والماشية ويعاملون الناس في أخذ ما وجب عليهم من الزكاة معاملة من له دين قد وجب على من له عند مال يقتطعه منه ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال بقول معاوية وبن عباس في اطراح مرور الحول إلا مسألة جاءت عن الأوزاعي إذا باع العبد أو الدار فإنه يزكي الثمن حين يقع في يده إلا أن يكون له شهر معلوم فيؤخره حتى يزكيه مع ماله قال أبو عمر هذا قول ضعيف متناقض لأنه إن كان يلزمه في ثمن الدار والعبد الزكاة ساعة حصل بيده فكيف يجوز تأخيره ذلك إلى شهره المعلوم وإن كان لا تجب الزكاة في ثمن الدار والعبد إلا بعد استتمام حول كامل من يوم قبضه فكيف يزكي ما لا يجب عليه فيه زكاة في ذلك الوقت وسنبين ما للعلماء من المذاهب في الفوائد من العين ومن الماشية أيضا وفي تعجيل الزكاة قبل وقتها كل في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله قال مالك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارا عينا كما تجب في مائتي درهم قال مالك ليس في عشرين دينارا ناقصة بينة النقصان زكاة فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها عشرين دينارا وازنة ففيها الزكاة وليس فيما دون عشرين دينارا عينا الزكاة قال أبو عمر لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الذهب شيء من جهة نقل الآحاد العدول الثقات الأثبات وقد روى الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال هاتوا زكاة الذهب من كل عشرين دينارا نصف دينار كذلك رواه أبو حنيفة فيما زعموا ولم يصح عنه ولو صح لم يكن فيه عند أهل العلم بالحديث أيضا حجة والحسن بن عمارة متروك الحديث أجمعوا على ترك حديثه لسوء حفظه وكثرة خطئه رواه عن الحسن بن عمارة عبد الرزاق ورواه جرير بن حازم والحارث بن نبهان هكذا عن الحسن بن عمارة والحديث إنما هو لأبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قوله في عشرين دينارا من الذهب نصف دينار كذلك رواه الحفاظ عن عاصم عن علي لا من قول النبي صلى الله عليه وسلم منهم سفيان الثوري وغيره من أصحاب أبي إسحاق ذكره وكيع قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قوله لم يتجاوزوا به عليا رضي الله عنه وأجمع العلماء على أن الذهب إذا بلغ أربعين مثقالا فالزكاة فيه واجبة بمرور الحول ربع عشره وذلك دينار واحد وأجمعوا أنه ليس فما دون عشرين دينارا زكاة ما لم تبلغ قيمتها مائتي درهم واختلفوا في العشرين دينارا إذا لم تبلغ قيمتها مائتي درهم وفيما تساوي من الذهب وإن يكن وزنه عشرين دينارا فالذي عليه جمهور العلماء أن الذهب تجب فيه الزكاة إذا بلغ وزنه عشرين دينارا وجبت فيه زكاة نصف دينار مضروبا كان أو غير مضروب إلا الحلي المتخذ للنساء فله حكم عند العلماء يأتي في بابه إن شاء الله وما عدا الحلي من الذهب فالزكاة واجبة فيه عند جمهور العلماء إذا كان وزنه عشرين دينارا يجب فيه ربع عشرة بمرور الحول وسواء ساوى مائتي درهم كيلا أم لم يساو وما زاد على العشرين مثقالا فبحسابه ذلك بالقليل والكثير وما نقص من عشرين دينارا فلا زكاة فيه سواء كانت مائتي درهم أو أكثر والمراعاة فيه وزنه في نفسه من غير قيمته فهذا مذهب مالك والشافعي وأصحابهما والليث بن سعد والثوري في أكثر الروايات عنه وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد واختلف في ذلك عن الأوزاعي وهو قول علي بن أبي طالب وجماعة من التابعين بالحجاز والعراق منهم عروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز ومحمد بن سيرين وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد إلا أن أبا حنيفة في جماعة من أهل العراق في العين ذكروا أوقاصا كالماشية فقالوا لا شيء فيما زاد على العشرين مثقالا حتى تبلغ أربعة مثاقيل ولا فيما زاد على المائتي درهم حتى تبلغ أربعين درهما فيكون فيها ستة دراهم ويكون في الأربعة مثاقيل اثنا عشر قيراطا وهو قول إبراهيم النخعي على اختلاف عنه في ذلك لأنه قد روي عنه وما زاد على المائتي درهم فبالحساب ورواه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال لا شيء فيما زاد على المائتي درهم حتى تبلغ أربعين درهما ولا شيء فيما زاد على العشرين مثقالا حتى تبلغ أربعة مثاقيل على اختلاف في ذلك عن الأوزاعي وقال آخرون ليس في الذهب زكاة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم فإذا بلغ صرفها مائتي درهم ففيها ربع العشر ولو كان وزنها أقل من عشرين دينارا وكانت عشرين دينارا إدارية ولم يبلغ صرفها مائتي درهم لم تجب فيها زكاة حتى تبلغ أربعين دينارا فإذا بلغت أربعين دينارا ففيها دينار ولا يراعى فيها العرف ولا القيمة إذا بلغت أربعين دينارا هذا قول الزهري وقد رواه يونس عنه في الحديث المذكور عن سالم وعبد الله ابني عبد الله بن عمر في نسخة كتاب الزكاة إلا أن أهل العلم يقولون إن ذلك من قول بن شهاب ورأيه قالوا وكثيرا كان يدخل رأيه في الحديث قال أبو عمر الصحيح عن بن شهاب أنه من رأيه كذلك ذكره عنه معمر وغيره وهو قول عطاء وطاوس وبه قال أيوب السختياني وسليمان بن حرب وقد روي عن بن شهاب خلاف ذلك ذكر سنيد وغيره عن محمد بن كثير وعن الأوزاعي عن الزهري قال إذا كان يدخل عشرون دينارا ففيها نصف دينار وإذا كانت أربعة وعشرون دينارا ففيها زيادة درهم في كل أربعة دنانير درهم وما دون الأربعة فلا زكاة فيه وقالت طائفة ليس في الذهب شيء حتى يبلغ أربعين دينارا سواء ساوى ما دون الأربعين منها مائتي درهم أم لم تساو فإذا بلغت أربعين دينارا ساوى ما دون الأربعين منها ففيها ربع عشرها دينار واحد ثم ما زاد فبحساب ذلك هذا قول الحسن البصري ورواية عن الثوري وبه قال أكثر أصحاب داود بن علي قال أبو عمر الأربعون دينارا من الذهب لا خلاف بين علماء المسلمين في إيجاب الزكاة فيها وذلك سنة وإجماع لا يراعي أحد من العلماء فيه قيمة وإنما يراعون وزنها في نفسها وإنما الاختلاف فيما دونها‏.‏

وأما قول مالك في المائتي درهم فإن كانت تجوز بجواز الوازنة رأيت فيها الزكاة وإن نقصت إذا كان النقصان يسيرا فقد خالفه الشافعي في ذلك فقال إذا نقصت شيئا معلوما وإن قل لم يجب فيها زكاة وبمعنى قول الشافعي قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأبو ثور وأحمد وجمهور الفقهاء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق صدقة قال أبو عمر يحتمل أن يكون قول مالك في النقصان اليسير نحو ما تختلف فيه الموازين فإن كان كذلك فلا وجه لمن عاب قوله في ذلك والقول عند مالك في عشرين دينارا ناقصة تجوز بجواز الوازنة كقوله في المائتي درهم سواء وقول سائر العلماء في ذلك كقولهم في المائتي درهم على ما ذكرنا وبالله التوفيق‏.‏

وأما قول مالك في رجل كانت عنده ستون ومائة درهم وازنة وصرف الدراهم ببلده ثمانية دراهم بدينار أنها لا تجب فيها الزكاة وإنما تجب الزكاة في عشرين دينارا عينا أو مائتي درهم فإنه يذهب إلى ضم الدنانير والدراهم في الزكاة ولا يرى ضمها بالقيمة وإنما يرى ضمها بالأجزاء فيكون النصاب من هذه ومن هذه على الأجزاء ويوجب الزكاة فيهما ويعتبر ضمهما بالأجزاء إن ينزل الدينار بعشرة دراهم على ما كانت عليه قديما في المدينة فمن كانت عنده عشرة دنانير ومائة درهم وجبت عليه الزكاة كما تجب لو كانت عنده مائة درهم أو عشرون دينارا وكذلك تجب في مائة وخمسين درهما وخمسة دنانير ومائة وتسعين درهما ودينار واحد وفي التسعة عشر دينارا وعشرة دراهم فعلى هذا من الأجزاء ضم الدنانير والدراهم عند مالك في الزكاة وهو قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة ورواية عن الثوري وبه قال أبو حنيفة وأصحابه إلا أن أبا حنيفة قال تضم بالقيمة في وقت الزكاة قال أبو يوسف ومحمد كقول مالك تضم بالأجزاء على ما فسرنا وقال آخرون منهم الشعبي يضم الأقل منها إلى الأكثر بالقيمة ولا يضم الأكثر إلى الأقل وهو قول الأوزاعي في رواية محمد بن كثير عنه ورواه الأشجعي عن الثوري وروي سنيد قال أخبرنا محمد بن كثير في رجل له تسعة دنانير ومائة وثمانون درهما قال يحسب كل ذلك ويزكيه على أفضل الحالين في الزكاة قال أبو عمر يعني بالقيمة على ما هو أفضل للمساكين من رد قيمة الدراهم إلى الدنانير أو قيمة الدنانير إلى الدراهم ويعمل بالأفضل من ذلك للمساكين وقد روي عن الثوري أنهما تضمان بالقيمة لقول أبي حنيفة ولا يراعى الأقل من ذلك من الأكثر إلا أنه يراعى الأحوط للمساكين في الضم فيضم عليه وقال آخرون تضم الدنانير إلى الدراهم بقيمتها كانت أقل من الدراهم أو أكثر ولا يضم الدراهم إلى الدنانير قلت أو كثرت لأن الدراهم أصل والدنانير فرع لأنه لم يثبت في الدنانير حديث ولا فيها إجماع حتى تبلغ أربعين دينارا على حسب ما ذكرنا في ذلك عن العلماء وقال آخرون إذا كان عنده نصاب من ورق زكى قليل الذهب وكثيره وكذلك إذا كان عنده نصاب من ذهب زكى ما عنده من الورق وقال آخرون منهم بن أبي ليلى وشريك القاضي والحسن بن صالح بن حي والشافعي وأبو ثور وداود لا يضم ذهبا إلى فضة ولا فضة إلى ذهب ويعتبر في كل واحد منهما كمال النصاب وإلى هذا رجع أحمد بن حنبل بعد أن كان يخبر عنه وقال هذا هو النظر الصحيح قال أبو عمر حجة من ذهب هذا المذهب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وقول الجمهور الذين هم الحجة على من خالفهم لشذوذ عنهم ليس فيما دون عشرين دينارا زكاة فهذه ستة أقوال في صفة الورق والذهب في الزكاة إذا نقص كل واحد منهما عن النصاب قال مالك في رجل كانت له خمسة دنانير من فائدة أو غيرها فتجر فيها فلم يأت الحول حتى بلغت ما تجب فيه الزكاة أنه يزكيها وإن لم تتم إلا قبل أن يحول عليها الحول بيوم واحد أو بعد ما يحول عليها الحول بيوم واحد ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت‏.‏

وقال مالك في رجل كانت له عشرة دنانير فتجر فيها فحال عليها الحول وقد بلغت عشرين دينارا أنه يزكيها مكانها ولا ينتظر بها أن يحول عليها الحول من يوم بلغت ما تجب فيه الزكاة قال أبو عمر قوله في الخمسة الدنانير والعشرة الدنانير سواء في إيجاب الزكاة في ربح المال يحول على أصله الحول وإن لم يكن الأصل نصابا قياسا على نسل الماشية التي تعد على صاحبها ويكمل النصاب بها ولا يراعى بها حلول الحول عليها وربح المال عنده كأصله خلافا لسائر الفوائد وإنما حمله والله أعلم على قياس ربح المال على نسل الماشية وقوة ذلك الأصل عنده وإن كان مختلفا فيه لأنه روي عن عمر أنه كان يأمر السعاة يعدون السخال مع الأمهات على ما يأتي في بابه من زكاة المواشي وباقي الاختلاف في ذلك الأصل هناك إن شاء الله وقول مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ في ربح المال الذي ليس بنصاب لم يتابعه عليه غير أصحابه وقاسه على ما لا يشبهه في أصله ولا فرعه وهو أيضا قياس أصل على أصل والأصول لا يرد بعضها إلى بعض وإنما يرد إلى الأصل فرعه وبالله التوفيق قال أبو عبيد القاسم بن سلام لا نعلم أحدا قال هذا القول - قول مالك - ولا فرق أحد بين ربح المال وغيره من الفوائد غيره قال‏.‏

وأما سفيان وأهل العراق وأكثر أهل الحجاز عن مالك ومن قال بقوله فليس عندهم فرق بين ربح المال وسائر الفوائد من هبة أو ميراث أو تجارة وغير ذلك بعد أن لا تكون تلك الزيادة في مثلها الزكاة قال وكذلك هو عندنا نرى أن ما في المال والنتاج كغيرها من الفوائد لأن ذلك كله هبة من هبات الله وسببه الذي نعتبره عبادة قال أبو عمر اختلاف العلماء في النتاج لا يشبه اختلافهم في ربح المال وسترى ذلك في باب زكاة المواشي إن شاء الله والذي قاله أبو عبيد في ربح المال عن مالك أنه لم يتابعه عليه إلا أصحابه فليس كما قال وقد قال بقول مالك في ذلك الأوزاعي وأبو ثور وطائفة من السلف قال الوليد بن يزيد سمعت الأوزاعي يقول أما الفائدة التي يعطاها الرجل وليس عنده أصلها‏.‏

وقال أبو ثور إذا كانت الفائدة ربحا زكاها مع الأصل وإلا لم يزكه وكذلك قال أحمد بن حنبل في ذلك قال أحمد بن حنبل لا زكاة في المال المستفاد حتى يحول عليه الحول قال والمستفاد من العطاء والهبة ونحو ذلك‏.‏

وأما ربح المال فليس بمستعار قال أبو عمر هؤلاء كلهم لا يوجبون في الربح زكاة حتى يكون أصله نصابا وإنما أنكر أبو بكر والله أعلم في قول مالك - قوله فيما دون النصاب يتجر به فيصير نصابا قبل الحول بأيام وما أظنه أنكر ما يكون من الربح في النصاب كما قال مالك خمسة دنانير أو عشرة دنانير فيتجر فيها فتتم عنده الحول نصابا فيزكيها فلا يقول غير مالك وأصحابه -والله أعلم- إلا ما ذهب إليه الأوزاعي في مراعاة نصف النصاب دون ما هو أقل منه على ما نذكره بعد عنه إن شاء الله ذكر أبو عبيد عن معاذ عن بن عون قال أتيت المسجد وقد قرئ كتاب عمر بن عبد العزيز فقال لي صاحب لي لو شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز في أرباح التجار أن لا تعرض حتى يحول عليها الحول حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن قطن بن فلان قال مررت بواسط زمن عمر بن عبد العزيز فقالوا قرئ علينا كتاب أمير المؤمنين أن لا نأخذ من أرباح التجار شيئا حتى يحول عليه الحول وروى هشيم قال أخبرنا حميد الطويل قال كتب عمر بن عبد العزيز ألا تأخذوا من أرباح التجار شيئا حتى يحول عليها الحول وذكر الساجي قال حدثنا معاذ عن بن عون قال كتب عمر بن عبد العزيز في أرباح التجار أن لا يعرض لهم فيها حتى يحول عليها الحول قال أبو عمر هذا قول الشافعي في ربح المال وسائر الفوائد كلها يستأنف الحول فيها على ما وردت به السنة وقال جمهور الصحابة إنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في إجارة العبيد وخراجهم وكراء المساكين وكتابة المكاتب أنه لا تجب في شيء من ذلك الزكاة قل ذلك أو كثر حتى يحول عليه الحول من يوم يقبضه صاحبه قال أبو عمر أما إجارة العبيد وكراء المساكين وكتابة المكاتب فقد وافقه الشافعي على ذلك وهو قول أبي حنيفة وسائر الفقهاء إلى معاني تأتي في باب زكاة الدين من اشتراط الفقد في حين العقد على الريع أو غيره والمكتري ملي ثم يتأخر قبضه من قبل ربه‏.‏

وأما تفصيل جملة أقوال العلماء في الفوائد غير ما تقدم من الربح وما ذكر معه ف قال مالك تضم الفوائد من الدنانير والدراهم في الحول إلى النصاب منها ومن ملك عنده من أحدهما نصابا ثم أفاد نصابا أو دون نصاب قبل الحول فإنه يزكي كلا على حوله وهذا عنده بخلاف الفوائد في الماشية وهو قول الليث بن سعد وروى بن وهب وعبد الله بن صالح عن الليث قال إنما يزكى ما أضيف إلى المال من الماشية‏.‏

وأما الدراهم والدنانير فإنه يستأنفها حولا من يوم استفادها قال أبو عمر هذا كله إنما هو لمن بيده نصاب حتى يستعيد ما استفاد‏.‏

وأما من كان عنده من الدراهم والدنانير أقل من النصاب فإنه لا خلاف أنه يضم إليه ما يستفيد حتى يكمل النصاب فإذا كمل له نصاب استقبل به يوم تم النصاب بيده حولا كرجل استفاد خمسين درهما ثم استفاد مائة درهم ثم استفاد تمام المائتين أو أكثر فإنه يستأنف من يوم كمل له النصاب به حولا هذا ما لا خلاف فيه وإنما الخلاف فيمن بيده نصاب من فضة أو ذهب ثم استفاد بعد شهر أو شهور فضة أو ذهبا فمذهب مالك ما وصفنا أنه يزكي كل مال على حوله حتى ينقص إلى ما لا زكاة فيه فإذا استفاد إلى ذلك لم يتم به له النصاب استأنف من يومئذ الحول هذا كله في غير التاجر وقد مضى القول في ربح المال ويأتي في باب زكاة العروض القول في زكاة التجارات إن شاء الله‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري فيما يستفيده التاجر وغيره قال الفائدة في الحول تضم إلى النصاب من جنسه فتزكى بحول الأصل والربح عندهم وغير الربح سواء قالوا لا يزكى إلا أن يكون عنده في أول الحول نصاب وفي آخره نصاب فإن كان ذلك وجبت عليه الزكاة ولا يسقطها عنه نقص يدخل المال من طرفي الحول قالوا ولو هلك بعض النصاب في داخل الحول ثم استفاد وحال عليه الحول وعنده نصاب فعليه الزكاة قالوا ولو هلك المال كله ثم استفاد نصابا استقبل به حولا وهو قول إبراهيم والحسن والحكم بن عتيبة قال حجاج بن أرطأة رأيت أهل الكوفة متفقين على ذلك وقال الأوزاعي في الرجل يكون عنده الدنانير التي لا تجب فيها الزكاة فيفيد إليها حتى يتم النصاب فقال إن كان الذي عنده نصف ما يجب فيه الزكاة فليترك حتى يفيد وإن كان دون النصف فلا شيء عليه حتى يحول الحول وهو عنده قال أبو عمر تفسير قوله أنه إن تجر في عشرة دنانير فما فوقها فأتى الحول وقد كمل النصاب فعليه الزكاة وإن تجر في خمسة دنانير أو فيما دون العشرة فكملت نصابا عند تمام الحول لم تجب عليه زكاة وهذا قول لا يعضده أثر ولا نظر وقال الحسن بن صالح بن حي إذا كان له مائتي درهم يملكها فلما كان قبل الحول أفاد مالا من ربح أو غير ربح فحال عليه الحول وهما عنده زكاهما جميعا فإذا ذهب الحول وقد ذهب من المال الأول شيء فليس فيه ولا في الآخر شيء ويستقبل حولا من اليوم الذي أفاد المال الثاني لأنه إنما زكى الثاني بالأول فإذا لم يبق من الأول ما تجب فيه الزكاة لم يكن في الآخر زكاة إلا بحوله قال الشافعي لا يجب على من ملك مالا صدقة إلا أن يملك الحول كله ما تجب فيه الزكاة فإن دخل المال في بعض الحول أدنى نقص ولو ساعة يستقبل بعد أن يتم له النصاب حولا كاملا‏.‏

وقال مالك في الذهب والورق يكون بين الشركاء إن من بلغت حصته منهم عشرين دينارا عينا أو مائتي درهم فعليه فيها الزكاة ومن نقصت حصته عما تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه وإن بلغت حصصهم جميعا ما تجب فيه الزكاة وكان بعضهم في ذلك أفضل نصيبا من بعض أخذ من كل إنسان منهم بقدر حصته إذا كان في حصة كل إنسان منهم ما تجب فيه الزكاة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر قوله وهذا أحب ما سمعت إلي يدل على أنه قد سمع الخلاف في ذلك والخلاف فيه أن من أهل العلم من يقول إن الشركاء في الذهب والورق وفي الزرع وفي الماشية إذا لم يعلم أحدهم ماله بعينه أنهم يزكون زكاة الواحد وتلزم جميعهم في مائتي درهم وفي خمسة أوسق وفي خمس ذود وفي أربعين شاة الزكاة وإلى هذا ذهب الشافعي في الكتاب المصري المعروف بالجديد قياسا على الخلطاء في الماشية‏.‏

وأما قوله في الكتاب العراقي فكقول مالك وقال الخلطاء لا تكون في غير الماشية وسيأتي القول في زكاة الخلطاء في باب زكاة الماشية إن شاء الله وقول الكوفيين أبو حنيفة وأصحابه في ذلك كقول مالك قال يعتبر ملك كل واحد من الشريكين على حدة وهو قول أبي ثور وما احتج به مالك من قوله ‏(‏عليه السلام‏)‏ ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة حجة صحيحة لأنه خطاب للمفرد والشريك وقول مالك وإذا كانت لرجل ذهب أو ورق متفرقة بأيدي أناس شتى فإنه ينبغي له أن يحصيها جميعا ثم يخرج ما وجب عليه من زكاتها كلها قال أبو عمر هذا إجماع من العلماء إذا كان قادرا على ذلك ولم تكن ديونا ولا قراضا ينتظر أن تقضى‏.‏

باب ما جاء في المعادن

539- مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية وهي من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة قال أبو عمر هذا الخبر منقطع في الموطأ وقد روي متصلا مسندا على ما ذكرناه في التمهيد من رواية الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن رواية غير الدراوردي أيضا وجملة قول مالك في موطئه أن المعادن مخالفة الركاز لأنها لا ينال ما فيها إلا بالعمل بخلاف الركاز ولا خمس فيها وإنما فيها الزكاة وهي عنده بمنزلة الزرع يجب فيه الزكاة إذا حصل النصاب ولا يستأنف به الحول ولا زكاة عنده فيما يخرج من المعدن إن كان ذهبا حتى يبلغ عشرين دينارا أو مائتي درهم فما زاد فعلى حساب ما ذكرنا عنه في زكاة الذهب والورق وفرق مالك بين معادن أهل الصلح ومعادن أرض العنوة فقال المعادن في أرض الصلح لأهلها يصنعون فيها ما شاؤوا ويصالحون فيها على ما شاؤوا من خمس أو غيره وما فتح عنوة فهو للسلطان يصنع فيه ما شاء وعلى العامل فيه الطالب لفائدته زكاة ما يحصل بيده منه إذا كان نصابا على سنة الزكاة في الذهب والورق ومن حجة مالك أيضا في تفريقه بين ما يؤخذ من المعدن وما يؤخذ من الركاز قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة والمعدن جبار وفي الركاز الخمس فرق بين المعدن والركاز ب وفاصلة فدل ذلك على أن الخمس في الركاز لا في المعدن وقال أشهب عن مالك الذهب الثابت في الأرض يؤخذ بغير عمل هو ركاز وفيه الخمس وقال الأوزاعي في ذهب المعدن وفضته الخمس ولا شيء فيم يخرج منه غيرهما‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه في الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص الخارج من المعدن الخمس كالركاز قالوا وما كان في المعدن من ذهب وفضة بعد إخراج الخمس اعتبر كل واحد فيما حصل بيده منه ما يجب فيه الزكاة فزكاة لتمام الحول وهو عندهم فائدة تضم في الحول إلى النصاب من جنسها وهو قول الثوري قالوا وكل ما ارتكز بالأرض من ذهب أو فضة وغيرها من الجواهر فهو ركاز وفيه الخمس في قليله وكثيره على ظاهر قوله وفي الركاز الخمس قالوا وقوله المعدن جبار إنما هو عطف على قوله والبئر جبار وليس فيه ما ينبغي أن يكون المعدن ركازا لأنه أخبر بما هو جبار ثم أخبر بما يجب فيه الخمس واختلف قول أبي حنيفة في الزئبق يخرج من المعادن فمرة قال فيه الخمس ومرة قال ليس فيه شيء كالقير والنفط واختلف قول الشافعي فيما يخرج من المعادن فقال مرة بقول مالك وهو قوله العراقي وقال بمصر ما يخرج من المعادن فهو فائدة يستأنف فيها الحول وهو قول الليث بن سعد وبن أبي ذئب ومرة قال الشافعي أستخير الله في المعادن وخير على القول فيها واختار المزني أن يكون ما يخرج من المعدن فائدة يستأنف بها حول‏.‏

وأما الإقطاع فهو جائز للإمام فيما لا ملك عليه لأحد من موات الأرض يقطعه من رآه من أهل الغنى والنفع للمسلمين بنفسه أو عمله وهو كالفيء يضعه حيث رآه فيما هو للمسلمين أعم نفعا وينبغي أن يكون ذلك على قدر ما يقوم به المرء وعماله وقد روي عن أبي بكر الصديق ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ أنه قال لبلال بن الحارث أقطعك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا تطيقه فانظر ما تطيق منه فأمسكه وأذن لي في إقطاع الباقي من يحتاج إليه فأذن له فأقطع ما أخذ منه غيره وليس هذا من فعل أبي بكر ردا لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو رأى أن له رده ما استأذن بلال بن الحارث ولكنه رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقف في حين الإقطاع على قدر ما أقطع ولو علم من ذلك ما علمه أبو بكر ما أقطعه ذلك كله ومع ذلك فإنه استأذن بلالا ولو لم يأذن له ما أخبره وإنما أخذه بطيب نفسه ولا خلاف بين العلماء أن الإمام لا يجوز له إقطاع ما قد ملك بإحياء أو غيره مما يصح به الملك ومسارح القوم التي لا غني لهم عنها لإبلهم ومواشيهم لا يجوز للإمام أن يقطعها أحدا لأنها تجري الملك المعين ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقطع الدهناء رجلا قالت له قيلة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه مقيد إبل بني تميم وهذه نساء بني تميم من وراء ذلك فارتجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك لا يجوز للإمام إقطاع ما فيه الرغبة والتنافس والغبطة يختص به واحدا وهو يفصل عنه وللناس فيه منافع لحديثه ‏(‏عليه السلام‏)‏ أنه أقطع رجلا ماء ليس بالكثير فقيل له يا رسول الله إنما أقطعته الماء العد - يعني الكثير - فارتجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

باب زكاة الركاز

540- مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الركاز الخمس قال أبو عمر هكذا ذكره مالك في كتاب الزكاة مختصرا وذكره في كتاب العقول بتمامه عن بن شهاب عن أبي سلمة وعن سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس قال مالك وتفسير الجبار أنه لا دية فيه وذكر بن وهب في موطئه قال أخبرنا يونس بن يزيد عن بن شهاب قال الجبار الهدر والعجماء البهيمة قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا والذي سمعت أهل العلم يقولون إن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية ما لم يطلب بمال ولم يتكلف فيه نفقة ولا كبير عمل ولا مؤونة فأما ما طلب بمال وتكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز يريد مالك بقوله هذا أنه ما لم يكن ركازا فحكمه حكم المعادن‏.‏

وأما قوله عليه السلام في الركاز الخمس فإن العلماء اختلفوا في الركاز وفي حكمه وقد ذكرنا عن مالك في تفسير ذلك في الموطأ ما نبين به فيه المعنى‏.‏

وقال مالك الركاز في أرض العرب للواجد وفيه الخمس قال وما وجد من ذلك في أرض الصلح فإنه لأهل تلك البلاد ولا شيء للواجد فيه قال وما وجد في أرض العنوة فهو للجماعة الذين اقتحموها وليس لمن أصابه دونهم ويؤخذ خمسه قال بن القاسم كان مالك يقول في العروض والجواهر والحديد والرصاص ونحوه يوجد ركازا أن فيه الخمس ثم رجع فقال لا أرى فيه شيئا ثم آخر ما روينا عنه أن قال فيه الخمس قال إسماعيل بن إسحاق كل ما وجده المسلمون في خرب الجاهلية من أرض العرب التي افتتحها المسلمون من أموال الجاهلية ظاهرة أو مدفونة في الأرض فهو الركاز ويجري مجرى الغنائم ثم يكون لمن وجده أربعة أخماسه ويكون سبيل خمسه سبيل خمس الغنيمة يجتهد فيه الإمام على ما يراه من صرفه في الوجوه التي ذكر الله من مصالح المسلمين قال وإنما حكم الركاز كحكم الغنيمة لأنه مال كافر فوجده مسلم فأنزل بمنزلة من قاتلة وأخذ ماله فكان له أربعة أخماسه وقال الثوري في الركاز يوجد في الدار أنه للواجد دون صاحب الدار وفيه الخمس‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف الركاز في الذهب والفضة وغيرهما فيما كان من دفن الجاهلية أو البدرة أو القطيعة تكون تحت الأرض فتوجد بلا مؤنة فهو ركاز وفيه الخمس وقول الطبري كقولهم سواء قال أبو حنيفة ومحمد في الركاز يوجد في الدار أنه لصاحب الدار دون الواجد وفيه الخمس وقال أبو يوسف هو للواجد وفيه الخمس وإن وجده في فلاة فهو للواجد من قبلهم جميعا وفيه الخمس ولا فرق عندهم بين أرض الصلح وأرض العنوة وسواء عندهم أرض العرب وغيرها وجائز عندهم لواجده أن يحبس الخمس لنفسه إذا كان محتاجا وله أن يعطيه المساكين دون أن يدفعه للسلطان قال أبو عمر وجه هذا عندي من قولهم أنه كان من أحد المساكين وأنه لا يمكن السلطان إن صرفه عليهم أن يعمهم به وقال الليث بن سعد الركاز مما افتتح عنوة أو صلحا للواجد وفيه الخمس والركاز ما كان من دفن الجاهلية‏.‏

وقال الشافعي الركاز دفن الجاهلية العروض وغيرها وفيه الخمس وسواء وجده في أرض العنوة أو الصلح بعد أن لا يكون في ملك أحد فإن وجد في ملك غيره فهو له إن ادعاه وفيه الخمس وإن لم يدعه فهو للواجد وفيه الخمس قال أبو عمر معنى قوله إن ادعاه أن يقول هو لي لأنه في أرضي أملكه كما أملك أرضي التي وجد فيها وفي إجماعهم على أن فيه الخمس دليل على أنه لم يملكه ملكا تاما ولذلك شاع فيه الاختلاف المذكور وبالله التوفيق وقد يحتمل أن يكون معنى قوله إن ادعاه أنا وجدته في فيفاء فاستخرجته ودفنته في داري أو في أرضي فيكون له وفيه الخمس قال الشافعي وإن أصاب شيئا من ذلك في أرض الحرب أو منازلهم فهو غنيمة له وللجيش وإنما يكون للواجد مالا يملكه العدو ومما لا يوجد إلا في الفيافي وقال الأوزاعي الركاز أموال أهل الكتاب المدفونة في الأرض والذهب بعينه يصيبه الرجل في المعدن قال أبو عمر أصل الركاز في اللغة ما ارتكز بالأرض من الذهب والفضة وسائر الجواهر وهو عند الفقهاء أيضا كذلك لأنهم يقولون في البدرة التي توجد في المعدن مرتكزة بالأرض لا تنال بعمل أو سعي أو نصب فيها الخمس لأنه ركاز ودفن الجاهلية لأموالهم عند جماعة أهل العلم ركاز أيضا لا يختلفون فيه إذا كان دفنه قبل الإسلام وكان من الأمور العادية‏.‏

وأما ما كان من ضرب الإسلام فحكمه عندهم حكم اللقطة لأنه ملك لمسلم لا خلاف بينهم في ذلك فقف على هذا الأصل وبالله التوفيق‏.‏

باب ما لا زكاة فيه من الحلي والتبر والعنبر

541- ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة‏.‏

542- عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة قال أبو عمر ظاهر حديث عائشة وبن عمر هذان سقوط الزكاة عن الحلي بذلك وترجم مالك هذا الباب وتأول من أوجب الزكاة في الحلي أن عائشة وبن عمر لم يخرجا الزكاة من حلي اليتامى لأنه لا زكاة في أموال اليتامى ولا الصغار وتأولوا في الجواري أن بن عمر كان يذهب إلى أن العبد ملك ولا زكاة على المالك حتى يكون حرا فاستدلوا على مذهب بن عمر في ذلك لأنه كان يأذن لعبيده بالتحلي بالذهب وما تأولوه على عائشة وبن عمر بعيد خارج عن ظاهر حديثهما لأن في حديث بن عمر أنه كان لا يخرج الزكاة مما كان يحلي به بناته من الذهب والفضة فليس في هذا يتيم ولا عبد وروى بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه كان ينكح البنت له على ألف دينار يحليها منه بأربع مائة دينار فلا يزكيه وسنبين ذلك في باب زكاة أموال اليتامى إن شاء الله قال أبو عمر لم يختلف قول مالك وأصحابه في أن الحلي المتخذ للنساء لا زكاة فيه وأنه العمل المعمول به في المدينة خارج عن قوله عليه الصلاة والسلام ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة كأنه قال الصدقة واجبة من الورق فيما بلغ خمس أواق ما لم يكن حليا متخذا لزينة النساء بدليل ما انتشر في المدينة عند علمائها من أنه لا زكاة في الحلي ولما عطف على هذا صلى الله عليه وسلم ذكر الإبل وذكر الأوسق وهي أموال يطلب فيها النماء كما يطلب بالذهب والورق في التصرف بهما النماء وصار تارك التصرف بها بيعا للمتصرف ولما أنها لا توضع للتصرف بها علم بهذا المعنى أن الحلي لا زكاة فيه إذا كان متخذا للنساء لأنه لا يطلب به شيئا من النماء وقد اختلف المدنيون في الحلي المتخذ للرجال والمتخذ للكراء فالزكاة عند أكثرهم فيه واجبة وإنما تسقط عما وصفنا من حق النساء خاصة واختلف الفقهاء أهل الفتوى في الأمصار في زكاة الحلي فذهب فقهاء الحجاز مالك والليث والشافعي إلى أنه لا زكاة فيه على أن الشافعي قد روي عنه في بعض أوقاته قال أستخير الله في الحلي وترك الجواب فيه وخرج أصحابه مسألة زكاة الحلي على قولين أحدهما أن فيه الزكاة على ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة فدل على ان في الخمس الأواقي وما زاد صدقة ولم يخص حليا من غير حلي وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الذهب في أربعين دينارا دينار ولم يخص حليا من غير حلي والآخر أن الأصل المجتمع عليه في الزكاة إنما هي في الأموال النامية والمطلوب فيها الثمن بالتصرف ولم يختلف قول مالك وأصحابه في أنه لا زكاة في الحلي للنساء يلبسنه وهو قول بن عمر وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب على اختلاف عنه والقاسم بن محمد وعامر الشعبي ويحيى بن سعيد وربيعة وأكثر أهل المدينة وبه قال أحمد وأبو عبيد قال أبو عبيد الحلي الذي يكون زينة ومتاعا فهو كالأثاث وليس كالرقة التي وردت في السنة يؤخذ ربع العشر منها والرقة عند العرب الورق المنقوشة ذات السكة السائرة بين الناس‏.‏

وقال أبو حنيفة والثوري في رواية الأوزاعي والحسن بن حي الزكاة واجبة في الذهب والورق كهي في غيرة الحلي وقال محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري في الحلي الزكاة وقال الليث ما كان منه يلبس ويعار فلا زكاة فيه وما صنع ليقربه من الصدقة ففيه الصدقة ومن أوجب الزكاة في الحلي عبد الله بن عباس وبن مسعود وعبد الله بن عمر وعطاء وسعيد بن جبير وعبد الله بن شداد وميمون بن مهران ومحمد بن سيرين ومجاهد وجابر بن زيد والزهري وإبراهيم النخعي وجملة قول الثوري في زكاة الحلي قال ليس في شيء من الحلي زكاة من الجواهر واليواقيت إلا الذهب والفضة إذا بلغت الفضة مائتي درهم والذهب عشرين دينارا فإن كان الجوهر الياقوت للتجارة ففيه الزكاة قال سفيان وما كان عنده في سيف أو منطقة أو قدح مفضض أو آنية فضة أو خاتم فيضم ذلك كله بعد أن يحسبه ويعرف وزنه فما كان منه ذهبا ضمه إلى الذهب وما كان منه فضة ضمه إلى الفضة ثم زكاة قال الأوزاعي يزكى الحلي ذهبه وفضته ويترك جوهرة ولؤلؤه قال أبو عمر جملة قول الشافعي في زكاة الحلي قال ببغداد ‏(‏وهي رواية الحسن بن محمد الزعفراني عنه‏)‏ لا زكاة في حلي إذا استمتع به أهلك في عمل مباح قال فإن انكسر الحلي فكان أهله على إصلاحه والاستمتاع به زكى لأنه قد خرج من حد التجمل قال وكل حلي على سيف أو مصحف أو منطقة أو ما أشبه هذا فلا زكاة فيه قال‏.‏

وأما آنية الذهب والفضة مضمنه فتزكى ولا ينبغي أن تتخذ لأنها منهي عنها قال وكل حلية سوى الذهب والفضة من لؤلؤ أو ياقوت أو زبرجد أو غيرها فلا زكاة فيه إنما الزكاة في العين وهو الذهب والفضة وقال بمصر قد قيل في الحلي صدقة وهذا مما أستخير الله فيه فمن قال فيه زكاة زكى كل ذهب وفضة فيه فإن كان منظوما بعينه يعتبر وزنه ميزه ووزنه وأخرج الزكاة منه بقدر وزنه واحتاط حتى يعلم أنه قد أدى جميع ما فيه ومن قال لا زكاة في الحلي فلا زكاة عنده في خاتم ولا حلية سيف ولا مصحف ولا منطقة ولا قلادة ولا دملج قال فإن اتخذ الرجل شيئا من حلي النساء لنفسه فعليه فيه الزكاة قال ولو اتخذ رجل أو امرأة إناء فضة أو ذهب زكياه في القولين جميعا ولا زكاة في شيء من الحلي إلا في الذهب والفضة‏.‏

وقال أبو ثور مثل قول الشافعي البغدادي‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه كل ما كان من دنانير أو دراهم أو فضة تبرا أو حليا مكسورا أو مصنوعا أو حلية سيف أو إناء أو منطقة ففي ذلك الزكاة قال أبو عمر من حجة من أوجب الزكاة في الحلي مع ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم وفي الرقة ربع العشر وقوله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وإنما ذلك على عمومه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب فقال لها أتعطين زكاة هذا قالت لا قال أيسرك أن يسورك الله بها يوم القيامة سوارين من نار فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت هما لله ورسوله فهذا وعيد شديد في ترك زكاة الحلي واحتج أيضا بحديث عبد الله بن شداد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو هذا ولكن حديث عائشة في الموطأ بإسقاط الزكاة عن الحلي أثبت إسنادا وأعدل شهادة ويستحيل في العقول أن تكون عائشة تسمع مثله من هذا الوعيد في ترك زكاة الحلي وتخالفه ولو صح ذلك عنها علم أنها قد علمت النسخ من ذلك وقول مالك أن من كان عنده تبر أو حلي من ذهب أو فضة لا ينتفع به للبس فإن عليه فيه الزكاة في كل عام قال أبو عمر هذا الاختلاف فيه بين العلماء أن الزكاة فيه إذا كان لا يراد به زينة النساء قال مالك‏.‏

وأما التبر المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه فإنما هو بمنزلة المتاع ليس فيه زكاة قال أبو عمر يريد مالك أنه معد للإصلاح للبس النساء فكأنه حلي صحيح متخذ للنساء وإذا كان كذلك فلا زكاة فيه لأحد ممن يسقط الزكاة عن الحلي والشافعي يرى فيه الزكاة إذا كان مكسورا لأنه بمنزلة التبر عنده فلا تسقط الزكاة عنده في الذهب والفضة إلا أن يكون حليا يصلح للزينة ويمكن النساء استعماله وأجمعوا أن لا زكاة في الحلي إذا كان جوهرا أو ياقوتا لا ذهب فيه ولا فضة إلا أن يكون للتجارة فإن كان للتجارة وكان مختلطا بالذهب أو الفضة عرف وزن الذهب والفضة وزكي وقوم الجوهر المدبر عند رأس كل حول - عند مالك وأكثر أصحابه - مع سائر عروض تجارته وإن كان غير مدبر زكاها حين يبيعها‏.‏

وأما غير مالك والشافعي والكوفيين وجمهور العلماء فإنهم يلزمون التاجر بتقويم العروض في كل عام إذا اشتراها بنية التجارة مدبرا كان أو غير مدبر لأن كل تاجر يطلب الربح فيما يشتريه وإذا جاءه الربح باع إن شاء فهو مدبر قال أبو عمر من أسقط الزكاة عن الحلي المستعمل وعن الإبل والبقر العوامل فقد اضطرد قياسه ومن أوجب الزكاة في الحلي والبقر العوامل فقد اضطرد قياسه أيضا‏.‏

وأما من أوجب الزكاة في الحلي ولم يوجبها في البقر العوامل أو أوجبها في البقر العوامل وأسقطها من الحلي فقد أخطأ طريق القياس قال مالك ليس في اللؤلؤ ولا في المسك ولا العنبر زكاة قال أبو عمر أما اللؤلؤ والمسك والعنبر فلا خلاف أنه لا زكاة في أعيانها كسائر العروض وسيأتي ذكر مذاهب سائر العلماء في التجارة بالعروض في باب زكاة العروض إن شاء الله قال أبو عمر واختلفوا في العنبر واللؤلؤ هل فيهما الخمس حين يخرجان من البحر أو لا فجمهور الفقهاء على أن لا شيء فيهما وهو قول أهل المدينة وأهل الكوفة والليث والشافعي وأحمد وأبي ثور وداود وقال أبو يوسف في اللؤلؤ والعنبر وكل حلية تخرج من البحر وهو قول عمر بن عبد العزيز لم يختلف عنه في ذلك وكان يكتب إلى عماله واختلف فيه عن بن عباس فروي عنه أنه لا شيء فيه لأنه شيء دسره البحر روى معمر والثوري عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس أنه سأله إبراهيم بن سعد عن العنبر فقال إن كان في العنبر شيء ففيه الخمس وروى بن عيينة وبن جريج عن عمرو بن دينار عن أذينة عن بن عباس أنه كان لا يرى في العنبر خمسا ويقول هو شيء دسره البحر وليس في حديثه بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع رجلا يقال له أذينة يقول سمعت بن عباس يقول ليس العنبر بركاز وإنما هو شيء دسره البحر وبن عيينة أيضا عن بن طاوس عن أبيه أن بن الزبير استعمل إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص على بعض تهامة فأتى بن عباس يسأله عن العنبر هل فيه زكاة فقال بن عباس إن كان فيه شيء ففيه الخمس قال أبو عمر قال الله عز وجل ‏(‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم‏)‏ ‏[‏التوبة 103‏]‏‏.‏

وأمرهم تعالى ذكره بإيتاء الزكاة فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض الأموال دون بعض وعلمنا بذلك أن الله تبارك وتعالى لم يرد جميع الأموال وأنما أراد البعض وإذا كنا على يقين من أن المراد هو البعض من الأموال فلا سبيل إلى إيجاب زكاة إلا فيما أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف عليه أصحابه‏.‏