فصل: باب ما جاء في قيام رمضان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


كتاب الصلاة في رمضان

باب الترغيب في الصلاة في رمضان

217- ذكر فيه مالك حديثين مسندين أحدهما عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس الحديث‏.‏

218- والآخر عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان الحديث ففي الحديث الأول من الفقه الاجتماع في النافلة وأن النوافل إذا اجتمع في شيء منها على سنته لم يكن لها أذان ولا إقامة لأنه لم يذكر الأذان في ذلك ولو كان لذكر ونقل وأجمع العلماء أن لا أذان في شيء من السنن والنوافل وأن الأذان إنما هو للمكتوبات فأغنى عن الكلام في ذلك وفيه أن قيام رمضان سنة من سنن النبي عليه السلام مندوب إليها مرغب فيها ولم يسن منها عمر إلا ما كان رسول الله يحبه ويرضاه وما لم يمنعه من المواظبة عليه إلا أن يفرض على أمته وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما صلى الله عليه وسلم فلما علم عمر ذلك من رسول الله وعلم أن الفرائض في وقته لا يزاد فيها ولا ينقص منها أقامها للناس وأحياها وأمر بها وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة صدر خلافته وقد أوضحنا ما فضل به عمر من ذلك وغيره في التمهيد ومما يدل على أن قيام شهر رمضان سنة من سنن النبي عليه السلام ما ذكره بن وهب عن مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال خرج النبي وإذا الناس يصلون في رمضان في ناحية المسجد فقال من هؤلاء قيل ناس لهم قرآن وأبي بن كعب يصلي بهم وهم يصلون بصلاته فقال النبي عليه السلام أصابوا ونعم ما صنعوا وذكر الدارقطني عن إسماعيل بن محمد الصفار عن أبي قلابة الرقاشي عن بشر بن عمر عن مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وهذا لفظ لم يروه أحد عن مالك في هذا الحديث إلا أبو قلابة الرقاشي عن بشر بن عمر قاله الدارقطني وهو كما قال ومما يؤيد ذلك قول عائشة إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به لئلا يفرض على الناس وقد ذكرنا في التمهيد حديث أبي ذر أن رسول الله قام بهم في رمضان عند سبع بقين منه ليلة إلى ثلث الليل ولم يقم بهم التي تليها وقام بهم التي بعدها وهي الخامسة إلى أن ذهب شطر الليل ثم قام بهم الثالثة حتى خشوا أن يفوتهم السحور هذا كله معنى الحديث لا لفظه ومثله حديث النعمان بن بشير قال قمنا مع رسول الله عليه السلام في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصل الليل ثم قمنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا ألا ندرك الفلاح وكانوا يسمونه السحور وهذا كله يدل على أن قيام رمضان جائز أن يضاف إلى النبي عليه السلام بحضه عليه وعمله به وأن عمر إنما سن منه ما سنه رسول الله‏.‏

219- وأما حديث بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال بن شهاب فتوفي رسول الله والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبى بكر وصدرا من خلافة عمر فقد ذكرنا في التمهيد الاختلاف على مالك وعلى بن شهاب في إسناده في هذا الحديث ومتنه بأبسط ما يكون والحمد لله وفيه من الفقه فضل قيام رمضان وظاهره يبيح فيه الجماعة والانفراد لأنه لم يقل فيه من قام رمضان وحده ولا في جماعة وذلك كله فعل خير وقد ندب الله إلى فعل الخير بقوله تعالى ‏(‏وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ‏[‏الحج 77‏]‏‏.‏

وفي قوله عليه السلام إيمانا واحتسابا دليل على أن الأعمال الصالحة إنما يقع بها غفران الذنوب وتكفير السيئات مع الإيمان والاحتساب وصدق النيات وقد قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة منها والندم عليها واعتقاد ترك العودة والرجوع إليها وبالله التوفيق‏.‏

باب ما جاء في قيام رمضان

220- مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل فجمعهم على أبي بن كعب قال ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر نعمت البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يعني آخر الليل وكان الناس يقومون أوله قال أبو عمر الأوزاع في هذا الحديث هم الجماعات المتفرقون وقد يقال للجماعة المتفرقة عزون قال الله تعالى ‏(‏فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين ‏[‏المعارج 36‏]‏‏.‏

37 أي جماعات متفرقة وفي حديث سمرة بن جندب قال دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس متفرقون فقال ما لي أراكم عزين وفيها وجوه لأهل التفسير معانيها كلها متقاربة وفي الحديث نفسه ما يدل على تفسير الأوزاع لأنهم كانوا يصلون متفرقين خلف كل إمام رهط فجمعهم عمر على قارئ واحد واختار لهم أقرأهم امتثالا والله أعلم لقوله عليه السلام يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله رواه أبو مسعود الأنصاري عن النبي وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال وأقرؤهم أبي بن كعب وقال عمر بن الخطاب علي أقضانا وأبي أقرؤنا وإنا لنترك أشياء من قراءة أبي وفي خروجه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال نعمت البدعة دليل على أنه كان لا يصلي معهم وأنه كان يتخلف عنهم إما لأمور المسلمين وإما للانفراد بنفسه في الصلاة وروى بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال سمعت بن عباس يقول دعاني عمر أتغدى عنده في شهر رمضان يعني السحور فسمع هيعة الناس حين انصرفوا من القيام فقال عمر أما إن الذي بقي من الليل أحب إلي مما مضى منه وفيه دليل على أن قيامهم كان أول الليل ثم جعله عمر في آخر الليل فلم يزل كذلك في معنى ما ذكر مالك إلى زمان أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر‏.‏

221- وروى مالك في هذا الباب عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة قال وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر ورواه بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عمن حدثه عن السائب بن يزيد قال أمر عمر أبي بن كعب أن يقيم بالناس في شهر رمضان فكان القارئ يقرأ بالمئين ولا ينصرف من القيام حتى يرى فروع الفجر لم يذكر بن عيينة في هذا الخبر تميما الداري مع أبي بن كعب كما ذكره مالك وقد يمكن أن يكون تميم الداري أقيم للنساء لأن في حديث بن شهاب وهو أثبت حديث في هذا الباب أنه جمعهم على أبي بن كعب وقد روى بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب جمع الناس في قيام رمضان الرجال على أبي بن كعب والنساء على سليمان بن أبي حثمة فيمكن أن يكون تميم الداري أقيم وقتا ما للنساء والله أعلم وبن عيينة عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك قال لما دخلت العشر الأواخر من شهر رمضان أبق إمامنا يعني أبي بن كعب وكان يصلي بالرجال‏.‏

وأما قول عمر نعمت البدعة في لسان العرب اختراع ما لم يكن وابتداؤه فما كان من ذلك في الدين خلافا للسنة التي مضى عليها العمل فتلك بدعة لا خير فيها وواجب ذمها والنهي عنها والأمر باجتنابها وهجران مبتدعها إذا تبين له سوء مذهبه وما كان من بدعة لا تخالف أصل الشريعة والسنة فتلك نعمت البدعة كما قال عمر لأن أصل ما فعله سنة وكذلك قال عبد الله بن عمر في صلاة الضحى وكان لا يعرفها وكان يقول وللضحى صلاة وذكر بن أبي شيبة عن بن علية عن الجريري عن الحكم عن الأعرج قال سألت بن عمر عن صلاة الضحى فقال بدعة ونعمت البدعة وقد قال تعالى حاكيا عن أهل الكتاب ‏(‏ورهبانية ابتدعوها ما كتبنها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله الحديد 27‏.‏

وأما ابتداع الأشياء من أعمال الدنيا فهذا لا حرج فيه ولا عيب على فاعله‏.‏

وأما قوله والتي ينامون عنها أفضل فلما جاء في دعاء الأسحار وقد أثنى الله على المستغفرين بالأسحار وجاء عن أهل العلم بتأويل القرآن في قوله تعالى حاكيا عن يعقوب ‏(‏سوف أستغفر لكم ربي‏)‏ ‏[‏يوسف 98‏]‏‏.‏

قالوا أخرهم إلى السحر وقال عليه السلام ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل ويروى نصف الليل فيقول هل من داع هل من مستغفر هل من تائب وسيأتي ذكر هذا الحديث في موضعه وفي حديث مالك عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال أمر عمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة ‏(‏هكذا قال مالك في هذا الحديث إحدى عشرة ركعة‏)‏ وغير مالك يخالفه فيقول في موضع إحدى عشرة ركعة ‏(‏إحدى وعشرين‏)‏ ولا أعلم أحدا قال في هذا الحديث إحدى عشرة ركعة غير مالك والله أعلم إلا أنه يحتمل أن يكون القيام في أول ما عمل به عمر بإحدى عشرة ركعة ثم خفف عليهم طول القيام ونقلهم إلى إحدى وعشرين ركعة يخففون فيها القراءة ويزيدون في الركوع والسجود إلا أن الأغلب عندي في إحدى عشرة ركعة الوهم والله أعلم وذكر عبد الرزاق عن داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب وتميم الداري على إحدى وعشرين ركعة يقومون بالمئين وينصرفون في فروع الفجر وروى وكيع عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب نهر رجلا يصلي بهم عشرين ركعة وروى الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن السائب بن يزيد قال كنا ننصرف من القيام على عهد عمر ‏(‏ وقد دنا فروع الفجر وكان القيام على عهد عمر‏)‏ بثلاث وعشرين ركعة وهذا محمول على أن الثلاث للوتر والحديث الأول على أن الواحدة للوتر والوتر بواحدة قد تقدمها ركعات يفصل بينهن وبينها بسلام وبثلاث لا يفصل بينها بسلام كل ذلك معروف معمول به بالمدينة وسنذكر ذلك في موضعه من هذا الكتاب ونذكر وجه اختيار مالك لما اختاره من ذلك إن شاء الله وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني عمران بن موسى أن يزيد بن حصيفة أخبره عن السائب بن يزيد قال جمع عمر الناس على أبي بن كعب وتميم الداري فكان أبي يوتر بثلاث ركعات وعن معمر عن قتادة عن الحسن قال قال كان أبي يوتر بثلاث لا يسلم إلا من الثالثة مثل المغرب وقد سئل مالك عن الإمام يوتر بثلاث لا يفصل بينهن فقال أرى أن يصلى خلفه ولا يخالف قال مالك كنت أنا أصلى معهم فإذا كان الوتر انصرفت ولم أوتر معهم‏.‏

222- وقد روى مالك عن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة وهذا كله يشهد بأن الرواية بإحدى عشرة ركعة وهم وغلط وأن الصحيح ثلاث وعشرون وإحدى وعشرون ركعة والله أعلم وقد روى أبو شيبة واسمه إبراهيم بن علية بن عثمان عن الحكم عن بن عباس أن رسول الله عليه السلام كان يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر وليس أبو شيبة بالقوي عندهم ذكره بن أبي شيبة عن يزيد بن رومان عن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان وروي عشرون ركعة عن علي وشتير بن شكل وبن أبي مليكة والحارث الهمداني وأبي البختري وهو قول جمهور العلماء وبه قال الكوفيون والشافعي وأكثر الفقهاء وهو الصحيح عن أبي بن كعب ‏(‏من غير خلاف من الصحابة وقال عطاء أدركت الناس وهم يصلون ثلاثا وعشرين ركعة بالوتر وكان الأسود‏)‏ بن يزيد يصلي أربعين ركعة ويوتر بسبع وذكر بن القاسم عن مالك تسع وثلاثون والوتر ثلاث وزعم أنه الأمر القديم وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن داود بن قيس قال أدركت الناس بالمدينة في زمن عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان يصلون ستا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن داود قيام رمضان عشرون ركعة سوى الوتر لا يقام بأكثر منها استحبابا وذكر عن وكيع عن حسن بن صالح عن عمرو بن قيس عن أبي الحسين عن علي أنه أمر رجلا يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة وهذا هو الاختيار عندنا وبالله توفيقنا وذكره أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي واختلفوا في الأفضل من القيام مع الناس والانفراد في شهر رمضان فقال مالك والشافعي صلاة المنفرد في بيته في رمضان أفضل قال مالك وكان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون ولا يقومون مع الناس قال مالك وأنا أفعل ذلك وما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في بيته واحتج الشافعي بحديث زيد بن ثابت أن النبي عليه السلام قال في قيام رمضان أيها الناس صلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة قال الشافعي ولا سيما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده على ما في ذلك من الفضل وقد ذكرنا حديث زيد بن ثابت بإسناده هذا في التمهيد وروينا عن بن عمر وسالم والقاسم وإبراهيم ونافع أنهم كانوا ينصرفون ولا يقومون مع الناس وجاء عن عمر وعلي أنهما كانا يأمران من يقوم للناس في المسجد ولم يجئ عنهما أنهما كانا يقومان معهم‏.‏

وأما الليث بن سعد فقال لو أن الناس كلهم قاموا في رمضان لأنفسهم وأهليهم حتى يترك المسجد لا يقوم فيه لكان ينبغي أن يخرجوا إلى المسجد حتى يقوموا فيه في رمضان لأن قيام رمضان من الأمر الذي لا ينبغي للناس تركه وهو مما سن عمر للمسلمين وجمعهم عليه قال الليث‏.‏

وأما إذا كانت الجماعة قد قامت في المسجد فلا بأس أن يقوم الرجل لنفسه في بيته وأهل بيته قال أبو عمر وحجة الليث ومن قال بقوله قول رسول الله عليه السلام عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي رواه العرباض بن سارية عن النبي عليه السلام وقال عليه السلام اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر رواه حذيفة عن النبي عليه السلام وقال يقول الليث في هذه المسألة جماعة من المتأخرين من أصحاب أبي حنيفة والشافعي فمن أصحاب أبي حنيفة عيسى بن أبان وبكار بن قتيبة وأحمد بن أبي عمران والطحاوي ومن أصحاب الشافعي إسماعيل بن يحيى المزني وبن عبد الحكم كلهم قال الجماعة في المسجد في قيام رمضان أحب إلينا وأفضل عندنا من صلاة المرء في بيته واحتجوا بحديث أبي ذر عن النبي عليه السلام إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة وقد ذكرنا هذا الحديث بإسناده في التمهيد وإلى هذا ذهب بن حنبل قال الأثرم كان بن حنبل يصلي مع الناس التراويح كلها يعني الأشفاع عندنا إلى آخرها ويوتر معهم ويحتج بحديث أبي ذر قال أحمد بن حنبل كان جابر يصليها في جماعة وروي عن علي وبن مسعود مثل ذلك وقد احتج أهل الظاهر في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ويروى سبع وعشرين درجة وهذا عند أكثر أهل العلم في الفريضة والحجة لهم قوله عليه السلام في حديث زيد بن ثابت صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة وهذا الحديث وإن كان موقوفا في الموطأ على زيد فإنه قد رفعه جماعة ثقات وقد ذكرنا ذلك في موضعه وبالله التوفيق قال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الصلاة بين التراويح فكرهها فذكر له في ذلك رخصة عن بعض الصحابة فقال هذا باطل وإنما فيه رخصة عن سعيد بن جبير والحسن وإبراهيم قال أحمد وفيه عن ثلاثة من الصحابة كراهيته عبادة بن الصامت وأبي الدرداء وعقبة بن عامر قال أبو عمر القيام في رمضان نافلة ولا مكتوبة إلا الخمس وما زاد عليها فتطوع بدليل حديث طلحة هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع وقال عليه السلام صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة فإذا كانت النافلة في البيت أفضل منها في مسجد النبي عليه السلام والصلاة فيه بألف صلاة فأي فضل أبين من هذا ولهذا كان مالك والشافعي ومن سلك سبيلهما يرون الانفراد في البيت أفضل في كل نافلة فإذا قامت الصلاة في المساجد في رمضان ولو بأقل عدد فالصلاة حينئذ في البيت أفضل وقد زدنا هذه المسألة بيانا في التمهيد والحمد لله‏.‏

223- وأما حديث مالك عن داود بن الحصين أنه سمع الأعرج يقول ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان قال وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف ففيه إباحة لعن الكفرة كانت لهم ذمة أو لم تكن وليس ذلك بواجب ولكنه مباح لمن فعله غضبا لله في جحدهم الحق وعداوتهم للدين وأهله‏.‏

وأما قوله في رمضان فمعناه أنهم كانوا يقنتون في الوتر من صلاة رمضان ويلعنون الكفرة في القنوت اقتداء برسول الله في دعائه في القنوت على رعل وذكوان وبني لحيان الذين قتلوا أصحاب بئر معونة وروى بن وهب عن مالك في القنوت في رمضان إنما يكون ذلك في النصف الآخر من الشهر وهو لعن الكفرة يلعن الكفرة ويؤمن من خلفه ولا يكون ذلك إلا بعد أن يمر النصف من رمضان ويستقبل النصف الآخر قال مالك فإن دعا الإمام على عدو للمسلمين واستسقى لم أر بذاك بأسا وروى بن نافع عن مالك أنه سئل عن لعن الكفرة في رمضان في أول الشهر أم في آخره فقال مالك كانوا يلعنون الكفرة في رمضان في النصف منه حتى ينسلخ رمضان وأرى ذلك واسعا إن فعل أو ترك قال أبو عمر قد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه ولعن من انتمى إلى غير أبيه وادعى غير مواليه ولعن المخنثين من الرجال والمذكرات من النساء ولعن من غير تخوم الأرض ولعن المكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت ليذل أولياء الله ولعن الواصلة والمستوصلة ولعن جماعة يطول ذكرهم قصدا إلى لعنهم وليس لعنه هؤلاء ولا من استحق اللعنة من باب من لعنة رسول الله وشتمه عند غضب يغضبه وهو يظنه أهلا لذلك ثم تبين له إذ كان من البشر غير ذلك بل يكون لعنه له صلاة ورحمة كما قال عليه السلام إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فمن سببته أو لعنته فأجعل ذلك عليه رحمة أو كما قال وقد أوضحناه في موضعه من التمهيد والحمد لله أخبرني أحمد بن عبد الله عن أبيه عن يونس بن بقي بن بقي بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن عبد الأعلى أن أبا عبد الرحمن السلمي قنت في الفجر يدعو على قطري وروي عن علي أنه كان يقنت أيام صفين وبعد انصرافه منها يدعو على قوم ويلعنهم كرهت ذكرهم ومن فعل الصحابة وجله التابعين بالمدينة في لعن الكفرة في القنوت أخذ العلماء لعن الكفرة في الخطبة الثانية من الخطبة والدعاء عليهم والأعرج أدرك جماعة من الصحابة وكبار التابعين وهذا هو العمل بالمدينة والأصل في ذلك ما أخبرناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا داود بن أمية حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الصبح فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار وروى بن القاسم عن مالك أنه قال ليس عليه العمل وهذا معناه عندي أنه ليس سنة مسنونة فيواظب عليها في القنوت ولكنه مباح فعله اقتداء بالسلف في ذلك لمن شاء وقد كان مالك يرى القنوت في النصف الثاني من رمضان في الوتر والدعاء على من استحق الدعاء عليه ثم ترك ذلك فيما رواه المصريون عنه وروى أهل المدينة عنه أنه كان يقول يقنت الإمام في النصف من رمضان ويؤمن من خلفه وهو قول أحمد وإسحاق وروي القنوت في النصف الآخر من رمضان ‏(‏عن علي وأبي بن كعب وبن عمر وبن سيرين والثوري والزهري ويحيى بن وثاب وقال بن المنذر ومالك والشافعي أحمد قال أبو عمر أما رواية المصريين بن القاسم وأشهب وبن وهب عن مالك في ذلك فإنهم رووا عن مالك أنه سئل أيقنت الرجل في الوتر فقال لا قال وكان الناس في زمن بني أمية يقنتون في الجمعة وما ذلك بصواب قال أشهب سئل مالك عن القنوت في الصبح فقال أما الصبح فنعم‏.‏

وأما الوتر فلا أرى فيه قنوتا ولا في رمضان وقد اختلف فيه عن بن عمر فروى بن علية عن أيوب عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يقنت إلا في النصف من رمضان وروى بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يقنت في الفجر ولا في الوتر ورواية مالك عن نافع عن بن عمر نحو ذلك‏.‏

وأما الشافعي فقال بالعراق فيما روى الزعفراني عنه يقنت في الوتر في النصف من رمضان ولا يقنت في الوتر في سائر السنة إلا في النصف الآخر من رمضان‏)‏ وقال بمصر يقنت في الصبح ومن قنت في كل صلاة إن احتاج إلى الدعاء على أحد لم أعبه قال أبو عمر لا يصح عن النبي عليه السلام في القنوت في الوتر حديث مسند‏.‏

وأما عن الصحابة فروي ذلك عن جماعة فمن ذلك ما ذكره الطبري قال حدثنا حميد بن مسعدة قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا يونس عن الحسن قال أمر عمر أبي بن كعب يصلي بالناس فكان إذا مضى النصف الأول واستقبلوا النصف الآخر ليلة ست عشرة قنتوا فدعوا على الكفرة وقال بن جريج قلت لعطاء القنوت في شهر رمضان قال أول من قنت فيه عمر قلت في النصف الآخر قال نعم ‏(‏فبهذا احتج من أجاز القنوت في الوتر من قيام رمضان النصف الآخر منه لأنه عمن ذكرنا من جله الصحابة وهو عمل ظاهر بالمدينة في ذلك الزمان في رمضان لم يأت عن أحد منهم إنكاره وقد رأى القنوت في النصف الأول من السلف وبه قال أبو ثور وقد قيل يقنت في رمضان كله ويلعن الكفرة في القنوت وهو قول الأوزاعي قال ويقنت أيضا في الفجر قبل الركوع‏)‏‏.‏

وأما مقدار القراءة في كل ركعة من قيام رمضان ففي الموطأ ما قد رأيت من القراءة بالمئين عن أبي وأصحابه من قراءة البقرة في ثمان ركعات وفي اثنتي عشرة ركعة وذكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام عن الحسن قال من أم الناس في رمضان فليأخذ بهم اليسر فإن كان بطيء القراءة فليختم القرآن ختمة وإن كان بين ذلك فختمه ونصف وإن كان سريع القراءة فمرتين وكان سعيد بن جبير يقرأ في كل ركعة بخمس وعشرين آية وكان عمر بن عبد العزيز يأمر الذين يقرؤون في رمضان يقرؤون في كل ركعة بعشر آيات وروى بن وهب عن مالك أنه قيل له إنهم يقرؤون في كل ركعة بخمس آيات فقال غير ذلك أحب إلي فقيل له عشر آيات في كل ركعة فقال نعم من السور الطوال قال ورأى أكثر من عشر آيات إذا بلغ الطواسين والصافات وقال الزعفراني عن الشافعي إن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن وهو أحب إلي وإن أكثروا الركوع والسجود فحسن وجملة القول في هذه المسألة أنه لا حد عند مالك وعند العلماء في مبلغ القراءة وقد قال عليه السلام من أم الناس فليخفف وقال عمر لا تبغضوا الله إلى عباده يعني لا تطولوا عليهم في صلاتهم وفيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل حين وجهه إلى اليمن معلما وأميرا قال له وأطل القراءة على قدر ما يطيقون وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة طول القيام وهذا لمن صلى لنفسه ولست أعلم خلافا بين العلماء في جواز صلاة العبد البالغ في قيام رمضان وفيما عدا الجمعة للناس‏.‏

224- ولهذا أدخل مالك حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه أن ذكوان أبا عمرو كان عبدا لعائشة أعتقته عن دبر منها فكان يقوم يقرأ للناس في رمضان وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن المهاجرين حين أقبلوا من مكة نزلوا إلى جنب قباء فأمهم سالم مولى أبي حذيفة لأنه كان أكثرهم قرآنا فيهم أبو سلمة بن عبد الأسود وعمر بن الخطاب وأجمع العلماء على أن الرجال لا يؤمهم النساء واختلفوا في إمامة النساء بعضهن لبعض وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى كمل السفر الأول من كتاب الاستذكار والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما يتلوه بحول الله تعالى في أول الثاني باب صلاة الليل‏.‏

كتاب صلاة الليل

باب ‏(‏ما جاء في‏)‏ صلاة الليل

225- مالك عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن رجل عنده رضا عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة الرجل الرضي المذكور في هذا الإسناد هو الأسود بن يزيد وهو رضي عند الجميع وقد ذكرنا من رواه عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن الأسود عن عائشة في التمهيد وروى سفيان عن أبي إسحاق قال قالت عائشة أم المؤنين ما بالعراق أحد أعجب إلي من الأسود بن يزيد ويقال حج الأسود ستين من بين حجة وعمرة وفي هذا الحديث ما يدل على أن المرء مجازى على ما نوى من عمل الخير وإن لم يعمله كما لو عمله إذا لم يحبسه عنه شغل دنيا مباحا أو مكروها وكان المانع له عذرا من الله لا ينفك منه وقد روي مثل حديث عائشة هذا من حديث أبي الدرداء وهو مذكور في التمهيد وهذا تفضل من الله على عباده المؤمنين يجازيهم بما وفقهم له إذا عملوه وإن حال دون العمل حائل جازى صاحبه على النية فيه وقد ذكرنا في التمهيد إسناد قوله صلى الله عليه وسلم نية المؤمن خير من عمله ونية الفاجر شر من عمله وكل يعمل على نيته ومعنى هذا الحديث والله أعلم أن النية بغير عمل خير من العمل بلا نية وتفسير ذلك أن العمل بلا نية لا يرفع ولا يصعد والنية الحسنة تنفع بلا عمل ولا ينفع العمل بغير نية ويحتمل أن يكون المعنى نية المؤمن في الأعمال الصالحة أكثر مما يقوى عليه منها ونية الفاجر في أعمال الشر أكثر مما يعمله منها ولو أنه يعمل كلما ينوي عمله من الشر أهلك الحرث والنسل وقد روى أبو هريرة وبن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة إلا أن في حديث بن عباس فإن عملها كتبت عشرا وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة وفي حديث أبي هريرة من هم بحسنة فعملها كتبت عشرا إلى سبع مائة ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب وإن عملها كتبت فحديث أبي هريرة مخالف لحديث بن عباس فيمن هم بسيئة فلم يعملها وقد يحتمل أن يكون معنى ما روى بن عباس نحو معنى قول الله تعالى ‏(‏ولمن خاف مقام ربه جنتان ‏[‏الرحمن 46‏]‏‏.‏

وروي عن بن عباس ومجاهد وإبراهيم النخعي قالوا هو الرجل يهم بالمعصية ثم يتركها خوف الله تعالى وقد ذكرنا في التمهيد حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في غزوة تبوك إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا ولا أنفقتم من نفقة إلا وهم معكم ‏!‏ قالوا كيف يكونون معنا يا رسول الله وهم بالمدينة قال نعم حبسهم العذر وحديث أبي موسى الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان له عمل فشغله عنه علة أو سفر فإنه يكتب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم وفي حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار في الموطأ قوله صلى الله عليه وسلم في المريض إنه يكتب له أجر ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاق مرضه هذا معنى الحديث لا لفظه وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد والذي جاء له حديث هذا الباب هو ما تضمنته رحمته في صلاة الليل يريد الترغيب فيها قال أبو عمر صلاة الليل من أفضل نوافل الخير وهي عندي سنة مسنونة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعلها ويواظب عليها وقد قال قوم إن صلاة الليل واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم وسنة لأمته وهذا لا أعرف وجهه لأن الله تعالى يقول ‏(‏ومن اليل فتهجد به نافلة لك ‏[‏الإسراء 79‏]‏‏.‏

وقال قوم أمره بقيام الليل وقوله تعالى ‏(‏نافلة لك‏)‏ أي فضيلة ونسخ الأمر بقيام الليل عن سائر أمته مجتمع عليه بقول الله عز وجل ‏(‏علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن ‏[‏المزمل 20‏]‏‏.‏

وهذا ندب لأن الفرائض محدودات وقد شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه مرغوب فيه قال عبد الله بن مسعود فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية وروى وكيع عن سفيان عن علي بن الأقمر عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا إذا أيقظ الرجل أهله فضليا من الليل كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله رجلا قام من الليل فصلى ثم أيقظ أهله فصلوا رحم الله أمرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فصلى‏.‏

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد قال حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد قال حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال استعينوا على قيام الليل بقيلولة النهار واستعينوا على الصيام بأكلة السحر وفي هذا الباب حديث منكر انفرد به ثابت بن موسى أبو يزيد الكوفي وهو منكر الحديث رماه بن معين بالكذب حدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا أبو بكر محمد بن العباس بن وصيف الأبزاري بغزة قال حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال‏.‏

وحدثنا عمران بن موسى الطائي عن ثابت بن موسى الطائي قال حدثنا شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار‏.‏

226- وأما حديث مالك في هذا الباب عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وإذا قام بسطتهما قالت والبيوت يؤمئذ ليس فيها مصابيح قد ذكرنا من تابعه على مثل هذه الرواية ومعناها في التمهيد وفيه من الفقه وجوه منها أن المرأة لا تبطل صلاة من صلى إليها سواء جعلها سترة من صلاته أو كانت بينه وبين قبلته فإن ذلك كله مذكور في حديثها هذا عند ناقليه وهذا موضع اختلف فيه العلماء لاختلاف الآثار المرفوعة في ذلك فقالت طائفة يقطع الصلاة على المصلي إذا مر بين يديه الحمار والكلب والمرأة وممن قال بها أنس بن مالك وأبو الأحوص والحسن البصري وحجتهم حديث أبي ذر وحديث بن عباس بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرتهما بالأسانيد الحسان في كتاب التمهيد والحمد لله وروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود وبه قال أحمد بن حنبل وقال في نفسي من المرأة والحمار شيء وكان بن عباس وعطاء بن أبي رباح يقولان يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض رواة قتادة عن جابر بن زيد سمعة يحدثه عن بن عباس ورواه شعبة عن قتادة عن جابر عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال جمهور العلماء لا يقطع الصلاة شيء وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري وأبي ثور وداود والطبري وجماعة من التابعين وحجتهم حديث بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل صلاته وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة ورواه عطاء بن أبي رباح عن عروة عن عائشة مثله وقد ذكرنا إسناده من طرق في التمهيد فسقط بهذا الحديث أن تقطع المرأة بمرورها صلاة من تمر بين يديه ومعلوم أن اعتراضها بين يديى المصلي أشد من مرورها وسيأتي القول في مرور الحمار بين يدي المصلي في باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وهناك يقع الاستيعاب من القول في السترة والمرور بين يدي المصلي بعون الله تعالى‏.‏

وأما قوله في حديث هذا الباب ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وهو حديث القاسم بن محمد عن عائشة غمز رجلي فقبضتهما أو فضممتهما إلي ففيه دليل على أن الملامسة باليد لا تنقض الطهارة ‏(‏ما لم يكن معها اللذة‏)‏ لأن الأصل في ‏(‏لمس‏)‏ الرجل أن يكون بلا حائل وكذلك اليد حتى يثبت الحائل وهنا اعتراض طويل قد ذكرته في التمهيد وقد مضى في باب الوضوء من القبلة معنى الملامسة ومراعاة اللذة فيها من جعلها من شرائطها ومن أبي من ذلك ومن لم ير الملامسة إلا الجماع ولا معنى لإعادة ذلك هنا وفي هذا الحديث ما كانوا عليه من ضيق العيش والإقلال ألا ترى أنهم كانت بيوتهم يومئذ دون مصابيح وفي قول عائشة رحمها الله والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح دليل على أنها إذ حدثت بهذا الحديث كانت بيوتهم فيها المصابيح وذلك أن الله عز وجل فتح عليهم من الدنيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم فوسعوا على أنفسهم إذ وسع الله عليهم وقولها يومئذ تريد حينئذ لأنا لو جعلنا اليوم هنا النهار على المعهود ومعلوم أن النهار ليس بوقت للمصابيح استحال ذلك فعلمنا أنها أرادت بقولها يؤمئذ أي حينئذ وهذا مشهور في لسان العرب كانت تعبر باليوم عن الحين والوقت وهذا أشهر من أن يحتاج فيه إلى الاستشهاد‏.‏

227- وأما حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه ففيه دليل على أن الصلاة لا ينبغي أن يقربها من لا يعقلها ولا يقيمها على حدودها وأن كل ما شغل القلب عنها وعن الخشوع فيها فواجب تركه واستعمال الفراغ لها بقلب مقبل عليها وقد قال الضحاك بن مزاحم في قول الله تعالى ‏(‏لا تقربوا الصلوة وأنتم سكرى ‏)‏ ‏[‏النساء 43‏]‏‏.‏

قال من النوم وما أعلم أحدا تابعه على ذلك والله أعلم وقد ذكرنا في التمهيد أقوال العلماء في تأويل هذه الآية وقد يستدل من هذا الحديث بأن النعاس وهو النوم اليسير لا ينقض الصلاة وإذا لم ينقض الصلاة لم ينقض الوضوء والدليل على أن النعاس ليس بالنوم الثقيل قول الشاعر‏:‏

وسنان أقصده النعاس فرنقت *** في عينه سنة وليس بنائم

وليس في هذا الحديث معنى يحتاج فيه إلى القول غير ما وصفنا إلا أن يستدل مستدل بأنه لا يجوز للمرء أن يسب نفسه وذلك بأن يستسب لها وهذا فيه من النصوص ما يغني عن الاستدلال‏.‏

228- وفي هذا الباب حديث مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع امرأة من الليل تصلي فقال من هذه فقيل الحولاء بنت تويت لا تنام الليل فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرفت الكراهية في وجهه ثم قال إن الله لا يمل حتى تملوا اكلفوا من العمل ما لكم به طاقة وقد ذكرنا في التمهيد من أسنده ووصله وهو حديث صحيح مسند والحولاء امرأة قرشية من بني أسد بن عبد العزى بن قصي والتويتات في بني أسد وقد أوضحنا ذلك عند ذكرها في كتاب الصحابة‏.‏

وأما قوله إن الله لا يمل حتى تملوا فمعناه عند أهل العلم إن الله لا يمل من الثواب والعطاء على العمل حتى تملوا أنتم العمل وتقطعونه فينقطع عنكم ثوابه ولا يسأم من أفضاله عليكم إلا بسآمتكم عن العمل وأنتم متى تكلفتم من العمل والعبادة ما لا تطيقون وأسرفتم لحقكم الملل وضعفتم عن العمل فانقطع عنكم الثواب بانقطاع العمل يحضهم صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى على القليل الدائم ويخبرهم أن النفوس لا تحتمل الإسراف عليها وأن ذلك سبب إلى قطع العمل ومن هذا حديث بن مسعود قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا ومنها أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لا تشادوا الدين فإنه من غالب الدين يغلبه الدين ومنه الحديث إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا يقطع أرضا ولا يبقى ظهرا وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص وكان يصوم النهار ويقوم الليل لا تفعل فإنك إذا فعلت نفهت نفسك أي أعيت وكلت يقال للمعيي منفه ونافه وجمع نافه نفه كذلك فسره أبو عبيد عن أبي عبيدة وأبي عمرو قال الأصمعي الإيفال السير الشديد‏.‏

وأما الوغول فهو الدخول وقد جعل مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله الغلو في أعمال البر سيئة والتقصير سيئة فقال الحسنة بين السيئتين‏.‏

وأما لفظه في قوله إن الله لا يمل حتى تملوا فهو لفظ خرج على مثال لفظ ومعلوم أن الله عز وجل لا يمل سواء مل الناس أو لم يملوا ولا يدخله ملال في شيء من الأشياء جل عن ذلك وتعالى علوا كبيرا وإنما جاء لفظ هذا الحديث على المعروف من لغة العرب فإنهم إذا وضعوا لفظا بإزاء لفظ جوابا له أو جزءا ذكروه بمثل لفظه وإن كان مخالفا له معناه ألا ترى إلى قوله عز وجل ‏(‏وجزؤا سيئة سيئة مثلها‏)‏ ‏[‏الشورى 40‏]‏‏.‏

وقوله تعالى ‏(‏فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏)‏ ‏[‏البقرة 194‏]‏‏.‏

والجزاء لا يكون سيئة والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق وجب ومثل ذلك قول الله عز وجل ‏(‏ومكروا ومكر الله والله خير المكرين‏)‏ آل عمران 54 وقوله تعالى ‏(‏إنما نحن مستهزءون الله يستهزئ بهم‏)‏ القرة 14 وقوله تعالى ‏(‏إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا‏)‏ ‏[‏الطارق 15‏]‏‏.‏

16 وليس من الله مكر ولا هزو ولا كيد إنما هو جزاء مكرهم واستهزائهم وكيدهم فذكر الجزاء بمثل لفظ الابتداء لما وضع بحذائه وقبالته فكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يمل حتى تملوا أي من مل فقطع عمله انقطع عنه الجزاء روى الأوزاعي وغيره عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا من العمل قدر ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا قالت وكان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما داوم عليه صاحبه وإن قل وبعضهم يرويه وكان أحب الصلاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما داوم عليها صاحبها وإن قلت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة داوم عليها ثم قرأ أبو سلمة ‏(‏الذين هم على صلاتهم دائمون‏)‏ ‏[‏المعارج 23‏]‏‏.‏

وقد تقدم بعض القول في صلاة الليل وأن قول القائل بأنه فرض ولو كقدر حلب شاة قول متروك وشذوذ والعلماء على خلافه كلهم يقولون إنه فضيلة لا فريضة ولو كان قيام الليل فرضا لكان مقدرا موقتا معلوما كسائر الفرائض وقد روى قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة أنه قال لها حدثيني عن قيام الليل فقالت ألست تقرأ سورة المزمل قلت بلى قالت فإن أول هذه السورة نزلت فقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت أقدامهم وحبست خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا ثم أنزل آخرها فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل وقد ذكرنا إسناد هذا الحديث وما كان مثله من معاني هذا الباب في التمهيد أما حديثه عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم الصلاة الصلاة ثم يتلو ‏(‏وأمر أهلك بالصلوة واصطبر عليها‏)‏ ‏[‏طه 132‏]‏‏.‏

ففيه ما كان عليه عمر من قيام الليل وأنه لم تشغله أمور المسلمين وما كان إليه منهم عن الصلاة بالليل وذلك لفضل صلاة الليل وفيه أنه لم يكن يكلف أهله من الصلاة ما كان هو يفعله منها بالليل ويحتمل أن يكون إيقاضه أهله ليدركوا شيئا من صلاة الأسحار والاستغفار فيها ويحتمل أن يكون إيقاظه لهم للصلاة المفروضة صلاة الصبح وأيها كان فإنه امتثل في ذلك الآية التي ذكر مالك وامتثل والله أعلم قول الله عز وجل ‏(‏يأيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ‏[‏التحريم 6‏]‏‏.‏

قال أهل العلم بتأويل القرآن ومعانيه أدبوهم وعلموهم‏.‏

230- وأما قول سعيد بن المسيب كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها فهذا المعنى مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي برزة الأسلمي وغيره وقد ذكرناه من طرق في التمهيد أحسنها حديث يحيى القطان قال حدثنا عوف قال حدثني أبو المنهال سيار بن سلامة عن أبي برزة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الثوم قبلها والحديث بعدها يعني العشاء الآخرة ‏(‏1‏)‏ وقد روي من حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مررت ليلة أسري بي فإذا بقوم تضرب رؤوسهم بالصخر فقلت يا جبريل من هؤلاء قال يا محمد بن أمتك قلت وما بالهم قال كانوا ينامون عن العشاء الآخرة وهذا معناه عندي والله أعلم أنهم كانوا ينامون عنها ولا يصلونها في شيء من وقتها وعلى هذا حمل الطحاوي قوله صلى الله عليه وسلم فيمن نام ليله كله حتى أصبح ذلك رجل بال الشيطان في أذنه قال هذا والله أعلم أنه نام عن صلاة العشاء الآخرة حتى انقضى الليل كله ويدلك على ذلك أن من السلف قوما كانوا ينامون قبل العشاء ويصلون في وقتها روى شعبة قال سألت الحكم عن النوم قبل صلاة العشاء في رمضان فقال قد كانوا ينامون قبل صلاة العشاء وإسناده عن شعبة في التمهيد روى سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود أنه كان يقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلتين وينام ما بين المغرب والعشاء وعن بن عمر أنه كان يرقد قبل الصلاة العشاء الآخرة ويوكل من يوقظه ذكره أبو بكر بن أبي شيبة عن بن علية عن أيوب عن بن عمر قال‏.‏

وحدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم أو مجاهد قال كان بن عمر يكاد يسب الذي ينام عن العشاء والإسناد الأول عنه أجود ومعناه عندي على ما وصفت والله أعلم وروي عن بريد لعلي رضي الله عنه أنه ربما أغفي قبل العشاء وروي أنه ما كانت نومة أحب إليه من نومة بعد العشاء قبل العشاء وذكرت إباحة النوم قبل العشاء عن الأسود بن يزيد وعروة بن الزبير وعلي الأزدي وسعيد بن جبير وبن سيرين ذكره بن أبي شيبة عنهم وهذا كله عنهم على أنهم كانوا يصلون العشاء في وقتها أو مع الجماعة‏.‏

وأما الذين كرهوا النوم قبلها فعمر بن الخطاب رضي الله عنه ودعا على من نام قبل العشاء قال فمن نام فلا نامت عينه وأبو هريرة جاءه رجل فقال إن منا المخارج والمضارب فهل علينا حرج أن ننام قبل العشاء قال نعم ‏!‏ وحرج وحرجان وثلاثة أحراج وعن بن عمر أيضا لسائل سأله عن ذلك فقال إن نمت عنها قبل أن تصليها فلا نامت عينك وعن بن عباس قال ما أحب النوم قبلها ولا الحديث بعدها وعن إبراهيم وعطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن المسيب أنهم كانوا يكرهون النوم قبلها والحديث بعدها وقال مجاهد لأن أصلي العشاء قبل مغيب الشفق أحب إلي من أن أنام ثم أصليها بعد مغيب الشفق في جماعة وهذا عندي إسراف وصلاتها في الحضر قبل مغيب الشفق غير جائز إلا لعذر صحيح واتفق مالك والشافعي على كراهة النوم قبل العشاء الآخرة والحديث بعدها واحتج مالك بما ذكره في موطئه عن سيعد بن المسيب وذكر عن عائشة في الحديث بعدها في كتاب الجامع أنها كانت ترسل بعض أهلها بعد العتمة تقول لهم ألا تريحون الكتاب‏.‏

وأما أبو حنيفة وأصحابه فيكرهون النوم قبلها ويرخصون في الحديث بعدها فيما لا مأثم فيه وقال الليث بن سعد إنما معنى قول عمر فلا نامت عينه من نام قبل ثلث الليل وقد ذكرنا في التمهيد حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا سمر بعد العشاء إلا لمصل أو مسافر‏.‏

231- وذكر مالك في آخر هذا الباب أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى يسلم من كل ركعتين وهذا تفسير لحديثه المجمل الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى ويدل على ما قاله الشافعي إنه حديث خرج على جواب السائل كأنه قال يا رسول الله كيف صلاة الليل فقال مثنى مثنى ولو سأله عن صلاة النهار لقال أيضا مثل ذلك بدليل هذا الحديث عن بن عمر أنه قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وقد روي علي بن عبد الله الأزدي البارقي عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ركعتين وسيأتي القول في ذلك في باب الوتر إن شاء الله تعالى وقوله مثنى مثنى يقتضي التسليم من كل ركعتين كما جاء مفسرا في هذا الخبر عن بن عمر لأنه لا يقال للظهر مثنى مثنى ولا للعصر مثنى مثنى وإن كان فيهما جلوس في كل ركعتين وهذا كله يدل على ضعف مذهب الكوفيين في إجازتهم عشر ركعات وثمانيا ومثنى وأربعا وقد روى يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن بن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن وهذا لو صح احتمل أن يكون لا يفصل بينهن بتقدم عن موضعه ولا تأخر وجلوس طويل أو كلام والله أعلم وهذا المعنى يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث المغيرة بن شعبة ومن حديث أبي هريرة حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن الحجاج عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيعجز أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله يعني في السبحة بعد الفريضة قال إسماعيل هكذا حدثني به سليمان بن حرب‏.‏

وحدثناه عارم بن الفضل قال حدثنا حماد بن زيد عن ليث عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر إبراهيم بن إسماعيل هذا مجهول وكذلك الحجاج بن عبيد وإنما روى حديثه ليث لا أيوب وهو حديث لا يحتج بمثله ولكن قد روى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن بن عباس قال إذا صلى أحدكم المكتوبة ثم أراد أن يصلي بعدها فليتقدم ولا يتكلم قال أبو عمر هذا حديث صحيح وسفيان عن حصين عن الشعبي قال إذا صليت المكتوبة ثم أردت أن تتكلم فاخط خطوة أو تكلم قال أبو عمر قد خالف بن عمر بن عباس في هذا القول فقال وأي فضل أفضل من السلام وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وكان مالك رحمه الله لا يرى بأسا أن يتطوع من سوى الإمام في موضعه ولا يتقدم ولا يتأخر ولا يتكلم وكان ينكر قول من كره ذلك على معنى ما روي عن بن عمر وغيره في ذلك وإنما قلنا إن قوله مثنى مثنى يقتضي السلام من كل ركعتين في النوافل مع ما تقدم ذكره لأن بن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وقبل العصر ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد الجمعة ركعتين في بيته وهو كان أشد الناس امتثالا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع وغندر عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي الأزدي عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل والنهار ركعتان ركعتان وقال غندر مثنى مثنى وذكر بن وهب قال حدثنا عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله الأشج أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان حدثه أنه سمع بن عمر يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى يعني التطوع فكيف يقبل مع هذا عن بن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن ومع ما رواه علي الأزدي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر

232- ذكر فيه مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة فإذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن في هذا الحديث الوتر بواحدة وهو رد لقول من قال لا يوتر بثلاث لا يفصل بينهن بسلام وسيأتي القول في هذه المسألة في موضعها من الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى وهكذا هذا الحديث عند رواة الموطأ وخالف أصحاب بن شهاب مالكا في معنى منه وذلك أنهم جعلوا الاضطجاع فيه بعد ركعتي الفجر لا بعد الوتر ومن أصحاب بن شهاب من قال فيه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يسلم منها في كل ويوتر بواحدة هكذا رواه بن أبي ذئب ويونس بن يزيد والأوزاعي عن بن شهاب ورواه معمر وعقيل وشعيب كما رواه مالك لم يقولوا يسلم من كل ركعتين ولا ذكروا يوتر بواحدة ولم يختلفوا في إسناده عن بن شهاب عن عروة عن عائشة وقد ذكرنا ذلك بالأسانيد عنهم في التمهيد وقد أنكر أهل الحديث على مالك قوله في هذا الحديث أوتر منها بواحدة فإذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن وقالوا لم يذكر غيره في الحديث عن بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضطجع على شقه الأيمن إلا بعد ركعتي الفجر كذلك رواه عمرو بن الحارث ويونس وبن أبي ذئب عن بن شهاب عن عروة عن عائشة الحديث وفي آخره فإذا تبين له الفجر وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة قال أبو عمر قد قال يحيى بن معين إن أصحاب بن شهاب إذا اختلفوا فالقول ما قاله مالك فهو أثبتهم في بن شهاب وأحفظهم لحديثه وممكن أن يكون اضطجاعهم مرة كذا ومرة كذا وغير نكير أن يكون ما قاله مالك لأنه موجود من روايته عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن بن عباس قال بت عند خالتي ميمونة قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين الحديث قال ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فصلى ركعتين ففي هذا الحديث أن اضطجاعه كان بعد الوتر وبعد ركعتي الفجر ولكنه لم يتابع على ذلك في حديث بن شهاب هذا وإنما يقولون فيه عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة ويمكث في سجوده قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه فإذا سكت المؤذن الأول من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن وقد ذكرنا من ساقه هكذا ومن خالف فيه في هذا الباب وفي هذا الحديث من الفقه ما يدل على أن قيام الليل سنة مسنونة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى القول في ذلك في الباب قبل هذا وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى ما يقضي لرواية من روى في هذا الحديث أنه كان يسلم في كل ركعتين وقد زعم قوم أن اضطجاعه صلى الله عليه وسلم بعد ركعتي الفجر سنة واحتجوا بحديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه وإسناده مذكور في التمهيد وأبي جماعة من أهل العلم ذلك وقالوا ليس الاضطجاع سنة وإنما كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم راحة لطول قيامه واحتجوا بحديث أبي سلمة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت نائمة اضطجع وإن كنت مستيقظة حدثني وفي لفظ بعض الناقلين لهذا الحديث إن كنت مستيقظة حدثني وإلا فاضطجع وروى بن القاسم عن مالك قال لا بأس بالضجعة بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح إن لم يرد بذلك الفصل بينهما وقال الأثرم سئل أحمد بن حنبل وأنا أسمع عن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر فقال ما أفعله أنا فإن فعله رجل ثم سكت كأنه لم يعبه إن فعله قيل له لم لم تأخذ به ليس فيه حديث يثبت قلت له حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال رواه بعضهم مرسلا وعن بن عمر وإبراهيم النخعي وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وجابر بن زيد أنهم أنكروا الضجعة بعد ركعتي الفجر وقال بن عمر إنها بدعة وفي هذا الحديث من رواية جماعة من أصحاب بن شهاب اتخاذ مؤذن ثابت للأذان وفيه إشعار المؤذن للإمام لدخول الوقت وفي ذلك ما يدل على أن على المؤذنين ارتقاب الأوقات واحتج بعض من لا يجيز الأذان بصلاة الصبح قبل الفجر بحديث بن شهاب هذا من رواية عقيل وغيره قوله فيه فإذا سكت المؤذن الأول لصلاة الفجر قام فصلى ركعتين خفيفتين قالوا فهذا يدل على أن الأذان لصلاة الفجر إنما كان بعد الفجر في حين يجوز عمل ركعتي الفجر لقوله إذا سكت المؤذن الأول وهذا التأويل قد عارضه قوله صلى الله عليه وسلم إن بلالا ينادي بليل وقد مضى القول فيه والحمد لله‏.‏

233- وأما حديثه عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا قالت عائشة فقلت يا رسول الله ‏!‏ أتنام قبل أن توتر فقال يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي وفي هذا الحديث البيان بأن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره كانت سواء وقد مضى القول في قيام رمضان وأكثر الآثار على أن صلاته كانت إحدى عشرة ركعة وقد روي ثلاث عشرة ركعة واحتج العلماء على أن صلاة الليل ليس فيها حد محدود والصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة كان يصلي ثمان ركعات وأربع ركعات ويوتر بركعة واحدة وروى الدراوردي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة تسعا قائما واثنتين جالسا واثنتين بين النداءين وحديث مالك أثبت من هذين الحديثين‏.‏

وأما قوله يصلي أربعا ثم يصلي ثلاثا فذهب قوم إلى أن الأربع لم يكن بينها سلام وكذلك الأربع بعدها وقال آخرون لم يجلس إلا في آخر الأربع ثم في الأربع ثم أوتر بثلاث وذهب فقهاء الحجاز وبعض أهل العراق إلى أنه كان يسلم في كل ركعتين منها على ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فمن ذهب إلى هذا تأول في قوله يصلي أربعا ثم أربعا أي حسنهن وطولهن ورتل القرآن فيهن وكذلك أيضا فعل في الأربع بعدهن حسنهن وطولهن ثم الثلاث بعدهن لم يبلغ فيهن من الطول ذلك المبلغ لكنه سلم في كل ركعتين من صلاته تلك كلها فهذا معنى أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا عند هؤلاء وحجتهم صلاة الليل مثنى مثنى ولا يقال للظهر ولا للعصر مثنى وإن كان فيها جلوس واختصار اختلافهم في صلاة التطوع بالليل أن مالكا والشافعي وبن أبي ليلى وأبا يوسف ومحمدا قالوا في صلاة الليل مثنى مثنى والحجة لهم ما قدمنا من تسليم رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته بالليل من كل ركعتين وقوله صلاة الليل مثنى مثنى وذلك يقتضي الجلوس والتسليم في كل ركعتين‏.‏

وقال أبو حنيفة في صلاة الليل إن شئت ركعتين وإن شئت أربعا وإن شئت ستا وثمانيا لا تسليم إلا في آخرهن وقال الثوري والحسن بن حيي صل بالليل ما شئت بعد أن تقعد في كل ركعتين وتسلم في آخرهن وحجة هؤلاء ظواهر الأحاديث عن عائشة ‏(‏منها‏)‏ حديثها هذا أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا ‏(‏ومنها‏)‏ ما رواه الأسود عن عائشة أنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعات فلما أسن صلى سبع ركعات وقال مسروق عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع فلما أسن أوتر بسبع ويحيى بن الجزار عن عائشة مثله على اختلاف عن يحيى في ذلك وروى بن نمير ووهيب وطائفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بخمس لا يجلس في شيء من الخمس حتى يجلس في الآخرة منهن قال أبو عمر أما حديث هشام بن عروة هذا فقد أنكره مالك وقال مذ صار هشام بالعراق أتانا عنه ما لم نعرف منه‏.‏

وأما سائر الأحاديث فمحتمله للتأويل ويقضي عليها قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى مع حديث بن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة ويسلم من كل اثنتين وقد ذكرنا من روى عن بن شهاب هذا الحديث كما وصفنا من ثقات أصحابه قال أبو عمر في معنى قوله أيضا في حديث هذا الباب أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا وجه رابع وهو أنه كان ينام بعد الأربع ثم ينام بعد الأربع ثم يقوم فيوتر بثلاث واحتج من قال بذلك بحديث بن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة أنها وصفت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل وقراءته فقالت كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى ثم يصلي قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى ونعتت قراءاته حرفا حرفا وزاد بعضهم فيه ثم يقوم فيصلي ويوتر رواه الليث بن سعد وغيره عن بن أبي مليكة‏.‏

وأما قولها أتنام قبل أن توتر يا رسول الله فقيل إن عائشة لم تعرف النوم قبل الوتر لأن أباها أبا بكر رضي الله عنه كان لا ينام حتى يوتر وكان يوتر أول الليل وهذا عنه محفوظ معلوم قد ذكرنا الخبر به في موضعه فلذلك والله أعلم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتنام قبل أن توتر لأنها رأت أباها لا يفعل ذلك وكانت صبية فيها يقظة أما قوله صلى الله عليه وسلم جوابا لها إن عيني تنامان ولا ينام قلبي فتلك من علياء مراتب الأنبياء صلوات الله عليهم وذلك روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا ولهذا والله أعلم قال بن عباس رؤيا الأنبياء وحي لأن الأنبياء يفارقون سائر البشر في نوم القلب ويساووهم في نوم العين ولو تسلط النوم على قلوبهم كما يصنع بغيرهم لم تكن رؤياهم إلا كرؤيا من سواهم وقد خصهم الله من فضله بما شاء أن يخصهم به ومن هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ ثم يصلي ولا يتوضأ لأن الوضوء من النوم إنما يجب لغلبة النوم على القلب لا على العين فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يساوي أمته في الوضوء من الحدث ولا يساويهم في الوضوء من النوم كما لم يساويهم في وصال الصوم وغيره مما جرت عادتهم به فإن قيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ من النوم قيل كان يتوضأ لكل صلاة وما جاء عنه قط أنه قال وضوئي هذا من النوم وليس ببعيد أن يتوضأ إذا خامر النوم قلبه وذلك نادر كنومه في سفره عن صلاة الصبح ليسن لأمته أن الصلاة لا يسقطها خروج الوقت وإن كان مغلوبا بنوم أو نسيان وهذا واضح والله المستعان روى حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى سمع غطيطه ثم صلى ولم يتوضأ قال عكرمة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظا وإن ذلك كان منه نادرا ليس لأمته كما سن فيمن نام أو نسي وكما قال صلى الله عليه وسلم إني لأنسى لأسن وذكر عبد الرزاق وأبو سفيان عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لي لتنم عينك وليعقل قلبك ولتسمع أذنك فنامت عيني وعقل قلبي وسمعت أذني وذكر الحديث وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد وتقدم عنه في باب النوم عن الصلاة ليلة الوادي ما فيه كفاية والحمد لله‏.‏

234- وأما حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة إذا سمع النداء بالصبح ركعتين ثم يصلى خفيفتين فهذا أكثر ما روي في عدد ركعات صلاته بالليل صلى الله عليه وسلم وهو يعارض حديث أبي سلمة عن عائشة قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة وهذه شهادات عدول على عائشة فمن زاد في ذلك زيادة قبلت لأنها شهادة مستأنفة وأهل العلم يقولون إن الاضطراب عنها في أحاديثها في الحج وأحاديثها في الرضاع وأحاديثها في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وأحاديثها في قصر صلاة المسافر لم يأت ذلك إلا منها رضي الله عنها لأن الذين يروون ذلك عنها حفاظ أثبات القاسم بن محمد وعروة بن الزبير والأسود بن يزيد ومسروق ونظراؤهم وقد أجمع العلماء على أن لا حد ولا شيء مقدرا في صلاة الليل وأنها نافلة فمن شاء أطال فيها القيام وقلت ركعاته ومن شاء أكثر الركوع والسجود وقد ذكرنا اختلافهم في الأفضل من ذلك ويأتي القول في ركعتي الفجر بعد إن شاء الله تعالى‏.‏

235- وأما حديثه عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن بن عباس فلم يختلف عن مالك في إسناده ومتنه وقد ذكرنا في التمهيد كثيرا من طرقه واختلاف الناقلين له وفيه جواز مبيت الغلمان عند ذوات أرحامهم وكان بن عباس نام تلك الليلة عند خالته ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما الدخول عليهن في العورات الثلاث إحداها وهي أوكدها بعد صلاة العشاء وقد أوضحنا هذا في موضعه من هذا الكتاب وهو أمر لا خلاف فيه وفيه التحري في الألفاظ والمعاني لقوله أو قبله بقليل أو بعده بقليل هذا فرار من الكذب وورع صادق وامتثال هذا من أفعال أهل الصدق والوسادة ها هنا الفراش وشبهه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في طولها ونام هو في عرضها مضطجعا عند رجليه والله أعلم أو عند رأسه وفيه قراءة القرآن على غير وضوء لأنه نام النوم الكثير الذي لا يختلف في مثله ثم استيقظ فمسح النوم عن وجهه وقرأ العشر الآيات خواتيم آل عمران ثم قام إلى الشن المعلق فتوضأ والشن القربة الخلق والإداوة الخلق يقال لكل واحدة منهما شنة وشن وجمعها شنان ومنه الحديث قرسوا الماء في الشنان ومن هذا المعنى والله أعلم أخذ عمر قوله للذي قال له أتقرأ يا أمير المؤمنين وأنت على غير وضوء فقال له من أفتاك بهذا أمسيلمة ‏!‏ وسيأتي هذا الحديث في موضعه من هذا الكتاب وما أعلم خلافا في جواز قراءة القرآن على غير وضوء ما لم يكن حدثه جنابة وروى علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يحجزه عن قراءة القرآن شيء إلا الجنابة رواه الأعمش وشعبة وبن أبي ليلى ومسعر والثوري عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي وروى مثله ومعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن مالك الغافقي وحكيم بن حزام على هذا جمهور العلماء من السلف والخلف وقد شذت فرق فأجازت قراءته جنبا وهي مخجوجة بالسنة وأقاويل علماء الأمة‏.‏

وأما الاختلاف في مس المصحف على غير طهارة فسيأتي في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وفيه رد على من لم يجز للمصلي أن يؤم أحدا إلا أن ينوي الإمامة مع الإحرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينو إمامة بن عباس وقد قام إلى جنبه مؤتما به فأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلك به سنة الإمامة إذ نقله عن شماله إلى يمينه وفي هذه المسألة أقوال أحدها هذاوقد ذكرنا فساده وقال آخرون جائز لكل من افتتح الصلاة وحده أن يكون إماما لمن ائتم به في تلك الصلاة وإن لم ينو ذلك عند افتتاحها لأن الإمامة والجماعة في الصلاة فعل خير لم يمنع الله منه ولا رسوله ولا اتفق الجميع عليه وقال آخرون أما المؤذن والإمام إذا أذن فقد دعا الناس إلى الصلاة ثم انتظر فلم يأته أحد فتقدم وصلى وحده فدخل رجل فجائز له أن يدخل معه في صلاته ويكون إمامه لأنه قد دعا الناس إلى الصلاة ونوى الإمامة والقول في هذا الحديث كالقول فيما مضى من صلاته صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما قوله فصلى ركعتين ثم ركعتين فمحمول عندنا على أنه كان يجلس في كل ركعتين ويسلم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى وبما ذكرنا في حديث عائشة من أنه كان يسلم في كل ركعتين من صلاته بالليل وقوله فيه بعد ثنتي عشرة ركعة ثم أوتر دليل على أن الوتر واحدة منفصلة مما قبلها وسنبين ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما قوله فيه ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن فصلى ركعتين خفيفتين فقد ذكرنا معنى الاضطجاع بعد الوتر ومن جعله بعد ركعتي الفجر وما في ذلك للعلماء فلا وجه لإعادته هنا ورواية مالك في رواية بن عباس هذا بمعنى روايته في حديث عائشة على ما وصفنا في هذا الباب‏.‏

وأما قول بن عباس في هذا الحديث فقمت إلى جنبه يعني إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني يفتلها فمعناه أنه قام عن يساره فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله عن يمينه وهذا المعنى لم يقمه مالك في حديثه وقد ذكره أكثر رواة هذا الحديث عن كريب وقد ذكرنا الروايات بذلك في التمهيد من طرق كثيرة من حديث مخرمة بن سليمان وعمرو بن دينار وسلمة بن كهيل وحبيب بن أبي ثابت كلهم عن كريب عن بن عباس ومن حديث سعيد بن جبير أيضا عن بن عباس وكلهم يصف المعنى الذي ذكرنا وهي سنة مسنونة مجتمع عليها في الإمام إذا قام معه واحد أنه لا يقوم إلا عن يمينه واختلفوا في الاثنين مع الإمام وسيأتي ذكر ذلك في موضعه من هذا الكتاب واحتجوا إذا كانوا ثلاثة سوى الإمام أنهم يقومون خلفه وقيل إنه إنما فتل أذنه ليذكر ذلك ولا ينساه وقيل ليذهب نومه‏.‏

236- وأما حديثه عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن زيد بن خالد الجهني فإن يحيى بن يحيى صاحبنا قد وهم منه في قوله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما الحديث ولم يتابعه أحد من رواة الموطأ على ذلك والذي في الموطأ عند جميعهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين فأسقط يحيى ذكر الركعتين الخفيفتين وذلك وهم وخطأ منه لأن المحفوظ في هذا الحديث وفي غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين وقال يحيى أيضا في هذا الحديث طويلتين طويلتين مرتين وغيره من رواة الموطأ يقولها ثلاث مرات طويلتين طويلتين طويلتين وقد ذكرنا في التمهيد الروايات عن مالك بما وصفنا وذكرنا حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين وحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدكم من الليل فليصل ركعتين خفيفتين أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى عن سفيان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدكم من الليل فليصل ركعتين خفيفتين يفتتح بهما صلاته‏.‏

وأخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الربيع بن نافع قال حدثنا سليمان بن حيان عن هشام بن حسان عن بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله‏.‏

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا بن أبي شيبة قال حدثنا هشيم قال حدثنا أبو حرة عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين وفي هذا الحديث بيان أن صلاة الليل ركعتان ركعتان فإن الركعتين الخفيفتين اللتين يفتتح بهما صلاة الليل لم يعتبرها ولا اعتد بها من جعل صلاته بالليل عشر ركعات ثم واحدة للوتر وإذا حملت الأحاديث التي أوردها مالك في هذا الباب على هذا صحت وائتلفت ولم يختلف شيء منها إن شاء الله تعالى‏.‏