فصل: باب من لا تجب عليه زكاة الفطر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب اشتراء الصدقة والعود فيه

580- مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول حملت على فرس عتيق في سبيل الله وكان الرجل الذي هو عنده قد أضاعه فأردت أن اشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه‏.‏

581- وذكر مثله عن نافع عن بن عمر عن عمر قال أبو عمر الفرس العتيق هو الفاره - عندنا - وقال صاحب العين عتقت الفرس تعتق إذا سبقت وفرس عتيق رائع وفي هذا الحديث من الفقه إجازة تحبيس الخيل في سبيل الله وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏.‏

وأما خالد فإنه قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله وفيه أنه من حمل على فرس في سبيل الله وغزا به فله أن يفعل فيه بعد ذلك ما يفعل في سائر ماله ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على بائعه بيعه وأنكر على عمر شراءه ولذلك قال بن عمر إذا بلغت به واد القرى فشأنك به وقال سعيد بن المسيب إذا بلغ به رأس مغزاته فهو له ويحتمل أن يكون هذا الفرس ضاع حتى عجز عن اللحاق بالخيل وضعف عن ذلك فأجيز له بيعه لذلك ومن أهل العلم من يقول يضع ثمنه ذلك في فرس عتيق إن وجده وإلا أعان به في مثل ذلك ومنهم من يقول إنه كسائر ماله إذا غزا عليه وإما اختلاف الفقهاء في هذا المعنى فقال مالك من أعطى فرسا في سبيل الله فقيل له هو لك في سبيل الله فله أن يبيعه وإن قيل هو في سبيل الله ركبه ورده‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة الفرس المحمول عليها في سبيل الله هي لمن يحمل عليها تمليكا قالوا وإن قيل له إذا بلغت به رأس مغزاك فهو لك كان تمليكا على مخاطرة ولم يجز وقال الليث من أعطى فرسا في سبيل الله لم يبعه حتى يبلغ مغزاه ثم يصنع به ما شاء إلا أن يكون حبسا فلا يباع وقال عبيد الله بن الحسن إذا قال هو لك في سبيل الله فرجع به رده حتى يجعله في سبيل الله وفي هذا الحديث أيضا أن كل من يجوز تصرفه في ماله وبيعه وشرائه فجائز له بيع ما شاء من ماله بما شاء من قليل الثمن وكثيره كان مما يتغابن الناس به أو لم يكن إذا كان ذلك ماله ولم يكن وكيلا ولا وصيا لقوله ‏(‏عليه السلام‏)‏ في هذا الحديث ولو أعطاكه بدرهم وكان أبو محمد عبد الله بن إبراهيم يحكي عن أبي بكر الأبهري أنه كان يقول بفسخ البيع فيما كان فيه التغابن أقل من ثلث المال وهذا لا يقر به المالكيون عندنا واختلف الفقهاء في كراهية شراء الرجل صدقته الفرض والتطوع إذا أخرجها عن يدهه لوجهها ثم أراد شراءها من الذي صارت إليه فقال مالك في الموطأ في رجل تصدق بصدقة فوجدها مع غير الذي تصدق بها عليه تباع أيشتريها فقال تركها أحب إلي وقد روي عنه أنه قال لا يشتريها وذكر بن عبد الحكم عن مالك من حمل على فرس فباعه الذي حمل عليه فوجده الحامل في يد المشتري فلا يشتره أبدا وكذلك الدراهم والثوب وقال عنه في موضع آخر من كتابه من حمل على فرس فباعه ثم وجده الحامل في يد الذي اشتراه فترك شرائه أفضل قال أبو عمر كره مالك والليث والحسن بن حي والشافعي شراء الصدقة لمن تصدق بها فإن اشترى أحد صدقته لم يفسخوا العقد ولم يردوا البيع ورأوا له التنزه عنها وكذلك قولهم في شراء الإنسان ما يخرجه في كفارة اليمين مثل الصدقة سواء وإنما كرهوا شراءها لهذا الحديث ولم يفسخوا البيع لأنها راجعة إليه بغير ذلك المعنى وقد بدا ذلك في قصة هدية بريرة بما تصدق به عليها من اللحم وقال أهل الظاهر يفسخ البيع في مثل هذا لأنه طابق النهي ففسر بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لا تشتره ولا تعد في صدقتك ولم يختلفوا أنه من تصدق بصدقة ثم رزقها أنها حلال له رواه بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد وجب أجرك ورجعت إليك بالميراث ويحتمل حديث هذا الباب أن يكون على وجه التنزه للرواية أن بيع الصدقة قبل إخراجها أو تكون موقوفا على التطوع في التنزه عن شرائها وقال أبو جعفر الطحاوي المصير إلى حديث عمر في الفرس أولى من قول من أباح شراء صدقته قال أبو عمر استدل من أجاز للمتصدق به بعد قبض المتصدق عليه له على أن نعيه عن شرائه على التنزه لا على التحريم بقوله صلى الله عليه وسلم في الخمسة الذين تحل لهم الصدقة أو رجل اشتراها بماله فلم يخص المعطي من غير المعطي وغير ذلك على العموم وقال في هذا الحديث أيضا أو مسكين تصدق عليه فأهداها المسكين للغني وهذا في معنى قصة بريرة وسنوضحه في موضعه إن شاء الله‏.‏

وأما ما يوجبه تهذيب الآثار في ذلك عندي فللقول بأنه لا يجوز شراء ما تصدق به لأن الخصوص قاض على العموم لأنه مستبق منه ألا ترى أنه قد جاء في حديث واحد يعني إلا لمن اشتراها بماله بما لم يكن هذا المتصدق لم يكن كلاما متدافعا ولا معارضا مجمل الحديثين عندي على هذا استعمال لهما دون رد أحدهما بالآخر وبالله التوفيق‏.‏

باب من تجب عليه زكاة الفطر

582- ذكر فيه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يخرج زكاة الفطر عن غلمانه بوادي القرى وبخيبر‏.‏

583- وذكر أن الرجل يلزمه زكاة الفطر عن كل من يضمن نفقته وعن مكاتبه وعن مدبره ورقيقه غائبهم وشاهدهم للتجارة كانوا أو لغير تجارة إذا كان مسلما قال أبو عمر اختلف الفقهاء فيمن تلزم السيد زكاة الفطر عنه من عبيد الكفار وغيرهم والغائب منهم والحاضر فقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور ليس على أحد أن يؤدي عن عبده الكافر صدقة الفطر وإنما هي على من صام وصلى وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وحجتهما قوله ‏(‏عليه السلام‏)‏ في حديث بن عمر من المسلمين فدل أن حديث الكفار بخلاف ذلك وقال الثوري وسائر الكوفيين عليه أن يؤدي زكاة الفطر عن عبده الكافر وهو قول عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والنخعي وروي ذلك عن أبي هريرة وبن عمر ولا يصح -والله أعلم- عندي عن بن عمر لأن الذي يروي مالك عن نافع عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فرض زكاة الفطر على الحر والعبد على الذكر والأنثى من المسلمين فكيف يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا ويوجب زكاة الفطر عن الكافر هذا يبعد إلا أن قول مالك في هذا الحديث من المسلمين قد خالفه فيه غيره من حفاظ حديث نافع وسنذكر ذلك عند ذكر مالك لهذا الحديث في أول باب مكيلة زكاة الفطر إن شاء الله واحتج الطحاوي للكوفيين في إجازة زكاة الفطر على العبد الكافر بأن قوله ‏(‏عليه السلام‏)‏ من المسلمين يعني من تلزمه إخراج الزكاة عن نفسه وعن غيره ولا يكون إلا مسلما فأما العبد فلا يدخل في هذا الحديث لأنه لا يملك شيئا ولا يقضي عليه شيء وإنما أريد بالحديث ملك العبد فأما العبد فلا حرمة في نفسه لزكاة الفطر ألا ترى إلى إجماع العلماء في العبد يعتق قبل أن يؤدي عنه سيده زكاة الفطر أنه لا تلزمه إذا ملك بعد ذلك مالا إخراجها عن نفسه كما يلزمه إخراج كفارة ما حنث فيه من الأيمان فهو عند رأيه لا يكفرها بصيام ولو لزمته صدقة الفطر لأداها عن نفسه بعد عتقه قال أبو عمر قوله ‏(‏عليه السلام‏)‏ من المسلمين يقضي لمالك والشافعي وهذا القضاء أيضا لأنها طهرة للمسلم وتزكية وهو سبيل الواجبات من الصدقات والكافر لا يتزكى فلا وجه لأدائها عنه أخبرنا أحمد بن محمد حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا مطرف بن عبد الرحمن حدثنا يحيى بن بكير عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر من المسلمين‏.‏

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي زهير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر صاع من بر عن كل اثنين أو صاع من شعير عن كل واحد صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين أما غنيكم فيزكيه الله‏.‏

وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمود بن خالد الدمشقي وعبد الله بن عبد الرحمن عن عكرمة عن بن عباس قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة الصيام من اللغو والرفث وطعمة للمساكين وذكر تمام الخبر فهذه الآثار كلها تشهد بصحة من قال إن زكاة الفطر لا تكون إلا عن مسلم والله أعلم‏.‏

وقال أبو ثور يؤدي العبد عن نفسه إن كان له مال وهو قول عطاء وداود‏.‏

وقال مالك يؤدي الرجل زكاة الفطر عن مكاتبه وهو قول عطاء وبه قال أبو ثور وحجتهم ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من أصحابه المكاتب عبد ما بقي عليه شيء‏.‏

وقال الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة وأصحابه الزكاة عليه في مكاتبه لأنه لا ينفق عليه ومما انفرد بكسبه دون المولى ولا سبيل لمولاه إلى أخذ شيء من ماله غير أنجم كتابه وجائز له أخذ الصدقة وإن كان مولاه غنيا وكان عبد الله بن عمر يخرج زكاة الفطر عن عبيده ولا يخرجها عن مكاتبيه ولا مخالف له من الصحابة‏.‏

وقال الشافعي ولا يؤدي المكاتب عن نفسه واختلفوا في عبيد التجارة فذهب مالك والشافعي والأوزاعي إلى أن في عبيد التجارة زكاة الفطر وبه قال أحمد وإسحاق وحجتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل حر وعبد وهو على عمومه في كل العبيد إذا ما استثنى في الحديث من المسلمين‏.‏

وقال أبو حنيفة والثوري وعبيد الله بن الحسن العنبري ليس في عبيد التجارة صدقة الفطر وهو قول عطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي ولم يختلفوا في المدبر أن على السيد زكاة الفطر عنه إلا أبا ثور وداود فهما على أصلهما في أن زكاة الفطر على العبد دون سيده عندهما واختلفوا في العبد الغائب عن سيده هل عليه فيه زكاة الفطر آبقا كان أو مغصوبا فقال مالك إذا كانت غيبة الآبق قريبة علمت حياته أو لم تعلم يخرج عنه سيده زكاة الفطر إذا كانت رجعته يرجى وترجى حياته ولم يعلم موته قال فإن كانت غيبته وإباقه قد طال ويئس منه فلا أرى أن يزكي عنه‏.‏

وقال الشافعي تؤدى زكاة الفطر عن المغصوب والآبق وإن لم ترج رجعتهم إذا علمت حياتهم فإن لم تعلم حياتهم فلا وهو قول أبي ثور وزفر‏.‏

وقال أبو حنيفة في العبد الآبق والمغصوب ليس على مولاه فيه زكاة الفطر وهو قول الثوري وعطاء وروى أنس بن عمر عن أبي حنيفة أن عليه في الآبق صدقة الفطر وقال الأوزاعي إذا علمت حياة العبد أديت عنه زكاة الفطر وإن كان في دار الإسلام وقال الزهري إن علم مكان الآبق أدي عنه زكاة الفطر وبه قال أحمد بن حنبل واختلفوا في العبد المرهون فمذهب مالك والشافعي أن يؤدي عنه زكاة الفطر وهو قول أبي ثور‏.‏

وقال أبو حنيفة إن كان عند الراهن وفاء بالدين الذي رهن فيه عبده وفضل مائتي درهم زكى عنه زكاة الفطر وإن لم يكن عنده فلا شيء عليه واختلفوا في العبد يكون بين الشريكين فقال مالك والشافعي يؤدي كل واحد منهما عنه من زكاة الفطر بقدر ما يملك وهو قول محمد بن الحسن‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر والثوري والحسن بن حي ليس على واحد منهما فيه صدقة الفطر وهو قول الحسن وعكرمة واختلفوا أيضا في العبد المعتق بعضه فقال مالك يؤدي السيد عن نصفه المملوك وليس على العبد أن يؤدي عن نصفه الحر وقال عبد الملك بن الماجشون على السيد أن يؤدي عنه صاعا كاملا‏.‏

وقال الشافعي يؤدي السيد عن النصف المملوك ويؤدي العبد عن نصفه الحر وبه قال محمد بن سلمة قال يؤدي عن نفسه بقدر حريته قال فإن لم يكن للعبد مال رأيت لسيده أن يزكي عنه‏.‏

وقال أبو حنيفة ليس على السيد أن يؤدي عما ملك من العبد إلا أن يملكه كله ولا على العبد أن يؤدي عن نفسه لما فيه من الحرية‏.‏

وقال أبو ثور ومحمد بن الحسن على العبد أن يؤدي عن نفسه زكاة الفطر وهو بمنزلة العبد إذا عتق نصفه وكأنه قد عتق كله واختلفوا في العبد يباع بالخيار فقال مالك يؤدي عنه البائع‏.‏

وقال الشافعي إن كان الخيار للبائع وأنفذ البيع فإنه يؤدي عنه البائع وإن كان الخيار للمشتري أولهما فعلى المشتري‏.‏

وقال أبو حنيفة إذا كان أحدهما بالخيار فصدقة الفطر عن العبد على من يصير إليه وقال زفر الزكاة على من له الخيار فسخ أو أجاز واختلفوا في العبد الموصي برقبته لرجل ولآخر بخدمته فقال عبد الملك بن الماجشون الزكاة عنه على من جعلت له الخدمة إذا كان زمانا طويلا‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور زكاة الفطر عنه على مالك رقبته واختلفوا في عبيد العبيد فقال مالك ليس عليه في عبيد عبيده صدقة الفطر وهو الأمر عندنا‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي صدقة الفطر عنهم على السيد الأعلى وقال الليث بن سعد يخرج عن عبيد عبيده زكاة الفطر ولا يؤدي عن مال عبده الزكاة‏.‏

وأما قول مالك أن الرجل يلزمه زكاة الفطر عن كل من يضمن نفقته فقد وافقه على ذلك الشافعي وقولهما جميعا أن زكاة الفطر تلزم الرجل في كل من تجب عليه نفقته من غير أن يكون له تركها وذلك من تلزمه نفقته بسبب كالأبناء الفقراء والآباء الفقراء إلا أن مالكا لا يرى النفقة على الابن البالغ وإن كان فقيرا والشافعي يرى النفقة على الأبناء الصغار والكبار والزمنى والنفقة على الآباء الفقراء والأمهات وكذلك من تلزمه عندهما نفقته بنكاح كالزوجات وملك اليمين كالإماء والعبيد وذكر بن عبد الحكم عن مالك أنه قال ليس عليه في رقيق امرأته زكاة الفطر إلا من كان بخدمه وذلك واحد لا زيادة وقال بن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد يؤدي الرجل عن أهله ورقيقه ولا يؤدي عن الأجير ولكن الأجير المسلم يؤدي عن نفسه وهو قول ربيعة وقال الليث إذا كانت إجازة الأجر معلومة فليس عليه أن يؤدي عنه وإن كانت يده مع يده وينفق عليه ويكسوه أدى عنه قال الليث وليس عليه أن يؤدي عن رقيق امرأته‏.‏

وأما اختلافهم في الزوجة فقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور على زوجها أن يخرج عنها زكاة الفطر وهي واجبة عليه عنها وعن كل من يمون ممن تلزمه نفقته وهو قول بن علية أنها واجبة على الرجل في كل من يمون ممن تلزمه نفقته وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه ليس على الزوج أن يؤدي عن زوجته ولا عن خادمها زكاة الفطر وعليها أن تؤدي ذلك عن نفسها وخادمها قالوا وليس على أحد أن يؤدي إلا عن ولده الصغير وعبده قال أبو عمر قد أجمعوا أن عليه أن يؤدي عن ابنه الصغير إذا لزمته نفقته فصار أصلا يجب القياس ورد ما اختلفوا فيه إليه فوجب في ذلك أن تجب عليه في كل من تلزمه نفقته وبالله التوفيق وقد ناقض الكوفيون في الصغير لأن معنى قول بن عمر عندهم فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى الصغير والكبير الحر والعبد يعنون كلا عن نفسه وهذه مناقضة في الصغير‏.‏

وقال مالك تجب زكاة الفطر على أهل البادية كما تجب على القرى وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين قال أبو عمر قول مالك عليه جمهور الفقهاء وممن قال بذلك الثوري والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابهم وقال الليث بن سعد على أهل العمود الفطر أصحاب الخصوص والمال وإنما هي على أهل القرى قال أبو عمر قول الليث ضعيف لأن أهل البادية في الصيام والصلاة كأهل الحاضر وكذلك هم في صدقة الفطر‏.‏

باب مكيلة زكاة الفطر

584- ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين‏.‏

585- وعن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم فأما قوله في حديث بن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعناه عند أكثر أهل العلم أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأمر الله أوجبه وما كان لينطق عن الهوى فأجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر ثم اختلفوا في نسخها فقالت فرقة هي منسوخة بالزكاة ورووا عن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بها قبل نزول الزكاة فلما نزلت آية الزكاة لم يأمرنا بها ولم ينهنا ونحن نفعله وقال جمهور من أهل العلم من التابعين ومن بعدهم هي فرض واجب على حسب ما فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينسخها شيء وممن قال بهذا مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه قال إسحاق هو لا الإجماع وقال أشهب سألت مالكا عن زكاة الفطر أواجبة هي قال نعم وفي سماع زياد بن عبد الرحمن قال سئل مالك عن تفسير قول الله تعالى ‏(‏وءاتوا الزكاة‏)‏ ‏[‏البقرة 43‏]‏‏.‏

هي الزكاة التي قرنت بالصلاة فسمعته يقول هي زكاة الأموال كلها من الذهب والورق والثمار والحبوب والمواشي وزكاة الفطر وتلا ‏(‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم‏)‏ ‏[‏التوبة 103‏]‏‏.‏

وذكر أبو التمام قال قال مالك زكاة الفطر واجبة قال وبه قال أهل العلم كلهم إلا بعض أهل العراق فإنه قال هي سنة مؤكدة قال أبو عمر اختلف المتأخرون من أصحاب مالك في وجوبها فقال بعضهم هي سنة مؤكدة وقال بعضهم هي فرض واجب وممن ذهب إلى هذا أصبغ بن الفرج‏.‏

وأما أبو محمد بن أبي زيد فإنه قال هي سنة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يضع شيئا واختلف أصحاب داود في ذلك على قولين أيضا أحدهما أنها فرض واجب والآخر أنها سنة ‏(‏ مؤكدة‏)‏ وسائر العلماء على أنها واجبة والقول بوجوبها من جهة اتباع المؤمنين لأنهم الأكثر والجمهور الذين هم حجة على من شذ عنهم وقول من قال إنها سنة قول ضعيف وتأويله في قول بن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى أنه قدر ذلك صاعا وأنه مثل قولهم فرض القاضي نفقة اليتيم ربعين أي قدرها خلاف الظاهر ادعاء على النبي ما يخرجه في المعهود فيه لأنه لم يختلفوا في قول الله عز وجل ‏(‏فريضة من الله‏)‏ ‏[‏النساء 11‏]‏‏.‏

أي إيجاب من الله وكذلك لهم فرض الله طاعة رسوله وفرض الصلاة والزكاة هذا كل ذلك أوجب وألزم وكذلك قالوا في الواجب هو فريضة وما لم يلزم لزومه قالوا سنة وقد أوضحنا هذا المعنى بزيادات في الاعتراضات في التمهيد‏.‏

وأما قوله فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس فقد اختلف العلماء في الحين والوقت الذي يلزم لمن أدركه زكاة الفطر فقال في رواية بن القاسم وبن وهب وغيرهما عنه تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر ومعناه أنها لا تجب عن من ولد أو ملك بعد ذلك الوقت وذكروا عنه مسائل إن لم تكن على الاستحباب فهي تناقض على هذا وهي في المولود ضحى يوم الفطر أو العبد يشترى بعد طلوع الشمس في يوم الفطر أنه يزكى عنه أبوه وسيده وروى أشهب عن مالك أن الزكاة تجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان وهي ليلة الفطر‏.‏

وقال مالك إذا مات العبد ليلة الفطر قبل طلوع الفجر فعلى المولى صدقة الفطر عنه لأنه قد كان أدركه وقت وجوبها حيا ومعلوم أن ليلة الفطر ليست من رمضان فمن ولد فيها من الأحرار والعبيد وملك فيها من العبيد فإنه لم يلد ولم يملك في رمضان وإنما وقع ذلك في شوال وزكاة الفطر إنما هي لرمضان لا لشوال وبهذا قال الشافعي وأصحابه إلا أن أصحابه في المسألة على قولين على أن قوله ببغداد كان أنها تجب بطلوع الفجر على كل مسلم أدركه ذلك الوقت حيا‏.‏

وأما أبو حنيفة وأصحابه فقولهم في ذلك كما رواه بن القاسم عن مالك بطلوع الفجر تجب زكاة الفطر وهو قول أبي ثور ومن قال بهذا لم يعتبر ليلة الفطر لأن الفطر ليس بموضع صيام يراعى ويعتبر وهو قول من لم ينعم النظر لأن يوم الفطر ليس بموضع صيام فأحرى ألا يراعى واختلفوا في وجوبها على الفقراء فروى بن وهب عن مالك أنه قال في رجل له عبد لا يملك غيره عليه فيه زكاة الفطر قال مالك والذي ليس له إلا معيشة خمسة عشر يوما أو نحوها والشهر ونحوه عليه زكاة الفطر قال مالك وإنما هي زكاة الأبدان وروى أشهب عن مالك أن زكاة الفطر لا تجب على من ليس عنده من أين يؤديها وروي عن مالك أيضا أن عليه زكاة صدقة الفطر وإن كان محتاجا وروي عنه أنه من جاز له أخذ صدقة الفطر لم تلزمه وذكر أبو التمام عن مالك أنه قال زكاة الفطر واجبة على الفقير الذي يفصل عن قوته صاع كوجوبها على الغني قال وبه قال الشافعي قال أبو عمر قال الشافعي من ملك قوته وقوت من يمونه ذلك اليوم ومن يؤدي عنه وعنهم زكاة الفطر فعليه أن يؤديها عن نفسه وعنهم فإن لم يكن عنده إلا ما يؤدي عن نفسه وعن البعض أدى عن ذلك البعض وقول بن علية في هذه المسألة كقول الشافعي وقال عبيد الله بن الحسن إذا أصاب فضلا عن غذائه وعشائه فعليه أن يأخذ ويعطي صدقة الفطر‏.‏

586- وأما قوله في حديث بن عمر صاعا من تمر أو صاعا من شعير وروايته في هذا الباب عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرا ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر فقال فيه قال عبد الله فعدل الناس بعد نصف صاع من بر بصاع من تمر قال وكان عبد الله يعطي التمر فيعوز أهل المدينة التمر عاما فأعطى الشعير وروى بن عيينة عن أيوب بإسناده مثله وقال فيه قال بن عمر فلما كان معاوية عدل الناس نصف صاع من بر بصاع من شعير قال نافع فكان عبد الله يخرج زكاة الفطر عن الصغير من أهله والكبير والحر والعبد ورواه بن أبي رواد عبد العزيز عن نافع عن بن عمر وقال فيه فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل نصف صاع منها مثل صاع من تلك الأشياء وذكر في حديثه هذا صاعا من تمر أو شعير أو سلت أو زبيب ولم يقل ذلك عن نافع أحد غيره وليس ممن يحتج به في حديث نافع إذا خالفه حفاظ أصحاب نافع وهم عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب وفي التمهيد من هذا المعنى أكثر من هذا‏.‏

وأما قوله في حديث أبي سعيد الخدري كنا نخرج في زكاة الفطر صاعا من طعام وذكر الشعير والتمر والزبيب والأقط صاعا صاعا فقد ذكرنا في التمهيد من رفع هذا الحديث فقال فيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يختلف من ذكر الطعام في هذا الحديث أنه أراد به الحنطة ومنهم من لم يذكره ومن رواته أيضا من ذكر فيه نصف صاع من بر وذكر فيه بن عيينة عن زيد بن أسلم الدقيق ولم يتابع عليه وقد ذكر فيه السلت والدقيق أو أحدهما وذكر فيه مالك والثوري من طعام وحسبك بهما حفظا‏.‏

وأمانة وإتقانا وقد أوضحنا ذلك كله ومن رواه ومن أسقطه في التمهيد واختلف أهل العلم في مقدار ما يؤدي المرء عن نفسه في صدقة الفطر من الحبوب بعد إجماعهم أنه لا يجزئ من التمر والشعير أقل من صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربعة أمداد بمدة صلى الله عليه وسلم فأما اختلافهم في مقدار ذلك من البر وهي الحنطة فقال مالك والشافعي وأصحابهما لا يجزئ من البر ولا من غيره أقل من صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم عن إنسان واحد صغيرا كان أو كبيرا وهو قول البصريين وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه يجزئ من البر نصف صاع وروي ذلك عن جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين وحجة مالك والشافعي في إيجاب الصاع من البر وأنه كغيره مما ذكر عنه حديث بن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير قالوا وذلك كان قوت القوم يومئذ فخرج عليه الخبر فكل من اقتات شيئا من الحبوب المذكورات في حديث أبي سعيد الخدري وغيره لزمه إخراج صاع منه ويشهد لذلك حديث مالك والثوري ومن تابعهما في حديث أبي سعيد الخدري المذكور في هذا الباب كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر صاعا من طعام ثم ذكر الشعير وغيره فبان بذكره الطعام هنا أنه أراد البر والله أعلم ولم يفصل بينه وبين الشعير في الحنطة وفي المكيلة بل جعله كله صاعا صاعا‏.‏

وأما حجة من قال أنه يجزئه من البر نصف صاع فقول بن عمر في حديثه وقد ذكر التمر والشعير قال فعدل الناس بصاع من شعير أو تمر نصف صاع من بر والناس في ذلك الزمان كبار الصحابة وحجتهم أيضا حديث الزهري عن بن أبي صعير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في زكاة الفطر صاع من بر بين اثنين أو صاع من شعير أو تمر عن رجل واحد وهذا نص في موضع الخلاف إلا أنه لم يروه كبار أصحاب بن شهاب ولا من يحتج بروايته منهم إذا انفرد ولكنه لم تخالفه في روايته تلك غيره وروى الثقات عن سعيد بن المسيب أنه قال كانت صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف صاع من حنطة أو صاعا من شعير أو تمر وروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وبن مسعود وبن عباس على اختلاف عنه وأبي هريرة وجابر ومعاوية وبن الزبير نصف صاع من بر وفي الأسانيد عن بعضهم ضعف ‏(‏واختلاف وروي عن سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير وأبي سلمة ومصعب بن سعد نصف صاع من بر قال أبو حنيفة يؤدي نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو زبيب أو صاعا من تمر أو شعير قال أبو يوسف ومحمد الزبيب بمنزلة التمر والشعير وما سوى ذلك يخرج بالقيمة قيمة نصف صاع من بر أو قيمة صاع من شعير أو تمر وروينا عن أبي حنيفة أنه قال لو أعطيت في زكاة الفطر عدل ذلك أجزأك يعني بالقيمة وقال الأوزاعي يؤدي كل إنسان مدين من قمح بمد أهل بلده وقال الليث بن سعد يخرج مدين من قمح بمد هشام أو أربعة أمداد من التمر أو الشعير أو الأقط‏.‏

وقال أبو ثور يخرج صاعا من تمر أو شعير أو زبيب وسكت عن البر وقال أشهب سمعت مالكا يقول لا يؤدي الشعير إلا من هو أكله يؤده كما يأكله قيل له إن من الناس من يقول مدين من بر قال إنما القول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏صاع‏)‏ قال فذكرت له الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في المدين من الحنطة فأنكرها‏.‏

وأما قوله في حديث بن عمر على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين فقد تقدم القول فيمن تجب عليه زكاة الفطر من المالك والمملوك والصغير والكبير‏.‏

وأما قوله من المسلمين فإنه لم يقله من ثقات أصحاب نافع غيره ورواه أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر وموسى بن عقبة وغيرهم عن نافع عن بن عمر لم يقولوا فيه من المسلمين وقد ذكرنا فيه في التمهيد من قال عن عبيد الله من المسلمين ومن تابع مالكا على ذلك وذكرنا في الباب قبل هذا أيضا حكم قوله من المسلمين وما للعلماء في ذلك من المذاهب وبالله التوفيق‏.‏

وأما قوله في آخر هذا الباب والكفارات كلها وزكاة الفطر وزكاة العشور كل ذلك بالمد الأصغر مد النبي صلى الله عليه وسلم إلا الظهار فإن الكفارة فيه بمد هشام وهو المد الأعظم فلم يختلف العلماء بالمدينة وغيرها أن الكفارات كلها بمد النبي صلى الله عليه وسلم إلا الظهار فإن مالكا خالف في الإطعام به فأوجبه بمد هشام بن إسماعيل المخزومي عامل كان بالمدينة لبني مروان وسيأتي القول في ذلك في باب كفارة الظهار إن شاء الله ومد هشام بالمدينة معروف كما أن الصاع الحجاجي معروف بالعراق‏.‏

باب وقت إرسال زكاة الفطر

587- ذكر فيه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة وذكر أنه رأى أهل العلم يستحبون أن يخرجوا زكاة الفطر إذا طلع الفجر من يوم الفطر قبل أن يغدوا إلى المصلى قال مالك وذلك واسع إن شاء الله أن تؤدى قبل الغدو من يوم الفطر وبعده قال أبو عمر في هذا من فعل بن عمر دليل على جواز تعجيل ما تجب لوقت من الزكوات وقد تقدم الوقت الذي تجب فيه صدقة الفطر وما للعلماء في ذلك وإن كان تقديمها باليوم واليومين جائز عندهم ومالك وغيره يجيزون ما كان بن عمر يفعله من ذلك إلا أن مالكا يستحب ما استحبه أهل العلم في وقته من إخراج زكاة الفطر صبيحة يوم الفطر في الفجر أو ما قاربه وفي قول مالك ما يدل على أن أداء زكاة الفطر بعد وجوبها أو في حين وجوبها أفضل وأحب إليه وإلى أهل العلم ببلده في وقته وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك خبر حسن من أخبار الآحاد العدول حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو محمد النفيلي قال حدثنا زهير قال حدثنا موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى قال وكان بن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين وليس قول مالك في تعجيل زكاة الأموال كذلك وليس في الموطأ موضع هذا ذكر المسألة من هذا واختلف أهل العلم في جواز تعجيل الزكاة فقال مالك فيما روى عنه بن وهب وأشهب وخالد بن خداش من أدى زكاة ماله قبل محلها بتمام الحول فإنه لا يجزئ عنه وهو كالذي يصلي قبل الوقت وروي ذلك عن الحسن البصري وبه قال بعض أصحاب داود وروى بن القاسم عنه لا يجوز تعجيلها قبل الحول إلا بيسير وكذلك ذكر عنه بن عبد الحكم بالشهر ونحوه وأجاز تعجيل الزكاة قبل الحول سفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وإسحاق وأبو عبيد وروي ذلك عن سعيد بن جبير وإبراهيم وبن شهاب والحكم وبن أبي ليلى‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يجوز تعجيل الزكاة لما في يده ولما يستفيد في الحول وبعده وقال زفر التعجيل عما في يده جائز ولا يجوز عما يستفيده وقال بن شبرمة يجوز تعجيلها لسنين‏.‏

وقال الشافعي يجوز للمصدق إذا رأى العوز في أهل الصدقة أن يستلف لهم من صدقة أهل الأموال إذا كانوا ميسورين وليس على رب المال أن يخرج صدقته قبل الحول إلا أن يتطوع قال ولو أن رجلا أخرج زكاة ماله فقال إن ما تجب فيه الزكاة كانت هذه عنه لم يجزئ عنه لأنه أداها إلى سبب بلا سبب لم تجز فيه الزكاة وعمل شيئا لا يجب عليه إن حال فيه حول قال أبو عمر حجة من لم يجز تعجيل الزكاة قياسها على الصلاة وحجة من أجاز تعجيلها القياس على الديون الواجبة لآجال محدودة أنه جائز تعجيلها أو تقديمها قبل محلها وحديث علي ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استلف صدقة العباس قبل محلها وقد روي لعامين وفرقوا بين الصلاة والزكاة بأن الناس يستوون في وقت الصلاة ولا يستوون في وقت وجوب الزكاة وقياس مالك ومن قال بقوله على الصلاة أصح في سبيل القياس والله أعلم‏.‏

باب من لا تجب عليه زكاة الفطر

588- قال مالك ليس على الرجل في عبيد عبيده ولا في أجيره ولا في رقيق امرأته زكاة إلا من كان منهم يخدمه ولا بد له منه فتجب عليه وليس عليه زكاة في أحد من رقيقه الكافر ما لم يسلم لتجارة كانوا أو لغير تجارة قال أبو عمر قد تقدم القول في مسائل هذا الباب كلها وما للعلماء من المذاهب فيما تقدم من أبواب زكاة الفطر فلا معنى لإعادة ذلك هنا إلا أن جملة ذلك أنه لا خلاف عن مالك وأصحابه أنه ليس على السيد زكاة الفطر في عبيد عبيده كما أنه ليس عليه أن يزكي عما بيد عبده من المال‏.‏

وأما أبو ثور وداود فعلى أصلهما أن عبيد العبيد يخرجون عن أنفسهم زكاة الفطر لأنهم مالكون عبيدهم‏.‏

وأما الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والليث والثوري وجمهور أهل العلم فإن زكاة الفطر على السيد عندهم في عبيده وفي عبيد عبيده لأنهم كلهم عبيده‏.‏

وأما قول مالك ولا في أجيره فلأنه لا يلزمه نفقته في الشرع والقربة وأصله أنه لا تلزم صدقة الفطر إلا عمن تلزم نفقته في الشريعة إلا من صدقة الفطر إلا عمن تلزم نفقته في الشريعة إلا من طريق التطوع ولا المعارضة وهو قول الشافعي‏.‏

وأما سفيان والكوفيون فإن زكاة الفطر لا تجب عندهم إلا عن الابن الصغير والعبد فقط‏.‏

وأما قوله ولا في رقيق امرأته فقوله وقول الشافعي في ذلك سواء إلا أن أصلهما أنها تلزمه فيمن تلزمه النفقة عليه وذلك عند الشافعي خادم واحد وعند مالك من يخدمه ولا بد منه إلا أن الأظهر من مذهبه أنه تلزمه في خادم واحد قد اختلف أصحابه في ذلك على ما ذكرناه عنهم في كتاب اختلاف أصحاب مالك وأقوالهم وقال الليث يؤدي عن امرأته وليس عليه أن يؤدي عن أحد من رقيقها‏.‏

وأما سفيان والكوفيون فلا يرون زكاة الفطر عليه عن امرأته فكيف عن رقيقها بل عليها أن تخرج زكاة الفطر عن نفسها وعن عبدها لأن السنة عندهم أن يخرجها الذكر والأنثى عن أنفسهم وعبيدهم وقد تقدم الأصل عنهم ولغيرهم في ذلك وفيما لم يسلم من العبد والحمد لله تم شرح كتاب الزكاة والحمد لله كثيرا‏.‏

كتاب الصيام

باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان

589- ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له‏.‏

590- وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله‏.‏

591- وعن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدد ‏(‏العدة‏)‏ ثلاثين وهذا الحديث محفوظ لعكرمة عن بن عباس وقد أوضحنا في التمهيد حال عكرمة ولم ترك مالك ذكره من هذا الموضع من كتابه إن كان كما ظن من زعم أن مالكا طرح اسمه من كتابه للذي بلغه فيه عن سعيد بن المسيب وما أدري صحة ذلك لأنه ذكره في كتاب الحج من الموطأ وفي ذلك ما يوهن قول من قال إنه قد طرح ذكر اسمه من كتابه والله أعلم والذي أوجب قول القائل ما ذكرناه والله أعلم ما رويناه عن مالك أنه قيل له أبلغك أن عبد الله بن عمر قال لنافع يا نافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على بن عباس قال أبو عمر جعل مالك - رحمه الله - حديث بن عباس بعد حديث بن عمر لأنه عنده مفسر له ومبين لمعنى قوله فاقدروا له في حديث بن عمر وكان بن عمر يذهب في معنى قوله فاقدروا مذهبا خلافا لما ذهب إليه مالك في ذلك والذي ذهب إليه مالك هو الذي عليه جمهور العلماء وهو الصحيح وسنبين ذلك كله في هذا الباب بعون الله وفضله وما رواه بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين قد رواه أبو هريرة وأبو بكرة وحذيفة وطلق الحنفي وغيرهم ولم يرو أحد فيما علمت فاقدروا له إلا بن عمر وحده على أن عبد الرزاق قد روى عن معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهلال رمضان إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما ولم يقل مالك ولا عبيد الله بن عمر عن نافع في هذا الحديث ثلاثين يوما ورواه بن أبي رواد عن نافع عن بن عمر بلفظ حديث بن عباس فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين والذي عليه جمهور أهل العلم أنه لا يصام رمضان إلا بيقين من خروج شعبان واليقين في ذلك رؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين يوما وكذلك لا يقضى بخروج رمضان إلا بيقين مثله قال الله تعالى ‏(‏فمن شهد منكم الشهر فليصمه‏)‏ ‏[‏البقرة 185‏]‏‏.‏

يريد والله أعلم من علم منكم بدخول الشهر علم يقين فليصمه والعلم اليقين الرؤية الصحيحة الفاشية الظاهرة أو إكمال العدد وكذلك في الشريعة أيضا شهادة عدلين أنهما رأيا الهلال ليلة ثلاثين فيصح بذلك أن الشهر الماضي من تسع وعشرين وهذا عند بعضهم إذا لم تكن في السماء علة فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم فاقدروا له عند أكثر أهل العلم ولا خلاف أن الشهر العربي قد يكون ثلاثين يوما ويكون تسعة وعشرين‏.‏

وأما بن عمر فله مذهب ذهب إليه في تأويل ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فاقدروا له وذلك أنه كان يقول إذا لم ير هلال رمضان ليلة ثلاثين من شعبان وكان صحوا فلا صيام لرمضان وإن لم يكن صحوا وكان في السماء غيم أصبح الناس صائمين وأجزأهم من رمضان - إن ثبت بعد - أن الشهر كان من تسع وعشرين وإلى هذا ذهب طاوس اليماني وأحمد بن حنبل وروي مثل ذلك عن عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر - رضوان الله عليهم - وما أعلم أحدا ذهب مذهب بن عمر في ذلك غيرهم حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد‏.‏

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهيم قال حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة قالا حدثنا أيوب عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واللفظ لحديث قاسم والمعنى سواء إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له قال نافع فكان عبد الله بن عمر يبعث مساء ليلة ثلاثين يوما من شعبان من ينظر له الهلال فإن كان صحوا ورأوه صام وإن لم يروه لم يصم وإن حال دونه سحاب أو قتر أصبح صائما وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر أنه إذا كان سحاب أصبح صائما وإن لم يكن سحاب أصبح مفطرا وعن معمر عن بن طاوس عن معمر مثله‏.‏

وقال أحمد بن حنبل صيام يوم الشك واجب وهو يجزئ من رمضان إن ثبت أنه من رمضان وقال أهل اللغة قوله عليه السلام فاقدروا له كقوله قدروا له يقال منه قدرت وقدرت وأقدرته وقال بن قتيبة في قوله اقدروا له أي قدروا الشهر بالمنازل يعني منازل القمر قال أبو عمر قد كان بعض كبار التابعين فيما ذكر محمد بن سيرين ذهب في هذا الباب إلى اعتباره بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب قال بن سيرين كان أفضل له لو لم يفعل قال أبو عمر قيل إنه مطرف بن عبد الله بن الشخير والله أعلم وكان مطرف من جلة تابعي البصرة العلماء الفضلاء الحلماء وقد حكى بن سريج عن الشافعي أنه قال من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر ثم تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه جاز له أن يعتقد الصوم ويبيته ويجزئه قال أبو عمر الذي عندنا في كتبه أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية أو شهادة عادلة أو إكمال شعبان ثلاثين يوما لقوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين وعلى هذا مذهب جمهور فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمغرب منهم مالك والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وعامة أهل الحديث إلا أحمد بن حنبل ومن قال منهم بقوله وسيأتي القول في صيام يوم الشك في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله‏.‏

592- مالك أنه بلغه أن الهلال رؤى في زمان عثمان بن عفان بعشي فلم يفطر عثمان حتى أمسى وغابت الشمس قال أبو عمر هذه المسألة اختلف فيها السلف والخلف ولم يختلف فيها عن عثمان ولاعن علي ولا عن عمر وبن مسعود وأنس واختلفت الرواية فيها عن عمر فروى الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين إن الأهلة بعضها أكثر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان أنهما رأياه بالأمس وهذا مذهب عثمان وعلي وبن عمر وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم إلا عبد الملك بن حبيب عندنا فإنه قال فيها بالرواية الثانية عن عمر وهي رواية رواها القطان وبن مهدي ووكيع وغيرهم عن الثوري عن مغيرة عن سماك عن إبراهيم قال بلغ عمر بن الخطاب أن قوما رأوا الهلال بعد زوال الشمس فأفطروا فكتب إليهم يلزمهم وقال إذا رأيتم الهلال نهارا قبل زوال الشمس فأفطروا وإذا رأيتموه بعد الزوال فلا تفطروا وبهذا قال سفيان الثوري وأبو يوسف‏.‏

وقال أبو حنيفة ومحمد في ذلك برواية سفيان عن عمر وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبو ثور ورواية الأعمش عن شقيق أبي وائل أصح عن عمر لأنها متصلة وإبراهيم النخعي لم يدرك عمر حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا البغوي قال حدثنا سعد بن الجعدي قال حدثنا زهير بن معاوية عن الأعمش عن شقيق بن سلمة قال كتب إلينا عمر ونحن بخانقين إن الأهلة بعضها أكثر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس‏.‏

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال أتانا كتاب عمر بن الخطاب ونحن بخانقين إن الأهلة تختلف فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان من المسلمين أنهما رأياه بالأمس قال أبو عمر وفي حديث الأعمش هذا نهارا لم يخص فيه قبل الزوال ولا بعده ومن ذهب مذهب الثوري وأبي يوسف قال إنه حديث مجمل وحديث إبراهيم حديث مفسر فهو أولى أن يقال به قالوا إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإذا رؤي الهلال بعد الزوال فهو للقابلة وإلى هذا ذهب عبد الملك بن حبيب وبه كان يفتي بقرطبة‏.‏

وأما قول مالك من رأى هلال رمضان وحده فإنه يصوم لا ينبغي له أن يفطر وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان ومن رأى هلال شوال وحده فإنه لا يفطر لأن الناس يتهمون على ان يفطر منهم من ليس بمأمون فلا أعلم خلافا في هلال رمضان أنه من رآه يلزمه الصوم إلا عطاء بن أبي رباح فإنه قال لا يصوم وحده ولا يفطر وحده وإن رآه واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم فيمن رأى هلال رمضان وحده أنه يصوم وهو قول الثوري والحسن بن حي وأحمد بن حنبل لا يسعه عندهم غير ذلك وهو قول أبي ثور واختلفوا في هلال شوال يراه الرجل وحده فقال مالك وأبو حنيفة لا يفطر وهو قول أحمد بن حنبل وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كره لمن رأى هلال شوال وحده أن يفطر‏.‏

وقال الشافعي يفطر الذي رأى هلال شوال وحده إذا لم يشك فيه فإن شك أو خاف أن يتهم لم يأكل وهو قول أبي ثور قال ولا يسعه أن يصوم فإن خاف التهمة اعتقد الفطر وأمسك عن الأكل والشرب‏.‏

وقال مالك من رأى هلال رمضان وحده فأفطر عامدا كان عليه القضاء والكفارة‏.‏

وقال أبو حنيفة عليه القضاء ولا كفارة عليه للشبهة وهذا قول أكثر الفقهاء قال أبو عمر لم يذكر مالك في موطئه حكم إشهاده على هلال رمضان وذكره غير واحد من أصحابه عنه ولم يختلف قوله وقول أصحابه أنه لا يجوز على شهادة رمضان أقل من رجلين عدلين وهلال شوال وسائر الأحكام‏.‏

وقال الشافعي فيما ذكر عنه المزني إن شهد على هلال رمضان شاهد واحد عدل رأيت أن أقبله للأثر الذي جاء فيه قال والقياس ألا يقبل فيه إلا شهادة عدلين قال‏.‏

وأما هلال الفطر فلا يقبل فيه إلا عدلان والذي ذكر المزني عن الشافعي في قبول شهادة الواحد في هلال رمضان هو قول الكوفيين وبن المبارك وأحمد وقال إسحاق لا يقبل في هلال رمضان وشوال إلا عدلان وقال أبو بطين عن الشافعي ولا يصام رمضان ولا يفطر منه بأقل من عدلين حرين لسائر الحقوق‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان في السماء علة قبلت شهادة رجل عدل في هلال رمضان قالوا وإن لم تكن في السماء علة قبلت شهادة رجل عدل في هلال رمضان قالوا وإن لم تكن في السماء علة لم تقبل إلا شهادة عدلين وهذا قول داود وطائفة من أصحاب الظاهر وقال الثوري والأوزاعي والليث والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن كقول مالك يقبل في الشهادة على هلال شوال عدلان في الصحو والغيم ولا يقبل أقل من عدلين وهو قول الشافعي قال أبو عمر حديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أجاز شهادة الأعرابي وحده في هلال رمضان مختلف فيه فمنهم من أسنده وأكثرهم أرسله عن عكرمة كذلك رواه الثوري وجماعة عن سماك بن حرب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وهو قول أكثر الفقهاء ورواه زائدة بن قدامة والوليد بن ثور وحماد بن سماك عن حماد عن عكرمة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا ورواه بن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن بن عمر قال تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام واختلف العلماء في حكم هلال رمضان أو شوال يراه أهل بلد دون غيرهم فكان مالك فيما رواه عنه بن القاسم والمصريون إذا ثبت عند الناس أن أهل بلد رأوه فعليهم القضاء لذلك اليوم الذي أفطروه وصيامه غيرهم برؤية صحيحة وهو قول الليث والشافعي والكوفيين وأحمد وروى المدنيون عن مالك وهو قول المغيرة وبن دينار وبن الماجشون أن الرؤية لا تلزم غير أهل البلد الذي وقعت فيه إلا أن يكون الإمام يحمل الناس على ذلك أما الاختلاف الأعمال والسلاطين فلا إلا في البلد الذي رأى فيه الهلال وفي عمله هذا بمعنى قولهم وروي عن بن عباس أنه قال لكل قوم رؤيتهم وبه قال عكرمة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وإليه ذهب بن المبارك وإسحاق بن راهويه وطائفة قال أبو عمر حجة من قال بهذا القول ما أخبرنا به أبو محمد عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو بكر محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال حدثني محمد بن أبي حرملة قال أخبرني كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل رمضان وأنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني بن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال قلت رأيته ليلة الجمعة قال أنت رأيته قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية قال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتى نكمل الثلاثين أو نراه فقلت أفلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه قال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب النسوي قال أخبرنا علي بن حجر قال أخبرنا إسماعيل بن جعفر قال حدثنا محمد بن أبي حرملة قال أخبرني كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل علي هلال رمضان وذكر رمضان الحديث سواء كما تقدم لأبي بكر قال أبو عمر قد أجمعوا أنه لا تراعى الرؤية فيما أخر من البلدان كالأندلس من خراسان وكذلك كل بلد له رؤيته إلا ما كان كالمصر الكبير وما تقاربت أقطاره من بلاد المسلمين والله أعلم‏.‏

وأما قول مالك في الناس يصومون يوم الفطر لرؤيته من رمضان فيأتيهم الثبت أن هلال شوال قد رؤي البارحة أو هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم وأن يومهم ذلك يوم الفطر أحد وثلاثون يوما فإنهم يفطرون ذلك اليوم أي ساعة جاءهم الخبر غير أنهم لا يصلون صلاة العيد إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس وقد مضى ما للعلماء في معنى ما ذكر إلا في صلاة العيد فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك فمذهب مالك الذي لا خلاف فيه عنه وعن أصحابه أنه لا تصلي صلاة العيد في غير يوم العيد ولا في يوم العيد بعد زوال الشمس واختلف قول الشافعي في هذه المسألة فمرة قال بقول مالك لا تصلى صلاة العيد بعد الزوال واختاره المزني وقال إذا لم يجز أن تصلى في يوم العيد بعد الزوال فاليوم الثاني أبعد من وقتها وأحرى أن لا تصلى فيه وعن الشافعي رواية أخرى أنها تصلى في اليوم الثاني ضحى وقال البويطي عنه لا تصلى بعد إلا إن ثبت في ذلك حديث قال أبو عمر لو قضيت صلاة العيد بعد خروج وقتها لأشبهت الفرائض وقد أجمعوا في سائر السنن أنها لا تقضى فهذه مثلها‏.‏

وأما أبو حنيفة وأصحابه فقد ذكر الطحاوي قال كان بن أبي عمر يحكي أن أبا حنيفة كان يقول إذا لم تدرك صلاة العيد حتى تزول الشمس لم تصل بعد وقال أبو يوسف في الإملاء إذا فاتتهم الصلاة يوم العيد بزوال الشمس صلاها بها إمامهم من الغد ما بينهم وبين الزوال فإن لم يفعل لم يصل بعد هذا في الفطر‏.‏

وأما في الأضحى فيصليها بهم في اليوم الثالث وقال بن سماعة مثل ذلك عن محمد بن الحسن ولم يذكر خلافا وقال الثوري في الفطر يخرجون من الغد‏.‏

وقال أحمد يخرجون في الغد وقال الحسن بن حي لا يخرجون في الفطر ويخرجون في الأضحى قال أبو عمر لأن الأضحى أيام عيد وهي صلاة عيد وليس للفطر صلاة عيد إلا واحد فإذا لم تصل فيه لم تقض في غيره لأنها ليست بفريضة فتقضى وقال الليث بن سعد يخرجون في الفطر والأضحى من الغد وقال الأوزاعي إذا شهد على رؤية هلال شوال بعد الزوال أنهم رأوه بالأمس أفطر الناس ولو كان ذلك قبل مغيب الشمس بيسير وخرجوا إلى مصلاهم من الغد والحجة لمن قال إنها تصلى من الغد حديث هشيم وغيره عن أبي بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة أمه من الأنصار أنهم حدثوه قالوا أغمي علينا هلال شوال فأصبحنا صيام فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوه بالأمس فأمر النبي -عليه السلام- الناس أن يفطروا من يومهم ويخرجوا لصلاتهم من الغد أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمر بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثني شعبة قال حدثني أبو بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له أن قوما رأوا الهلال وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يفطروا بعد ما ارتفع النهار وأن يخرجوا إلى العيد من الغد‏.‏

باب من أجمع الصيام قبل الفجر

593- ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر وعن بن شهاب عن عائشة وحفصة مثل ذلك قال أبو عمر روى بن القاسم وغيره عن مالك قال لا يصوم إلا من بيت من الليل قال ومن أصبح لا يريد الصيام ولم يصب شيئا من الطعام حتى تعالى النهار ثم بدا له أن يصوم لم يجز له صيام ذلك اليوم‏.‏

وقال مالك من بيت الصيام أول ليلة من رمضان أجزأه ذلك عن سائر الشهر‏.‏

وقال مالك من كان شأنه صيام يوم من الأيام لا يدعه فإنه لا يحتاج إلى التبييت لما قد أجمع عليه من ذلك قال ومن قال لله علي أن أصوم شهرا متتابعا فصام أول يوم بنية ذلك أجزأه ذلك عن باقي أيام الشهر ومذهب الليث في هذا كله كمذهب مالك‏.‏

وقال الشافعي لا يجزئ كل صوم واجب من رمضان أو نذر أو غيره إلا بنية قبل الفجر ويجزئ التطوع أن ينويه قبل الزوال وقال الثوري في صوم رمضان يحتاج أن ينويه من الليل كل أيامه وقال الثوري في صوم التطوع إذا نواه في آخر النهار أجزأه قال وقال إبراهيم له أجر ما استقبل وهو قول الحسن بن حي‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إلا زفر لا يجوز صيام رمضان إلا بنية كل يوم محدودة ويجوز أن ينويه قبل الزوال وإن لم ينوه من الليل وهو قول الأوزاعي وقال الوليد بن مزيد قلت للأوزاعي رجل صام يوما من آخر شعبان تطوعا ثم تبين له بعد ذلك أنه من رمضان أيجزئ ذلك عنه من شهر رمضان قال نعم وقد وفق لصيامه وقال زفر يجزئ صوم رمضان بغير نية قال ولو نوى فيه الإفطار إلا أنه أمسك عما يمسك عنه الصائم أجزأه الصوم إلا أن يكون مسافرا أو مريضا يعذر في الإفطار فلا يجوز إلا أن ينويه من الليل وحجته أنه كما لا يجزئ أن يصوم أحد من شعبان أو غيره صوما يستقبل به رمضان كذلك لا يكون صيام رمضان عن غيره لأنه وقت لا يصح فيه غيره ولم يختلف عن مالك وبن القاسم أن المسافر يبيت كل ليلة في شهر رمضان وأنه لا يجزئه الصيام في السفر إلا أن بيته من الليل قال أبو عمر روى الليث بن سعد عن يحيى بن أيوب وروى بن وهب عن بن لهيعة ويحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له قال أبو عمر لم يخص في هذا فرضا ولا سنة من نفل وهذا حديث فرد في إسناده ولكنه أحسن ما روي مرفوعا في هذا الباب والاختلاف في هذا الباب عن التابعين اختلاف كثير ولم يختلف عن بن عمر ولا عن حفصة أنهما قالا لا صيام إلا لمن نواه قبل الفجر وروي عن بن عباس وعلي وبن مسعود وحذيفة وأنس أنهم أجازوا في التطوع أن ينويه بالنهار قبل الزوال وروي عن عائشة فيه حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأتي أهله ويقول هل عندكم من طعام فإن قالوا لا قال وأنا إذا صائم رواه طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله فاختلف عليه فيه فرواه عنه طائفة عن مجاهد عن عائشة وطائفة روته عنه عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين ومنهم من لا يقول فيه إذا ويقول فأنا صائم وتأولوا فيه قال البخاري قالت أم الدرداء كان أبو الدرداء يقول هل عندكم طعام فإن قلت لا قال فإني صائم وقال وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وبن عباس وحذيفة‏.‏

باب ما جاء في تعجيل الفطر

94- ذكر فيه مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر‏.‏

595- وعن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد ذكرناه مسندا في التمهيد وفي هذا فضل تعجيل الفطر وكراهة تأخيره ثم أردف ذلك بما أوضح به التعجيل‏.‏

596- فروي عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا ثم يفطرا بعد الصلاة وذلك في رمضان ورواية معمر لهذا الحديث عن بن شهاب بخلاف هذا اللفظ ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عمر وعثمان كانا يصليان المغرب في رمضان قبل أن يفطرا وقد روي عن بن عباس وطائفة أنهم كانوا يفطرون قبل الصلاة وروى الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن بن المسيب قال كتب عمر إلى أمراء الأجناد ألا تكونوا مسرفين بفطركم ولا منتظرين بصلاتكم اشتباك النجوم وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر لأن اليهود يؤخرون قال أبو عمر أجمع العلماء على أنه إذا حلت صلاة المغرب فقد حل الفطر للصائم فرضا وتطوعا وأجمعوا أن صلاة المغرب من صلاة الليل والله - عز وجل - يقول و‏(‏أتموا الصيام إلى الليل‏)‏ ‏[‏البقرة 187‏]‏‏.‏

حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير ومحمد بن إسماعيل قالا حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا هشام بن عروة قال أخبرني أبي قال سمعت عاصم بن عمر بن الخطاب يحدث عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم‏.‏

باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبا في رمضان

597- ذكر فيه مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن أبي يونس مولى عائشة عن عائشة أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب وأنا أسمع يا رسول الله إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فقال صلى الله عليه وسلم وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم فقال له الرجل يا رسول الله إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي سقط ليحيى في هذا الحديث عن عائشة كذلك رواه عنه عبيد الله ابنه وذكر بن وضاح فيه عائشة كما رواه سائر الرواة عن مالك‏.‏

598- وذكر مالك أيضا عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أنهما قالتا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان ثم يصوم قال أبو عمر الآثار متفقة عن عائشة وأم سلمة وغيرهما بمعنى ما ذكره مالك عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وما أعلم خلافا في ذلك إلا ما يروى عن أبي هريرة وهو قوله من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم وقد وقف على ذلك ما حال فيه على غيره وسنذكره بعد إن شاء الله أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال أخبرنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان عن عمرو عن يحيى بن جدعة قال سمعت عبد الله بن عمرو القارئ قال سمعت أبا هريرة يقول لا ورب هذا البيت ما أنا قلته من أدركه الصبح وهو جنب فلا يصوم محمد ورب الكعبة قاله وروى الليث عن عقيل عن الزهري قال أخبرني عبد الله بن عبد الله بن عمر أنه احتلم ليلا فاستيقظ قبل أن يطلع الفجر ثم نام قبل أن يغتسل فلم يستيقظ حتى أصبح قال فلقيت أبا هريرة حين أصبحت فاستفتيته في ذلك فقال أفطر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا قال عبد الله بن عبد الله بن عمر فجئت عبد الله بن عمر فذكرت الذي أفتاني به أبو هريرة فقال إني أقسم بالله لأن أفطرت لأوجعن متنيك فإن بدا لك أن تصوم يوما آخر فافعل اختلف عن بن شهاب في اسم بن عبد الله بن عمر هذا فقيل عبد الله بن عبد الله بن عمر وقيل عبيد الله بن عبد الله بن عمر وكان ما يروي كلاهما ثقة ثبت قال أبو عمر روي عن أبي هريرة أنه رجع عن هذه الفتوى إلى ما عليه الناس من حديث عائشة ومن وافقها روى عبد الله بن المبارك عن بن أبي ذئب عن سليمان بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أخيه محمد بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول من احتلم أو واقع أهله ثم أدركه الفجر ولم يغتسل فلا يصم قال ثم سمعته نزع عن ذلك وروى منصور عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أن أبا هريرة كف ذلك لحديث عائشة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه نزع أيضا‏.‏

وأما اختلاف العلماء في هذا الباب فالذي عليه فقه جماعة الأمصار بالعراق والحجاز القول بحديث عائشة وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنبا ويصوم ذلك اليوم وهو قول علي وبن مسعود وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وأبي ذر وعبد الله بن عمر وبن عباس ومن الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي والليث وأصحابهم وأحمد وأبو ثور وإسحاق وبن علية وأبو عبيد وداود والطبري وجماعة أهل الحديث وروي عن إبراهيم النخعي وعروة بن الزبير وطاوس أن الجنب في رمضان إذا علم بجنابته فلم يغتسل حتى يصبح فهو مفطر وإن لم يعلم حين يصبح فهو صائم وروي عن الحسن البصري وسالم بن عبد الله أنهما قالا يتم صومه ذلك اليوم ويقضيه إذا أصبح فيه جنبا وقال إبراهيم النخعي في رواية إن ذلك يجزئه في التطوع ويقضي في الفرض وكان الحسن بن حي يستحب لمن أصبح جنبا في رمضان أن يقضي ذلك اليوم وكان يقول يصوم الرجل تطوعا وإذا أصبح جنبا فلا قضاء عليه وكان يدعي على الحائض إذا أدركها الصبح ولم تغتسل أن تقضي ذلك اليوم وذهب عبد الملك بن الماجشون في الحائض إلى نحو هذا المذهب انها إذا طهرت قبل الفجر ثم أخرت غسلها حتى تطلع الشمس فيومها يوم فطر لأنها في بعضه غير طاهرة وليست كالتي تصبح جنبا فتصوم لأن الاحتلام لا ينقض الوضوء والحيض ينقضه قال أبو عمر قول بن الماجشون في التي تؤخر غسلها بعد طهرها قبل الفجر حتى يطلع الفجر ثم تغتسل بعد الفجر أن يومها يوم فطر لأنها كانت في بعضه حائض غفلة شديدة وكيف تكون في بعضه حائضا وقد كمل طهرها قبل الفجر ولذلك أمرت بالغسل ولو لم تكن ما أمرت بالغسل بل هي طاهر فرطت في غسلها فحكمها وحكم الجنب سواء وعلى هذا جمهور العلماء بالحجاز والعراق وهو قول مالك وأصحابه حاشا عبد الملك وقول الشافعي وأبي حنيفة وإسحاق وأحمد وأبي ثور وغيرهم وإنما دخلت الشبهة فيه على بن الماجشون لأن مالكا جعل لها إذا لم تفرط في الحيض من غسلها حكم الحائض وأسقط عنها الصلاة إذا لم تدرك بعد غسلها من غير تفريط مقدار ركعة من وقتها وقد ذكرنا من خالفه من العلماء في ذلك‏.‏

وأما الصيام فالطهر فيه عند العلماء رؤيتها للنقاء ولا يراعون غسلها بالماء فمن طلع بها الفجر طاهرا لزمها صوم ذلك اليوم لأن الصوم ليس من شرطه الاغتسال قال أبو عمر قد ثبت عن النبي في الصائم يصبح جنبا ما فيه غناء واكتفاء عن قول كل أحد ودل كتاب الله تعالى على مثل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قال الله تعالى ‏(‏فالأن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر‏)‏ ‏[‏البقرة 187‏]‏‏.‏

فإذا أبيح الجماع والأكل والشرب حتى يتبين الفجر فمعلوم أن الغسل لا يكون إلا بعد الفجر وقد نزع بهذا جماعة من العلماء منهم ربيعة والشافعي وغيرهما ومن الحجة أيضا في ذلك أن العلماء أجمعوا أن الاحتلام بالنهار لا يفسد الصيام وفي حديث سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة وأم سلمة والحديث الطويل الذي فيه مراجعة مروان لأبي هريرة وهو مذكور في التمهيد على وجهه بما فيه من المعاني من الفقه ما يدل أن الشيء إذا تنوزع فيه رد إلى من يظن به أن يوجد عنده علم منه وذلك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بهذا المعنى وفيه أن من كان عنده علم في شيء وسمع خلافه كان عليه إنكاره من ثقة سمع ذلك أو من غير ثقة حتى يتبين له صحة خلاف ما عنده وفيه أن الحجة القاطعة عند الاختلاف فيما لا نص فيه من كتاب الله سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه اعتراف العالم بالحق وإنصافه إذا سمع الحجة وهكذا أهل العلم والدين وقد ذكرنا في التمهيد وجوها غير هذه من توجيه الحديث قال أبو عمر قد ثبت أن أبا هريرة لم يسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف عليه فيمن أخبره بذلك ففي رواية الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال حدثني الفضل بن عباس رواه معمر وغيره عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن وكذلك رواه جعفر بن ربيعة عن عراك بن عبد الرحمن بن مالك عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وروى المقبري عن أبي هريرة قال حدثنيه بن عباس ورواه عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده عن عائشة وقال فأخبرت أبا هريرة فقال هن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منا حدثني بذلك أسامة بن زيد ذكره النسائي عن جعفر بن مسافر عن بن أبي فديك عن بن أبي ذئب عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن وقد ذكرته بإسناده في التمهيد‏.‏

599- عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يقول كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم فقال مروان أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فسلم عليها ثم قال يا أم المؤمنين إنا كنا عند مروان بن الحكم فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم قالت عائشة ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن أترغب عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع فقال عبد الرحمن لا والله قالت عائشة فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم قال ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة قال فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم فذكر له عبد الرحمن ما قالتا فقال مروان أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فإنها بالباب فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنه ذلك فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة ثم ذكر له ذلك فقال له أبو هريرة لا علم لي بذاك إنما أخبرنيه مخبر‏.‏

600- مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أنهما قالتا إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم‏.‏