فصل: باب ما يقتل المحرم من الدواب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد

744- مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله التيمي عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري عن أبي قتادة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك فقال إنما هي طعمة أطعمكموها الله‏.‏

745- وعن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة في الحمار الوحشي مثل حديث أبي النضر إلا أن في حديث زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل معكم من لحمة شيء‏.‏

746- وعن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم قال مالك والصفيف القديد قال أبو عمر يقال إن أبا قتادة كان وجهة رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق البحر مخافة العدو فلذلك لم يكن محرما إذ اجتمع مع أصحابه لأن مخرجهم لم يكن واحدا وكان ذلك عام الحديبية أو بعده بعام عام القضية وكان اصطياد أبي قتادة الحمار لنفسه لا لغيره والله أعلم وفي هذا الحديث من الفقه أن لحم الصيد حلال أكله للمحرم إذا لم يصده وصاده الحلال وفي ذلك دليل في قوله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما‏)‏ ‏[‏المائدة 96‏]‏‏.‏

معناه الاصطياد وقيل الصيد وأكله لمن صاده‏.‏

وأما من لم يصده فليس ممن عني بالآية ويبين ذلك قوله تعالى ‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏‏.‏

لأن هذه الآية إنما نهى فيها عن قتل الصيد واصطياده لا غير وهذا باب اختلف فيه الخلف والسلف فكان عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير يرون للمحرم أكل كل ما صاده الحلال من الصيد الذي يحل للحلال أكله وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وأبي هريرة وكعب الأحبار واحتجوا بحديث أبي قتادة هذا وبحديث البهزي وبحديث طلحة بن عبيد الله ذكره السندي قال حدثنا كعب بن علي قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثنا بن جريج قال حدثنا محمد بن المنكدر عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي عن أبيه قال كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن محرمون فأهدي لنا طير وهو راقد فأكل بعضنا فاستيقظ طلحة وفق من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

747- وأما قول عمر ففي الموطأ ذكره عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه أفتى الركب المحرمين بأكل صيد وجدوه بالربذة ثم قدم المدينة فذكره لعمر فقال له لو أفتيتهم بغير ذلك لفعلت بك يتواعده وهذا من عمر لا يكون إلا عن بصيرة قوية عنده في جواز أكل لحم الصيد المحرم إذا صاده الحلال‏.‏

748- ومثل هذا حديث مالك عن بن شهاب عن سالم عن أبي هريرة بمعنى ما تقدم سواء ومثله حديث مالك في هذا الباب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عمر وكعب إلا أن في حديث زيد بن أسلم قصة الجراد نذكرها في آخر هذا الباب إن شاء الله وقال آخرون لحم الصيد محرم على المحرمين على كل حال ولا يجوز لمحرم أكل صيد البتة على ظاهر عموم قوله عز وجل ‏(‏وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما‏)‏ ‏[‏المائدة 96‏]‏‏.‏

قال بن عباس هي مبهمة وكذلك كان علي بن أبي طالب وبن عمر لا يريان أكل الصيد للمحرم ما دام محرما وكره ذلك طاوس وجابر بن زيد وروي عن زيد وروي عن الثوري وإسحاق مثل ذلك وحجة من ذهب إلى هذا حديث بن عباس عن الصعب بن جثامة أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار وحش بالأبواء أو بودان فرده عليه وقال لم نرده عليك إلا أنا حرم فلم يعتل بغير الإحرام وأطلق من أجله تحريم أكل الصيد لم يقيده بشيء وسيأتي القول في معنى هذا الحديث في الباب بعد هذا إن شاء الله ومن حجتهم أيضا حديث زيد بن أرقم أن بن عباس قال له يا زيد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي له صيد فلم يقبله وقال إنا حرم قال نعم وحديث علي بن أبي طالب في معناه وقد ذكرناها كلها في التمهيد وقال آخرون ما صاده الحلال للمحرم أو من أجله فلا يجوز له أكله وما لم يصد له ولا من أجله فلا بأس للمحرم بأكله وهو الصحيح عن عثمان في هذا الباب وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد وإسحاق وأبو ثور وروي أيضا عن عطاء مثل ذلك وحجة من ذهب هذا المذهب أنه عليه تتفق الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في أكل الصيد مع ظاهر تضادها وأنها إذا حملت على ذلك لم تتضاد ولا تدافعت وعلى هذا يجب أن تحمل السنن ولا يعارض بعضها بعضا ما وجد إلى استعمال ذلك سبيل وقد روي عن النبي عليه السلام معنى ذلك حدثني عبد الوارث حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا بن وهب عن يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو مولى بني المطلب أنه أخبره عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم‏.‏

وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثني بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا يعقوب عن عمرو مولى المطلب عن جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أويصد لكم قال أبو عمر في حديث أبي قتادة المذكور في أول الباب أنه لما استوى على فرسه سأل أصحابه أن يناولوه سوطه أو رمحه فأبوا وفي هذا دليل على أن المحرم إذا أعان الحلال على الصيد بما قل أو كثر فقد فعل ما لا يجوز له وهذا إجماع من العلماء واختلفوا في المحرم يدل المحرم أو الحلال على الصيد فيقتله فأما إذا دل المحرم الحلال على الصيد فقال مالك والشافعي وأصحابهما يكره له ذلك ولا جزاء عليه وهو قول أبي ثور وقال المزني جائز أن يدل المحرم الحلال على الصيد‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه الجزاء قال أبو حنيفة ولو دله في الحرم لم يكن عليه الجزاء وقال زفر عليه الجزاء في الحل دله عليه أو الحرم وبه قال أحمد وإسحاق وهو قول علي وبن عباس وعطاء واختلفوا أيضا فيما يجب على المحرم يدل المحرم على الصيد فيقتله فقال قوم عليهما كفارة واحدة منهم عطاء وحماد بن أبي سليمان وقال آخرون على كل واحد منهما كفارة وروي ذلك عن سعيد بن جبير والشعبي والحارث العكلي وبه قال أبو حنيفة وأصحابه‏.‏

وقال الشافعي وأبو ثور لا جزاء إلا على القاتل وحده واختلفوا في الجماعة يشتركون في قتل الصيد فقال مالك إذا قتل جماعة محرمون صيدا أو جماعة محلون في الحرم صيدا فعلى كل واحد منهما جزاء كامل وبه قال الثوري والحسن بن حي وهو قول الحسن البصري والشعبي والنخعي ورواية عن عطاء‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قتل جماعة محرمون صيدا فعلى كل واحد منهما جزاء كامل وإن قتل جماعة محلون صيدا في الحرم فعلى جماعتهم جزاء واحد‏.‏

وقال الشافعي على كل عليهم كلهم جزاء واحد وسواء كانوا محلين أو محرمين في الحرم وهو قول عطاء والزهري وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وروي عن عمر وعبد الرحمن بن عوف أنهما حكما على رجلين أصابا ظبيا بشاة قال أبو عمر من جعل على كل واحد منهم الجزاء قاسه على الكفارة في قتل النفس لأنهم لا يختلفون في وجوب الكفارة على كل واحد من القائلين في قتل النفس خطأ كفارة كاملة ومن جعل فيه جزاء واحدا قاسه على الدية ولا يختلفون على أنه فيمن قتل نفسا خطأ وإن كانوا جماعة إنما عليهم دية واحدة يشتركون فيها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة هذا ما يدل على أن المحرم المشير لا يجوز له أكل ما أشار بقتله إلى الحلال أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمود بن غيلان قال أخبرنا أبو داود قال أخبرنا شعبة قال أخبرنا عثمان بن عبد الله بن موهب قال سمعت عبد الله بن أبي قتادة يحدث عن أبيه أنهم كانوا في مسير لهم بعضهم محرم وبعضهم ليس بمحرم قال فرأيت حمار وحش فركبت فرسي وأخذت الرمح فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني فاختلست سوطا من بعضهم فشددت على الحمار فأصبته فأكلوا منه فأشفقوا قال فسئل النبي عليه السلام فقال هل أشرتم أو أعنتم قالوا لا قال فكلوا‏.‏

وأما حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير كان يتزود صفيف الظباء في الإحرام فذلك لأنه كان ذلك اللحم الذي جعله صفيفا وتزوده قد ملكه قبل الإحرام فجاز له أكله قبل الإحرام ومذهبه في ذلك مذهب من لا يحرم على المحرم من الصيد ما قتله أو اصطاده دون أكله من صيد الحلال وهو معنى هذا الباب وكذلك أدخله فيه مالك والعلماء مجمعون على أن قتل المحرم للصيد حرام وعليه جزاؤه وأكله عليه حرام وهم مختلفون فيما صاده الحلال هل يحل للمحرم أكله على أقوال أحدها أن أكل الصيد حرام على المحرم بكل حال على ظاهر قول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما‏)‏ ‏[‏المائدة 96‏]‏‏.‏

لم يخص أكلا من قتل والثاني أن ما صاده الحلال جاز لمن كان حلالا في حين اصطياده محرما دون من كان محرما من ذلك الوقت وقت اصطياده والثالث أن ما صيد لمحرم بعينه جاز لغيره من المحرمين أكله ولم يجز ذلك له وحده والرابع أن ما صيد لمحرم لم يجز له ولا لغيره من المحرمين أكله هذه المسألة في الباب بعد هذا إن شاء الله‏.‏

749- مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمير بن سلمة الضمري عن البهزي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏خرج‏)‏ يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق ثم مضى حتى إذا كان بالأثابة بين الرويثة والعرج إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يقف عنده لا يربيه أحد من الناس حتى يجاوزه قال أبو عمر لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث واختلف أصحاب يحيى بن سعيد فيه على يحيى بن سعيد ورواه جماعة كما رواه مالك ورواه حماد بن زيد وهشيم ويزيد بن هارون وعلي بن مسهر عن يحيى عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك في التمهيد والقول عندي قول من جعل الحديث لعمير بن سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال حماد بن زيد ومن تابعه ومما يدل على صحة ذلك أن يزيد بن الهاد وعبد ربه بن سعيد رويا هذا الحديث عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة الضمري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث بن الهاد بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الليث بن سعد هكذا عن يزيد بن الهاد وقال موسى بن هارون إنما جاء ذلك من يحيى بن سعيد كان يرويه أحيانا فيقول فيه عن البهزي وأحيانا لا يقول فيه عن البهزي ولعل المشيخة الأولى كان ذلك جائزا عندهم في كلامهم أن يقولوا بمعنى عن فلان بمعنى قصة فلان لقول من قال عن البهزي يريد عن قصة البهزي قال أبو عمر عمير بن سلمة هذا الصاحب الذي روى قصة حمار البهزي عن النبي عليه السلام والبهزي هو الصائد للحمار وهو صاحبه الذي في الحديث من قول النبي عليه الصلاة والسلام دعوه يعني الحمار فإنه يوشك أن يجيء صاحبه واسمه زيد بن كعب للمحرم وقد مضى القول في هذا المعنى وما للعلماء في ذلك وفي ذلك أيضا دليل على أن المحرم لا يجوز له أن ينفر الصيد ولا يعين عليه ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يقف عند الظبي الحاقف حتى يجاوزه الناس لا يريبه أحد يعني لا يمسه ولا يهيجه قال أبو عمر الحاقف الواقف المنثني والمنحني وكل منحن فهو محقوقف هذا قول الأخفش وقال غيره من أهل اللغة الحاقف الذي يلجأ إلى حقف وهو ما انعطف من الرمل وقال العجاج سماوة الهلال حتى احقوقف يعني انعطف وسماوته شخصه والروحاء والأثابة والعرج والرويثة مواضع ومناهل بين مكة والمدينة وفيه من الفقه جواز أكل الصيد إذا غاب عنه صاحبه أو مات عنه وذلك محمول على أنه قد بلغت رميته الرامي منه موضع الذكاة ولذلك والله أعلم أمر صلى الله عليه وسلم بقسمته بينهم وليس في حديث مالك ما يدل على أن ذلك الظبي كان قد غاب عنه صاحبه ليله وذلك في حديث حماد بن زيد لأنه قال فيه بالإسناد المذكور عن عمير بن سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل مع صحبة وهم محرمون حتى إذا كانوا بالروحاء وإذا في بعض أفيائها حمار وحش عقير فقيل يا رسول الله هذا حمار عقير فقال دعوه حتى يأتي طالبه فقال قال فجاء رجل من بهز فقال يا رسول الله أصبت هذا بالأمس فشأنكم به وذكر تمام الحديث وفيه أيضا من الفقه إن الصائد إذا أثبت الصيد برمحه أو سهمه وأصاب مقاتله فقد ملكه بذلك إذا كان الصيد لا يمتنع من أجل فعله به عن أحد ألا ترى قوله عليه السلام يوشك صاحبه أن يأتي فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه يصحب ملكه له وقد استدل قوم بهذا الحديث أيضا على جواز هبة المشاع لقول البهزي للجماعة شأنكم به ثم قسمة أبو بكر بينهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنذكر ما للفقهاء في هبة المشاع من التنازع في موضعه إن شاء الله‏.‏

وأما مسألة الصيد يغيب عن صاحبه فيجده ميتا بعد ليلة أو قبل ذلك فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك فقال مالك إذا أدركه الصائد من يومه أكله في الكلب والسهم جميعا وإن كان ميتا إذا كان فيه أثر جرحه أثرا بلغ القتل وإن كان قد بات عنه لم يأكله وقال الثوري إذا غاب عنه يوما وليلة كرهت أكله‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا توارى عنه الصيد وهو في طلبه فوجده وهو قد قتله كلبه أو سهمه جاز أكله وإن ترك الطلب واشتغل بعمل غيره ثم ذهب في طلبه فوجده مقتولا والكلب عنده كرهنا أكله وقال الأوزاعي إذا وجده من الغد ميتا فوجد فيه سهمه وأثره فليأكله‏.‏

وقال الشافعي القياس لا يأكله إذا غاب عنه يعني لأنه لا يدري أمات من رميته أو من غيرها وروي عن بن عباس كل ما أصبت ودع ما أنميت يقول كل ما عاينت صيده وموته من سلاحك أو كلابك ودع ما غاب عنك وفي حديث أبي رزين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره أكل ما غاب عنه مصرعه من الصيد وهو حديث مرسل لأنه ليس بأبي رزين العقيلي وإنما هو أبو رزين مولى أبي وائل رواه موسى بن أبي عائشة عنه من حديث الثوري وغيره وروى أبو ثعلبه الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يدرك صيده بعد ثلاث يأكله ما لم ينتن وهو حديث صحيح قد ذكرناه في موضعه من هذا الكتاب وفي حديث عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيد يغيب عن صاحبه الليلة والليلتان فقال إذا وجدت فيه سهمك ولم تجد أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكله وتأتي هذه المسألة بأكثر من هذا في كتاب الصيد إن شاء الله‏.‏

750- وأما قوله في حديث مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ثم كما كانوا ببعض طريق مكة قرت بهم رجل من جراد فأفتاهم كعب أن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك فقال له ما حملك على أن تفتيهم بهذا قال هو من صيد البحر قال وما يدريك قال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن هي إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين قال أبو عمر أما صيد المحرم فحلال للمحرم والحلال بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وإنما اختلفوا فيما وجد فيه طافيا وكذلك اختلفوا في غير السمك منه وسيأتي القول بما للعلماء من المذاهب في كتاب الصيد إن شاء الله فإن كان الجراد نثرة حوت كما ذكر كعب فحلال للمحرم وغير المحرم أكله وما ذكره كعب لم يوقف على صحة ولم يكذبه في ذلك عمر ولا رد عليه قوله ولا صدقة فيه لأنه خشي أن يكون عنده فيه علم من التوراة وهي السنة فيما حدث به أهل الكتاب عن كتابهم إلا يصدقوا ولا يكذبوا لئلا يكذبوا في حق جاؤوا به أو يصدقوا في باطل اختلفوا في دليله لأن عندهم الحق في التوراة وعندهم الباطل فيما حرفوه عن مواضعه وكتبوه بأيديهم وقالوا هو من عند الله وما هو من عند الله وقد أفردنا لهذا المعنى بابا كافيا في كتاب العلم والحمد لله وفي إنكار عمر على كعب ما أفتى به المحرمين من أكل الجراد ثم كفه عنه إذ أعلمه بما أعلمه به مما جرى في هذا الباب ذكره دليل على أن العالم لا يجب له نفي شيء ولا إثباته إلا بعلم صحيح قد وقف عليه من كتاب أو سنة أو ما كان في معناهما وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يحتج به أن الجراد من صيد البحر رواه حماد بن زيد عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجراد من صيد البحر وقد اختلف في هذا الحديث على حماد بن زيد ومن رواية من جعله من قول أبي هريرة وهو أشبه بالصواب وقد روي عن علي من وجه ضعيف أيضا أنه سئل عن الجراد فقال هو من صيد البحر وروي عن عروة بن الزبير في هذا المعنى نحو ما روي عن كعب رواه حماد بن زيد قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في الجراد نثرة حوت ذكره الساجي عن يحيى بن حبيب بن عدي عن حماد بن زيد ولم أدر ما معنى رواية مالك في الموطأ عن كعب في قوله في الجراد والذي نفسي بيده إن هي إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين لأنه قد جاء عن كعب في ذلك ما هو أشبه بما في أيدي أهل العلم ذكر الساجي قال حدثنا بندار قال حدثني يحيى يعني القطان قال حدثنا سالم بن هلال قال حدثنا أبو الصديق الناجي أنه حج مع أبي سعيد الخدري هو وكعب فجاء رجل جرادة فجعل كعب يضربها بسوطه فقلت يا أبا إسحاق ألست محرما قال بلى ولكنه من صيد البحر خرج أوله من منخر حوت قال أبو عمر ففي هذا الخبر أن أول خلق الجراد كان من منخر حوت لا أنه اليوم مخلوق من نثرة حوت لأن المشاهدة تدفع ذلك ويعضد هذا عن كعب ما ذكره مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر إذ حكم كعب في الجراد حكم فيها بدرهم فقال له عمر إنك لتجد الدراهم لتمرة خير من جرادة ولو كان عنده من صيد البحر ما حكم فيه بشيء وجاء عن كعب أنه رأى في الجراد القيمة درهم في الجرادة من غير هذا الوجه أيضا ذكره الساجي قال حدثنا الربيع قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن بن جريج عن يوسف بن ماهك أن عبد الله بن أبي عمار أخبره انه أقبل مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في ناس محرمين وأن كعبا أخذ جرادتين ونسي إحرامه ثم ذكر إحرامه فألقاهما فدخلوا على عمر بن الخطاب فقص عليه كعب قصة الجرادتين فقال عمر ومن يدلك لعلمك بذلك يا كعب قال نعم قال إن حمير تحب الجراد قال ما جعلت في نفسك قال درهمين فقال عمر بخ درهمان خير من مائة جرادة اجعل ما جعلت في نفسك قال أبو عمر لا يصح في الجراد أنه من صيد البحر إلا عن بن عباس ولا عن من يجب بقوله حجة ولم يعرج العلماء ولا جماعة الفقهاء على ذلك ذكر الساجي قال حدثنا أحمد بن أبان قال حدثنا سفيان قال قال بن جريج عن عطاء قلت لابن عباس ما تقول في صيد الجراد في الحرم قال لا يصح قلت إن قومك والله يأخذونه قال إنهم والله لا يعلمون قال الساجي‏.‏

وحدثنا أحمد بن أبان قال حدثني سفيان عن بن جريج عن بكير عن القاسم قال سئل بن عباس عن رجل أصاب جرادات وهو محرم قال فيهن قبض قبضات من طعام وإني لآخذ بقبضة جرادات وهو قول عطاء والجماعة من العلماء واختلفوا فيما يجب على المحرم في الجرادة إذا قتلها وسيأتي ذكر ذلك في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله وقال بن وهب عنه في الجرادة قبضة وفي الجرادات أيضا قبضة قال أبو عمر كأنه يقول ما دون قبضة من الطعام فلا قدر له‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد تمر خير من جرادة وروي ذلك عن عمر وبن عباس وفي هذا الباب سئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه المحرم فقال أما ما كان من ذلك يعترض به الحجاج ومن أجلهم صيد فإني اكرهه وأنهى عنه فأما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به قال أبو عمر وقد مضى ما للعلماء في معنى ما صيد من أجل المحرم مجملا ونزيده هنا بيانا بأقوالهم حتى يتبين لك مذاهبهم في ذلك إن شاء الله فمن ذلك قول مالك هنا أما ما كان من ذلك يعترض الحاج ومن أجلهم صيد فإني أكرهه وأنهى عنه إلى آخر قوله ولم يختلف قوله في المحرم يأكل من صيد يعلم أنه قد اصطيد من أجله أن عليه جزاء ذلك الصيد وقال أشهب سألت مالكا عما صيد لرجل بعينه من المحرمين فقال لا أحب لأحد من المحرمين ولا من المحلين أكله قال وما صيد من أجل محرم أو ذبح من أجله من الصيد فلا يحل لمحرم ولا لحلال أكله قال وسئل عما صيد لمحرمين فقال ما صيد قبل إحرامهم فلا بأس به وما صيد بعد إحرامهم فلا يأكلوه‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس على المحرم أن يأكل من لحم الصيد حلال للمحرم ما لم يصده أو يصد له وبه قال أبو ثور وفي هذا الباب قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد قد صاده أو ابتاعه فليس عليه أن يرسله ولا بأس أن يجعله عند أهله هكذا هذه المسألة في الموطأ عند يحيى وطائفة من رواة الموطأ وزاد فيها بن وهب وطائفة عنه أيضا في الموطأ قال مالك من أحرم وعنده شيء من الصيد قد استأنس ودجن فليس عليه أن يرسله فلا شيء عليه إن تركه في أهله قال بن وهب وسألت مالكا عن الحلال يصيد الصيد أو يشتريه ثم يحرم وهو معه في قفص فقال مالك يرسله بعد أن يحرم ولا يمسكه بعد إحرامه وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه إذا أحرم وفي يده أو معه شيء من الصيد فعليه إرساله قالوا ولو كان الصيد في بيته لم يكن عليه إرساله كائن ما كان‏.‏

وقال الشافعي ليس على من ملك صيدا قبل الإحرام ثم أحرم وهو في يده أن يرسله وبه قال أبو ثور لأنه في حكم ما دجن من الصيد والحجة لكل واحد من هؤلاء بينت لما قدمنا من الأصول فتحصيل قول مالك أنه كان عنده الصيد في حين إحرامه أرسله من يده وإن كان لأهله فلا شيء عليه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وبه قال أحمد بن حنبل وقال بن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح سواء كان في يده أو في بيته عليه أن يرسله فإن لم يفعل ضمن وهو أحد قولي الشافعي وللشافعي قول آخر أنه لا يرسله كان في يده أو في أهله وبه قال أبو ثور وهو قول مجاهد وعبد الله بن الحارث‏.‏

وقال مالك في صيد الحيتان في البحر والأنهار والبرك وما أشبه ذلك إنه حلال للمحرم أن يصطاده قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه لقول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏أحل لكم صيد البحر‏)‏ ‏[‏المائدة 96‏]‏‏.‏

والبحر كل ماء مجتمع على ملح أو عذب قال الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج‏)‏ ‏[‏فاطر 12‏]‏‏.‏

وكل ما كان أغلب عيشه في الماء فهو من صيد البحر ويأتي هذا الباب في كتاب الصيد إن شاء الله‏.‏

باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد

751- مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بوادان فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي قال إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم قال أبو عمر قد روي عن بن عباس من حديث سعيد بن جبير ومقسم وطاوس أن الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا قال سعيد بن جبير عجز حمار فرده يقطر دما رواه شعبة عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير عن بن عباس وقال مقسم في حديثه رجل حمار وحش وقال عطاء في حديثه أهدي له عضد صيد فلم يقبله وقال طاوس في حديثه عضو من لحم صيد إلا أن منهم من يجعله عن بن عباس عن زيد بن أرقم رواه بن جريج قال أخبرني حسن بن مسلم بن نياق عن طاوس عن بن عباس قال قدم زيد بن أرقم فقال له بن عباس يستذكره كيف أخبرتني عن لحم أهدي للنبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ حراما قلت نعم أهدى له رجل عضوا من لحم فرده عليه وقال لا نأكله إنا حرم قال إسماعيل بن إسحاق سمعت سليمان بن حرب يتأول هذا الحديث على أنه صيد من أجل النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ ولولا ذاك كان أكله جائزا قال سليمان ومما يدل على أنه صيد من أجله قولهم في الحديث فرده يقطر دما كأنه صيد في ذلك الوقت قال إسماعيل وإنما تأول إسماعيل الحديث الذي فيه أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حمار وهو موضع يحتمل التأويل‏.‏

وأما رواية مالك أن الذي أهدي إليه حمار وحشي فلا يحتاج إلى تأويل لأن المحرم لا يجوز له أن يمسك صيدا حيا ولا يجوز له أن يذكيه إنما يحتاج إلى التأويل قول من قال إن الذي أهدي له هو بعض الحمار قال إسماعيل وعلى تأويل سليمان بن حرب تكون الأحاديث كلها المرفوعة غير مختلفة قال أبو عمر الأحاديث المرفوعة في هذا الباب منها حديث عمير بن سلمة في قصة البهزي وحماره العقير ومنها حديث أبي قتادة رواه مالك عن أبي النضر ومنها حديث الصعب بن جثامة هذا وحديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل حمار وحشي فأبى أن يأكله وحديث المطلب عن جابر يفسرها كلها وهو قوله عليه السلام صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم وأجمع العلماء أنه لا يجوز للمحرم قبول صيد إذا وهب له بعد إحرامه ولا يجوز له شراؤه ولا اصطياده ولا استحداث ملكه بوجه من الوجوه وهو محرم ولا خلاف بين العلماء في ذلك لعموم قوله تعالى ‏(‏وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما‏)‏ ‏[‏المائدة 68‏]‏‏.‏

ولحديث الصعب بن جثامة في قصة الحمار ولأهل العلم في المحرم يشتري الصيد قولان أحدهما أن الشراء فاسد والثاني أنه صحيح وعليه أن يرسله وقد تقدم في الباب قبل هذا ما للعلماء فيمن أحرم وفي يده أو معه أو في بيته شيء من الصيد وقد روي عن علي بن أبي طالب انه حج في عام حج فيه عثمان فأتي عثمان بلحم صيد صاده حلال قال فأكل منه وهو محرم ولم يأكل منه علي فقال عثمان إنما صيد قبل أن يحرم فقال علي ونحن قد بدا لنا وأهالينا لنا حلال أفيحللن لنا اليوم رواه هشيم قال أخبرنا عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال حج عثمان معه علي فذكره في هذه الرواية عن علي أنه لم ير للمحرم أكل ما صاده الحلال وإن كان صيد له قبل أن يحرم المحرم وأن عثمان كان يخالطه في الغضب ويحاسبه وكان يخالفه لأنه لا يرى بأسا بما صاده الحلال قبل إحرام المحرم وأن يأكله المحرم في إحرامه وقد روي عن علي رضي الله عنه خلاف هذه الرواية عنه وموافقته لرأي عثمان ذكره إسحاق بن يوسف الأزرق عن شريك عن سماك بن حرب عن صبيح بن عبد الله العبسي قال استعمل عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحارث على العروض فمر به رجل من أهل الشام ومعه باز وصقر فاستعاره منه وصاد به من اليعاقيب فلما سمع بعثمان قد مر حاجا أمر بهن فذبحن فطبخن ثم جعلن في جفنة فجاء بهن آل عثمان فقال عثمان كفوا فقال بعض القوم انظروا عليا يأتيكم الآن فلما جاء علي ورآها بين أيديهم أبى أن يأكل فقال له عثمان ما شأنك فقال لم أكن لآكل من هذا قال عثمان لم قال هو صيد لا يحل لمن أكله وأنا محرم قال عثمان فبين لنا فقال قال الله تعالى ‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏‏.‏

قال عثمان فنحن قتلناه ‏!‏ إنا لم نقتله قال فقرأ عليهم علي ‏(‏وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما‏)‏ ‏[‏المائدة 96‏]‏‏.‏

فمكث عثمان ما شاء الله أن يمكث ثم أتى وهو بمكة فقيل له هل لك في بن أبي طالب أهدي إليه صفيف حمار فهو يأكل منه فأرسل إليه عثمان فسأله عن أكله الصفيف وقال له أما أنت فتأكل‏.‏

وأما نحن فتنهانا فقال له إنه صيد عام أول وأنا حلال فليس علي في أكله بأس وصيد ذلك يعني اليعاقيب وأنا حرام وذبحن وأنا حرام وبهذا كان يفتي بن عباس ويذهب إليه ذكر إسحاق عن شريك عن سماك عن عكرمة عن بن عباس وبلال ما صيد أو ذبح وأنت حلال فهو لك حلال وما صيد أو ذبح وأنت حرام فهو عليك حرام وهو قول عطاء وذكر عبد الرزاق عن إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن بن عباس قال ما صيد وأنت حلال فكله وما صيد وأنت حرام فلا تأكله قال أبو عمر وما كان مثلها عن علي يعضد ما روي عنه في الصيد للمحرم أنه لا يأكله على عموم قوله تعالى ‏(‏وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما‏)‏ ‏[‏المائدة 96‏]‏‏.‏

ولم يفسر ما صيد قبل إحرامه أو بعد إحرامه وهذه الرواية مفسرة كما ترى وقد روي عن بن عباس أنه لا يجوز للمحرم أكل لحم صيد على حال صيد من أجله أو من لم يصد لعموم قول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما‏)‏ وقال بن عباس هي مبهمة وبه قال طاوس وجابر بن زيد وإليه ذهب الثوري وإسحاق في رواية وذكر عبد الرزاق عن معمر عن يزيد بن أبي يزيد قال سمعت عبد الله بن الحارث بن نوفل يحدث أن عليا كره أكل لحم الصيد وهو محرم قال‏.‏

وأخبرني معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر أنه كان يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حال قال معمر‏.‏

وأخبرني أيوب عن نافع عن بن عمر مثله قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن طاوس وعبد الكريم بن أمية عن طاوس عن بن عباس أنه كره لحم الصيد للمحرم وقال هي مبهمة يعني قوله ‏(‏وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما‏)‏ ‏[‏المائدة 96‏]‏‏.‏

وكان عمر بن الخطاب وأبو هريرة والزبير بن العوام وكعب ومجاهد وعطاء في رواية وسعيد بن جبير يرون للمحرم أكل الصيد على كل حال إذا اصطاده الحلال صيد من أجله أو لم يصد وبه قال الكوفيون ذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طلق بن حبيب عن قزعة قال كان بن عمر لا يأكل لحم الصيد وهو محرم فقيل له إن عمر وأبا هريرة كانا يأكلانه فقال عمر خير وأبو هريرة خير مني قال عمرو بن دينار وكان بن عباس لا يأكله وذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور إلى أن ما صيد من أجل المحرم لم يجز له أكله وما لم يصد من أجله جاز له أكله وهو قول عثمان وروي ذلك أيضا عن عطاء وبه قال إسحاق وهذا أعدل المذاهب وأعلاها وعليه يصح استعمال الأحاديث المرفوعة وتوجيهها وفيه مع ذلك نص حسن رواه بن وهب قال حدثني يحيى بن عبد الله بن سالم ويعقوب بن عبد الرحمن المخزومي عن عمرو مولى المطلب بن عبد الله أنه أخبرها عن المطلب بن عبد الله بن حنظلة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم رواه عن عمر بن أبي عمرو مولى المطلب كما رواه يحيى بن عبد الله بن سالم ويعقوب بن عبد الرحمن سليمان بن بلال وإبراهيم بن أبي يحيى جعلوه كلهم عن عمر مولى المطلب عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أنه أخبره عن جابر ورواه الدراوردي عن عمرو عن رجل من بني سلمة عن جابر فأخطأ فيه وصوابه ما رواه يعقوب‏.‏

752- مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن عامر بن ربيعة قال رأيت عثمان بن عفان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ثم أتى بلحم صيد فقال لأصحابه كلوا فقالوا أو لا تأكل أنت فقال إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي‏.‏

753- وعن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت له يا بن أختي إنما هي عشر ليال فإن تخلج في نفسك شيء فدعه تعني أكل لحم الصيد قال مالك في الرجل المحرم يصطاد من أجله صيد فيصنع له ذلك الصيد فيأكل منه وهو يعلم أنه من أجله صيد فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله قال أبو عمر أما حديث عثمان ففيه من الفقه أنه لا بأس على المحرم في اليوم الشديد الحر أن يغطي وجهه فإن الله تعالى غني عن تعذيب المؤمن نفسه وقد تأول قوم في ذلك على عثمان أنه قال كان مذهبه إن إحرام المحرم في رأسه دون وجهه وقد ذهب إلى ذلك قوم وقد تقدم ذكر هذه المسألة في بابها من هذا الكتاب وقد يحتمل أن يكون عثمان قد اقتدى بفعله ذلك على مذهب بن عمر ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم ولكن الظاهر من مذهبه أن إحرام المحرم في رأسه دون وجهه وفيه أن من وسع الله عليه وسع على نفسه في الملبس وغيره فإن الله ‏(‏عز وجل‏)‏ يحب أن يرى أثر نعمته على عبده إذا أنعم بها عليه وهذا ثابت المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد يحتمل أن يكون لباسه الأرجوان لأنه صوف والأرجوان الشديد الحمرة قال أبو عبيد ولا يقال لغير الحمرة أرجوان وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا نلبس الأرجوان وعن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاه عن لبسه وقد ذكرنا الأحاديث بذلك في موضعها من هذا الكتاب وذكرنا ما يعارضها واختلاف العلماء في معناها هناك والحمد لله‏.‏

وأما قوله لأصحابه في لحم الصيد كلوا فإني لست كهيئتكم إنه صيد من أجلي فقد مضى هذا المعنى وقال أشهب عن مالك أنه سئل عن معنى قول عثمان إنما صيد من أجلي فقال إنما ذلك من أجل أنه صيد له بعد أن أحرم فأما ما صيد من أجل محرم أو محرمين وذبح قبل الإحرام فلا بأس به إنما مثل ذلك مثل رجل صاد ها هنا صيدا فذبحه وحمل لحمه معه ثم أحرم‏.‏

وأما قول عائشة لعروة إنما هي عشر ليال تعني أيام الحج فإنها خاطبت بهذا من كان إحرامه قبل يوم التروية أن يكف عن أكل لحم الصيد جملة فما صاده الحلال من أجله أو من أجل غيره ليدع ما يربيه إلى ما لا يريبه ويترك ما شك فيه وحاك في صدره‏.‏

وأما قول مالك ما على المحرم إذا أكل من صيد صيد من أجله جزاؤه كله فإن العلماء في ذلك مذاهب منها ما قاله مالك أنه يجزئ الصيد كله إذا أكل منه ومنه أنه لا يجزئ منه إلا مقدار ما أكل وقول ثالث إنه ليس عليه جزاؤه لأنه أكل صيدا حلال أكله لصائده وإنما حرم الله على المحرم قتل الصيد لا أكله هذا على مذهب عمر بن الخطاب وأبي هريرة والزبير وكعب ومن تابعهم على ذلك على ما ذكرناه عنهم واختلف قول الشافعي في ذلك فمرة قال من أكل من صيد صاده حلال من أجله أنه يفدي ما أكل منه ومرة قال لا شيء عليه وهو قول أبي ثور وهو الذي ذكره المزني عن الشافعي في المحرم يأكل من صيد صيد من أجله مما قد ذبحه حلال أو صاده أنه لا جزاء عليه فيما أكل منه لأن الله تعالى إنما جعل الجزاء على من قتل الصيد وهذا لم يقتله وليس من أكل محرما يكون عليه جزاء ولم يختلف قوله أن المحرم ممنوع من أكل ما صيد من اجله اختلف قوله في وجوب الجزاء عليه إن أكل منه وفي هذا الباب وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم أيصيد الصيد فيأكله أم يأكل الميتة فقال بل يأكل الميتة وذلك أن الله تبارك وتعالى لم يرخص للمحرم في أكل الصيد ولا في أخذه في حال من الأحوال وقد أرخص في الميتة على حال الضرورة قال مالك‏.‏

وأما ما قتل المحرم أو ذبح من الصيد فلا يحل أكله لحلال ولا لمحرم لأنه ليس بذكي كان خطأ أو عمدا فأكله لا يحل وقد سمعت ذلك من غير واحد زاد أشهب فمن كنت أقتدي به ونتعلم منه كلهم يقولون لا يؤكل لأنه ليس بذكي فقيل له أرأيت من المحرمين عليهم جزاؤه فقال أما من ليس بمحرم فلا أرى عليه جزاؤه‏.‏

وأما المحرمون ففيه نظر‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا رمى المحرم الصيد وسمى فقتله فعليه جزاؤه فإن أكل منه حلال فلا شيء عليه وإن أكل منه المحرم الذي قتله بعد ما جزاه فعليه قيمة ما أكل في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا جزاء عليه ولا ينبغي أن يأكله حلال ولا حرام وللشافعي قولان أحدهما كقول مالك والآخر يأكله ولا يأكل الميتة‏.‏

وقال أبو ثور إذا قتل المحرم الصيد فعليه جزاؤه وحلال أكل ذلك الصيد إلا أني أكرهه للذي صاده للخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لحم الصيد لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم والحجة لمالك في مذهبه لهذه المسألة الجميع على أن من كان قادرا على ذبح الشاة من مذبحها فذبحها فقطع عنقها أو قتلها أنه لا يحل أكله لأنه استباح ذلك بخلاف ما أباح الله له وكذلك يحرم الصيد على المحرم إذا فعل لأنه أباح غير ما أباحه الله له فلا تقع ذكاة بما حرم الله فعله وهو قول داود وأصحابه وحجة من أجازه إجماع الجمهور على وقوع الذكاة بالسكين المعضوبة أو ذبح السارق ذكر عبد الرزاق عن المثنى عن عطاء في المحرم المضطر قال يأكل الميتة ويدع الصيد قال عبد الرزاق وسئل الثوري وأنا أسمع عن المحرم يضطر فيجد الميتة ولحم الخنزير ولحم الصيد قال يأكل الخنزير والميتة وذكر في باب آخر سألت الثوري عن محرم ذبح صيدا هل يحل أكله لغيره قال أخبرني الليث عن عطاء أنه قال لا يحل أكله لأحد قال الثوري‏.‏

وأخبرني أشعث عن الحكم بن عتيبة قال لا بأس بأكله قال الثوري وقول الحكم أحب إلي وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن ربيعة عن القاسم بن محمد وسالم أنهما قالا لا يحل أكله لأحد بحال‏.‏

وقال أبو حنيفة والثوري وزفر إذا اضطر المحرم أكل الميتة ولم يضطر وهذا أحد قولي الشافعي وقال أبو يوسف يصيد ويأكل وعليه الجزاء ولا يأكل الميتة ولم يختلف قول الشافعي أنه لا يأكل المحرم ما صيد من أجله واختلف قوله في إيجاب الجزاء عليه إن أكل منه‏.‏

وقال مالك في آخر هذا الباب في الذي يقتل الصيد ثم يأكله إنما عليه كفارة واحدة مثل من قتله ولم يأكل منه قال أبو عمر على هذا مذاهب علماء الأمصار وجمهور العلماء وقد روي عن عطاء وطائفة فيه كفارتان روى عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء قال إن ذبحه ثم أكله يعني المحرم فكفارتان قال أبو عمر لم يختلفوا فيمن وطىء مرارا قبل الحد أنه ليس عليه إلا حد واحد وكذلك المحرم يقتل الصيد في الحرم فيجمع عليه حرمتان حرمة الإحرام وحرمة الحرم ليس عليه إلا جزاء واحد عند الجمهور وبالله التوفيق ‏(‏كتاب الحج‏)‏ ‏(‏القسم الثاني‏)‏‏.‏

باب أمر الصيد في الحرم

754- قال مالك كل شيء صيد في الحرم أو أرسل عليه كلب في الحرم فقتل ذلك الصيد في الحل فإنه لا يحل أكله وعلى من فعل ذلك جزاء الصيد فأما الذي يرسل كلبه على الصيد في الحل فيطلبه حتى يصيده في الحرم فإنه لا يؤكل وليس عليه في ذلك جزاء إلا أن يكون أرسله عليه وهو قريب من الحرم فإن أرسله قريبا من الحرم فعليه جزاؤه قال أبو عمر اختلف الفقهاء في الذي يرسل كلبه في الحل فيقتل الصيد في الحرم فقال مالك عليه جزاؤه وكذلك لو رمى سهما في الحل فقتل في الحرم وهو قول الأوزاعي والليث‏.‏

وقال أبو حنيفة لو رمى من الحل فوقعت الرمية في الحرم فقتل صيدا فعليه الجزاء وإن أرسل كلبا في الحل فقتل في الحرم فلا جزاء عليه وقال الثوري في شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحل سقط عليها طائر قال ما كان في الحل يلزم وما كان في الحرم فلا يلزمه وقال الوليد بن مزيد سئل الأوزاعي عن رجل أرسل كلبه في الحل على صيد فأدخله الحرم ثم أخرجه من الحرم فقتله فقال لا أدري ما أقول فيها فقال له السائل لو رددتني شهرا فيها لم أرسل عنها أحدا غيرك فقال الأوزاعي لا يؤكل الصيد وليس على صاحبه جزاء قال الوليد فحججت في العام المقبل فلقيت بن جريج فسألته عنها فحدثني عن عطاء عن بن عباس بمثل ما قال الأوزاعي قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء من السلف والخلف في تحريم الصيد بمكة من سائر الحرم وأنه حرم آمن كما قال الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏أو لم يروا أنا جعلنا حرما أمنا‏)‏ ‏[‏العنكبوت 67‏]‏‏.‏

وقال إبراهيم ‏(‏عليه السلام‏)‏ ‏(‏رب اجعل هذا البلد أمنا‏)‏ ‏[‏إبراهيم 35‏]‏‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ‏(‏عز وجل‏)‏ حرم مكة ولم يحرمها الناس وقال ‏(‏عليه السلام‏)‏ إن إبراهيم حرم مكة وهذا معناه أنه دعى في تحريمها فكان سبب ذلك فأضيف إليه على ما تعرفه العرب من كلامها وقد روى أبو هريرة بالنقل الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض وقد أوضحنا معاني ذلك كله في كتاب الجامع وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها وقد رأى جماعة من العلماء أن الجاني إذا عاذ بالحرم لم يقم عليه حده فيه حتى يخرج منه ولهذه المسألة باب غير هذا وقالوا لم يكن الجزاء في غير هذه الأمة إلا على محرم فلا على قاتل صيد في الحرم وهو حلال وإنما كان الجزاء على هذه الأمة لقوله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏‏.‏

واتفق فقهاء الأمصار ومالك والثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي أن على من قتل صيدا وهو حلال في الحرم الجزاء كما لو قتله محرم وبه قال جماعة أصحاب الحديث وشذت فرقة منهم داود بن علي فقالوا لا جزاء على من قتل في الحرم شيئا من الصيد إلا أن يكون محرما ولا يختلفون في تحريم الصيد في الجزاء وإنما اختلفوا في وجوب الجزاء فيه وقد روي عن عمر وعثمان وعلي وبن عباس وبن عمر في حمام الحرم شاة في كل واحدة منها ولم يخصوا محرما من حلال ولا مخالف لهم من الصحابة وقد يوجد لداود سلف من التابعين ذكر عبد الرزاق عن معمر عن صدقة بن يسار قال سألت سعيد بن جبير عن حجلة ذبحتها وأنا بمكة فلم ير علي شيئا وكان أبو حنيفة يقول للحلال يقتل الصيد في الحرم أنه لا يجزئه إلا الهدي والإطعام ولا يجزئه الصوم كأنه جعله ثمنا وعند مالك والشافعي يجزئه الصوم كسائر من وجب عليه جزاء الصيد من المحرمين‏.‏

وقال أبو حنيفة في المحرم إذا أدخل مع الضحية شيئا من صيد الحل إلى الحرم فلا يجوز له ذبحه ولا حبسه وعليه أن يرسله‏.‏

وقال مالك والشافعي جائز له بيعة وهبته في الحرم‏.‏

باب الحكم في الصيد

755- قال مالك قال الله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره‏)‏ المائدة قال مالك فالذي يصيد الصيد وهو حلال ثم يقتله وهو محرم بمنزلة الذي يبتاعه وهو محرم ثم يقتله وقد نهى الله عن قتله فعليه جزاؤه قال مالك والأمر عندنا أنه من أصاب الصيد وهو محرم حكم عليه يحيى 95 قال مالك أحسن ما سمعت في الذي يقتل الصيد فيحكم عليه فيه أن يقوم الصيد الذي أصاب فينظر كم ثمنه من الطعام فيطعم كل مسكين مدا أو يصوم مكان كل مد يوما وينظر كم عدة المساكين فإن كانوا عشرة صام عشرة أيام وإن كانوا عشرين مسكينا صام عشرين يوما عددهم ما كانوا وإن كانوا أكثر من ستين مسكينا قال مالك سمعت أنه يحكم على من قتل الصيد في الحرم وهو حلال بمثل ما يحكم به على المحرم الذي يقتل الصيد في الحرم وهو محرم قال أبو عمر هذا الذي ذكره مالك عليه جماعة العلماء في أن الحرمتين إذا اجتمعتا ‏(‏ حرمة الحرم وحرمة الإحرام‏)‏ فليس فيهما إلا حدا واحدا على قاتل الصيد محرما في الحرم لقول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏‏.‏

ولم يخص موضعا من موضع ولا استثنى حلا من حرم ومعلوم أن الإحرام إنما يقصد به إلى الحرم وهناك عظم عمل المحرم واختلف الفقهاء في استئناف الحكم على قاتل الصيد فيما مضى فيه من السلف حكم فقال فيه مالك يستأنف الحكم في كل ما مضت فيه حكومة أو لم تمض وهو قول أبي حنيفة‏.‏

وقال الشافعي إن اختار بحكومة الضحايات من غير أن يحكم عليه جاز فإذا قتل نعامة أهدى بدنة وإذا قتل غرابا أهدى شاة واختلفوا في قول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏فجزاء مثل ما قتل من النعم‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏‏.‏

والنعم الإبل والبقر والغنم فإذا قتل المحرم صيدا له مثل من النعم في المنظر والبدن يكون أقرب شبها به من غيره فعليه مثله في الظبي شاة وفي النعامة بدنة وفي البقرة الوحش بقرة هذا قول مالك والشافعي ومحمد بن الحسن‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف الواجب في قتل الصيد قيمته كان له مثل من النعم أو لم يكن وهو بالخيار بين أن يتصدق بقيمته وبين أن يصرف القيمة في مثله من النعم فيشتريه ويهديه فإن اشترى بالقيمة هديا أهداه وإن اشترى به طعاما أطعم كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير أو صام مكان كل صاع يومين وقال محمد بن الحسن المثل النظير من النعم كقول مالك والشافعي وقال في الطعام والصيام بقول أبي حنيفة ولم يختلف قول مالك فيمن استهدى لغيره شيئا من العروض أن القيمة فيه هي المثل قال والقيمة أعدل في ذلك ولكن السلف ‏(‏رضي الله عنهم‏)‏ حكم جمهورهم في النعامة ببدنة وفي الغزال بشاة وفي البقرة الوحش ببقرة واعتبروا المثل فيما وصفنا لا القيمة فلا ينبغي خلافهم لأن الرشد في اتباعهم واختلفوا في قاتل الصيد هل يكون أحد الحكمين أم لا فعند أصحاب مالك لا يجوز أن يكون القاتل أحدهما‏.‏

وقال الشافعي يجوز ذلك واختلف أصحاب أبي حنيفة على القولين فقال بعضهم يجوز وقال بعضهم لا يجوز واختلفوا في التخيير والترتيب في كفارة جزاء الصيد فقال مالك يخير الحكمان المحكوم عليه فإن اختار الهدي حكم به عليه وإن اختار الإطعام والصيام حكما عليه بما يختار من ذلك موسرا كان أو معسرا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وقال زفر الكفارة مرتبة يقوم المقتول دراهم يشتري بها هديا فإن لم يبلغ اشتري به طعام فإن لم يجد ما يشتري به هديا ولا طعاما صام بقيمتها ينظر كم تكون تلك الدراهم طعاما فيصوم عن كل صاع من بر يومين واختلف فيها قول الشافعي فقال مرة بالترتيب هدي فإن لم يجد فطعام فإن لم يجد فصيام ومرة بالتخيير كما قال مالك وهو الصواب عندي لأن الله ‏(‏عز وجل‏)‏ يقول ‏(‏يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏‏.‏

وحقيقة ‏(‏أو‏)‏ التخيير لا الترتيب والله أعلم واختلفوا هل يقدم الصيد أو المثل فقال مالك إذا اختار قاتل الصيد أن يحكم عليه بالإطعام قوم الصيد على أنه حي كم يساوي من الطعام وهو قول أبي حنيفة‏.‏

وقال الشافعي يقوم المثل ولهم في ذلك حجج يطول ذكرها فقال مالك يقوم الصيد طعاما فإن قوم دراهم ثم قوم الطعام بالدراهم رأيت أن يجزئ‏.‏

وقال الشافعي ومحمد بن الحسن يقوم بالدراهم ثم تقوم الدراهم طعاما‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا حكم الحكمان بالقيمة كان المحكوم عليه مخيرا إن شاء أهدى وإن شاء صام وإن شاء تصدق واختلفوا في موضع الإطعام فمذهب مالك أن الإطعام في الموضع الذي أصاب فيه الصيد إن كان ثم طعام وإلا في أقرب المواضع إليه حيث الطعام‏.‏

وقال أبو حنيفة يطعم إن شاء في الحرم وإن شاء في غيره‏.‏

وقال الشافعي لا يطعم إلا مساكين مكة كما لا ينحر الهدي إلا بمكة واختلفوا في مقدار الإطعام والصيام عنه فقال مالك يطعم كل مسكين مدا أو يصوم مكان كل مد يوما وهو قول الشافعي وأهل الحجاز‏.‏

وقال أبو حنيفة يطعم كل مسكين مدين أو يصوم مكان كل مدين يوما وهو قول الكوفيين ومجاهد واختلفوا في المحرم يقتل الصيد ثم يأكل منه فقال مالك والشافعي ليس عليه إلا جزاء واحد وهو قول أبي يوسف ومحمد‏.‏

وقال أبو حنيفة في قتلة الجزاء كامل وفي أكله ضمان ما أكل وبه قال الأوزاعي وقال الأوزاعي لو صاد الحلال في الحرم فعليه الجزاء فإن أكل مما صاد لم يضمن شيئا مما أحل واختلفوا في الحلال إذا دخل معه من صيد الحل شيئا إلى الحرم هل يجوز له أن يذبحه في الحرم ففي الموطأ الذي يصيد الصيد وهو حلال ثم يذبحه وهو محرم عليه جزاؤه وهو بمنزلة الذي يبتاعه وهو محرم ثم يقتله وقد روي عنه أن للمحل الذي صاده في الحل أن يذبحه في الحرم وأن يبيعه ويهبه فيه وبه قال الشافعي‏.‏

وقال أبو حنيفة لا يجوز له فيه شيء من ذلك وعليه أن يرسله واتفقوا في المحرم إذا قتل صيدا مملوكا لغيره أن عليه قيمته لصاحبه والجزاء وخالفهم المزني فقال لا جزاء عليه ولا يلزمه غير قيمته‏.‏

باب ما يقتل المحرم من الدواب

756- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور‏.‏

757- وعن عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في معناه وروى أيوب عن نافع عن بن عمر مثله سواء وزاد قال أيوب قلت لنافع فالحية قال الحية لا شك في قتلها وقال بعضهم عن أيوب قلت لنافع فالحية قال الحية لا يختلف في قتلها واختلف فيه عن الزهري فرواه بن عيينة عن الزهري عن سالم عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه زيد بن جبير عن بن عمر قال أخبرتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله كان يأمر المحرم بقتل خمس من الدواب فذكر مثله سواء وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد‏.‏

758- وعن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس فواسق يقتلن في الحرم فذكره سواء رواه معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

759- وذكر مالك عن بن شهاب أن عمر بن الخطاب أمر بقتل الحيات في الحرم قال مالك في الكلب العقور الذي أمر بقتله في الحرم إن كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فهو الكلب العقور‏.‏

وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب والهر وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم فإن قتله فداه‏.‏

وأما ما ضر من الطير فإن المحرم لا يقتله إلا ما سمى النبي صلى الله عليه وسلم الغراب والحدأة وإن قتل المحرم شيئا من الطير سواهما فداه قال أبو عمر أجمع العلماء على القول بجملة معنى أحاديث هذا الباب واختلفوا في تفصيلها على ما نورده عنهم بحول الله وقوته إن شاء الله فأما الكلب العقور فقد ذكر مالك مذهبه فيه في موطئه على حسب ما أوردناه ومذهب بن عيينة في الكلب العقور نحو مذهب مالك قال بن عيينة معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكلب العقور كل سبع يعقر ولم يخص به الكلب قال سفيان وفسره لي زيد بن أسلم كذلك وكذلك قال أبو عبيد وروى زهير بن محمد عن زيد بن أسلم عن عبد ربه بن سبلان عن أبي هريرة قال الكلب العقور كالأسد فكل هؤلاء يقولون إنه لم يعن بالكلب العقور الكلاب الآنسية العادي منها ولا غير العادي دون سائر ما يعقر الناس ويعدو عليهم من السباع كلها واحتج بعض من ذهب هذا المذهب بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في عتبة بن أبي لهب اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فعدى عليه الأسد فقتله ومذهب الثوري في ذلك كمذهب مالك قال الثوري يقتل المحرم الكلب العقور قال وهو كل ما عدا عليك من السباع تقتله ولا كفارة عليك ومذهب الشافعي في الكلب العقور نحو ذلك أيضا قال الشافعي الكلب العقور ما عدا على الناس من الكلاب قال ومثل الكلب العقور كل سبع عقور مثل النمر والفهد والذئب والأسد ونحوه قول أحمد بن حنبل قال تقتل كل ما عدا عليك وعقرك وآذاك ولا فدية عليك فهؤلاء العلماء كلهم مذاهبهم متقاربة في العبارة عن الكلب العقور وكلهم لا يرى ما ليس من السباع الغراب والحدأة في الأغلب ليست في معنى الكلب العقور في شيء ولا يجوز للمحرم عندهم قتل الهر الوحش ولا الثعلب ولا الضبع‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يقتل المحرم من السباع إلا الكلب والذئب فقط يقتلهما فلا شيء عليه فيهما ابتدآه أو ابتدأهما وإن قتل شيئا من السباع فداه إلا أن يكون ابتدأه السبع فإن ابتدأه فقتله فلا شيء عليه وإن لم يبتدئه وقتله أفداه وهو قول الأوزاعي والحسن بن صالح وقال زفر لا يقتل المحرم إلا الذئب وحده ومتى قتل غيره فعليه الفدية ابتدأه أو لم يبتدئه قال أبو عمر تلخيص مذهب مالك في الكلب العقور وسائر السباع فيما ذكره بن القاسم وبن وهب وأشهب عنه أن المحرم يقتل السباع التي تعدو على الناس وتفترس ابتدأته أو ابتدأها جائز له قتلها على كل حال‏.‏

وأما صغار أولادها التي لا تعدو على الناس ولا تفترس فلا يقتلها ولا يقتل ضبعا ولا ثعلبا ولا هرا وحشيا إلا أن يبتدئه أحد هذه بالأذى والعداء عليه فإن فعل فله قتله ودفعه عن نفسه قال بن القاسم كما لو أن رجلا عدا على رجل فأراد قتله فدفعه عن نفسه لم يكن عليه شيء وقال أشهب عنه إن قتل المحرم ثعلبا أو هرا أو ضبعا وداه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن في قتل السباع وإنما أذن في قتل الكلب العقور قال وكذلك صغار الذئاب والنمور لا يرى أن يقتلها المحرم فإن قتلها فداها وهي مثل فراخ الغربان‏.‏

وقال أبو حنيفة كل من قتل شيئا من السباع صغيرا أو كبيرا فداه إلا الكلب العقور والذئب‏.‏

وقال الشافعي الذي يجوز للمحرم قتله من السباع فصغاره وكباره سواء يقتلها ولا شيء عليه وما لا يجوز قتله صغيرا لم يقتله كبيرا وكل ما لا يجوز أكل لحمه فلا بأس على المحرم في قتله وجائز عنده أكل الضبع والثعلب والهر وسنبين مذهبه ومذهب سائر العلماء فيما يؤكل من الدواب في بابه من هذا الكتاب عند ذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع إن شاء الله وليس هذا الباب فيما للمحرم قتله عند مالك وأصحابه من باب ما يؤكل لحمه في شيء يعقب على ذلك‏.‏

وأما الغراب والحدأة في هذا الباب فقال أشهب سئل مالك أيقتل المحرم الغراب والحدأة من غير أن يضرانه قال لا إلا أن يضرانه إنما أذن في قتلهما إذا أضرا في رأيي فأما أن يصيبهما بدءا فلا وهما صيد وليس للمحرم أن يصيد وليا مثل العقرب والفأرة والغراب والحدأة صيد فإن أضر الغراب والحدأة بالمحرم فله أن يقتلهما قال ولا بأس أن يقتل الحية والفأرة والعقرب وإن لم تضره وقال بن وهب وأشهب عن مالك أما الطير فلا يقتل المحرم منه إلا ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغراب والحدأة ولا أرى له أن يقتلهما إلا أن يضراه‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه لا شيء على المحرم في قتل الحية والعقرب والحدأة الفأرة والغراب‏.‏

وقال الشافعي لا بأس بقتل الغراب والحدأة والرحم والنسور والخنافس والقردان والحلم وكل ما لا يؤكل لحمه فلا شيء على المحرم في قتل شيء من ذلك ولا بأس بقتله للمحرم وغيره هذا معنى قوله وهو قول بن عمر وعائشة وعروة وبن شهاب ذكر الساجي قال حدثني علي بن عبد الحميد الغدائري قال حدثنا الهيثم بن جميل قال حدثني شريك عن هشام بن عروة عن أبيه قال ذكر عند بن عمر الغراب فقال هو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفويسق والله ما هو من الطيبات التي ذكر الله ‏(‏عز وجل‏)‏ في القرآن قال‏.‏

وحدثني محمد بن الحارث المخزومي قال حدثني بن أبي أويس عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت إني لأعجب من أكل الغراب وقد رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه فاسقا والله ما هذا من الطيبات‏.‏

وحدثني بن المثنى قال حدثنا أبو داود قال حدثني همام عن قتادة أنه كره لحم الغراب قال‏.‏

وحدثني عبد الرزاق قال حدثني حجاج بن المنهال قال حدثني حماد بن سلمة قال حدثني هشام بن عروة عن أبيه أنه سئل عن لحم الغراب فكرهه قال أبو عمر جائز عند مالك أكل الغراب والحدأة وكل ذي مخلب من الطير ولم يصح عنده في ذلك النهي الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد صح عند أبي بكر الصديق أنه قال كل الطير كله وقد ذكرنا الخبر عنه في غير هذا الموضع وهو قول عطاء وجماعة من العلماء وذكر بن وهب عن خالد بن حميد عن عقيل عن بن شهاب أنه سأله رجل عن أكل البازي فأمره بأكله قال بن وهب‏.‏

وأخبرني الليث قال كتبت إلى يحيى بن سعيد في لحم الغراب والحدأة والنسر والصقر والبازي والعقاب وأشباهها هل يكره أم لا فقال يحيى بن سعيد ليس ينبغي أن تحرم إلا ما حرم الله ‏(‏عز وجل‏)‏ أو بما تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه قال بن وهب وسألت مالكا عن أكل الغراب والحدأة وقلت له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماهما فاسقين وأمر المحرم بقتلهما فقال لم أدرك أحدا ينهى عن أكلهما قال ولا بأس بأكلهما قال وإني لأكره أكل الفارة والحية والعقرب من غير أن أراه حراما قال ومن أكل حية فلا يأكلها حتى يذكيها قال أبو عمر العلماء مجمعون على قتل الحية والعقرب في الحل والحرم للحلال والمحرم وكذلك الأفعى عندهم جميعهم وفي حديث بن مسعود كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ليلة عرفة فخرجت حية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوا فسيقا وفي حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل المحرم الأفعى والأسود والحية والعقرب والحدأة والكلب العقور والفويسقة قال أبو عمر قد ذكرنا إسناد هذين الحديثين في التمهيد والأسود الحية والفويسقة الفأرة روى شعبة عن مخارق بن عبد الله عن طارق بن شهاب قال اعتمرت فمررت بالرمال فرأيت حيات فجعلت أقتلهن وسألت عمر فقال هي عدو فاقتلوهن وقال بن عيينة سمعت الزهري يحدث عن سالم عن أبيه أن عمر سئل عن الحية يقتلها المحرم فقال هي عدو فاقتلوها حيث وجدتموها قال سفيان وقال لنا زيد بن أسلم ويحك ‏!‏ أي كلب أعقر من الحية ‏!‏ قال أبو عمر وكذلك أجمع العلماء على جواز قتل الفأرة في الحل والحرم وقتل العقرب والوزغ إلا أن بن القاسم وبن وهب وأشهب رووا عن مالك وذكره بن عبد الحكم عنه قال لا أدري أن يقتل المحرم الوزغ لأنه ليس من الخمس التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهن قيل له فإن قتل المحرم الوزغ قال أرى أن يتصدق وهو مثل شحمة الأرض وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الدواب فليس عليهن شيء إلا سبعا قال ولا يقتل المحرم قردا ولا خنزيرا ولا الحية الصغيرة ولا صغار السباع ولا فراخ الغربان قال أبو عمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ وسماه فويسقا رواه بن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن بن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم والآثار بذلك متواترة وقد ذكرنا بعضها في التمهيد وقد أجاز مالك قتل الحية والأفعى وليست من الخمس التي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم والكلب العقور عنده صفة لا عين مسماة فيدخل في ذلك أكثر من الخمس وقد قال إسماعيل بن إسحاق اختلف في الزنبور فشبهه بعضهم بالحية والعقرب قال ولولا أن الزنبور لا يبتدئ لكان أغلظ على الناس من الحية والعقرب ولكنه ليس في طبعه من الأذى ما في الحية والعقرب لأنه إنما يجيء إذا أوذي قال فإن عرض الزنبور لإنسان فدفعه عن نفسه لم يكن عليه فيه شيء قال إسماعيل وإنما لم يدخل أولاد الكلب العقور في حكم العقور لأنهن لا يعقرن في صغرهن قال وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس فواسق والفواسق فواعل والصغار لا فعل لهن قال أبو عمر وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم التمثيل بالبهائم ونهى أن يتخذ شيئا فيه الروح غرضا ونهى أن تصبر البهائم وذلك فيما يجوز أكله وفيما لا يجوز وإجماع العلماء المسلمين على ذلك وقال صلى الله عليه وسلم من قتل عصفورا بغير حقه عذب به يوم القيامة قيل وما حقه يا رسول الله ‏!‏ قال يذبحه ولا يقطع رأسه فيرمي به وفي هذا كله دليل واضح أن ما يحل أكله لا يجوز قتله لما فيه من الفساد وإضاعة المال والله قد نهى عن الفساد‏.‏

وأخبر أنه لا يحبه وقد نهى عن إضاعة المال وكل مقدور عليه ذكاته الذبح وكل ممتنع من الصيد ذكاته الحديد حيث أدركت منه مع سنة التسمية في ذلك وقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل تلك الفواسق وشبهها في الحل والحرم على ما في حديث عائشة وغيره وقال المحرم يقتله‏.‏

وأما مالك ومن تابعه على جواز أكل الطير كله ذي المخلب منه وغير ذي المخلب فمن حجتهم أن الحدأة والغراب استثناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصيد الذي نهى المحرم عنه وقد قالت فرقة منهم مجاهد بن جبر ولا يقتل الغراب ولكن يرمي وروي ذلك عن علي ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ ولا يصح عنه وقد ذكرنا إسناده عنه في التمهيد واحتج من قال بذلك بحديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عما يقتل المحرم فقال الحية والعقرب والفويسقة ويرمي الغراب ولا يقتله والكلب العقور والحدأة والسبع العادي رواه هشيم قال حدثني يزيد بن أبي زياد قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري وقد ذكرناه بإسناده ويزيد بن أبي زياد ليس بحجة فيما انفرد به وشذت فرقة أخرى فقالت لا يقتل من الغربان إلا الغراب الابقع واحتجوا بما حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمر بن علي قال حدثني يحيى قال حدثني شعبة قال حدثني قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس يقتلهن المحرم الحية والفأرة والحدأة والغراب والأبقع والكلب العقور قال أبو عمر الأبقع من الغربان الذي في ظهره وبطنه بياض وكذلك الكلب الأبقع أيضا‏.‏

وأما الأدرع فهو الأسود والغراب الأعصم هو الأبيض الرجلين وكذلك الوعل الأعصم عصمته بياض في رجليه‏.‏