فصل: باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما جاء في سجود القرآن

450- ذكر فيه مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قرأ لهم ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ فسجد فيها فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها وهذا حديث طرقه عن أبي هريرة كثيرة صحاح كلها قد ذكرنا في التمهيد كثيرا منها ومنها ما رواه أبو داود الطيالسي قال حدثنا قرة بن خالد قال حدثنا محمد بن سيرين قال حدثنا أبو هريرة قال سجد أبو بكر وعمر ‏(‏رضي الله عنهما‏)‏ في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ الانشقاق 1 و‏(‏اقرأ باسم ربك الذي خلق‏)‏ ‏[‏العلق 1‏]‏‏.‏

ومن هو خير منهما وذكره النسائي عن إسحاق بن راهويه عن المعتمر عن قرة عن أبي بكر عن أبي هريرة مثله سواء وتابع بن سيرين على زيادة ‏(‏اقرأ باسم ربك‏)‏ ‏[‏العلق 1‏]‏‏.‏

وفي هذا الحديث عن أبي هريرة أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعطاء بن ميناء والأعرج وروى الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود قال رأيت عمر وعبد الله يسجدان في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ والثوري عن عاصم عن زر عن علي ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ قال العزائم أربع ‏(‏آلم تنزيل‏)‏ السجدة و‏(‏حم‏)‏ السجدة والنجم و‏(‏اقرأ باسم ربك الذي خلق‏)‏ والثوري ومعمر عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي مثله وسليمان بن مسلم بن جماز الزهري عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع القارئ أنه أخبره أنه رأى أبا هريرة يسجد في ‏(‏اقرأ باسم ربك الذي خلق‏)‏ وفي الموطأ عند جماعة من رواته عن مالك أنه بلغه عن عمر بن عبد العزيز قال لمحمد بن قيس القاضي اخرج إلى الناس فمرهم أن يسجدوا في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ فهذه مسألة فيها الحديث الصحيح المسند وعمل ا لخلفاء الراشدين وجماعتي الصحابة والتابعين وذلك نقيض السجود في المفصل‏.‏

451- وروى مالك عن بن شهاب عن الأعرج أن عمر سجد في ‏(‏والنجم‏)‏ وقد روى بن وهب عن مالك إجازة ذلك وقال لا بأس به وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأحمد بن حنبل وداود وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وبن مسعود وعمار وأبي هريرة وبن عمر على اختلاف عنه وعمر بن عبد العزيز وجماعة من التابعين ورواه بن القاسم وجمهور من أصحاب مالك عن مالك وهو الذي ذهب إليه في موطئه أن لا سجود في المفصل وهو قول أكثر أصحابه وطائفة من المدينة وقول بن عمر وبن عباس وأبي بن كعب وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وطاوس وعطاء وأيوب كل هؤلاء يقولون ليس في المفصل سجود بالأسانيد الصحاح عنهم وقال يحيى بن سعيد الأنصاري أدركت القراء لا يسجدون في شيء من المفصل وروى يحيى بن يحيى في الموطأ قال قال مالك الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء ورواية يحيى هذه عن مالك في الموطأ الأمر ‏(‏المجتمع عليه‏)‏ عندنا كذلك رواه بن القاسم والشعبي وبن بكير والشافعي ‏(‏رحمه الله‏)‏ عن مالك في الموطأ وإنما قلت إن رواية يحيى صاحبنا أصح وأولى من رواية غيره لأن الاختلاف في عزائم سجود القرآن بين السلف والخلف بالمدينة معروف عند العلماء بها وبغيرها ورواية يحيى متأخرة عن مالك وهو آخر من روى عنه وشهد موته بالمدينة ويحتمل أن يكون قوله المجتمع عليه أراد به أنه لم يجتمع على ما سوى الإحدى عشرة سجدة كما اجتمع عليها تأول هذا بن الجهم وهو حسن ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد أن سعيد بن جبير أخبره أنه سمع بن عباس وبن عمر يعدان كم في القرآن من سجدة فقالا الأعراف والرعد والنخل وبنو إسرائيل ومريم والحج أولها والفرقان وطس وآلم تنزيل وص وحم السجدة إحدى عشرة سجدة قالا وليس في المفصل منها شيء هذه رواية سعيد بن جبير عن بن عباس وروى أبو حمزة الضبعي مثله وروى عطاء عنه أنه لا يسجد في ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء أنه عد سجود القرآن عشرا ومن حجة من لم ير السجود في المفصل حديث الليث عن بن الهاد عن أبي سلمة أنه قال لأبي هريرة حين سجد بهم في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ الانشقاق 1 لقد سجدت في سجدة ما رأيت الناس يسجدون فيها قالوا هذا دليل على أن السجود في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ كان الناس قد تركوه وجرى العمل بتركه وحجة من خالفه رأى الحجة في السنة لا فيما خالفها ورأى من خالفها محجوج بها ومن حجة من لم ير السجود في المفصل حديث مطر الوراق عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة وهذا حديث منكر لأن أبا هريرة لم يصحبه إلا بالمدينة وقد رآه يسجد في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ و‏(‏اقرأ باسم ربك‏)‏ ‏[‏العلق 1‏]‏‏.‏

وحديث مطر لم يروه عنه إلا أبو قدامة وليس بشيء واحتج أيضا من لم ير السجود في المفصل بحديث عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت قال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏والنجم‏)‏ ‏[‏النجم 1‏]‏‏.‏

فلم يسجد فيها وهذا لا حجة فيه لأن السجود ليس بواجب عندنا ومن شاء سجد ومن شاء ترك على أن زيدا كان القارئ ولم يسجد فلذلك لم يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في ‏(‏والنجم‏)‏‏.‏

452- وذكر مالك في هذا الباب أيضا عن نافع مولى بن عمر أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين‏.‏

453- وعن عبد الله بن دينار أنه قال رأيت عبد الله بن عمر يسجد في سورة الحج سجدتين وهذه السجدة الثانية من الحج اختلف فيها الخلف والسلف وأجمعوا على أن الأولى من الحج يسجد فيها وقال الطحاوي كل سجدة جاءت بلفظ الخبر فلم يختلفوا في أنه يسجد فيها واختلفوا فيها جاءت بلفظ الأمر‏.‏

وأما اختلافهم في السجدة الآخرة من الحج فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما ليس في الحج سجدة إلا واحدة وهي الأولى وروي ذلك عن سعيد بن جبير والحسن البصري وجابر بن زيد واختلف فيها عن بن عباس‏.‏

وقال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري في الحج سجدتان وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن عباس على اختلاف عنه وأبي عبد الرحمن السلمي وأبي العالية الرياحي وقال أبو إسحاق السبيعي أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل كم في الحج من سجدة فقال سجدتان قيل له حدث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحج سجدتان قال نعم رواه بن لهيعة عن مشرح عن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحج سجدتان ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما يريد فلا يقرأهما إلا وهو طاهر قال وهذا يؤكد قول عمر وبن عمر وبن عباس أنهم قالوا فضلت سورة الحج بسجدتين وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن عمر وبن عمر كان يسجدان في الحج سجدتين قال وقال بن عمر لو سجدت فيها واحدة كانت السجدة الآخرة أحب إلي واختلفوا في سجدة فذهب مالك والثوري وأبو حنيفة إلى أن فيها سجودا وروي ذلك عن عمر وبن عمر وعثمان وجماعة من التابعين وبه قال إسحاق وأحمد وأبو ثور واختلف في ذلك عن بن عباس وذهب الشافعي إلى أن لا سجود في وهو قول بن مسعود وعلقمة وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال قال عبد الله بن مسعود إنما هي توبة نبي ذكرت وكان لا يسجد فيها يعني وقال بن عباس ليست سجدة من عزائم السجود وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها وقد ذكرنا الآثار المسندة وغيرها في سجدة في التمهيد واختلفوا في جملة سجود القرآن ذهب مالك وأصحابه إلى أنها إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء وروي ذلك عن عمر وبن عباس ‏(‏على اختلاف عنه‏)‏ وقد ذكرنا في هذا الباب من قال ذلك‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه أربع عشرة سجدة فيها الأولى من الحج‏.‏

وقال الشافعي أربع عشرة سجدة ليس فيها سجدة فإنها سجدة شكر وفي الحج عنده سجدتان‏.‏

وقال أبو ثور أربع عشرة سجدة فيها الثانية من الحج وسجدة وأسقط سجدة النجم‏.‏

وقال أحمد وإسحاق خمس عشر سجدة في الحج سجدتان وسجدة وهو قول بن وهب ورواه عن مالك وقال الطبري خمس عشرة سجدة ويدخل في السجدة بتكبير ويخرج منها بتسليم وقال الليث بن سعد يستحب أن يسجد في القرآن كله في المفصل وغيره واختلفوا في سجود التلاوة فقال أبو حنيفة وأصحابه هو واجب‏.‏

وقال مالك والشافعي والأوزاعي والليث هو مسنون وليس بواجب‏.‏

454- وذكر مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قرأ سجدة وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل وسجد وسجد الناس معه ثم قرأها الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود فقال على رسلكم إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء فلم يسجد ومنعهم أن يسجدوا وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني بن أبي مليكة عن عثمان بن عبد الرحمن عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه حضر عمر بن الخطاب يوم جمعة فقرأ على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة سجد وسجد الناس معه حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأها حتى إذا جاء السجدة قال يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب وأحسن ومن لم يسجد فلا إثم عليه وقال ولم يسجد عمر قال‏.‏

وأخبرنا بن جريج عن نافع عن بن عمر قال لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء قال أبو عمر هذا عمر وبن عمر ولا مخالف لهما من الصحابة فلا وجه لقول من أوجب سجود التلاوة فرضا لأن الله لم يوجبه ولا رسوله ولا اتفق العلماء على وجوبه والفرائض لا تثبت إلا من الوجوه التي ذكرنا أو ما كان في معناها وبالله توفيقنا‏.‏

وقال مالك ليس العمل على أن ينزل الإمام إذا قرأ السجدة على المنبر فيسجد‏.‏

وقال الشافعي لا بأس بذلك قال أبو عمر يحتمل قول مالك على أنه أراد يلزمه النزول للسجود لأن عمر مرة سجد ومرة لم يسجد‏.‏

وأما قوله لا ينبغي لأحد يقرأ من سجود القرآن شيئا بعد صلاة الصبح ولا بعد صلاة العصر وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس والسجدة من الصلاة فقول صحيح وحجة واضحة‏.‏

وأما اختلافهم في سجود التلاوة بعد الصبح وبعد العصر فقد ذكرنا ما ذكره مالك في الموطأ وقال بن القاسم عنه سجد في هذين الوقتين ما لم تتغير الشمس أو يسفر فإذا أسفر أو اصفرت الشمس لم يسجد وهذه الرواية قياس على مذهبه في صلاة الجنائز وقال الثوري في قوله مثل قول مالك في الموطأ وكان أبو حنيفة لا يسجد عند الطلوع ولا عند الزوال ولا عند الغروب ويسجدها بعد العصر وبعد الفجر قال أبو عمر وهكذا مذهبه في الصلاة على الجنائز وقال زفر إن سجد عند طلوع الشمس أو غروبها أو عند استوائها أجزأه إذا تلاها في ذلك الوقت وقال الأوزاعي والليث والحسن بن صالح لا يسجد في الأوقات التي تكره الصلاة فيها‏.‏

وقال الشافعي جائز أن يسجد بعد الصبح وبعد العصر‏.‏

وأما قوله لا يسجد الرجل والمرأة إلا وهما طاهران فإجماع من الفقهاء أنه لا يسجد أحد سجدة تلاوة إلا على طهارة وسئل مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ عنه امرأة قرأت سجدة ورجل معها يسمع أعليه أن يسجد معها قال مالك ليس عليه أن يسجد معها إنما تجب السجدة على القوم يكونون مع الرجل فيأتمون به فيقرأ السجدة فيسجدون معه وليس على من سمع سجدة من إنسان يقرؤها ليس له بإمام أن يسجد تلك السجدة قال أبو عمر معنى قوله إنه لا يصلح عنده أن يكون إماما في سجود التلاوة ويؤتم به فيها فيسجد معه بسجوده إلا من يصلح أن يكون إماما في الصلاة ولا تؤم المرأة والغلام عنده في الصلاة وهذه مسألة اختلف فيها الفقهاء فقول مالك ما ذكره في موطئه وقال بن القاسم عنه إذا قرأ السجدة من لا يكون إماما من رجل أو امرأة أو صبي وأنت تسمعه فليس عليك السجود سجد أم لا إلا أن تكون جلست إليه قال أبو عمر يعني وكان ممن يصلح أن يؤتم به‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه يسجد سجود التلاوة السامع لها من رجل أو امرأة وقال الثوري في الرجل يسمع السجدة من المرأة قال يقرؤها هو ويسجد يعني ولا يسجد لتلاوتها وقال الليث من سمع السجدة من غلام سجدها وذكر البويطي عن الشافعي قال إن سمع رجلا يقرأ في الصلاة سجدة فإن كان جالسا إليه يستمع قراءته فسجد فليجسد معه قال وإن لم يسجد وأحب المستمع أن يسجد فليسجد قال أبو عمر أصل هذا الباب عند العلماء قوله تعالى ‏(‏إذا تتلى عليهم ءايت الرحمن خروا سجدا وبكيا ‏[‏مريم 58‏]‏‏.‏

وقوله تعالى ‏(‏قل ءامنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا‏)‏ ‏[‏الإسراء 107‏]‏‏.‏

قال أبو عمر قول مالك وجمهور الفقهاء أن الساجد سجدة التلاوة يكبر إذا سجد وإذا رفع منها واختلف قول مالك إذا كان في غير الصلاة‏.‏

باب ما جاء في قراءة‏)‏ ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ و‏(‏تبرك الذي بيده الملك‏)‏

455- ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رجلا يقرأ ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ يرددها فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن قال أبو عمر لم يتجاوز مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ بإسناد هذا الحديث أبا سعيد الخدري وقد رواه قوم من الثقات أيضا عن أبي سعيد الخدري عن أخيه لأمه قتادة بن النعمان الظفري عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي عن مالك أيضا كذلك وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد وروي أن القارئ له الذي كان يتقالها ‏(‏يعني يراها قليلا‏)‏ هو قتادة بن النعمان نفسه والإسناد بذلك مذكور في التمهيد وقد اختلف الفقهاء في معنى هذا الحديث فقال قوم إنه لما سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يرددها ويكثر ترداد قراءتها إما لأنه لم يحفظ غيرها وإما لما جاءه من فضلها وبركتها وأنه لم يزل يرددها حتى بلغ تردادها بالكلمات والحروف والآيات ثلث القرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها لتعدل له ثلث القرآن يعني على هذا الوجه لما كان من تكراره لها وهذا تأويل فيه بعد عن ظاهر الحديث والله أعلم وقال آخرون بل ذلك لما تضمنت سورة ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ من التوحيد والإخلاص والتنزيه لله تعالى عن الأنداد والأولاد قال قتادة هي سورة خالصة لله ليس فيها شيء من أمر الدنيا والآخرة وقال إن الله أسس السماوات السبع والأرضين السبع على هذه السورة ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ قالوا فلهذا كله وما كان مثله كان ذلك الفضل فيها لتاليها وهذا وجه حسن من التأويل إلا أنه لا يقال في غيرها من آيات القرآن المضمنات من التوحيد والإخلاص ما في ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ أنها تعدل ثلث القرآن ولو كانت العلة ما ذكر لزم ذلك في مثلها حيث كانت من القرآن كقوله ‏(‏الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏)‏ ‏[‏البقرة 255‏]‏‏.‏

و‏(‏لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ‏[‏البقرة 163‏]‏‏.‏

وكآخر سورة الحشر وما كان مثل ذلك وخالفت طائفة معنى الحديث في ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ تعدل ثلث القرآن أن الله تعالى جعل القرآن ثلاثة أجزاء فجعل ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ منها جزءا واحدا وزعموا أن تلك الأجزاء على ثلاثة معان أحدها القصص والأخبار والثاني الشرائع والحلال والحرام والثالث صفاته تبارك اسمه وفي سورة ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ صفاته فلذلك تعدل ثلث القرآن واعتلوا بحديث قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة قالوا نحن أعجز من ذلك وأضعف قال إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ جزءا من أجزاء القرآن قال أبو عمر ليس في هذا الحديث حجة لما ذكروه ولا فرق بين ثلاثة أجزاء وثلاثة أثلاث أو ثلاثة سهام لأن ذلك كله معناه واحد وقد وجدنا في خاتمة سورة الحشر وغيرها من صفات الله أكثر مما في ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ ولم يأت في شيء منها أنها تعدل ثلث القرآن كما جاء في ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ ولما لم تعدل ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ في كلماتها ولا في حروفها إلا أنها تعدل في الثواب لمن تلاها ثلث القرآن وهذا هو الذي يشهد له ظاهر الحديث وهو الذي يفر منه من خاف ‏(‏واقعة‏)‏ تفضيل القرآن بعضه على بعض وليس فيما يعطي الله عبده من الثواب على عمل يعمله ما يدل على فصل ذلك العمل في نفسه بل هو فضله ‏(‏عز وجل‏)‏ يؤتيه من يشاء من عباده على ما يشاء من عباداته تفضلا منه على من يشاء منهم وقد قال الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏ما ننسخ من ءاية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها‏)‏ ‏[‏البقرة 106‏]‏‏.‏

ولم يختلف العلماء بتأويل القرآن أنها خير لعبادة المؤمنين التالين لها والعاملين بها إما بتخفيف عنهم وإما بشفاء صدورهم بالقتال لعدوهم لأنها في ذاتها أفضل من غيرها فكذلك ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ خير لنا لأن الله يتفضل على تاليها من الثواب بما شاء ولسنا نقول في ذاتها أفضل من غيرها لأن القرآن عندنا كلام الله وصفة من صفاته ولا يدخل التفاضل في صفاته لدخول النقص في المفضول منها هذا كله قد قاله أهل السنة والرأي والحديث على أني أقول إن السكوت في هذه المسألة وما كان مثلها أفضل من الكلام فيها وأسلم حدثنا عبيد بن محمد قال حدثنا سلمة بن المعلى قال حدثنا عبد الله بن الجارود قال حدثنا إسحاق بن منصور قال قلت لأحمد بن حنبل قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ تعدل ثلث القرآن ما وجهه فلم يقم لي فيها على أمر بين قال وقال لي إسحاق بن راهويه معناه أن الله ‏(‏عز وجل‏)‏ لما فضل كلامه على سائر الكلام جعل لبعضه أيضا فضلا من الثواب لمن قرأه تحريضا منه على تعليمه لأن من قرأ ‏(‏ قل هو الله أحد‏)‏ ثلاث مرات كمن قرأ القرآن كله هذا لا يستقيم ولو قرأ ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ مائتي مرة قال أبو عمر هذان عالمان بالسنن وإمامان في السنة ما قاما ولا قعدا في هذه المسألة وقد أجمع أهل العلم بالسنن والفقه وهم أهل السنة عن الكف عن الجدال والمناظرة فيما سبيلهم اعتقاده بالأفئدة مما ليس تحته عمل وعلى الإيمان بمتشابه القرآن والتسليم له ولما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث الصفات كلها وما كان في معناها وإنما يبيحون المناظرة في الحلال والحرام وما كان في سائر الأحكام يجب العمل بها حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب بن عبد الله قال سمعت مالك يقول إن أهل بلدنا يكرهون الجدال والكلام والبحث والنظر إلا فيما تحته عمل‏.‏

وأما ما سبيله الإيمان به واعتقاده والتسليم له فلا يرون فيه جدالا ولا مناظرة هذا معنى قوله أخبرنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين البغدادي بمكة قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي قال حدثنا عمر بن مدرك القاضي قال حدثنا هيثم بن خارجة قال حدثنا الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي والثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قال أمروها كما جاءت بلا تفسير‏.‏

وقال أحمد بن حنبل يسلم بها كما جاءت فقد تلقاها العلماء بالقبول حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن سهل المروزي قال حدثنا الحسين بن الحسن النرسي قال حدثنا سليم بن منصور بن عمار قال كتب بشر المريسي إلى أبي ‏(‏رحمه الله‏)‏ أخبرني عن القرآن أخالق أم مخلوق فكتب إليه أبي بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياك من كل فتنة وجعلنا وإياك من أهل السنة ومن لا يرغب بدينه عن الجماعة فإنه إن يفعل فأولى بها نعمة وإلا يفعل فهي الهلكة وليس لأحد على الله بعد المرسلين حجة ونحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة يتشارك فيها السائل والمجيب تعاطي السائل ما ليس له وتكلف المجيب ما ليس عليه ولا أعلم خالقا إلا الله والقرآن كلام الله فانته أنت والمختلفون فيه إلى ما سماه الله به تكن من المهتدين ولا تسم القرآن باسم من عندك فتكون من الهالكين جعلنا الله وإياك من الذين يخشونه بالغيب وهم من ا لساعة مشفقون والسلام‏.‏

456- وأما حديث مالك عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن عبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب أنه قال سمعت أبا هريرة يقول أقبلت مع رسول الله فسمع رجلا يقرأ ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت فسألته ماذا يا رسول الله فقال الجنة وذكر الحديث إلى آخره ففيه فضيلة بينة وجليلة في قراءة ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ وممكن أن يكون ذلك الرجل وجبت له الجنة بتلاوتها مع أعمال البر غيرها وممكن أن يكون ذلك خاصة لها وقد ذكرت الاختلاف في اسم شيخ مالك هذا في التمهيد وروى سفيان بن عيينة عن مسعر عن مجاهد التيمي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فسمع رجلا يقرأ ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ فقال أما هذا فقد غفر له وسمع رجلا يقرأ ‏(‏قل يأيها الكفرون‏)‏ فقال هذا قد بريء من الشرك وفي فضائل ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ حديث أنس بن مالك وغيره‏.‏

457- وأما حديث مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره أن ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ تعدل ثلث القرآن وأن تبارك الذي بيده الملك تجادل عن صاحبها فقد ذكرنا الآثار المسندة في ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ أنها تعدل ثلث القرآن من طرق في التمهيد وذكرنا هناك الحديث المسند بأن ‏(‏تبرك الذى بيده الملك‏)‏ ‏[‏الملك 1‏]‏‏.‏

تجادل عن صاحبها ومعناه عندي والله أعلم أن كثرة قراءته لها ترفع عنه غضب الرب يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها فقامت له مقام المجادلة والله أعلم‏.‏

باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى

458- مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكان له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل عملا أكثر من ذلك وذكر الحديث‏.‏

459- وبهذا الإسناد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر‏.‏

460- مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة أنه قال من سبح دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمده ثلاثا وثلاثين وكبره ثلاثا وثلاثين فتلك تسع وتسعون وقال تمام المائة لا أله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر وذكر الحديث موقوفا على أبي هريرة لم يرفعه وقد ذكرت طرقه مرفوعا في التمهيد وليس في شيء من هذه الأحاديث ما يحتاج إلى شرح ولا إلى قول وإنما هي من فضائل الذكر ظاهرة معانيها‏.‏

461- مالك عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه يقول في ‏(‏والبقيت الصلحت‏)‏ إنها قول العبد ‏(‏الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله‏)‏ قال أبو عمر على مثل قول سعيد بن المسيب في ‏(‏والبقيت الصلحت‏)‏ ‏[‏الكهف 46‏]‏‏.‏

أكثر أهل العلم قالوا ذلك في تأويل قول الله تعالى ‏(‏والبقيت الصلحت خير عند ربك ثوابا وخير أملا‏)‏ ‏[‏الكهف 46‏]‏‏.‏

وروى بن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن نافع بن سرجس مولى بن سباع أنه سأل عبد الله بن عمر عن ‏(‏والبقيت الصلحت‏)‏ فقال لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وقال بن جريج وقال عطاء بن أبي رباح مثل ذلك وقال عطاء الخرساني عن بن عباس قال هي الأعمال الصالحة وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وكان مسروق يقول ‏(‏والبقيت الصلحت‏)‏ هن الصلوات وهن الحسنات يذهبن السيئات وروى معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال لأن أذكر الله من بكرة إلى الليل أحب إلي أن أحمل على الجهاد في سبيل الله من بكرة إلى الليل‏.‏

462- وأما قول أبي الدرداء في هذا الباب وقول معاذ بن جبل فيه فهما غاية ونهاية في فضائل الذكر وقد روي ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا يحيى بن يوسف قال حدثنا يوسف بن يعقوب قال حدثنا أبو ذر محمد بن إبراهيم قال حدثنا أبو عيسى الترمذي قال حدثنا الحسين بن حريث قال حدثنا الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن زياد مولى بن عياش عن أبي بحرية عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وذكر الحديث على ما في الموطأ قال وقال أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل ما عمل بن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله حدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو خالد الأحمر قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي الزبير عن طاوس عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما عمل بن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكره قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن تضرب بسيفك حتى ينقطع ثم تضرب بسيفك حتى ينقطع قال أبو عمر صدر مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ هذا الباب بالأحاديث المرفوعة ليعرف بها الناظر في كتابه ما الذكر ثم أتبعها بفضائل الذكر وفضائل الذكر كثيرة جدا لا يحيط بها كتاب وحسبك أنه أكبر من الصلاة قال الله عز وجل ‏(‏إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر‏)‏ ‏[‏العنكبوت 45‏]‏‏.‏

روى إسرائيل عن الثوري عن أبي مالك في قوله ‏(‏ولذكر الله أكبر‏)‏ قال ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة ومعنى ذكر الله العبد مأخوذ من النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ حاكيا عن الله تعالى إن ذكرني وحده العبد ذكرته وحدي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه وأكرم ذكر سنيد عن جرير عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن ربيعة عن بن عباس قال ذكر الله إياكم إذا ذكرتموه أكبر من ذكركم إياه قال سنيد‏.‏

وحدثني أبو شميلة عن جابر عن أبي حمزة عن عامر الشعبي عن أبي قرة عن سلمان مثله قال‏.‏

وحدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي عبيدة قال التسبيح والتحميد والتكبير أحب إلى الله ‏(‏عز وجل‏)‏ من عددها دنانير ينفقها العبد في سبيل الله قال‏.‏

وحدثنا المسيب عن عوف عن الحسن بن مسعود فذكر معناه قال‏.‏

وحدثنا هشيم قال أخبرنا يعلى بن عطاء عن بشر بن عاصم عن عبد الله بن عمرو قال ذكر الله بالغداة والعشي خير من حطم السيوف في سبيل الله وإعطاء المال سخاء‏.‏

463- وذكر مالك في هذا الباب حديث رفاعة بن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قوله لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولا فيه من الفقه أن الإمام يقول سمع الله لمن حمده والمأموم يقول ربنا ولك الحمد لا يقول سمع الله لمن حمده وقد أوضحنا اختلاف العلماء في هذا المعنى فيما تقدم من هذا الكتاب وفيه أن الذكر كله بالتحميد والتهليل والتكبير وسائر التمجيد لله تعالى ليس بكلام تفسد به الصلاة وكيف يفسدها رفع الصوت به أو لم يرفع وهو مندوب إليه فيها كما لا يجوز لأحد أن يتكلم بكلام الناس وإن لم يرفع صوته به فكذلك لا يضره رفع الصوت بالذكر يدلك على ذلك حديث معاوية بن الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التهليل والتكبير وقراءة القرآن فأطلق أنواع الذكر في الصلاة ولهذا قلنا إن المأموم إذا رفع صوته ب ربنا لك الحمد لا يضره ذلك وقد خالفنا في ذلك بعض المتأخرين من أصحابنا دون دليل ولا برهان والله المستعان أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قالا أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي قال حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط قال حدثنا أبي إياد بن لقيط عن عبد الله بن سعيد عن عبد الله بن أبي أوفى قال جاء رجل ونحن في الصف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله أكبر كبيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا قال فرفع المسلمون رؤوسهم واستنكروا الرجل وقالوا ‏(‏يعني في أنفسهم‏)‏ من هذا الذي يرفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من هذا العالي الصوت فقيل هذا يا رسول الله فقال والله لقد رأيت كلاما يصعد إلى السماء حتى فتحت له فدخل فيها وهذا في معنى حديث مالك وفيه الحجة لما وصفنا وبالله توفيقنا‏.‏

باب ما جاء في الدعاء

464- ذكر فيه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي دعوة يدعو بها فأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة فذكرنا كثيرا من طرق هذا الحديث في التمهيد وذكرنا أنه عند مالك أيضا عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه عندنا أن كل نبي قد أعطي أمنية يتمنى بها وسؤالا يسأله ويدعو فيه على نحو هذا الوجه فيعطاه لا وجه لهذا الحديث عندي غير هذا لأنه معلوم أن لكل نبي دعوات مستجابات ولغير الأنبياء أيضا دعوات مستجابات وما يكاد أحد من أهل الإيمان ولا من المظلومين من كان يخلو من إجابة دعوته إذا شاء ربه قال الله عز وجل ‏(‏فيكشف ما تدعون إليه إن شاء‏)‏ ‏[‏الأنعام 41‏]‏‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم ما من داع إلا كان بين أحد ثلاث إما يستجاب له فيما دعا به وإما يدخر له مثله وإما أن يكفر عنه وقال دعوة المظلوم لا ترد ولو كانت من كافر وقال في الساعة التي في يوم الجمعة إنه لا يسأل فيها عبد ربه شيئا إلا أعطاه وقال في الدعاء بين الأذان والإقامة وعند الصف في سبيل الله وعند نزول الغيث إنها أوقات يرجى فيها إجابة الدعاء وهذا المعنى كثير جدا ولذلك ذهبنا في تأويل حديث هذا الباب إلى ما وصفنا ومحال أن لا يكون نبينا صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء يجاب من دعائه إلا في دعوة واحدة هذا ما لا يظنه ذو لب إن شاء الله حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا معتمر قال سمعت أبي يحدث عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لكل نبي قد سأل سؤالا أو قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لكل نبي دعوة قد دعا بها يستجاب فيها فاختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة وفي هذا الحديث إثبات الشفاعة وهو ركن من أركان اعتقاد أهل السنة وهم مجمعون أن تأويل قول الله عز وجل ‏(‏عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا‏)‏ ‏[‏الإسراء 79‏]‏‏.‏

المقام المحمود هو شفاعته صلى الله عليه وسلم في المذنبين من أمته ولا أعلم في هذا مخالفا إلا شيئا رويته عن مجاهد ذكرته في التمهيد وقد روي عنه خلافه على ما عليه الجماعة فصار إجماعا منهم والحمد لله وقد ذكرت في التمهيد كثيرا من أقاويل الصحابة والتابعين بذلك وذكرت من أحاديث الشفاعة ما فيه كفاية والأحاديث فيه متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم صحاح ثابتة وذكرنا أيضا في التمهيد حديث بن عمر وحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة وقال جابر من لم يكن من أهل الكبائر فما له والشفاعة وقال بن عمر ما زلنا نمسك على الاستغفار لأهل الكبائر حتى نزلت ‏(‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏)‏ ‏[‏النساء 116‏]‏‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد وهذا الأصل الذي ينازعنا فيه أهل البدع والنكبة التي عول أهل العلم والسنة والحق عليها وفي هذا الباب والحمد لله الموفق لهم إلى الصواب‏.‏

465- وأما حديثه عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني الدين وأغنني من الفقر وأمتعني بسمعي وبصري وقوتي في سبيلك فقد أسندناه من طرق في التمهيد‏.‏

وأما قوله فالق الإصباح فمعناه فالق الصبح عن النهار كما يفلق الحب عن النوى عن النبات والفلق فلق الصبح وقوله جاعل الليل سكنا قول الله عز وجل ‏(‏لتسكنوا فيه‏)‏ ‏[‏يونس 67‏]‏‏.‏

وقوله والشمس والقمر حسبانا فروي عن عكرمة وقتادة والضحاك أنهم قالوا يدوران في حساب يجريان فيه إلى غايته وقال مجاهد وكمثل قوله تعالى ‏(‏كل في فلك يسبحون‏)‏ ‏[‏الأنبياء 33‏]‏‏.‏

ومثل قوله ‏(‏الشمس والقمر بحسبان‏)‏ ‏[‏الرحمن 1‏]‏‏.‏

قال كحسبان الرحا وقال أبو مالك عليهما حساب وآجال كآجال الناس فإذا جاء أجلهما هلكا وقال أهل العربية حسبان بمعنى حساب أي جعلهما يجريان بحساب معلوم قالوا وقد يكون حسبان جمع حساب مثل شهاب وشهبان‏.‏

وأما قوله اقض عني الدين فمعناه ديون الناس ويدخل مع ذلك ما لله عليه من فرض أن يعينه على ذلك كله وقال صلى الله عليه وسلم دين الله أحق أن يقضى وروي عنه صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه كان يستعيذ بالله من غلبة الدين وغلبة الرجال وهذا الأظهر فيه من دين بني آدم وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من المأثم والمغرم ويستعيذ بالله من الفقر والفاقة والذلة وكان يدعو الله إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى‏.‏

وأما قوله أغنني من الفقر مع قوله ‏(‏عليه السلام‏)‏ اللهم أحيني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ولا تجعلني جبارا شقيا فإن هذا الفقر هو الذي لا يدرك معه القوة والكفاف ولا يستقر معه في النفس غنى لأن الغنى عنده صلى الله عليه وسلم غنى النفس ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس وقد جعله الله ‏(‏عز وجل‏)‏ غنيا وعدده عليه فيما عدده من نعمة فقال ‏(‏ووجدك عائلا فأغنى ‏)‏ ‏[‏الضحى 8‏]‏‏.‏

ولم يكن غناه صلى الله عليه وسلم أكثر من إيجاد قوت سنة لنفسه وعياله وكان الغنى كله في قلبه ثقة بربه وسكونا إلى أن الرزق مقسوم يأتيه منه ما قدر له وكذلك قال ‏(‏عليه السلام‏)‏ لعبد الله بن مسعود يا عبد الله ‏!‏ لا يكثر همك ما يقدر يكن وما يقدر يأتيك وقال إن روح القدس نفث في روعي فقال لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم فغنى النفس يعين على هذا كله وغنى المؤمن الكفاية وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ولم يرد بهم إلا الذي هو أفضل لهم وقال ما قل وكفى خير مما كثر وألهى وقال أبو حازم إذا كان ما يكفيك لا يغنيك فليس في الدنيا شيء يغنيك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من فقر مسرف وغنى مطغ وفي هذا دليل بين أن الغنى والفقر طرفان وغايتان مذمومتان وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر والكلام في هذا يتسع جدا والآثار فيه كثيرة وربما كان في ظواهر أكثرها تعارض وعلى هذا التخريج تتقارب معانيها وقد أوضحنا هذا المعنى في الفقر والغنى بالآثار المرفوعة وبما روي فيه عن علماء السلف في تفضيل الغنى وحمد الفقر في كتاب بيان العلم ما فيه كفاية لمن تدبره وليس في قول الله تعالى ذكره حاكيا عن موسى صلى الله عليه وسلم ‏(‏رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير‏)‏ ‏[‏القصص 24‏]‏‏.‏

تفضيل الغنى على الفقر لأن جميع خلقه يفتقرون إلى رحمته ولا غنى لهم عن رزقه فمن أعطاه الله الكفاية فقد تمت له منه العناية ومن أتاه الله من رزقه سعة فواجب شكره عليه وحمده كما يجب الصبر على من امتحن بالقلة والفقر لأن الفرائض وحقوق المال ونوافل الخير تتوجه إلى ذي الغنى ومؤنة ذلك ساقطة عن الفقير والقيام بها فضل عظيم والصبر على الفقر والرضا به ثواب جسيم قال الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏إنما يوفى الصبرون أجرهم بغير حساب‏)‏ ‏[‏الزمر 10‏]‏‏.‏

وقد قال الحكماء خير الأمور أوساطها فالزيادة الكثيرة على القوت والكفاية ذميمة ولا تؤمن فتنتها والتقصير عن الكفاف محنة وبلية لا يا من صاحبها فتنتها أيضا ولا سيما صاحب العيال وروي عن بن عمر ‏(‏رضي الله عنهما‏)‏ أنه سئل عن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء فقال جهد البلاء كثرة العيال وقلة المال‏.‏

وأما قوله وأمتعني بسمعي وبصري فالسمع والبصر من نعم الله العظام على عبده وعلى جميع خلقه ونعم الله واجب استدامتها بالشكر والدعاء والحمد والثناء وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم ما يعارض هذا ظاهره وليس بمعارض له وهو قوله ‏(‏ عليه السلام‏)‏ حاكيا عن ربه إذا أخذت كريمتي عبدي فصبر واحتسب لم يكن له جزاء إلا الجنة وهذا من العزاء والحض على الصبر عند البلاء وقال مطرف بن الشخير لأن أعافى وأشكر أحب إلي من أن أبتلى وأصبر وفي الاقتناع بالصبر قوة على كثير من أعمال البر منها تلاوة القرآن في المصحف وما لا يحصى لمن زينه الله بالتقوى وفي السمع مثل ذلك من التنعم بسماع الذكر وسماع ما يسر وقوله وقوتي في سبيلك فإنه يروى وقوني في سبيلك ويروى وقوتي وهو الأكثر عند الرواة ومعناه القوة على العمل بطاعتك والشكر لنعمتك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يسأل الله العافية والمعافة في الدنيا والآخرة والغنى عندهم من العافية لأنها اسم جامع لكل خير والدعاء رأس العبادة والله يحب أن يسأل وقد أمر أن يسأل من فضله لقوله عز وجل ‏(‏ وسئلوا الله من فضله‏)‏ النساء 32‏.‏

466- وأما قوله عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لى إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له فإنه ينبغي للسائل الراغب إلى الله تعالى أن لا يقول في دعائه إن شئت وعليه أن يعزم في مسألته ومناشدته ربه ويضرع إليه فإنه لا مكره له ولا يخيب من دعاه‏.‏

467- وكذلك حديث مالك عن بن شهاب عن أبي عبيد مولى بن أزهر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي يقتضي الإلحاح على الله في المسألة وأن لا ييأس الداعي من الإجابة ولا يسأم الرغبة فإنه يستجاب له أو يكفر عنه من سيئاته أو يدخر له فإن الدعاء عبادة قال الله تعالى ‏(‏ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين‏)‏ ‏[‏غافر 60‏]‏‏.‏

فسمى الدعاء عبادة ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له ولا يمل الله ‏(‏عز وجل‏)‏ من العطاء حتى يمل العبد من الدعاء ومن عجل وتبرم فنفسه ظلم روينا عن مروان العجلي أنه قال سألت ربي عشرين سنة في حاجة فما قضاها حتى الآن وأنا أدعوه فيها ولا أيأس من قضائها‏.‏

468- أما حديثه عن بن شهاب عن أبي عبد الله الأغر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له فهو حديث ثابت عند أهل العلم بالحديث وطرقه كثيرة صحاح بألفاظ متقاربة ومعنى واحد من أحسن الألفاظ في هذا الحديث وأفقرها من سوء التأويل ما حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إبراهيم بن يعقوب قال أخبرنا عمر بن حفص بن غياث قال حدثنا أبي قال حدثنا الأعمش قال حدثنا أبو إسحاق السبيعي قال حدثنا أبو مسلم الأغر قال سمعت أبا هريرة وأبا سعيد يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا ينادي هل من داع فيستجاب له هل من مستغفر يغفر له هل من سائل يعطى وقد ذكرنا أبا عبد الله الأغر وأبا مسلم الأغر في كتاب الكنى بما ينبغي من ذكرهما وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم رفاعة الجهني وعبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت وجبير بن مطعم وفي بعضها شطر الليل وفي بعضها ثلث الليل الأول وأصحها ثلث الليل الآخر وهو حديث بن شهاب هذا حدثناه محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا البغوي قال حدثنا أبو الربيع الزهراني قال حدثنا فليح بن سليمان عن الزهري عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر صاحب أبي هريرة أنهما سمعا أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا عز وجل حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى سماء الدنيا كل ليلة فيقول من يسألني فأعطيه ومن يدعوني فأستجيب له ومن يستغفرني أغفر له فلذلك كانوا يستحبون صلاة آخر الليل على أوله‏.‏

وحدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا عبد الله بن صالح البخاري قال حدثنا محمد بن سليمان لوين قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينزل الرب في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجب له من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر فكذلك كانوا يستحبون آخر الليل قال أبو عمر هذا عندي من كلام بن شهاب أو أبي سلمة والله أعلم وفي هذا الحديث دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات وعلمه في كل مكان كما قالت الجماعة أهل السنة أهل الفقه والأثر وحجتهم ظواهر القرآن في قوله ‏(‏الرحمن على العرش استوى ‏)‏ ‏[‏طه 5‏]‏‏.‏

كما قال ‏(‏لتستوا على ظهوره‏)‏ ‏[‏الزخرف 13‏]‏‏.‏

وقوله ‏(‏واستوت على الجودى ‏)‏ هود و ‏(‏استويت أنت ومن معك على الفلك‏)‏ ‏[‏المؤمنون 28‏]‏‏.‏

قال الله عز وجل ‏(‏ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي‏)‏ ‏[‏السجدة 4‏]‏‏.‏

وقال ‏(‏ثم استوى إلى السماء وهي دخان‏)‏ ‏[‏فصلت 11‏]‏‏.‏

‏(‏فأوردتهم ماء بفيفاء قفره‏.‏‏.‏‏.‏ وقد حلق النجم اليماني فاستوى ‏)‏ وقال عز وجل ‏(‏ءأمنتم من في السماء‏)‏ ‏[‏الملك 16‏]‏‏.‏

على السماء كما قال ‏(‏في جذوع النخل‏)‏ ‏[‏طه 71‏]‏‏.‏

أي عليها وقال ‏(‏يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه‏)‏ ‏[‏السجدة 5‏]‏‏.‏

وقال ‏(‏ذى المعارج‏)‏ والعروج الصعود وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة وقد أوضحنا فساد ما ادعوه من المجاز فيها في التمهيد وذكرنا الحجة عليهم بما حضرنا من الأثر من وجوه النظر هناك بباب فيه كتاب مفرد والحمد لله ومحال أن يكون من قال عن الله ما هو في كتابه منصوص مشبها إذا لم يكيف شيئا وأقر أنه ليس كمثله شيء ومن الحجة فيما ذهبت إليه الجماعة أن الموحدين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو دهمهم غمر أو نزلت بهم شدة رفعوا أيديهم إلى السماء يستغيثون ربهم ليكشف ما نزل بهم ولا يشيرون بشيء من ذلك إلى الأرض ولولا أن موسى ‏(‏عليه السلام‏)‏ قال لهم إلهي في السماء ما قال فرعون ‏(‏يهمن بن لى صرحا لعلى أبلغ الأسبب أسبب السموت فأطلع إلى إله موسى ‏)‏ ‏[‏غافر 36‏]‏‏.‏

37 وهذا أمية بن أبي الصلت وهو ممن قرأ الكتب التوراة والإنجيل والزبور وكان من وجوه العرب يقول في شعره‏:‏

فسبحان من لا يقدر الخلق قدره *** ومن هو فوق العرش فرد موحد

ملك على عرش السماء مهيمن *** لعزته تعنو الوجوه وتسجد

وفيه يقول في وصف الملائكة‏:‏

وساجدهم لا يرفع الدهر رأسه *** يعظم ربا فوقه ويمجده

وسئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قول الله عز وجل ‏(‏الرحمن على العرش استوى ‏)‏ ‏[‏طه 5‏]‏‏.‏

قال استواؤهم حق معلوم وكيفيته مجهولة وقد روي عن عبد الله بن نافع عن مالك نحو ذلك قال سئل مالك عن قول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏الرحمن على العرش استوى ‏)‏ كيف استوى فقال استواؤه معلوم وكيفيته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة وأراك رجل سوء وروى حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن بن مسعود قال الله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وسئل سفيان الثوري عن قوله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏وهو معكم أين ما كنتم‏)‏ ‏[‏الحديد 4‏]‏‏.‏

قال علمه وقال بن المبارك الرب ‏(‏تبارك وتعالى ‏)‏ على السماء السابعة على العرش وقد ذكرنا الأسانيد عن هؤلاء وغيرهم بهذا المعنى في التمهيد‏.‏

وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ينزل ربنا الذي عليه أهل العلم من أهل السنة والحق والإيمان بمثل هذا وشبهه من القرآن والسنن دون كيفية فيقولون ينزل ولا يقولون كيف النزول ولا يقولون كيف الاستواء ولا كيف المجيء في قوله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏وجاء ربك والملك صفا صفا‏)‏ ‏[‏الفجر 22‏]‏‏.‏

ولا كيف التجلي في قوله ‏(‏فلما تجلى ربه للجبل‏)‏ ‏[‏الأعراف 143‏]‏‏.‏

حدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا عمر بن أيوب السفطي قال حدثنا أبو معمر القطيعي قال قال عباد بن العوام قدم علينا شريك واسط فقلنا له إن عندنا قوما ينكرون هذه الأحاديث ‏(‏أن الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة‏)‏ فقال إنما جاءنا بهذه الأحاديث من جاءنا بالسنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة والزكاة والصيام والحج وإنما عرفنا الله ‏(‏عز وجل‏)‏ بهذه الأحاديث‏.‏

وحدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا الحسن بن علي الجصاص وأبو سعيد قالا حدثنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي ليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اتباعها ولا نعترض عليه بكيف ولا يسع عالما فيما ثبت من السنة إلا التسليم لأن الله قد فرض اتباعها وقد قال قوم إنه ينزل أمره وتنزل رحمته ونعمته وهذا ليس بشيء لأن أمره بما شاء من رحمته ونقمته ينزل بالليل والنهار بلا توقيت ثلث الليل ولا غيره ولو صح ما روي في ذلك عن مالك كان معناه أن الأغلب من استجابة دعاء من دعاه من عباده في رحمته وعفوه يكون ذلك الوقت وقد روي من حديث أبي ذر أنه قال يا رسول الله أي الليل أسمع قال جوف الليل الغابر وقد قالت فرقة منتسبة إلى السنة إنه ينزل بذاته ‏!‏ وهذا قول مهجور لأنه تعالى ذكره ليس بمحل للحركات ولا فيه شيء من علامات المخلوقات قال أبو عمر لم يزل الصالحون يرغبون في الدعاء والاستغفار بالأسحار لهذا الحديث وما كان مثله ولقوله تعالى ‏(‏والمستغفرين بالأسحار آل عمران 17 روى محارب بن دثار عن عمه قال كنت آتي المسجد في السحر فأمر بدار عبد الله بن مسعود فأسمعه يقول اللهم أمرتني فأطعت ودعوتني فأجبت وهذا السحر فاغفر لي فلقيت بن مسعود فقلت له كلمات سمعتك تقولهن في السحر فقال إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر حين قال لهم ‏(‏سوف أستغفر لكم ربى ‏)‏ ‏[‏يوسف 98‏]‏‏.‏

وروى حماد بن سلمة عن الجريري أن داود ‏(‏عليه السلام‏)‏ سأل جبريل ‏(‏عليه السلام‏)‏ أي الليل أسمع فقال لا أدري غير أن العرش يهتز بي في السحر‏.‏

469- وأما حديثه عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن عائشة أم المؤمنين قالت كنت نائمة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففقدته من الليل فلمسته بيدي فوضعت يدي على قدميه وهو ساجد يقول أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك فقد ذكرنا في التمهيد من أسند هذا الحديث ووصله وهو حديث متصل صحيح رواه أبو هريرة عن عائشة ورواه عروة عن عائشة وقد ذكرنا ذلك كله في التمهيد إلا أن الرواة يقولون فوقعت يدي على قدميه وفي هذا الحديث من الفقه عند أصحابنا دليل على أن اللمس باليد لا ينقض الطهارة إذا لم يكن لغير شهوة وهذه مسألة قد اختلف العلماء فيها وقد ذكرناها في باب الملامسة من الطهارة في هذا الكتاب وتحصيل مذهب مالك عند أصحابه أن اللامس والملموس سواء في وجوب الوضوء على من التذ منهما وللشافعي في الملموس قولان آخرهما أن عليه الوضوء والآخر أن لا وضوء عليه لحديث عائشة هذا قولها فوقعت يدي على قدميه ولم تقل إنه توضأ ولا قطع الصلاة وهو قول داود ولم يختلف قول الشافعي أن الملامس تنتقض طهارته إذا لمس امرأة التذ أو لم يلتذ وأهل القرآن على أن الملامسة الجماع لا ما دونه وقد ذكرنا اختلاف السلف والخلف في موضعها من هذا الكتاب والحمد لله‏.‏

وأما قوله في هذا الحديث وأعوذ بك منك فهو في معنى قوله أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك‏.‏

وأما قوله لا أحصي ثناء عليك فإن مالكا قال لي ذلك يقول لم أحصر نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثنا ففي قوله أنت كما أثنيت على نفسك دليل على أنه لا يبلغ في وصفه إلى وصف نفسه ومن وصفه بغير ما وصف به نفسه فقد قال بغير علم فإنه ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء وهو خالق كل شيء وهو بكل شيء عليم‏.‏

470- وأما حديثه عن زياد بن أبي زياد عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي ‏(‏لا إله إلا الله وحده لا شريك له‏)‏ فقد ذكرناه مسندا ومرسلا في التمهيد وذكرنا أيضا ما كان في معناه والحمد لله وفيه تفضيل الدعاء بعضه على بعض وتفضيل الأيام بعضها على بعض ولا يعرف شيء من ذلك إلا بتوقيف فقد ثبت في يوم الجمعة ويوم عاشوراء ويوم عرفة ما هو مذكور في كتابنا هذا في مواضعه ومعروف أيضا في غيره وجاء الاستدلال بهذا الحديث على أن دعاء عرفة مجاب كله في الأغلب إن شاء الله إلا للمعتدين في الدعاء بما لا يرضى الله وقد اختلف العلماء في الذكر فقال منها قائلون أفضل الكلام لا إله إلا الله واحتجوا بهذا الحديث وما كان مثله فإنها كلمة التقوى وقال آخرون أفضل الذكر الحمد لله رب العالمين ففيه معنى الشكر والثناء وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وأن الله افتتح به كلامه وختم به وأنه آخر دعوى أهل الجنة ودون كل فرقة مما قالت من ذلك أحاديث كثيرة قد أوردنا أكثرها في التمهيد وهي كلها آثار مسندات حسان وهي مسألة توقيف لا يدخل فيها الرأي فلابد فيها من الآثار والذكر كله عند العلماء دعاء حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا علي بن سعيد الرازي قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان بن عيينة قال قال لي عبد العزيز بن عمر كنت أتمنى أن ألقى الزهري فرأيته في النوم بعد موته فقلت يا أبا بكر هل من دعوة قال نعم لا إله إلا الله وحده لا شريك له توكلت على الحي الذي لا يموت اللهم إني أسألك أن تعيذني وذريتي من الشيطان الرجيم وروى حسين بن حسن المروزي عن سفيان بن عيينة أنه سأله ما أكثر ما كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر قال سفيان وهذا ذكر وليس بدعاء ثم قال سفيان أما علمت قول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ حيث قال إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين قال قلت نعم أنت حدثتني بذلك يا أبا محمد عن منصور عن مالك بن الحارث‏.‏

وحدثني به عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري عن منصور عن مالك بن الحارث قال فهذا تفسيره ثم قال ما علمت قول أمية بن أبي الصلت حين أتى بن جدعان‏:‏

أأطلب حاجتي أم قد كفاني *** حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوما *** كفاه من تعرضك الثناء

قال سفيان هذا مخلوق حين ينسب إلى الاكتفاء بالثناء عليه عن مسألة فكيف بالخالق ‏(‏عز وجل‏)‏ وذكر أبو الحسن الدارقطني في المؤتلف والمختلف له قال حدثنا القاضي المحاملي قال حدثنا يوسف بن موسى القطان قال حدثنا عثمان بن عمر التيمي ‏(‏تيم الرباب‏)‏ قال حدثنا صفوان بن أبي الصهباء عن بكر بن عتيق عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين قال أبو الحسن وقد روى الثوري عن بكر بن عتيق هذا أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا سفيان عن داود بن أبي هند عن محمد بن سيرين قال كانوا يرجون في ذلك الموطن ‏(‏يعني بعرفة‏)‏ حتى للحمل في بطن أمه‏.‏

471- وأما حديثه في هذا الباب عن أبي الزبير المكي عن طاوس اليماني عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ففيه الإقرار بعذاب جهنم أعاذنا الله منها والإقرار بعذاب القبر وفتنته وتعليم الدعاء بالاستعاذة من ذلك كله ومن فتن الدنيا والآخرة فتنة المحيا والممات وقد مضى القول في عذاب القبر وما عليه أهل العلم والسنة في ذلك وفيه الإقرار بخروج المسيح الدجال والأحاديث في ذلك كثيرة جدا وسيأتي ذكر كثير منها في كتاب الجامع وهناك يذكر اشتقاق اسم المسيح الدجال والمسيح بن مريم صلى الله عليه وسلم والمعنى في ذلك كله إن شاء الله تعالى ولما كانت الساعة آتية لا محالة وكان وقتها مغيبا عنا والخبر الصادق أنها تأتينا بغتة وكان من أشراطها خروج الدجال أمرنا بالتعوذ من فتنته وهي فتنة عظيمة لمن أدركته وخذله الله ولم يعصمه‏.‏

وأما فتن المحيا فكثيرة جدا في الأهل والمال والدين أجارنا الله من مضلات الفتن وفتنة الممات تكون عند معاينة الموت وتكون في القبر ثبتنا الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة فكم ممن يفتن عن دينه في حين الموت ختم الله لنا بالإيمان وفي أفضل ما يزكو معه من الأعمال وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد ذكرناه بإسناده في التمهيد أنه قال الناس خلقوا طبقات فمنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت كافرا فواجب على كل مؤمن ذي لب أن يتعوذ بالله من فتنة المحيا والممات فهذا إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏واجنبني وبنى أن نعبد الأصنام‏)‏ ‏[‏إبراهيم 35‏]‏‏.‏

ويوسف صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏فاطر السماوات والأرض أنت ولى في الدنيا والاخرة توفنى مسلما وألحقني بالصلحين‏)‏ ‏[‏يوسف 101‏]‏‏.‏

وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا أردت بالناس فتنة فاقبضنى إليك غير مفتون فما يامن الفتنة بعد الأنبياء إلا من خذله الله‏.‏

472- وأما حديث مالك بالإسناد المتقدم عن أبي الزبير المكي عن طاوس اليماني عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل يقول اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ولك الحمد أنت قيام السماوات والأرض ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن أنت الحق وقولك الحق ووعدك ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت فليس فيه معنى يشكل وفيه تعظيم الله والثناء عليه وتحميده وتمجيده والإيمان به والخضوع له والاعتراف بربوبيته والتوكل عليه والإنابة إليه والإقرار بالجنة والنار وقيام الساعة والدعاء بما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يمتثل ويرغب فيه ففيه الأسوة الحسنة والهدى المستقيم وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني وهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تاخر فما ظنك بمن سواه في الحاجة إلى الدعاء بالمغفرة وإنما بعث معلما صلى الله عليه وسلم‏.‏

473- وأما حديثه في هذا الباب أيضا عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك أنه قال جاءنا عبد الله بن عمر في بني معاوية وهي قرية من قرى الأنصار فقال هل تدرون أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجدكم هذا فقلت له نعم وأشرت له إلى ناحية منه فقال هل تدري ما الثلاث التي دعا بهن فيه فقلت نعم قال فأخبرني بهم فقلت دعا بأن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم ولا يهلكهم بالسنين فأعطيهما ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها قال صدقت قال بن عمر فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك أنه قال جاءنا عبد الله بن عمر ليس بين شيخ مالك وبين عبد الله بن عمر في إسناده أحد وتابعه على ذلك بن وهب وبن بكير ومعن بن عيسى وكذلك رواه إسماعيل ومعن بن إسحاق عن القعنبي عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك أنه قال جاءنا عبد الله بن عمر إلا أنه قال فيه هل تدري أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل تدرون وكذلك قال غيرهم تدرون وفي رواية أحمد بن خالد عن علي بن عبد العزيز عن القعنبي في هذا الحديث قال قرأت على مالك عن عبد الله بن جابر بن عتيك عن جابر بن عتيك وهكذا رواه سحنون عن بن القاسم عن مالك وظن بن وضاح أن رواية يحيى عنه غلط فرد روايته عن يحيى عن مالك إلى ما رواه عن سحنون وعن بن القاسم عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن جابر بن عتيك فغلط وأتى بذلك بما لا يرضاه العلماء من حمل رواية على أخرى‏.‏

وأما حديث مالك في كتاب الجنائز في باب البكاء على الميت فما أعلم أنهم اختلفوا فيه على مالك بل كلهم رواه عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحارث بن عتيك حديث الشهداء سبعة سوى القتيل في سبيل الله هكذا هو عند يحيى وجماعة من رواة الموطأ في كتاب الجنائز وليس عند القعنبي في كتاب الجنائز وهو عنده في كتاب الجهاد وفي حديث مالك في هذا الباب من وجوه العلم طرح العالم المسألة على من دونه ليعلم ما في ذلك عنده ثم يصدقه إذا أصاب وفيه تفسير لقول النبي صلى الله عليه وسلم لكل نبي دعوة أن معناه ما تقدم في هذا الكتاب ذكره ألا ترى أنه قد أجيبت دعوته ألا تهلك أمته بالسنين ‏(‏يعني جميعهم‏)‏ وألا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يعني يستأصل جمعهم ولم يجب دعوته في أن لا يلقي بأسهم بينهم وفيه ما كان عليه بن عمر من الرغبة والتبرك باتباع حركات رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتداء به وتأسيا بحركاته ومواضع صلاته طمعا في أن تجاب دعوته في ذلك الموضع وفيه دليل على أن الفتن لا تزال ولا تنقطع ولا تعدم في هذه الأمة حتى تقوم الساعة وقول بن عمر صدقت فلن يزال الهرج فالهرج القتل قال بن الرقيان‏:‏

ليت شعري أأول الهرج هذا *** أم زمان يكون من غير هرج

وقد ذكرنا في التمهيد ما حضرنا ذكره من الآثار في معنى حديث مالك هذا وما للعلماء في تأويل قول الله عز وجل ‏(‏قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض‏)‏ ‏[‏الأنعام 65‏]‏‏.‏

وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قول الله عز وجل ‏(‏أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض‏)‏ ‏[‏الأنعام 65‏]‏‏.‏

هذه أهون ثم قال فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة وذكرت أيضا في التمهيد حديث جابر قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفتح ثلاثة ايام يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرف البشر في وجهه قال جابر فما نزل بي أمر يهمني إلا توخيت تلك الساعة فأعرف الإجابة‏.‏

474- وأما قول زيد بن أسلم ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث إما أن يستجاب له وإما أن يدخر له وإما أن يكفر عنه فقد ذكرناه مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم في التمهيد ومن الإسناد فيه ما حدثناه أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا جعفر بن سليمان قال حدثنا علي بن علي الرفاعي عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن دعوة المسلم لا ترد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم إما أن تعجل له في الدنيا وإما أن تدخل له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء بقدر ما دعاه ورواه بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن علي بن علي مثل إسناده مثله قال أبو عمر هذا الحديث مخرج في التفسير المسند في قول الله عز وجل ‏(‏ادعوني أستجب لكم‏)‏ ‏[‏غافر 60‏]‏‏.‏

فهذا كله استجابة وقد قالوا إن الله عز وجل لا تنقضي حكمته فكذلك لا تقع الإجابة في كل دعوة قال الله تعالى ‏(‏ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموت والأرض ومن فيهن‏)‏ ‏[‏المؤمنون 71‏]‏‏.‏

وفي الحديث المأثور إن الله عز وجل ليبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه‏.‏