فصل: باب ما جاء في ركعتي الفجر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب الأمر بالوتر

237- مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن بن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى ظاهر هذا الحديث أن صلاة الليل مثنى مثنى دون صلاة النهار ويحتمل أن يكون جوابه صلى الله عليه وسلم خرج على سؤال السائل فاقتصر به على جوابه عن ما سأل عنه كأنه قال له يا رسول الله ‏!‏ صلاة الليل فقال مثنى مثنى وبقيت صلاة النهار موقوفة على الدليل محتملة للتأويل لأنه جائز أن يكون جوابه له لو سأله عن صلاة النهار كذلك أيضا وجائز أن يكون بخلافه فلما روى علي الأزدي عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل والنهار مثنى مثنى بان المراد فيما وصفنا مع ما قدمنا ذكره قبل هذا الباب من قول بن عمر صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وفتواه فبان بذلك أن المسكوت عنه في هذا الحديث هو بمعنى المذكور وأن النهار والليل في صلاة النافلة سواء مثنى مثنى وقد تقدم ما يكفي في هذا المعنى وروي هذا الحديث عن بن عمر جماعة منهم نافع وعبد الله بن دينار وسالم وطاوس وأبو سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن سيرين وحبيب بن أبي ثابت وحميد بن عبد الرحمن وعبد الله بن شقيق كلهم قال فيه عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى لم يذكر النهار وذكره علي الأزدي عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى عندنا في ذلك ما وصفنا وبالله التوفيق واختلف الفقهاء في صلاة التطوع بالنهار والليل فقال مالك والليث بن سعد والشافعي وبن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور وداود‏.‏

وقال أبو حنيفة والثوري صل ما شئت بعد أن تقعد في كل ركعتين وهو قول الحسن بن حي وقال الأوزاعي صلاة الليل مثنى مثنى وصلاة النهار أربع ركعات وهو قول إبراهيم النخعي رواه سيعد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم قال صلاة الليل مثنى مثنى وصلاة النهار أربع ركعات إن شاء لا يسلم إلا في آخرهن وهو قول يحيى بن سعيد الأنصاري وقال الأثرم سألت أحمد بن حنبل عن صلاة الليل والنهار في النافلة فقال أما الذي أختار فمثنى مثنى وإن صلى بالنهار أربعا فلا بأس وأرجو ألا يضيق عليه فذكرت له حديث يعلى بن عطاء عن علي الأزدي فقال لو كان ذلك الحديث يثبت ومع هذا فإن بن عمر كان يصلي ركعتين في تطوعه بالنهار ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها فهو أحب إلي فإن صلى أربعا فقد روي عن بن عمر أنه كان يصلي أربعا بالنهار قال بن عون قال لي نافع أما نحن فنصلي بالنهار أربعا فذكرته لمحمد بن سيرين فقال لو صلى ركعتين كان أجدر أن يحفظ حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو طالب محمد بن زكريا المقدسي قال حدثنا أبو محمد مضر بن محمد قال سألت يحيى بن معين عن صلاة الليل والنهار فقال صلاة النهار أربع لا يفصل بينهن وصلاة الليل ركعتان فقلت له إن أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فقال بأي حديث فقلت بحديث شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي الأزدي عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فقال ومن علي الأزدي حتى أقبل منه هذا أدع يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن بن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن وآخذ بحديث علي الأزدي ‏!‏ لو كان حديث علي الأزدي صحيحا لم يخالفه بن عمر قال يحيى وقد كان شعبة يتقي هذا الحديث وربما لم يرفعه قال أبو عمر قد تقدم قولنا في معنى حديث بن عمر المرفوع في هذا الباب وما يحتمله من التأويل وحديث علي الأزدي لا نكارة فيه ولا مدفع له في شيء من الأصول لأن مالكا قد ذكر في موطئه أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ورواه بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أنه سمع بن عمر يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ومن الدليل على ذلك أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد الجمعة ركعتين وقد روي قبل العصر ركعتين وقال إذا دخل المسجد فليركع ركعتين وكان إذا قدم من سفر نهارا صلى ركعتين وصلاة الفطر والأضحى والاستسقاء ركعتان فهذه كلها صلاة النهار وما أجمعوا عليه من هذا وجب رد ما اختلفوا فيه إليه قياسا ونظرا وبالله التوفيق وفي قوله في هذا الحديث فإذا خشي الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى على أن الوتر يكون بركعة واحدة قد تقدمتها صلاة ولا تكون ثلاثا لا يفصل بينهن بسلام وهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا فأجاز الوتر بركعة منفصلة مما قبلها جماعة من السلف منهم عبد الله بن عمر ومعاذ بن الحارث والسائب بن خباب وسعيد بن المسيب وعطاء وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور كل هؤلاء يستحب أن يسلم المصلي بين الشفع والوتر‏.‏

وقال مالك ما شيء أبين من هذا في الفصل بين الشفع والوتر‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي الوتر ثلاث لا يفصل بينهن وروى محمد بن سيرين عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب وتر صلاة النهار فاجعلوا آخر صلاة الليل وترا احتج بهذا الحديث المالكيون والحنفيون وليس فيه حجة واضحة بهذا لأحد الفريقين والله أعلم على أن مالكا قد رواه عن نافع عن بن عمر موقوفا وقال الأوزاعي إن شاء فصل وإن شاء لم يفصل وكل هذه الأقوال لها وجوه ودلائل من جهة الأثر قد ذكرتها في التمهيد والاختيار في ذلك ما قاله مالك والشافعي وسيأتي القول في الوتر بركعة ليس قبلها شيء عند ذكر فعل سعد بن أبي وقاص لذلك في هذا الباب إن شاء الله تعالى فإنه لم يذكره مالك عن غيره وليس هذا الحديث بمجيز عند مالك وأصحابه لأحد أن يوتر بركعة ليس قبلها صلاة إذا خشي الصبح على ظاهر الشرط في هذا الحديث لأنه حديث خرج الكلام فيه على صلاة تقدمت قبل ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح الحديث ولأنه صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة وغيرها كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة فكان فعله صلى الله عليه وسلم بيانا لقوله ذلك والله أعلم‏.‏

وأما الشافعي فقال في هذا الحديث دليل على أن الوتر بركعة لمن خشي الصبح جائز وإن لم يصل قبلها شيئا قال والقياس أنه يجوز ذلك لكل الناس خشوا الصبح أو لم يخشوه لأنه إذا جاز أن يفصل بسلام مما قبلها جاز أن تصلى وحدها‏.‏

238- وأما حديث عبادة ذكره عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن محيريز عن المخدجي الكناني عن عبادة بن الصامت فقد تكلمنا على إسناده في التمهيد وقد روي عن عبادة من وجوه منها ما رواه أبو داود الطيالسي قال حدثنا زمعة بن صالح عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني قال كنت في مجلس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم عبادة بن الصامت فذكروا الوتر فقال بعضهم واجب وقال بعضهم سنة فقال عبادة أما أنا فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أتاني جبريل من عند الله عز وجل فقال يا محمد إن الله تعالى يقول لك قد فرضت على أمتك خمس صلوات من وافاني بهن على وضوئهن ومواقيتهن وركوعهن وسجودهن فإن له بهن عندي عهدا أن أدخله الجنة ومن لقيني قد انتقص من ذلك شيئا فليس له عندي عهد إن شئت عذبته وإن شئت رحمته وحديث محمد بن يحيى بن حبان رواه عنه يحيى بن سعيد وعبد ربه بن سعيد ومحمد بن إسحاق وعقيل بن خالد ومحمد بن عجلان إلا أن عقيلا لم يذكر المخدجي في إسناده ورواه الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد كما رواه مالك والمخدجي عندهم لا يعرف وقيل اسمه ‏(‏أبو‏)‏ رفيع ذكر ذلك عن بن معين‏.‏

وأما بن محيريز فأشهر في الثقة والجلالة من أن يحتاج إلى ذكره‏.‏

وقال مالك المخدجي لقب ليس ينسب في شيء من العرب في هذا الحديث دليل على أن من السلف من يقول بوجوب الوتر وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وحجتهم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر فحافظوا عليها وحديث خارجة بن حذافة قال خرج علينا رسول الله فقال إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم الوتر جعلها الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر وحديث بريدة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا وكلها آثار محتملة للتأويل لأن قوله زادكم صلاة ليس بموجب للفرض لاحتماله أن يكون زادنا فيما يكون لنا زيادة في أعمالنا كما جاء في الوصية عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جعل لكم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم ومعلوم أنما هو لنا خلاف لما افترض علينا ويصحح هذا التأويل قوله عز ةوجل ‏(‏حفظوا على الصلوات والصلوة الوسطى ‏[‏البقرة 238‏]‏‏.‏

ولو كانت ستا لم يكن فيها وسطى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله على العباد ‏(‏1‏)‏ وقوله صلى الله عليه وسلم مثل الصلوات الخمس وقال له أعرابي يا رسول الله هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع والآثار بمثل هذا كثيرة جدا قد ذكرناها في التمهيد وقال علي رضي الله عنه ليس الوتر بحتم ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أوتروا يا أهل القرآن فخص أهل القرآن بذلك أخبرنا عبد الله قال حدثنا حمزة قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي قال أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أوتروا يا أهل القرآن فإن الله وتر يحب الوتر قال أحمد‏.‏

وأخبرنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال ليس الوتر بحتم مثل الصلاة المكتوبة ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وحدثنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا أبو حفص الأبار عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أوتروا يا أهل القرآن فقال أعرابي ما يقول ما يقول فقال ليس لك ولا لأصحابك قال أبو عمر الفرائض لا تثبت إلا بيقين لا خلاف فيه فكيف والقول بأن الوتر سنة ليس بواجب يكاد أن يكون إجماعا لشذوذ الخلاف فيه‏.‏

وأما قول عبادة كذب أبو محمد في قوله الوتر واجب فأبو محمد هذا رجل من الأنصار من وجوه الصحابة اسمه مسعود بن أوس وقد ذكرناه في كتاب الصحابة بما ينبغي من ذكره وقد تقدم معنى قول عبادة كذب أبو محمد عند قول عبد الله بن سلام كذب كعب من هذا الكتاب فلا معنى لإعادته هنا واختصار ذلك أن معنى قوله كذب أبو محمد أي غلط أبو محمد ووهم وقد مضت الشواهد على ذلك فيما تقدم والحمد لله وقد ذكرنا في التمهيد الآثار الواردة في معنى حديث عبادة هذا وأوردنا من طرق حديث عبادة ما تبين به صحته وأن المخدجي لم يأت فيه إلا بمعنى ما تواترت الرواية به وفي هذا الحديث دليل على أن من لم يصل وهو مقر موقن بفرض الصلاة مؤمن بها أو صلى ولم يقم الصلاة بما يجب فيها ومات لا يشرك بالله شيئا مقرى بالنبيين مصدقا للمرسلين مؤمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن كل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حق إلا أنه مقصر مفرط عاص لم يتب من ذنوبه حتى أدركته منيته أنه في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له فإنه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقد ذكرنا الآثار بهذا المعنى عند ذكر حديث عبادة هذا في التمهيد ويأتي ذكر أحكام تارك الصلاة المقر بها عند ذكر حديث زيد بن أسلم عن بسر بن محجن في قوله صلى الله عليه وسلم ما لك لم تصل ألست برجل مسلم إن شاء الله تعالى‏.‏

239- وأما حديثه عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن سعيد بن يسار عن بن عمر أنه أنكر عليه إذ نزل فأوتر وقال له أليس لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر على البعير ففيه أوضح الدلائل على أن الوتر ليس بواجب فرضا ولا يشبه المكتوبات لأن الإجماع منعقد أنه لا يجوز لأحد أن يصلي على الدواب شيئا من فرائض الصلوات إلا في شدة الخوف خاصة وفي غلبة المطر عليه إذا كان الماء فوقه وتحته فإنهم اختلفوا في ذلك وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتنفل على البعير ويوتر عليه فبان بذلك خروج الوتر عن طريق الوجوب وهذ سنة جهلها أبو حنيفة فلم يجز لأحد أن يوتر على الدابة أو البعير في المحمل وكره ذلك له إلا من عذر وخالفه أصحابه وسائر الفقهاء إلا فرقة تابعته وهي محجوجة بإجماع العلماء وراثة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه كان يتنفل على محمله حيث ما توجهت به حاجته وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتنفل ويوتر على البعير فبان بذلك أنه نافلة وسنة لإجماعهم على أنه لا يجوز ذلك في المكتوبة وهذا كاف حجة بالغة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد‏.‏

240- وأما وتر أبي بكر رضي الله عنه حين كان يأتي فراشه ووتر عمر آخر الليل وقول سعيد بن المسيب أما أنا فإذا جئت فراشي أوترت ففيه الإباحة في تقديم الوتر في أول الليل وتأخيره عن ذلك وهو أمر مجتمع عليه لا مدخل للقول فيه لأن الوتر من صلاة الليل وصلاة الليل لا وقت لها محدود وإنما الأوقات للمكتوبات فما فعل الإنسان من ذلك فحسن وسيأتي القول في آخر وقت الوتر في باب الوتر بعد الفجر إن شاء الله تعالى قالت عائشة رضي الله عنها من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره إلى السحر وعن عائشة أيضا قالت ربما أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الليل وربما أوتر آخره‏.‏

وأما اختيار سعيد فعل أبي بكر رضي الله عنه دون فعل عمر رضي الله عنه مع علمه بفضل الصلاة في السحر فلأن الأخذ بالحزم في أمور الدين والدنيا خوف غلبة النوم فيصبح على غير وتر وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا استيقظ وقد كان أوتر يصلي ركعتين ركعتين بعد أن أحرز وتره وقد كان من وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر وأبي الدرداء وأبي هريرة أن لا ينام أحدهم إلا على وتر وحسبك بهذا حجة لاختيار سعيد فعل أبي بكر وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر له فعل أبي بكر في الوتر وفعل عمر فقال حذر هذا يعني أبا بكر وقوي هذا يعني عمر ولم يفضل فعل واحد منهما ولا أنكر عليه لعلمه بأنهما قد اجتهدا جهدهما‏.‏

241- وقول عائشة رضي الله عنها من خشي أن ينام حتى يصبح فليوتر قبل أن ينام ومن رجا أن يستيقظ آخر الليل فليؤخره وتره تفسير لحديث أبي بكر وعمر في ذلك إلا أن قولها ومن رجا أن يستيقظ فالرجاء قد نفع المرجو منه وقد لا يقع ففعل أبي بكر واختيار سعيد ليس بمدفوع بقولها ولكل وجه وقد بينا موضع الاختيار في الفضائل والمباحات وبالله العصمة والتوفيق‏.‏

242- وأما سؤال الرجل عبد الله بن عمر عن الوتر أواجب هو وجواب بن عمر له أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون فردد عليه الرجل السؤال فلم يزده على هذا الجواب ففيه دليل على أن الوتر ليس بواجب ولو كان واجبا عنده لأفصح له بوجوبه ولكنه أخبره بما دله على أنه سنة معمول بها ليدفع عنه تأويل الخصوص في ذلك والنسخ لأن في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة فلما تلقى المسلمون علمه ذلك بالاتباع بان بأنه لم يخص به نفسه كالوصال في الصيام وما أشبهه وقد روى عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي عمرة أنه سأل عبادة بن الصامت عن الوتر فقال أمر حسن جميل قد عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده‏.‏

243- وأما حديث مالك عن نافع قال كنت مع بن عمر بمكة والسماء مغيمة فخشي عبد الله بن عمر الصبح فأوتر بواحدة ثم انكشف الغيم فرأى أن عيله ليلا فشفع بواحدة ثم صلى ركعتين ركعتين فلما خشي الصبح أوتر بواحدة فقد روى عن بن عمر هذا المذهب في شفع الوتر بعد النوم من وجوه روى الثوري عن عبد الله بن دينار عن بن عمر أنه كان يشفع وتره ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر وروى الشعبي عن بن عمر مثله وهذه مسألة يعرفها أهل العلم بمسألة نقض الوتر وقد روى مثل قول بن عمر في ذلك عن علي وعثمان وبن مسعود وأسامة ولم يختلف عنهم في ذلك واختلف فيها عن بن عباس وسعد بن أبي وقاص وقال بمذهب بن عمر في ذلك جماعة منهم عروة بن الزبير ومكحول وعمرو بن ميمونة وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم الوتر ركعة من آخر الليل وقوله فإذا خشي أحدكم الصبح أوتر بركعة واحدة وخالف هذا المذهب في نقض الوتر جماعة أيضا من السلف فروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه من وجوه أنه كان يوتر قبل النوم ثم إن قام صلى ركعتين ركعتين ولم يعد الوتر وروى ذلك عن طائفة من الصحابة أيضا منهم عمار بن ياسر وعائذ بن عمرو وعائشة أم المؤمنين وكانت عائشة تقول في ذلك أوتران في ليلة ‏!‏ ‏!‏ إنكارا منها لنقض الوتر وقال بذلك من التابعين جماعة منهم علقمة وأبو مجلز وطاوس والنخعي وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي ثور والحجة لهم قوله صلى الله عليه وسلم لا وتران في ليلة حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال‏.‏

وحدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا علي بن المديني قالا حدثنا ملازم بن عمرو قال حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وتران في ليلة فإن قيل إن من شفع الوتر بركعة فلم يوتر في ركعة قيل له محال أن يشفع ركعة قد سلم منها ونام مصليها وتراخى الأمر فيها وقد كتبها الملك الحافظ وترا فكيف تعود شفعا هذا ما لا يصح في قياس ولا نظر والله أعلم‏.‏

244- وأما حديثه عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعتين والركعة حتى يأمر ببعض حاجته فهذه مسألة اختلف فيها السلف أيضا والخلف فروي الفصل بين الشفع وركعة الوتر بالسلام عن عثمان وسعد وزيد بن ثابت وبن عمر وبن عباس وأبي موسى الأشعري ومعاوية وبن الزبير وعائشة رضي الله عنهم وكان معاذ القارئ يؤم جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فيفعل ذلك معهم وبهذا قال مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد وأبو ثور وهو قول سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وعطاء بن أبي رباح وغيرهم وحجة من ذهب هذا المذهب قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فصل ركعة توتر لك ما قد صليت وما رواه جماعة من أصحاب بن شهاب عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين منها ويوتر بواحدة وقد ذكرنا من قال ذلك عن بن شهاب ومن خالفه فيه فيما تقدم من هذا الكتاب وقال آخرون الوتر ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام روي ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس على اختلاف عنه وعبد الله بن معسود وأبي بن كعب وأنس بن مالك وأبي أمامة وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة وأصحابه وهو الذي استحبه الثوري وكان الأوزاعي يقول إن شاء فصل قبل الركعة بسلام وإن شاء لم يفصل وحجة هؤلاء حديث عائشة إذ سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا قالوا صلى أربعا بغير سلام وأربعا كذلك وثلاثا أوتر بها وما رواه بن سيرين عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة المغرب وتر صلاة النهار ومعلوم أن المغرب ثلاث ركعات لا يسلم إلا في آخرهن فكذلك وتر صلاة الليل وحديث أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شاء أوتر بسبع ومن شاء أوتر بخمس ومن شاء أوتر بثلاث ومن شاء أوتر بواحدة‏.‏

245- وأما حديثه عن بن شهاب أن سعد بن أبي وقاص كان يوتر بعد العتمة بركعة واحدة قال مالك وليس على هذا العمل عندنا ولكن أدنى الوتر ثلاث وقد روي مثل فعل سعد بن أبي وقاص في ذلك عن عثمان بن عفان وبن عمر وبن الزبير وروي أن معاوية فعله فذكر ذلك لابن عباس فقال أصاب أو قال أصاب السنة وقال جماعة من أهل العلم من أصحاب الشافعي وغيرهم كل من روي عنه الفصل بين الشفع وركعة الوتر بسلام من الصحابة والتابعين فهو مجيز الوتر بركعة واحدة ليس قبلها شيء وحجتهم ما تقدم ذكره وقالوا ليس أحد ممن يفصل بين ذلك بسلام ويفرد الركعة مما قبلها يكره الوتر بواحدة ليس قبلها شيء إلا مالك بن أنس ومن تابعه وأجاز الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود الوتر بواحدة ليس قبلها شيء من صلاة النافلة إلا أنهم يستحبون أن يكون قبلها صلاة قال الشافعي أقلها ركعتان وأكثرها عشر على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما مالك فكان يكره أن يوتر أحد بركعة لا صلاة نافلة قبلها ويقول أي شيء توتر له الركعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم توتر له ما قد صلى وكره بن مسعود الوتر بركعة ليس قبلها شيء وسماها البتيراء وهو مذهب كل من رأى الوتر ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام‏.‏

246- وأما حديثه عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول صلاة المغرب وتر صلاة النهار فقد روي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم واستدل بعض أصحابنا على أن الوتر لا ينبغي أن يكون إلا بعد صلاة أقلها ركعتان بهذا الخبر وقالوا إذا كانت المغرب وتر صلاة النهار يعني المكتوبات لأنها من جنسها فكذلك ينبغي أن يكون الوتر لصلاة نافلة تقدمها ولا تكون ركعة مفردة قال مالك من أوتر أول اليل ثم نام ثم قام فبدا له أن يصلي فليصل مثنى مثنى فهو أحب ما سمعت إلي في ذلك ولا يشفع وتره ولا يعيده وهو خلاف لابن عمر وقد ذكرنا من تقدم مالكا إلى اختياره ذلك من السلف ومن تابع بن عمر على مذهبه في هذا الباب وقد أخبر مالك أن الخلاف في ذلك قد سمعه واختار من ذلك ما اختاره وهو الاختيار عند أكثر الفقهاء‏.‏

باب الوتر بعد الفجر

247- ذكر فيه مالك عن بن عباس وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عامر بن ربيعة والقاسم بن محمد أنهم أوتروا بعد الفجر‏.‏

248- وعن بن مسعود أنه قال ما أبالي لو أقيمت الصلاة وأنا أوتر‏.‏

249- وعن عبادة بن الصامت أنه أسكت المؤذن بالإقامة لصلاة الصبح حتى أوتر‏.‏

وقال مالك بأثر ذلك إنما يوتر ‏(‏بعد الفجر من نام عن الوتر ولا ينبغي لأحد أن يتعمد ذلك حتى يضع وتره بعد الفجر قال أبو عمر اختلف السلف من العلماء والخلف بعدهم في آخر وقت الوتر بعد إجماعهم على أن أول وقته بعد صلاة العشاء وأن الليل كله حتى ينفجر الصبح وقت له إذ هو آخر صلاة الليل فقال منهم قائلون لا يصلي الوتر بعد طلوع الفجر وإنما وقتها من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فلا وتر وممن قال هذا سعيد بن جبير ومكحول وعطاء بن أبي رباح وهو قول سفيان الثوري وأبي يوسف ومحمد وحجتهم حديث خارجة بن حذافة العدوي قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله تعالى قد أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم هي الوتر جعلها الله لكم ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر ‏(‏1‏)‏ وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن هشيم عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري قال نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا لا وتر بعد طلوع الفجر وأبو هارون العبدي ليس ممن يحتج به وقال آخرون يصلي الوتر ما لم يصل الصبح فمن صلى الصبح فلا يصلي الوتر روي هذا القول عن بن مسعود وبن عباس وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وحذيفة وعائشة وبه قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي ثور وإسحاق وجماعة وهو الصواب عندي لأني لا أعلم لهؤلاء الصحابة مخالفا من الصحابة فدل إجماعهم على أن معنى الحديث في مراعاة طلوع الفجر أريد ما لم تصل صلاة الفجر ويحتمل أيضا أن يكون ذلك لمن قصده واعتمده‏.‏

وأما من نام عنه وغلبته عينه حتى انفجر الصبح وأمكنه أن يصليه مع الصبح قبل طلوع الشمس مما أريد بذلك الخطاب والله الموفق للصواب وإلى هذا المعنى أشار مالك رحمه الله‏.‏

وأما من أوجب قضاء الوتر بعد طلوع الشمس فقد شذ عن الجمهور وحكم للوتر بحكم الفريضة وقد أوضحنا خطأ قوله فيما مضى من هذا الكتاب روي ذلك عن طائفة من التابعين منهم طاوس وهو قول أبي حنيفة وخالفه صاحباه إلا أن من أهل العلم من استحب ورأى إعادة الوتر بعد طلوع الشمس وقال الثوري إذا طلعت الشمس فإن شاء قضاه وإن شاء لم يقضه وقال الأوزاعي يقضيه متى ما ذكره من يومه حتى يصلي العشاء الآخرة فإن لم يذكر حتى صلاة العشاء لم يقضه بعد فإن فعل شفع وتره قال الليث يقضيه بعد طلوع الشمس‏.‏

وقال مالك والشافعي لا يقضيه واختلف أصحابنا وغيرهم فيمن ذكر الوتر في صلاة الصبح واختلف في ذلك أيضا قول مالك على قولين فقال مرة يقطع ويصلي الوتر واختاره بن القاسم فضارع في ذلك قول أبي حنيفة في إيجاب الوتر ومرة قال مالك لا يقطع ويتمادى في صلاة الصبح ولا شيء عليه ولا يعيد الوتر وهو قول الشافعي والجمهور من العلماء وهو الصواب لأن القطع لمن ذكر الصلاة وهو في صلاة لم يكن من أجل شيء غير الترتيب في صلاة اليوم ومعلوم أنه لا رتبة بين الوتر وصلاة الصبح لأنه ليس من جنسها وإنما الرتبة في المكتوبات لا في النوافل من الصلوات وما أعلم أحدا قال يقطع صلاة الصبح لمن ذكر فيها أنه لم يوتر إلا أبا حنيفة وبن القاسم‏.‏

وأما مالك فالصحيح عنه أنه لا يقطع وقد قال أبو ثور ومحمد لا يقطع وهو قول جمهور أصحابنا وتحصيل مذهبنا ولولا إيجاب أبي حنيفة الوتر ما رأى القطع والله أعلم فإن قيل إنما أمر بقطع صلاة الصبح للوتر لأن الوتر لا يقضى ولا يصلى بعد صلاة الصبح وإنما وقته قبل الفجر وقبل صلاة الصبح عندنا وهو من السنن المؤكدة فمن نسية ثم ذكره وهو في صلاة الصبح قطعها إذا كان في سعة من وقتها وصلى الوتر ثم صلى الصبح فيكون قد أتى بالسنة والفريضة في وقتها قيل ليس لهذا أصل في الشرع المجتمع عليه بل الأصل أن لا يبطل الإنسان عمله ولا يخرج من فرضه قبل أن يتمه لغير واجب عليه ومعلوم أن إتمام ما وجب إتمامه فرض والوتر سنة فكيف يقطع فرض لسنة ‏!‏ وقد أجمع العلماء أنه لا تقطع صلاة فريضة لصلاة مسنونة فيما عدا الوتر واختلفوا في قطعها للوتر فالواجب رد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه وكذلك أجمع فقهاء الأمصار أنه لا يقطع صلاة الصبح للوتر إن كان خلف إمام فكذلك المنفرد قياسا ونظرا وعليه جمهور العلماء وبالله التوفيق ولم يختلف قول مالك وأصحابه فيمن أحرم بالتيمم فطرأ عليه الماء وهو في الصلاة أنه يتمادى ولا يقطع وهذا كان أولى من القطع للوتر وقد أوضحنا ذلك في غير هذا الموضع والحمد لله‏.‏

باب ما جاء في ركعتي الفجر

250- مالك عن نافع عن بن عمر أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن عن الأذان لصلاة الصبح صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة روى هذا الحديث عن نافع جماعة منهم عبد الكريم الجزري وغيره فقال فيه عبد الكريم الجزري عن نافع عن بن عمر عن حفصة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع أذان الصبح صلى ركعتين ثم خرج إلى المسجد وحرم الطعام وكان لا يؤذن حتى يصبح فبان بهذا حديث مالك إذا سكت المؤذن أنه أراد بأثر سكوته دون تراخ وإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر عند الأذان بان بذلك أن الأذان للصبح كان عند طلوع الفجر وبعده لا قبله وقد احتج به من لم يجز الأذان للفجر إلا بعد طلوع الفجر وقد مضى القول في ذلك عند قوله صلى الله عليه وسلم إن بلالا ينادي بليل وفي حديث بن شهاب عن سالم ومعلوم أن أذان بن أم مكتوم كان مع الفجر أو بعده ولذلك استحب من أجاز الأذان للفجر بليل أن يكون مؤذن آخر مع الفجر إذا بان له طلوعه وقد أوضحنا ذلك كله فيما تقدم من باب الأذان وقد ذكرنا في التمهيد كثيرا من اختلاف أصحاب نافع في ألفاظ هذا الحديث ولم يختلفوا في إسناده عن نافع عن بن عمر عن حفصة‏.‏

وأما قوله في حديث عبد الكريم الجزري وحرم الطعام ففيه جواز الأكل لمن شك في الفجر حتى يتبين له ويرتفع الشك فيه عنه وسيأتي ما للعلماء في هذا المعنى في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى على أنه قوله وحرم الطعام عطف على سماع الأذان لا على الخروج إلى المسجد والله أعلم‏.‏

وأما رواية مالك فيه خفيفتين فهو المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم في ركعتي الفجر وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن حفصة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفف ركعتي الفجر‏.‏

251- وروى مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد أن عائشة قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخفف ركعتي الفجر حتى أني لأقول أقرأ فيهما بأم القرآن أم لا وقد ذكرنا من أسند هذا الحديث عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عبد الرحمن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة من الثقات وهو حديث ثابت صحيح بهذا الإسناد وحديث أبي الرجال عن عمرة عن عائشة رواه شعبة وغيره عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري سمع عمرة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر صلى ركعتين فأقول أقرأ فيهما بفاتحة الكتاب أم لا وقد روى يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة وهو عندي وهم والله أعلم وإنما هو ليحيى بن سعيد عن محمد بن عبد الرحمن أبي الرجال عن أمه عمرة عن عائشة وقد رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد وفي قول عائشة حتى أني لأقول أقرأ بأم القرآن أم لا ذلك على التخفيف ودليل على أن لا يزاد فيهما على فاتحة الكتاب هو المستحب عند مالك وأكثر العلماء وفي قول عائشة أقرأ فيهما بأم القرآن أم لا دليل على أن قراءته صلى الله عليه وسلم فيهما كانت سواء وهو قول مالك والشافعي وطائفة من أهل المدينة ومن أهل العلم من يقول يجهر بما يقرأ فيهما وأصبح من قال فيهما ب ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ و‏(‏قل يأيها الكفرون‏)‏ واستدل في تهذيب الآثار من ذلك تخريجها على الإباحة فمن شاء أسر فيهما ومن شاء جهر ومن شاء اقتصر على فاتحة الكتاب في كل واحدة منهما ومن شاء قرأ معها ‏(‏قل يأيها الكفرون‏)‏ و‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ وفيه دليل أيضا على أن قراءة أم القرآن لابد منها في كل صلاة نافلة أو فريضة ويشهد لهذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وقوله صلى الله عليه وسلم كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ فيهما ب ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ و‏(‏قل يأيها الكفرون‏)‏ من حديث عائشة وحديث بن عمر وحديث بن مسعود وهي كلها صحاح ثابتة قد ذكرتها بطرقها في التمهيد والحمد لله وروي من حديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان كثيرا ما يقرأ في ركعتي الفجر ‏(‏قولوا ءامنا بالله وما أنزل إلينا‏)‏ ‏[‏البقرة 136‏]‏‏.‏

في الركعة الأولى ويقرأ في الثانية ‏(‏ءامنا بالله وأشهد بأنا مسلمون آل عمران 52 وهذا كله محمول عندنا على أن ذلك مع فاتحة الكتاب لما وصفنا‏.‏

وأما أقاويل الفقهاء فيما يقرأ به في ركعتي الفجر فقال مالك أما أنا فلا أزيد فيها على أم القرآن في كل ركعة لحديث عائشة رواه بن القاسم عنه وقال بن وهب عنه لا يقرأ فيهما إلا بأم القرآن‏.‏

وقال الشافعي يخفف فيهما ولا بأس أن يقرأ مع أم القرآن سورة قصيرة وروى بن القاسم عن مالك أيضا مثله وروى البويطي عن الشافعي أنه قال أحب أن يقرأ المصلي في ركعتي الفجر مع فاتحة الكتاب ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ و‏(‏قل يأيها الكفرون‏)‏ وقال الثوري يخفف فإن شيء من حزبه فلا بأس أن يقرأه فيهما ويطول‏.‏

وقال أبو حنيفة ربما قرأت في ركعتي الفجر حزبي من القرآن وهو مذهب أصحابه قال أبو عمر السنة في هذا الباب ما قاله مالك والشافعي والله الموفق للصواب حدثنا خلف بن سعيد وسعيد بن سيد وعبد الله بن محمد بن يوسف قالوا حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال أخبرنا أحمد بن خالد قال حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثنا عون بن يوسف قال حدثنا علي بن زياد قال حدثنا سفيان عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عائشة قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين قبل صلاة الفجر فقرأ فيهما ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ و‏(‏قل يأيها الكفرون‏)‏ قال أحمد بن خالد بهذا آخذ قال أبو عمر في مراعاة العلماء من الصحابة ومن بعدهم واهتبالهم بركعتي الفجر وتخفيفهما وما يقرأ فيهما مع مواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما دليل على أنهما من مؤكدات السنن وعلى ما ذكرت لك جمهور الفقهاء إلا أن من أصحابنا من يأبى أن يسميها سنة ويقول هما من الرغائب وليستا سنة وهذا لا وجه له ومعلوم أن أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها سنة يحمد الاقتداء به فيها إلا أن يقول صلى الله عليه وسلم إن ذلك خصوص لي وإنما يعرف من سنته المؤكدة منها من غير المؤكد بمواظبته عليها وندب أمته إليها وهذا كله موجود محفوظ عنه صلى الله عليه وسلم في ركعتي الفجر وقد قال أشهب بن عبد العزيز وعلي بن زياد ركعتا الفجر سنة مسنونة وهو قول الشافعي وإسحاق وأحمد بن حنبل وأبي ثور وداود وجماعة أهل العلم فيما علمت وروى عبيد بن عمير بن عائشة قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الصبح ومعلوم أن كل ما ليس بفريضة فهو نافلة ومن النوافل ما هو سنة بمواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استدل بعض أهل العلم على تأكيد ركعتي الفجر في السنن بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاهما بعد طلوع الشمس يوم نام عن الصلاة كما قضى الفريضة ولم يأت عنه أنه قضى شيئا من السنن بعد خروج وقتهما غيرهما وفي حديث عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرع إلى شيء من النوافل إسراعه إلى ركعتي الفجر ولا إلى غنيمة وروى سعد بن هشام عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار كلها في التمهيد وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن عائشة قالت أما ما لم يدعه رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحا ولا مريضا ولا في سفر ولا في حضر فركعتا الفجر وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل ‏(‏ومن اليل فسبحه وإدبر النجوم ‏[‏ق 40‏]‏‏.‏

قال الركعتان قبل الغداة وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أوس بن خالد عن أبي هريرة قال إدبار النجوم الركعتان بعد طلوع الفجر‏.‏

252- وأما حديثه عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال سمع قوم الإقامة فقاموا يصلون فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصلاتان معا أصلاتان معا وذلك في صلاة الصبح والركعتين اللتين قبل الصبح فهكذا رواه في الموطأ كل من روى الموطأ ورواه الوليد بن مسلم عن مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعوا الإقامة فقاموا يصلون فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصلاتان معا وقد أخطأ الوليد بن مسلم إذ جعله عن أنس والصواب عن مالك ما في الموطأ وقد رواه الدراوردي عن شريك بن أبي نمر عن أبي سلمة عن عائشة فأسنده وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه عبد الله بن سرجس وعبد الله بن بحينة وأبو هريرة وبن عباس وجابر بن عبد الله وقد ذكرناها بالأسانيد في كتاب التمهيد والمعنى في هذا الحديث النهي عن أن يصلي أحد في المسجد صلاة نافلة ويترك الصلاة القائمة فيه الفريضة وكذلك حكى بن عبد الحكيم عن مالك قال لا يركع أحد في المسجد وقد أقيمت الصلاة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أقيمت الصلاةفلا صلاة إلا المكتوبة وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق كثيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في التمهيد واختلف الفقهاء في الذي لم يصل ركعتي الفجر وأدرك الإمام في الصلاة أو دخل المسجد ليصليهما فأقيمت عليه الصلاة فقال مالك إذا كان قد دخل المسجد فليدخل مع الإمام ولا يركعهما في المسجد وإن كان لم يدخل المسجد فإن لم يخف أن يفوته الإمام بركعة فليركعهما خارج المسجد ولا يركعهما في شيء من أفنية المسجد اللاصقة به التي تصلى فيها الجمعة وإن خاف أن تفوته الركعة الأولى مع الإمام فليدخل وليصل معه ثم يصليهما إذا طلعت الشمس إن أحب ولأن يصليهما إذا طلعت الشمس أحب إلي من تركهما وقال الثوري إن خشي فوت ركعة دخل معه ولم يصلهما وإلا صلاهما وإن كان قد دخل المسجد وقال الأوزاعي إذا دخل المسجد يركعهما إلا أن يوقن أنه إن فعل فاتته الركعة الأخيرة فأما الركعة الأولى فليركع وإن فاتته وقال الحسن بن حي إذا أخذ المقيم في الإقامة فلا تطوع إلا ركعتي الفجر‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إن خشي أن تفته الركعتان ولا يدري الإمام قبل رفعه من الركوع في الثانية دخل معه وإن رجى أن يدرك ركعة صلى ركعتي الفجر خارج المسجد ثم يدخل مع الإمام قال أبو عمر اتفق هؤلاء كلهم على أن يركع ركعتي الفجر والإمام يصلي منهم من راعى فوت الركعة الأولى ومنهم من راعى الثانية ومنهم من اشترط الخروج عن المسجد ومنهم من لم يشترطه ورأى أن يصلي فيه وحجتهم أن ركعتي الفجر من السنن المؤكدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب عليها فإذا أمكن الإتيان بهما وإدراك ركعة من صلاة الصبح فلا يتركهما لأن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركتها واحتج بعضهم بأن قال يحتمل قوله أصلاتان معا أن يكون أراد الجمع بين الفريضة والنافلة في موضع واحد كما نهى عن الصلاة يوم الجمعة تطوعا بعدها في مقام واحد حتى يتقدم أو يتكلم احتج بهذا الطحاوي وليس هذا عندي بشيء لأن النهي إنما ورد أن تصليا معا وأن يصلي إذا أقيمت المكتوبة غيرها مما ليس بمكتوبة ويشتغل عنها بما سواها واحتج من رأى أن تصلى خارج المسجد بحديث يحيى بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن بن عمر أنه جاء والإمام يصلي صلاة الصبح ولم يكن صلى الركعتين قبل صلاة الصبح فصلاهما في حجرة حفصة ثم دخل مع الإمام وهذا قول مالك وأبي حنيفة وقد ذكرنا إسناد هذا الحديث في التمهيد وعن سعيد بن جبير معناه وقد ذكرناه أيضا وروي عن بن مسعود أنه دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فصلى إلى أسطوانة في المسجد ركعتي الفجر ثم دخل في الصلاة بمحضر من حذيفة وأبي موسى وبهذا قال الأوزاعي والثوري ومن حجتهما أنه إذا جاز الاشتغال عن المكتوبة التي أقيمت بركعتي الفجر خارج المسجد جاز ذلك في المسجد‏.‏

وقال الشافعي من دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة للصبح ولم يكن ركع ركعتي الفجر فليدخل مع الناس ولا يركع ركعتي الفجر لا خارج المسجد ولا داخل المسجد وكذلك قال الطبري لا يتشاغل أحد بنافلة بعد إقامة الفريضة وقال أبو بكر بن الأثرم سئل أحمد بن حنبل وأنا أسمع عن رجل دخل المسجد والإمام في صلاة الصبح ولم يركع الركعتين فقال يدخل في الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وقال أيضا أصلاتان معا قال أحمد ويقضيهما من الضحى إن شاء قيل له فإن صلاهما بعد سلامه قبل طلوع الشمس قال يجزئه‏.‏

وأما أنا فأختار أن يصليهما من الضحى ثم قال حدثنا بن علية عن أيوب عن نافع قال كان بن عمر يصليهما من الضحى وقال محمد بن سيرين كان يكرهون أن يصلوهما إذا أقيمت الصلاة وقال ما يفوته من المكتوبة أحب إلي منهما قال أبو عمر هذا القول أصح لأن فيه حديثا مسندا يجب الوقوف عنده والرد إليه فيما ينازع العلماء فيه إذ لم يكن له في الكتاب ذكر ولا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعارضه حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن أحمد بن حمويه قال حدثنا أبو محمد الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن سلم المقدسي ببيت المقدس قال حدثنا أحمد بن محمد بن عمر الحنفي قال حدثنا عبد الرزاق بن همام قال أخبرنا معمر وبن جريج وسفيان الثوري وزكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وهكذا رواه حماد بن سلمة وحماد بن زيد وجماعة يطول ذكرهم عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا ومنهم من يرويه عن حماد بن زيد عن أيوب عن عمرو بن دينار بإسناده مثله وقد وقف قوم هذا الحديث على أبي هريرة منهم سفيان بن عيينة والذين يرفعونه أكثر عددا وكلهم حافظ ثقة فيجب قبول ما زادوه وحفظوه على أن ما صح رفعه لا حرج على الصاحب في توقيفه لأنه أفتى بما علم منه وليس قوله صلى الله عليه وسلم أصلاتان معا مما يمنع من صلاة العشاء الآخرة في المسجد لمن فاتته مع الإمام والناس في صلاة الإشفاع لأن النهي في ذلك إنما ورد عن الاشتغال بنافله عن فريضة تقام في الجماعة والمساجد إنما بنية للفرائض لا للنوافل فالذي تفوته صلاة العشاء أحق بإقامتها في المسجد من المصلين فيه جماعة نافلة الإشفاع كانت أو غيرها وينبغي له أن يصير في ناحية من المسجد حيث يأمن تخليط الإمام في الإشفاع عليه وعلى ما قلت لك جماعة الفقهاء لا أعلمهم يختلفون في ذلك وفيما وصفت لك دليل على أن المراد بالحديث كراهة الاشتغال عن الفريضة بالنافلة 253254‏.‏

254- وأما قضاء عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس فذلك دليل على أنهما عندهما من مؤكدات السنن وأجاز الشافعي وأصحابه وطائفة من السلف منهم عطاء وعمرو بن دينار أن تصلي ركعتا الفجر بعد سلام الإمام من صلاة الصبح وأبى ذلك مالك وأكثر العلماء لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وذهب الشافعي في ذلك إلى ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن نمير عن سعد بن سعيد قال حدثني محمد بن إبراهيم عن قيس بن عمرو قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ركعتان فقال الرجل أني لم أكن صليت الركعتين قبلهما فصليتهما الآن فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو داود روى هذا الحديث يحيى بن سعيد وعبد ربه بن سعيد مرسلا عن جدهم قيس بن عمرو قال أبو داود حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان قال كان عطاء بن أبي رباح يحدث بهذا الحديث عن سعد بن سعيد وقد مضى القول في معنى النهي عن الصلاة بعد الصبح والعصر وما للعلماء في ذلك من المذاهب في بابه من هذا الكتاب والحمد لله ويأتي القول فيمن دخل المسجد لصلاة الصبح وقد ركع ركعتي الفجر هل يركع الركعتين تحية المسجد عند ذكر حديث أبي قتادة في موضعه في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏

كتاب صلاة الجماعة

باب فضل صلاة الجماعة صلاة الفذ

255- ذكر فيه مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة‏.‏

256- وعن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا قال أبو عمر معنى قوله في هذا الحديث جزءا وفي حديث بن عمر درجة وفي حديث أبي سعيد الخدري خمسا وعشرين صلاة ذكره أبو داود معنى واحدا كله يريد تضعيف ثواب المصلي في جماعة على ثواب المصلي وحده وفضل أجر من صلى في جماعة على أجر المنفرد في صلاته بالأجزاء المذكورة ويشهد لهذا حديث أنس بن مالك وغيره في حديث الإسراء قال فيه هي خمس وهي خمسون الحسنة بعشر أمثالها وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان فما فوقهما جماعة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الحوطي قال حدثنا بقية بن الوليد عن عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان فما فوقهما جماعة قال الحوطي حدثت به سفيان بن عيينة في المنام بإسناده فقال صدق قال أبو عمر قد استدل قوم بهذه الأحاديث على الأفضل لكثير الجماعة على قليلها وبما عليه أكثر العلماء فيمن صلى في جماعة اثنين فما فوقهما ألا يعيد في جماعة أخرى بأكثر منها ومعلوم أن إعادة الفذ لما صلى وحده مع الجماعة إنما كان لفضل الجماعة على الانفراد فإذا لم يعد من صلى مع اثنين أو ثلاثة في الجماعة الكثيرة دل على ما وصفناه وقد رويت آثار مرفوعة منها حديث أبي بن كعب وغيره أن صلاة الرجل مع الرجلين أفضل من صلاته وحده وصلاته مع الثلاثة أفضل من صلاته مع الرجلين وكلما كثر كان أزكى وأطيب وهي آثار كثيرة ليست في القوة والثبوت والصحة كآثار هذا الباب وقد قلنا إن الفضائل لا مدخل فيها للقياس والنظر وإنما يقال فيها بما صح التوقيف به والله يتفضل بما شاء من رحمته على من يشاء من عباده وفي هذا الحديث من رواية بن عمر وأبي هريرة دليل على جواز صلاة الفذ وحده وإن كانت صلاة الجماعة أفضل وإذا جازت صلاة الفذ وحده بطل أن يكون شهود صلاة الجماعة فرضا لأنه لو كانت فرضا لم تجز للفذ صلاته وهو قادر على الجماعة تارك لها كما أن الفذ لا يجزئه يوم الجمعة أن يصلي قبل الإمام ظهرا إذا كان ممن تجب عليه الجمعة قد احتج بهذا جماعة من العلماء وعلى هذا أكثر الفقهاء بالحجاز والعراق والشام كلهم يقولون إن حضور الصلاة في جماعة فضيلة وسنة مؤكدة لا ينبغي تركها وليست بفرض ومنهم من قال إنها فرض على الكفاية ومنهم من قال شهودها سنة مؤكدة لا يرخص في تركها للقادر عليها ومن تخلف عنها وأتى بها في بيته جزت عنه إلا أن من صلاها في المسجد جماعة أفضل منه ولهم في ذلك دلائل يطول ذكرها وقال داود وسائر أهل الظاهر حضور صلاة الجماعة فرض متعين على كل مكلف من الرجال إذا كان قادرا عليها كالجمعة وقالوا لا تجزئ الفذ صلاته إلا بعد صلاة الناس وبعد إلا يجد قبل خروج الوقت من يصلي معه واحتجوا في إيجاب شهود الجماعة فرضا بأشياء منها حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في إحراق بيوت المتخلفين عن الصلاة معه وقالوا لا يحرق عليهم بيوتهم إلا لتركهم ما قد وجب عليهم وسيأتي القول في معنى حديث أبي هريرة وما كان مثله في ذلك عند ذكره من رواية مالك في هذا الباب إن شاء الله تعالى واحتجوا أيضا بظواهر آثار منها قوله صلى الله عليه وسلم لعتبان بن مالك ولابن أم مكتوم حين استأذنه كل واحد منهما في التخلف عن صلاة الجماعة أتسمع النداء قال نعم قال لا أجد لك رخصة وقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وقوله فمن سمع النداء ولم يجب فلا صلاة له وهذا القول منه صلى الله عليه وسلم عند جمهور العلماء خرج على شهود الجمعة لا على شهود الجماعة في غيرها وكذلك قوله لعتبان بن مالك وبن أم مكتوم هذا لو صح الأثر بما ذكروا فكيف وهي آثار فيها علل وهي محتملة للتأويل وكذلك قوله لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد لا يثبت مرفوعا ولو صح كان معناه الكمال كما قال لا إيمان لمن لا أمانة له ولا يزني الزاني وهو مؤمن وقد بينا هذا المعنى في التمهيد والحمد لله قال أبو عمر لا يخلو قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ من أحد ثلاثة أوجه إما أن يكون المراد بذلك صلاة النافلة أو يكون المراد بذلك من تخلف من غير عذر أو يكون المراد بذلك من تخلف من غير عذر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة فعلمنا بذلك أنه لم يرد بحديث هذا الباب صلاة النافلة لأنه قد فضل صلاة المنفرد في بيته وكذلك لما قال صلى الله عليه وسلم من كان له صلاة بليل فغلبه عليها نوم كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة وقال صلى الله عليه وسلم إذا شغل العبد عن عمل كان يعمله مرض ابتلاه الله به كتب له أجر ذلك العمل ما دام في وثاق مرضه ومثل هذا كثير قد ذكرناه فيما مضى من هذا الكتاب علمنا بذلك أن من تخلف من عذر فلم يدخل في معنى الحديث وإذا بطل هذان الوجهان صح أن المراد بذلك هو المتخلف عما ندب إليه وجب وجوب سنة عليه بغير عذر وعلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفاضل بينهما إلا وهما جائزان إلا أن أحدهما أفضل من الآخر‏.‏

257- وأما حديثه في هذا الباب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء فقد احتج به من أهل الظاهر الموجبون لصلاة الجماعة فرضا داود وأصحابه وقد مضى القول عليه في ذلك بما يكفي والحمد لله وقد اختلف العلماء في الصلاة التي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم إحراق بيوت المتخلفين عنها فقال أهل الظاهر هي كل صلاة على ما قدمنا عنهم وقال آخرون هي صلاة العشاء وحجتهم ما حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال حدثنا هارون بن معروف قال أخبرنا بن وهب قال أخبرنا بن أبي ذئب عن عجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لينتهين رجال ممن حول المسجد لا يشهدون العشاء أو لأحرقن عليهم بيوتهم أو حول بيوتهم بحزم الحطب ويشهد لذلك أيضا حديث مالك هذا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله فيه لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب قال كانت الصلاة التي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرق على من تخلف عنها صلاة العشاء قال‏.‏

وحدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال هي العشاء أو الفجر هكذا رواه مرفوعا على الشك وقال آخرون بل هي صلاة الجمعة قال أبو بكر حدثنا الفضل بن دكين عن زهير عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي الجمعة هكذا ذكر أيضا مرفوعا قال‏.‏

وحدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن قال كانت الصلاة التي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق على من تخلف عنها الجمعة حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا كثير قال حدثنا جعفر قال حدثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم أخرج بفتياني معهم حزم الحطب فأحرق على قوم بيوتهم يسمعون النداء ثم لا يأتون الصلاة وسئل يزيد بن الأصم أفي الجمعة هذا أم في غيرها فقال ما سمعت أبا هريرة ذكر جمعة ولا غيرها وقد قال يحيى بن معين إن الحديث في الإحراق على من تخلف عن الصلاة معه صلى الله عليه وسلم بيوتهم هو في الجمعة لا في غيرها احتج بما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا الفضل بن دكين عن زهير عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص سمعه منه عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على قوم يتخلفون عن الجمعة بيوتهم ورواه معمر عن أبي إسحاق بإسناده مثله وقد روى عن بن مسعود من وجوه ذكرتها في التمهيد أنه قال عليكم بالصلوات الخمس حيث ينادى بهن فإنهن من سنن نبيكم صلى الله عليه وسلم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد عهدتنا وإن الرجل ليهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم نفاقه قال أبو عمر معلوم أنه لا يتخلف عن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير عذر إلا منافق صحيح النفاق وفي قول بن مسعود في الصلوات الخمس في جماعة أنها من سنن نبيكم مع روايته حديث الإحراق عليهم في الجمعة دليل واضح أن الجمعة فريضة وأن شهود الجماعة في غيرها سنة من مؤكدات السنن يخشى على التارك لها رغبة عنها حتى لا تقوم في المساجد جماعة الضلال كما قال بن مسعود رضي الله عنه وفرض الجمعة على من وجبت عليه لا يحتاج فيه إلى دليل ومما يوضح لك سقوط فرض الجماعة وأنها سنة وفضيلة لا فريضة قوله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدأوا بالعشاء رواه بن عمر وعائشة وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة صحيحة وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد ومثله الرخصة لآكل الثوم في التخلف عن الجماعة وقد مضى ذلك في موضعه من هذا الكتاب والحمد لله وفيه الرخصة في التأخر عن شهود الجماعة لعذر العشاء‏.‏

وأما الوعيد منه في إحراق بيوت المتخلفين عن الصلاة معه فهو كسائر الوعيد في الكتاب والسنة وليس من لم ينفذه مخلفا ولكنه محسن ذو عفو محمود على ذلك وليس مخلف الوعد كذلك وقد بينا هذا المعنى في موضعه على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتخلف عنه إلا متهم بالنفاق كما قال بن مسعود وقد استدل من أجاز عقوبة العاصي في المال بهذا الحديث وللعقوبة في المال موضع من كتابنا هذا وبالله تعالى التوفيق‏.‏

وأما ضربه المثل صلى الله عليه وسلم بالعظم السمين والمرماتين الحسنتين فإنه أراد الشيء الحقير والنذر اليسير يقول لو علم أحدهم يعني المنافقين المتخلفين عنه أنه يجد في المسجد أقل شيء من عرض الدنيا لجاءه‏.‏

وأما المرماتان فقيل هما السهمان وقيل هما حديدتان من حديد كانوا يلعبون بهما وهي ملس كالأسنة كانوا يثبتونهما في الأكوام والأعراض ويقال لهم فيما زعم بعضهم المداحي وقال أبو عبيد يقال إن المرماتين ما بين ظلفي الشاة قال وهذا حرف لا أدري ما هو ولا ما وجهه إلا أن هذا تفسيره ويروي المرماتين بفتح الميم وكسرها وأحدها مرماة مثل مدحاة ومذكاة ذكر ذلك الأحفش وغيره‏.‏

258- وذكر مالك أيضا في هذا الباب حديثه عن أبي النضر عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت أنه قال أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا الصلاة المكتوبة هذا ذكر في جميع الموطآت موقوفا على زيد بن ثابت وهو حديث مرفوع عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه صحاح ويستحيل أن يكون مثله رأيا لأن الفضائل لا مدخل فيها للاجتهاد والقياس وإنما فيها التوقيف ومن طرق هذا الحديث مرفوعا ما رواه جماعة عن موسى بن عقبة عن عمر بن سعيد عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أيها الناس صلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وقد ذكرنا إسناده في التمهيد ولم يذكر فيه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي أولى بالصواب والله أعلم وفي هذا الحديث تفسير لما قبلة من الأحاديث أنها في المكتوبات لا في النوافل ويستدل بذلك على جماعة إلا في الفريضة وقد مضى القول فيما سنه عمر رضي الله عنه في رمضان خاصة من التراويح وفيه دليل على أن الانفراد بكل ما يعمله المؤمن من أعمال البر ويستره ويخفيه أفضل ولذلك قال بعض الحكماء إخفاء العلم هلكة وإخفاء العمل نجاة وقال الله عز وجل في الصدقات ‏(‏وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ‏[‏البقرة 271‏]‏‏.‏

وإذا كانت النافلة في البيوت أفضل منها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فما ظنك بها في غير ذلك الموضع إلى ما في صلاة المرء في بيته من اقتداء أهله به من بنين وعيال والصلاة في البيت نور له وفقنا الله لما يرضى من القول والعمل آمين برحمته إنه ولي ذلك‏.‏

باب ما جاء في العتمة والصبح

259- مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب أن رسول الله قال بيننا وبين المنافقين شهود صلاة العشاء والصبح لا يستطيعونها أو نحو هذا وهذا الحديث هكذا في الموطأ مرسل وقد ذكرناه مسندا من طرق في التمهيد‏.‏

وأما قوله فيه أو نحو هذا فإنما هو شك من المحدث وقال فيه يحيى العشاء أو الصبح وقال القعنبي وبن بكير وجمهور الرواة للموطأ عن مالك فيه صلاة العتمة والصبح على ما في ترجمة الباب وفي ذلك جواز تسمية العشاء بالعتمة وقد روي ذكر العتمة عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ففي السنة اسم هذه الصلاة العتمة وفي القرآن العشاء قال الله عز وجل ‏(‏ومن بعد صلوة العشاء النور 58‏.‏

وأما الأحاديث المسندة في معنى هذا الحديث فمنها ما رواه شعبة أو هشيم عن أبي بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الصبح والعشاء ما يشهدهما منافق ‏(‏1‏)‏ وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء الآخرة وصلاة الصبح ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا وقال بن عمر كنا إذا فقدنا الرجل في هاتين الصلاتين أسأنا به الظن العشاء والصبح وقال شداد بن أوس من أحب أن يجعله الله من الذين يرفع الله بهم العذاب من أهل الأرض فليحافظ على هاتين الصلاتين في الجماعة صلاة العشاء وصلاة الصبح وأسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد المعنى عندي في ذلك أنه من شهد هاتين الصلاتين في الجماعة فأحرى أن يواظب على غيرهما وفي ذلك تأكيد في شهود الجماعة وأعلام من علامات أهل الفسق والنفاق المواظبة على التخلف عنهما في الجماعة من غير عذر والله أعلم‏.‏

260- مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يمشي بطريق إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له وقال الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله هكذا في الموطأ عند يحيى في هذا الباب لم يزد على ما ترى‏.‏

261- والذي يرويه القعنبي وبن بكير وأبو مصعب ومطرف وبن القاسم وسائر رواة الموطأ عن مالك في هذا الباب عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يمشي بطريق إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له وقال الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله وقال لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا وكلهم يروي في الموطأ عن مالك في باب النداء بهذا الإسناد قوله لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول إلى آخر الحديث كما رواه يحيى وسقط ليحيى من هذا الباب قوله في الحديث ولو يعلم الناس ما في النداء إلى قوله لأتوهما ولو حبوا ورواه في باب النداء وهذا اللفظ الآخر هو الذي ينبغي أن يكون في هذا الباب لا قصة الرجل الذي وجد غصن شوك بالطريق والخبر عن الشهداء وهي ثلاثة أحاديث وقد جعلها بعضه رواة أبي هريرة أربعة فالذي ينبغي أن يكون منها في هذا الباب قوله ولو يعلم الناس ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا ولم يقع ليحيى في هذا الباب وقد ذكره في باب النداء مع قوله ولو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول على ما مضى في باب النداء وفي هذا الحديث من الفقه الإعلام بأن نزع الأذى من الطريق من أعمال البر وأن أعمال البر تكفر السيئات وتوجب الغفران وتكسب الحسنات وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى من الطريق ما يشهد لما قلنا وقد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد والحمد لله‏.‏

وأما قوله الشهداء خمسة فهكذا جاء في هذا الحديث وقد جاء في غيره الشهداء سبعة على ما في كتاب الجنائز من الموطأ وقد مضى القول في النداء وفضله وحكم الاستهام على الصف الأول في باب النداء من هذا الكتاب ويأتي في كتاب الجنائز القول في المبطون والغرق والمطعون وسائر من ذكر معهم إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما قوله في هذا الحديث لو يعلمون ما في العتمة والصبح ففيه جواز تسمية العشاء بالعتمة وهو معارض لحديث أبي سلمة عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه إنما هي العشاء وإنما يسمونها العتمة لأنهم يعتمون بالإبل وإسناد هذا الحديث ليس له من الطرق ما للأحاديث في تسمية العشاء بالعتمة فجائز بالكتاب والسنة أن تسمى بالاسمين جميعا ولا أعلم خلافا اليوم بين فقهاء الأمصار في ذلك وقد ذكرنا في التمهيد حديث هشام بن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حوسب رجل فلم يوجد له من الخير إلا غصن شوك نحاه عن الطريق فغفر له تفسير لحديث سمي وذكرنا أيضا في ذلك حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق صدقة في حديث ذكرناه هناك بتمامه‏.‏

262- وأما قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا الباب لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة‏.‏

263- وكذلك قول عثمان بن عفان في هذا الباب أيضا من شهد العشاء فكأنما قام نصف ليلة ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة ففي ذلك دليل على أن أعمال الفرائض والسنن وإقامتها على وجوهها من النوافل والتطوع كله وكذلك قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله أفضل الفضائل أداء الفرائض واجتناب المحارم وهذا شيء لا خلاف فيه ولا يسغ جهله وترتيب الفضائل عند العلماء الفرائض المتعينة كالصلوات الخمس وما أشبهها ثم ما كان فرضا على الكفاية كالجهاد وطلب العلم والصلاة على الجنائز والقيام بها والصلاة في الجماعة قد قلنا إنها من هذا القسم أو من وكيد السنن ثم السنن التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة كالعيدين والكسوف والاستسقاء وكل ما واظب عليه من النوافل كصلاة الليل والوتر وركعتي الفجر وما أشبه ذلك ثم سائر التطوع فقف على هذا الأصل فإنه يشهد له سائر الأصول ويقوم عليه الدليل وبالله التوفيق وقد روي حديث عثمان في هذا الباب مسندا حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني قال حدثنا عمر بن عبد الرحمن الأبار عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في جماعة تعدل قيام ليلة وصلاة الفجر في جماعة تعدل قيام نصف ليلة هكذا قال في صلاة العشاء قيام ليلة وفي صلاة الفجر نصف ليلة وهو خلاف ما في الموطأ‏.‏