فصل: باب ما جاء في الغلول

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما جاء في السلب في النفل

942- مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة بن ربعي أنه قال خرجنا مع رسول الله عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة قال فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني قال فلقيت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس فقال أمر الله ثم إن الناس رجعوا فقال رسول الله ‏(‏‏(‏من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه‏)‏‏)‏‏.‏

قال فقمت ثم قلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال ‏(‏‏(‏من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه‏)‏‏)‏‏.‏

قال فقمت ثم قلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال ذلك الثالثة فقمت فقال رسول الله ‏(‏‏(‏ما لك يا أبا قتادة‏)‏‏)‏‏.‏

قال فاقتصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه عنه يا رسول الله فقال أبو بكر لا هاء الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله ‏(‏‏(‏صدق فأعطه إياه‏)‏‏)‏ فأعطانيه فبعت الدرع فاشتريت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام قال أبو عمر قال يحيى في هذا الحديث عمرو بن كثير بن أفلح وقد ذكرنا من تابعه على ذلك في ‏(‏‏(‏ التمهيد‏)‏‏)‏ والأكثر يقولون عمر بن كثير وذكرنا هناك أبا محمد مولى أبي قتادة وذكرنا أبا قتادة في كتاب الصحابة والغاية التي سيق لها هذا الحديث والغرض المقصود به إليه هو حكم السلب وهو باب اختلف فيه السلف والخلف فقال مالك إنما قال رسول الله ‏(‏‏(‏من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه‏)‏‏)‏ بعد أن برد القتال يوم حنين ولم يحفظ عنه ذلك في غير يوم حنين قال ولا بلغني عن ذلك عن الخليفتين وليس السلب للقاتل حتى يقول ذلك والاجتهاد في ذلك إلى الإمام قال مالك والسلب من النفل ولا نفل في ذهب ولا فضة ولا نفل إلا من الخمس وكره مالك أن يقول الإمام من أصاب شيئا فهو له وكره أن يسفك أحد دمه على هذا وقال هو قتال على جعل وكره للإمام أن يقول من قاتل فله كذا ومن بلغ موضع كذا فله كذا ومن قتل قتيلا فله كذا أو نصف ما غنم قال وإنما نفل النبي -عليه السلام- بعد القتال هذا جملة مذهب مالك في هذا الباب ومذهب أبي حنيفة والثوري نحو ذلك واتفق مالك والثوري وأبو حنيفة على أن السلب من غنيمة الجيش حكمه حكم سائر الغنيمة إلا أن يقول الأمير ‏(‏‏(‏من قتل قتيلا فله سلبه‏)‏‏)‏ فيكون حينئذ له وقال الأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد السلب للقاتل على كل حال قال ذلك الأمير أو لم يقله لأنها قضية قضى بها رسول الله ولا يحتاج لذلك إلى إذن الإمام فيها إلا أن الشافعي قال إنما يكون السلب للقاتل إذا قتله مقبلا عليه‏.‏

وأما إذا قتله وهو مدبر فلا سلب له ومن حجته إجماع العلماء على أن لا سلب لمن قتل طفلا أو شيخا هرما أو أجهز على جريح وكذلك من ذفف على جريح أو ذفف على من قطع في الحرب من أعضائه ما لا يقدر على ذلك عن الدفع عن نفسه وفي ذلك دليل على أن السلب إنما حكى به النبي -عليه السلام- لمن في قتله مؤنة وشوكة وهو المقاتل لمن أقبل عليه ودافع عن نفسه والله أعلم وقال سائر الفقهاء السلب للقاتل على كل حال مقبلا كان المقتول أو مدبرا على ظاهر الأحاديث ‏(‏‏(‏من قتل قتيلا فله سلبه‏)‏‏)‏ وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد الرحمن وسعيد بن عبد العزيز وسليمان بن موسى وفقهاء أهل الشام إذا كانت المعمعة والتحمت الحرب فلا شيء سلب حينئذ لقاتل‏.‏

وقال أبو ثور ومحمد بن جرير الطبري في السلب السلب لكل قاتل في معركة كان أو غير معركة مقبلا كان أو مدبرا أو على أي حال كان على ظاهر الحديث وقال الأوزاعي ومكحول السلب مغنم ويخمس‏.‏

وقال الشافعي يخمس كل شيء من الغنيمة إلا السلب فإنه لا يخمس وهو قول أحمد بن حنبل والطبري واحتجوا بقول عمر بن الخطاب ‏(‏‏(‏كنا لا نخمس السلب على عهد رسول الله‏)‏‏)‏ ومن حجته ما حدثناه عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن منصور قال أخبرنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد ‏(‏‏(‏أن رسول الله قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب‏)‏‏)‏ وروي عن مالك يخمس السلب وروي عنه أن الإمام مخير فيه إن شاء خمسه وإن شاء لم يخمسه قال أبو عمر حجة من خمس السلب عموم قوله تعالى ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول‏)‏ ‏[‏الأنفال 41‏]‏‏.‏

ولم يستثن سلبا ولا نفلا وحجة من لم ير فيه خمسا عموم قول النبي ‏(‏‏(‏من قتل قتيلا فله سلبه‏)‏‏)‏ فملكه إياه ولم يستثن عليه شيئا منه ولا استثنى رسول الله شيئا من سنته من جملة الغنيمة غير سلب القاتل وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن بن سيرين قال بارز البراء بن مالك أخو أنس بن مالك مرزبان الزأرة فقتله فأخذ سلبه فبلغ سلبه ثلاثين ألفا فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال لأبي طلحة إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء قد بلغ مالا كثيرا ولا أرانا إلا خامسيه وذكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن بن عوف وهشام بن حسان عن بن سيرين عن أنس بن مالك أن البراء بن مالك حمل على مرزبان الزأرة فطعنه طعنة دق قربوس سرجه وقتله وأخذ سلبه فذكر ما تقدم قال بن سيرين فحدثني بن مالك أنه أول سلب خمس في الإسلام وقال إسحاق بهذا القول إذا استكثر الإمام السلب خمسه وذلك إليه وقد حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو خليفة قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب بعث قتادة فقتل ملك فارس بيده وعليه منطقة ثمنها خمسة عشر ألف درهم فنفله عمر إياها‏.‏

وأما قول مالك إنه لم يبلغه أن رسول الله قال ‏(‏‏(‏من قتل قتيلا فله سلبه‏)‏‏)‏ إلا يوم حنين فقد بلغ غيره من ذلك ما لم يبلغه وقد نفل رسول الله ببدر وغيرها فمن ذلك حديث عبد الرحمن بن عوف وقد ذكرناه بإسناده ‏(‏‏(‏بالتمهيد‏)‏‏)‏ أنه دل معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح على أبي جهل فحملا عليه فصرعاه ثم أتيا النبي فذكرا ذلك له وقال كل واحد منهما أنا قتلته فنظرا إلى سيفيهما فقال ‏(‏‏(‏كلاكما قتله‏)‏‏)‏ وقضى بسلبه لهما ومن ذلك أيضا خبر بن مسعود في قتل أبي جهل أنه وجده مثخنا في قصة ذكرها فأخذ سيفه قتله به فنفله رسول الله إياه وما رواه أيضا داود بن أبي هند عن عكرمة عن بن عباس قال لما كان يوم بدر قال رسول الله من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا من النفل فتصارع الشبان ولزم المشيخة الدابة فلم يبرحوها فلما فتح الله عليهم جاء الشبان يطلبون ما جعل له وجعل له فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءا لكم وفيه لو انكشفتم فأنزل الله تعالى ‏(‏يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم‏)‏ ‏[‏الأنفال 1‏]‏‏.‏

فدل على أن هنالك أنفالا نفلها رسول الله وكان ذلك في حكم الله ورسوله‏.‏

وأما الحجة لمالك في أن السلب لا يكون للقاتل إلا أن ينادي به الإمام وأنه مردود إلى اجتهاده وأنها ليست قضية أمضاها حديث عوف بن مالك الأشجعي وقصتة مع خالد بن الوليد في أمر المددي وذلك أن المددي قتل الرومي وأخذ سلبه فانتزعه منه خالد بن الوليد فقال له عوف اردد عليه سلبه تاما فقال والله لأخبرن بذلك رسول الله قال عوف فاجتمعنا عند رسول الله فأقصصت عليه القصة وما فعل خالد بالمددي فقال رسول الله لخالد ‏(‏‏(‏ما حملك على ما صنعت‏)‏‏)‏ فقال يا رسول الله ‏!‏ استكثرت نفله فقال رسول الله ‏(‏‏(‏رد عليه ما أخذت منه‏)‏‏)‏ فقال عوف لخالد كيف رأيت يا خالد ألم أف لك فقال رسول الله ‏(‏‏(‏وما ذاك‏)‏‏)‏ فأخبره فغضب رسول الله وقال ‏(‏‏(‏يا خالد لا ترده عليه هل أنتم تاركون لي أمرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره‏)‏‏)‏ ذكره أبو داود عن أحمد بن حنبل عن الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك فقال أحمد بن حنبل عن الوليد سألت ثورا عن هذا الحديث فحدثني عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك نحوه قال أبو عمر احتج من قال بأن السلب للقاتل مدبرا بحديث سلمة بن الأكوع أنه قتل القتيل فهو إذن فقال رسول الله ‏(‏‏(‏من قتل القتيل‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا سلمة بن الأكوع فقال رسول الله ‏(‏‏(‏له سلبه أجمع وقد ذكرنا الحديث بإسناده في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وليس فيه ما يدل على أن قتله ما يراد لا مقبلا ولا هاربا بل فيه على أن قتله مخاتلا مخادعا والله أعلم واختلف الفقهاء في الرجل يدعي أنه قتل رجلا بعينه وادعى سلبه فقالت طائفة منهم يكلف على ذلك البينة فإن جاء بشاهدين أخذه وإن جاء بشاهد حلف معه وكان سلبه له واحتجوا بحديث أبي قتادة وبأنه حق يستحق مثله بشاهد ويمين وممن قال ذلك الشافعي والليث وجماعة من أصحاب الحديث وقال الأوزاعي ظاهر حديث أبي قتادة هذا يدل على أن ذلك حكم في ما مضى ولم يرد به رسول الله أن يكون أمرا لازما في المستقبل لأنه أعطاه السلب - بشهادة رجل واحد بلا يمين ومخرج ذلك على اجتهاد من الخمس إذا رأى ذلك الإمام مصلحة والقضاء فيه مؤتنف قال أبو عمر بل أعطاه إياه والله أعلم لأنه قوله به من كان حازه لنفسه في القتال لأن أبا قتادة أحق بما في يديه منه فأمر بدفع ذلك إليه وكان درعا ولا يشك أنه سلب قتيل لا ما سواه من سائر المغانم وقد كان بيده مالا من ماله فقال رسول الله ‏(‏‏(‏من قتل قتيلا فله سلبه‏)‏‏)‏ وقد تقدم قول من قال أنها قضية ماضية من رسول الله قضى بها في مواطن شتى ألا خيار فيها لأحد وتقدم ذكر قول مالك والكوفيين في ذلك وفي هذا الباب‏.‏

943- مالك عن بن شهاب عن القاسم بن محمد أنه قال سمعت رجلا يسأل عبد الله بن عباس عن الأنفال فقال بن عباس الفرس من النفل والسلب من النفل قال ثم عاد الرجل لمسألته فقال بن عباس ذلك أيضا ثم قال الرجل الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي قال القاسم فلم يزل يسأله حتى كاد أن يحرجه ثم قال بن عباس أتدرون ما مثل هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب هكذا هو الخبر في الموطأ عند جمهور الرواة ورواه الوليد بن مسلم عن مالك مثله فقال في آخره السلب من النفل والفرس من النفل يريد أنه للقاتل وأظن أنه يريد لنفسه أقل من قول الوليد بن مسلم فهو مذهبه ومذهب الأوزاعي شيخه والشافعي ومن ذكرنا معهم وليس ذلك في الموطأ في آخر هذا الحديث وذكر أبو عبد الله المروزي قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا بشر بن عمر ومحمد بن المبارك وهذا حديث محمد بن المبارك وهو أتمها قال حدثنا مالك عن الزهري عن القاسم بن محمد قال سمعت رجلا يسأل عبد الله بن عباس عن النفل فقال السلب من النفل والفرس من النفل فقال الرجل الأنفال التي سمى الله فأعاد عليه المسألة مرارا حتى كاد يحرجه وقال بن عباس أتدرون ما مثل هذا مثله مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب بالجريد ورواه معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد عن بن عباس أن رجلا سأله عن الأنفال فقال الرجل بنفل سلب الرجل وفرسه قال فأعاد عليه قال له مثل ذلك ثم أعاد عليه فقال بن عباس أتدرون ما مثل هذا وذكر تمام الخبر ورواه الأوزاعي عن الزهري أنه سمع القاسم بن محمد يقول سمعت عمر يقول سمعت بن عباس يقول السلب من النفل وفي النفل الخمس وهذا الحديث رواه الليث عن الزهري بإسناده وروى أبو الجويرية عن بن عباس انه يقول لا تحل الغنيمة حتى تخمس ولا يحل النفل حتى يقسم الخمس قال أبو عمر النفل الغنيمة والأنفال الغنائم هذا ما لا خلاف فيه عند العلماء ولا أهل اللغة قال صاحب العين النفل المغنم والجميع الأنفال وللإمام ينفل الجيش إذا جعل لهم ما غنموا وقال مجاهد الأنفال الغنائم وقالته الجماعة وقد يكون النفل في اللغة أيضا العطية والأنفال العطايا من الله عز وجل ومن العباد بعضهم لبعض وأجمع العلماء على أن قول الله عز وجل ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه‏)‏ ‏[‏الأنفال 41‏]‏‏.‏ نزلت عند قوله ‏(‏يسألونك عن الأنفال‏)‏ ‏[‏الأنفال 1‏]‏‏.‏

نزلت في حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر وروي عن بن عباس ومجاهد وعكرمة والشعبي وإسماعيل السدي في قوله عز وجل ‏(‏يسألونك عن الأنفال‏)‏ ‏[‏الأنفال 1‏]‏‏.‏

قال الأنفال لله والرسول نسختها ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه‏)‏ ‏[‏الأنفال 41‏]‏‏.‏

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا سليمان بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله ‏(‏يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول‏)‏ ‏[‏الأنفال 1‏]‏‏.‏

قال الأنفال المغانم كانت لرسول الله خاصة ليس لأحد فيها شيء فسألوا رسول الله فأنزل الله تعالى ‏(‏ يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول‏)‏ ليس لكم فيها شيء ‏(‏فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم‏)‏ ‏[‏الأنفال 1‏]‏‏.‏ ثم نزلت ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول‏)‏ ‏[‏الأنفال 41‏]‏‏.‏

فقسم القسمة وقسم الخمس لمن سمي في الآية وروى محمد بن إسحاق والثوري وعبد العزيز بن محمد الداروردي عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي قال سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا نزلت معشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا وجعل لرسول الله فقسمه رسول الله بين المسلمين على بواء يقول على السواء فكان ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البين وقد ذكرنا حديث عبادة هذا بأتم ألفاظ في كتاب ‏(‏‏(‏الدرر في اختصار المغازي والسير‏)‏‏)‏ وفي معنى التشاجر الذي ذكرنا له قال أبو عمر ثم نسخ الله الآية التي في أول الأنفال بقوله عز وجل ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه‏)‏ ‏[‏الأنفال 41‏]‏‏.‏

على ما تقدم ذكرنا له عن من وصل إلينا قوله من العلماء وقد روى وكيع وغيره عن سفيان بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام الحبشي عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت أن رسول الله نفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث وهذا حديث آخر إسناده ومتنه غير إسناد الأول ومتنه وإن كانا جميعا عند سليمان بن موسى عن مكحول إلا أن مكحولا روى هذا الحديث عن أبي سلام ممطور الحبشي عن أبي أمامة عن عبادة وروى الأول عن أبي أمامة عن عبادة وهما حديثان مختلفان في معنيين قد حفظهما جميعا عبادة بن الصامت عن النبي - عليه السلام وقد روى مثل حديث عبادة هذا عن النبي -عليه السلام- حبيب بن مسلمة من رواية مكحول أيضا عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة رواه عن مكحول يزيد بن يزيد بن جابر من رواية بن عيينة وغيره عن يزيد بن يزيد ورواه أيضا سليمان بن موسى عن مكحول من رواية سعيد بن عبد العزيز وغيره عن سليمان بن موسى وقد تكلم البخاري في أحاديث سليمان بن موسى وطعن فيما انفرد به منها وأكثر أهل العلم يصححون حديثه بأنه إمام من أئمة أهل الشام وفقيه من جلة فقهائهم‏.‏

وأما قول بن عباس في الموطأ فيدل على أن الآية عنده منسوخة وهو قول زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن وتأويل قوله ‏(‏قل الأنفال لله والرسول‏)‏ ‏[‏الأنفال 1‏]‏‏.‏ عندهم كقوله ‏(‏فأن لله خمسه وللرسول‏)‏ ‏[‏الأنفال 41‏]‏‏.‏

أي له وضعها حيث وضعها الله وذلك قول بن عباس حين سئل عن الأنفال فقال السلب والفرس وفي رواية أخرى عنه في ذلك الفرس والدرع والرمح وقول مالك في ذلك نحو قول بن عباس قال مالك السلب من النفل في الآثار الثابتة عن النبي أنه للقاتل دليل على أن الآية محكمة وقال عطاء في قوله ‏(‏يسئلونك عن الأنفال‏)‏ ما شذ عن العدو إلى المسلمين من عبد أو دابة أو متاع فهي الأنفال التي يقضي فيها الإمام ما أحب قال أبو عمر روى معمر عن الزهري أن بن عباس قال إن الرجل كان ينفل سلب الرجل وفرسه وقد عمل المسلمون من الصحابة والتابعين بإعطاء السلب للقاتل في مواطن شتى لا ينكر ذلك واحد منهم وإنما اختلف الفقهاء هل ذلك واجب للقاتل دون إعطاء الإمام وندائه لذلك أو حتى يأمر به وينادي به مناديه في العسكر قبل الغنيمة أو بعدها على حسب ما قدمنا ذكره عنه في هذا الكتاب وإنما جعل مالك حديث بن عباس بعد حديث أبي قتادة مفسرا له في معنى السلب الذي يستحقه أنه الفرس والدرع لأن في حديث أبي قتادة أن سلب قتيله كان درعا وزاد بن عباس من قوله الفرس وفي غير رواية مالك الرمح وذلك كله آلة المقاتل ولم ير مالك أن يكون من السلب ذهب ولا فضة لأنه من آلة المقاتل المعمرة الظاهرة المسلوبة‏.‏

وقال الشافعي السلب الذي يكون للقاتل كل ثوب يكون للقاتل على المقتول وكل سلاح عليه ومنطقة وفرسه إن كان راكبه أو ممسكه فإن كان مع غيره أو منفلتا منه فليس لقاتله قال وإن كان في سلبه أسوار ذهب أو خاتم أو تاج أو منطقة فيها ذهب فلو ذهب ذاهب إلى أن هذا من سلبه كان مذهبا ولو قال قائل ليس هذا من عدة الحرب كان وجها‏.‏

وقال أحمد بن حنبل المنطقة فيها الذهب والفضة من السلب والفرس ليس من السلب وقال في السيف لا أدري قال أبو عمر لو قال في المنطقة والسلب لا أدري كان أولى به من مخالفة بن عباس والناس في الفرس وأظنه ذهب في المنطقة إلى حديث أنس في قتل البراء بن مالك مرزبان الزأرة وقال مكحول هل يبادر القاتل سلب المقتول كله فرسه وسرجه ولجامه وسيفه ومنطقته ودرعه وبيضته وساعداه وساقه وكل ما كان معه من ذهب أو جوهر قال الأوزاعي له فرسه الذي قاتل عليه وسلاحه وسرجه ومنطقته وما كان في سرجه ولجامه من حلية قال ولا يكون له الهميان فيه المال وأجاز الأوزاعي أن يترك القتلى عراة وكره الثوري أن يتركوا عراة وقال الأوزاعي في الأجير المستأجر للخدمة إن بارز فقتل صاحبه كان له سلبه قال وإن قتل قبل الفتح فله السلب وإن كان بعد الفتح فلا شيء له وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سمعت نافعا - مولى بن عمر - يقول لم أزل أسمع إذا التقى المسلمون والكفار فقتل رجل من المسلمين رجلا من الكفار أن له سلبه إلا أن يكون في معمعة القتال أو في زحفه لا يدري أن أحدا بعينه قتل آخر وعن عبد الله بن مسعود قال النفل ما لم يلتق الصفان فإذا التقى الزحفان فالمغنم ولا سلب ولا نفل وعن مسروق مثله وزاد إنما النفل قبل وبعد وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز السلب للقاتل ما لم تشتد الصفوف فإذا قام الزحف فلا سلب لأحد وقال عكرمة دعي رجل يوم بني قريظة إلى البراز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏قم يا زبير فقام إليه فقتله فنفله رسول الله سلبه‏)‏‏)‏ وقال الأوزاعي ليس للقاتل سلب حتى يجرد إليه السلاح ومن استأجر فليس لقاتله سلبه قيل فرجل حمل على رجل فقتله فإذا هي امرأة قال إن كانت جردت إليه السلاح فله سلبها قال والغلام كذلك إذا قاتل فقتل كان سلبه لمن قتله وقد فسرنا المخرف ومعنى ‏(‏‏(‏تأثلته‏)‏‏)‏ في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وشواهده واختصار ذلك أن المخرف الحائط من النخل يخترف أي يجتنى وقوله ‏(‏‏(‏إنه لأول مال تأثلته‏)‏‏)‏ لأنه أول مال اقتنيته واكتسبته في الإسلام‏.‏

وأما قول بن عباس للسائل الملح عليه في الأنفال ما هي وهو يتجنبه حتى كاد يحرجه ‏(‏ ‏(‏إنما مثل هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب‏)‏‏)‏ فإنه رأى منه ما يدل على أنه معنت غير مصغ إلى ما يجاب به من العلم فأشار إلى ما هو حقيق أن يصنع به ما صنع عمر بصبيغ‏.‏

وأما خبر صبيغ فروى إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا بن أبي أويس قال حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه سأل رجلا قدم من الشام فقال إن رجلا هناك يسأل عن تأويل القرآن قد كتبه يقال له ‏(‏‏(‏صبيغ‏)‏‏)‏‏.‏

وأخبره أنه يريد قدوم المدينة فقال له عمر لئن لم تأتني به لأفعلن بك كذا وكذا فجعل الرجل يختلف كل يوم إلى الثنية وهو يسأل عن صبيغ حتى طلع وهو على بعير قال قد كان يحتج بأن يقول ‏(‏‏(‏من يلتمس الفقه يفقهه الله‏)‏‏)‏‏.‏

قال فلما طلع قام إليه الرجل فانتزع الخطام من يده ثم قاد به حتى أتى به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فضربه عمر ضربا شديدا ثم حبسه ثم ضربه أيضا فقال له صبيغ إن كنت تريد قتلي فأخذ علي وإن كنت تريد شفائي فقد شفيتني شفاك الله - قال فأرسله عمر - رضي الله عنه وروى حماد بن زيد عن يزيد بن حاتم عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني تميم يقال له صبيغ بن عسل قدم المدينة وكانت عنده كتب فجعل يسأل عن متشابه القرآن فبلغ ذلك عمر فبعث إليه وقد أعد له عراجين النخل فلما دخل عليه جلس فقال من أنت قال أنا عبد الله صبيغ فقال عمر وأنا عبد الله عمر ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين فما زال يضربه حتى شجه فجعل الدم يسيل على وجهه فقال حسبك يا أمير المؤمنين فقد والله ذهب الذي كنت أجده في رأسي وقال حماد بن زيد‏.‏

وحدثنا قطن بن كعب قال سمعت رجلا من بني عجلان يقال له خلاد بن زرعة يحدث عن أبيه قال لقد رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجيء إلى الحلق وكلما جلس إلى حلقة قاموا وتركوه وقالوا عزمة أمير المؤمنين ألا يكلم وفي حديث أبي شهاب الحناط عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن عمر بن الخطاب كشف عن رأسه فإذا له شعر فقال لو وجدته محلوقا لعاقبتك أشد العقوبة قال أبو عمر إنما قال ذلك لقول النبي في الخوارج ‏(‏‏(‏سيماهم التحليق‏)‏‏)‏ وقد عرض للأحنف بن قيس مثل ذلك في كشف رأسه مع عمر بن الخطاب لأنه أعجبه ما سمعه منه من البلاغة والحكمة فخشي أن يكون من الذين قال فيهم النبي -عليه السلام- ‏(‏‏(‏ أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان‏)‏‏)‏ فكشف عن رأس الأحنف فوجده ذا شعر وأثنى عليه قومه فسر بذلك عمر قال أبو عمر كان صبيغ من الخوارج في مذاهبهم وكان الأحنف صاحب سنة وعقل ورأي ودهاء وروى هشيم عن العوام بن حوشب قال قلت لعمرو بن مرة ما لكم لا تعاقبون أهل الأهواء وقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يعاقبهم فقالوا إنهم كانوا يجترئون بعلمهم‏.‏ وأما نحن نجترئ بجهلنا‏.‏

باب ما جاء في إعطاء النفل من الخمس

944- ذكر فيه مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب أنه قال كان الناس يعطون النفل من الخمس قال مالك وذلك أحسن ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر قول مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ ‏(‏‏(‏وذلك أحسن ما سمعت‏)‏‏)‏ يدل على أنه قد سمع غير ذلك وقد أوردنا في باب ‏(‏‏(‏جامع النفل في الغزو‏)‏‏)‏ مذاهب العلماء من السلف والخلف في هذه المسألة واستوفينا القول فيها في باب السلب من النفل قبل هذا والآثار كلها المرفوعة وغيرها تدل على صحة ما ذهب إليه من قال إن النفل لا يكون إلا من الخمس لأن الله تعالى قد ملك الغانمين أربعة أخماس الغنيمة بعد ما استثناه على لسان رسول الله من السلب للقاتل فقال عز وجل ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول‏)‏ ‏[‏الأنفال 41‏]‏‏.‏

فأعطى الغانمين الأربعة الأخماس بإضافة الغنيمة إليهم ولم يخرج منها عنهم إلا الخمس فدل على تمليكهم كما قال جل وعز ‏(‏وورثه أبواه فلأمه الثلث‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

فدل على أن للأب الثلثين بقوله ‏(‏وورثه أبواه‏)‏ ثم جعل للأم الثلث يدل على أن الثلثين للأب كذلك الغنيمة لما أضافها إلى الغانمين وجعل الخمس لغيرهم وبالله التوفيق ويخرج أيضا من الغنيمة الأرض لما فعله عمر بن الخطاب في جماعة الصحابة ‏(‏رضي الله عنهم‏)‏ وفيهم فقهاء وتأولوا في ذلك أنه الفيء وقد اختلف في ذلك كله على حسب ما قد ذكرناه والحمد لله قال الله تعالى ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول‏)‏ ‏[‏الأنفال 41‏]‏‏.‏

فما كان للرسول ومن ذكر معه جرى مجرى الفيء وكان له في قسمته الاجتهاد على ما وردت في ذلك السنة عنه صلى الله عليه وسلم وقد مضى في ذلك ما فيه كفاية وفي هذا الباب سئل مالك عن النفل هل يكون في أول مغنم قال ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام وليس عندنا في ذلك أمر معروف موقوف إلا اجتهاد السلطان ولم يبلغني أن رسول الله نفل في مغازيه كلها وقد بلغني أنه نفل في بعضها يوم حنين وإنما ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام في أول مغنم وفيما بعده قال أبو عمر اختلف العلماء في النفل في أول مغنم وفي النفل في العين من الذهب والورق فذهب الشاميون إلى أن لا نفل في أول مغنم وهم رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي الكندي ومكحول وسليمان بن موسى والأوزاعي ويزيد بن يزيد بن جابر والقاسم بن عبد الرحمن ويزيد بن أبي مالك وقال الأوزاعي السنة عندنا أن لا نفل في ذهب ولا فضة ولا لؤلؤ وهو قول مالك وسليمان بن موسى وسعيد بن عبد العزيز وأنكر أحمد بن حنبل قول الشاميين لا نفل إلا في أول مغنم قال أبو عمر لما رأى مالك - رحمه الله - اختلاف الناس في النفل في أول مغنم وفيما بعده ولم ير في شيء من أقوالهم حجة توجب المصير إليها فجاز النفل للوالي على حسب ما يؤديه إليه اجتهاده كان في أول مغنم أو غيره هذا ويكون ذلك من الخمس على ما ذكره سعيد بن المسيب وروى محمد بن سيرين أن أنس بن مالك كان مع عبيد الله بن أبي بكرة في غزاة فأصابوا شيئا فأراد عبيد الله أن يعطي أنسا من الشيء قبل أن يقسم قال أنس لا ولكن أعطني من الخمس فقال عبيد الله لا إلا من جميع غنائم فأبى أنس أن يقبل وأبى عبيد الله أن يعطيه من الخمس‏.‏

باب القسم للخيل في الغزو

945- ذكر مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كان يقول للفرس سهمان وللرجل سهم قال مالك ولم أزل أسمع ذلك قال أبو عمر أما ما حكاه عن عمر بن عبد العزيز فهو محفوظ عن النبي عند العلماء أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله أسهم لرجل ثلاثة سهمان سهم له وسهمان لفرسه قال أبو عمر هكذا رواه جماعة عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر كما رواه أبو معاوية منهم عبد الله بن نمير وأبو أسامة وسليم بن أخضر وروي من حديث أبي عمرة الأنصاري وبن عباس عن النبي قال أبو عمر اختلف العلماء في هذا الباب فقال مالك وسفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأبو يوسف ومحمد يسهم للفارس ثلاثة أسهم سهمان للفرس وسهم لراكبه‏.‏

وقال أبو حنيفة للفارس سهمان وللراجل سهم وروي مثل قول أبي حنيفة عن النبي من حديث مجمع بن جارية وعن علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري مثله رواه شعبة عن إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي - رضي الله عنه وروي مثل قول مالك ومن تابعه عن بن عباس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز والحسن وبن سيرين والحكم بن عيينة وعن عمرو بن ميمون وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود والطبري وقد روى سعيد بن داود بن أبي زبير عن مالك بن أنس عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير يوم حنين أربعة أسهم سهما له مع المسلمين وسهمين للفرس وسهما للقربى وهذا حديث أنكروه على سعيد بن الزبير لم يتابعه أحد عليه عن مالك والمعروف في هذا الحديث ما رواه سفيان بن عيينة وغيره عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير مرسلا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما قول مالك في هذا الباب ‏(‏‏(‏لا أرى أن يسهم إلا لفرس واحد الذي يقاتل عليه وإن دخل الرجل بأفراس عدة لم أر أن يسهم منها إلا لواحد‏)‏‏)‏ فهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وروى أبو حبان التيمي واسمه يحيى بن سعيد مثله وقال الثوري والأوزاعي وأبو يوسف والليث يسهم لفرسين قال أبو عمر وممن قال يسهم لفرسين الحسن البصري ومكحول الشامي ويحيى بن سعيد الأنصاري واختاره محمد بن الجهم المالكي وقد قال رأيت أهل الثغور يسهمون لفرسين وتأملت أئمة التابعين بالأمصار فرأيت أكثرهم يسهمون لفرسين قال أبو عمر لا أعلم أحدا أسهم لأكثر من فرسين إلا ما رواه بن جريج عن سليمان بن موسى قال إذا أدرب الرجل بأفراس قسم لكل فرس سهمان‏.‏

وأما قول مالك في البراذين والهجن أنها من الخيل يسهم لها فهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي البرذون والفرس عندهم سواء وقد احتج مالك في موطئه بأن البراذين خيل لقوله تعالى ‏(‏والخيل والبغال والحمير‏)‏ ‏[‏النحل 8‏]‏‏.‏

ويقول سعيد بن المسيب أنه سئل عن البراذين هل فيها من صدقة فقال وهل في الخيل من صدقة وقال الحسن ‏(‏‏(‏ البراذين بمنزلة الخيل‏)‏‏)‏ رواه بن حسان عنه وقال الأوزاعي كانت أئمة المسلمين فيما سلف يسهمون للبراذين حتى هاجت الفتنة من بعد قتل الوليد بن يزيد وقال الليث للهجين والبرذون منهم مثل سهم الفرس ولا يلحقان بالعراب وقال عمر بن عبد العزيز تلحق البراذين بسهام الخيل إذا أدركت ما تدرك الخيل وروى هذا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وروي أيضا عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله ‏(‏‏(‏إذا كان البرذون رائع المنظر حسن الجري فأسهم له سهم العراب‏)‏‏)‏ وقال مكحول أول من أسهم للبراذين خالد بن الوليد يوم دمشق أسهم للبراذين نصف سهمان الخيل لما رأى من جريها وقوتها وكان يعطي للبراذين سهما سهما وللفرس سهمين قال أبو عمر هذا حديث منقطع لم يسمعه مكحول من خالد ولا أدركه ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا الصباح بن ثابت البجلي قال سمعت الشعبي يقول إن المنذر بن الدهن بن أبي حميصة خرج في طلب العدو فلحقت الخيل العراب وتقطعت البراذين فأسهم للعراب سهمين وللبراذين سهما ثم كتب بذلك إلى عمر بن الخطاب فأعجبه ذلك فجرت سنة للخيل بعد قال‏.‏

وحدثنا سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس وإبراهيم بن محمد بن المنتشر عن علي بن الأقمر قال أغارت الخيل بالشام فأدركت العراب من يومها وأدركت البراذين ضحا الغد فقال بن أبي حميصة لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك وكتب إلى عمر فقال عمر هبلت الوادعي أمه ‏!‏ لقد أذكرت به أمضوها على ما قال‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر هكذا قال بن أبي شيبة عن بن عيينة عن الأسود بن قيس وإبراهيم بن المنتشر عن بن الأقمر وهو غلط منه وإنما حديث بن المنتشر عن أبيه وحديث الأسود بن قيس عن كلثوم بن الأقمر كذلك رواه الثوري وشريك عن الأسود بن قيس عن كلثوم بن الأقمر أن المنذر بن الدهن بن أبي حميصة خرج في طلب العدو رد فلحقت الخيل وذكر معناه حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد المنتشر عن أبيه قال أغارت الخيل بالشام وعلى الناس رجل من همدان يقال له المنذر بن أبي حميصة فأدركت العراب من يومها وأدركت البراذن ضحا الغد فقال لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك فكتب إلى عمر في ذلك فكتب عمر فضلت الوادعي أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال وهو أول من سن في الإسلام سنة الخيل والبراذين قال سفيان بن عيينة قال الشاعر في ذلك‏:‏

ومنا الذي قد سن في الخيل سنة *** وكانت سواء قبل ذاك سهامها

ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حفص بن غياث عن أشعث عن الحسن قال للمقرف وهو الهجين له سهم ولصاحبه سهم قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول مثله قال‏.‏

وحدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي قال لم يكن أحد من علمائنا يسهمون للبرذون قال‏.‏

وحدثنا وكيع عن سفيان قال الفرس والبرذون سواء‏.‏

باب ما جاء في الغلول

946- ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدر من حنين وهو يريد الجعرانة سأله الناس حتى دنت به ناقته من شجرة فتشبكت بردائه حتى نزعته عن ظهره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ ردوا علي ردائي أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم ‏(‏2‏)‏ والذي نفسي بيده لو أفاء الله عليكم مثل سمر تهامة نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا‏)‏‏)‏ فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس فقال ‏(‏ ‏(‏أدوا الخياط ‏(‏1‏)‏ والمخيط فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

قال ثم تناول من الأرض وبرة من بعير أو شيئا ثم قال ‏(‏‏(‏والذي نفسي بيده ما لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر فروي هذا الحديث عن عمرو بن شعيب متصلا من وجوه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحسنها ما رواه حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواة بن شهاب عن عمر بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام رواه بن وهب عن يونس عن بن شهاب وعبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب إلا أن حديث عمرو بن شعيب يقتضي معاني حديث مالك كلها وحديث بن شهاب يقتضي بعضها وقد ذكرنا ذلك كله في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وفي هذا الحديث إباحة سؤال العسكر للخليفة حقوقهم في الغنيمة ليقسم بينهم فيصل كل واحد إلى حقه ويستعجل الانتفاع به ويحتمل أن يكونوا سألوه أن يتكلم بعد أن قسم بينهم لأنه كان ينفل في البدأة والرجعة‏.‏

وأما قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا‏)‏‏)‏ فكان صلى الله عليه وسلم أسخى خلق الله وأكثرهم جودا وسماحة وروى بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس كان أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان وقال بن عمر ما رأيت أجود ولا أمجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي عنه من وجوه أنه كان يستعيذ بالله من البخل وكان يقول ‏(‏‏(‏أي داء أدوأ من البخل‏)‏‏)‏ ومن حديث بن المنكدر عن جابر قال ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قط فقال لا‏.‏

وأما شجاعته ونجدته فقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال ما رأيت أثبت جنانا ولا أجرأ قلبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بن عمر مثله‏.‏

وأما الكذب فقد جعله الله صديقا نبيا وكفى بهذا وفيه جواز قسمة الغنائم في دار الحرب لأن الجعرانة كانت يومئذ من دار الحرب وفيها قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين وذلك موجود في حديث جبير بن مطعم وجابر واختلف الفقهاء في قسمة الغنائم في دار الحرب فذهب مالك والشافعي والأوزاعي وأصحابهم إلى أن الغنائم يقسمها الإمام على العسكر في دار الحرب قال مالك وهم أولى بها منه‏.‏

وقال أبو حنيفة لا تقسم الغنائم في دار الحرب وقال أبو يوسف أحب إلي أن لا تقسم في دار الحرب إلا أن يجد حمولة فيقسمها في دار الحرب قال أبو عمر والصحيح ما قاله مالك ومن تابعه في ذلك للأثر المذكور فيه وفيه جواز ذم الرجل الفاضل لنفسه إذا لم يرد به إلا دفع العيب عن نفسه وكان صادقا في قوله وفيه دليل على أن الخليفة على المسلمين الناظر لهم المدبر لأمورهم لا يجوز أن يكون كذابا ولا بخيلا ولا جبانا وقد أجمع العلماء أن الإمام يجب أن لا يكون فيه هذه الخلال السوء وأن يكون أفضل أهل وقته حالا وأجملهم خصالا إن قدر على ذلك وقوله ‏(‏‏(‏لا تجدوني بخيلا ولا كذابا‏)‏‏)‏ لأن البخيل يحتمل أن يقول الأمر ولا يفعل يقول ‏(‏‏(‏فلا تجدوني كذابا أبدا‏)‏‏)‏ وقد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين البخل والجبن والكذب وأكثر الآثار على هذا وفي ذلك ما يعارض حديث صفوان بن سليم أن المؤمن يكون بخيلا وجبانا ولا يكون كذابا والكذاب عندهم المعروف منه كثرة الكذب لأن فعالا لا تكون إلا للمبالغة وهو أكثر من كاذب وأجمع الحكماء على أن الكذب في السلطان أقبح منه في غيره لأنه لا يوثق من السلطان إذا كان كذوبا بوعد ولا وعيد وفي ذلك فساد أمره قال معاوية لعمرو بن العاص ‏(‏‏(‏إن فساد هذا الأمر أن يعطوا على الهوى لا على التقى وأن يكونوا في الوعد والوعيد‏)‏‏)‏ وفيه إباحة الغنائم للمسلمين من أموال المشركين وسائر الكفار ولم تكن مباحة لأحد قبل هذه الأمة وهي من الخصال التي فضل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته من مال كل حربي وقد ذكرنا الآثار بذلك فيما تقدم من كتابنا هذا‏.‏

وأخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتأكلها فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم فأنزل الله تعالى ‏(‏لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم‏)‏‏)‏ إلى آخر الآيتين الأنفال‏.‏

68- 69‏.‏

وأما قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏أدوا الخائط والمخيط‏)‏‏)‏ ويروى الخياط والمخيط فالخائط واحد الخيط والمخيط الإبرة ومن رواه الخياط فقد يكون الخياط الخيوط ويكون الخياط المخيط وهي الإبرة ومنه قوله عز وجل ‏(‏حتى يلج الجمل في سم الخياط‏)‏ ‏[‏الأعراف 40‏]‏‏.‏

ولا خلاف أن الرواية المخيط بكسر الميم وقال الفراء يقال خياط ومخيط كما يقال لحاف وملحف وقناع ومقنع وإزار ومئزر وقرام ومقرم قال أبو عمر وهذا كلام خرج على القليل ليكون ما فوقه أحرى بالدخول في معناه كما قال تعالى ‏(‏فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره‏)‏ الزلزلة‏.‏

7- 8 وفيه أن الغلول كثيره وقليله حرام وأنه عار وشنار والشنار كلمة تجمع العار والنار ومنهم من قال تجمع الشين والنار ومعنى ذلك منقصة في الدنيا وعذاب في الآخرة والغلول من حقوق الآدميين ولا بد فيه من القصاص في الدنيا بالمال أو في الآخرة بالحسنات والسيئات‏.‏

وأما قوله ‏(‏‏(‏ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم‏)‏‏)‏ فإنه أراد ‏(‏‏(‏إلا الخمس فإن العمل فيه برأيي واجتهادي‏)‏‏)‏ لأن الأربعة الأخماس من الغنيمة مقسومة على أهلها ممن حضر القتال من رفيع أو وضيع وقد ذكرنا ما للعبد والأجير والمرأة والتاجر من الغنيمة في موضعه وذكرنا كيف قسمة الغنيمة للفارس والراجل في موضعه أيضا‏.‏

وأما الخمس فكان مالك لا يرى قسمته أخماسا وقال حكمه حكم الفيء وقسمته مردودة إلى اجتهاد الإمام‏.‏

وقال الشافعي يقسم الخمس على خمسة أسهم وهو قول الثوري‏.‏

وقال أبو حنيفة يقسم الخمس على ثلاثة أسهم للفقراء والمساكين وبن السبيل وأسقط سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى وقال سقطا بموت النبي صلى الله عليه وسلم وخالفه أكثر الفقهاء في سهم ذي القربى وقالوا إنه لقرابة النبي -عليه السلام- من بني هاشم وهم الذين تحرم عليهم الصدقة وهو قول مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأحمد وأبي ثور والحجة لهم حديث بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى لبني هاشم وبني المطلب من الخمس وقال ‏(‏‏(‏إننا بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد‏)‏‏)‏ الحديث وليس في هذا الباب حديث مسند غيره وقال بدخول بني المطلب مع هاشم من فقهاء الأمصار الشافعي وأبو ثور وأحمد‏.‏

وأما سائر الفقهاء فيقتصرون فيه على بني هاشم فقد روي عن بن عباس ومحمد بن الحنفية أن ‏(‏‏(‏ذوي القربى ‏)‏‏)‏ الذين عنى الله في آية الخمس بنو هاشم قال بن عباس وقد خالفنا في ذلك قومنا وكان عمر بن عبد العزيز يذهب إلى أن ذوي القربى بنو هاشم خاصة وقال بقول الشافعي في إدخال بني المطلب مع بني هاشم مجاهد وقتادة وبن جريج ومسلم بن خالد والحجة لهذه الأقوال تطول وشرطنا الأختصار وذكر سنيد قال حدثنا وكيع عن سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سهم الرسول وسهم ذي القربى ثم أجمعوا على أن يجعلوه - يعني سهم النبي صلى الله عليه وسلم - في الكراع في سبيل الله فكان كذلك خلافة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما قال‏.‏

وحدثنا أبو معاوية عن محمد بن إسحاق قال قلت لأبي جعفر ما صنع علي - رضي الله عنه - في الخمس حين ولي قال صنع به اتبع فيه أثر أبي بكر وعمر لأنه كان يكره أن يدعا عليه خلافهما قال‏.‏

وحدثنا وكيع عن سفيان عن خصيف عن مجاهد قال كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم سهم ذي القربى قال‏.‏

وحدثنا هشيم أخبرنا عبد الله بن حسن قال لما منعنا الصدقة جعل لنا سهم ذي القربى خمس الخمس قال‏.‏

وأخبرنا جرير عن موسى بن أبي عائشة قال سألت يحيى بن الجزار عن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خمس الخمس قال‏.‏

وحدثنا حجاج عن بن جريج في قول الله عز وجل ‏(‏فإن لله خمسه‏)‏ ‏[‏الأنفال 41‏]‏‏.‏

قال أربعة أخماسه لمن حضر القتال من الناس والخمس الباقي لله وللرسول منه خمس وخمس لذي القربى وخمس لليتامى والمساكين خمس ولابن السبيل خمس وقالت طائفة ذو القربى قرابة الإمام وهو قول الحسن البصري وورد في حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏إذا أطعم طعمة فهي للخليفة بعده‏)‏‏)‏ وقد ذكرناه بإسناده في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وهو حديث لا تقوم بمثله حجة لضعفه وقلنا في معناه هناك إنها ولاية القسمة والعمل فيها باجتهاد الرأي وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يرى ذلك لقرابته وكان علي وبن عباس - رضي الله عنهما - يرون أن خمس الخمس لبني هاشم وكتب إلى بن عباس نجدة الحروري يسأله عن ذلك فقال كنا نرى أنه لنا فأبى ذلك علينا قومنا - يعني قريشا وروي عن علي بن أبي طالب ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ أنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يولني خمس الخمس فلا أنازع في ولايته ففعل فكنت إليه إلى آخر خلافة عمر فقلت له إن للناس إليه حاجة ونحن عنه في غنى فاقسمه أنت فيهم - يعني بني هاشم فلما خرجت قال لي العباس - وكان داهية - لقد أخرجت عنا أو عن أيدينا ولن يعود إلينا قال علي فما دعيت إليه بعد وقال بن عباس دعانا عمر أن ينكح منه أيامانا ويخدم منه عائلنا ويعطينا منه ما يكفينا فأبينا إلا أن نعطاه كله فأبى ولا يصح أن عليا دعي إلى ذلك في خلافته فأبى لئلا يؤخذ عليه خلافه الخليفتين لأنه لم تكن في مدة خلافته مغنم وقال الطبري يقسم الخمس على أربعة أسهم لأن سهم النبي صلى الله عليه وسلم مردود على من سمى معه في الآية قياسا على ما أجمعوا عليه فيمن غرم من أهل سهمان الصدقات واختلف العلماء في سهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‏(‏‏)‏ سهمه من الخمس خمسه والصفي أيضا مع ذلك ولم نجد للصفي ذكر في حديث مالك هذا وهو مذكور في أحاديث كثيرة صحاح وقد ذكرنا أكثرها في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ منها ما رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كانت صفية من الصفي وإنما سكت والله أعلم - مالك عن السبي لشهرته عندهم وكان الصفي من يصطفيه الإمام من رأس الغنيمة فرسا أو أمة أو عبدا أو بعيرا على حسب حال الغنيمة وأجمع العلماء على أن الصفي ليس لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أبا ثور حكي عنه ما يخالف هذا الإجماع فقال الآثار في الصفي ثابتة ولا أعلم شيئا نسخها قال فيؤخذ الصفي ويجري مجرى سهم النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قد قسم الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم ولم يبلغنا أنهم اصطفوا من ذلك شيئا لأنفسهم غير سهامهم والله أعلم وللعلماء في سهم النبي عليه السلام أقوال منها أنه يرد إلى من سمى في الآية وبه قال الطبري على ما قدمنا عنه وقال آخرون هو للخليفة بعده وقال آخرون يجعل في الخيل والعدة في سبيل الله وممن قال بذلك أيضا قتادة وأحمد بن حنبل‏.‏

وقال الشافعي يضع الإمام سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمر ينفع الإسلام وأهله من الكراع والسلاح وأعطى أهل البلاء من المسلمين منفعة وتنفل منه عند الحرب‏.‏

947- وذكر في هذا الباب عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن زيد بن خالد الجهني قال توفي رجل يوم حنين وإنهم ذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏صلوا على صاحبكم‏)‏‏)‏ فتغيرت وجوه الناس لذلك فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏إن صاحبكم قد غل في سبيل الله‏)‏‏)‏‏.‏

قال ففتحنا متاعه فوجدنا خرزات من خرز يهود ما تساوين درهمين قال أبو عمر هكذا رواه يحيى بن يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان أن زيد بن خالد لم يقل عن أبي عمرة ولا عن بن أبي عمرة وهو غلط منه وسقط من كتابه ذكر أبي عمرة أو بن أبي عمرة واختلف أصحاب مالك في أبي عمرة بن أبي عمرة في هذا الحديث فقال القعنبي وبن القاسم ومعن بن عيسى وأبو مصعب وسعيد بن كثير بن عفير وأكثر النسخ عن بن بكير قالوا كلهم في هذا الحديث عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن أبي عمرة‏)‏‏)‏ وقال بن وهب ومصعب الزبيري عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان ‏(‏‏(‏ عن أبي عمرة‏)‏‏)‏ ورواه حماد بن زيد وبن جريج وبن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان ‏(‏ ‏(‏عن أبي عمرة‏)‏‏)‏ كما قال بن وهب وعند أكثر شيوخنا في هذا الحديث في ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ توفي رجل يوم حنين وهو وهم وإنما هو يوم خيبر وعلى ذلك جماعة الرواة وهو الصحيح والدليل على ذلك قوله في الحديث ‏(‏‏(‏فوجدنا خرزات من خرز يهود‏)‏‏)‏ ولم يكن بحنين يهود وإنما قوله عليه السلام ‏(‏‏(‏صلوا على صاحبكم‏)‏‏)‏ بأن ذلك كان كالتشديد لغير الميت من أجل أن الميت قد غل لينتهي الناس عن الغلول لما رأوا من ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه بنفسه وكانت صلاته على من صلى عليه رحمة فلهذا لم يصل عليه والله أعلم وفي قوله ‏(‏‏(‏صلوا على صاحبكم‏)‏‏)‏ دليل على أن الذنوب لا تخرج المذنب عن الإيمان لأنه لو كفر بغلوله - كما زعمت الخوارج - لم يكن ليأمر بالصلاة عليه لأن الكافر لا يصلي عليه المسلمون لا أهل الفضل ولا غيرهم‏.‏

وأما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه وأمر غيره بالصلاة عليه لأنه كان لا يصلي على من ظهرت منه كبيرة ليرتدع الناس عن المعاصي وارتكاب الكبائر ألا ترى أنه لم يصل على ماعز الأسلمي وأمر غيره بالصلاة عليه ولم يصل على الذي قتل نفسه ولا على كثير ممن أقام عليه الحدود ليكون ذلك زاجرا لمن خلفهم ونحو ذلك وهذا أصل في أن لا يصلي الإمام وأئمة الدين على المحدثين ولكنهم لا يمنعون الصلاة عليهم بل يأمر بذلك غيره كما قال صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏صلوا على صحابكم‏)‏‏)‏‏.‏

948- ذكر مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة الكناني أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الناس في قبائلهم يدعو لهم وأنه ترك قبيلة من القبائل قال وإن القبيلة وجدوا في بردعة رجل منهم عقد جزع غلولا فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر عليهم كما يكبر على الميت هذا الحديث لا أعلمه بها اللفظ والمعنى يستند عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه وعبد الله بن المغيرة هذا مجهول غير معروف بحمل العلم منهم من يقول فيه كما قال مالك عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة الكناني‏.‏

وأما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء للقبيلة التي كان فيها الغلول فوجه من العقوبة والتشديد نحو تركه الصلاة على الغال بنفسه وأمر أصحابه بالصلاة عليه وليس في هذا الحديث ما يوجب حكما في الشريعة‏.‏

وأما تكبير النبي عليه السلام على تلك القبيلة فالله أعلم ما أراد رسوله بذلك وقد يمكن أن يكون أراد الإعلام بأن من جاهر بالمعصية كالميت الذي لا يفعل أمرا ولا نهيا قال الله عز وجل ‏(‏أموات غير أحياء وما يشعرون‏)‏ النحل 21‏.‏

949- وذكر مالك أيضا في هذا الباب عن ثور بن الديلي عن أبي الغيث سالم مولى بن مطيع عن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الأموال الثياب والمتاع قال فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما أسود يقال له مدعم فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى حتى إذا كنا بوادي القرى بينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر فأصابه فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏كلا والذي نفسي بيده إن الشملة ‏(‏5‏)‏ التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا‏)‏‏)‏‏.‏

قال فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏شراك أو شراكان من نار‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر هكذا قال يحيى عام خيبر وتابعه على ذلك الشافعي وبن القاسم والقعنبي وقال جماعة من الرواة عن مالك عام حنين وقال يحيى إلا الأموال الثياب والمتاع وتابعه قوم وقال بن القاسم إلا الأموال والثياب والمتاع ففي هذا الحديث أن بعض العرب وهي ‏(‏‏(‏دوس‏)‏‏)‏ لا تسمي العين مالا وإنما تسمى الأموال المتاع والثياب والعروض وعند غيرهم المال الصامت من الذهب والورق والمعروف من كلام العرب أن كل ما تمول وتملك فهو مال ألا ترى إلى قول أبي قتادة ‏(‏‏(‏فابتعت - يعني بسلب القتيل الذي قتله عام حنين - مخرفا فإنه لأول مال تأثلته‏)‏‏)‏ وقال تعالى ‏(‏خذ من أموالهم صدقه‏)‏ ‏[‏التوبة 103‏]‏‏.‏

وأجمعوا أن العين تؤخذ منها الصدقة ومن الحرث والماشية وأن الثياب المتاع لا تؤخذ منها الصدقة إلا في قول من رأى زكاة العروض للمدير التاجر نص له في عامه شيء من العين أو لم ينص وقال عليه السلام ‏(‏‏(‏يقول بن آدم مالي مالي وإنما له من ماله ما أكل فأفنى ولبس فأبلى أو تصدق فأمضى وما سوى ذلك فهو مال الوارث‏)‏‏)‏ وهذا يجمع الصامت وغيره وروى أبو سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال جاء ناس من أهل الشام إلى عمر - رضي الله عنه - فقالوا إنا أصبنا أموالا خيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا منها زكاة الحديث وفيه إباحة قبول الخليفة للهدية وكان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويأكلها ويثيب عليها ولا يقبل الصدقة وقبوله الهدية من المسلمين والكفار أشهر وأعرف عند العلماء من أن يحتاج إلى شاهد على ذلك ها هنا إلا أن ذلك لا يجوز لغير النبي عليه السلام إذا كان قبولها على جهة الاستبداد بها دون رعيته لأنه إنما أقبل ذلك إليه من أجل أنه أمير رعيته وليس النبي عليه السلام في ذلك كغيره لأنه مخصوص بما أفاء الله علية من غير قتال من أموال الكفار من ما جلوا عنه بالرعب من غير إيجاف بخيل ولا ركاب يكون له دون سائر الناس ومن بعده من الأئمة حكمه في ذلك خلاف حكمه لا يكون له خاصة دون سائر المسلمين بإجماع من العلماء لأنه فيء لمن سمى ا لله في آيات الفيء ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ هدايا الأمراء غلول‏)‏‏)‏ ويدلك على أن العامل لا يجوز أن يستأثر بهدية أهديت إلية بسبب ولايته وإنها له ولجماعة المسلمين حديث أبي حميد الساعدي رواه بن شهاب وهشام بن عروه وأبو الزناد عن عروة عن أبي حميد وقد ذكرته بإسناده في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وفيه ‏(‏‏(‏أفلا قعد في بيت أبيه وأمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا ‏!‏ ‏!‏ والذي نفس محمد بيده لا ينال أحدكم منها شيئا - يعني من الهدايا - إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه ‏(‏3‏)‏ وذكر تمام الحديث وفي قوله هذا الحديث ‏(‏‏(‏إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه‏)‏‏)‏ دليل على أنه غلول حرام قال الله عز وجل ‏(‏ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة‏)‏‏)‏ آل عمران 61‏.‏

وأما حديث عياض بن حمار المجاشعي قال أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة أو قال هدية قال أسلمت قلت لا قال ‏(‏‏(‏فإني نهيت عن زبد المشركين‏)‏‏)‏ وظاهره خلاف ما في هذا الحديث من قوله فيه ‏(‏‏(‏فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما أسود يقال له مدعم‏)‏‏)‏ لأن رفاعة كان يومئذ على كفره ولم يذكر في شيء من طرق هذا الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد الغلام عليه وقد قبل صلى الله عليه وسلم هدية أكيدر دومة وهدية فروة بن نفاثة الجذامي وهدية المقوقس أمير مصر والإسكندرية وغيرهم وهم في ذلك الوقت كفار واختلف العلماء في معنى حديث عياض بن حمار المذكور فقال منهم قائلون ذلك نسخ لما كان علية من هدايا الكفار وذكروا حديث عامر بن مالك ملاعب الأسنة قال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم بهدية فقال ‏(‏‏(‏إنا لا نقبل هدية كل مشرك‏)‏‏)‏ وقد ذكرت إسناده في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وقالوا هذا نسخ لما تقدم من قبوله صلى الله عليه وسلم هدايا الكفار وقال آخرون ليس في هذين الخبرين نسخ من ذلك وإنما المعنى أنه كان لا يقبل هدية من يطمع بالظهور عليه وأخذ بلده أو دخوله في الإسلام لأن قبول هديته داعية إلى تركه على حاله وإقراره على دينه وترك لما أمر به من قتاله وهو قد أمر أن يقاتل المشركين حتى يقولوا لا إله إلا الله وقال آخرون بل كان صلى الله عليه وسلم مخيرا في قبول هدية الكفار وترك قبولها لأنه كان من خلقه عليه السلام أن يثيب على الهدية بأحسن منها وأفضل فلذلك لم يقبل هدية كل مشرك وكان يجتهد في ذلك وكان الله يوفقه في كل ما يصنعه وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وقد قيل إنه إنما ترك قبول هدية عياض وملاعب الأسنة ومثلهما ونهى عن زبد المشركين وهو رفدهم وعطاياهم وهديتهم لما في التهادي والرفد من إيجاب تليين القلوب ومن حاد الله وشانه قد حرمت على المسلمين موالاته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بخلاف غيره لأنه مأمون منه ما لا يؤمن من أكثر الأمراء بعده حدثني عبد الوارث بن سفيان قراءة مني علية أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا عبد الملك بن حبيب المصيصي وقرأت على عبد الوارث أيضا - رحمه الله عن قاسم عن عبيد الله بن عبد الواحد البزار أنه حدثه قال حدثنا أبو صالح الفراء محبوب بن موسى قالا جميعا حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري قال قلت للأوزاعي أرأيت لو أن أمير الروم أهدى للأمير هدية رأيت أن يقبلها قال لا أرى بذلك بأسا قال قلت فما حالها إذا قبلها قال قلت للمسلمين قلت وما وجه ذلك قال أليس إنما أهداها له لأنه والي عهد المسلمين فلا يكون أحق بها منهم ويكافئه بمثلها من بيت مال المسلمين قال الفزاري قلت للأوزاعي فلو أن صاحب الباب أهدى له صاحب العدو هدية أو صاحب ملطية أيقبلها أحب إليك أم يردها قال يردها أحب إلي وإن قبلها فهي بين المسلمين ويكافئه بمثلها من بيت المال قلت فصاحب الصائفة إذا دخل فأهدى له صاحب الروم هديه قال يكون بين ذلك الجيش فما كان من طعام قسمه بينهم وما كان سوى ذلك جعله في غنائم المسلمين وقال الربيع عن الشافعي في كتاب الزكاة إذا أهدى رجل إلى الوالي هدية فإن كان لشيء نال منه حقا أو باطلا فحرام على الوالي أخذه لأنه حرام عليه أن يستعجل على الحق جعلا وقد ألزمه الله القيام بالحق وحرام عليه أن يقوم بالباطل والجعل فيه حرام قال وإن أهدي إليه من غير هذين الوجهين أحد من أهل ولايته فكانت تفضلا أو تشكرا لحسنى كانت منه في المعاملة فلا يقبلها فإن قبلها كانت في الصدقة ولا يسعه عندي غيره إلا أن يكافئه من ماله بقدر ما يسعه أن يتمولها به وقد ذكرنا في ‏(‏ ‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ من هذا المعنى ما هو أكثر من هذا والحمد لله‏.‏

وأما حديثه صلى الله عليه وسلم من قوله في هذا الباب ‏(‏‏(‏شراك أو شراكان من نار‏)‏‏)‏ فهو شك من محدث وقوله في الحديث قبله ‏(‏‏(‏أدوا الخائط والمخيط‏)‏‏)‏ فيدل على أن القليل والكثير من المغنم لا يحل أخذه وأنه بخلاف الطعام المباح في دار الحرب أكله وقد روى رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من المغنم حتى إذا أعجفها ردها في المغانم ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من المغنم حتى إذا أخلقه رده في المغانم‏)‏‏)‏ وروى ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏(‏‏(‏من فارق الروح منه الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنه الكبر والغلول والدين‏)‏‏)‏ وقد ذكرنا أسانيدها في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وقد رخصت طائفة من أهل العلم في اليسير من ذلك في دار الحرب سئل الحسن البصري عن رجل عريان أو من لا سلاح له أيلبس الثوب ويستمتع بالسلاح قال نعم فإذا حضر القسم قيموه وقال وكيع سمعت سفيان يقول لا بأس أن يستعينوا بالسلاح إن احتاجوا إليها في أرض العدو بغير إذن الإمام وفي قوله في حديث مالك ‏(‏‏(‏فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم يصبها المقاسم تشتعل عليه نارا‏)‏‏)‏ دليل على خطأ من روى هذا الحديث عن يحيى أو غيره عام حنين وإنما هو عام خيبر وكذلك رواه الأكثر ومعنى قوله ‏(‏‏(‏كلا رد لقولهم أي ليس كما ظننتم ثم أخبر أن الشملة لتشتعل عليه نارا والشملة كساء مخمل ذو خمل كذا قال صاحب العين وفي هذا كله يرد قول من قال أن التوحيد لا يضر معه ذنب وإن الذنوب إن لم يغفرها الله فلا بد فيها من العذاب والله يغفر لمن يشاء ومظالم العباد القصاص بينهم فيها بالحسنات والسيئات والغلول من أشدها حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل أبو إسماعيل قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثني أبو زميل قال حدثني بن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لما كان يوم خيبر قالوا لمن قتل فلان شهيد فلان شهيد حتى ذكروا رجلا فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏كلا أني رأيته في النار في عباءة غلها أو بردة غلها‏)‏‏)‏ وقال ‏(‏‏(‏ يا بن الخطاب أذهب فناد في الناس لا يدخل الجنة إلا المؤمنون‏)‏‏)‏‏.‏

قال فذهبت فناديت في الناس قال أبو عمر هذه الأحاديث وما كان مثلها يحتج بها أهل الأهواء المكفرين للناس بالذنوب ومن قال بإنفاذ الوعيد وهي أحاديث قد عارضها من صحيح الأثر ما أخرجها عن ظاهرها وليس هذا موضع ذكرها منها قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من قال لا إله إلا الله صادقا من قلبه دخل الجنة‏)‏‏)‏ وقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن‏)‏‏)‏ ويروى ‏(‏‏(‏ دخل الجنة‏)‏‏)‏ والآثار مثل هذا كثيرة والحمد لله وفي هذا الحديث دليل على أن الغال لا يجب عليه حرق رحله ومتاعه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرق رحل الذي أخذ الشملة ولا أحرق متاع صاحب الخرزات ولو فعل ذلك لنقل ولو نقل لوصل إلينا كما وصل حديث صالح بن محمد بن زائدة عن سالم عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏(‏‏(‏من غل فأحرقوا متاعه‏)‏‏)‏ وهذا حديث انفرد به صالح بن زائدة وهو رجل من أهل المدينة تركه مالك وروى عنه الدراوردي وغيره وليس ممن يحتج بحديثه وقد اختلف العلماء في عقوبة الغال فقال الأوزاعي ومحمد بن عبد العزيز وهو قول مكحول يحرق متاع الغال كله قال الأوزاعي إلا سلاحه وثيابه التي عليه وسرجه ولا تنتزع منه دابة ويحرق سائر متاعه كله إلا الشيء الذي غل فإنه لا يحرق قال ولا عقوبة عليه غير ذلك‏.‏

وقال أحمد وإسحاق في عقوبة الغال يحرق متاعه ورحله كقول الأوزاعي وروي عن الحسن البصري أنه قال يحرق جميع رحله إلا أن يكون حيوانا أو مصحفا‏.‏

وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والليث بن سعد لا يحرق رحل الغال فلا يعاقب إلا بالتعزير على اجتهاد الأمير‏.‏

وقال الشافعي وداود إن كان عالما بالنهي عوقب وهو قول الليث وقد زدنا هذه المسألة بيانا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وأجمع العلماء على أن على الغال أن يرد ما غل إلى صاحب المقاسم إن وجد إلى ذلك سبيلا وأنه إذا فعل ذلك فهي توبة له واختلفوا إذا افترق أهل العسكر ولم يوصل إليه فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي فإن خاف الإمام على نفسه تصدق به كله وأحسن شيء في هذا ما رواه سنيد وغيره عن أبي فضالة عن أزهر بن عبد الله قال غزا مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم فغل رجل مائة دينار ثم أتى بها معاوية بن أبي سفيان بعد افتراق الجيش فأبى أن يأخذها وقال قد نفر الجيش وتفرقوا فأتى بها عبادة بن الصامت فذكر ذلك له فقال ارجع إليه فقل خذ خمسها أنت ثم تصدق أنت بالبقية فإن الله عالم بهم جميعا فأتى معاوية فأخبره فقال لئن كنت أنا أفتيتك بها أحب إلي من كذا وكذا وفي هذا الباب‏.‏

950- مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه قال ما ظهر الغلول في قوم قط إلا ألقي في قلوبهم الرعب ولا فشا الزنى في قوم قط إلا كثر فيهم الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير الحق إلا فشا فيهم الدم ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو قال أبو عمر مثل هذا لا يكون إلا توقيفا لأن مثله لا يروى بالرأي وقد روينا هذا الحديث عن بن عباس متصلا فذكره سعيد بن عفير في هذا المعنى حديث مسند حدثناه خلف بن قاسم قال محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري بمصر قال حدثنا أبو الطيب عيسى بن أحمد الصرفي قال حدثنا عبيد الله بن كثير بن عفير قال حدثنا أبو سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم الأنصاري قال حدثنا مالك عن عمه سهيل بن مالك عن عطاء بن أبي رباح عن بن عمر ‏(‏‏(‏أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أفضل قال ‏(‏‏(‏أحسنهم خلقا‏)‏‏)‏‏.‏

قال فأي المؤمنين أكيس قال اكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا أولئك الأكياس‏)‏‏)‏ ثم قال ‏(‏‏(‏يا أيها المهاجرون لم تظهر الفاحشة في قوم حتى تعلن إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ولم ينقص المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ولا منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا المطر ولولا البهائم لم يمطروا ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويتحروا فيه ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم‏)‏‏)‏‏.‏

وأما حديث بن عباس المتصل فإني قرأته على أبي عبد الله محمد بن عبد الله أن محمد بن معاوية حدثه قال حدثني أبو خليفة الفضل بن الحباب قال حدثنا محمد بن كثير وأبو الوليد قالا حدثنا شعبة قال أخبرني الحكم عن الحسن بن مسلم عن بن عباس قال ما ظهر البغي في قوم قط إلا أظهر المواتان ولا ظهر البخس في المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنة ولا ظهر نقض العهد في قوم إلا اديل منهم عدوهم قال أبو عمر حديث مالك أتم وكلها تقضي القول بها والمشاهدة بصحتها‏.‏

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح حدثنا بن أبي شيبة قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا بشير بن المهاجر عن بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ما نقض قوم العهد إلا كان بأسهم بينهم ولا ظهرت فاحشة قط إلا سلط عليهم الموت ولا منع قوم زكاة أموالهم إلا حبس الله عنهم المطر‏)‏‏)‏‏.‏

وأما قوله في حديث مالك ‏(‏‏(‏ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقي في قلوبهم الرعب‏)‏‏)‏ فمعناه ألقي في قلوبهم الرعب من عدوهم فخافوا منهم وجبنوا عن لقائهم فظهر العدو عليهم ويحتمل أن يقصد بذلك إلى كل من غل دون ما لم يغل ولم يرض بالغلول والأظهر أن العقوبة عامة في أهل ذلك الوقت وذلك إنما يكون إذا أقروا على التغيير فلم يفعلوا وضعفوا عن ذلك فرضوا ولم تنكره قلوبهم والله أعلم قال الله عز وجل ‏(‏فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض‏)‏ ‏[‏هود 116‏]‏‏.‏

وقال عز وجل ‏(‏أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس‏)‏ ‏[‏الأعراف 165‏]‏‏.‏

وقالوا إن الله لا يعذب العامة بذنوب الخاصة ولكن إذا صنع المنكر فبهذا استحق الجماعة العقوبة وهذا المعنى قد استغنى القول فيه الآثار المرفوعة وعن السلف أيضا عند قول أم سلمة في هذا الكتاب وفي ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله قال نعم إذا كثر الخبث‏)‏‏)‏ وبالله التوفيق‏.‏