فصل: باب ما جاء في العقيقة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما جاء فيمن يضطر إلى أكل الميتة

1034- مالك أن أحسن ما سمع في الرجل يضطر إلى الميتة أنه يأكل منها حتى يشبع ويتزود منها فإن وجد عنها غنى طرحها قال أبو عمر روى فضيل بن عياض وأبو معاوية وسفيان وشعبة عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل حتى مات دخل النار وهذا لفظ حديث فضيل بن عياض واختلف العلماء في مقدار ما يأكل المضطر من الميتة فقال مالك في ‏(‏‏(‏موطئه‏)‏‏)‏ ما ذكرنا وعليه جماعة أصحابه‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما لا يأكل المضطر من الميتة إلا مقدار ما يسد الرمق والنفس وقال عبد الله بن الحسن المضطر يأكل من الميتة ما يسد جوعته وحجة هؤلاء أن المضطر إنما أبيح له أكل الميتة إذا خاف على نفسه الموت فإذا أكل منها ما يزيل الخوف فقد زالت الضرورة وارتفعت الأباحة فلا يحل أكلها وحجة مالك أن المضطر ليس ممن حرمت عليه الميتة لقول الله تعالى ‏(‏فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه‏)‏ ‏[‏البقرة 173‏]‏‏.‏

وقال ‏(‏إلا ما اضطررتم إليه‏)‏ ‏[‏الأنعام 119‏]‏‏.‏

فإذا كانت الميتة حلالا للمضطر إليها أكل منها ما شاء حتى يجد غيرها فتحرم عليه وهو قول الحسن قال الحسن إذا اضطر إلى الميتة أكل منها قوته وقد قيل من تغدى لم يتعش منها ومن تعشى لم يتغد منها وفي الحديث المرفوع متى تحل لنا الميتة يا رسول الله قال ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا والصبوح الغداء والغبوق العشاء ونحو هذا واختلفوا في قوله تعالى ‏(‏غير باغ ولا عاد‏)‏ ‏[‏البقرة 173‏]‏‏.‏

فقالت طائفة منهم مجاهد غير باغ على الأئمة ولا عاد قاطع سبيل وروي عن مجاهد في قوله تعالى ‏(‏فمن اضطر غير باغ ولا عاد‏)‏ ‏[‏البقرة 173‏]‏‏.‏

قال غير قاطع سبيل ولا مفارق الأئمة ولا خارج في معصية فإن خرج في معصية لم يرخص له في أكل الميتة وقال سعيد بن جبير في قوله غير باغ ولا عاد قال هو الذي يقطع الطريق فليس له رخصة إذا اضطر إلى شرب الخمر وإلى الميتة‏.‏

وقال الشافعي من خرج عاصيا لله لم يحل له شيء مما حرم الله عليه بحال لأن الله - عز وجل - إنما أحل ما حرم للضرورة على شرط أن يكون المضطر غير باغ ولا عاد ولا متجانف لإثم وهذا معنى قول مالك واتفق مالك والشافعي أن المضطر لا تحل له الخمر ولا يشربها ولا تزيده إلا عطشا وهو قول مكحول والحارث العكلي وبن شهاب الزهري ذكر وكيع عن سفيان عن برد عن مكحول قال لا يشرب المضطر الخمر فإنها لا تزيده إلا عطشا وروى جرير عن مغيرة عن الحارث العكلي قال إذا اضطر إلى الخمر فلا يشربها فإنها لا تزيده إلا عطشا وروى بن وهب عن يونس أنه سأل بن شهاب عن الرجل يضطر إلى شرب الخمر هل فيه رخصة قال لم يبلغني أن في ذلك رخصة لأحد وقد أرخص الله تعالى للمؤمن فيما اضطر إليه مما حرم عليه وقال آخرون منهم عكرمة غير باغ ولا عاد قال يتعدى فيزيده على ما يمسك نفسه والباغي كل ظالم في سبيل الغير مباحة وهو قول الحسن قال في قوله غير باغ ولا عاد قال غير باغ فيها يأكلها وهنو غني عنها قال أبو عمر من حجة من لم ير شرب الخمر للمضطر أن الله - عز وجل - ذكر الرخصة للمضطر مع تحريم الخمور والميتة ولحم الخنزير وذكر تحريم الخمر ولم يذكر مع ذلك رخصة للمضطر فالواجب أن لا يتعدى الظاهر إلى غيره وبالله التوفيق وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى الميتة أيأكل منها وهو يجد ثمر القوم أو زرعا أو غنما بمكانه ذلك قال مالك إن ظن أن أهل ذلك الثمر أو الزرع أو الغنم يصدقونه بضرورته حتى لا يعد سارقا فتقطع يده رأيت أن يأكل من أي ذلك وجد ما يرد جوعه ولا يحمل منه شيئا وذلك أحب إلي من أن يأكل الميتة وإن هو خشي أن لا يصدقوه وأن يعد سارقا بما أصاب من ذلك فإن أكل الميتة خير له عندي وله في أكل الميتة على هذا الوجه سعة مع أني أخاف أن يعدو عاد ممن لم يضطر إلى الميتة يريد استجازة أخذ أموال الناس وزروعهم وثمارهم بذلك بدون اضطرار قال مالك وهذا أحسن ما سمعت قال أبو عمر قوله أحسن ما سمعت يدل على أنه سمع الاختلاف في ذلك ورأى للمضطر أن يأكل من الميتة حتى يشبع ولم ير له أن يأكل من مال غيره إلا ما يرد جوعه ولا يحمل منه شيئا كأنه رأى الميتة أطلق أكلها للمضطر وجعل قوله عليه السلام ‏(‏‏(‏أموالكم عليكم حرام‏)‏‏)‏ يعني أموال بعضكم على بعض أعم وأشد وهذا يخالفه فيه غيره لعموم قوله ‏(‏إلا ما اضطررتم إليه‏)‏ ولأن المواساة في العسرة وترميق المهجة من الجائع واجب على الكفاية بإجماع فكلاهما حلال في الحال أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكير قال حدثني أبو داود قال حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري قال حدثني أبي قال حدثني شعبة عن أبي بشر عن عباد بن شرحبيل قال أصابتني سنة فدخلت حائطا من حيطان المدينة فعركت سنبلا فأكلت وحملت في ثوبي فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ‏(‏ ‏(‏ما علمت إذ كان جاهلا ولا أطعمت إذ كان جائعا‏)‏‏)‏ أو قال ‏(‏‏(‏ساغبا‏)‏‏)‏ وأمره فرد علي ثوبي وأعطاني وسقا أو نصف وسق من طعام رواه غندر عن شعبة عن أبي بشر قال سمعت عباد بن شرحبيل ولم يلق أبو بشر صاحبا غير هذا الرجل وفي حديث قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذا المعنى فليحتلب فليشرب ولا يحمل‏.‏

وأما قوله في التمر والزرع والغنم أنه يقطع إذا عد سارقا فهذا لا يكون في زرع قائم ولا ثمر في شجر ولا غنم في سرحها لأنه لا قطع في شيء من ذلك وإنما القطع في الزرع إذا صار في الأندر وصار التمر في الجريس والغنم في الدار والمراح وسيأتي ما للعلماء في معنى الحرز في كتاب الحدود والذي قاله مالك في هذا الباب اختيار واستحباب واحتياط على السائل‏.‏

وأما الميتة فحلال للمضطر على كل حال ما دام في حال الأضطرار بإجماع وكذلك أكله زرع غيره أوإطعام غيره في تلك الحال له حلال ولا يحل لمن عرف حاله تلك أن يتركه يموت وعنده ما يمسك به رمقه فإن كان واحدا تعين ذلك عليه وإن كانوا جماعة كان قيامه به تلك الليلة أو اليوم والليلة فرضا على جماعتهم فإن قام به من قام منهم سقط ذلك الغرض عنهم ولا يحل لمن اضطر أن يكف عما يمسك رمقه فيموت وفي مثل هذا قال مسروق إن اضطر إلى الميتة ولم يأكلها ومات دخل النار فهو فرض عليه وعلى غيره فيه وهذا الذي وصفت لك عليه جماعة العلماء من السلف والخلف وبالله التوفيق إلا أنهم اختلفوا فيمن أكل شيئا له بال وقيمة من مال غيره وهو مضطر هل عليه ثمن ذلك أم لا فقال قوم يضمن ما أحيا به نفسه وقال الأكثر لا ضمان عليه إذا اضطر إلى ذلك قال أبن وهب سمعت مالكا يقول في الرجل يدخل الحائط فيأكل من التمر أو يجده ساقطا قال لا يأكل إلا أن يعلم أن نفس صاحبه تطيب بذلك أو يكون محتاجا فلا يكون عليه شيء وفي ‏(‏‏(‏ التمهيد‏)‏‏)‏ بالإسناد عن أبي برزة الأسلمي وعبد الرحمن بن سمرة وأنس بن مالك أنهم كانوا يصيبون من الثمار في أسفارهم - يعني بغير إذن أهلها وعن الحسن قال لا يأكل ولا يفسد ولا يحمل وسنزيد هذا المعنى بيانا عند قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه‏)‏‏)‏ في باب الغنم من الجامع إن شاء الله تعالى‏.‏

كتاب العقيقة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم‏.‏

باب ما جاء في العقيقة

1035- مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال ‏(‏‏(‏لا أحب العقوق‏)‏‏)‏ وكأنه إنما كره الأسم وقال ‏(‏‏(‏من ولد له ولد فأحب أن ينسك ‏(‏3‏)‏ عن ولده فليفعل‏)‏‏)‏ روى هذا الحديث بن عيينة عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أو عن عمه على الشك والقول في ذلك قول مالك والله أعلم ولا أعلمه يروي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده واختلف فيه على عمرو بن شعيب ومن أحسن أسانيد حديثه ما رواه عبد الرزاق قال أخبرنا داود بن قيس قال سمعت عمرو بن شعيب يحدث عن أبيه عن جده قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال ‏(‏ ‏(‏لا أحب العقوق‏)‏‏)‏ وكأنه كره الأسم قالوا يا رسول الله ‏!‏ ينسك أحدنا عن ولد له فقال ‏(‏‏(‏من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة‏)‏‏)‏ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في العقيقة أحاديث منها حديث سمرة وحديث سليمان بن عامر وقد ذكرناهما بالأسانيد في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وفي هذا الحديث كراهة ما يقبح من الأسماء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الأسم الحسن لأنه كان يعجبه الفأل الحسن ويأتي هذا المعنى في الجامع إن شاء الله وكان الواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال للذبيحة عن المولود في سابعه نسيكة ولا يقال عقيقة إلا أني لا أعلم خلافا بين العلماء في تسمية ذلك عقيقا فدل على أن ذلك منسوخ واستحباب واختيار فأما النسخ فإن في حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الغلام مرتهن بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه ويسمى وفي حديث سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى ‏)‏‏)‏ ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة فدل ذلك على الإباحة لا على الكراهة في الأسم وعلى هذا كتب الفقهاء في كل الأمصار ليس فيها إلا العقيقة لا النسيكة على أن حديث مالك هذا ليس فيه التصريح بالكراهة وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما فيهما فكأنه كره الاسم وقال من أحب أن ينسك عن ولده‏.‏

وأما العقيقة في اللغة فذكر أبو عبيد عن الأصمعي وغيره أن أصلها الشعر الذي يكون على رأس الصبي قال وإنما سميت الشاة التي تذبح عنه عقيقة لأنه يحلق رأس الصبي عند الذبح ولهذا قيل أميطوا عنه الأذى يعني بذلك الأذى الشعر وذكر شواهد من الشعر على هذا قد ذكرناها في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وأنكر أحمد بن حنبل تفسير أبي عبيد هذا وما ذكره في ذلك عن الأصمعي وغيره وقال إنما العقيقة الذبح نفسه وهو قطع الأوداج والحلقوم قال ومنه قيل للقاطع رحمه في أبيه وأمه عاق‏.‏

وأما حديث مالك في هذا الباب‏.‏

1036- عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة‏.‏

1037- مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن علي بن الحسين أنه قال وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين فتصدقت بزنته فضة وهذا الحديث قد روي عن ربيعة عن أنس وهو خطأ والصواب عن ربيعة ما في ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ رواه يحيى بن بكير قال حدثني لهيعة بن عمارة بن غزية عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برأس الحسن والحسين يوم سابعهما فحلق وتصدق بوزنه فضة وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سمعت محمد بن علي يقول كانت فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم لا يولد لها ولد إلا أمرت برأسه فحلق وتصدقت بوزن شعره ورقا وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر - محمد بن علي - مثله وهذا كان من فاطمة - رضي الله عنها - مع العقيقة عن ابنيها حسن وحسين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن كل واحد منهما بكبش كبش وسنذكر الحديث في الباب بعد هذا إن شاء الله وأهل العلم يستحبون ما جاء عن فاطمة في ذلك مع العقيقة أو دونها ويرون ذلك على من لم يعق لقلة ذات يده أوكد على حسب اختلافهم في وجوب العقيقة وقال عطاء يبدأ بالحلق قبل الذبح‏.‏

وأما اختلاف العلماء في وجوب العقيقة فمذهب أهل الظاهر أن العقيقة واجبة فرضا منهم داود وغيره قالوا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بها وعملها وقال الغلام مرتهن بعقيقة ومع الغلام عقيقته وقال عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان ونحو هذا من الأحاديث وكان أبو برزة الأسلمي يوجبها وشبهها بالصلاة وقال الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس وكان الحسن البصري يذهب إلى أنها واجبة عن الغلام يوم سابعه قال وإن لم يعق عنه عق عن نفسه إذا ملك وعقل وحجته ما رواه عن سمرة حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني عفان قال حدثني أبان قال حدثني قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويماط عنه الأذى ويسمى ‏)‏‏)‏‏.‏

قال قاسم وأملى علي بن عبد العزيز قال حدثني يعلى بن أسد قال حدثني سلام بن أبي مطيع قال حدثني قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمى ‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر الحلق معنى أميطوا عنه الأذى وذهب الليث بن سعد إلى أنها واجبة عن المولود في سابعه وغير واجبة بعد سابعه‏.‏

وقال مالك في الباب بعد هذا من ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ وليست العقيقة بواجبة ولكنها يستحب العمل بها وهي من الأمر الذي لم يزل عليه الناس عندنا قال وفي غير ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ لا يعق عن المولود إلا يوم سابعه ضحوة فإن جاوز السابع لم يعق عنه ولا يعق عن كبير‏.‏

وقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري العقيقة سنة يجب العمل بها ولا ينبغي تركها لمن قدر عليها وقال أبو الزناد العقيقة من أمر المسلمين الذين كانوا يكرهون تركها وقال الثوري ليست العقيقة بواجبة وإن صنعت فحسن وقال محمد بن الحسن هي تطوع كان المسلمون يصنعونها فنسخها عيد الأضحى فمن شاء فعل ومن شاء ترك قال أبو عمر ليس ذبح الأضحى بناسخ للعقيقة عند جمهور العلماء ولا جاء في الآثار المرفوعة ولا عن السلف ما يدل على ما قال محمد بن الحسن ولا أصل لقولهم في ذلك وتحصيل مذهب أبي حنيفة وأصحابه أن العقيقة تطوع فمن شاء فعلها ومن شاء تركها وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث هذا الباب من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل دليل على أن العقيقة ليست بواجبة لأن الواجب لا يقال فيه من أحب أن يفعله فعله بل هذا لفظ التخيير والإباحة‏.‏

وقال مالك يعق عن اليتيم ويعق العبد المأذون له في التجارة عن ولده إلا أن يمنعه سيده‏.‏

وقال الشافعي لا يعق العبد المأذون له في التجارة عن ولده ولا يعق عن اليتيم كما لا يضحى عنه‏.‏

وقال مالك ولا يعد اليوم الذي ولد فيه المولود إلا أن يولد قبل الفجر من ليلة ذلك اليوم وقال عطاء بن أبي رباح إن أخطأهم أمر العقيقة يوم السابع أحببت أن يؤخروه إلى يوم السابع الثاني وروي عن عائشة أنها قالت إن لم يعق عنه يوم السابع ففي أربع عشرة فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين وبه قال إسحاق بن راهويه وهو مذهب بن وهب صاحب مالك وروى بن وهب عن مالك أنه قال إن لم يعق عنه في اليوم السابع عق عنه في السابع الثاني قال بن وهب ولا بأس أن يعق عنه في السابع الثالث وقال الليث يعق عن المولود في أيام سابعه كلها في أيها شاء منها فإن لم تتهيأ لهم العقيقة في سابعه فلا بأس أن يعق عنه بعد ذلك وليس بواجب أن يعق عنه بعد سبعة أيام‏.‏

وقال أحمد يذبح يوم السابع‏.‏

وقال مالك إن مات قبل يوم السابع لم يعق عنه وروي عن الحسن مثل ذلك وقال الليث في المرأة تلد ولدين في بطن واحد أنه يعق عن كل واحد منهما قال أبو عمر لا أعلم في ذلك خلافا وبالله التوفيق‏.‏

باب العمل في العقيقة

1038- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر لم يكن يسأله أحد من أهله عقيقة إلا أعطاه إياها وكان يعق عن ولده بشاة شاة عن الذكور والإناث قال أبو عمر عمل قوم خبر بن عمر هذا على أنه كان يجيز أن يعق عن الكبير والصغير وليس في الحديث عنه ما يدل على ذلك لأنه يحتمل أن يكون السائل له من أهله سأله العقيقة عن ولده وعن نفسه وروى هذا الحديث عبيد الله وأيوب عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يسأله أحد من أهله عقيقة إلا أعطاه إياه قال وكان يقول عن الغلام شاة وعن الجارية شاة قال أبو عمر أجاز بعض من شذ أن يعق الكبير عن نفسه بالحديث الذي يرويه عبد الله بن محرر عن قتادة عن أنس قال عق النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه بعد ما بعث بالنبوة وعبد الله بن محرر ليس حديثه بحجة وقد قيل عن قتادة أنه كان يفتي به وروى عنه معمر قال من لم يعق عنه أجزأته ضحيته قال أبو عمر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه‏)‏‏)‏ وقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏مع الغلام عقيقة والغلام مرتهن بعقيقته‏)‏‏)‏ وروي المولود مرتهن بعقيقته وذلك كله سواء دليل على أن العقيقة عن الغلام لا عن الكبير على ذلك مذاهب الفقهاء في مراعاة السابع الأول والثاني وفي الثالث على ما ذكرنا عنهم في الباب قبل هذا‏.‏

وأما قوله كان يعق عن ولده شاة شاة عن الذكور والإناث فهذا موضع اختلفت فيه الآثار وعلماء الأمصار وقول مالك في هذا الباب من الموطأ‏.‏

1039- عن هشام بن عروة أن أباه عروة بن الزبير كان يعق عن بنيه الذكور والإناث بشاة شاة قال مالك الأمر عندنا في العقيقة أن من عق فإنما يعق عن ولده بشاة شاة الذكور والإناث قال أبو عمر الحجة لمالك ومن قال بقوله في ذلك حديث أيوب عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا ذكره أبو داود عن أبي معمر عن عبد الوارث عن أيوب وروى جعفر بن محمد عن أبيه أن فاطمة ذبحت عن حسن وحسين كبشا كبشا وهو قول بن عمر وعروة بن الزبير وأبي جعفر محمد بن علي‏.‏

وقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة وهو قول عائشة وروي ذلك عن بن عباس أيضا والحجة لهم حديث عطاء بن أبي رباح عن حبيبة بنت ميسرة بن أبي خيثم الفهرية مولاته أنها أخبرته عن أم كرز الكعبية سمعتها تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في العقيقة ‏(‏‏(‏عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة‏)‏‏)‏ رواه عمرو بن دينار وبن جريج عن عطاء وقال بن جريج فيه عن أم بني كرز الكعبيين أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال ‏(‏‏(‏عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة قالت قلت ما المكافئتان قال المثلان وإن الضأن أحب إليه من المعز وذكر أنها أحب إليه من إناثها قال بن جريج كان هذا رأيان من عطاء قال أبو عمر قد روى حديث أم كرز هذا عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت أن أم كرز أخبرته أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال ‏(‏ ‏(‏نعم عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا‏)‏‏)‏ وهذا يرد قول عطاء في أن الذكر أحب إليه في ذلك من الأنثى وهذا الحديث رواه بن جريج وبن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد إلا أن بن عيينة قال فيه حدثني عبيد الله بن أبي يزيد قال أخبرني أبي أنه سمع سباع بن ثابت يحدث أنه سمع أم كرز الكعبية تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه أخبره فذكر ما أثبتنا في الإسناد قبل هذا عنه وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في أحاديث هذا الباب كلها في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر وانفرد الحسن بقوله لا يعق عن الجارية وإنما يعق عن الغلام وقد روي أن قتادة تابعه على ذلك وأظنهما ذهبا إلى حديث سلمان الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم مع الغلام عقيقته وإلى حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم الغلام مرتهن بعقيقته وكذلك انفرد الحسن وقتادة أيضا بأن الصبي يمس رأسه بقطنة قد غمست في دم وأنكر جمهور العلماء ذلك وقالوا هذا كان في الجاهلية فنسخ بالإسلام واحتجوا بحديث سلمان بن عامر الضبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى قالوا فكيف يأمر بإماطة الأذى عنه ويحمل على رأسه الأذى وأنكروا حديث همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ ‏(‏كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع أو تحلق رأسه ويدمى ‏)‏‏)‏ وقالوا هذا وهم من همام لأنه لم يقل أحد في ذلك الحديث ‏(‏‏(‏ويدمي غيره وإنما قالوا ويحلق رأسه ويسمى وذكروا حديث بن بردة الأسلمي قال كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران قال أبو عمر قد ذكرنا الأسانيد بهذه الأخبار كلها في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏‏.‏

1040- مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أنه قال سمعت أبي يستحب العقيقة ولو بعصفور هكذا رواه عبيد الله بن يحيى عن أبيه يحيى بن يحيى ورواه بن وضاح عن يحيى فقال فيه سمعت أبي يقول تستحب العقيقة ولو بعصفور وكذلك رواه أكثر الرواة عن مالك في ‏(‏‏(‏الموطأ ورواه مطرف بن القاسم وعلي بن زياد وغيرهم فقالوا فيه عن محمد بن إبراهيم أنه قال تستحب العقيقة ولو بعصفور ولم يقولوا عن أبيه وليس في هذا الخبر أكثر من استحباب العقيقة وقد تقدم القول في وجوبها واستحبابها‏.‏

وأما قوله ولو بعصفور فإنه كلام خرج على التقليل والمبالغة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر في الفرس ولو أعطاكه بدرهم وكما قال في الأمة إذا زنت بعها ولو بضفير وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الضحايا من الأزواج الثمانية إلا من شذ ممن لا يعد خلافا‏.‏

1041- مالك أنه بلغه أنه عق عن حسن وحسين ابني علي بن أبي طالب وهذا قد تقدم متصلا مسندا في هذا الباب قال مالك من عق عن ولده فإنما هي بمنزلة النسك والضحايا لا يجوز فيها عوراء ولا عجفاء ولا مكسورة ولا مريضة ولا يباع من لحمها شيء ولا جلدها ويكسر عظامها ويأكل أهلها من لحمها ويتصدقون منها ولا يمس الصبي بشيء من دمها قال أبو عمر على هذا جمهور الفقهاء أنه يجتنب في العقيقة من العيوب ما يجتنب في الأضحية ويؤكل منها ويتصدق ويهدى إلى الجيران وهو قول الشافعي قال الشافعي العقيقة سنة واجبة ويتقى فيها من العيوب ما يتقى في الضحايا ولا يباع لحمها ولا إهابها وتكسر عظامها ويأكل أهلها منها ويتصدقون ولا يمس الصبي بشيء من دمها ونحو هذا كله قال أحمد وأبو ثور وجماعة العلماء وقول مالك مثل قول الشافعي أنه تكسر عظامها ويطعم منها الجيران ولا يدعى الرجال كما يفعل بالوليمة ويسمى الصبي يوم سابعه إذا عق عنه قال عطاء تطبخ وتقطع قطعا ولا يكسر لها عظم وعن عائشة مثله وقال بن شهاب لا بأس أن تكسر عظامها وهو قول مالك وقال بن جريج تطبخ أعضاء ويؤكل منها ويهدى ولا يتصدق بشيء منها تم كتاب العقيقة بحمد الله وعونه‏.‏

كتاب الفرائض

باب ميراث ‏(‏الصلب‏)‏

قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا في فرائض المواريث أن ميراث الولد من والدهم أو والدتهم أنه إذا توفي الأب أو الأم وتركا ولدا رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف فإن شركهم أحد بفريضة مسماة وكان فيهم ذكر بدىء بفريضة من شركهم وكان ما بقي بعد ذلك بينهم على قدر مواريثهم قال أبو عمر ما ذكره مالك - رحمه الله - في ميراث البنين ذكرانا كانوا أو إناثا من آبائهم أو أمهاتهم فكما ذكر لا خلاف في شيء من ذلك بين العلماء إذا كانوا أحرارا مسلمين ولم يقتل واحدا منهم أباه وأمه عمدا‏.‏

وأما قوله عز وجل - ‏(‏فإن كن نساء فوق اثنتين‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

فالمعنى في ذلك عند جمهور العلماء وجماعة الفقهاء الذين تدور عليهم في الأمصار الفتوى إن كن نساء فوق اثنتين فما فوقها وما أعلم في هذا خلافا بين علماء المسلمين إلا رواية شاذة لم تصح عن بن عباس انه قال للأنثيين النصف كما للبنت الواحدة حتى تكون البنات أكثر من اثنتين فيكون لهن الثلثان وهذه الرواية منكرة عند أهل العلم قاطبة كلهم ينكرها ويدفعها بما رواه بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن بن عباس أنه جعل للبنتين الثلثين وعلى هذا جماعة الناس وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الأحاد العدول مثل ما عليه الجماعة في ذلك حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي اسامة قال حدثني عيسى بن إسماعيل الطباغ قال حدثني عمرو بن ثابت عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله أن امرأة من الأنصار أتت النبي صلى الله عليه وسلم بابنتي سعد بن الربيع فقالت يا رسول الله إن سعد بن الربيع قتل يوم أحد شهيدا فأخذ عمهما كل شيء من تركته ولم يدع من مال أبيهما شيئا والله ما لهما مال ولا تنكحان إلا ولهما مال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏سيقضي الله في ذلك ما شاء فنزلت ‏(‏يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏عمهما فقال‏)‏ أعط هاتين الجاريتين الثلثين مما ترك أبوهما وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك روى هذا الحديث جماعة من الأئمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وعبد الله بن محمد بن عقيل قد قبل جماعة من أهل العلم بالحديث حديثه واحتجوا به وخالفهم في ذلك آخرون فكان هذا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا لمعنى قول الله - عز وجل ‏(‏فإن كن نساء فوق اثنتين‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

أي اثنتين فما فوقهما ونسخا لما كان عليه أهل الجاهلية من تركهم توريث الإناث من أولادهم وإنما كانوا يورثون الذكور حتى نزلت ‏(‏يوصيكم الله في أولادكم‏)‏ الآية ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

كذلك روي عن بن مسعود وبن عباس وقد استدل من العلماء قوم ممن لم يثبت عندهم هذا الحديث بدلائل على أن الابنتين حكمهما في الميراث حكم البنات منها أن الابنة لما أخذت مع أخيها السدس كان ذلك أحرى أن تأخذ ذلك مع أختها ومنها أن البنت لما كان لها النصف وكان للأخت النصف وجعل الله للأختين الثلثين كانت الابنتان أولى بذلك قياسا ونظرا صحيحا وفي حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في بنت وبنت بن وأخت فجعل للابنة النصف ولابنة الابن السدس وجعل الباقي للأخت فلما جعل للابنة ولابنة الابن الثلثين كانت الابنتان أولى بذلك لأن الابنة أقرب من ابنة الابن قال مالك ومنزلة ولد الأبناء الذكور إذا لم يكن دونهم ولد كمنزلة الولد سواء ذكورهم كذكورهم وإناثهم كإناثهم يرثون كما يرثون ويحجبون كما يحجبون قال أبو عمر قوله ولد الأبناء الذكور يريد البنتين والبنات من الأبناء الذكور فابن الابن كالابن عند عدم الابن وبنت الابن كالبنت عند عدم البنت وليس أولاد البنات من ذلك في شيء وسيأتي ذكر ذوي الأرحام في موضعه - إن شاء الله تعالى قال الشاعر‏:‏

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا *** بنوهن أبناء الرجال الأباعد

وما ذكره مالك أيضا في هذا الفصل إجماع أيضا من علماء المسلمين في أن بني البنين يقومون مقام ولد الصلب عند عدم ولد الصلب يرثون كما يرثون ويحجبون كما يحجبون الأنثى روي عن مجاهد أنه قال ولد الابن لا يحجبون الزوج ولا الزوجة ولا الأم ولا أعلم أحدا تابعه على ذلك ومن شذ عن الجماعة فهو محجوج بها يلزمه الرجوع إليها قال مالك فإن اجتمع الولد للصلب وولد الابن وكان في الولد للصلب ذكر فإنه لا ميراث معه لأحد من ولد الابن فإن لم يكن في الولد للصلب ذكر وكانتا ابنتين فأكثر من ذلك من البنات للصلب فإنه لا ميراث لبنات الابن معهن إلا أن يكون مع بنت الابن ذكر هو من المتوفى بمنزلتهن أو هو أطرف منهن فإنه يرد على من هو بمنزلته ومن هو فوقه من بنات الأبناء فضلا إن فضل فيقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم قال أبو عمر قد تقدم أنه لا ميراث لولد الأبناء مع ولد الصلب إلا أن يكون من ولد الصلب ذو فرض فلا يزاد على فرضه ويدخل ولد الابن فيما زاد على ذلك الفرض إلا أن في هذا اختلافا قديما وحديثا فالذي ذكره مالك هو مذهب علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وعليه جمهور العلماء من العراقيين والحجازيين والشاميين وأهل المغرب أن بن الابن يعصب من بإزائه وأعلى منه من بنات الابن في الفاضل عن الابنة والابنتين ويكون ذلك بينه وبينهن للذكر مثل حظ الأنثيين وخالف في ذلك بن مسعود فقال إذا استكمل البنات الثلثين فالباقي لابن الابن أو لبني الابن دون أخواتهم ودون من فوقهم من بنات الابن ومن تحتهم وإلى هذا ذهب أبو ثور وداود بن علي وروي مثله عن علقمة وحجة من ذهب إلى ذلك حديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏(‏‏(‏ أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله ‏(‏عز وجل‏)‏ فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر‏)‏‏)‏ هذا اللفظ حديث معمر عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ألحقوا المال بالفرائض‏)‏‏)‏ وبعضهم يرويه ‏(‏‏(‏ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي أو فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر ‏(‏2‏)‏ وقد ذكرنا طرق هذه الأحاديث ومن أرسله في كتاب الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الاجتماع والاختلاف قال أبو عمر من الحجة لمذهب علي وزيد وسائر العلماء عموم قول الله عز وجل ‏(‏ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

لأن ولد الولد ولد ومن جهة النظر والقياس أن كل من يعصب من في درجته في جملة المال فواجب أن يعطيه في الفاضل من المال كأولاد الصلب فوجب بذلك أن يشرك بن الابن أخته كما يشرك الابن للصلب أخته وإن احتج محتج لأبي ثور وداود أن بنت الابن ما لم ترث شيئا من الفاضل من الثلثين منفردة ولم يعصبها أخوها فالواجب أنها إذا كانت معها أخوها قويت به وصارت عصبة معه بظاهر قوله ‏(‏ويوصيكم الله في أولادكم‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

وهي من الولد قال مالك وإن لم يكن الولد للصلب إلا ابنة واحدة فلها النصف ولابنة ابنه واحدة كانت أو أكثر من ذلك من بنات الأبناء ممن هو من المتوفى بمنزلة واحدة السدس قال أبو عمر هذا أيضا لا خلاف فيه إلا شيء روي عن أبي موسى وسلمان بن ربيعة لم يتابعهما أحد عليه وأظنهما انصرفا عنه بحديث بن مسعود حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن سفيان عن أبي قيس الأودي وعن هزيل بن شرحبيل قال جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنة وابنة بن وأخت فقالا للبنت النصف وللأخت النصف الباقي وائت بن مسعود فإنه سيتابعنا فأتى الرجل بن مسعود فسأله‏.‏

وأخبره بما قالا فقال بن مسعود لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ولكن أقضي فيها كما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت قال أبو عمر على هذا استقر مذهب الفقهاء وجماعة العلماء على أن لابنة الابن مع الابنة للصلب السدس تكملة الثلثين على ما في حديث بن مسعود هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وللشيعة في هذا المذهب مسألة على أصولهم في أن لا ترث ابنة الابن شيئا مع الابنة كما لا يرث بن الابن مع الابن شيئا ورأينا أن ننزه كتابنا هذا عن ذكر مذاهبهم في الفرائض وقد ذكرنا مذاهبهم ومذاهب سائر فرق الأمة في أصول الفرائض في كتاب ‏(‏‏(‏الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الإجماع والاختلاف‏)‏‏)‏‏.‏

قال مالك فإن كان مع بنات الابن ذكر هو من المتوفى بمنزلتهن فلا فريضة ولا سدس لهن ولكن إن فضل بعد فرائض أهل الفرائض فضل كان ذلك الفضل لذلك الذكر ولمن هو بمنزلته ومن فوقه من بنات الأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين وليس لمن هو أطرف منهم شيء فإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه ‏(‏يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

قال مالك الأطرف هو الأبعد قال أبو عمر على ما حكاه مالك في هذا جمهور العلماء وهو مذهب عمر وعلي وزيد وبن عباس وجماعة فقهاء الأمصار كلهم يجعلون الباقي بين الذكور والإناث من بنات الابن للذكر مثل حظ الأنثيين بالغا ما بلغت المقاسمة زادت بنات الابن على السدس أو لم تزد إلا أبا ثور فإنه ذهب في ذلك مذهب بن مسعود فشذ عن العلماء في ذلك كما شذ بن مسعود فيها عن الصحابة وذلك أن بن مسعود كان يقول في بنت وبنات بن وبني بن للبنت النصف والباقي بين ولد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين إلا أن تزيد المقاسمة بنات الابن على السدس فيفرض لهن السدس ويجعل الباقي لبني الابن وبه قال أبو ثور وقد شذ أيضا بعض المتأخرين من الفرضيين فقال الذكر من بني البنين يعصب من بإزائه دون من عداه من بنات الابن والجماعة على ما ذكره مالك وبالله التوفيق‏.‏

باب ميراث الرجل من امرأته والمرأة من زوجها

مالك وميراث الرجل من امرأته إذا لم تترك ولدا ولا ولد بن منه أو من غيره النصف فإن تركت ولدا أو ولد بن ذكرا كان أو أنثى فلزوجها الربع من بعد وصية توصي بها أو دين وميراث المرأة من زوجها إذا لم يترك ولدا ولا ولد بن الربع فإن ترك ولدا أو ولد بن ذكرا كان أو أنثى فلامرأته الثمن من بعد وصية يوصي بها أو دين وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ‏(‏ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين‏)‏ ‏[‏النساء 12‏]‏‏.‏

قال أبو عمر هذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم فيه وهو من الحكم الذي ثبتت حجته ووجب العمل به والتسليم له وما فيه التنازع والاختلاف وجب العمل منه بما قام الدليل عليه لكل مجتهد وقام العذر فيه لمن مال إلى وجه منه لأنه هو الأولى عنده ووجب على العامة تقليد علمائها فيما اجتهدوا فيه ووسعهم العمل به وبالله التوفيق‏.‏

باب ميراث الأب والأم من ولدهما

قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن ميراث الأب من ابنه أو ابنته أنه إن ترك المتوفى ولدا أو ولد بن ذكرا فإنه يفرض للأب السدس فريضة فإن لم يترك المتوفى ولدا ولا ولد بن ذكرا فإنه يبدأ بمن شرك الأب من أهل الفرائض فيعطون فرائضهم فإن فضل من المال السدس فما فوقه كان للأب وإن لم يفضل عنهم السدس فما فوقه فرض للأب السدس فريضة قال أبو عمر الأب عاصب وذو فرض إذا انفرد أخذ المال كله وإن شركه ذو فرض كالابنة والزوج والزوجة أخذ ما فضل عن ذوي الفروض فإن كان معه من ذوي الفروض من يجب لهم أكثر من خمسة أسداس المال فرض له السدس وصار ذا فرض وسهم مسمى معهم ودخل العول على جميعهم أن ضاق المال عن سهامهم فإن لم يترك المتوفى غير أبويه فلأمه الثلث وباقي ماله لأبيه لأن الله عز وجل - لما جعل ورثة المتوفى أبويه‏.‏

وأخبر أن للأم من ماله الثلث علم أن للأب ما بقي بدليل قوله - عز وجل - ‏(‏وورثه أبواه‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

وهذا كله إجماع من العلماء واتفاق من أصحاب الفرائض والفقهاء قال مالك وميراث الأم من ولدها إذا توفي ابنها أو ابنتها فترك المتوفى ولدا أو ولد بن ذكرا كان أو أنثى أو ترك من الإخوة اثنين فصاعدا ذكورا كانوا أو إناثا من أب وأم أو من أب أو من أم فالسدس لها وإن لم يترك المتوفى ولدا ولا ولد بن ولا اثنين من الإخوة فصاعدا فإن للأم الثلث كاملا إلا في فريضتين فقط وإحدى الفريضتين أن يتوفى رجل ويترك امرأته وأبويه فلامرأته الربع ولأمه الثلث مما بقي وهو الربع من رأس المال والأخرى أن تتوفى امرأة وتترك زوجها وأبويها فيكون لزوجها النصف ولأمها الثلث مما بقي وهو السدس من رأس المال وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ‏(‏ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

فمضت السنة أن الإخوة اثنان فصاعدا قال أبو عمر أجمع جمهور العلماء على أن الأم لها من ميراث ولدها الثلث إن لم يكن له ولد والولد عندهم في قوله تعالى ‏(‏ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

وهو الابن دون الابنة وخالفهم في ذلك من هو محجوج بهم ممن ذكرناه في كتاب ‏(‏‏(‏الإشراف على ما في أصول الفرائض من الإجماع والاختلاف‏)‏‏)‏ والحمد لله وقالت طائفة في أبوين وابنة للابنة النصف وللأبوين السدسان وما بقي فللأب لأنه عصبة هذه عبارة عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت ومنهم من قال للابنة النصف وللأم السدس وللأب ما بقي وهذه عبارة علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت أيضا والمعنى واحد‏.‏

وأما قول مالك فإن لم يترك المتوفى ولدا ولا ولد بن - يعني عند عدم الولد ولا اثنين من الإخوة فصاعدا فإن للأم الثلث كاملا إلا في فريضتين وقوله في آخر الباب فمضت السنة أن الإخوة اثنان فصاعدا فقد اختلف العلماء في قوله عز وجل ‏(‏فإن كان له إخوة فلأمه السدس‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

فذهب بن عباس إلى أن الأم لا ينقلها عن الثلث إلى السدس إلا ثلاثة من الأخوة فصاعدا لقوله عز وجل ‏(‏فإن كان له إخوة فلأمه السدس‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

لأنه أقل ما يقع عليه اسم إخوة ثلاثة فصاعدا وقالت بقوله فرقة وقاموا صيغة التثنية غير صيغة الجمع وقد أجمعوا أن الواحد غير الاثنين فكذلك الاثنان عند الجميع قالوا ولو كانت التثنية جمعا لاستغنى بها عن الجمع كما استغنى عن الجمع مرة أخرى ولهم حجج من نحو هذا وقال علي وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم الاثنان من الإخوة يحجبان الأم عن الثلث وينقلانها إلى السدس كما يفعل جماعة الإخوة وهو قول جمهور العلماء بالحجاز والعراق لا خلاف بينهم في ذلك ومن الحجة لهم إجماع المسلمين على أن البنتين ميراثهما كميراث البنات وكذلك ميراث الأخوين للأم وقد اجمعوا وبن عباس معهم في زوج وأم وأخت لأم أو أخوة لأم أن للزوج النصف ولكل واحد من الأخ أو الأخت السدس وللأم السدس فدل على أنهما قد حجبا الأم عن الثلث إلى السدس ولو لم يحجباها لعالت الفريضة وهي غير عائلة بإجماع وقد أجمعوا أيضا على أن حجبوا الأم عن الثلث إلى السدس بثلاث أخوات ولسن في لسان العرب بإخوة وإنما هن أخوات فحجبها باثنين من الإخوة أولى وقد ذكرنا وجوها من حجج الطائفتين المختلفتين في هذه المسألة في كتاب ‏(‏‏(‏الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الإجماع والاختلاف‏)‏‏)‏ وقال بعض المتأخرين ممن لا يعد خلافا على المتقدمين لا أنقل الأم من الثلث إلى السدس بأختين ولا بأخوات منفردات حتى يكون معهما أو مع إحداهما أخ لأن الأختين والأخوات لا يتناولهما اسم الإخوة منفردات وهذا شذوذ لا يعرج عليه ولا يلتفت إليه لأن الصحابة - رضوان الله عليهم قد صرفوا اسم الإخوة عن ظاهره إلى اثنين وذلك لا يكون منهم رأيا وإنما هو توقيف عن من يجب التسليم له والله أعلم واختلفوا فيمن يرث السدس الذي تحجب عنه الأم بالإخوة فيمن ترك أبوين وإخوة فروي عن بن عباس أن ذلك السدس للإخوة الذين حجبوا الأم عنه وللأب الثلثان والإسناد عن بن عباس بذلك غير ثابت وقال جماعة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم للأم مع الإخوة السدس والخمسة الأسداس للأب لا يرث الإخوة شيئا مع الأب وفي المسألة قول ثالث قد ذكرناه في ‏(‏‏(‏الإشراف‏)‏‏)‏‏.‏

وأما قول مالك ‏(‏‏(‏إلا في فريضتين فقط وإحدى الفريضتين أن يتوفى رجل ويترك امرأته وأبويه فلامرأته الربع ولأمه الثلث مما بقي وهو الربع من راس المال والأخرى أن تتوفى امرأة وتترك زوجها وأبويها فيكون لزوجها النصف ولأمها الثلث مما بقي وهو السدس من رأس المال‏)‏‏)‏ فالاختلاف أيضا في هذه المسألة قديما إلا أن الجمهور على ما قاله مالك وهو قول جماعة فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى بالحجاز والعراق وأتباعهم من سائر البلاد وقال عبد الله بن عباس في زوج وأبوين للزوج النصف وللأم الثلث من جميع المال وللأب ما بقي وقال في امرأة وأبوين للمرأة الربع وللأم ثلث جميع المال والباقي للأب وبهذا قال شريح القاضي ومحمد بن سيرين وداود بن علي وفرقة منهم أبو الحسن محمد بن عبد الله القرضي المصري المعروف بابن اللبان في المسألتين جميعا وزعم أنه قياس قول علي في المشتركة وقال في موضع آخر إنه قد روي ذلك عن علي نصا قال أبو عمر المشهور والمعروف عن علي وزيد وعبد الله وسائر الصحابة رضوان الله عليهم - وعامة العلماء ما رسمه مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ ومن الحجة لهم عن بن عباس أن الأبوين إذا اشتركا في الوراثة ليس معهما غيرهما كان للأم الثلث وللأب الثلثان فكذلك إذا اشتركا في النصف الذي يفضل عن الزوج كانا فيه كذلك على ثلث وثلثين وهذا صحيح في النظر والقياس وقد ذكرنا حجة القائلين بقول بن عباس في كتاب ‏(‏‏(‏الإشراف‏)‏‏)‏‏.‏

باب ميراث الإخوة للأم

قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن الإخوة للأم لا يرثون مع الولد ولا مع ولد الأبناء ذكرانا كانوا أو إناثا شيئا ولا يرثون مع الأب ولا مع الجد أبي الأب شيئا وأنهم يرثون فيما سوى ذلك يفرض للواحد منهم السدس ذكرا كان أو أنثى فإن كانا اثنين فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث يقتسمونه بينهم بالسواء الذكر والأنثى فيه سواء وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ‏(‏وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث‏)‏ ‏[‏النساء 12‏]‏‏.‏

فكان الذكر والأنثى في هذا بمنزلة واحدة قال أبو عمر ميراث الإخوة للأم نص مجتمع عليه لا خلاف فيه للواحد منهم السدس وللاثنين فما زاد الثلث وقد قرئ ‏(‏وله أخ أو أخت من أمه فلكل واحد منهما السدس‏)‏ روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يقرأ به والإجماع يشهد له ويسقط ميراث الإخوة للأم بأربعة يحجبونهم عن الميراث وهم الأب والجد أبو الأب وإن علا والبنون ذكرانهم وإناثهم وبنو البنين وإن سفلوا أو بنات البنين وإن سفلن لا يرث الإخوة للأم مع واحد من هؤلاء شيئا‏.‏

باب ميراث الإخوة للأب والأم

قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن الإخوة للأب والأم لا يرثون مع الولد الذكر شيئا ولا مع ولد الابن الذكر شيئا ولا مع الأب دنيا شيئا وهم يرثون مع البنات وبنات الأبناء ما لم يترك المتوفى جدا أبا أب ما فضل من المال يكونون فيه عصبة يبدأ بمن كان له أصل فريضة مسماة فيعطون فرائضهم فإن فضل بعد ذلك فضل كان للإخوة للأب والأم يقتسمونه بينهم على كتاب الله عز وجل ذكرانا كانوا أو إناثا ‏(‏للذكر مثل حظ الأنثيين‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

فإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم قال أبو عمر لا خلاف علمته بين علماء السلف والخلف من المسلمين أن الإخوة للأب والأم يحجبون الإخوة للأب عن الميراث وقد روي بذلك حديث حسن في رواية الآحاد العدول حدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه - قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن أبي عمير قال حدثني هشام بن حسان عن بن سيرين عن عبد الله بن عتبة قال قضى عمر - رضي الله عنه - أن العصبة إذا كانوا مستويين فبنوا الأم أحق وبه عن سفيان عن الأعمش عن سنين قال أتانا كتاب عمر - رضي الله عنه - ‏(‏‏(‏إذا كانت العصبة سواء فانظروا أقربهم بأم فأعطوه‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر وما ذكره مالك في ميراث ‏(‏الإخوة‏)‏ الأشقاء ها هنا هو الذي عليه جمهور العلماء وهو قول علي وزيد وسائر الصحابة وكلهم يجعل الأخوات وإن لم يكن معهم أخ عصبة للبنات غير بن عباس فإنه كان لا يجعل الأخوات عصبة للبنات وإليه ذهب داود بن علي وطائفة وحجتهم ظاهر قوله تعالى ‏(‏إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك‏)‏ ‏[‏النساء 176‏]‏‏.‏

ولم يورث الأخت إلا إذا لم يكن للميت ولد قالوا ومعلوم أن الابنة من الولد فوجب أن لا ترث الأخت مع وجودها قالوا والنظر يمنع من توريث الأخوات مع البنات كما يمنع من توريثهن مع البنين لأن الأصل في الفرائض تقديم الأقرب فالأقرب قال ومعلوم أن البنت أقرب من الأخت لأن ولد الميت أقرب إليه من ولد أبيه وولد أبيه أقرب إليه من ولد جده وهم يقولون بالرد على ذوي الفروض وسيأتي ذكر ذلك في موضعه إن شاء الله وكان بن الزبير يقول بقول بن عباس في هذه المسألة حتى أخبره الأسود بن يزيد ‏(‏‏(‏أن معاذا قضى باليمن في بنت وأخت فجعل المال بينهما نصفين‏)‏‏)‏ وفي بعض الروايات في هذا الحديث ‏(‏‏(‏ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حي فرجع بن الزبير عن قوله إلى قول معاذ وحديث معاذ من أثبت الأحاديث ذكره بن أبي شيبة من طرق وذكره غيره أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن عمر بن سعيد قال حدثني الأشعث بن سليم عن الأسود بن يزيد قال أخبرت بن الزبير فقلت إن معاذ بن جبل قضى فيها باليمن في ابنة وأخت بالنصف والنصف فقال بن الزبير أنت رسولي إلى عبد الله بن عتبة - وكان قاضي بن الزبير على الكوفة - فليقض به وبه عن سفيان قال حدثني أيوب عن محمد بن سيرين عن الأسود بن يزيد قال ‏(‏‏(‏قضى فينا معاذ باليمن في ابنه وأخت بالنصف والنصف‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر وهو قول عمر وعلي وزيد بن ثابت وبن مسعود وعائشة وأبي موسى وسلمان بن ربيعة وعليه جمهور العلماء بالحجاز والعراق وأتباعهم كلهم يقولون في الأخوات إذا اجتمعن في الميراث مع البنات فهن عصبة لهن يأخذن ما فضل للبنات والحجة لهم والسنة الثابتة من حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في ابنة وبن بن وأخت للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت رواه سفيان الثوري وشعبة عن أبي قيس الأودي وهو عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل بن شرحبيل عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن جهة القياس والنظر أن جمهور العلماء الذين هم الحجة على من شذ عنهم قد أجمعوا على توريث الإخوة مع البنات ولم يرعوا قرب البنات فكذلك الأخوات ومن الإسناد عن بن عباس فيما ذكرناه عنه ‏(‏‏(‏ما رواه بن عيينة عن مصعب بن عبد الله بن الزبرقان‏)‏‏)‏ أنه حدثه قال سمعت بن أبي مليكة يقول سمعت بن عباس يقول أمر ليس في كتاب الله عز وجل - ولا في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وستجدونه في الناس كلهم ميراث الأخت مع البنت النصف وقد قال الله - عز وجل ‏(‏إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك‏)‏ الآية ‏[‏النساء 176‏]‏‏.‏

قال أبو عمر قول بن عباس وستجدونه في الناس كلهم حجة عليه وفي هذه المسألة مثله لابن مسعود وقوله فيها أقرب من الشذوذ وما أعلم أحدا تابعه عليه ولا قال بقوله إلا علقمة بن قيس وأبا ثور وهو قوله في الأخوات للأب والأم يجتمعن في فريضة مع الإخوة والأخوات للأب أنهن إذا استكملن الثلثين فالباقي للإخوة للأب دون الأخوات للأب واحتج أبو ثور لاختيار قول بن مسعود هذا بحديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏ألحقوا المال بأهل الفرائض فما فضل فهو لأولى رجل ذكر‏)‏‏)‏ وقد ذكرنا هذا الخبر فيما تقدم من ذكر بنات البنين مع بني البنين أن قول بن مسعود فيها على ما قدمنا وذهب داود بن علي إلى قول بن مسعود في ولد الابن مع بنات الابن وخالفه في الأختين الشقيقتين مع الإخوة والأخوات لأب فقال في هذا بقول علي وزيد‏.‏

وقال أبو ثور بقول بن مسعود فيهما جميعا وكان علي وزيد يجعلان الباقي على الفرائض في المسألتين جميعا بين بني البنين وبنات البنين وهن الإخوة والأخوات للذكر مثل حظ الأنثيين وهو قول عمر وبن عباس والناس لقول الله - عز وجل ‏(‏يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

وولد الولد ولد وقوله ‏(‏وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين‏)‏ ‏[‏النساء 176‏]‏‏.‏

وروى وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن زيد بن ثابت أنه قال في قضاء بن مسعود هذا قضاء الجاهلية أيرث الرجال دون النساء قال مالك وإن لم يترك المتوفى أبا ولا جدا أبا أب ولا ولدا ولا ولد بن ذكرا كان أو أنثى فإنه يفرض للأخت الواحدة للأب والأم النصف فإن كانتا اثنتين فما فوق ذلك من الأخوات للأب والأم فرض لهما الثلثان فإن كان معهما أخ ذكر فلا فريضة لأحد من الأخوات واحدة كانت أو أكثر من ذلك ويبدأ بمن شركهم بفريضة مسماة فيعطون فرائضهم فما فضل بعد ذلك من شيء كان بين الأخوة للأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين إلا في فريضة واحدة فقط لم يكن لهم فيها شيء فاشتركوا فيها مع بني الأم في ثلثهم وتلك الفريضة المعروفة المشتركة هي امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأمها وأبيها فكان لزوجها النصف ولأمها السدس ولإخوتها لأمها الثلث فلم يفضل شيء بعد ذلك فيشترك بنو الأب والأم في هذه الفريضة مع بني الأم في ثلثهم فيكون للذكر مثل حظ الأنثى من أجل أنهم كلهم إخوة المتوفى لأمه وإنما ورثوا بالأم وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه ‏(‏وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث‏)‏ ‏[‏النساء 12‏]‏‏.‏

فلذلك شركوا في هذه الفريضة لأنهم كلهم إخوة المتوفى لأمه قال أبو عمر المشتركة عند العلماء بالفقه والفرائض هي زوج وأم وإخوان لأم وأخ أو إخوة لأب وأم ومتى اجتمع في المسألة أربعة شروط فهي المشتركة وذلك أن يكون فيها زوج وأم أو جدة مكان الأم واثنان من الإخوة للأم فصاعدا وأخ أو إخوة لأب وأم وقد اختلف الصحابة - رضوان الله عليهم ومن بعدهم فيها وكان عمر وعثمان يعطيان الزوج النصف والأم السدس والأخوة للأم الثلث يشركهم فيه ولد الأب والأم ذكرهم فيه وأنثاهم سواء وهي رواية أهل المدينة عن زيد بن ثابت وبه قال شريح ومسروق وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وطاوس وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم النخعي ومالك والشافعي والثوري وشريك والنخعي وإسحاق بن راهويه وكان علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري لا يدخلون ولد الأب والأم مع ولد الأم لأنهم عصبة وقد اغترفت الفرائض المال فلم يبق لهم شيء وبه قال عامر الشعبي وأبو حنيفة وأصحابه وبن أبي ليلى ويحيى بن آدم وأحمد بن حنبل ونعيم بن حماد وأبو ثور وداود والطبري وجماعة من أهل العلم والفرائض وروي عن زيد بن ثابت وبن مسعود وبن عباس القولان جميعا والمشهور عن بن عباس أنه لم يشرك والمشهور عن زيد أنه يشرك وقال وكيع بن الجراح اختلف فيها عن جميع الصحابة إلا عن علي رضي الله عنهم - فإنه لم يختلف عليه عنه أنه لم يشرك وروي عن عمر أنه قضى فيها فلم يشرك ثم قضى في العام الثاني فشرك‏.‏

وقال مالك على ما قضينا وهذا على ما قضينا وقد ذكرنا الخبر بذلك في كتاب ‏(‏‏(‏بيان العلم‏)‏‏)‏ والحمد لله وحجة من شرك واضحة لاشتراك الإخوة للأب والأم مع الإخوة للأم في أنهم كلهم بنو أم واحدة وحجة من لم يشرك أن الإخوة للأب والأم عصبة ليسوا ذوي فروض والإخوة للأم فرضهم في الكتاب مذكور والعصبة إنما يرثون ما فضل عن ذوي الفروض ولم يفضل لهم في مسألة المشتركة شيء عن ذوي الفروض ومما يبين لك الحجة لهم في ذلك قول الجميع في زوج وأم وأخ لأم وعشرة إخوة أو نحوهم لأب وأم أن الأخ للأم يستحق السدس كاملا والسدس الباقي بين الأخوة من الأب والأم فنصيب كل واحد منهم أقل من نصيب الأخ للأم ولم يستحقوا بمساواتهم الأخ للأم في قرابة الأم أن يساووه في الميراث وكذلك لا ينبغي أن يكون الحكم في مسألة مشتركة وبالله التوفيق‏.‏

باب ميراث الإخوة للأب

قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن ميراث الإخوة للأب إذا لم يكن معهم أحد من بني الأب والأم كمنزلة الإخوة للأب والأم سواء ذكرهم كذكرهم وأنثاهم كأنثاهم إلا أنهم لا يشركون مع بني الأم في الفريضة التي شركهم فيها بنو الأب والأم لأنهم خرجوا من ولادة الأم التي جمعت أولئك قال مالك فإن اجتمع الإخوة للأب والأم والإخوة للأب فكان في بني الأب والأم ذكر فلا ميراث لأحد من بني الأب وإن لم يكن بنو الأب والأم إلا امرأة واحدة أو أكثر من ذلك من الإناث لا ذكر معهن فإنه يفرض للأخت الواحدة للأب والأم النصف ويفرض للأخوات للأب السدس تتمة الثلثين فإن كان مع الأخوات للأب ذكر فلا فريضة لهن ويبدأ بأهل الفرائض المسماة فيعطون فرائضهم فإن فضل بعد ذلك فضل كان بين الأخوة للأب للذكر مثل حظ الأنثيين وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم فإن كان الإخوة للأب والأم امرأتين أو أكثر من ذلك من الإناث فرض لهن الثلثان ولا ميراث معهن للأخوات للأب إلا أن يكون معهن أخ لأب فإن كان معهن أخ لأب بدىء بمن شركهم بفريضة مسماة فأعطوا فرائضهم فإن فضل بعد ذلك فضل كان بين الإحوة للأب للذكر مثل حظ الأنثيين وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم قال مالك ولبني الأم مع بني الأب والأم ومع بني الأب للواحد السدس وللأثنين فصاعدا الثلث للذكر مثل حظ الأنثى هم فيه بمنزلة واحدة سواء قال أبو عمر ما رسم مالك في هذا الباب من حجبة الإخوة للأب بالإخوة للأب والأم إجماع من العلماء كلهم يحجب الأخ للأب عن الميراث بالأخ الشقيق وقد تقدم القول في ذلك والحديث المرفوع فيه وكذلك أجمعوا أن لا يشرك بين بني الأب وبني الأم لأنه لا قرابة بينهم ولا نسب يجمعهم من جهة الأم التي ورث بها بنو الأم واختلفوا فيما يفضل عن الأخت الشقيقة أو الأختين أو الأخوات هل يدخل فيه الأخوة للأب مع أختهن أو مع أخواتهن أم لا وقد مضى في باب ولد البنين هذا المعنى وذلك أن جمهور الصحابة - رضوان الله عليهم - عليا وزيدا وغيرهما قالوا بمعنى ما ذكره مالك وعلى هذا جمهور العلماء وقال بن مسعود أيضا في أخت لأب وأم وإخوة وأخوات لأب للأخوات لأب الأقل من المقاسمة أو السدس وبه قال أبو ثور وقال بن مسعود أيضا في الأخوات للأب والأم إذا استكملوا الثلثين فالباقي للأخ أو الإخوة دون الأخوات وبه قال أبو ثور وما أعلم أحدا تابع بن مسعود من أصحابه وغيرهم على قوله هذا إلا علقمة والله اعلم‏.‏