فصل: باب ما يفعل من جاء والإمام راكع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب وضع اليدين على ما يوضع عليه الوجه في السجود

359- ذكر فيه مالك عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا سجد وضع كفيه على الذي يضع عليه وجهه قال نافع ولقد رأيته في يوم شديد البرد وإنه ليخرج كفيه من تحت برنس له حتى يضعهما على الحصباء‏.‏

360- وعن نافع عن بن عمر أنه كان يقول من وضع جبهته في الأرض فليضع كفيه على الذي يضع عليه جبهته ثم إذا رفع فليرفعهما فإن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه وهذا كله مستحب عند العلماء مرغوب فيه مأمور به إلا قوله في اليدين فليرفعهما فإن رفعهما عند الجميع فرض لأنه لا يعتدل من لم يرفعهما من الأرض والاعتدال في الركوع والرفع منه وفي السجود والرفع منه واجب فرضا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وفعله له وقوله عليه السلام صلوا كما رأيتموني أصلي وقوله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله عز وجل إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه ولا سجوده ولا خلاف بين العلماء في ذلك وإنما اختلفوا في الطمأنينة بعد الاعتدال وقد أوضحنا هذا المعنى فيما تقدم من كتابنا هذا وإنما قلنا هذا لأنا لم نعد ما روي عن أبي حنيفة وبعض أصحابنا في ترك الاعتدال خلافا لأن مخالف الجمهور والآثار محجوج بهم وبالآثار منها ما رواه أبو مسعود عقبة بن عمرو قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فوصف الصلاة قال ثم سجد حتى استقر كل شيء منه ثم قعد حتى استقر كل شيء منه رواه زائدة بن قدامة عن عطاء بن السائب عن سالم بن عبد الله عن أبي مسعود حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثنا زائدة فذكره وروى الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تجزئ صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود وقد ذكرنا بإسناده فيما سلف من كتابنا‏.‏

وأما قوله كان يخرج يديه في اليوم الشديد البرد من تحت برنس له فإن ذلك مستحب مأمور به عند الجميع والدليل على ذلك إجماع الجميع على أن المصلي يسجد على ركبتيه مستورتين بالثياب وهي بعض الأعضاء التي أمر المصلي بالسجود عليها فكذلك سائر أعضائه إلا ما أجمعوا عليه من كشف الوجه إلا أن في قول بن عمر اليدان تسجدان كما يسجد الوجه ما يدل على أن حكم اليدين عنده حكم الوجه لا حكم الركبتين والذي أحب لكل مصل ألا يستر يديه بأكمامه عند سجوده وأن يباشر بهما ما يباشره بوجهه فإن لم يفعل فقد قصر عن حظ نفسه وصلاته ماضية جائزة عنه إن شاء اللعه وإذا كانت اليدان كالوجه للحرمة كان الأولى للمصلي أن يخرج يديه قاسيا على الوجه ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن حسن بن صالح عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الرحمن بن أبي عاصم عن أبي هند الشامي قال قال عمر إذا سجد أحدكم فليباشر بكفيه الأرض لعل الله تعالى يصرف عنه الغل يوم القيامة قال‏.‏

وحدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد أن بن عمر كان يخرج يديه إذا سجد وأنهما ليقطران دما قال‏.‏

وحدثنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا إسحاق بن سويد قال رأيت قتادة العدوي إذا سجد يخرج يديه يمين بهما الأرض قال‏.‏

وحدثنا عبد العزيز بن محمد عن أسامة بن زيد قال رأيت سالما إذا سجد أخرج يديه من برنسه حتى يضعهما على الأرض قال‏.‏

وحدثنا أبو أسامة عن بن عون قال كان محمد يباشر بكفيه الأرض إذا سجد وذكر يعني بن أبي شيبة عن مجاهد والأسود بن يزيد والحسن البصري وسعيد بن جبير وعلقمة ومسروق وإبراهيم أنهم كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم وبرانسهم بالأسانيد عنهم قال‏.‏

وحدثنا عبد العزيز بن محمد عن إسماعيل بن أبي حبيبة عن عبد الله بن عبد الرحمن قال جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بنا في مسجد بني عبد الأشهل فرأيته واضعا يديه في ثوبه إذا سجد قال أبو عمر إسماعيل بن أبي حبيبة ضعيف لا يحتج بما يرويه إذا انفرد به‏.‏

باب الالتفات والتصفيق في الصلاة عند الحاجة

361- ذكر فيه مالك عن أبي حازم الأشجعي سلمة بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر الصديق فقال أتصلي للناس فأقيم قال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس من التصفيق التفت أبو بكر فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف فقال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالي رأيتكم أكثرتم من التصفيح من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيح للنساء قد ذكرنا في التمهيد اختلاف ألفاظ الناقلين لهذا الحديث عن أبي حازم وغيره وبان في ذلك أن الصلاة الذي ذكر أنها كانت صلاة العصر وأن المؤذن كان بلالا وفي هذا الحديث من الفقه أن الصلاة إذا خشى فوت وقتها المستحب المختار أنه لا ينتظر الإمام فيها وإن كان فاضلا وفيه أن الإقامة إلى المؤذن هو أولى بها وقد اختلف الفقهاء في هذا المعنى فقال قائلون من أذن فهو يقيم ورووا فيه حديثا أخرج عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد فيه لين يدور على عبد الرحمن بن زياد الأفريقي‏.‏

وقال مالك والكوفيون ولا بأس بأذان المؤذن وإقامة غيره واستحب الشافعي أن يقيم المؤذن فإن أقام غيره فلا بأس بذلك عنده وفي حديث عبد الله بن زيد إذ أري النداء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتا ففعل فلما أذن بلال قال لعبد الله بن زيد أقم أنت وفي هذا أذان رجل وإقامة غيره وإسناد حديث عبد الله بن زيد أثبت عند أهل العلم وفي حديث هذا الباب أيضا أنه لا بأس بتخلل الصفوف والمشي إلى الصف الأول حتى يصل إليه من يليق به الصلاة فيه لأن شأن الصف الأول أن يكون فيه أفضل القوم علما ودينا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى يعني ليحفظوا عنه ويعوا ما يكون منه في صلاته وكذلك ينبغي أن يكون في الصف الأول من يصلح أن يلقنه ما تعايا عليه ووقف فيه من القرآن ومن يصلح أيضا للاستخلاف في الصلاة إن ناب الإمام فيها ما يحمله على الاستخلاف وفيه أن التصفيق لا يفسد صلاة الرجال إن فعلوه فيها لأنهم لم يؤمروا بإعادة وإنما قيل لهم من نابه شيء في صلاته فليسبح وفيه أن من فضائل الرجل لا يلتفت في صلاته ولذلك وصف به أبو بكر رضي الله عنه من حاله فلما أكثر الناس التصفيق التفت في ذلك دليل على أن الالتفات الخفيف لأمر لابد منه لا يفسد الصلاة لأنه لم يؤمر بالإعادة لفعله ذلك وقد جاءت في النهي عن الالتفات آثار حسان ذكرتها في التمهيد محلها عند العلماء على ما ذكرت لك منها أن عبد الله بن عمر سئل أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت في الصلاة قال لا ولا في غير الصلاة وفيه أن الإشارة في الصلاة باليد والغمز بالعين لا تضر المصلي وقد روى نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة وقد ذكرنا الأحاديث بأسانيدها في التمهيد وفيه أن رفع اليدين في الصلاة حمدا وشكرا ودعاء وضراعة إلى الله عز وجل لا تضر الصلاة وفيه دليل على جواز الاستخلاف في الصلاة إذا أحدث الإمام أو منعه من تمام صلاته مانع وقد تأخر أبو بكر من غير حدث ليتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن نابه في صلاته من حدث أو غيره مما يمنعه من التمادي فيها أحرى بأن يجوز له الاستخلاف والتأخر وقد كان يجوز لأبي بكر أن يبقى مكانه ولا يتأخر بدليل إشارة رسول الله أن امكث مكانك‏.‏

وأما تأخر أبي بكر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكانه فهو موضع خصوص عند أكثر العلماء وكلهم لا يجيز إمامين في صلاة واحدة من غير حدث يقطعها على الإمام وفي إجماعهم على هذا دليل على خصوص هذا الموضع لفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا نظير له ولا يجوز أن يتقدم بين يديه للنهي في ذلك إلا بأمره وسائر الناس تتقارب أحوالهم ولا يجوز لأحد أن يتقدم قوما إلا بإذنهم أو إذن من له الإذن منهم فلا ضرورة بأحد اليوم إلى مثل ذلك الفعل فلذلك بان فيه الخصوص والله أعلم وموضع الخصوص من هذا الحديث هو استئخار الإمام من غير حدث‏.‏

وأما من تأخر لعلة الحدث فجائز لم وصفنا وقد روى عيسى عن بن القاسم في رجل صلى بقوم ركعة من صلاتهم ثم أحدث فخرج وقدم رجلا ثم توضأ وانصرف فأخرج الذي قدمه وتقدم مكانه فأتم بهم هل تجزئهم صلاتهم فقال قد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تأخر له أبو بكر فصلى به وبالناس قال فإما أن يصلي بهم بقية صلاتهم ثم يجلسون حتى يتم هو لنفسه ثم يسلم ويسلمون قال عيسى قلت لابن القاسم فلو ذكر قبيح ما صنع بعد أن صلى ركعة قال يخرج ويقوم الذي خرج قلت فإن لم يجد قال يقوم غيره ممن أدرك الصلاة كلها وفيه أن السنة لمن نابه شيء في صلاته أن يسبح ولا يصفق هذا ما لا خلاف فيه للرجال‏.‏

وأما النساء فإن العلماء اختلفوا في ذلك فذهب مالك وأصحابه أن التسبيح للرجال والنساء على ظاهر قوله من نابه شيء في صلاته فليسبح وهذا على عمومه في الرجال والنساء وتأولوا في قوله فإنما التصفيح للنساء أي أن التصفيح من أفعال النساء على جهة الذم لذلك وقال آخرون منهم الشافعي والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن حي وجماعة من نابه من الرجال شيء في صلاته سبح‏.‏

وأما المرأة فإنها تصفق إذا نابها في صلاتها شيء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرق بين الرجال والنساء في ذلك فقال التسبيح للرجال والتصفيق للنساء وكذلك رواه جماعة في حديث سهل بن سعد هذا وهو محفوظ ثابت من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عن أبي هريرة سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن سيرين وأبو صالح السمان وغيرهم وعلى هذا يكون قوله صلى الله عليه وسلم من نابه شيء في صلاته منكم يا معشر الرجال فليسبح إذ عليهم خرج الخبر وإليهم توجه الخطاب وقال بعض العلماء إن التصفيح للنساء أن تضرب المرأة بأصبعين من يمينها على كفها الشمال وقال بعضهم إنما كره التسبيح للنساء وأبيح لهن التصفيق لأن صوت المرأة فتنة ولهذا منعت من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة في صلاتها وفي هذا الحديث دليل على جواز الفتح على الإمام إذا احتاج إلى ذكره لقوله صلى الله عليه وسلم من نابه شيء في صلاته فليسبح وإذا جاز التسبيح جازت التلاوة لأنها ذكر وهذا إنما يكون إذا وقف الإمام ولم يجد ما يقرأ على ما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا استطعمك الإمام فأطعمه أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر بن الأثرم قال حدثنا قبيصة قال حدثنا سفيان الثوري عن خالد الحذاء قال سمعت الحسن يقول إن أهل الكوفة يقولون لا يفتح على الإمام ولا بأس به أليس الرجل يقول سبحان الله وذكر الطحاوي أن الثوري وأبا حنيفة وأصحابه كانوا يقولون لا يفتح أحد على الإمام قالوا فإن فتح عليه لم تفسد صلاته وروى الكرخي عن أصحاب أبي حنيفة أنهم لا يكرهون الفتح على الإمام‏.‏

وقال مالك والشافعي وأصحابهما لا بأس بالفتح على الإمام اتفاقا وهذا هو الصحيح لأن تلاوة القرآن في الصلاة أجوز من التسبيح وقد قال أبو حنيفة إذا كان التسبيح جوابا قطع الصلاة وإن كان مرور إنسان بين يديه لم يقطع وقال أبو يوسف لا يقطع وإن كان جوابا وكذلك اختلافهم فيمن جاوب بالقرآن وهو يصلي جوابا مفهوما‏.‏

362- وأما حديثه عن نافع عن بن عمر أنه لم يكن يلتفت في صلاة فهذه السنة المجتمع عليها والالتفات مكروه عند الجميع إذا رمى ببصره وصعد عنقه يمينا أو شمالا ولا يكرهون له النظر بين يديه إلا إلى ما يشغله عن صلاة فإنه لا يجوز ذلك له‏.‏

363- وأما حديثه عن أبي جعفر القارئ أنه قال كنت أصلي وعبد الله بن عمر ورائي ولا أشعر به فالتفت فغمزني فهذا الغمز باليد بدليل رواية أبي المصعب له عن مالك في الموطأ قال فالتفت فوضع يده في قفاي فغمزني وقد أجمع العلماء على أن من سلم عليه وهو يصلي فرد إشارة أنه لا شيء عليه وقد ثبت من حديث بن عمر عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي والأنصار يدخلون يسلمون عليه وكان يرد إشارة ومن أهل العلم من قال لا يرد إشارة ولكنه إذا سلم من الصلاة رد السلام كلاما وأكثرهم يجيزون رد السلام إشارة باليد للمصلي وكره السلام على المصلي جماعة من أهل العلم وأجازه الأكثر على ما وصفنا عنهم وبالله التوفيق‏.‏

باب ما يفعل من جاء والإمام راكع

364- ذكر فيه مالك عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال دخل زيد بن ثابت المسجد فوجد الناس ركوعا فركع ثم دب حتى وصل إلى الصف‏.‏

365- مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يدب راكعا قال أبو عمر حديث زيد بن ثابت في هذا الباب متصل صحيح وحديث بن مسعود وإن كان بلاغا منقطعا عند مالك فإنه متصل صحيح أيضا من رواية أئمة أهل الحديث روى سفيان بن عيينة عن منصور بن المعتمر عن زيد بن وهب قال دخلت مع بن مسعود المسجد فوجدنا الناس ركوعا فركعنا جميعا قبل أن نصل إلى الصف ثم مشينا راكعين حتى دخلنا في الصف فلما سلم الإمام قمت لأقضي الركعة فأخذ بن مسعود بيدي فقال اجلس فقد أدركت وروى سفيان أيضا عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال رأيت زيد بن ثابت دخل المسجد والناس ركوع فركع ثم دب راكعا حتى وصل إلى الصف وسفيان عن عبيد الله بن يزيد قا ل رأيت سعيد بن جبير ركع قبل أن يصل إلى الصف ثم مشى راكعا حتى وصل إلى الصف قال أبو عمر لا أعلم لزيد وبن مسعود مخالفا من الصحابة روى محمد بن إسحاق عن الأعرج قال قلت لأبي هريرة يركع الإمام ولم أصل إلى الصف أفأركع فأخذ برجلي وقال لا يا أعرج حتى تأخذ مقامك من الصف قال أبو عمر قد روي قول أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه بن عجلان عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف وعلى هذا مذهب الشافعي إلا أنه يستحب ألا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف فإن فعل فلا شيء عليه كأنه لم يقطع بصحة رفع حديث أبي هريرة مع ما روي عن بن مسعود وزيد‏.‏

وقال مالك والليث لا بأس أن يركع الرجل وحده دون الصف ويمشي إلى الصف إذا كان قريبا قدر ما يلحق‏.‏

وقال أبو حنيفة أكره للواحد أن يركع دون الصف ثم يمشي ولا أكره ذلك للجماعة وهو قول الثوري قال أبو عمر من هذا الباب صلاة الرجل الصف وحده وقد اختلف العلماء في ذلك قديما فقال مالك لا بأس أن يصلي الرجل خلف الصف وحده وقد كره أن يجذب إليه رجلا‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والليث بن سعد والثوري إن صلى رجل خلف الصف وحده أجزأه وقال الحسن بن حي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأكثر أهل الظاهر لا يصلي الرجل خلف الصف وحده وإن فعل فعليه الإعادة قال أبو عمر احتج من لم يجز ذلك بحديث وابصة بن معبد رواه جماعة من أئمة أهل الحديث عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف أنه سمع وابصة بن معبد يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد ومن أجاز صلاة الرجل خلف الصف وحده احتج بحديث أبي بكرة أنه ركع دون الصف فلم يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعادة وقال له زادك الله حرصا ولا تعد وقالوا ليس في حديث وابصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالإعادة لصلاته خلف الصف وحده لعله قد أمره بالإعادة لشيء رآه منه وهذا خلاف ظاهر ما سبق له الحديث واحتجوا أيضا بابن مسعود وزيد في ركوعهما دون الصف والركوع ركن من أركان الصلاة قالوا فكذلك سائر الصلاة قال أبو عمر أجمع العلماء على أن المرأة تصلي خلف الرجل وحدها صفا وأن سنتها الوقوف خلف الرجل لا عن يمينه وهذا المعنى قد مضى في جامع سبحة الضحى والحمد لله قال إسماعيل بن إسحاق من دخل المسجد فوجد الناس ركوعا فلا يركع دون الصف إلا أن يطمع أن يصل إلى الصف راكعا قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركعة وهو معنى ما رواه بن القاسم عن مالك في ذلك وقال غيره له أن يركع دون الصف ويعقد ركعته قبل أن يرفع الإمام رأسه كما له أن يصلي خلف الصف وحده قال وهو قول مالك وأصل مذهبه في ذلك‏.‏

وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة حين ركع دون الصف زادك الله حرصا ولا تعد فمعناه عند أهل العلم زادك الله حرصا إلى الصلاة ولا تعد إلى الإبطاء عنها حتى يقوتك شيء منها ولم يأمره بإعادة ركوعه الصف ولا لسعيه إليه حدثنا يعيش بن سعيد وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسحاق بن الحسن الجويني قال حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي قال حدثنا بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه عن أبي بكرة أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وهم ركوع فسعى إلى الصف فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من الساعي قال أبو بكرة أنا يا رسول الله قال زادك الله حرصا ولا تعد‏.‏

باب ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

366- ذكر فيه مالك حديث أبي حميد الساعدي أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته الحديث ذكره عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي أنه قال أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته الحديث‏.‏

367- وحديث أبي مسعود الأنصاري واسمه عقبة بن عمرو بمعناه إلا أنه قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ذكره أيضا عن نعيم بن عبد الله المجمر عن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري أنه أخبره عن أبي مسعود الأنصاري فذكر الحديث وقد ذكرنا في التمهيد الرواية عن أبي مسعود أنه قال لما نزلت ‏(‏إن الله وملئكته يصلون على النبي‏)‏ ‏[‏الأحزاب 56‏]‏‏.‏

قالوا يا رسول الله ‏!‏ قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة وذكر الحديث وفي هذين الحديثين من الفقه أنه يلزم من ورد عليه خبر محتمل لوجه أو لوجهين في الكتاب أو السنة ألا يقطع منهما على وجه حتى يقف على المراد إن وجد إلى ذلك سبيلا ألا ترى إلى قول سعد بن عبادة وغيره أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك وهذا والله أعلم لما يحتمله لفظ الصلاة من المعاني وقد بيناها فيما تقدم من هذا الكتاب وقد اختلف الناس فيما لم يرد به التوقيف هل العموم أولى بذلك أم الخصوص في أقل ما يقع عليه الاسم وذلك سبق لي كتاب الأصول والحمد لله وهذا الحديث يخرج في التفسير المسند ويبين قول الله تعالى ‏(‏إن الله وملئكته يصلون على النبي‏)‏ ‏[‏الأحزاب 56‏]‏‏.‏

الآية فبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الصلاة عليه وبين لهم في التشهد كيف السلام عليه وهو قوله عليه السلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم والسلام كما قد علمتم ويشهد لما قلنا قول بن عباس وبن مسعود كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن وقال بن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد وفي بعض الروايات عنه على المنبر كما يعلم المكتب الولدان وذكر أبو بكر قال حدثنا بن علية عن خالد بن الغلام المتوكل قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول كنا لا نكتب شيئا إلا القرآن والتشهد وقد قيل إنه التسليم من الصلاة الذي هو تحليلها وقال بعض أهل العلم إن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بن مسعود ومن روى مثل روايته اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كلام مجمل محتمل للتأويل يفسره قوله في حديث أبي حميد الساعدي ومن تابعه اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته لأن لفظ الآل محتمل لوجوه من الأهل ومنها الأتباع كما قال تعالى ‏(‏أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب‏)‏ ‏[‏غافر 46‏]‏‏.‏

أي أتباعه فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الآل هنا الأهل وأن ما أجمله مرة فسره أخرى وأوقف على أن الأهل أزواجه وذريته ويدخل في قوله آل إبراهيم إبراهيم وفي آل محمد محمدا صلى الله عليهما كأنه قال إبراهيم وآله ألا ترى إلى قوله تعالى ‏(‏أدخلوا ءال فرعون‏)‏ يدخل فيه فرعون هذا ما يوحيه تهذيب الأحاديث وترتيبها والله ولي التوفيق لا شريك له وأجمع العلماء على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مؤمن لقوله عز وجل ‏(‏يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما‏)‏ ‏[‏الأحزاب 56‏]‏‏.‏

ثم اختلفوا في كيفية ذلك وموضعه فذهب مالك وأصحابه وأبو حنيفة إلى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض في الجملة بعقد الإيمان ولا يتعين في الصلاة ولا في وقت من الأوقات ومن قول بعضهم أن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة في عمره فقد سقط فرض ذلك عنه وبقي مندوبا إليه من عمره بمقدار ما يمكنه وروي عن مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي أنهم قالوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مستحب في التشهد الآخر مندوب إليها وتاركها مسيء ومع ذلك فصلاة من لم يفعل ذلك تامة حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن زائدة عن منصور عن إبراهيم قال كانوا يرون حين فرض الله الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فكانوا يرون أن التشهد كاف من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال الشافعي إذا لم يصل المصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الآخر بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة قال وإن صلى عليه قبل ذلك لم يجزئه وهذا قول حكاه عنه حرملة لا يكاد يؤخذ عنه إلا من رواية حرملة وغير حرملة إنما يروى عنه أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض في كل صلاة وموضعها التشهد الآخر قبل التسليم ولم يذكروا إعادة فيمن وضعها قبل التشهد في الجلسة الآخرة إلا أن أصحابه قد تقلدوا رواية حرملة ومالوا إليها وناظروا عليها ومن حجة من قال إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست من فرائض الصلاة حديث بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده فعلمه التشهد إلى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وقال له فإذا قلت ذلك فقد قضيت الصلاة فإن شئت أن تقوم وإن شئت أن تقعد وقد ذكرناه بإسناده وتمام ألفاظه في التمهيد وليس في هذا الحديث ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد وكذلك سائر الآثار عن بن مسعود وغيره في التشهد ليس في شيء منها ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم يدعو بما شاء ولم يأمر بإعادة ولو كان ذلك فرضا لأمره بالإعادة كما فعل بالذي لم يكمل ركوعه ولا سجوده وحجة الشافعي ومن قال بقوله في هذه المسألة أن الله عز وجل أمرنا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأن نسلم عليه تسليما ثم جاء الأمر منه عليه السلام بالتشهد فعلمهم فيه كيف يسلمون عليه تسليما بقوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وكان يعلم أصحابه التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن وقال لهم إنه يقال في الصلاة لا في غيرها وقالوا له قد علمنا السلام عليك في التشهد يعنون فكيف الصلاة عليك فعلمهم الصلاة عليه وقال لهم السلام كما قد علمتم فدلهم على أن ذلك قرين التشهد في الصلاة قالوا وقد وجدنا الأمة بأجمعها تفعل الأمرين جميعا في صلاتها فلا يجوز أن يفرق بينها ولا تتم الصلاة إلا بهما وأراه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر المسلمين قولا وعملا قالوا وليس في حديث بن مسعود حجة لأنه حديث خرج على معنى في التشهد كانوا يقولون فقال لهم لا تقولوا وقولوا كذا ومعنى قوله فيه فإذا قلت كذلك فقد تمت صلاتك يعني إذا ضم إلى ذلك القول غيره من التسليم الذي به يسد الخلل منها وكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مثل قوله عليه السلام أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها على فقرائكم يعني إذا ضم إليهم من سمي معهم في القرآن وكذلك حديث أبي هريرة ورفاعة بن رافع في الذي لم يكمل صلاته فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له إذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك يعني إذا ضم إليه فيها ما لابد منه فيها من القراءة والتسليم وما أشبه ذلك وإذا جاز المستدل أن يستدل على ظواهر أحاديث التشهد وما أشبهها بحديث تحليلها التسليم جاز لغيره أن يستدل على إيجاب الصلاة على النبي في الصلاة بما وصفنا وببعضه وبالله التوفيق قالوا وأبو مسعود هو الذي يروي الحديث في هذا الباب وهو القائل ما أرى أن صلاة لي تمت إذا لم أصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وذكرنا حديث سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم روى حديث أبي مسعود جابر الجعفي وجابر الجعفي وإن كان قد طعن عليه قوم منهم بن عيينة فقد أثنى عليه سفيان وشعبة وغيرهما ووصفوا بالحفظ والإتقان لما روى ومن حجة الشافعي أيضا ما رواه بن عيينة عن منصور قال لما أنزل الله تعالى ‏(‏إن الله وملئكته يصلون على النبي يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما‏)‏ ‏[‏الأحزاب 56‏]‏‏.‏

فافترض الله على عباده الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسليم علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله هذا كله ما احتج به الشافعي وأصحابه لمذهبهم في إيجاب الصلاة على النبي عليه السلام في الصلاة قال أبو عمر الأصل أن الفرائض لا تثبت إلا بدليل لا معارض له أو بإجماع لا مخالف فيه وذلك معدوم من هذه المسألة إلا أني رأيت الفقهاء وأصحابهم إذا قام لأحدهم دليلا من كتاب أو سنة أوجبوا به واستقصوا في موضع الخلاف وحجة أصحاب الشافعي فيها ضعيف ولست أوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرضا في كل صلاة ولكن لا أحب لأحد تركها وبالله التوفيق قال أبو عمر رويت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة بألفاظ متقاربة ليس في شيء منها وارحم محمدا وآل محمد وإنما فيها كلها لفظ الصلاة والبركة لا غير قوله اللهم صل على محمد وليس في شيء منها وأرحم محمدا فلا أحب أحدا أن يقوله لأن الصلاة وإن كانت من الله الرحمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم خص بهذا اللفظ وذلك والله أعلم من معنى قول الله عز وجل ‏(‏لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا‏)‏ ‏[‏النور 63‏]‏‏.‏

ولهذا أنكر العلماء على يحيى بن يحيى ومن تابعه في الرواية عن مالك في الموطأ‏.‏

368- عن عبد الله بن دينار قال رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر قالوا إنما الرواية لمالك وغيره عن عبد الله بن دينار عن بن عمر أنه كان يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لأبي بكر وعمر ففرقوا بما وصفت لك بين يدعو لأبي بكر وعمر وبين يصلي على أبي بكر وعمر وإن كانت الصلاة قد تكون دعاء لما خص به صلى الله عليه وسلم من لفظ الصلاة عليه وكذلك روي عن عبد الله بن عباس قال لا يصلي على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الناس يدعى لهم ويترحم عليهم ومعلوم أن بن عباس قد يعلم أن الصلاة تكون الدعاء والرحمة أيضا وقد رد بن وضاح رواية يحيى إلى رواية بن القاسم فإنه روى رواية بن القاسم عن سحنون‏.‏

وحدث بها عنه وكما رواه بن القاسم كذلك رواه القعنبي وبن بكير ومن تابعهم في الموطأ وجعلها يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لأبي بكر وعمر وهذا كله مذهب من لا يرى ألا يصلى على غير النبي عليه الصلاة والسلام حدثنا أحمد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن يونس عن بقي بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا هشيم قال أخبرنا عثمان بن حكيم عن عكرمة عن بن عباس قال ما أعلم الصلاة تنبغي من أحد على أحد إلا عن النبي عليه السلام وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن عثمان بن حكيم بن سهل عن عكرمة عن بن عباس قال لا تنبغي الصلاة على أحد إلا على النبيين قال عبد الرزاق‏.‏

وأخبرني الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا على أنبياء الله ورسوله فإن الله بعثهم كما بعثني وقد أجاز قوم الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد قالوا ومعلوم أن آل محمد غير محمد واحتجوا أيضا بحديث عبد الله بن أبي أوفى قال كان الناس يأتون بصدقاتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو لهم فجئت مع أبي بصدقته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم صلى على آل أبي أوفى ففي هذا الحديث لفظ الصلاة على غير النبي عليه السلام قال أبو عمر تهذيب هذه الآثار وحملها على غير التضاد والتدافع هو أن يقال أما النبي عليه السلام فجائز أن يصلي على من شاء لأنه قد أمر أن يصلي على كل من يأخذ صدقته‏.‏

وأما غيره فلا ينبغي له إلا أن يخص النبي عليه السلام بالصلاة عليه كما قال بن عباس فجائز أن يحتج في ذلك بعموم قوله تعالى ‏(‏لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا‏)‏ ‏[‏النور 63‏]‏‏.‏

والذي اختاروه في هذا الباب أن يقال اللهم ارحم فلانا واغفر له ورحم الله فلانا وغفر له ورضي عنه ونحو هذا من الدعاء له والترحم عليه ولا يقال إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا صلى الله عليه إلا أنه جائز أن يدخل معه في ذلك آله على ما جاء في الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واللهم صل على محمد وأزواجه وذريته ولا يصلى على غيره بلفظ الصلاة امتثالا لعموم قول الله عز وجل ‏(‏لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم‏)‏ ‏[‏النور 63‏]‏‏.‏

في حياته وموته صلى الله عليه وسلم‏.‏

باب العمل في جامع الصلاة

369- ذكر فيه مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد صلاة العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين هكذا رواية يحيى عن مالك لم يذكر في بيته إلا بعد المغرب فقط وتابعه القعنبي على ذلك وقال بن بكير في هذا الحديث في بيته في موضعين أحدهما في الركعتين بعد المغرب والأخرى في الركعتين بعد الجمعة في بيته وقال بن وهب فيه عن مالك في الركعتين بعد المغرب والركعتين بعد العشاء في بيته ولم يذكر الصرافة في الجمعة وقد تابعه أيضا جماعة من رواة الموطأ وقد اختلف في لفظ هذا الحديث أصحاب نافع واختلف فيه أيضا عن بن عمر وقد ذكرنا ذلك كله مبسوطا في التمهيد وقد اختلفت الآثار وعلماء السلف في صلاة النافلة في المسجد وكرهها قوم لهذا الحديث ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى قوم يصلون بعد المغرب في المسجد فقال هذه صلاة البيوت ورخص فيها آخرون لحديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد وقد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد والذي عليه العلماء أنه لا بأس بالتطوع في المسجد لمن شاء إلا أنهم مجمعون على أن صلاة النافلة في البيوت أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة وقد تقدم هذا الحديث فيما مضى من هذا الكتاب‏.‏

وأما قوله في هذا الحديث وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين فإن الفقهاء اختلفوا في التطوع بعد الجمعة خاصة فقال الإمام مالك ينبغي للإمام إذا سلم من الجمعة أن يدخل منزله ولا يركع في المسجد ويركع الركعتين في بيته إن شاء على حسب ما رواه في ذلك قال مالك‏.‏

وأما من خلف الإمام فأحب إلي أيضا أن ينصرفوا إذا سلموا ولا يركعوا في المسجد فإن ركعوا فذلك واسع‏.‏

وقال الشافعي ما أكثر المصلي من التطوع بعد الجمعة فهو أحب إلي‏.‏

وقال أبو حنيفة يصلي بعد الجمعة أربعا وقال في موضع آخر وستا وقال الثوري إن صليت أربعا أو ستا فحسن وقال الحسن بن حي يصلي بعد الجمعة أربعا‏.‏

وقال أحمد بن حنبل أحب إلي أن يصلي بعد الجمعة ستا فإن صلى أربعا فحسن لا بأس به وكل هذه الأقاويل مروية عن الصحابة قولا وعملا وقد ذكرنا ذلك كله عنهم بالأسانيد في التمهيد ولا خلاف بين متقدمي العلماء ومتأخريهم أنه لا حرج من لم يصل بعد الجمعة ولا من فعل من الصلاة أكثر أو أقل مما اختاره كل واحد منهم‏.‏

وأما قولهم في ذلك على الاختيار لا على غير ذلك واختار أكثر أهل العلم ركوع الركعتين بعد المغرب في البيت روى القعنبي عن سليمان بن بلال عن بلال عن ربيعة أنه سمع السائب بن يزيد يقول رأيت الناس في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينصرفون من الصلاة بعد المغرب ولا يصلون حتى يصيروا إلى أهليهم وربما انصرفوا جميعا حتى ما يبقى في المسجد أحد وروى حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن العباس بن سهل بن سعد أن الناس كانوا على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه يصلون الركعتين بعد المغرب في بيوتهم وروى الأعمش عن ثابت بن يزيد قال رأيت زيد بن ثابت صلى الركعتين بعد المغرب في بيته وكان إبراهيم النخعي إذا صلى المغرب لم يركع إلا في بيته ركعتين وكان سعد بن إبراهيم لا يصلي الركعتين بعد المغرب إلا في بيته فهذا عمل الصحابة والتابعين بالمدينة وروى سفيان عن منصور عن إبراهيم قال صلاة السنة اثنتا عشرة ركعة وهذا محفوظ من حديث أم حبيبة عن النبي عليه السلام أنه قال من صلى ثنتي عشرة ركعة بعد الفريضة وثابر عليها بني له بيت في الجنة أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه جعل موضع الركعتين بعد العشاء ركعتين قبل العصر‏.‏

370- مالك عن بن الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أترون قبلتي ها هنا فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم إني لأراكم من وراء ظهري قال أبو عمر دفعت طائفة من أهل الزيغ هذا الحديث وقالوا كيف تقبلون مثل هذا وأنتم ترون ضده فذكروا حديث أبي بكرة إذ ركع دون الصف فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال أيكم الذي ركع دون الصف فقال أبو بكرة أنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد وذكروا حديث حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للرجل الذي دخل الصف وقد حفزه النفس فقال حين انتهى إلى الصف الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال من المتكلم الحديث وذكروا مثل هذا من الأحاديث وقالوا ألا ترون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم من الراكع دون الصف حتى استعلم ولا ومن المتكلم قال أبو عمر فالجواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فضائله تزيد في كل وقت إلى أن مات صلى الله عليه وسلم ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم قال كنت عبدا قبل أن أكون نبيا وكنت نبيا قبل أن أكون رسولا وقال صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم إني خير من يونس بن متى وقال له رجل يا خير البرية فقال ذاك إبراهيم وقال له آخر يا سيد بن السادة أو يا شريف بن الشرفاء فقال ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وذلك قوله كله قبل أن تنزل عليه سورة ‏(‏إنا فتحنا لك‏)‏ ‏[‏الفتح 1‏]‏‏.‏

فلما نزلت عليه وفيها ‏(‏ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏)‏ ‏[‏الفتح 2‏]‏‏.‏

ولم يغفر لأحد قبله ما تقدم من ذنبه فلما كان ذلك قال حينئذ أنا سيد ولد آدم ولا فخر وحينئذ قال والله أعلم إني لأراكم من وراء ظهري فكانت فضائله صلى الله عليه وسلم تزيد ولا تنقص وقد تأول قوم أن أرى هنا بمعنى أعلم كما قال عز وجل حاكيا عن شعيب عليه السلام وكان أعمى ‏(‏إني أراكم بخير‏)‏ ‏[‏هود 84‏]‏‏.‏

وأرى بمعنى أعلم معلوم في لسان العرب فأراد بقوله أراكم أعلم خشوعكم وتمام ركوعكم بما يخفى عنكم ويلقي الله في قلبي معرفة أحوالكم قال أبو عمر هذه دعوى فيها تحديد لمخالفة الظاهر وغير نكير أن يكون ذلك برؤية العين كسائر ما أعطيه من خرق العادة وأعلام النبوة فيكون ذلك في آخر أمره فيكون قولنا على ظاهر ما قاله صلى الله عليه وسلم وإن كان لا سبيل إلى كيفيته وهو علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل قول النبي عليه السلام أراكم من وراء ظهري فقال كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه قلت له إن إنسانا هو في ذلك كغيره وإنما كان يراهم كما ينظر الإمام من عن يمينه وشماله ‏!‏ فأنكر ذلك إنكارا شديدا قال أبو عمر وصحيح قول أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يلتفت في صلاته وقد روي سفيان بن عيينة عن داود وحميد وبن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ‏(‏ وتقلبك في السجدين‏)‏ ‏[‏الشعراء 219‏]‏‏.‏

قال كان النبي عليه السلام يرى من خلفه في الصلاة كما يرى من بين يديه وروى وكيع عن سفيان عن الليث عن مجاهد قال كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه وخالف مجاهد في تأويل هذه الآية عكرمة وقتادة وقد ذكرنا ذلك في التمهيد والحمد لله وذكر سند قال حدثنا حجاج عن بن أبي ذئب عن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأنظر من ورائي كما أنظر إلى من أمامي فسووا صفوفكم وأحسنوا ركوعكم وسجودكم‏.‏

371- مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكبا وماشيا قد ذكرنا في التمهيد اختلاف رواة الموطأ في إسناد هذا الحديث واختلاف أصحاب نافع في ألفاظه أيضا ورواية أيوب فيه عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء ولم يذكر مالك ولا عبيد الله مسجدا وجرد حماد بن زيد هذا الحديث فرواه عن أيوب عن نافع قال كان عبد الله بن عمر يأتي مسجد قباء في كل سبت إذا صلى الغداة وكان يكره أن يخرج منه حتى يصلي فيه ورواية أيوب هذه تفسير إتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء أنه كان للصلاة في مسجدها وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أن قصد مسجد قباء والصلاة فيه تعدل عمرة بإسناد فيه لين من حديث أهل المدينة قد ذكرناه في التمهيد وذكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن سعد بن إسحاق عن سليط بن سعد قال سمعت بن عمر يقول من خرج يريد مسجد قباء لا يريد غيره يصلي كانت كعمرة وهذا عن بن عمر تفسير حديثه في هذا الباب والله الموفق للصواب وليس في إتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء راكبا ما يعارض قوله عليه السلام لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد لأن قوله ذلك معناه عند العلماء فيمن نذر على نفسه الصلاة في أحد الثلاثة المساجد أنه يلزمه إتيانها دون غيرها‏.‏

وأما إتيان قباء وغيرها من مواضع الرباط تطوعا دون نذر فلا بأس بإتيانها بدليل حديث قباء هذا وقد اختلف في المسجد الذي اسس على التقوى فقيل مسجد قباء وقيل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عن النبي عليه السلام من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال هو مسجدي هذا وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد وكذلك اختلفوا في الطائفة التي بنوا مسجد الضرار على ما قد أوردناه في التمهيد وقد قيل إن إتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء كان زيارة منه للأنصار ونظرا إلى حيطانهم وتفرجا فيها ونحو هذا والأول أعلى عندي ذكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن هاشم بن هاشم عن عائشة بنت سعد قالت سمعت أبي يقول لأن أصلي في مسجد قباء أحب إلي من أن أصلي في بيت المقدس‏.‏

وأما قباء فموضع سكنى بني عمرو بن عوف أو قربهم وهي لفظه ممدودة وقد تقصر قال عبد الله بن الزبعري‏:‏

ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل

حين ألقت بقباء رحلها *** واستحر القتل في عبد الأشل

وقال عمرو بن الوليد بن عقبة أبو قطيفة‏:‏

ألا ليت شعري هل تغير بعدنا *** قباء وهل زال العقيق وحاضره

372- وأما حديثه بعد هذا عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما ترون في السارق والشارب والزاني وذلك قبل أن ينزل فيهم قالوا الله ورسوله أعلم قال هن فواحش وفيهن عقوبة وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته قالوا وكيف يسرق صلاته يا رسول الله قال لا يتم ركوعها ولا سجودها هكذا الرواية في الموطأ أسوأ السرقة بكسر الراء والمعنى أسوأ السرقة سرقة من يسرق صلاته وقد جاء في القرآن ‏(‏ولكن البر من ءامن بالله‏)‏ ‏[‏البقرة 177‏]‏‏.‏

والمعنى ولكن البربر من آمن بالله ومن روى أسوأ السرقة الذي يسرق صلاته بفتح الراء يريد أسوأ السرقة فعلا الذي يسرق صلاته والسرقة جمع سارق مثل الفاسق والفسقة والكافر والكفرة وهذا الحديث متصل ويستند من وجوه صحاح من حديث أبي سعيد الخدري وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله أسوأ السرقة الذي يسرق صلاته الحديث سواء وفي حديث عمران بن حصين قال ما تعدون الكبائر فيكم قالوا الشرك والزنا والسرقة وشرب الخمر قال هن كبائر وفيهن عقوبات وذكر الحديث وفي حديث مالك من الفقه طرح العالم على المتعلم المسائل ليختبره بها وفيه أن شرب الخمر والزنا فواحش والله عز وجل قد حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ومعلوم من قوله ما ترون في الشارب أنه لم يرد شارب الماء وكذلك كل ما أباح الله شربه فلم يبق إلا أنه أراد شارب ما حرم الله عليه ولا يعلم شرب شرابا مجتمعا على تحريمه إلا الخمر وكل مسكر عندنا خمر وفيه دليل على أن الشارب يعاقب وعقوبته كانت مردودة إلى الاجتهاد فلذلك جمع عمر رضي الله عنه الصحابة فشاورهم في حد الخمر فاتفقوا على ثمانين فصارت سنة وعليها العمل عند جمهور فقهاء المدينة وسيأتي بيان ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله‏.‏

وأما السرقة والزنا فقد أحكم الله الحد فيهما في كتابه على لسان نبيه مما لا مدخل للرأي فيه وفيه دليل على أن ترك الصلاة وترك إقامتها على حدودها من أكبر الذنوب ألا ترى أنه ضرب المثل لذلك بالزاني والسارق وشارب الخمر ومعلوم أن السرقة والزنا وشرب الخمر من الكبائر ثم قال شر السرقة وفي رواية مالك وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته يريد وشر من ذلك كله من يسرق صلاته فلا يتم ركوعها ولا سجودها وقد مضى القول في تارك الصلاة فيما تقدم من هذا الكتاب‏.‏

وأما من لم يتم ركوعها ولا سجودها فلا صلاة له وعليه إعادتها وأقل ما يجزئه من ذلك أن يضع يديه على ركبتيه ويعتدل راكعا أقل ما يقع عليه اسم ركوع ويتمكن فيه وكذلك لا يجزئه في السجود أقل من وضع وجهه في الأرض ويديه متمكنا أقل ما يقع عليه اسم ساجد غير ناقر قرأت على أبي محمد قاسم بن محمد أن خالد بن سعد حدثهم قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا شعبة قال أخبرنا سليمان الأعمش قال سمعت عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود‏.‏

وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا بن أخي جويرية قال حدثنا عبد الملك بن بحر قال حدثنا مهدي بن ميمون عن واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة أنه رأى رجلا يصلي لم يقم ركوعه ولا سجوده فلما قضى صلاته دعاه فقال له مذ كم صليت هذه الصلاة قال صليتها منذ كذا وكذا فقال حذيفة ما صليت لله صلاة وقد أوضحنا ما للفقهاء من تسبيح الركوع والسجود والطمأنينة في ذلك في غير موضع والحمد لله‏.‏

373- وأما حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا وهذا الحديث روي مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ذكرت بعضها في التمهيد وللعلماء في معناه قولان أحدهما أنه أراد النافلة كأنه قال اجعلوا صلاتكم في بيوتكم يعني النافلة وتكون من زائدة كما قالوا ما جاءني من أحد يريدون ما جاءني أحد وقال آخرون أراد اجعلوا صلاتكم يريد المكتوبات في بيوتكم ليقتدي بكم أهلوكم ومن لا يخرج إلى المسجد منكم ومن يلزمكم تعليمه لقول الله عز وجل ‏(‏قوا أنفسكم وأهليكم نارا‏)‏ ‏[‏التحريم 6‏]‏‏.‏

يقول أدبوهم وعلموهم وقالوا معلوم أن الصلاة إذا أطلقت فإنما يراد بها المكتوبة لا غيرها حتى يقال الصلاة النافلة وشبهها قالوا وحقيقة من التبعيض فلا تخرج اللفظة عن حقيقة معناها إلا بدليل لا يحتمل التأويل قالوا ومن تخلف عن الجماعة لجماعة أكثر منها أو أقل فلم يتخلف عنها وقد قال صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ولم يخص الجماعة من جماعة ومن صلى في بيته في جماعة فقد أصاب سنة الجماعة وفضلها ذكر أبو بكر قال حدثنا سهل بن هارون قال أخبرنا هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم قال إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهما التضعيف خمس وعشرين درجة قال‏.‏

وحدثنا وكيع عن سفيان عن هشام عن الحسن قال الثلاثة جماعة وروينا أن أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق وجماعة لم يحضرني حفظهم حين كتبت هذا اجتمعوا في دار أحمد فسمعوا النداء فقال أحدهم اخرج بنا إلى المسجد فقال أحمد خروجنا إنما هو للجماعة ولولاها لم نخرج إلى المسجد ونحن في جماعة فأقاموا الصلاة وصلوا في البيت أخبرنا أحمد بن عمر قال حدثنا عبد بن أحمد قال حدثنا علي بن عمر قال حدثنا أبو بكر النيسابوري قال حدثنا عجلان بن المغيرة قال حدثنا عمر بن الربيع بن طارق قال حدثنا عبد الله بن فروخ عن بن جريج عن عطاء عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم‏.‏

374- وأما حديثه عن نافع بن عن عمر أنه كان يقول إذا لم يستطع المريض السجود أومأ برأسه إيماء ولم يرفع إلى جبهته شيئا فعلى قول بن عمر هذا أكثر أهل العلم من السلف والخلف وقد روي عن أم سلمة أنها كانت تسجد على مرفقة من رمد كان بها وعن بن عباس أنه أجاز ذلك وعن عروة بن الزبير أنه فعله وليس العمل إلا ما روي فيه عن بن عمر وقد روي ذلك عن بن عمر من وجوه رواه معمر وغيره عن أيوب عن نافع عن بن عمر ومعمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر قال إذا كان المريض لا يستطيع ركوعا ولا سجودا أومأ برأسه في الركوع والسجود وهو يكبر قال عبد الرزاق‏.‏

وأخبرنا إسماعيل بن عبد الله عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي قال أصاب والدي الفالج فأرسلني إلى بن عمر يرفع إليه شيئا إذا صلى فقال بن عمر أيضا بين عينيك أومئ إيماء قال‏.‏

وحدثنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء قال دخل بن عمر على صفوان بن الطويل يعوده فوجده يسجد على وسادة فنهاه وقال أومئ واجعل السجود أخفض من الركوع قال‏.‏

وأخبرنا الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن معاوية عن علقمة والأسود أن بن مسعود دخل على عتبة أخيه وهو يصلي على مسواك يرفعه إلى وجهه فأخذه فرمى به ثم قال له أومئ إيماء وليكن ركوعك أرفع من سجودك فعلى هذا العمل عند مالك وأكثر الفقهاء وبالله التوفيق‏.‏

375- وأما حديثه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عبد الله بن عمر كان إذا جاء المسجد وقد صلى الناس بدأ بالصلاة المكتوبة ولم يصل قبلها فقد ذهب إليه جماعة من أهل العلم قديما وحديثا ورخص آخرون في الركوع قبل المكتوبة إذا كان وقت تجوز فيه الصلاة النافلة وكان فيه سعة ركعوا ركعتين تحية المسجد ثم أقاموا الصلاة وصلوا وكل ذلك مباح حسن إذا كان وقت تلك الصلاة واسعا قال مالك من أتى مسجدا قد صلي فيه فلا بأس أن يتطوع قبل المكتوبة إذا كان في سعة من الوقت وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وكذلك قال الشافعي وداود بن علي وقال الثوري أبدأ بالمكتوبة ثم تطوع بما شئت وقال الحسن بن جني يبدأ بالفريضة ولا يتطوع حتى يفرغ من الفريضة قال فإن كانت الظهر فرغ منها ثم من الركعتين بعدها ثم يصلي الأربع التي قبلها وقال الليث كل واجب من صلاة فريضة أو صلاة نذر أو صيام بدأ بالواجب قبل النفل وقد روي عنه خلاف هذا قال بن وهب سمعت الليث بن سعد يقول في الذي يدرك الإمام في قيام رمضان ولم يصل العشاء أنه يدخل معهم ويصلي بصلاتهم فإذا فرغ صلى العشاء قال وإن علم أنهم في القيام قبل أن يدخل المسجد فوجد مكانا طاهرا فليصل العشاء ثم ليدخل معهم في القيام‏.‏

376- وأما حديثه عن نافع أن عبد الله بن عمر مر على رجل وهو يصلي فسلم عليه فرد الرجل كلاما فرجع إليه عبد الله بن عمر فقال له إذا سلم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم وليشر بيده وأجمع العلماء على أنه ليس بواجب ولا أن سنة يسلم على المصلي واختلفوا هل يسلم عليه في المسجد أو غير أم لا فذهب منهم ذاهبون إلى أنه لا يجوز أن يسلم عليه لأنه في شغل عن رد السلام وإنما السلام على من يمكنه رده واحتجوا بحديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سلم عليه والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي فلم يرد عليه فلما سلم قال إن في الصلاة شغلا وقال آخرون جائز ان يسلم على المصلي ويرد إشارة لا كلاما لحديث بن عمر عن صهيب أنه حدثه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد بني عمرو بن عوف فكان الأنصار يدخلون وهو يصلي فيسلمون فيرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة بيده فكان بن عمر يفتي بهذا رواه مالك وأيوب وبن جريج وعبيد الله عن نافع عن بن عمر عن صهيب بمعنى واحد كما ذكره مالك ورواه الزهري عن سالم عن بن عمر مثله وقد تأول بعض أهل العلم في حديث صهيب هذا أن إشارته صلى الله عليه وسلم كانت إليهم ألا تفعلوا وهذا وإن كان محتملا ففيه بعد والأول أظهر وقد روى عبد الرزاق وغيره عن بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء قال رأيت موسى بن عبد الله بن جميل الجمحي سلم على بن عباس وبن عباس يصلي في الكعبة فأخذ بن عباس بيده وهذا يحتمل التأويل أيضا وجاء عن بن مسعود في هذا الباب مثل مذهب بن عمر أنه كان إذا سلم عليه وهو يصلي أشار بيده‏.‏

وأما جابر بن عبد الله فذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال لو مررت بقوم يصلون ما سلمت عليهم وعن بن جريج عن عطاء قال أنا أكره أن أسلم عليهم وعن الثوري عن منصور عن إبراهيم قال إذا سلم عليه في الصلاة فلا ترد فإذا انصرفت فإن كان قريبا فرد وإن كان بعيدا قد ذهب فأتبعه السلام ولم يختلف الفقهاء أن من رد السلام وهو يصلي كلاما مفهوما مسموعا أنه قد أفسد صلاته وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأصحابهم وأحمد وإسحاق وجمهور أهل العلم وقد روي عن طائفة من التابعين منهم الحسن وقتادة أنهم أجازوا أن يرد السلام كلاما وهو يصلي وقال من ذهب مذهبهم من المتأخرين السالكين سبيل الشذوذ إن الكلام المنهي عنه في الصلاة هو ما لا يحتاج إليه في الصلاة‏.‏

وأما رد السلام فهو فرض على من سلم عليه في الصلاة وغيرها فمن فعل ما يجب عليه فعله لم تفسد صلاته وقد أجاز بن القاسم وأكثر أصحابنا الكلام في شأن إصلاح الصلاة قال أبو عمر الحجة في هذا الباب حديث زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت ‏(‏ وقوموا لله قنتين‏)‏ ‏[‏البقرة 238‏]‏‏.‏

فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وحديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث ألا تتكلموا في الصلاة فلا يجوز الكلام في الصلاة لأنه أمر كان ونسخ والمنسوخ لا يجوز العمل به‏.‏

وأما حديث هذا الباب فظاهره أن بن عمر لم يأمر الرجل بإعادة وقال له إذا سلم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم وليشر بيده ويحتمل أن يكون مذهب بن عمر في هذا مذهب الحسن ومن قال بقوله ويحتمل أن يكون أمره بالإعادة فلم ينقل ذلك لعلم المخاطب بوجوبه فكأنه قد قال له فلا تتكلم فمن تكلم فقد أفسد على نفسه صلاته وقد أعلمتك بما عليه مذاهب أهل الفتوى من أئمة الأمصار وهو اللباب من العلم والاختيار وبالله التوفيق‏.‏

377- وأما حديث مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وراء امام فإذا سلم الإمام فليصل الصلاة التي نسي ثم يصل بعدها الأخرى فقد اختلف أهل العلم قديما في هذه المسألة وحديثا فجملة قول مالك أنه من ذكر صلاة وهو في صلاة أو في آخر وقت صلاة فإنه يبدأ بالفائتة قبل التي هو في آخر وقت وقتها وإن فات الوقت فإن كان في صلاة وراء إمام تمادى معه ولم يعتد بصلاته تلك معه وصلى الفائتة ثم عاد إليها وصلاها ومن نسي صلاة فذكرها في آخر صلاة فإن كانت المذكورة صلاة واحدة أو اثنتين أو أربعا وقد قيل أو خمسة بدأ بها وإن كان فات وقت الذي حضر وقتها وإن كانت ستة صلوات أو أكثر بدأ بالتي حضر وقتها ثم صلى الفوائت وعلى هذا مذهب أبي حنيفة والثوري والليث إلا أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا الترتيب عندنا واجب في اليوم والليلة إذا كان في الوقت سعة للفائتة ولصلاة الوقت فإن خشي فوات صلاة الوقت بدأ بها فإن زاد على صلاة يوم وليلة لم يجب الترتيب عندهم والنسيان عندهم يسقط الترتيب أيضا وكذلك عند مالك وأصحابه لا يجب الترتيب في الفوائت مع صلاة الوقت إلا بالذكر وجوب استحسان بدليل إجماعهم أن من ذكر صلاة فائتة في وقت العصر أو صلوات يسيرة أنه إن قدم العصر على الفائتة أنه لا إعادة عليه للعصر التي صلاها وهو ذاكر فيها للفائتة إلا أن يبقى من وقتها ما يعيدها فيه قبل غروب الشمس وهذا يدلك على أن قولهم من ذكر صلاة في صلاة أنها تنهدم أو تفسد عليه أنه كلام ليس على ظاهره ولو كان على ظاهره لوجبت الإعادة عليه للعصر بعد غروب الشمس لأن ما ينفسد وينهدم يعاد أبدا وما يعاد في الوقت فإنما إعادته استحباب فقف على هذا الأصل‏.‏

وقال أبو حنيفة أيضا وأصحابه من فاتته صلاة فائتة وهو في صلاة أخرى من الصلوات الخمس فإن كان فيها أكثر من خمس صلوات مضى فيما هو فيه ثم صلى التي عليه وإن كان أقل من ذلك قطع ما هو فيه وصلى التي ذكر إلا أن يكون في آخر وقت التي دخل فيها فخاف فوتها أن يتشاغل بهذه فإن كان ذلك أتمها ثم قضى التي ذكر‏.‏

وقال أبو حنيفة ومحمد إن ذكر الوتر في صلاة الصبح فسدت عليه وإن ذكر فيها ركعتي الفجر لم تفسد عليه قال أبو عمر لأنهما يوجبان الوتر فجرت عندهما مجرى الخمس وقال أبو يوسف لا تفسد عليه بذلك الوتر ولا بركعتي الفجر وبه يأخذ الطحاوي وقد روي عن الثوري وجوب الترتيب ولم يفرق بين القليل والكثير واختلف في ذلك عن الأوزاعي‏.‏

وقال الشافعي الاختيار أن يبدأ بالفائتة إن لم يخف فوات هذه فإن لم يفعل وبدأ بصلاة الوقت أجزأه وذكر الأثرم أن الترتيب عند أحمد بن حنبل واجب في ثلاث سنين وأكثر وقال لا ينبغي لأحد أن يصلي صلاة وهو ذاكر لما قبلها لأنها تفسد عليه قال أبو عمر ثم نقض هذا الأصل أحمد فقال أنا آخذ بقول سعيد بن المسيب في الذي يذكر صلاة في وقت صلاة كرجل ذكر العشاء في آخر وقت صلاة الفجر قال يصلي الفجر ولا يضيع صلاتين أو قال يضيع مرتين وقال إذا خاف طلوع الشمس فلا يضيع هذه لقول سعيد لا يضيع مرتين وهذا يشبه مذهب أبي حنيفة في مراعاتها الابتداء بالفائتة أبدا ما لم يخف فوات صلاة الوقت وقال الأثرم قيل لأحمد إن بعض الناس يقول إذا دخلت في صلاة وتحرمت بها ثم ذكرت صلاة أنسيتها لم تقطع التي دخلت فيها ولكنك إذا فرغت منها قضيت التي نسيت وليس عليك إعادة هذه فأنكره وقال ما أعلم أحدا قاله إنما أعرف من قال أنا أقطع وأنا خلف الإمام فأصلي التي ذكرت لقول النبي صلى الله عليه وسلم فليصلها إذا ذكرها قال وهذا شنيع أن يقطع وهو وراء إمام قيل له فما تقول أنت قال يتمادى مع الإمام فإن كان وحده قطع‏.‏

وقال الشافعي وداود يتمادى مع الإمام ثم يصلي التي ذكر ولا يعيد هذه واحتج داود وأصحابه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتي الفجر وهو ذاكر للصبح وهذا لا حجة فيه لأن ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح فلم يذكر فيهما ما قبلهما وأيضا فلا ترتيب بين ركعتي الفجر والصبح إنما الترتيب في الخمس صلوات صلاة اليوم والليلة واحتج أصحاب الشافعي بأن الترتيب إنما يلزم في صلاة اليوم والليلة في ذلك اليوم وتلك الليلة فإذا خرج الوقت سقط الترتيب استدلالا بالإجماع على أن شهر رمضان يجب الترتيب فيه ما دام قائما فإذا انقضى سقط الترتيب عن كل من يصومه عن مرض أو سفر وجاز له أن يأتي به على غير نسق قالوا فكذلك ترتيب الصلوات الخمس حدثنا عبد الله قال حدثنا عبد الحميد قال حدثنا الخضر قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا الحكم بن موسى قال حدثنا هقل قال حدثنا الأوزاعي قال سمعت الزهري يقول في الذي ينسى الظهر فلا يذكرها حتى يدخل في العصر مع الإمام قال يمضي في صلاة الإمام فإذا انصرف استقبل الظهر ثم صلى العصر فهذا بن شهاب الزهري يفتي بقول بن عمر وهو الذي يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول ‏(‏وأقم الصلوة لذكرى ‏(‏1‏)‏‏)‏ ‏[‏طه 14‏]‏‏.‏

وبهذا الحديث احتج من قدم الفائتة على صلاة الوقت قالوا وإن خرج الوقت قالوا قد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الفائتة وقتا لها عند ذكرها فكأنهما صلاتان اجتمعتا في وقت واحد فيبدأ بالأولى منهما ومن أبي من ذلك فعلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إعلاما به بأن الفائتة لا يسقطها خروج الوقت وإنما تجب بالذكر أبدا وليست كالجمار والضحايا والأعمال التي تفوت بخروج وقتها فلا تقضى‏.‏

وأما ترتيبها وتقديمها على صلاة الوقت فلا وقد أوضحنا معنى هذا الباب بآثار عن علماء السلف في التمهيد والحمد لله‏.‏

378- وأما حديثه في هذا الباب أيضا عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان أنه قال كنت أصلي وعبد الله بن عمر مسند ظهره إلى جدار القبلة فلما قضيت الصلاة انصرفت إليه من قبل شقي الأيسر فقال عبد الله بن عمر ما منعك أن تنصرف عن يمينك قال قلت رأيتك فانصرفت إليك قال عبد الله فإنك قد أصبت إن قائلا يقول انصرف على يمينك فإذا كنت تصلي فانصرف حيث شئت إن شئت على يمينك وإن شئت على يسارك هكذا الحديث عند يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان وتابعه طائفة من رواة الموطأ ورواه أبو مصعب وغيره في الموطأ عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبان لم يذكروا يحيى بن سعيد وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن عبيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان فذكر مثله سواء إلى آخره وفيه الاستناد إلى جدار القبلة في المسجد إلا أن ذلك لا ينبغي أن يفعله من يستقبل المصلي ولا ينبغي للمصلي أن يبتدئ صلاته موجها بها غيره فهذا مكروه وروى سفيان عن سعيد عن القاسم بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبصر رجلا يصلي وآخر مستقبله فضربهما جميعا‏.‏

وأما انصراف المصلي إذا سلم عن يمينه أو يساره فإن السنة أن ينصرف كيف شاء روى شعبة عن سماك بن حرب قال سمعت قبيصة بن ذؤيب يحدث عن أبيه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه ينصرف عن شقيه ووكيع عن الأعمش عن عمارة عن الأسود قال قال عبد الله لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءا ألا يرى أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه فإن أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله وأكثر أهل العلم على أنه الأفضل الانصراف من الصلاة على اليمين وأنه كالانصراف على الشمال سواء وكذلك روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال انصرف نحو حاجتك إن شئت عن يمينك وإن شئت عن شمالك وقال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لرجل رآه قد انصرف عن شماله أصبت السنة وكان الحسن وطائفة من أهل العلم يستحبون الانصراف من ا لصلاة على اليمين لحديث وكيع وغيره عن سفيان عن السدي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينصرف عن يمينه لما تقدم ذكره‏.‏

وأما قوله كان صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في أمره كله في طهوره وانتعاله فقد بان بما ذكرنا أن ذلك في غير انصرافه من الصلاة لأنه كان ينصرف منها عن يمينه وعن شماله وقال بن مسعود أكثر ما كان ينصرف عن شماله فلما خص في طهوره وانتعاله دل على خصوص ذلك والله أعلم‏.‏

379- وأما حديثه في هذا الباب عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل من المهاجرين لم ير به بأسا أنه سأل عبد الله بن عمرو بن العاص أأصلي في عطن الإبل فقال عبد الله لا ولكن صل في مراح الغنم هكذا هو في الموطأ عند جميع الرواة ورواه وكيع وعبده بن سليمان عن هشام قال حدثني رجل من المهاجرين وبعضهم يقول عن هشام عن رجل من المهاجرين لا يذكرون فيه عن أبيه وزعم مسلم أن مالكا وهم فيه وأن وكيعا ومن تابعه أصابوا وهو عندي ظن وتوهم لا دليل عليه ومعلوم أن مالكا أحفظ ممن خالفه في ذلك وأعلم بهشام ولو صح ما نقله غير مالك عن هشام ما كان عندي إلا وهما من هشام والله أعلم ومالك في نقله حجة ومثل ذلك من الفرق بين الغنم والإبل لا يدرك بالرأي وقد روي هذا الحديث يونس بن بكير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة قال حدثني رجل سأل عبد الله بن عمر عن الصلاة في أعطان الإبل قال فنهاه وقال صل في مراح الغنم والصواب في إسناده عن هشام والله أعلم ما قاله مالك عنه‏.‏

وأما يونس بن بكير فليس بالحافظ وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة من حديث أبي هريرة والبراء بن عازب وجابر بن سمرة وعبد الله بن معقل وكلها بأسانيد حسان وأكثرها تواتر وأحسنها حديث البراء وحديث عبد الله بن معقل رواه عن الحسن نحو خمسة عشر رجلا‏.‏

وأما عطن الإبل فهو موضع بروكها عند سقيها لأنها في سقيها لها شربتان ترد الماء فيها مرتين فموضع بروكها بين الشربتين هو عطنها لا موضع بيتها وموضع بيتها هو مراحها كما لمراح الغنم موضع مقيلها وموضع مبيتها وفي هذا الحديث دليل على أن ما يخرج من مخرج الحيوان المأكول لحمه ليس بنجس لأن مراح الغنم لا تسلم من بعرها وحكم الإبل حكمها وقد تنازع العلماء في المعنى الذي ورد له هذا الحديث من الفرق بين عطن الإبل ومراح الغنم فقال منهم قائلون كان هذا من أجل أنه كان يستتر بها عند الخلاء وهذا خوف النجاسة من غيرها لا منها وقال آخرون النهي عن ذلك من أجل أنها لا تستقر في عطنها ولها إلى الماء نزوع فربما قطعت صلاة المصلي أو هجمت عليه فآذنه وقطعت صلاته واعتلوا بقوله صلى الله عليه وسلم لا تصلوا في أعطان الإبل فإنها جن خلقت من جن وفي بعض الروايات في حديث عبد الله بن مغفل فإنها خلقت من الشياطين أو من عنان الشياطين وهذه ألفاظ موجودة محفوظة في حديث عبد الله بن مغفل في كتاب عبد الرزاق وأبي بكر بن أبي شيبة وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء أتكره أن تصلي في أعطان الإبل قال نعم من أجل أنه يبول الرجل إلى البعير البارك ولولا ذلك لكان عطنها مثل مراحها قلت أتصلي في مراح الغنم قال نعم قلت فإذا لم أخش من عطنها إذا قال فهو بمنزلة مراحها قال أبو عمر لا أعلم في شيء من الآثار المعروفة ولا عن السلف أنهم كرهوا الصلاة في مراح الغنم وذلك دليل على طهارة أبعارها وأبوالها ومعلوم أن الإبل مثلها في إباحة أكل لحومها واختلف العلماء فيمن صلى في أعطان الإبل والموضع طاهر سالم من النجاسة وقال أهل الظاهر صلاته فاسدة لأنها طابقت النهي فهي فاسدة لقوله صلى الله عليه وسلم كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد أي مردود وقال أكثر العلماء بئس ما صنع إذا علم بالنهي وصلاته ماضية إذا سلم من ما يفسدها من نجاسة أو غيرها لأن النهي عندهم معناه عنهم واستحب بعض أصحابنا الإعادة في الوقت ولا أعلم أحدا أجاز الصلاة في أعطان الإبل إلا ما ذكر وكيع عن أبي بكر عن جابر عن عامر بن جندب بن عامر السلمي أنه كان يصلي في أعطان الإبل ومرابض الغنم وهذا لم يسمع بالنهي والله أعلم وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء أأصلي في مراح الشاء قال نعم قلت أو تكرهه من أجل بول الكلب بين أظهرها قال إن خشيت بول الكلب بين أظهرها فلا تصل فيها وعن بن جريج قال قلت لعطاء أأصلي في مراح الغنم قال نعم فقال له إنسان إن صليت في مراح الغنم أو البقر أسجد على البقر أو أفحص لوجهي قال بل افحص لوجهك‏.‏

380- وأما حديث مالك في هذا الباب عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال ما صلاة يجلس في كل ركعة منها قال سعيد يعني المغرب إذا فاتتك منها ركعة قال وكذلك سنة الصلاة كلها في خبر سعيد هذا طرح العالم على جلسائه ومن يتعلم منه ليعلم ما عندهم ويعلمهم فيجيب عن ما وقفوا عنه من ذلك وهذا باب من أبواب أدب العالم والمتعلم قد أوضحناه بالآثار في كتاب جامع بيان العلم وفضله‏.‏

وأما قول سعيد هي المغرب إذا فاتتك منها ركعة فهو كما قال عند جماعة العلماء لا أعلم فيه خلافا وكذلك سنة المغرب أيضا إذا أدركت منها ركعة هي جلوس كلها كما قال إذا فاتتك منها ركعة سواء إلا أنه قد جاء عن جندب بن عبد الله بن سفيان وكانت له صحبة فيمن أدرك ركعة من المغرب قول لم يتابع عليه إلا أنه قد جوز بن مسعود فعله وإن كان الاختيار عند غيره روى هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم أن مسروقا وجندبا أدركا ركعة من المغرب فأما مسروق فقعد فيهن كلهن‏.‏

وأما جندب فلم يقعد بعد الإمام إلا في آخرهن فذكرا ذلك لعبد الله بن مسعود فقال كلاكما محسن ولو كنت صانعا لصنعت كما صنع مسروق قال أبو عمر معلوم أن المصلي إذا فاتته بعض الصلاة مع إمامه ثم خرج عن صلاة إمامه بسلام الإمام فإنما يصلي لنفسه ولا خلاف أن من صلى لنفسه يقعد في ثانيته ومن أدرك ركعة من المغرب مع الإمام وقام بعد سلامه فأتى بركعة فهي له ثانية ومن حق الثانية القعود فيها ثم إذا أتى الثالثة في المغرب جلس لأنها آخر صلاته وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار‏.‏

وأما قول سعيد وكذلك سنة الصلاة كلها فإنما أراد سنة الصلاة كلها إذا فاتت المأموم منها ركعة أن يقعد إذا قضاها لأنها آخر صلاته وكذلك لو أدرك منها ركعة قعد في الأولى من قضائه لأنها ثانية له وقد يحتمل أن يكون أراد بقوله وكذلك سنة الصلاة كلها أي سنة صلاة المغرب وحدها الجلوس في كل ركعة منها لمن فاتته منها ركعة أو أدرك منها ركعة والله أعلم‏.‏