فصل: باب ما جاء في صيام أيام منى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب صيام يوم عرفة

800- مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عمير مولى عبد الله بن عباس عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشرب‏.‏

801- مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن عائشة أم المؤمنين كانت تصوم يوم عرفة قال القاسم ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع الإمام ثم تقف حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض ثم تدعو بشراب فتفطر قال أبو عمر حمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما حكت عنه أم الفضل عندنا أنه كان بعرفة وقد روي ذلك منصوصا وإذا كان بعرفة فالفطر أفضل تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وقوة على الدعاء وقد قال صلى الله عليه وسلم أفضل الدعاء يوم عرفة ونهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وتخصيصه بعرفة دليل على أن صومه بغير عرفة ليس كذلك على أن صومه بغير عرفة لم يكن كذلك لأنه قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال صيام يوم عرفة كفارة سنة وقد روي عنه كفارة سنتين وروى الوليد بن مسلم عن بن جابر عن أبيه عن عطاء قال صيام يوم عرفة كصيام الدهر وقد روي عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث أم الفضل هذا وذكرناه في التمهيد‏.‏

وأما الحديث بأن نهيه عن صوم يوم عرفة أنه كان بعرفة أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود‏.‏

وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قالا حدثني سليمان بن حرب قال حدثني حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري قال حدثني عكرمة قال كنا عند أبي هريرة في بيته فحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة‏.‏

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان عن بن أبي نجيح عن أبيه عن بن عمر قال حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه أنا لا أصومه ولا آمر بصومه ولا أنهى عنه قال أبو عمر يعني يوم عرفة بعرفة ويوضح ذلك قوله حججت وذلك كله كان في الحج‏.‏

وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثني مسدد قال حدثني الحارث بن عبيد أبو قدامة الايادي قال حدثني هوذة بن الأشهب عن الحارث عن عبادة البصري عن أبيه عن جده قال مر عمر بن الخطاب بأبيات بعرفات فقال ما هذه الأبيات قلنا لعبد القيس فقال لهم خيرا ودعا لهم ونهاهم عن صوم يوم عرفة قال هوذة وحج أبي وطليق بن محمد الخزاعي واختلفا في صوم يوم عرفة فقال أبي بيني وبينك سعيد بن المسيب فأتيناه فقلت يا أبا محمد ‏!‏ إنا اختلفنا في صيام يوم عرفة فجعلناك بيننا فقال أنا أخبركم عن من هو خير مني عبد الله بن عمر لا يصومه وقال حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فكلهم كانوا لا يصومونه وأنا لا أصومه قال أبو عمر كان مالك والثوري والشافعي يختارون الفطر يوم عرفة بعرفة‏.‏

وقال الشافعي أحب صوم عرفة لغير الحاج‏.‏

وأما من حج فأحب إلي أن يفطر ليقوى بالفطر على الدعاء قال أبو عمر قد روي عن عائشة وعثمان بن أبي العاص أنهما كانا يصومان يوم عرفة بعرفة فأما حديث عائشة فقد ذكره مالك في هذا الباب‏.‏

وأما حديث عثمان بن أبي العاص فروى المعتمر بن سليمان قال سمعت حميدا يحدث عن الحسن قال لقد رأيت عثمان بن أبي العاص يرش عليه ماء في يوم عرفة وهو صائم وكان إسحاق بن راهويه يميل إلى صومه بعرفة وغير عرفة وقال قتادة ولا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء وكان عطاء يقول أصومه في الشتاء ولا أصومه في الصيف وهذا لأن لا يضعفه صومه عن الدعاء مع الحر والله أعلم‏.‏

باب ما جاء في صيام أيام منى

802- مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام منى‏.‏

803- عن بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة أيام منى يطوف يقول إنما هي أيام أكل وشرب وذكر الله‏.‏

804- عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين يوم الفطر ويوم الأضحى‏.‏

805- عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن أبي مرة مولى أم هانئ أخت عقيل بن أبي طالب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه أخبره أنه دخل على أبيه عمرو بن العاص فوجده يأكل قال فدعاني قال فقلت له إني صائم فقال هذه الأيام التي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهن وأمرنا بفطرهن قال مالك هي أيام التشريق قال أبو عمر أما حديث أبي النضر فلم يختلف عن مالك في إرساله في الموطأ‏.‏

وأما حديث بن يسار هذا فقد رواه الثوري عن سالم أبي النضر وعبد الله بن أبي بكر عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن السلام قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني عبد الرحمن بن مهدي قال حدثني سفيان فذكره قال عبد الرحمن وقرأته على مالك عن أبي النضر عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام منى قال بن مهدي ولا أراه إلا أثبت من حديث سفيان‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال سئل يحيى بن معين عن حديث عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر وسالم أبي النضر عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي في أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب فقال مرسل قال أبو عمر إنما صار مرسلا لأن سليمان بن يسار لم يسمع من عبد الله بن حذافة وهذا وإن كان مرسلا فإنه يتصل من غير ما وجه ويتصل حديث عبد الله بن حذافة من حديث بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل وقد ذكرنا هذا الحديث وما كان مثله في التمهيد قال أبو عمر أيام منى هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر ولها ثلاثة أسماء يقال لها أيام منى لإقامة الحاج بها بعد يوم النحر لرمي الجمار ويقال لها أيام التشريق قال أهل اللغة سميت بذلك لتشريق لحوم الضحايا والهدايا وهي الأيام المعدودات التي رخص للحاج أن يتعجل منها في يومين ولا خلاف بين العلماء في أيام التشريق أنها أيام منى وأنها الأيام المعدودات وإنما اختلفوا في الأيام المعلومات على قولين أحدهما أنها أيام العشر وهو قول بن عباس وبه قال الشافعي والثاني أنها يوم النحر ويومان بعده من أيام التشريق وهو قول علي وبن عمر وسنبين ذلك في كتاب الضحايا إن شاء الله ومما يدلك على أن أيام منى ثلاثة أيام قول العرجي‏:‏

ما نلتقي إلا ثلاث منى *** حتى يفرق بيننا النفر

وقول عروة بن أذينة‏:‏

نزلوا ثلاث منى منزل غبطة *** وهم على سفر لعمرك ماهمو

وقد ذكرنا الشواهد في هذا وفي اشتقاق منى في التمهيد ولم قيل لها منى قال بن الأنباري هو مشتق من منيت الدم إذا أصبته وقال أبو هفان هو منى وهي منى فمن ذكره ذهب إلى المكان ومن أنثه ذهب إلى البقعة قال وتكتب في الوجهين جميعا بالياء وأجمع العلماء على أنه لا يجوز صيام أيام منى تطوعا وأنها أيام لا يتطوع أحد بصيامهن إلا شيء يروى عن الزبير وبن عمر والأسود بن يزيد وأبي طلحة أنهم كانوا يصومون أيام التشريق تطوعا وفي الأسانيد عنهم ضعف وجمهور العلماء من أهل الرأي والحديث على كراهية ذلك ذكر بن عبد الحكم عن مالك قال لا بأس بسرد الصيام إذا أفطر يوم النحر ويوم الفطر وأيام التشريق لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها وقال في موضع آخر لا يتطوع أحد بصيام أيام منى لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام أيام منى وقال بن القاسم عن مالك لا ينبغي لأحد أن يصوم أيام الذبح الثلاثة ولا يقضي فيها صياما واجبا نذرا ولا قضاء رمضان ولا يصومها إلا المتمتع وحده الذي لم يصم قبل عرفة ولم يجد الهدي قال‏.‏

وأما آخر أيام التشريق فيصام إن نذره رجل أو نذر صيام ذي الحجة فأما قضاء رمضان أو غيره فلا يفعل إلا أن يكون قد صام قبل ذلك صياما متتابعا قد لزمه فمرض ثم صح وقوي على الصيام في هذا اليوم يبني على الصيام الذي كان صامه في الظهار أو قتل النفس خطأ‏.‏

وأما قضاء رمضان فلا يصومه فيه قال أبو عمر لا اعلم أحدا من أهل العلم فرق بين اليومين الأولين من أيام التشريق في الصيام خاصة وفي اليوم الثالث منها إلا ما حكاه بن القاسم عن مالك على ما ذكرناه وجمهور العلماء من أهل الرأي والأثر لا يجيزون صوم اليوم الثالث من أيام التشريق في قضاء رمضان ولا في نذر ولا في غير ذلك من وجوه الصيام إلا المتمتع وحده فإنهم اختلفوا في ذلك على ما نذكره عنهم في بابه في آخر هذا الكتاب إن شاء الله ‏(‏عز وجل‏)‏‏.‏

وأما قوله صلى الله عليه وسلم في أيام منى إنها أيام أكل وشرب وذكر لله ‏(‏عز وجل‏)‏ فإن الأكل والشرب أنها أيام لا صيام فيها‏.‏

وأما الذكر فهو بمنى التكبير عند رمي الجمار وفي سائر الأمصار التكبير بإثر الصلاة وسيأتي موضع ذكره من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل‏.‏

وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الفطر ويوم النحر فلا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز صيامهما لناذر ولا متطوع ولا يقضى فيهما رمضان ولا يصامان في صيام التتابع والذي يصومهما بعد علمه بالنهي المجتمع عليه عاص عند الجميع ولأصحابنا فيمن نذر صيام ذي الحجة هل يقضي يوم النحر أم لا ما قد ذكرناه في كتاب الصيام من هذا الكتاب‏.‏

باب ما يجوز من الهدي

806- مالك عن نافع عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى جملا كان لأبي جهل بن هشام في حج أو عمرة قال أبو عمر وقع في رواية عبيد الله بن يحيى عن أبيه في هذا الحديث عن مالك عن نافع عن عبد الله بن أبي بكر وهو خطأ لا إشكال فيه من خطأ اليد ولم يروه بن وضاح عن يحيى إلا كما رواه سائر الرواة للموطأ عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر وهذا الحديث يستند من وجوه قد ذكرنا بعضها في التمهيد منها ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني عبيد بن عبد الواحد قال حدثني أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثني إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال وقال عبد الله بن أبي نجيح حدثني مجاهد عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هداياه جملا لأبي جهل بن هشام في أنفه برة من فضة ليغيظ به المشركين وفي هذا الحديث دليل على استسمان الهدايا واختيارها وأن الجمل يسمى بدنة كما أن الناقة تسمى بدنة وهذا الاسم مشتق من عظم البدن عندهم وفي هذا الحديث رد قول من زعم أن البدنة لا تكون إلا أنثى وفيه إجازة هدي ذكور الإبل وهو أمر مجتمع عليه عند الفقهاء وفيه ما يدل على أن الإبل في الهدايا أفضل من الغنم ولم يختلفوا في تأويل قول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏فما استيسر من الهدي‏)‏ ‏[‏البقرة 169‏]‏‏.‏

أنه شاة إلا ما روي عن بن عمر أنه قال بدنة دون بدنة وبقرة دون بقرة‏.‏

وأما استسمان الهدايا والضحايا الغلو في ثمنها واختيارها فداخل تحت عموم قوله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب‏)‏ ‏[‏الحج 32‏]‏‏.‏

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الرقاب فقال أغلاها ثمنا وهذا كله مداره على صحة النية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات وقال الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم‏)‏ ‏[‏الحج 37‏]‏‏.‏

وقوله ليغيظ به المشركين في حديث بن عباس هو تفسير لهذا الحديث وقد قيل إن جمل أبي جهل بن هشام كان من الصفي الخالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن سهمه كان في خمس الغنيمة واجبا على ما ذكرناه في كتاب الجهاد‏.‏

807- مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال اركبها فقال يا رسول الله إنها بدنة فقال اركبها ويلك في الثانية أو الثالثة قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد الاختلاف على أبي الزناد في إسناد هذا الحديث والاختلاف أيضا في ألفاظه عن مالك وغيره واختلف العلماء في ركوب الهدي الواجب والتطوع فمذهب أهل الظاهر إلى أن ركوبه جائز من ضرورة وغير ضرورة وبعضهم أوجب ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اركبها وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه لا بأس بركوب الهدي على كل حال على ظاهر هذا الحديث والذي ذهب إليه مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وأكثر الفقهاء كراهية ركوب الهدي من غير ضرورة وكذلك كره مالك شرب لبن البدنة وإن كان بعد ري فصيلها قال فإن فعل ذلك فلا شيء عليه‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي إن نقصها الركوب أو شرب لبنها فعليه قيمة ما شرب من لبنها وقيمة ما نقصها الركوب وحجة من ذهب هذا المذهب أن ما خرج لله فغير جائز الرجوع في شيء منه ولا الانتفاع فإن اضطر إلى ذلك جاز له لحديث جابر في ذلك حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أحمد بن حنبل قال حدثني يحيى بن سعيد عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير قال سألت جابر بن عبد الله عن ركوب الهدي فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا وحجة مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أذن في ركوب الهدي عند الحاجة إليه كان ذلك منه بيانا أن ذلك جائز فيما يخرج لله ولو وجب في ذلك شيء لبينه صلى الله عليه وسلم فهو يبين عن الله تعالى مراده وقد سكت عن إيجاب شيء من ذلك وما سكت عن ذلك فهو عفو منه والذمة بريئة إلا بيقين‏.‏

وأما قوله ويلك فمخرجه الدعاء عليه إذ أبى من ركوبها في أول مرة وقال له إنها بدنة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنها بدنة فكأنه قال له الويل لك في مراجعتك أيامي فيما لا تعرف وأعرف وكان الأصمعي يقول ويلك كلمة عذاب وويحك كلمة رحمة وذكر مالك في آخر هذا الباب‏.‏

808- عن هشام بن عروة أن أباه قال إذا اضطررت إلى بدنتك فاركبها ركوبا غير فادح وإذا اضطررت إلى لبنها فاشرب بعد ما يروى فصيلها فإذا نحرتها فانحر فصيلها معها قال أبو عمر قول عروة حسن جدا يؤيده الأثر والنظر‏.‏

809- مالك عن عبد الله بن دينار أنه كان يرى عبد الله بن عمر يهدي في الحج بدنتين بدنتين وفي العمرة بدنة بدنة قال ورأيته في العمرة ينحر بدنة وهي قائمة في دار خالد بن أسيد وكان فيها منزله قال ولقد رأيته طعن في لبة بدنته حتى خرجت الحربة من تحت كتفها قال أبو عمر في هذا الخبر من الفقه أن للإنسان أن يتطوع من الهدي بما شاء ويسوق منه ما شاء وقد ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته مائة بدنة وجعلها بينة وبين علي ‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ وكان يضحي بكبشين‏.‏

وأما نحره بدنه قائمة فهي السنة تنحر البدن قياما لقول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏فاذكروا اسم الله عليها صوآف‏)‏ ‏[‏الحج 36‏]‏‏.‏

والصواف التي قد صفت قوائمها ومن قرأ ‏(‏صوافنا‏)‏ فإنه يريد قائمة على ثلاث قوائم ومن قرأ ‏(‏صوافي‏)‏ أراد خالصة لله والاختيار عند الجميع أن لا تنحر البدنة إلا قائمة إلا أن تمتنع من ذلك وما أظنهم -والله أعلم- استحبوا نحرها قياما إلا لقوله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏فإذا وجبت جنوبها‏)‏ ‏[‏الحج 36‏]‏‏.‏

أي سقطت على جنوبها إلى الأرض‏.‏

وأما نحره في منزله في دار خالد بن أسيد فإن مكة كلها منحر ينحر منها حيث شاء في العمرة ومنى منحر في الحج‏.‏

وأما طعنه في لبه بدنه فهو موضع النحر ولا خلاف أن نحر الإنسان بيده لما ينحر من هديه وذبحه لما يذبح منه أفضل من أن يوليه غيره عند جماعة أهل العلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بعض هديه بيده وهو الأكثر وولى عليا نحر سائره وكان قد أشركه في هديه وكان مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ يشدد في أن لا يذبح ولا ينحر للمرء غيره ضحيته ولا بدنته إلا أن يكون من يريد كفايته ويقوم له مقام نفسه حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية‏.‏

وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني حمزة بن محمد قالا حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني جعفر بن محمد قال حدثني أبي قال أتينا جابر بن عبد الله فحدثني أن جماعة الهدي التي أتى بها علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة فنحر النبي صلى الله عليه وسلم منها بيده ثلاثا وستين وأعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنه ببضعة فجعلت في قدر فأكلا من لحمها وشربا من مرقها قال أبو عمر أما خروج الحربة من تحت كتف البدنة فدال على قوة عبد الله بن عمر ‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ وكان هو وأخوه عبيد الله بن عمر يشبهان أباهما في القوة والجلد وعظم الخلق‏.‏

810- مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز أهدى جملا في حج أو عمرة قال أبو عمر هذا والله أعلم لما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى جملا كان لأبي جهل بن هشام في حجة أو عمرة تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وامتثالا لفعله وهذان الخبران يدلان على أن هدي الناس كان في النوق أكثر منه في الجمال وكذلك رأى بعض العلماء واستحب أن تكون البدنة أنثى وذلك عند الجمهور منهم لأن اسمها عندهم مشتق من عظم البدن وقد يسمون البقرة بدنة لأنها أعظم بدنا من الشاة‏.‏

811- مالك عن أبي جعفر القارئ أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أهدى بدنتين إحداهما بختية وهذا الخبر ليس فيه للقول مدخل لأن ما مضى يوضحه ويغني عن القول فيه ولا خلاف أن البدن في الهدايا أفضل من البقر والغنم وإنما الخلاف في الضحايا‏.‏

218- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول إذا نتجت الناقة فليحمل ولدها حتى ينحر معها فإن لم يوجد له محمل حمل على أمة حتى ينحر معها قال أبو عمر لا يختلف العلماء أن الناقة إذا قلدت وهي حامل ثم ولدت أن ولدها حكمه في النحر كحكمها لأن تقليدها إخراج لها من ملك مقلدها لله تعالى وكذلك إذا نذر نحرها وهي حامل ولم يقلدها وقول بن عمر في هذه المسألة يدل على أنه لا يرى ركوب البدنة إلا من ضرورة لأنه لم يبح حمل ولدها عليها إلا إذا لم يوجد له محمل غيره ولما لزمه للهدي لزمه حمله حتى يبلغه محله فكذلك يلزمه أن يصنع بالفصيل في حمله على غير أمه إذا قدر فإن لم يقدر لم يكلف أن يحمله على رقبته وكان له أن يحمله على أمه كما يحمل نفسه عليها وبالله توفيقنا‏.‏

باب العمل في الهدي حين يساق

813- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة يقلده قبل أن يشعره وذلك في مكان واحد وهو موجه للقبلة يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ثم يدفع به معهم إذا دفعوا فإذا قدم منى غداة النحر نحره قبل أن يحلق أو يقصر وكان هو ينحر هديه بيده يصفهن قياما ويوجههن إلى القبلة ثم يأكل ويطعم قال أبو عمر التقليد في الهدي إعلام بأنه هدي والنية مع التقليد تغني عن الكلام فيه وكذلك الشعار والتحليل عند مالك‏.‏

814- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره قال بسم الله والله أكبر قال أبو عمر أما قوله كان إذا أهدى هديا من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة فهي السنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم فإن كان الهدي من الإبل والبقر فلا خلاف أنه يقلد نعلا أو نعلين أو ما يشبه ذلك ممن يجد النعال قال مالك يجزئ النعل الواحد في التقليد وكذلك هو عند غير وقال الثوري يقلد نعلين وفم القربة يجزئ واختلفوا في تقليد الغنم فقال مالك وأبو حنيفة لا تقلد الغنم‏.‏

وقال الشافعي تقلد البقر والإبل النعال وتقلد الغنم الرقاع وهو قول أبي ثور وأحمد وإسحاق وداود لحديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إلى البيت مرة غنما فقلدها‏.‏

وقال مالك لا ينبغي أن يقلد الهدي إلا عند الإهلال يقلده ثم يشعره ثم يصلي ثم يحرم‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يقلد إلا هدي متعة أو قران أو تطوع وجائز إشعار الهدي قبل تقليده وتقليده قبل إشعاره وكل ذلك قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما توجهه إلى القبلة في حين التقليد فإن القبلة على كل حال يستحب استقبالها بالأعمال التي يراد بها الله عز وجل - تبركا بذلك واتباعا للسنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل ذبيحتنا واستقبل قبلتنا الحديث فهذا في الصلاة وتدخل فيه الذبيحة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل بذبيحته القبلة ويقول ‏(‏وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا‏)‏ ‏[‏الأنعام 79‏]‏‏.‏

وكره بن عمر وبن سيرين أن يؤكل من ذبيحة من لم يستقبل بذبيحته القبلة وأباح أكلها جمهور العلماء منهم إبراهيم والقاسم وهو قول الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي ويستحبون مع ذلك أن يستقبلوا القبلة وقد روي في الحديث المرفوع خير المجالس ما استقبل به القبلة فما ظنك بما هو أولى بذلك‏.‏

وأما تقليده بنعلين فقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما التقليد علامة للهدي كأنه إشهار منه أنه أخرج ما قلده من ملكه لله ‏(‏عز وجل‏)‏ وجائز أن يقلد بنعل واحدة ونعلان أفضل إن شاء الله لمن وجدهما وكذلك الإشعار أيضا علامة للهدي وجائز الإشعار في الجانب الأيمن وفي الجانب الأيسر وقد روي عن بن عمر أنه كان ربما فعل هذا وربما فعل هذا إلا أن أكثر أهل العلم يستحبون الإشعار في الجانب الأيمن لحديث بن عباس في ذلك حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو بكر محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أبو الوليد الطيالسي وحفص بن عمر قالا حدثني شعبة عن قتادة عن أبي حسان عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنه فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ثم سلت الدم عنها وقلدها بنعلين وممن استحب الإشعار في الجانب الأيمن الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وكان مالك يقول يشعر من الجانب الأيسر على ما رواه عن نافع عن بن عمر وكذلك رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر ورواه معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر أنه كان يشعر في الشق الأيمن حين يريد أن يحرم وقال مجاهد أشعر من حيث شئت وكان أبو حنيفة ينكر الإشعار ويكرهه ويقول إنما كان ذلك قبل النهي عن المثلة وهذا الحكم لا دليل عليه إلا التوهم والظن ولا تترك السنن بالظنون‏.‏

وأما نحره بمنى فهو المنحر عند الجميع في الحج‏.‏

وأما تقديمه النحر قبل الحلق فهو الأولى عند الجميع وسيأتي في التقديم والتأخير فيما يفعل يوم النحر من عمل الحج وما للعلماء في ذلك من المذاهب في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله‏.‏

وأما صفة لبدنه فمأخوذ من قول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏فاذكروا اسم الله عليها‏)‏ ‏[‏الحج 36‏]‏‏.‏

وقد تقدم القول في ذلك‏.‏

وأما أكله وإطعامه من الهدي فيدل على أن ذلك كان هدي تطوع قد بلغ محله امتثالا لقول الله ‏(‏ عز وجل‏)‏ ‏(‏فكلوا منها وأطعموا‏)‏ ‏[‏الحج 36‏]‏‏.‏

وهذا عند الجميع في الهدي التطوع إذا بلغ محله وفي الضحايا وسيأتي القول فيما يؤكل من الهدي وما لا يؤكل منه ومذاهب العلماء في ذلك في موضعه إن شاء الله‏.‏

وأما قوله عند نحره بسم الله والله أكبر فلقول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏فاذكروا اسم الله عليها‏)‏ ‏[‏الحج 36‏]‏‏.‏

ومن أهل العلم من يستحب التكبير مع التسمية كما كان يقول بن عمر وعساه أن يكون امتثل قول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏ولتكبروا الله على ما هداكم‏)‏ ‏[‏البقرة 185‏]‏‏.‏

ومنهم من كان يقول التسمية تجزي ولا يزيد على بسم الله وأحب إلي أن يقول بسم الله الله أكبر وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في ذبح ضحيته وهو قول أكثر أهل العلم مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول الهدي ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة قال أبو عمر قد تقدم في الحديث قبل هذا عنه أنه كان يسوق هديه حتى يقفه بعرفة مع الناس ثم يدفع به معهم إذا دفعوا فإذا قدم منى نحره ووقف الهدي بعرفة عند مالك وأصحابه لمن اشترى الهدي بمكة ولم يدخله من الحل واجب لا يجزئ عندهم غير ذلك على قول بن عمر الهدي ما قلد وأشعر ووقف به على عرفة قال مالك من اشترى هديه بمكة أو بمنى ونحره ولم يخرجه إلى الحل فعليه البدن فإن كان صاحب الهدي قد ساقه من الحل أستحب له أن يقفه بعرفة فإن لم يقفه فلا شيء عليه وحسبه في الهدي أن يجمع بين الحل والحرم وقد كان سعيد بن جبير يقول نحو قول بن عمر لا يصلح من الهدي إلا ما عرف وهو قول مالك‏.‏

وأما عائشة فكانت تقول إن شئت فعرف وإن شئت فلا تعرف وروي ذلك عن بن عباس وبه قال الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأبو ثور‏.‏

وقال الشافعي وقف الهدي بعرفة سنة لمن شاء إذا لم يسقه من الحل‏.‏

وقال أبو حنيفة ليس بسنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ساق الهدي من الحل لأن مسكنه كان خارج الحرم وقول مالك والشافعي أولى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق هديه من الحل وقد أجمعوا أن التقليد سنة فكذلك التعريف لمن لم يأت بهديه من الحل‏.‏

وأما حجة مالك في إيجاب ذلك فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل هديه من الحل وقال خذوا عني مناسككم والهدي إذا وجب باتفاق فواجب أن لا يجزئ إلا بمثل ذلك أو سنة توجب غير ذلك والفعل منه صلى الله عليه وسلم عند المالكيين على الوجوب في مثل هذا وقد اجمعوا أن الحاج والمعتمر يجمعان بين الحل والحرم في عمل الحج والعمرة يكن له الهدي قالوا وإنما سمي الهدي هديا لأنه يهدى من الحل إلى الحرم كما يهدى من ملك ملكه إلى الله ‏(‏عز وجل‏)‏ قال أبو عمر أصحاب الشافعي ومن تابعه يقولون اسم الهدي مشتق من الهدية فإذا أهدي إلى مساكين الحرم فقد أجزأ من أي موضع جاء وروى معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال إنما الهدي ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة‏.‏

وأما ما اشتري بمنى فهو جزور وعن بن جريج عن عطاء قال عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبدن وكان بن سيرين يكره شراء البدنة إذا لم توقف بعرفة وروى الثوري وبن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت ما استطعتم فعرفوا به وما لم تستطيعوا فاحبسوه واعقلوه بمنى مالك عن نافع أن بن عمر كان يجلل بدنه القباطي والأنماط والحلل ثم يبعث بها إلى الكعبة فيكسوها إياها مالك أنه سأل عبد الله بن دينار ما كان عبد الله بن عمر يصنع بجلال بدنه حين كسيت الكعبة هذه الكسوة قال كان يتصدق بها مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يشق جلال بدنه ولا يجللها حتى يغدو من منى إلى عرفة قال أبو عمر كانت الكعبة تكسى من زمن تبع ويقال إن أول من كسى الكعبة تبع الحميري وكسوتها من الفضائل المتقرب بها إلى الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ومن كرائم الصدقات فلهذا كان بن عمر يكسو بدنه الجلل والقباطي والحلل فيجمل بذلك بدنه لأن ما كان لله تعالى فتعظيمه وتجميله من تعظيم شعائر الله تعالى ثم يكسوها الكعبة فيحصل على فضلين وعملين من أعمال البر رفيعين فلما كسا الأمراء الكعبة وحالوا بين الناس وكسوتها تصدق بن عمر حينئذ بجلال بدنه لأنه شيء أخرجه لله تعالى من ماله وما خرج لله تعالى فلا عودة فيه‏.‏

وأما تركه تجليل بدنه إلى يوم التروية في حين رواحه إلى عرفة فذلك والله أعلم لأنه شيء قصد به التزيين والجمال كما يتزين باللباس في العيدين وينحر البدن في مجتمع الناس وذلك ليقتدي به الناس‏.‏

815- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول في الضحايا والبدن الثني فما فوقه قال أبو عمر اختلف العلماء فيما لا يجوز من أسنان الضحايا والهدايا بعد إجماعهم أنها لا تكون إلا من الأزواج الثمانية وأجمعوا أن الثني فما فوقه يجزئ منها كلها وأجمعوا أنه لا يجزئ الجزع من المعز في الهدايا ولا في الضحايا لقوله ‏(‏عليه السلام‏)‏ لأبي بردة لم يجز عن أحد بعدك واختلفوا في الجذع من الضأن فأكثر أهل العلم يقولون يجزئ الجذع من الضأن هديا وضحية وهو قول مالك والليث والثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وأبي ثور وكان بن عمر يقول لا يجزئ في الهدي إلا الثني من كل شيء وقال عطاء الجذع من الإبل يجزئ عن سبعة وروي عن أنس والحسن البصري أن الجذع يجزئ عن ثلاثة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول لبنيه يا بني لا يهدين أحدكم من البدن شيئا يستحي أن يهديه لكريمه فإن الله أكرم الكرماء وأحق من اختير له قال أبو عمر لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أفضل الرقاب أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها كان ذلك ندبا إلى اختيار ما يهدى إلى الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ويبتغي به مرضاته إن ‏(‏شاء الله‏)‏ وبالله التوفيق‏.‏

باب العمل في الهدي إذا عطب أو ضل

816- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن صاحب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بدنة عطبت من الهدي فانحرها ثم ألق قلادتها في دمها ثم خل بينها وبين الناس يأكلونها قال أبو عمر روى هذا الحديث مسندا في غير الموطأ حدثناه محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو خليفة قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدي قال إن عطب فانحره ثم أصبغ نعله في دمه ثم خل بينه وبين الناس وهكذا رواه جماعة عن هشام بن عروة منهم بن عيينة ووهب لم يزيدوا فيه على قوله وخل بينها وبين الناس يأكلونها وروى بن عباس هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فزاد فيه لا تأكل منها أنت ولا أهل رفقتك حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا بن زيد قال حدثنا أبو التياج عن موسى بن سلمة قال خرجت أنا وسنان بن سلمة معتمرين قال وانطلق سنان معه ببدنة يسوقها فأزحفت عليه بالطريق فعيي بشأنها إن هي أبدعت كيف يأتي بها فقال لئن قدمت البلد لأستحفين عن ذلك قال فأضحيت لما نزلنا البطحاء قال انطلق إلى بن عباس نتحدث إليه قال فذكر له شأن بدنته فقال على الخبير سقطت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بست عشرة بدنة مع رجل وأمره فيها قال فمضى ثم رجع فقال يا رسول الله ‏!‏ كيف أصنع بما أبدع علي منها قال انحرها ثم اصبغ نعليها في دمها ثم اجعله على صفحتها ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك ورواه شعبة وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سنان بن سلمة عن بن عباس أن ذؤيبا أبا قبيصة الخزاعي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول إذا عطب منها شيء وخشيت عليه موتا فانحره ثم اغمس نعله في دمه ثم اضرب به صفحته ولا تطعم منه ولا أحد من أهل رفقتك قال أبو عمر لا يوجد هذا اللفظ إلا في حديث بن عباس قوله ولا أحد من أهل رفقتك وأكثر الفقهاء على خلافه ومن جهة النظر فإن أهل رفقته وغيرهم في ذلك سواء بدليل قوله في حديث ناجية الأسلمي خل بينها وبين الناس فيأكلونها لم يخص أهل رفقته من غيرهم ولا أعلم أحدا قال بهذه الزيادة إلا أبا ثور وداود قالا لا يأكل منها هو ولا أحد من أهل رفقته قال أبو عمر من قال بهذا قال هي زيادة حافظ يجب العمل بها وكأنه جعل أهل رفقته في حكمه لما ندب إليه الرفيق من مواساة رفيقه فزاده وإلا فالقول ما قاله الجمهور لظاهر حديث ناجية خل بينها وبين الناس وهذا على عمومه ولا خلاف أنه يصنع بالهدي التطوع إذا عطب قبل محله ما في حديث ناجية وحديث بن عباس من غمس نعله في دمه وضربه به صفحته والتخلية بينه وبين الناس وإنما ذلك والله أعلم ليكون علامة أنها مباح أكلها وأنها لله فجعلها خارجة عن ملك صاحبها‏.‏

وأما قوله في حديث مالك ‏(‏كيف أصنع بما عطب من الهدي‏)‏ فإن محمل هذا عند جماعة العلماء على الهدي التطوع لأنه هدي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في حديث ناجية وبن عباس فهو هدي تطوع لا يجوز لأحد ساقه أكل شيء منه أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقام نفسه بما يلتزم محله ليأكله قبل وجوب أكله قطعا للذريعة في ذلك‏.‏

817- مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال من ساق بدنة تطوعا فعطبت فنحرها ثم خلى بينها وبين الناس يأكلونها فليس عليه شيء وإن أكل منها أو أمر من يأكل منها غرمها مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس مثل ذلك‏.‏

818- مالك عن بن شهاب أنه قال من أهدى بدنة جزاء أو نذرا أو هدي تمتع فأصيبت في الطريق فعليه البدل مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال من أهدى بدنة ثم ضلت أو ماتت فإنها إن كانت نذرا أبدلها وإن كانت تطوعا فإن شاء أبدلها وإن شاء تركها مالك أنه سمع أهل العلم يقولون لا يأكل صاحب الهدي من الجزاء والنسك قال أبو عمر أما الهدي التطوع إذا بلغ محله فلا خلاف بين العلماء في أنه يأكل منه صاحبه إن شاء كسائر الناس لأنه في حكم الضحايا وإنما اختلفوا فيمن أكل من الهدي الواجب أو أكل من الهدي التطوع قبل أن يبلغ محله فكان مالك والأوزاعي والشافعي يقولون في الهدي التطوع يعطب قبل محله أن على صاحبه أن يخلي بينه وبين الناس يأكلونه ولا يأمر أحدا يأكل منه فقيرا ولا غنيا يتصدق ولا يطعم وحسبه والتخلية بينه وبين الناس وكذلك قال أبو حنيفة إلا أنه قال يتصدق به أفضل من أن يتركه للسباع فتأكله‏.‏

وأما ما يطمئن الآكل من الهدي الذي لا يجب له أن يأكل منه قد اختلف فيه أيضا فكان مالك يقول إن أكل منه أبدله كله وروى بن وهب عن الليث بن سعد في الذي يأكل من هدي ليس له أن يأكل منه قال أرى أن يتصدق بقدر ما أكل طعاما يطعمه المساكين ولا أرى عليه غير بدله قال بن وهب خالفه مالك فقال إن أكل منه شيئا ولو نصفه وآخره أبدله كله وبه يأخذ بن وهب وكذلك قال بن القاسم عن مالك إن أكل منه فعليه بدله كله كان الذي أكل منه قليلا أو كثيرا قال بن القاسم إن أكل من الهدي الذي نذر للمساكين فعليه أن يطعم قيمة ما أكل للمساكين ولا يكون عليه البدل وقال بن حبيب إن أكل مما لا يجب أن يأكل منه فعليه ثمن ما أكل طعاما يتصدق به وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي وأبي ثور وأحمد وإسحاق وروي عن علي بن أبي طالب وبن مسعود وبن عباس في الهدي يعطب قبل محله أن صاحبه إن أكل منه أو أمر عزم وعن بن المسيب وجماعة من التابعين مثل ذلك إلا أنهم ليس عندهم تفسير ما يغرم ما أكل أو أتلف وقالت طائفة منهم عطاء والزهري إن عليه البدل إن فعل شيئا من ذلك ومن قال عليه البدل أوجب عليه غرم الجميع وعلى هذين القولين اختلاف الفقهاء على ما قدمنا واختلفوا في الهدي الذي يؤكل منه فقال مالك يؤكل من كل الهدي إلا جزاء الصيد ونذر المساكين وفدية الأذى وهدي التطوع الذي يعطب في الطريق قبل أن يبلغ محله وقال الثوري يؤكل من هدي المتعة والإحصار والوصية والتطوع إذا بلغ محله لا يؤكل من غيرها‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يؤكل من الهدي إلا هدي المتعة وهدي التطوع يعنون إذا بلغ محله وهدي القرآن‏.‏

وأما غير ذلك فلا يؤكل منه شيء‏.‏

وقال الشافعي لا يؤكل من الهدي كله إلا التطوع خاصة إذا بلغ محله وكل ما كان واجبا من الهدي فلحمه كله للمساكين وجلده وكذلك جله والنعلان اللتان عليه قال وكذلك عندي هدي المتعة لأنه واجب فسبيله سبيل جزاء الصيد وهدي الإفساد وهدي القرآن فكل ما وجب عليه فلا يأكل منه شيئا‏.‏

وقال أبو ثور مثله ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا بن علية قال حدثنا يزيد بن زريع عن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد أنهم كانوا يقولون لا يؤكل من الفدية ولا من جزاء الصيد عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال لا يأكل من جزاء الصيد ولا من نذر المساكين ولا من الكفارات ويأكل مما سوى ذلك فإن كان الهدي واجبا وعطب قبل محله فإن صاحبه يأكله إن شاء أو ما شاء منه ويطعم منه من شاء ما شاء لأن عليه بدله وعلى هذا جمهور العلماء ومنهم من أجاز له بيع لحمه وإن يستعين به في البدل وكره ذلك مالك لأنه بيع شيء أخرجه لله ‏(‏عز وجل‏)‏ ومن أجاز بيع لحمه على جواز أكله وقد كان عطاء يبيح البيع في ذلك ثم رجع عنه وروى سفيان بن عيينة عن عبد الكريم عن عكرمة عن بن عباس قال إذا أهديت هديا واجبا فعطب فانحره فإن شئت فكل وإن شئت فأهد وإن شئت فتقول به في هدي آخر‏.‏

وأما قول بن عمر ‏(‏أنه من أهدى بدنة ثم ضلت أو ماتت فإنها أن كانت نذرا أبدلها وإن كانت تطوعا فإن شاء أبدلها وإن شاء تركها‏)‏ قال أبو عمر لا خلاف في هذا بين العلماء وأصلهم فيه الصلاة النافلة لا تقضى لمن غلب عليها ما يفسدها والنذر والصلاة الفريضة ما غلبه عليها من الحدث وغيره لا يسقطها قال عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال أما النذر فإن كان للمساكين فكان بمنزلة جزاء الصيد وإن قال علي بدنة أو هدي ولم يذكر فيه شيئا فهو هدي والمتعة سواء ليهد منهما لمن هو غني عنهما من صديق أو ذي رحم وليأكل هو وأهله وليتصدق ولينتفع بجلودها ولا يبع قال وهل للمتعة لهدي المحصر فيما يؤكل منه سواء واختلفوا في هدي التطوع إذا عطب وقد دخل الحرم فقال منهم قائلون إذا دخل الحرم فقد بلغ محله والحرم كله ومكة ومنى سواء لأنه حرم كله وأجمعوا أن قوله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏ثم محلها إلى البيت العتيق‏)‏ ‏[‏الحج 33‏]‏‏.‏

لم يرد به الذبح ولا النحر في البيت العتيق لأن البيت ليس بموضع للدماء لأن الله تعالى قد أمر بتطهيره وإنما أراد بذكره البيت العتيق مكة ومنى وكذلك قال صلى الله عليه وسلم مكة كلها منحر يعني في العمرة ومنى كلها منحر يعني في الحج فالحرم كله مكة ومنى لأن ذلك كله حرم فإذا عطب الهدي التطوع في الحرم جاز لصاحبه أن يأكل منه وإذا كان هديا واجبا وبلغ الحرم وعطب فقد جزى عنه لأن العلة في سياقة الهدي إطعام مساكين الحرم وهذا كله قول الشافعي وعطاء وكثير من العلماء وروى بن جريج وحبيب المعلم وغيرهما عن عطاء قال كل هدي بلغ الحرم فعطب فقد أجزى وقد اتفق العلماء على أن قتل الصيد بمكة ومنى وسائر الحرم سواء في وجوب الجزاء وقال صلى الله عليه وسلم في مكة لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها وأجمعوا أن الحرم كله في ذلك حكمه حكمها وقد قال مالك من أحرم من الميقات قطع التلبية إذا دخل الحرم ومن قوله ‏(‏إن الحرم لا يدخل إلا بإحرام‏)‏ فسواء في ذلك بين الحرم ومكة إلا أن مذهبه فيما عطب أو نحر من الهدي قبل بلوغ مكة أنه لا يجزئ قوله تعالى ‏(‏ثم محلها إلى البيت العتيق‏)‏ ‏[‏الحج 33‏]‏‏.‏

واحتج له إسماعيل بن إسحاق القاضي بإجماعهم على أن الطواف والسعي لا يكونان إلا بمكة وأن رمي الجمار لا يكون إلا بمنى وكذلك النحر لا يكون إلا فيهما‏.‏

باب هدي المحرم إذا أصاب أهله

819- مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبا هريرة سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج فقالوا ينفذان يمضيان لوجههما حتى يقضيا حجهما ثم عليهما حج قابل والهدي قال وقال علي بن أبي طالب وإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما‏.‏

820- مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ما ترون في رجل وقع بامرأته وهو محرم فلم يقل له القوم شيئا فقال سعيد إن رجلا وقع بامرأته وهو محرم فبعث إلى المدينة يسأل عن ذلك فقال بعض الناس يفرق بينهما إلى عام قابل فقال سعيد بن المسيب لينفذا لوجههما فليتما حجهما الذي أفسداه فإذا فرغا رجعا فإن أدركهما حج قابل فعليهما الحج والهدي ويهلان من حيث أهلا بحجهما الذي أفسدا ويتفرقان حتى يقضيا حجهما قال مالك يهديان جميعا بدنة بدنة قال أبو عمر قال الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج‏)‏ ‏[‏البقرة 197‏]‏‏.‏

وأجمع علماء المسلمين على أن وطء النساء على الحاج حرام من حين يحرم حتى يطوف طواف الإفاضة وذلك لقوله تعالى ‏(‏فلا رفث‏)‏ ‏[‏البقرة 197‏]‏‏.‏

والرفث في هذا الموضع الجماع عند جمهور أهل العلم بتأويل القرآن وقد قيل غير ذلك والصواب عندهم ما ذكرت لك في تأويل الرفث في هذه الآية وأجمعوا على أن من وطىء قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه ومن وطىء من المعتمرين قبل أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة فقد أفسد عمرته وعليه قضاء الحج والهدي قابلا وقضاء العمرة والهدي في كل وقت يمكنه ذلك واختلفوا فيمن وطىء أهله بعد عرفة وقبل رمي جمرة العقبة وفيمن وطىء قبل الإفاضة أيضا وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله فأما اختلافهم فيمن وطىء بعد عرفة وقبل أن يرمي الجمرة فقال مالك في موطئه في رجل وقع بامرأته في الحج ما بينه وبين أن يدفع من عرفة ويرمي الجمرة إنه يجب عليه الهدي وحج قابل قال فإن كانت إصابته أهله بعد رمي الجمرة فإنما عليه أن يعتمر ويهدي وليس عليه حج قابل وروى بن أبي حازم وأبو مصعب عن مالك أنه رجع عن قوله في الموطأ فيمن وطىء بعد الوقوف بعرفة وقبل رمي الجمرة أن حجه يفسد بوطئه ذلك وقال ليس عليه إلا العمرة والهدي وحجه تام كمن وطىء بعد رمي الجمرة سواء قال أبو مصعب إن وطىء بعد طلوع الفجر من ليلة النحر فعليه الفدية والهدي وإن كان قبل طلوع الفجر فقد فسد حجه وفي الأسدية لابن القاسم إن يطأ بعد مغيب الشمس يوم النحر فحجه تام رمى الجمرة أو لم يرم وقد تقصينا الاختلاف في ذلك عن مالك وأصحابه في كتب اختلافهم وروى بن وهب وغيره عن مالك في الموطأ أيضا قال مالك في الموطأ من أفسد حجه أو عمرته بإصابة نساء فإنه يهل من حيث كان أهل بحجه الذي أفسد أو عمرته إلا أن يكون أهل من أبعد من الميقات فليس عليه أن يهل من الميقات وقال بن القاسم وأشهب عن مالك في الذي يفسد حجه بإصابة أهله يحجان من قابل ويفترقان إذا أحرما قال فقلت له ولا يؤخران ذلك حتى يأتي الموضع الذي أفسدا فيه حجهما فقال لا وهذا الذي سمعت قال أشهب فقلت له مما افتراقهما أيفترقان في البيوت أو في المناهل لا يجتمعان في منهل قال لا يجتمعان في منزل ولا يتسايران ولا في الجعفة ولا بمكة ولا بمنى وقال الثوري إذا جامع المحرم امرأته أفسد حجه وحجها وعليه بدنة وعليها أخرى فإن لم تكن بدنة أخرى كل واحد منهما شاة ثم يمضيان في حجهما فإذا فرغا من حجهما حلا وعليهما الحج من قابل ولا ينزلان بذلك المكان الذي تواقعا فيه إلا وهما مهلان ثم يفترقا من ذلك المكان ولا يجتمعان حتى يفرغا من حجهما لا يكونان في محمل ولا فسطاط‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا جامع المحرم امرأة قبل الوقوف بعرفة كان على كل واحد منهما شاة يذبحها ويتصدقا بلحمها ويقضيا حجهما مع الناس وعليهما الحج من قابل ولا يفترقان فإن جامع بعد الوقوف بعرفة فعليه بدنة ويجزئه شاة ولا حج عليه‏.‏

وقال الشافعي الجماع يفسد الإحرام ما كان إذا جاوز الختان فإذا جامع المفرد أو القارن فعليه أن يمضي في إحرامه حتى يفرغ ثم يحج قابلا بمثل إحرامه الذي أفسد حاجا قارنا أو معتمرا ويهدي بدنة تجزئ عنهما معا وإذا أهلا بقضاء حجهما أهلا من حيث أهلا أولا وإن كان أبعد من الميقات فإن كانا أهلا بالإحرام الذي أفسداه من ميقاتهما أحرما من ميقاتهما فإن جاوزاه أهديا دما‏.‏

وقال أبو ثور مثل قول الشافعي إلا أنه قال على المرأة إلا إن كانت طاوعته دم مثل ما على الرجل ولا يفترقان قال أبو عمر تلخيص أقوالهم أن مالكا ذهب إلى أن من وقع بأهله بعد الوقوف بعرفة وقبل رمي جمرة العقبة فقد فسد حجه وهو قول الأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري إذا وطىء بعد الوقوف بعرفة فعليه بدنة وحجه تام‏.‏

وقال مالك يجزئ الواطئ شاة كسائر الهدايا وهو قول أبي حنيفة‏.‏

وقال الشافعي لا يجزئ الواطئ إلا بدنة أو سبع من الغنم‏.‏

وقال مالك الذي يفسد الحج والعمرة التقاء الختانين وأن لم يكن ماء دافق قال ولو قبل امرأته ولم يكن من ذلك ماء دافق لم تكن عليه في القبلة إلا الهدي هذا كله قوله في الموطأ وجملة مذهبه عند أصحابه أنه من لمس فقبل فأنزل أو تابع النظر فأنزل فقد فسد حجه وقال الأوزاعي إن لمس فأنزل أو وطىء دون الفرج فأنزل فقد أفسد حجه وقال عبد الله بن الحسن إذا لمس فأنزل فقد أفسد حجه قال عبيد وإن نظر فأنزل لم يفسد حجه‏.‏

وقال الشافعي الذي يفسد الحج من الجماع ما يوجب الحد وذلك أن تغيب الحشفة ويلتقي الختانان لا يفسده شيء غير ذلك قال وإن جامع دون الفرج فأحب إلي أن ينحر بدنة ويجزئه شاة قال وكذلك كل ما تلذذ من امرأته من قبلة أو مباشرة أو غيرها أجزأه الدم قال ويكفي المرأة إذا تلذذت بالرجل كما يكفي الرجل وبذلك كله قال أبو ثور‏.‏

وقال أبو حنيفة لا يفسد الحج إلا أن ينزل قال أبو عمر حجة من لم ير فساد الحج إلا بالوطء في الفرج القياس على ما أجمعوا عليه من وجوب الحد وعلة من جعل الإفساد في الفرج وفي غير الفرج القياس على ما أجمعوا عليه من الغسل واتفقوا فيمن قبل وهو محرم قال مالك ليس على من جامع مرارا إلا هدي واحد وعليهما واحد إن طاوعته‏.‏

وقال أبو حنيفة إن كرر الوطء في مجلس واحد أجزاه هدي واحد وإن كان في مجالس مختلفة فعليه في كل مجلس هدي وقال محمد بن الحسن يجزئه هدي واحد ما لم يبعد وطؤه الأول وللشافعي في ذلك ثلاثة أقوال أحدها كقول مالك وهو الأشهر عنه والآخر عليه في كل وطء هدي والآخر إن كان قد كفر فعليه هدي آخر مثل قول محمد واختلفوا فيمن وطىء امرأته ناسيا فقال مالك سواء وطأ ناسيا أو عامدا فعليه الحج قابل والهدي وهو قول الشافعي في القديم وقال في الجديد لا كفارة عليه إذا وطأ ناسيا ولا قضاء من أصحاب الشافعي من قال لا يختلف قوله إنه لا قضاء عليه ولا كفارة كالصيام قال أبو عمر أحكام الحج في قتل الصيد ولبس الثياب وغير ذلك يستوي فيه الخطأ والعمد فكذلك يجب أن يكون الوطء في الحج والله أعلم‏.‏

وقال مالك كل نقص دخل الإحرام من وطء أو حلق شعر أو إحصار بمرض فإن صاحبه إذا لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع لا مدخل للإطعام فيه‏.‏

وقال أبو حنيفة كل جناية وقعت في الإحرام فلا يجزئ فيها إلا الهدي ولا يجوز فيها إلا الصيام ولا الإطعام‏.‏

وقال الشافعي على الحاج بدنة فإن لم يجد قومت البدنة دراهم وقومت الدراهم طعاما فإن لم يجد صام عن كل مد يوما إلا أن الطعام والهدي لا يجزيه واحد منهما إلا بمكة أو بمنى والصوم حيث شاء وقال محمد بن الحسن نحو قول الشافعي‏.‏

وقال مالك من أكره امرأته فعليه أن يحجها من ماله ويهدي عنها كما يهدي عن نفسه وإن طاوعته فعليها أن تحج وتهدي من مالها وهو قول أبي حنيفة إلا أنه قال وإن أكرهها فإنها تحج من مالها ولا ترجع به على من أكرهها وقال أصحابه ترجع بكل ما أنفقت على الزوج إذا أكرهها‏.‏

وقال أبو ثور وأحمد وإسحاق كقول مالك‏.‏

وقال الشافعي إن طاوعته فعليهما أن يحجا ويهديا بدنة واحدة عنه وعنها لقوله في الصوم إن كفارة واحدة تجزي عنهما ولم يختلف قوله على الرجل إذا أكرهها أن يحجها ولا شيء عليها قال أبو عمر قد قال الشافعي في حلال حلق رأس محرم لغير أمره إن على المحرم الفدية ويرجع على الحلال قال مالك من وطىء امرأته فأفسد حجته فإنهما يحجان من قابل فإذا أهلا تفرقا من حيث أحرما وقال الثوري والشافعي يفترقا من حيث أفسدا الحجة الأولى‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يفترقان وهو قول أبي ثور وقال زفر يفترقان قال أبو عمر الصحابة ‏(‏رضي الله عنهم‏)‏ على قولين في هذه المسألة أحدهما يفترقان من حيث أحرما والآخر يفترقان من حيث أفسدا الحج وليس على أحد منهم لا يفترقان واختلف التابعون في ذلك فبعضهم قالوا لا يفترقان‏.‏

باب هدي من فاته الحج

821- مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أخبرني سليمان بن يسار أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجا حتى إذا كان بالنازية من طريق مكة أضل رواحله وإنه قدم على عمر بن الخطاب يوم النحر فذكر ذلك له فقال عمر اصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت فإذا أدركك الحج قابلا فاحجج وأهد ما استيسر من الهدي‏.‏

822- مالك عن نافع عن سليمان بن يسار أن هبار بن الأسود جاء يوم النحر وعمر بن الخطاب ينحر هديه فقال يا أمير المؤمنين أخطأنا العدة كنا نرى أن هذا اليوم يوم عرفة فقال عمر اذهب إلى مكة فطف أنت ومن معك وانحروا هديا إن كان معكم ثم احلقوا أو قصروا وارجعوا فإذا كان عام قابل فحجوا وأهدوا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع قال مالك ومن قرن الحج والعمرة ثم فاته الحج فعليه أن يحج قابلا ويقرن بين الحج والعمرة ويهدي هديين هديا لقرانه الحج مع العمرة وهديا لما فاته من الحج قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين العلماء قديما ولا حديثا أن من فاته الحج بفوت عرفة لا يكون يخرج من إحرامه إلا بالطواف والسعي بين الصفا والمروة إذا لم يحل بينه وبين ذلك حائل يمنعه من عمل العمرة إلا شيء روي عن جعفر بن محمد بن علي أنه قال من فاتته عرفة وأدرك الوقوف بجمع مع الإمام فقد جزى عنه حجه ولا أعلم أحدا قاله غيره والله أعلم وسيأتي القول في الوقوف بالمزدلفة ومن رآه من فروض الحج في موضعه إن شاء الله قال أبو عمر الخلاف بين الفقهاء فيمن فاته الحج إنما هو في الهدي خاصة ويدلك على علم مالك بالاختلاف ترجمته هذا الباب هدي من فاته الحج قال مالك من فاته الحج يحلل بعمل عمرة وعليه الحج من قابل وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وحجتهم إجماع الجميع على من حبسه المرض ومنعه حتى فاته الحج أن عليه الهدي فقال أبو حنيفة وأصحابه من فاته الحج تحلل بعمرة وعليه حج قابل ولا هدي عليه وهو قول الأوزاعي إلا أنه قال يعمل ما بقي عليه من عمل الحج ويفيض قال أبو عمر هذا ظاهره على خلاف ما ذكرنا من عمل العمرة وليس كذلك لأنه لا بد من الطواف عنده والسعي والله أعلم وحجة من أسقط الهدي عن من فاته الحج أن القضاء اللازم بذلك يسقط الهدي عنه لأن الهدي بدل من القضاء وبدل منه قالوا وإنما وجب على المحصر الهدي لأنه لا يصل إلى البيت فيحل به في وقته قال والمحرم لا يحل من إحرامه إلا بطواف وسعي أو يهدي لقوله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

أي لا يحل إلا بهدي إذا منع من الوصول إلى البيت قال أبو عمر هذا غير لازم عند الحجازيين لأن المحرم عندهم إذا لم يحصره عذر فلا يحله إلا الطواف بالبيت ومن أحصره العذر لم يحتج عند بعضهم إلى هدي وقد مضى القول في ذلك‏.‏

وأما قول مالك في القارن يفوته الحج فقد وافقه الشافعي وخالفهما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا يطوف ويسعى لعمرته ثم يطوف ويسعى لحجته ويحل وعليه الحج من قابل وليس عليه عمرة وتجزئه عمرته ويسقط عنه دم القران قال أبو عمر القول ما قال مالك والشافعي فإن كل من وجب عليه قضاء إنما يقضيه كما فاته وهدي القران واجب بإجماع وهدي بدل ميقات الحج واجب لقول عمر في جماعة من الصحابة ‏(‏ رضي الله عنهم‏)‏ من غير نكير وجمهور العلماء على أن من فاته الحج لا يقيم على إحرامه ذلك وعليه ما وصفنا من إتيان البيت للطواف به والسعي بين الصفا والمروة ثم يحل بالتقصير أو الحلق ثم يقضي حجه على ما بينا قبل وأنه إن أقام على إقرانه حتى الحج من قابل لم يجز عندهم وممن قال به أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو قول مالك في الاختيار لمن فاته الحج أن يتحلل بعمل عمرة ولا يقيم محرما إلى قابل ولكنه جائز عنده أن يقيم على إحرامه إلى قابل فإن فعل سقط عنده عنه الحج ولم يحتج إلى أن يتحلل بعمرة وعند غيره لا يجزئه إقامته على إحرامه ولا بد له من أن يتحلل بعمل عمرة ويحج من قابل ثم اختلافهم في الهدي عليه على ما ذكرنا عنهم ولما قال الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق‏)‏ ‏[‏البقرة 197‏]‏‏.‏

دل على أنه لا يصح إحرام أحد بالحج في غير أشهر الحج والله أعلم وقد اختلف العلماء فيمن أحرم بالحج قبل أشهر الحج فمنهم من ألزمه ذلك منهم مالك لقوله عز وجل ‏(‏أوفوا بالعقود‏)‏ ‏[‏المائدة 1‏]‏‏.‏

على أن الاختيار عنده أن لا يفعل ومنهم من جعل إحرامه عمرة كمن أحرم بالظهر قبل الزوال‏.‏