فصل: باب ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب غسل رأس المحرم ذكر فيه

669- مالك عن زيد بن أسلم عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء فقال عبد الله يغسل المحرم رأسه وقال المسور بن مخرمة لا يغسل المحرم رأسه قال فأرسلني عبد الله بن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري قال فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستر بثوب فسلمت عليه فقال من هذا فقلت أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم قال فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه أصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل قال أبو عمر روى هذا الحديث يحيى بن يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن نافع عن إبراهيم عن عبد الله بن حنين عن أبيه فذكره ولم يتابعه على إدخال نافع بين زيد بن أسلم وبين إبراهيم بن عبد الله أحد من رواة الموطأ وذكر نافع هنا خطأ من خطأ اليد والله أعلم لا شك فيه ولذلك طرحته من الإسناد كما طرحه بن وضاح وقد روى عن إبراهيم هذا بن شهاب ونافع مولى عبد الله بن عمر وزيد بن أسلم ومحمد بن عمرو بن علقمة ومحمد بن إسحاق والحارث بن أبي ذباب ويزيد بن أبي حبيب وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن وموسى بن عبيدة وغيرهم وحنين جد إبراهيم هذا يقال إنه مولى العباس بن عبد المطلب وقيل مولى علي بن أبي طالب والله أعلم وفيه من الفقه أن الصحابة إذا اختلفوا لم تكن في قول واحد منهم حجة على غيره إلا بدليل يجب التسليم له من الكتاب أو السنة ألا ترى أن بن عباس والمسور لما اختلفا لم يكن لواحد منهما حجة على صاحبه حتى أدلى بن عباس بالحجة بالسنة ففلج وهذا يبين لك أن قوله ‏(‏عليه السلام‏)‏ أصحابي كالنجوم هو على ما فسره المزني وغيره وأن ذلك في النقل لأن جميعهم ثقات عدول فواجب قبول ما نقل كل واحد منهم ولو كانوا كالنجوم في آرائهم واجتهادهم إذا اختلفوا لقال بن عباس للمسور أنت نجم وأنا نجم فلا عليك وبأينا اقتدى المقتدي فقد اهتدى ولما احتاج لطلب البينة والبرهان من السنة على صحة قوله وكذلك سائر الصحابة ‏(‏رضوان الله عليهم‏)‏ إذا اختلفوا حكمهم كحكم بن عباس والمسور وهم أول من تلا ‏(‏فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول‏)‏ ‏[‏النساء 59‏]‏‏.‏

قال العلماء إلى كتاب الله وإلى نبيه ‏(‏عليه السلام‏)‏ ما كان حيا فإن قبض فإلى سنته ألا ترى أن بن مسعود قيل له إن أبا موسى الأشعري قال في أخت وابنة وابنة بن إن للابنة النصف وللأخت النصف ولا شيء لبنت الابن وأنه قال للسائل أئت بن مسعود فإنه سيتابعنا فقال بن مسعود ‏(‏قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ‏[‏الأنعام 56‏]‏‏.‏

أقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت وبعضهم لم يرفع هذا الحديث وجعله موقوفا على بن مسعود وكلهم رووا فيه و‏(‏قد ضللت إذا‏)‏ الآية ‏[‏الأنعام 56‏]‏‏.‏

وفي الموطأ أن أبا موسى الأشعري أفتى بجواز رضاع الكبير ورد ذلك عليه بن مسعود فقال أبو موسى لا تسألوني ما دام هذا الحبر بين أظهركم وروى مالك عن بن مسعود أنه رجع عن قوله في الربيبة إلى قول أصحابه في المدينة وهذا الباب طويل إذا كان الصحابة خير أمة أخرجت للناس وهم أهل العلم والفضل لا يكون أحدهم حجة على صاحبه إلا الحجة من كتاب الله أو سنة نبيه فمن دونهم أولى أن يعضد قوله بما يجب التسليم له قال مجاهد في قوله عز وجل ‏(‏ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق‏)‏ ‏[‏سبأ 6‏]‏‏.‏

قال أصحاب محمد ‏(‏عليه السلام‏)‏ قال مالك الحكم حكمان حكم جاء به كتاب الله وحكم أحكمته السنة قال ومجتهد رأيه فلعله يوفق ومتكلف فطعن عليه قال وذكر بن وضاح عن بن وهب قال قال لي مالك الحكمة والعلم نور يهدي به الله من يشاء ويؤتى من أحب من عبادة وليس بكثرة المسائل قال أبو عمر وقد استوفينا هذا المعنى في كتاب العلم وفي هذا الحديث دليل على أن بن عباس قد كان عنده في غسل المحرم رأسه والله اعلم علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنباه ذلك أبو أيوب أو غيره ألا ترى أن قول عبد الله بن حنين إلى أبي أيوب أرسلني إليك بن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم ولم يقل هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم فالظاهر أنه كان عنده من ذلك علم واختلف العلماء في غسل رأسه فكان مالك لا يجيز ذلك للمحرم ويكرهه له ومن حجته أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام قال مالك فإذا أوفى المحرم جمرة العقبة جاز له غسل رأسه وإن لم يحلق قبل الحلق لأنه إذا رمى جمرة العقبة فقد حل له قتل القمل وحلق الشعر وإلقاء التفث ولبس الثياب قال وهذا الذي سمعت من أهل العلم وروى جويرية عن مالك عن الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه رأى قيس بن سعد بن عبادة غسل أحد شقي رأسه بالشجرة فالتفت فإذا هدية قد قلدت فقام فأهل قبل أن يغسل شق رأسه الآخر وفي حديث سعد بن قيس من الفقه أنه كان يذهب إلى أنه من قلد هدية أو قلد عنه هدية بأمره فهو محرم وهذه مسألة ستأتي في موضعها إن شاء الله من هذا الكتاب وفيه أن قيس بن سعد بن عبادة كان لا يرى أن يغسل المحرم رأسه ويحمل حديث أبي أيوب عند مالك أنه كان ربما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه من الجنابة محرما فلا يكون عليه فيه حجة وعند غيره يحمله على العموم والظاهر لأنه لم يجر في الحديث لواحد منهم ذكر الجنابة ومحال أن يختلف عالمان في غسل المحرم وغير المحرم رأسه من الجنابة وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وداود لا بأس أن يغسل المحرم رأسه بالماء وهو محرم وكان عمر بن الخطاب يغسل رأسه بالماء وهو محرم ويقول لا يزيده الماء إلا شعثا وروي في الرخصة في ذلك عن بن عباس وجابر وعليه جماعة التابعين وجمهور الفقهاء وقد أجمعوا أن المحرم يغسل رأسه من الجنابة وأتباع مالك في كراهته للمحرم غسل رأسه بالماء قليل وقد كان بن وهب وأشهب يتغاطسان في الماء وهما محرمان مخالفة لابن القاسم في إبايته من ذلك وكان بن القاسم يقول إن من غمس رأسه في الماء أطعم شيئا خوفا من قتل الدواب قال أبو عمر لا يجب الفداء في ذمة المحرم إلا بيقين الحكم وغير ذلك استحباب ولا بأس عند جميع أصحاب مالك أن يصب الماء على رأسه لحر يجده وكان أشهب يقول لا أكره للمحرم غمس رأسه في الماء قال وما يخاف في الغمس ينبغي أن يخاف مثله في صب الماء على الرأس من الحر‏.‏

وأما غسل المحرم رأسه بالخطمي أو السدر فالفقهاء على كراهية ذلك هذا مذهب مالك والشافعي والأوزاعي وأبي حنيفة وكان مالك وأبو حنيفة يريان الفدية على المحرم إذا غسل رأسه بالخطمي‏.‏

وقال أبو ثور لا شيء عليه إن فعل وكان عطاء وطاوس ومجاهد يرخصون للمحرم إذا كان قد لبد رأسه في الخطم ليلين وروي عن بن عمر أنه كان يفعل ذلك ويحتمل أن يكون هذا من فعل بن عمر بعد رمي جمرة العقبة وكان إذا لبد حلق وإنما كان فعله ذلك عونا على الحلق واحتج بعض المتأخرين على جواز غسل المحرم رأسه بالخطمي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمحرم الميت أن يغسلوه بماء وسدر وأمرهم أن يجنبوه ما يجتنب المحرم فدل ذلك على إباحة غسل ر أس المحرم بالسدر قال والخطمي في معناه وهذه مسألة اختلف فيها الفقهاء تأتي في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله واختلفوا في دخول المحرم الحمام فتدلك وإن نقى الوسخ فعليه الفدية وكان الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق وداود لا يرون بدخول المحرم بأسا وروي عن بن عباس من وجه ثابت أنه كان يدخل الحمام وهو محرم وفيه استتار الغاسل بالثوب معلوم وفيه أن الذي كان يستره بالثوب لا يطلع منه على ما يتستر به من مثله فالسترة واجبة عن القريب والبعيد‏.‏

وأما قوله يغتسل بين القرنين فقال بن وهب هما العمودان المبنيان اللذان فيهما الساقية على رأس الجحفة وقال غيره هما حجران مشرفان أو عمودان على الحوض يقوم عليهما السقاة وفي هذا الباب عن مالك‏.‏

670- عن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن عمر بن الخطاب قال ليعلى بن منية وهو يصب على عمر بن الخطاب ماء وهو يغتسل أصبب على رأسي فقال يعلى أتريد أن تجعلها بي إن أمرتني صببت فقال له عمر بن الخطاب اصبب فلن يزيده الماء إلا شعثا ومعنى هذا الحديث كله قد تقدم في الحديث الذي قبله وقول يعلى أتريد أن تجعلها بي يريد الفدية يقول إن صببت على رأسه ماء يكاد يموت شيء من دواب رأسه من ذلك أو ليس الشعر وزوال شعثه لزمني الفدية فإن أمرتني كانت عليك فأخبره عمر أنه لا فدية في ذلك الفعل على فاعله ولا على الآمر به هذا معنى قوله والله أعلم ومنية أم يعلى بن أمية وقد ذكرنا أباه وأمه ونسبيهما في كتاب الصحابة وروى بن جريج عن عطاء عن صفوان بن أمية عن أبيه قال سترت على عمر وهو يغتسل وهو محرم فقال يا يعلى أفض على رأسي فقلت أمير المؤمنين أعلم فقال والله إن الماء لا يزيده إلا شعثا ثم أفاض على رأسه وروى سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن بن عباس قال ربما قال لي عمر بن الخطاب ونحن محرمون تعال أطاولك في أينا أطول نفسا‏.‏

671- أما حديثه في هذا الباب عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا دنا من مكة دخلها من الثنية التي بأعلى مكة ولا يغتسل ويأمر من معه أن يغتسلوا قبل أن يدخلوا‏.‏

672- وأنه كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام فقد مضت معاني الغسل كلها وأن أهل العلم يستحبون الغسل ولا يرونه واجبا إلا الحسن وقوما من أهل الظاهر على ما وصفنا والوضوء يجزئ عند الجماعة غيرهم وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال فمن أهل بغير وضوء أهدى هديا قال أبو عمر كان بن عمر كثير الاتباع والامتثال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل ما يندب إليه وروى أيوب عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا قدم مكة بات بذي طوى حتى يصبح فيغتسل ثم يدخل مكة نهارا ويذكر عن النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ أنه فعله وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلي يعني ثنيتي مكة وأنه كان أيضا يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ كان إذا دخل مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها وأنه دخلها عام الفتح من كداء من أعلى مكة ودخل في العمرة من كداء هكذا يروون فيهما الأولى بالفتحة والثانية بالضمة قال هشام وكان عروة يدخل منهما جميعا وكان أكثر ما يدخل من كداء وكان أقربهما إلى منزله ذكر ذلك كله أبو داود وغيره وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر والزهري عن منصور عن مالك بن الحارث عن أبي نصر أن عليا قال إذا أردت أن تحرم فامض إذا ويمم ثم أحرم وعن طاوس عن عطاء عن إبراهيم أنهم كانوا يغتسلون ويقولون من توضأ أجزأه‏.‏

وأما قوله سمعت أهل العلم يقولون لا بأس أن يغسل الرجل المحرم رأسه بالغسول بعد أن يرمي جمرة العقبة وقبل أن يحلق رأسه وذلك أنه إذا رمى جمرة العقبة فقد حل له قتل القمل وحلق الشعر وإلقاء التفث ولبس الثياب قال أبو عمر قد احتج مالك لما حكاه عن أهل العلم بحجة صحيحة لأن عمر بن الخطاب خطب بهذا المعنى على رؤوس الناس بمنى فلم ينكر أحد قال إذا رميتم جمرة العقبة فقد حل لكم كل ما حرم عليكم إلا النساء والطيب وستأتي هذه المسألة وغيرها في موضعها إن شاء الله‏.‏

باب ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام

673- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس سئل مالك عما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل فقال لم أسمع بهذا ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس السراويلات فيما نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي للمحرم أن يلبسها ولم يستثن فيها كما استثنى في الخفين قال أبو عمر كل ما في هذا الحديث مجتمع عليه من أهل العلم أنه لا يلبسه المحرم ما دام محرما وفي معنى ما ذكرنا من القمص والسراويلات والبرانس يدخل المخيط كله فلا يجوز لباس شيء للمحرم عند جميع أهل العلم إلا من شذ عنه ممن لا يجد خلافا عنهم بل هو محجوج بهم وأجمعوا أن المراد بهذا الخطاب في اللباس المذكور الرجال دون النساء وأنه لا بأس للمرأة بلباس القميص والدرع والسراويل والخمر والخفاف وأجمعوا أن إحرام الرجل في رأسه وأنه ليس له أن يغطي رأسه بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس البرانس والعمائم وأجمعوا أن إحرام المرأة في وجهها وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها وهي محرمة وأن لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجل إليها ولم يجوز لها تغطية رأسها وهي محرمة إلا ما ذكرنا عن أسماء روى مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر قالت كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق قال أبو عمر قد يحتمل هذا أن يكون كنحو ما روي عن عائشة أنها قالت كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن محرمون فإذا مر بنا راكب سدلنا الثوب من قبل رؤوسنا وإذا جاوزنا الراكب رفعناه قال أبو عمر قد روي عن النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ أنه نهى المرأة الحرام عن النقاب والقفازين روى الليث بن سعد عن نافع عن بن عمر قال قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب فذكر الحديث وقال في آخره ولا تنتقب المرأة الحرام ولا تلبس القفازين قال أبو داود روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر عن النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ كما رواه الليث ورواه أبو قرة وموسى بن طارق عن موسى بن عقبة عن نافع موقوفا على بن عمر قال أبو عمر رفعه صحيح رواه بن إسحاق عن نافع عن بن عمر مرفوعا ورواه بن المبارك عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر مرفوعا أيضا وعلى كراهة النقاب للمرأة جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار لم يختلفوا في كراهة التبرقع والنقاب للمرأة المحرمة إلا شيء روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة وروي عن عائشة أنها قالت تغطي المرأة المحرمة وجهها إن شاءت وروي عنها أنها لا تفعل وعليه الناس‏.‏

وأما القفازان فاختلفوا فيهما أيضا وروي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يلبس بناته وهن محرمات القفازين ورخصت فيهما عائشة أيضا وبه قال عطاء والثوري ومحمد بن الحسن وهو أحد قولي الشافعي وقد يشبه أن يكون مذهب بن عمر لأنه كان يقول إحرام المرأة في وجهها‏.‏

وقال مالك إن لبست المرأة قفازين افتدت وللشافعي قولان في ذلك أحدهما تفتدي والآخر لا شيء عليها قال أبو عمر الصواب عندي قول من نهى المرأة عن القفازين وأوجب عليها الفدية لثبوته عن النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏‏.‏

وأما الرجل فأجمع العلماء على أن المحرم لا يخمر رأسه على ما قدمنا ذكره واختلفوا في تخمير وجهه وسنذكره في بابه بعد هذا إن شاء الله‏.‏

وأما قول مالك أنه لا يجوز للمحرم لبس السراويل فقد أوضح وجه قوله وحجته في ذلك وأجمع العلماء أن المحرم إذا وجد إزارا لم يجز له لبس السراويل واختلفوا فيه إذا لم يجد إزارا هل له أن يلبس السراويل وإن لبسها على ذلك هل عليه فدية أم لا فقول مالك على ما ذكره في موطئه على حسب ما ذكرناه في هذا الباب عنه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه واتفق مالك وأبو حنيفة في إيجاب الفدية على من لبس السراويل فقالا عليه الفدية وجد الإزار أو لم يجد الإزار إلا أن يشق السراويل ويفتقه ويتزر به وقال عطاء بن أبي رباح والشافعي والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود إذا لم يجد المحرم إزار لبس السراويل ولا شيء عليه وحجة من ذهب إلى هذا حديث عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن بن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول السراويل لمن لم يجد الإزار والخفان لمن لم يجد النعلين وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في التمهيد واختلفوا فيمن لم يجد نعلين هل يلبس الخفين ولا يقطعهما ذهب عطاء بن أبي رباح وسعيد بن سالم القداح وطائفة من أهل العلم إلى أن من لم يجد النعلين لبس الخفين ولا يقطعهما وبه قال أحمد بن حنبل قال عطاء في قطعهما فساد والله لا يحب الفساد وقال أكثر أهل العلم إذا لم يجد المحرم نعلين لبس الخفين بعد أن يقطعهما أسفل من الكعبين وبهذا قال مالك بن أنس والشافعي والثوري وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وجماعة من التابعين‏.‏

وقال الشافعي بن عمر قد زاد على بن عباس شيئا نقصه بن عباس وحفظه بن عمر وذلك قوله وليقطعهما أسفل من الكعبين قال والمصير إلى رواية بن عمر أولى وروى بن وهب عن مالك والليث فيمن لبس خفين مقطوعين أو غير مقطوعين إذا كان واجدا للنعلين فعليه الفدية‏.‏

وقال أبو حنيفة لا فدية عليه إذا لبسهما مقطوعين وهو واجد نعلين قال ومن لبس السراويل افتدى على كل حال وجد إزارا أو لم يجد إلا أن يعتق السراويل واختلف قول الشافعي فيمن لبس الخفين مقطوعين وهو واجد النعلين فمرة قال عليه الفدية وبه قال أبو ثور ومرة قال لا شيء عليه قال أبو عمر كان بن عمر يقطع الخفين حتى للمرأة المحرمة وهذا لم يفعله في المرأة المحرمة أحد من أهل العلم غيره والله أعلم وقد روي عنه أنه انصرف عن ذلك إلى ما عليه الجماعة من جواز لباس الخفين غير مقطوعين للمحرمة كما تلبس المخيط وقد كره بن عمر أيضا أن يلقى عليه برنس أو ثوب مخيط وهو مريض محرم وقال لنافع أتلقي علي هذا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسه المحرم قال أبو عمر هذا من بن عمر ورع‏.‏

وأما سائر العلماء فإنما يكرهون من البرنس والثوب المخيط الدخول فيه أخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة قال حدثني بن عدي عن محمد بن إسحاق عن بن شهاب قال حدثني سالم أن عبد الله بن عمر كان يقطع الخفين للمرأة المحرمة ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص للنساء في لبس الخفين فترك ذلك‏.‏

وقال مالك من ابتاع خفين وهو محرم فجربهما أو قاسهما في رجليه فلا شيء عليه وإن تركهما حتى منعة ذلك من حر أو برد أو مطر افتدى في الأسدية عن أسد وسحنون وأبي ثابت وأبي زيد قلت لابن القاسم هل كان مالك يكره للمحرم أن يدخل منكبيه في القباء من غير أن يدخل يديه في كمية ولا يزره عليه قال نعم قلت فكان يكره له أن يطرح قميصه على ظهره بردائه من غير أن يدخل فيه قال لا قال أبو عمر كره من ذلك ما كره مالك الثوري والليث والشافعي وكان أبو حنيفة وأبو ثور يقولان لا بأس أن يدخل منكبيه في القباء وهو قول إبراهيم وقال عطاء لا بأس أن يتردى به‏.‏

وقال مالك إذا أدخل المحرم كفيه في القباء افتدى وإن لم يدخل فيه كفيه فلا شيء عليه وهو قول زفر والشافعي‏.‏

وقال أبو حنيفة لا فدية عليه إلا أن يدخل فيه ذراعيه‏.‏

وقال مالك إن عقد إزاره على عنقه افتدى‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة لا شيء عليه وبالله التوفيق‏.‏

باب لبس الثياب المصبغة في الإحرام

674- ذكر فيه مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو ورس وقال من لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين قال أبو عمر قد مضى القول في الباب قبل هذا في الخفين وقطعهما وما للعلماء في ذلك‏.‏

675- وذكر عن نافع أنه سمع أسلم مولى عمر بن الخطاب يحدث عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم فقال عمر ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة فقال طلحة يا أمير المؤمنين إنما هو مدر فقال عمر إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبغة‏.‏

676- وذكر عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات المشبعاب وهي محرمة ليس فيها زعفران وسئل مالك عن ثوب مسه طيب ثم ذهب منه ريح الطيب هل يحرم فيه فقال نعم ما لم يكن فيه صباغ زعفران أو ورس قال أبو عمر الثوب المصبوغ بالورس والزعفران فلا خلاف بين العلماء أن لباس ذلك لا يجوز للمحرم على ما في حديث بن عمر هذا والورس نبات يكون باليمن صبغة ما بين الصفرة والحمرة ورائحته طيبة فإن غسل ذلك الثوب حتى يذهب ريح الزعفران منه وخرج عنه فلا بأس به عند جميعهم أيضا وكان مالك فيما ذكره بن القاسم عنه يكره الثوب الغسيل من الزعفران والورس إذا بقي فيه من لونه شيء وقال لا يلبسه المحرم وإن غسله إذا بقي فيه شيء من لونه إلا أن لا يجد غيره فإن لم يجد غيره صبغة بالمشق وأحرم فيه قال أبو عمر انفرد يحيى بن عبد الحميد الحماني عن أبي معاوية عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال فيه ولا تلبسوا ثوبا مسه ورس أو زعفران إلا أن يكون غسيلا وذكر الطحاوي عن بن أبي عمران قال رأيت يحيى بن سعيد وهو يتعجب من الحماني كيف يحدث بهذا الحديث فقال عبد الرحمن بن مهدي هذا عندي ثم وثب من فوره فجاء بأصله فأخرج منه هذا الحديث عن أبي معاوية هذا كما قال الحماني واختلفوا في العصفر فجملة مذهب مالك أن العصفر ليس بطيب ويكره للحاج استعمال الثوب الذي ينتفض في جلده فإن فعل فقد أساء ولا فدية عليه وهو قول الشافعي‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه العصفر طيب وفيه الفدية على من استعمل شيئا منه في اللباس وغيره إذا كان محرما‏.‏

وقال أبو ثور كقول أبي حنيفة إلا في المعصفر فإنه قال إن لبسه المحرم فقد أساء ولا شيء عليه قال وإنما كرهناه لأن النبي عليه السلام نهى عن لبسه لأنه طيب قال أبو عمر النهي عن لبس المعصفر محفوظ في حديث علي بن أبي طالب من حديث مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي وعن لبس المعصفر الحديث‏.‏

وأما إنكار عمر على طلحة لباسه المصبغ بالمدر فإنما كرهه من طريق رفع الشبهات لأنه صبغ لا يختلف العلماء في جوازه وإنما كره أن تدخل الداخلة على من نظر إليه فظنه صبغا فيه طيب وللأئمة الاجتهاد في قطع الذرائع وفيه شهادة عمر بأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أئمة روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي أن عمر بن الخطاب أبصر على عبد الله بن جعفر ثوبين مدرجين وهو محرم فقال عمر ما هذا فقال علي ما أخال أحدا يعلمنا السنة فسكت عمر‏.‏

وأما رواية مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر فلم يتابعه أحد والله أعلم على قوله عن أبيه من أصحابه في هذا الحديث عن هشام بن عروة وإنما يروونه عن هشام عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء‏.‏

وأما لباس أسماء للمعصفرات فلا خلاف للعلماء في أن الرجال والنساء في الطيب سواء واختلافهم في المعصفر هل هو طيب أم لا فقد اختلف وسيأتي ذكر الطيب في بابه إن شاء الله‏.‏

باب لبس المحرم المنطقة

677- ذكر فيه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكره لبس المنطقة للمحرم‏.‏

678- وذكر عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول في المنطقة يلبسها المحرم تحت ثيابه أنه لا بأس بذلك إذا جعل طرفيها جميعا سيورا يعقد بعضها إلى بعض قال أبو عمر روى هذا الخبر سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه يسأل عن المنطقة للمحرم فقال لا بأس بها إذا جعلت في طرفيها سيورا ثم يعقد بعضها إلى بعض ولا يدخل السيور في ثقب المنطقة وسفيان عن أبي سليمان بن سعيد بن جبير أنه سأل سعيد بن المسيب عن المنطقة فقال لا تدخل السير في الثقب ولكن اجعل سيرا من هذا الجانب وسيرا من هذا الجانب ثم اعقدهما قال أبو عمر إنما كره سعيد بن المسيب أن يدخل السير وهو الخيط في ثقب المنطقة لأنه كالخياطة عنده والمخيط لا يجوز للمحرم لبسه وأجاز ربط الخيط على ما وصف لأنه كالهميان الذي يجوز له عقده عند أكثر العلماء وقد كرهه قوم من العلماء منهم سعيد بن جبير وعطاء والصواب قول من أباحه وبالله التوفيق لا شريك له وقول مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك يعني ما رواه عن سعيد بن المسيب لا ما رواه عن بن عمر وما استحبه مالك في هذا الباب وهو الذي عليه جماعة العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم من المفتين وممن روى عنه من الصحابة أنه لا بأس بالمنطقة للمحرم عبد الله بن عباس وعائشة وهو قول الشافعي والكوفيين وأصحابهما والليث والأوزاعي وأحمد وأبي ثور وداود والطبري وبن علية روى سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها كانت تقول في المنطقة أحرز عليك نفقتك‏.‏

وقال الشافعي يلبس المحرم المنطقة للنفقة ويستظل في المحمل ونازلا في الأرض وقال بن علية قد أجمعوا على أن للمحرم أن يعقد الهميان والمئزر على مئزره وبالمنطقة كذلك قال أبو عمر قد قال إسحاق بن راهوية ليس للمحرم أن يعقد يعني المنطقة ولكن له أن يدخل السيور بعضها في بعض وقول إسحاق لا يعد خلافا على الجميع وليس له أيضا حظ من النظر ولا له أصل لأن النهي عن لباس المخيط وليس هذا منه فارتفع أن يكون له حكمه وكان مالك يكره المناطق على غير الحقو وأن تكون ظاهرة ولا يرى على فعل ذلك فدية‏.‏

باب تخمير المحرم وجهه

679- مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أخبرني الفرافصة بن عمير الحنفي أنه رأى عثمان بن عفان بالعرج يغطي وجهه وهو محرم‏.‏

680- وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم‏.‏

681- وعن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق‏.‏

682- وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين‏.‏

683- وعن نافع أن عبد الله بن عمر كفن ابنه واقد بن عبد الله ومات بالجحفة محرما وخمر رأسه ووجهه وقال لولا أنا حرم لطيبناه قال مالك وإنما يعمل الرجل ما دام حيا فإذا مات فقد انقضى العمل قال أبو عمر اختلف العلماء من الخلف والسلف في تخمير المحرم لوجهه بعد إجماعهم على انه لا يخمر رأسه فكان بن عمر فيما رواه مالك وغيره عنه يقول ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم ولذلك ذهب مالك وأصحابه وبه قال محمد بن الحسن من غير خلاف عن أصحابه قال بن القاسم كره مالك للمحرم أن يغطي ذقنه أو شيئا مما فوق ذقنه لأن إحرامه في وجهه ورأسه قيل لابن القاسم فإن فعل أترى عليه فدية قال لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى عليه شيئا لما جاء عن عثمان في ذلك وقد روي عن مالك من غطى وجهه وهو محرم أنه يفتدي وفي موضع آخر من كتاب بن القاسم أرأيت محرما غطى وجهه ورأسه في قول مالك قال قال مالك إن نزعه مكانه فلا شيء عليه وإن تركه فلم ينزعه مكانه حتى انتفع بذلك افتدى قلت وكذلك المرأة إذا غطت وجهها قال نعم إلا أن مالكا كان يوسع للمرأة أن تسدل رداءها فوق رأسها على وجهها إذا أرادت سترا وإن كانت لا تريد سترا فلا تسدل قال أبو عمر روي عن عثمان وبن عباس وعبد الرحمن بن عوف وبن الزبير وزيد بن ثابت وسعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله أنهم أجازوا للمحرم أن يغطي وجهه فهم مخالفون لابن عمر في ذلك وعن القاسم بن محمد وطاوس وعكرمة إنهم أجازوا للمحرم أن يغطي وجهه وقال عطاء يخمر المحرم وجهه إلى حاجبيه وبه قال الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود وذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال كان عثمان وزيد بن ثابت يخمران وجوههما وهما محرمان وكل من سمينا في هذا الباب من الصحابة ففي كتاب عبد الرزاق وأجمعوا أن للمحرم أن يدخل الخباء والفسطاط وإن نزل تحت شجرة أن يرمي عليها ثوبا واختلفوا في استظلاله على دابته أو على المحمل ف روي عن بن عمر أنه قال أضح لمن أحرمت له وبعضهم يرفعه عنه وكره مالك وأصحابه استظلال المحرم على محمله وبه قال بن مهدي وبن حنبل وقد روي عن عثمان بن عفان أنه كان يستظل وهو محرم وأنه أجاز ذلك للمحرم وبه قال عطاء بن أبي رباح والأسود بن يزيد وهو قول ربيعة والثوري وبن عيينة وأبي حنيفة والشافعي وأصحابهما‏.‏

وقال مالك إذا استظل المحرم في محمله افتدى‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي لا شيء عليه وروى عبد الرزاق وهشام بن يوسف ويحيى بن سعيد عن بن جريج قال قال عطاء يخمر المحرم وجهه إلى حاجبيه ويخمر أذنيه حتى حاجبيه قال بن جريج فقلت لعطاء أرأيت قولك ذلك رأي هو قال لا ولكن أدركنا الناس عليه قال وقال عطاء يصعد الثوب عن وجهه إلى حاجبه ولا يصبه على وجهه صبا ويخمر أذنيه مع وجهه ورواه سفيان بن عيينة عن بن جريج عن عطاء مثله وروى بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال أخبرتني أمي وأختي أنهما دخلتا على عائشة أم المؤمنين فسألتاها كيف تخمر المرأة وجهها فأخذت أسفل خمارها فغطت به وجهها وعليها درج مدرج وخمار حبشي أما حديثه عن نافع عن بن عمر أنه كفن ابنة واقدا ومات بالجحفة محرما وخمر وجهه ورأسه وقال لولا أنا حرم لطيبناه فإليه ذهب مالك وقال في الموطأ إنما يعمل الرجل ما دام حيا فإذا مات انقطع العمل ولا خلاف عنه وعن أصحابه أنه يفعل بالميت المحرم ما يفعل بالحلال وهو قول عائشة ذكر عبد الرزاق عن منصور عن إبراهيم عن الأسود قال سئلت عائشة عن المحرم يموت فقالت اصنعوا به ما تصنعوا بموتاكم يعني من الطيب وغيره وبه قال الحسن البصري وعكرمة والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه‏.‏

وقال الشافعي لا يخمر رأس المحرم ولا يطيب اتباعا لحديث بن عباس في الذي وقصته ناقته وهو محرم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وعبد الكريم عن سعيد بن جبير عن بن عباس‏.‏

وحدثناه عبد الوارث قال حدثنا القاسم قال حدثنا بكر قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد عن عمرو بن دينار وأيوب عن سعيد بن جبير عن بن عباس أن رجلا كان واقفا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فوقع عن راحلته قال أيوب فوقصته فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوب ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا وبه قال أحمد وإسحاق وهو قول عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال خرج عبد الله بن الوليد معتمرا مع عثمان بن عفان فمات بالسقيا وهو محرم فلم يغيب عثمان رأسه ولم يمسه طيبا فأخذ الناس بذلك حتى توفي واقد بن عبد الله بن عمر بالجحفة وهو محرم فغيب رأسه بن عمر فأخذ الناس بذلك‏.‏

باب ما جاء في الطيب في الحج

684- ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت‏.‏

685- وعن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحنين وعلى الأعرابي قميص وبه أثر صفرة فقال يا رسول الله إني أهللت بعمرة فكيف تأمرني أن أصنع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انزع قميصك واغسل هذه الصفرة عنك وافعل في عمرتك ما تفعل في حجك‏.‏

686- وعن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة فقال ممن ريح هذا الطيب فقال معاوية بن أبي سفيان مني يا أمير المؤمنين فقال منك لعمر الله فقال معاوية إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين فقال عمر عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه قال أبو عمر ظاهر هذا الخبر أنه عزم على معاوية أن يغسله بنفسه وليس على ظاهره فيما رواه الزهري عن سالم عن أبيه قال وجد عمر طيبا وهو بالشجرة فقال ما هذه الريح فقال معاوية طيبتني أم حبيبة فتغيظ عليه عمر وقال منك لعمري أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسلن عنك كما طيبتك وكان الزهري يأخذ بقول عمر فيه ذكره عبد الرزاق عن معمر عنه‏.‏

687- وذكر عن الصلت بن زبيد عن غير واحد من أهله أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة وإلى جنبه كثير بن الصلت فقال عمر ممن ريح هذا الطيب فقال كثير مني يا أمير المؤمنين لبدت رأسي وأردت أن لا أحلق فقال عمر فاذهب إلى شربه فادلك رأسك حتى تنقيه ففعل كثير بن الصلت قال مالك الشربة حفير تكون عند أصل النخلة قال أبو عمر أما حديث عائشة المتقدم في هذا الباب فلم يختلف فيه عن عائشة والأسانيد متواترة به وهي صحاح إلا أنه ذكر فيه إبراهيم بن محمد بن المنتشر شيئا سنذكره فيما بعد إن شاء الله‏.‏

وأما حديث حميد بن قيس عن عطاء فهو مرسل في المؤطأ وهو متصل صحيح من حديث يعلى بن أمية رواه عن عطاء بن أبي رباح جماعة منهم أبو الزبير وعمرو بن دينار وقتادة وبن جريج وقيس بن سعد وهمام بن يحيى ومطر الوراق وإبراهيم بن يزيد وعبد الملك بن أبي سليمان ومنصور بن المعتمر وبن أبي ليلى والليث بن سعد وبعضهم أتقن له من بعض وأحسنهم رواية له عن عطاء بن جريج وعمرو بن دينار وإبراهيم بن يزيد وقيس بن سعد وهمام بن يحيى فإن هؤلاء كلهم رووه عن عطاء قال حدثني صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر‏.‏

وحدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا سعيد بن عمار قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا همام قال حدثنا عطاء قال حدثنا صفوان بن يعلى عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر الخلوق ‏(‏أو قال صفرة‏)‏ فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي قال فأنزل على النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ الوحي فاستتر بثوب وكان يعلى يقول وددت أني قد رأيت النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ قد أنزل عليه فقال عمر يا يعلى أيسرك أن تنظر إلى النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ وقد أنزل عليه فقلت نعم فرفع طرف الثوب فنظرت إليه فإذا له غطيط قال أحسبه كغطيط البكر فلما سري عنه قال أين السائل عن العمرة اخلع عنك الجبة واغسل عنك أثر الخلوق - أو قال الصفرة - وقال اصنع في عمرتك كما صنعت في حجتك وذكر قصة العاض ليد صاحبها واللفظ لابن نصر وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن عيينة عن بن جريج عن عطاء قال أخبرني صفوان بن يعلى أن يعلى كان يقول لعمر أرني نبي الله حين ينزل عليه فلما كان بالجعرانة وعلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب قد أظل به عليه معه فيه ناس من أصحابه منهم عمر إذ جاءه رجل وعليه جبة متضمخ بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعد ما تضمخ بطيب فسكت ساعة فجاءه الوحي فأشار عمر إلى يعلى بيده أن تعالى فجاء فأدخل رأسه فإذا النبي -عليه السلام- محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سري عنه فقال أين السائل عن العمرة آنفا فالتمس الرجل فأتي به فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما الطيب الذي بك فاغسله عنك ثلاث مرات‏.‏

وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك قال بن جريج كان عطاء يأخذ في الطيب بهذا الحديث وكان يكره الطيب عند الإحرام ويقول إن كان به شيء فليغسله ولينقه قال بن جريج قال وكان شأن صاحب الجبة قبل حجة الوداع والأخذ بالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق قال أبو عمر أما قوله في حديث حميد بن قيس وهو بحنين فالمراد منصرفة من غزوة حنين والموضع الذي لقي الأعرابي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الجعرانة وهو طريق حنين وفي هذا الموضع قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين كما ذكره أهل السير‏.‏

وأما قوله وعلى الأعرابي قميص فالقميص المذكور في حديث مالك هو الجبة المذكورة في حديث غيره ولا خلاف بين العلماء أن المخيط كله من الثياب لا يجوز لباسه للمحرم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لباس القمص والسراويلات‏.‏

وأما قوله وبه أثر صفرة فقد بان بما ذكرناه من الآثار أنها كانت صفرة خلوق وهو طيب معمول من الزعفران وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لباس ثوب مسه زعفران أو ورس وأجمع العلماء على أن الطيب كله محرم على الحاج والمعتمر بعد إحرامه وكذلك لباس الثياب واختلفوا في جواز الطيب للمحرم قبل الإحرام لما يبقى عليه بعد الإحرام فأجاز ذلك قوم وكرهه آخرون ومن كرهه احتج بحديث الأعرابي صاحب القميص وممن كره الطيب للمحرم من قبل الإحرام عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص كلهم كرهوا أن يوجد من المحرم شيء من ريح الطيب ولم يرخصوا لأحد أن يتطيب عند إحرامه وقال بهذا من العلماء عطاء بن أبي رباح وسالم بن عبد الله على اختلاف عن سالم في ذلك والزهري وسعيد بن جبير والحسن وبن سيرين على اختلاف عنهم وإلى هذا ذهب مالك بن أنس وأصحابه ومحمد بن الحسن رواه عنه بن سماعة وهو اختيار أبي جعفر الطحاوي إلا أن مالكا كان أخفهم في ذلك قولا ذكر بن عبد الحكم عنه قال وترك الطيب عند الإحرام أحب إلينا ومن حجة من قال بهذا القول من طريق النظر أن الإحرام يمنع من لبس القمص والسراويلات والخفاف والعمائم ويمنع من الطيب ومن قتل الصيد وإمساكه فلما أجمعوا أن الرجل إذا لبس قميصا أو سراويل قبل أن يحرم فما أحرم وهو عليه أنه يؤمر بنزعه وإن لم ينزعه وتركه كان كمن لبسه في إحرامه لبسا مستقبلا ويجب عليه في ذلك ما يجب عليه لو استأنف لبسه بعد إحرامه وكذلك لو اصطاد صيدا في الحل وهو حلال فأمسك في يده ثم أحرم وهو في يده أمر بتخليته وإن لم يخله كان إمساكه له بعد إحرامه كابتدائه الصيد وإمساكه في إحرامه قالوا فلما كان ما ذكروا كما وصفنا وجب أن يكون الطيب قبل الإحرام وبعده سواء واعتلوا في دفع حديث عائشة بما رواه إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال سألت بن عمر عن الطيب عند الإحرام فقال لئن أطلى بقطران أحب إلي من أصبح محرما ينضخ مني ريح الطيب قال فدخلت على عائشة فأخبرتها بحديث بن عمر فقالت رحم الله أبا عبد الرحمن طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف على نسائه ثم أصبح محرما رواه عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر جماعة منهم مسعر وسفيان وشعبة زاد بعضهم فيه أصبح محرما ينضخ طيبا فاحتج من كره الطيب قبل الإحرام بهذا الخبر وقال قد بان بهذا في حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه بعد التطيب وإذا طاف عليهن اغتسل لا محاله فكان بين إحرامه وتطيبه غسل قالوا فكأن عائشة إنما أرادت بهذا الحال الاحتجاج على من كره من المحرم بعد إحرامه ريح الطيب كما كره ذلك بن عمر‏.‏

وأما بقاء نفس الطيب على المحرم فلا فهذه جملة من حج من كره الطيب عند الإحرام من جهة الأثر والقياس وقال جماعة من العلماء لا بأس أن يتطيب المحرم قبل أن يحرم بما شاء من الطيب مما يبقى عليه بعد إحرامه ومما لا يبقى وممن قال بذلك من الصحابة سعد بن أبي وقاص وبن عباس وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر وعائشة وأم حبيبة فثبت الخلاف في هذه المسألة بين الصحابة ‏(‏رضوان الله عليهم‏)‏ وقال به من التابعين عروة بن الزبير وجابر بن محمد والشعبي والنخعي وخارجة بن زيد ومحمد بن الحنفية واختلف في ذلك عن الحسن وبن سيرين وسعيد بن جبير وقال به من الفقهاء أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والحجة لهم حديث عائشة قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت هذا لفظ القاسم بن محمد عن عائشة ومثله رواية عطاء عن عائشة في ذلك وقال الأسود عن عائشة أنها كانت تطيب النبي صلى الله عليه وسلم بأطيب ما تجد من الطيب حتى قالت إني لأرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته وروى موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر عن عائشة قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغالية الجيدة عند إحرامه وهذا رواه أبو زيد بن أبي الغمر عن يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن موسى بن عقبة وروى هشام بن عروة عن أخيه عثمان بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه بأطيب ما أجد وربما قالت بأطيب الطيب لحرمه ولحله وقالوا لا معنى لحديث بن المنتشر لأنه ليس مما يعارض به هؤلاء الأئمة ولو كان ما كان في لفظه حجة لأن قولهم طاف على نسائه لأنه يحتمل أن يكون طوافه لغير جماع ليعلمهن كيف يحرمن وكيف يعملن في حجهن وغير ذلك والدليل على ذلك ما رواه منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كان يرى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث وهو محرم والصحيح في حديث بن المنتشر ما رواه شعبة عنه عن أبيه عن عائشة فقال فيه فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضخ طيبا قالوا والنضخ في كلام العرب الظهور ومنه قوله عز وجل ‏(‏فيهما عينان نضاختان 66‏.‏

688- وذكر مالك أيضا عن يحيى بن سعيد وعبد الله بن أبي بكر وربيعة بن أبي عبد الرحمن أن الوليد بن عبد الملك سأل سالم بن عبد الله وخارجة بن زيد بن ثابت بعد أن رمى الجمرة وحلق رأسه وقبل أن يفيض عن الطيب فنهاه سالم وأرخص له خارجة بن زيد بن ثابت قال أبو عمر لم يختلف عن خارجة فيما حكاه عنه مالك في موطئه واختلف عن سالم فروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله وربما قال عن أبيه وربما لم يقل قال عمر إذا رميتم الجمرة وذبحتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء حرم عليكم إلا النساء والطيب قال إسماعيل بن إسحاق جاء عن عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله بعد أن رمى الجمرة وقبل أن يطوف قال سالم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع قال أبو عمر راعى مالك الخلاف في هذه المسألة فلم ير بعد رمي الجمار الفدية وقبل الإفاضة قال أبو ثابت قلت لابن القاسم أكان مالك يكره أن يتطيب إذا رمى جمرة العقبة قبل أن يفيض قال نعم قلت فإن فعل أترى عليه الفدية قال لا أرى عليه شيئا لما جاء في ذلك قال مالك لا بأس أن يدهن الرجل بدهن ليس فيه طيب قبل أن يحرم وقبل أن يفيض بالزيت والبان غير المطيب مما لا ريح له قال والفرق في التطيب بين الجاهل والعاقد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي وقد أحرم وعليه خلوق بنزع الجبة وغسل الصفرة ولم يأمره بفدية ولو كانت عليه فدية لأمره بها كما أمره بنزع الجبة وفي هذه القصة رد على من زعم من العلماء أن الرجل إذا أحرم وكان عليه قميص كان له أن يشقه وقالوا لا ينبغي أن ينزعه كما ينزع الحلال قميصه لأنه إذا فعل ذلك غطى رأسه وذلك لا يجوز له فلذلك أمر بشقه وممن قال بذلك الحسن والشعبي والنخعي وأبو قلابة وسعيد بن جبير على اختلاف عنه وحجتهم ما رواه عبد الرزاق عن داود بن قيس عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة أنه سمع ابني جابر بن عبد الله يحدثان عن أبيهما قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه شق قميصه حتى خرج منه فقيل له فقال واعدتهم يقلدون هديي اليوم فنسيت ورواه أسد بن موسى عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عطاء بن عبد الملك عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي وكان بعث ببدنه وأقام بالمدينة وقال جمهور فقهاء الأمصار ليس على من نسي فأحرم وعليه قميصه أن يخرقه ولا يشقه وهو قول عطاء وطاوس وبه قال مالك وأصحابه والشافعي وأصحابه وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والثوري وسائر فقهاء الأمصار أصحاب الرأي والآثار واحتجوا بحديث يعلى بن أمية في قصة الأعرابي الذي أحرم وعليه جبة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزعها ولا خلاف بين أهل الحديث أنه حديث صحيح وحديث جابر الذي يرويه عبد الرحمن بن عطاء ضعيف لا يحتج به وهو مردود أيضا بحديث عائشة أنها قالت كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي وإن كان جماعة من العلماء قالوا إذا أشعر هدية أو قلده فقد أحرم وقال آخرون إذا كان يريد بذلك الإحرام قال أبو عمر ليس نزع القميص بمنزلة اللباس لأن المحرم لو حمل على رأسه شيئا لم يعد ذلك كلباس القلنسوة وكذلك من تردى بإزار أو جربه بدنه لم يحكم له بحكم لباس المخيط وهذا يدل أنه إنما هو نهى عن لباس القلنسوة بالإحرام اللباس المعهود وعن لباس الرجل القميص اللباس المعهود وأن النهي إنما وقع في ذلك وقصد به إلى من تعمد فعل ما نهي عنه في إحرامه من اللباس المعهود في حال إحلاله وقوله اصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك فإنما أراد من غسل الطيب ونزع المخيط وهذا أوضح من أن يتكلم فيه‏.‏

وأما قول مالك في آخر الباب عن طعام فيه زعفران هل يأكله المحرم فقال أما ما تمسه النار من ذلك فلا بأس به أن يأكله المحرم‏.‏

وأما ما لم تمسه النار من ذلك فلا يأكله المحرم قال أبو عمر اختلف العلماء في هذه المسألة فقال مالك إن المحرم لا يمس طيبا فجملة قول مالك أن المحرم لا يمس طيبا ولا يشمه ولا يصحب من يجد منه ريح طيب ولا يجلس إلى العطارين قال مالك وأرى أن يقام العطار من بين الصفا والمروة وأن لا نخلق الكعبة ومذهبه أن من مس طيبا وانتفع به افتدى قال مالك ولا بأس أن يأكل المحرم الخبيص والطعام الذي طبخت زعفرانته النار قال أبو حنيفة يكره للمحرم مس الطيب وشم الريحان فإن شم الطيب فلا فدية عليه تعلق بيده منه شيء أم لا ولا بأس أن يأكل المحرم عنده الخبيص والطعام الذي طبخت زعفرانته النار كقول مالك‏.‏

وقال الشافعي والأوزاعي لا بأس أن يشم المحرم الطيب وأن يجلس إلى العطارين وللشافعي أقاويل فيما مسته النار من الزعفران في الخبيص والطعام أحدها مثل قول مالك والآخر إن كان يصبغ اللسان فعليه الفدية ذكره المزني عنه وقال في الأم والمختصر إن وجد له ريح أو لون أو طعم فعليه الفدية وإن لم يكن إلا اللون وحده فلا فدية فيه بمنزلة العصفر إذا غسل قال أبو عمر روي عن عطاء ومجاهد والأسود بن يزيد ونافع مولى بن عمر وسعيد بن جبير وجابر بن زيد وإبراهيم النخعي أنهم كانوا يرخصون في الخبيص والجوارشنات الأصفر إذا مسته النار للمحرم وعن عطاء في الجوارشنات والخبيص إذا لم يجد طعمه ولا ريحه فلا بأس به وذكره عبد الرزاق قال أخبرنا محمد بن مسلم قال حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كره للمحرم طعام فيه زعفران‏.‏

باب مواقيت الإهلال

689- ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن قال عبد الله بن عمر وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم‏.‏

690- وعن عبد الله بن دينار عن عبد بن عمر أنه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن‏.‏

691- قال عبد الله بن عمر أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم‏.‏

692- وعن نافع أن عبد الله بن عمر أهل من الفرع‏.‏

693- وعن الثقة عنده أن عبد الله بن عمر أهل من إيلياء‏.‏

694- وذكر أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل من الجعرانة بعمرة قال أبو عمر أما قول بن عمر بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم فمرسل الصاحب عن الصاحب هو عندهم كالمسند سواء في وجوب الحجة به وقد روى بن عباس في هذا ما هو أكمل معنى من حديث بن عمر حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب‏.‏

وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن هدية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا قتيبة بن سعيد قالا حدثنا حماد عن عمرو عن طاوس عن بن عباس قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة بالحليفة ولأهل الشام بالجحفة ولأهل نجد قرنا ولأهل اليمن يلملم قال وهن لهم ولمن أتى عليهن ممن سواهم ممن أراد الحج والعمرة قال ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ قال وكذلك أهل مكة يهلون منها وذكر عبد الرزاق عن معمر عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس مثله قال أبو عمر أجمع أهل العلم بالعراق والحجاز على القول بهذه الأحاديث واستعمالها لا يخالفون شيئا منها وأنها مواقيت لأهلها في الإحرام بالحج منها ولكل من أتى عليها من غير أهلها ممن أراد حجا أو عمرة إلا أنهم اختلفوا في ميقات أهل العراق وفي من وقته لهم فقال مالك والشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابهم ميقات أهل العراق من ناحية المشرق كلها ذات عرق وهو قول سائر العلماء وزاد الثوري إن أهلوا من العقيق فهو أحب إلينا وقال جابر بن زيد أبو الشعثاء وطائفة معه لم يوقت النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ لأهل العراق وقتا وذكر الطبري قال حدثنا بن دثار قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا بن جريج قال أخبرنا عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه كان يقول لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق وقتا وإنما أخذ الناس حيال قرن ذات عرق وقال جابر وعائشة وغيرهما وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق ذات عرق وقالت طائفة عمر بن الخطاب هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق لأن العراق في زمانه افتتحت ولم تكن العراق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات إسلام ذكر الطبري قال حدثنا عصام بن رواد بن الجراح أنه قال حدثني أبي قال حدثني عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن بن عمر أنه كان يقول لما وقت قرن لأهل نجد قال عمر مهل أهل العراق ذات عرق فاختلفوا في القياس فقال بعضهم ذات عرق وقال بعضهم بطن العقيق قال بن عمر فقاس الناس ذلك وقال آخرون هذه غفلة من قائل هذا القول بل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق بالعقيق كما وقت لأهل الشام الجحفة والشام كلها يومئذ ذات كفر كما كانت العراق يومئذ ذات كفر فوقت لأهل النواحي لأنه علم أنه سيفتح الله على أمته الشام والعراق وغيرهما من البلدان وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مديها ودينارها بمعنى ستمنع وقال ‏(‏عليه السلام‏)‏ ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار وقال ‏(‏عليه السلام‏)‏ زويت لي الأرض فأريت مشارقها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها قال أبو عمر روى حفص بن غياث عن حجاج بن أرطأة عن جابر أن النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ وقت لأهل العراق ذات عرق وروى الثوري عن يزيد بن زياد عن محمد بن علي عن بن عباس قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق وروى هلال بن زيد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدائن العقيق ولأهل البصرة ذات عرق ولأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد وذكر أبو داود قال حدثنا هشام بن بهرام قال حدثنا المعافى قال حدثنا أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة قالت وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام ومصر الجحفة ولأهل العراق ولأهل اليمن يلملم قال أبو عمر كل عراقي أو مشرقي أحرم من ذات عرق فقد أحرم عند الجميع من ميقاته والعقيق أحوط وأولى عندهم من ذات عرق وكره مالك أن يحرم أحد عند الميقات وروي عن عمر بن الخطاب أنه أنكر على عمران بن الحصين إحرامه من البصرة وعن عثمان بن عفان أنه أنكر على عبد الله بن عامر إحرامه قبل الميقات وكره الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح الإحرام في الموضع البعيد هذا والله أعلم منهم كراهة أن يضيق المرء على نفسه ما قد وسع الله عليه وأن يتعرض لما لم ير أن يحدث في إحرامه وكلهم ألزمه الإحرام لأنه زاد ولم ينقص والدليل على ذلك أن بن عمر روى المواقيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أجاز الإحرام بعدها من موضع بعيد هذا كله قول إسماعيل قال وليس الإحرام مثل عرفات والمزدلفة التي لا يجاوز بها موضعها قال والذين أحرموا قبل الميقات من الصحابة والتابعين كثير روى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة أن رجلا أتى عليا فقال أرأيت قول الله عز وجل ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

قال له علي تمامها أن تحرم من دويرة أهلك وروى حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن بن عمر أهل من بيت المقدس قال أبو عمر أحرم بن عمر من بيت المقدس عام الحكمين وذلك بأنه شهد التحكيم بدومة الجندل فلما افترق عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري من غير اتفاق نهض إلى بيت المقدس ثم أحرم منه ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن عيينة قال حدثني عبد الملك بن أعين عن عبد الرحمن بن أذينة عن أبيه قال أتيت عمر بن الخطاب فقلت يا أمير المؤمنين إني قد ركبت السفن والخيل والإبل فمن أين أحرم قال أئت عليا فاسأله فرددت عليه القول فقال ائت عليا فاسأله فأتيت عليا فسألته فقال من حيث بدأت فرجعت إلى عمر فقلت له أتيت عليا قال فما قال لك قلت قال لي أحرم من حيث بدأت قال فهو ما قال لك قال‏.‏

وأخبرني العمري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن عبد الرحمن بن أذينة عن أبيه أذينة بن سلمة قال أتيت عمر فذكر مثله إلا أنه قال ما أجد لك إلا ما قال علي قال سفيان وصنعنا ذلك على المواقيت وعن الثوري عن منصور عن إبراهيم قالوا كانوا يستحبون للرجل أول ما يحج أن يحرم من بيته وأول ما يعتمر أن يحرم من بيته‏.‏

وقال أحمد بن حبيب وإسحاق والإحرام من المواقيت أفضل وهي السنة المجتمع عليها سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وعمل بها الصحابة معه وبعده وجد عليها عمل المسلمين‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والحسن بن حي المواقيت رخصة وتوسعة يتمتع المرء بحله حتى يبلغها ولا يتجاوزها والإحرام قبلها فيه فضل لمن فعله وقوي عليه ومن أحرم من منزلة فقد أحسن والإحرام من موضعه أفضل ومن حجتهم أن علي بن أبي طالب وبن مسعود وعمران بن حصين وبن عمر وبن عباس أحرموا من المواضع البعيدة وهم فقهاء الصحابة وقد شهدوا إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته من ميقاته وعرفوا مقداره ومراده وعلموا أن إحرامه من ميقاته كان تيسيرا على أمته أحرم بن عباس وبن عمر من الشام وأحرم عمران بن حصين من البصرة وأحرم بن مسعود من القادسية وكان إحرام علقمة والأسود وعبد الرحمن بن يزيد وأبي إسحاق السبيعي من بيوتهم وقال سعيد بن جبير تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك واختلفوا في الرجل المريد للحج والعمرة يجاوز ميقات بلده إلى ميقات آخر أقرب إلى مكة مثل أن يترك أهل المدينة الإحرام من ذي الحليفة حتى يحرموا من الجحفة فتحصيل مذهب مالك أن من فعل فعليه دم واختلفوا في ذلك فمنهم من أوجب الدم فيه ومنهم من أسقطه وأصحاب الشافعي على إيجاب الدم في ذلك وهو قول الثوري والليث بن سعد‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه لو أحرم المدني من ميقاته كان أحب إليهم فإن لم يفعل فأحرم من الجحفة فلا شيء عليه وهو قول الأوزاعي وأبي ثور وكره أحمد بن حنبل وإسحاق مجاوزة ذي الحليفة إلى الجحفة ولم يوجب الدم في ذلك وقد روي عن عائشة أنها كانت إذا أرادت الحج أحرمت من ذي الحليفة وإذا أرادت العمرة أحرمت من الجحفة واختلفوا فيمن جاوز الميقات وهو يريد الإحرام بالحج والعمرة ثم رجع إلى الميقات فقال مالك إذا جاوز الميقات ولم يحرم منه فعليه دم ولم ينفعه رجوعه وهو قول أبي حنيفة وعبد الله بن المبارك‏.‏

وقال الشافعي والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد إذا رجع إلى الميقات فقد سقط عنه الدم لبى أو لم يلب وروي عن أبي حنيفة أنه إن رجع إلى الميقات فلبى سقط عنه الدم وإن لم يلب لم يسقط عنه الدم وكلهم يقول إنه إن لم يرجع وتمادى فعليه دم وللتابعين في هذه المسألة أقاويل أيضا غير هذه أحدها أنه لا شيء على من ترك الميقات هذا قول عطاء والنخعي وقول آخر أنه لا بد له أن يرجع إلى الميقات فإن لم يرجع حتى قضى حجة فلا حج له هذا قول سعيد بن جبير وقول آخر وهو أنه يرجع إلى الميقات كل من تركه فإن لم يفعل حتى تم حجه رجع إلى الميقات فأهل منه بعمرة روي هذا عن الحسن البصري وهذه الثلاثة الأقوال شذوذ صعبة عند فقهاء الأمصار لأنها لا أصل لها في الآثار ولا تصح في النظر واختلفوا في العبد يجاوز الميقات بغير نية إحرام ثم يحرم فقال مالك أيما عبد جاوز الميقات لم يأذن له سيده في الإحرام ثم أذن له بعد مجاوزته الميقات فأحرم فلا شيء عليه وهو قول الثوري والأوزاعي‏.‏

وقال أبو حنيفة عليه دم لتركه الميقات وكذلك إن أعتق اضطرب الشافعي في هذه المسألة فمرة قال في العبد عليه دم كما قال أبو حنيفة وقال في الكافر يجاوز الميقات ثم يسلم فلا شيء عليه قال مالك وكذلك في الصبي يجاوزه ثم يحتلم فلا شيء عليه وقال مرة أخرى لا شيء على العبد وعلى الصبي وعلى الكافر إذا أحرما من مكة ومرة قال عليهم بلادهم وهو تحصيل مذهبه قال أبو عمر الصحيح عندي في هذه المسألة أنه لا شيء على واحد منهم لأنه لم يحضر بالميقات مريدا للحج فإنما يجاوزه وهو غير قاصد إلى الحج ثم حدث له حال وقته بمكة فأحرم منها فصار كالمكي الذي لا حرم عليه عند الجميع‏.‏

وقال مالك من أفسد حجته فإنه يقضيها من حيث كان أحرم بالحجة الذي أفسد وهو قول الشافعي وهو عند أصحابهما على الاختيار واتفق مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والثوري وأبو ثور على أن من مر بالميقات لا يريد حجا ولا عمرة ثم بدا له الحج والعمرة وهو قد جاوز الميقات أنه يحرم من الموضع الذي بدا له منه في الحج ولا يرجع إلى الميقات ولا شيء عليه‏.‏

وقال أحمد وإسحاق يرجع إلى الميقات ويحرم منه‏.‏

وأما حديثه عن نافع عن بن عمر أنه أهل من الفرع فمجملة عند أهل العلم أنه مر بالميقات لا يريد إحراما ثم بدا له فأهل منه أو جاء إلى الفرع من مكة وغيرها ثم بدا له في الإحرام هكذا ذكر الشافعي وغيره في معنى حديث بن عمر هذا ومعلوم أن عمر روى حديث المواقيت ومحال أن يتعدى ذلك مع علمه به فوجب على نفسه دما هذا لا يدخله عالم فأجمعوا كلهم على أن من كان أهله دون المواقيت إلى مكة أن ميقاته من أهله حتى يبلغ مكة على ما في حديث بن عباس وفي هذه المسألة أيضا قولان شاذان أحدهما لأبي حنيفة فيمن منزله بين المواقيت ومكة قال يحرم من موضعه فإن لم يفعل فلا يدخل الحرم إلا حرام فإن دخله غير حرام فليخرج من الحرم وليهل من حيث شاء من المهل وسائر العلماء لا يلزمونه الخروج من الحرم إلى الحل في الحج وإنما يلزمه عندهم أن ينشئ حجة من حيث نواه ‏(‏والقول الآخر لمجاهد‏)‏ قال إذا كان الرجل منزلة بين مكة والميقات أهل من مكة‏.‏

وأما إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة بعمرة فذلك منصرفه من حنين إلى مكة والعمرة لا ميقات لها إلا الحل فمن أتى الحل أهل بها منشؤها قريبا أو بعيدا فلا حرج وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء والحمد لله‏.‏