فصل: باب وقوف من فاته الحج بعرفة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب من أصاب أهله قبل أن يفيض

823- مالك عن أبي الزبير المكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة‏.‏

824- مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى بن عباس قال لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس أنه قال الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي‏.‏

825- مالك أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول في ذلك مثل قول عكرمة عن بن عباس قال مالك وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر كان مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ قد سمع الاختلاف في ذلك وهو ثلاثة أقوال أحدها قول مالك هذا من وطىء بعد الجمرة قبل الإفاضة فعليه عمرة وهدي وهو قول عكرمة وبه قال ربيعة وفيه رواية عن بن عباس وإليه ذهب أحمد بن حنبل فيما ذكر عنه الأثرم والثاني أنه ليس عليه إلا هدي بدنة وحجهما تام هذا هو الصحيح عن بن عباس روي عنه من وجوه وبه قال عطاء والشعبي وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وداود‏.‏

وقال الشافعي يجزئه ما استيسر من الهدي والثالث أن حجه فاسد وعليه حجة قابل والهدي وهو قول بن عمر روى هشيم قال أخبرنا جعفر بن إياس قال أخبرنا علي البارقي أن رجلا من أهل عمان حج مع امرأته فلما قضيا وحلق الرجل رأسه ولبس الثياب وذبح ظن أنه قد حل له كل شيء فوقع بامرأته قبل أن يطوف بالبيت فانطلقت به إلى بن عمر فذكرت ذلك له فقال اقضيا ما بقي عليكما من نسككما وعليكما الحج في قابل قال قلت يا أبا عبد الرحمن إنهما من أهل عمان بعيد الشقة فلم يزدني على ذلك وقال الحسن البصري وبن شهاب الزهري وهو معنى قول عمر بن الخطاب فيمن رمى جمرة العقبة أنه قد حل له كل ما حرم عليه إلا النساء والطيب قال أبو عمر قد اختلف في الطيب ولم يختلفوا أن النساء عليه حرام وإلى هذا ذهب إسماعيل بن إسحاق القاضي وأبو الفرج عمرو بن محمد المالكي قالا من وطىء قبل الإفاضة فسد حجه سواء كان قبل رمي الجمرة أو بعده لأن وطء النساء عليه حرام حتى يطوف طواف الإفاضة المفترض عليه وقد ذكرنا فيما تقدم رواية أبي حازم وأبي مصعب فيمن وطىء بعد يوم النحر قبل رمي الجمرة وذكرنا الإجماع فيمن وطىء قبل الوقوف بعرفة وتحصيل مذهب بن القاسم عن مالك أن من وطىء بعد يوم النحر وإن لم يرم الجمرة فليس عليه إلا الهدي والعمرة خاصة وإنما يكون عندهم الهدي إذا وطىء بعد رمي الجمرة يوم النحر قبل الإفاضة قال عبد الملك بن الماجشون إنما جعل مالك عليه العمرة مع الهدي ليكون طوافه بالبيت في إحرام صحيح قال إسماعيل هذا قول ضعيف لأن إحرامه لعمرة يوجب عليه طوافا لها وسعيا فكيف يكون الطواف للعمرة والإفاضة معا‏.‏

وأما قول مالك في هذا الباب وسئل عمن نسي الإفاضة حتى خرج من مكة ورجع إلى بلاده فقال أرى إن لم يكن أصاب النساء فليرجع فليفض وإن كان أصاب النساء فليرجع فليفض ثم ليعتمر وليهد ولا ينبغي له أن يشتري هديه من مكة وينحره بها ولكن إن لم يكن ساقه معه من حيث اعتمر فليشتره بمكة ثم ليخرجه إلى الحل فليسقه منه إلى مكة ثم ينحره بها قال أبو عمر قد تقدم القول فيمن نسي الإفاضة في بابه من هذا الكتاب وفي هذا الباب الجواب على من أصاب النساء قبل أن يفيض على مذهب العلماء في ذلك وقد تقدم أيضا التعريف بالهدي وما للسلف في ذلك من الاختيار‏.‏

باب ما استيسر من الهدي

826- مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يقول ما استيسر من الهدي شاة‏.‏

827- مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما استيسر من الهدي شاة قال مالك وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏‏.‏

فمما يحكم به في الهدي شاة وقد سماها الله هديا وذلك الذي لا اختلاف فيه عندنا وكيف يشك أحد في ذلك وكل شيء لا يبلغ أن يحكم فيه ببعير أو بقرة فالحكم فيه شاة وما لا يبلغ أن يحكم فيه بشاة فهو كفارة من صيام أو إطعام مساكين قال أبو عمر قد أحسن مالك في احتجاجه هذا وأتى بما لا مزيد لأحد فيه وجها حسنا في معناه وعليه جمهور أهل العلم وعليه تدور فتوى فقهاء الأمصار بالعراق والحجاز فيما استيسر من الهدي وكان بن عمر يقول ‏(‏فما استيسر من الهدي‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

بدنة دون بدنة وبقرة دون بقرة وقد روي عن عائشة مثل ذلك ذكر سنيد عن هشيم قال أخبرنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة وبن عمر أنهما قالا ‏(‏فما استيسر من الهدي‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

الناقة ثم الناقة والبقرة دون البقرة وكان بن عمر يقول الصيام للمتمتع أحب إلي من الشاة رواه وبرة بن عبد الرحمن وعطاء عن بن عمر وروى عنه صدقة بن يسار أنه قال الشاة أحب إلي من البدنة وعن حماد بن زيد عن أبي جمرة عن بن عباس قال ‏(‏فما استيسر من الهدي‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

ناقة أو بقرة أو شرك في دم‏.‏

828- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول ‏(‏فما استيسر من الهدي‏)‏ بدنة أو بقرة قال أبو عمر هذا قول مجمل يفسره ما ذكرنا عنه عن عائشة ومعلوم أن أعلى الهدي بدنة فكيف يكون ما استيسر من الهدي إلا أن معناه ما ذكرنا وبالله توفيقنا‏.‏

829- مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن مولاة لعمرة بنت عبد الرحمن يقال لها رقية أخبرته أنها خرجت مع عمرة بنت عبد الرحمن إلى مكة قالت فدخلت عمرة مكة يوم التروية وأنا معها فطافت بالبيت وبين الصفا والمروة ثم دخلت صفة المسجد فقالت أمعك مقصان فقلت لا فقالت فالتمسيه لي فالتمسته حتى جئت به فأخذت من قرون رأسها فلما كان يوم النحر ذبحت شاة قال أبو عمر ليس في هذا الخبر ما يحتاج إلى القول لأن الشاة دون الحلاب لا خلاف في ذلك وإنما أدخل مالك هذا الحديث شاهدا على ما استيسر من الهدي شاة لأن المتمتع قد فرض الله عليه ما استيسر من الهدي لقوله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

وعمرة كانت متمتعة لا شك فيه وللمتمتع أن يؤخر الذبح إلى يوم النحر وفي أخذ عمرة من قرون رأسها في المسجد دليل على طهارة شعر الإسلام وعلى هذا جمهور العلماء في طهارة شعور بني آدم وقد كان للشافعي فيه قول رجع عنه إلى ما عليه الجمهور بدليل حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر رأسه في حجته وأنه أعطاه أبا طلحة وغيره ولو كان نجسا ما وهبه لهم ولا ملكهم إياه‏.‏

وأما قوله ‏(‏من قرون رأسها‏)‏ فالقرون هنا الضفائر ويستحب أن تأخذ المرأة من كل ضفيرة قدرا ممكنا فتعم بالتقصير ضفائرها وإن لم تفعل جزا عنها أقل ما يقع عليه اسم تقصير من شعرها‏.‏

باب جامع الهدي

830- مالك عن صدقة بن يسار المكي أن رجلا من أهل اليمن جاء إلى عبد الله بن عمر وقد ضفر رأسه فقال يا أبا عبد الرحمن إني قدمت بعمرة مفردة فقال له عبد الله بن عمر لو كنت معك أو سألتني لأمرتك أن تقرن فقال اليماني قد كان ذلك فقال عبد الله بن عمر خذ ما تطاير من رأسك وأهد فقالت امرأة من أهل العراق ما هديه يا أبا عبد الرحمن فقال هديه فقالت له ما هديه فقال عبد الله بن عمر لو لم أجد إلا أن أذبح شاة لكان أحب إلي من أن أصوم قال أبو عمر في هذا الحديث أن للمحرم أن يضفر رأسه إلا أن من ضفر أو لبد أو عقص فعليه الحلاق عند عمر بن الخطاب وعند جماعة من العلماء بعده لما في التضفير من وقاية الرأس لأن لا يصل الغبار إلى جلده وفي هذا الحديث دليل على أن القرآن كان عند بن عمر أولى من التمتع وقد كان في أول أمره يفضل التمتع ثم رجع إلى هذا وقال ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت مع العمرة الحج‏.‏

وأما قول اليماني ‏(‏قد كان ذلك‏)‏ أي قد فات القران لأنه والله أعلم سأله بعد أن طاف وسعى لعمرته ولا سبيل إلى القران بعد ذلك لأن الحج لا يدخل على العمرة إلا قبل ذلك‏.‏

وأما أمر بن عمر اليماني بالتقصير وقد ضفر فإنما ذلك والله أعلم لأنه رأى عليه حلق رأسه يوم النحر في حجه الذي تمتع بالعمرة إليه فأراد أن لا يحلق في العمرة ليحلق في الحج‏.‏

وأما قوله ‏(‏فأهد‏)‏ فإنه يريد هدي متعته ثم سئل ‏(‏ما الهدي‏)‏ فقال إن لم أجد إلا شاة لكان أحب إلي من الصوم فهذا يرد رواية من روى عنه الصيام أحب إلي من الشاة ورواية مالك عن صدقة بن يسار هذه أصح عنه لأنه معروف من مذهبه تفضيل إراقة الدماء في الحج على سائر الأعمال ويروى ‏(‏ما هديه‏)‏‏.‏

وأما هديه وهو الأولى لأنه مما يهدي إلى الله عز وجل وعلى نحو هذا قول عبد الله بن مسعود الصلاة أفضل من الصدقة والصدقة أفضل من الصوم‏.‏

831- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول المرأة المحرمة إذا حلت لم تمتشط حتى تأخذ من قرون رأسها وإن كان لها هدي لم تأخذ من شعرها شيئا حتى تنحر هديها إنما قال هذا لأن الحلاق نسك يحل لمن رمى الجمرة إلقاء التفث كله وهو الشعث ومن لم يجعل الحلاق من النسك وجعله أول الحل فهو مذهب سنذكره في باب الحلاق إن شاء الله‏.‏

وأما من حلق قبل أن ينحر فقد قدم وأخر وتقديم الأفعال المفعولة يوم النحر وتأخيرها لا حرج فيه وسنذكر ما في ذلك للعلماء من المذاهب في هذا الكتاب إن شاء الله‏.‏

832- مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقول لا يشترك الرجل وامرأته في بدنة واحدة ليهد كل واحد بدنة بدنة قال أبو عمر إن كان أراد أن من وطىء امرأته في الحج لا يجزئهما بدنة واحدة فقد مضى مذهبه ومذهب من خالفه في ذلك وإن كان أراد الاشتراك في النسك كله من ضحية أو هدي فقد اختلف قوله في هدي التطوع فمرة أجاز الاشتراك فيه ومرة لم يجزه ولم يختلف قوله إنه لا يجوز الاشتراك في الهدي الواجب وسنذكر في كتاب الضحايا مذهبه في الاشتراك في الضحايا كيف هو عنده‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما يجوز أن يشترك سبعة في بدنة ويجزيهم بعد أن يكون على كل واحد منهم شاة بوجوه مختلفة من جزاء صيد ومن إحصار أو تمتع أو من غير ذلك وقال زفر لا يجزئ حتى تكون الجهة الموجبة للهدي عليهم واحدة فإما جزاء صيد كله وإما تطوع كله فإن اختلف لم يجزه وقالوا وإن كان فيهم ذمي أو من لا يريد أن يهدي فلا يجزئهم من الهدي‏.‏

وقال أبو ثور إن كان أحد السبعة المشتركين في الهدي ذميا أو من يريد حصته من اللحم ولا يريد الهدي أجزأ من أراد الهدي ويأخذ الباقون حصصهم من اللحم قال أبو عمر ذكر بن وهب عن مالك في موطئه قال إنما العمرة التي يتطوع الناس بها فإن ذلك يجوز فيها الاشتراك في الهدي‏.‏

وأما كل هدي واجب في عمرة أو ما أشبهها فإنه لا يجوز الاشتراك فيه قال وإنما اشتركوا يوم الحديبية لأنهم كانوا معتمرين تطوعا وقال بن القاسم لا يشترك في الهدي الواجب ولا في التطوع عند مالك قال مالك إذا قلد الهدي وأشعره ثم مات وجب إخراجه على ورثته من رأس المال ولم يرثوه وهو قول الشافعي وأبي يوسف‏.‏

وقال أبو حنيفة ومحمد يكون ميراثا‏.‏

وقال مالك من قلد الهدي لا يجوز له بيعه ولا هبته ولا بدله وكذلك الأضحية إذا أوجبها ونعلها فإن لم يفعل كان له بدلها بأحسن منها‏.‏

وقال أبو حنيفة جائز له بيعها لهدي وعليه بدله وقال الثوري لا بأس أن يبدل الرجل هديه الواجب ولا يبدل التطوع وقال الأوزاعي له أن يبدل هدية إذا قلده وأشعره ما لم يتكلم بفرضه وسئل مالك عمن بعث معه بهدي ينحره في حج وهو مهل بعمرة هل ينحره إذا حل أم يؤخره حتى ينحره في الحج ويحل هو من عمرته فقال بل يؤخره حتى ينحره في الحج ويحل هو من عمرته قال أبو عمر إنما قال كذلك لقول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏ثم محلها إلى البيت العتيق‏)‏ ‏[‏الحج 33‏]‏‏.‏

وقال ‏(‏هديا بالغ الكعبة‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏‏.‏

يعني أيام النحر وسائر أيام الذبح إلا بمنى ومكة إلا أن الاختيار أن يذبح الحاج بمنى والمعتمر بمكة ومن ذبح بمكة من الحاج لم يخرج ولا يذبح بمنى إلا أيام منى وسائر السنة بمكة ولما لم يكن هذا الهدي للمعتمر وإنما بعث به معه لم يرتبط نحره بشيء من عمرته قال مالك والذي يحكم عليه بالهدي في قتل الصيد أو يجب عليه هدي في غير ذلك فإن هديه لا يكون إلا بمكة كما قال الله تبارك وتعالى ‏(‏هديا بالغ الكعبة‏)‏‏.‏

وأما ما عدل به الهدي من الصيام أو الصدقة فإن ذلك يكون بغير مكة حيث أحب صاحبه أن يفعله فعلة قال أبو عمر أجمع العلماء أن الكعبة البيت الحرام وهو البيت العتيق لا يجوز لأحد فيه ذبح ولا نحر وكذلك المسجد الحرام فدل ذلك على أن معنى قوله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏هديا بالغ الكعبة‏)‏ أنه أراد الحرم يعني مساكين الحرم أو أراد مكة لمساكينها رفقا بجيران بيت الله وإحسانا إليهم وهم أهل الحرم على هذين القولين العلماء في قول الله عز وجل ‏(‏هديا بالغ الكعبة‏)‏‏.‏

وأما قوله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

فليس ذلك عند اكثر العلماء وسنذكر ما لهم في ذلك كله إن شاء الله ‏(‏عز وجل‏)‏ وكان مالك يذهب إلى أن معنى قوله تعالى ‏(‏هديا بالغ الكعبة‏)‏ أنه عنى مكة ولم يرد الحرم قال أبو عمر لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحاج مكة وطرقها منحر دل على أنه أراد مكة والله أعلم قال مالك من نحر هديه في الحرم لم يجزه أن ينحره إلا بمكة‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي إن نحره في الحرم أجزاه وهو قول عطاء وقال الطبري يجوز نحر الهدي حيث شاء المهدي إلا هدي القران وجزاء الصيد فإنه لا ينحره إلا في الحرم‏.‏

وقال مالك إذا نحر هدي التمتع أو الهدي التطوع قبل يوم النحر لم يجزه‏.‏

وقال أبو حنيفة في الهدي التمتع كقول مالك وخالفه في التطوع فجوزه قبل يوم النحر‏.‏

وقال الشافعي يجزئ نحر الجميع قبل يوم النحر‏.‏

وأما قوله ‏(‏وأما ما عدل به الهدي من الصيام والصدقة فإنه يكون بغير مكة حيث أحب صاحبه أن يفعله فعله‏)‏ فلا خلاف في الصيام أن يصوم حيث شاء لأنه لا منفعة في ذلك لأهل الحرم ولا لأهل مكة‏.‏

وأما الصدقة فلا تكون عند الشافعي والكوفيين إذا كانت بدلا من جزاء الصيد إلا بمكة لأهلها حيث يكون النحر ومعلوم أن النحر في العمرة بمكة وفي الحج بمنى وهما جميعا حرم فالحرم كله منحر عندهم وفي العتبية ليحيى بن يحيى عن بن وهب مثل قول مالك في موطئه أن الإطعام كالصيام يجوز بغير مكة وفي الأسدية لابن القاسم عن مالك قال لا يطعم إلا في الموضع الذي أصاب فيه الصيد قال أبو عمر هذا خلاف الجمهور ولا وجه له‏.‏

833- مالك عن يحيى بن سعيد عن يعقوب بن خالد المخزومي عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر أنه أخبره أنه كان مع عبد الله بن جعفر فخرج معه من المدينة فمروا على حسين بن علي وهو مريض بالسقيا فأقام عليه عبد الله بن جعفر حتى إذا خاف الفوات خرج وبعث إلى علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وهما بالمدينة فقدما عليه ثم إن حسينا أشار إلى رأسه فأمر علي برأسه فحلق ثم نسك عنه بالسقيا فنحر عنه بعيرا قال يحيى بن سعيد وكان حسين خرج مع عثمان بن عفان في سفره ذلك إلى مكة قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على صحة ما ذهب إليه مالك في أن من كان عليه من الدماء في فديه الأذى لمن اختار النسك في ذلك دون الإطعام والصيام جائز أن يذبح ذلك النسك بغير مكة‏.‏

وأما نحر علي عن حسين ابنه ‏(‏رضي الله عنهما‏)‏ في حلقه رأسه بعيرا فذلك أفضل ما يفعل في ذلك والشاة كانت تجزيه كما قال النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ لكعب بن عجرة وانسك بشاة وفي ترك عبد الله بن جعفر لحسين مريضا دليل على أنه خاف فوت الحج وكذلك تركه وأيقن أن أباه سيلحقه فلحقه أبوه مع امرأته لأن النساء ألطف بتمريض المرضى وكانت أسماء بنت عميس كأمه زوجة لأبيه فلذلك أتى بها علي أبوه ‏(‏رضي الله عنهما‏)‏ لتمرضه وفي هذا الحديث دليل على أن الأخرس وغير الأخرس في تتبع الكلام سواء إذا فهمت إشارته قامت مقام كلامه لو تكلم والله أعلم‏.‏

53- باب الوقوف بعرفة والمزدلفة‏.‏

834- مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عرفه كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر‏.‏

835- مالك عن هشام بن عروة عن عبد الله بن الزبير أنه كان يقول اعلموا أن عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة وأن المزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر قال أبو عمر هذا الحديث يتصل من حديث جابر وبن عباس وعلي بن أبي طالب وقد ذكرنا طرقه في التمهيد وأكثرها ليس فيها ذكر بطن عرنة وإسناده صحيح عند الفقهاء وهو محفوظ من حديث أبي هريرة ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة ومزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر ومنى كلها منحر وللحاج مكة كلها منحر قال‏.‏

وأخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة وجمع كلها موقف إلا بطن محسر قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن أيوب عن بن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير قال سمعته يقول عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة وجمع كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر قال بن وهب سألت سفيان بن عيينة عن عرنة فقال موضع الممر في عرفة ثم ذلك الوادي كله قبلة المسجد إلى العلم الموضع للحرم بطريق مكة‏.‏

وقال الشافعي عرفة ما جاوز وادي عرنة الذي فيه المسجد ووادي عرنة من عرفة إلى الجبال المقابلة على عرفة كلها مما يلي حوائط بني عامر وطريق حضن فإذا جاوزت ذلك فليس بعرفة وقال بن شعبان عرفة كل سهل وجبل أقبل على الموقف فيما بين التلعة إلى أن يفضوا إلى طريق نعمان وما أقبل من كبكب من عرفة واختلف العلماء فيمن وقف من عرفة بعرنة فقال مالك فيما ذكر بن المنذر عنه يهريق دما وحجة تام قال أبو عمر روى هذه الرواية عن مالك خالد بن نزار قال أبو مصعب إنه كمن لم يقف وحجة فائت وعليه الحج من قابل إذا وقف ببطن عرنة وروي عن بن عباس قال من أفاض من عرنة فلا حج له وقال القاسم وسالم من وقف بعرنة حتى دفع فلا حج له وذكر بن المنذر هذا القول عن الشافعي قال وبه أقول لأنه لا يجزئه أن يقف مكانا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقف به قال أبو عمر من أجاز الوقوف ببطن عرنة قال إن الاستثناء لبطن عرنة من عرفة لم يجيء مجيئا تلزم حجته لا من جهة النقل ولا من جهة الإجماع والذي ذكره المزني عن الشافعي قال ثم يركب فيروح إلى الموقف عند الصخرات ثم يستقبل القبلة بالدعاء قال وحيثما وقف الناس من عرفة أجزأهم لأن النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ قال هذا موقف وكل عرفة موقف ومن حجة من ذهب مذهب أبي المصعب أن الوقوف بعرفة فرض مجتمع عليه في موضع معين فلا يجوز أداؤه إلا بيقين ولا يقين مع الاختلاف‏.‏

وأما قوله ‏(‏عليه السلام‏)‏ والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر فالمزدلفة عند العلماء مما يلي عرفة إلا أن يأتي وادي محسر عن اليمين والشمال من تلك البطون والشعاب والجبال كلها وليس المأزمان من المزدلفة‏.‏

وأما وادي محسر فهو من المزدلفة فكل من وقف بعرفة للدعاء ارتفع عن بطن عرنة كذلك من وقف صبيحة يوم النحر للدعاء بالمشعر الحرام وهو المزدلفة وهو جمع ثلاثة أسماء لمكان واحد وارتفع عن وادي محسر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسرع السير في بطن محسر أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني أحمد بن جعفر قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني وكيع قال حدثني سفيان عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أوضع في وادي محسر قال أبو عمر الإيضاع سرعة السير وسنذكر في الباب بعد هذا حكم من لم يقف بالمزدلفة ومن لم يبت بها وما للعلماء في ذلك من المذاهب بعد ذكر مذاهبهم فيمن فاته الوقوف بعرفة بحول الله تعالى قال مالك قال الله تبارك وتعالى ‏(‏فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج‏)‏ ‏[‏البقرة 197‏]‏‏.‏

قال فالرفث إصابة النساء والله أعلم قال الله تبارك وتعالى ‏(‏أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم‏)‏ ‏[‏البقرة 187‏]‏‏.‏

قال والفسوق الذبح للأنصاب والله أعلم قال الله تبارك وتعالى ‏(‏أو فسقا أهل لغير الله به‏)‏ ‏[‏الأنعام 145‏]‏‏.‏

قال والجدال في الحج أن قريشا كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة بقزح وكانت العرب وغيرهم يقفون بعرفة فكانوا يتجادلون يقول هؤلاء نحن أصوب ويقول هؤلاء نحن أصوب فقال الله تعالى ولكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم‏)‏ ‏[‏الحج 67‏]‏‏.‏

فهذا الجدال فيما نرى والله أعلم وقد سمعت ذلك من أهل العلم قال أبو عمر أما الرفث ها هنا فهو مجامعة النساء عند أكثر العلماء‏.‏

وأما الفسوق والجدال فقد اختلف فيه قرأت على أبي عبد الله محمد بن عبد الملك أن عبد الله بن مسرور حدثهم قال حدثني يحيى بن مسكين قال حدثني محمد بن عبد الله بن سنجر الجرجاني قال حدثني محمد بن يوسف الفريابي وقبيصة قالا حدثني سفيان الثوري قال حدثني خصيف عن مقسم عن بن عباس قال الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه قال‏.‏

وحدثني الفريابي قال حدثني بن عيينة عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس في قوله تعالى ‏(‏فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج‏)‏ قال الرفث الذي ذكرها هنا ليس بالرفث الذي ذكر في المكان الآخر ولكنه التعريض بذكر الجماع قال بن سنجر‏.‏

وحدثني أبو نعيم قال حدثني الأعمشي قال حدثني زيد بن الحصين عن رفيع أبي العالية قال خرجنا مع بن عباس حجاجا فأحرم واحد منا ثم نزل يسوق الإبل وهو يرتجز ويقول‏:‏

وهن يمشين بنا هميسا *** إن تصدق الطير ننك لميسا

فقلت يا بن عباس ألست محرما قلت بلى قلت فهذا الكلام الذي تكلمت به قال إنه لا يكون الرفث إلا ما واجهت به النساء وليس معنا نساء وقال بن سنجر حدثني يعلى بن عبيد وأحمد بن خالد الذهبي قالا حدثني محمد بن إسحاق عن نافع عن بن عمر قال الرفث جماع النساء والفسوق ما أصاب من محارم الله تعالى من صيد أو غيره والجدال السباب والمشاتمة وقال مجاهد مثل ذلك في الرفث والفسوق وقال في الجدال قد استقام أمر الحاج فلا يتجادل في أمر الحج هذه رواية خصيف وبن جريج وعبد الكريم عن مجاهد وروى سالم الأفطس عن مجاهد وسعيد بن جبير قال الرفث المجامعة والفسوق جميع المعاصي والجدال أن تماري صاحبك وكذلك روى أبو يحيى القتات عن مجاهد روى الثوري عن الأعمش قال الرفث الجماع والفسوق السباب والجدال المراء ورواه بن وهب عن يزيد عن نافع عن بن عمر قال الجدال السباب والمراء والخصومات والرفث إتيان النساء والتكلم بذلك الرجال والنساء فيه سواء والفسوق المعاصي في الحرم وعن محمد بن كعب وبن شهاب مثله إلا أنهما قالا الفسوق المعاصي‏.‏

باب وقوف الرجل وهو غير طاهر ووقوفه على دابة

836- سئل مالك هل يقف الرجل بعرفة أو بالمزدلفة أو يرمي الجمار أو يسعى بين الصفا والمروة وهو غير طاهر فقال كل أمر تصنعه الحائض من أمر الحج فالرجل يصنعه وهو غير طاهر ثم لا يكون عليه شيء في ذلك والفضل أن يكون الرجل في ذلك كله طاهرا ولا ينبغي له أن يتعمد ذلك قال أبو عمر الأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للحائض والنفساء افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني عبد الرحمن بن القاسم قال أخبرني أبي أنه سمع عائشة تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبا منها حضت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال ما لك تبكين أحضت قلت نعم قال إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت وقد ذكرنا في أول هذا الكتاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بمثل هذا أسماء بنت عميس وهي نفساء وهو أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه والقول فيه ما قاله مالك وغيره أن كل ما يصنعه الحاج من أمر الحاج وهو عمل الحج كله إلا الطواف بالبيت يفعله كل من ليس على طهارة عند جماعة العلماء والحمد لله وسئل مالك عن الوقوف بعرفة للراكب أينزل أم يقف راكبا فقال بل يقف راكبا إلا أن يكون به أو بدابته علة فالله أعذر بالعذر قال أبو عمر إنما قال ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة راكبا ولم يزل كذلك إلى أن دفع منها بعد غروب الشمس وأردف أسامة بن زيد وهذا محفوظ في حديث علي بن أبي طالب ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ وفي حديث بن عباس أيضا وفي حديث أسامة أنه كان يسير العنف فإذا وجد فجوة أو فرجة نص وفي حديث يزيد بن سفيان قال أتانا بن مربع الأنصاري ونحن بعرفة فقال إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يقول لكم قفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم ‏(‏عليه السلام‏)‏ ولا خلاف علمته بين العلماء في أن الوقوف بعرفة راكبا لمن قدر عليه أفضل فمن قدر على ذلك وإلا وقف على رجليه داعيا ما دام يقدر ولا حرج عليه في الجلوس إذا لم يقدر على الوقوف وفي الوقوف راكبا مباهاة وتعظيم للحج ‏(‏ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب‏)‏ ‏[‏الحج 32‏]‏‏.‏

قال بن وهب في موطئه قال لي مالك الوقوف بعرفة على الدواب والإبل أحب إلي من أن أقف قائما قال ومن وقف قائما فلا بأس أن يستريح‏.‏

باب وقوف من فاته الحج بعرفة

837- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول من لم يقف بعرفة من ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة من قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج‏.‏

838- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال من أدركه الفجر من ليلة المزدلفة ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج قال أبو عمر ليلة المزدلفة هي ليلة يوم النحر وهي الليلة التي يبيتون فيها بالمزدلفة بعد أن يأتوها من عرفة فيجمعون فيها بين المغرب والعشاء ويبيتون بها ويصلون الصبح ثم يدفعون منها إلى منى وذلك يوم النحر وهذا الذي ذكره مالك عن بن عمر وعروة هو قول جماعة أهل العلم قديما وحديثا لا يختلفون وقد روي به أثر مسند عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يروه أحد من الصحابة إلا رجلا يدعى عبد الرحمن بن يعمر الديلي أخبرنا عبد الله بن محمد بن أمية قال حدثني حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم قال حدثني وكيع قال حدثني سفيان - يعني الثوري - عن بكير عن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة وأتاه أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج عرفة من أدركها قبل أن يطلع الفجر فقد تم حجه ورواه بن عيينة عن بكير عن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحج عرفات فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك وأيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه قال أبو عمر لم تختلف الآثار ولا اختلف العلماء في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر جميعا بعرفة ثم ارتفع فوقف بجبالها داعيا إلى الله تعالى ووقف معه كل من حضره إلى غروب الشمس وأنه لما استيقن غروبها وبان له ذلك دفع منها إلى المزدلفة وأجمعوا على أنه كذلك سنة الوقوف بعرفة والعمل بها وأجمعوا على أن من وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزوال ثم أفاض منها قبل الزوال أنه لا يعتد بوقوفه قبل الزوال وأنه إن لم يرجع فيقف بعد الزوال أو يقف من ليلته تلك أقل وقوف قبل الفجر فقد فاته الحج ثم اختلفوا فيما على من وقف في عرفة بعد الزوال مع الإمام ثم دفع منها قبل غروب الشمس فقال مالك إن دفع منها قبل أن تغيب الشمس فعليه الحج قابلا وإن دفع منها بعد غروب الشمس قبل الإمام فلا شيء عليه وعند مالك أن من دفع من عرفة قبل غروب الشمس ثم عاد إليها قبل الفجر أنه لا دم عليه وقال سائر العلماء من وقف بعرفة بعد الزوال فحجه تام وإن دفع قبل غروب الشمس إلا إنهم اختلفوا في وجوب الد م عليه إن رجع فوقف ليلا فقال الشافعي إن عاد إلى عرفة حتى يدفع بعد مغيب الشمس فلا شيء عليه وإن لم يرجع حتى يطلع الفجر أجزأت حجته وأهراق دما‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري إذا أفاض من عرفة قبل غروب الشمس أجزاه حجه وكان عليه لتركه الوقوف إلى غروب الشمس دم وإن دفع بعد غروب الشمس لم يسقط عنه الدم وكذلك قال أبو ثور وأحمد وإسحاق وداود مثل قول الشافعي وبه قال الطبري وهو قول عطاء وعامة العلماء في الدم وتمام الحج إلا أن الحسن البصري وبن جريج قالا لا يجزئه إلا بدنة قال أبو عمر الحجة لهم في ذلك حديث عروة بن مضرس الطائي وهو حديث ثابت صحيح رواه جماعة من أصحاب الشعبي الثقات عن الشعبي عن عروة بن مضرس منهم إسماعيل بن أبي خالد وداود بن أبي هند وزكريا بن أبي زائدة ومطرف أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني حمزة بن محمد قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال حدثني خالد عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال سمعت الشعبي يقول حدثني عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بجمع فقلت هل لي من حج فقال من صلى معنا هذه الصلاة ومن وقف معنا هذا الموقف حتى نفيض وأفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجة وقضى تفثه حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبو نعيم قال حدثني زكريا بن أبي زائدة عن عامر قال حدثني عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام أنه حج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يدرك الناس إلا ليلا وهو بجمع فانطلق إلى عرفات ليلا فأفاض منها ثم رجع إلى جمع فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أعملت نفسي وأنصبت راحلتي فهل لي من حج فقال من صلى معنا الغداة بجمع ووقف معنا حتى نفيض وقد أفاض من عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد عن إسماعيل قال حدثني عامر قال أخبرني عروة بن مضرس الطائي قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف يعني بجمع فقلت جئت يا رسول الله من جبلي طيء أكلت مطيتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات من قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه قال أبو عمر هذا الحديث يقضي بأن من لم يأت عرفات ولم يفض منها ليلا أو نهارا فلا حج له ومن أفاض منها ليلا أو نهارا فقد تم حجه واجمعوا على أن المراد بقوله في هذا الحديث نهارا لم يرد به ما قبل الزوال فكان ذلك بيانا شافيا وقال إسماعيل بن إسحاق إنما في حديث عروة بن مضرس إعلام منه صلى الله عليه وسلم أن الوقوف بالنهار لا يضره إن فاته لأنه لما قيل ليلا أو نهارا والسائل يعلم أنه إذا وقف بالنهار فقد أدرك الوقوف بالليل فاعلم أنه إذا وقف بالليل وقد فاته الوقوف بالنهار أن ذلك لا يضره وأنه قد تم حجه لا أنه أراد بهذا القول أن يقف بالنهار دون الليل قال ولو حمل هذا الحديث على ظاهره كان من لم يدرك الصلاة بجمع قد فاته الحج وقال أبو الفرج معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عروة بن مضرس وقد أفاض قبل ذلك من عرفة ليلا أو نهارا أراد والله أعلم ليلا أو نهارا وليلا فسكت عن أن يقول وليلا لعلمه بما قدم من فعله لأنه وقف نهارا وأخذ من الليل فكأنه أراد بذكر النهار اتصال الليل به قال وقد يحتمل أن يكون قوله ليلا أو نهارا في معنى ليلا ونهارا فتكون أو بمعنى الواو قال أبو عمر لو كان كما ذكر لكان الوقوف واجبا ليلا ونهارا ولم يغن أحدهما عن صاحبه وهذا لا يقوله أحد وقد أجمع المسلمون أن الوقوف بعرفة ليلا يجزئ عن الوقوف بالنهار إلا أن فاعل ذلك عندهم إذا لم يكن مراهقا ولم يكن له عذر فهو مسيء ومن أهل العلم من رأى عليه دما ومنهم من لم ير شيئا عليه وجماعة العلماء يقولون إن من وقف بعرفة ليلا أو نهارا بعد زوال الشمس من يوم عرفة أنه مدرك للحج إلا مالك بن أنس فإنه انفرد بقوله الذي ذكرناه عنه ويدل على أن مذهبه والفرض عنده الوقوف بالليل دون النهار وعند سائر العلماء الليل والنهار في ذلك سواء إذا كان بعد الزوال والسنة أن يقف كما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم نهارا يتصل له بالليل ولا خلاف بين العلماء أن الوقوف بعرفة فرض على ما ذكرنا من تنازعهم في الوقت المفترض‏.‏

وأما قوله في حديث عروة بن مضرس من أدرك معنا هذه الصلاة يعني صلاة الصبح بجمع وكان قد أتى قبل ذلك عرفات ليلا أو نهارا فإن ظاهر هذا اللفظ يوجب أن مشاهدة المشعر الحرام وإدراك الصلاة فيه من فرض الحج وقد اختلف العلماء في ذلك فكان علقمة بن قيس وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري وروي ذلك عن بن الزبير وهو قول الأوزاعي أنهم قالوا من لم يزل بالمزدلفة وفاته الوقوف بها فقد فاته الحج ويجعلها عمرة وروي عن الثوري مثل ذلك والأصح عنه أن الوقوف بها سنة مؤكدة وقال حماد بن أبي سليمان من فاتته الإفاضة من جمع فقد فاته الحج فليحل بعمرة ثم ليحج قابلا وحجة من قال بهذا القول ظاهر قول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام‏)‏ ‏[‏البقرة 198‏]‏‏.‏

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك جمعا وكان قد أدرك قبل ذلك عرفات فقد أدرك‏.‏

وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق الوقوف بالمزدلفة من سنن الحج المؤكدة وليس من فروضها وتفصيل أقوالهم في ذلك أن مالكا قال من لم ينخ بالمزدلفة ولم ينزل فيها وتقدم إلى منى ورمى الجمرة فإنه يهريق دما فإن نزل بها ثم دفع منها في أول الليل أو وسطه أو آخره وترك الوقوف مع الإمام فقد أجزأ ولا دم عليه وقال الثوري من لم يقف بجمع ولم ينزل منها ليلة النحر فعليه دم وهو قول عطاء في رواية وقول الزهري وقتادة وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا ترك الوقوف بالمزدلفة فلم يقف بها ولم يمر بها ولم يبت بها فعليه دم قالوا وإن بات بها وتعجل في الليل رجع إذا كان خروجه من غير عذر حتى يقف مع الإمام أو يصبح بها فإن لم يفعل فعليه دم قالوا وإن كان مريضا أو ضعيفا أو غلاما صغيرا فتقدموا بالليل من المزدلفة فلا شيء عليهم‏.‏

وقال الشافعي إن نزل بالمزدلفة وخرج منها بعد نصف الليل فلا شيء عليه وإن خرج قبل نصف الليل ولم يعد إليها ليقف بها مع الإمام ولم يصبح فعليه شاه قال وإنما حددنا نصف الليل لأنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لضعفه أهله أن يرحلوا من آخر الليل ورخص لهم في أن لا يصبحوا بها ولا يقفوا مع الإمام والفرض على الضعيف والقوي سواء ولكنه ناظر لموضع الفضل وتعليم الناس وقدم ضعفة أهله لأنه كان مباحا لهم قال وما كان من نصف الليل فهو من آخر الليل وروي عن عطاء أنه إن لم ينزل بجمع فعليه دم وإن نزل بها ثم ارتحل بليل فلا شيء عليه رواه عنه بن جريج وهو الصحيح عنه وكان عبد الله بن عمر يقول إنما جمع منزل تذبح فيه إذا جئت قال أبو عمر لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عروة بن مضرس من أدرك معنا هذه الصلاة يعني صلاة الصبح بجمع وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قدم ضعفة أهله ليلا ولم يشهدوا معه تلك الصلاة ودل على أنه موضع الاختيار وقد أجمعوا على أن من وقف بالمزدلفة ليلا ودفع منها قبل الصبح أن حجة تام وكذلك من بات بها ونام عن الصلاة فلم يصلها مع الإمام حتى فاتته أن حجة تام فلو كان حضور الصلاة معه ‏(‏عليه السلام‏)‏ من صلب الحج وفرائضه ما أجزاه فلم يبق إلا أن مشاهدة الصلاة بجمع سنة حسنة وسنن الحج تجبر بالدم إذا لم يفعلها من عليه فعلها‏.‏

وأما احتجاجهم بقول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام‏)‏ ‏[‏البقرة 198‏]‏‏.‏

وقولهم إن هذه الآية تدل على أن عرفات والمزدلفة جميعا من فروض الحج فليس بشيء لأن الإجماع منعقد على أنه لو وقف بالمزدلفة أو بات فيها بعض الليل ولم يذكر الله على أن حجة تام فدل على أن الذكر بها مندوب إليه وإذا لم يكن الذكر المنصوص عليه من أيام الحج فالمبيت والوقوف أحرى بذلك إن شاء الله واختلف الفقهاء في الذي يقف بعرفة مغمى عليه فقال مالك إذا أحرم ثم أغمى عليه ووقف به مغمى عليه فحجه تام ولا دم عليه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه‏.‏

وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق من وقف بها مغمى عليه فقد فاته الحج قال الشافعي عمل الحج ثلاثة أشياء أن يحرم وهو يعقل ويدخل عرفة في وقتها وهو يعقل ويطوف بالبيت والصفا والمروة وهو يعقل ولا يجزئ عنه هذه الثلاثة إلا وهو يعقل واختلفوا في الرجل يمر بعرفة ليلة النحر وهو لا يعلم أنها عرفة فقالت طائفة يجزئه حكى أبو ثور هذا القول عن مالك وأبي حنيفة والشافعي‏.‏

وقال أبو ثور وفيه قول آخر أنه لا يجزئه وذلك أنه لا يكون واقفا إلا بإرادة قال أبو عمر مستحيل أن يتأدى الفرض عن من لم يقصد إليه ولا علمه والمغمى عليه ذاهب العقل غير مخاطب والله تعالى إنما أمر عباده أن يعبدوه مخلصين له والإخلاص القصد بالنية إلى أداء ما افترض عليه ويؤكد هذا قوله ‏(‏عليه السلام‏)‏ إنما الأعمال بالنيات واختلفوا في جماعة أهل الموسم يخطئون العدد فيقفون بعرفة في غير يوم عرفة على ثلاثة أقوال أحدها أنه إن وقفوا قبل لم يجزهم وإن وقفوا بعد أجزاهم والثاني أنه يجزيهم الوقوف قبل وبعد على حسب اجتهادهم والثالث أنه لا يجزيهم الوقوف قبل ولا بعد وروي عن عطاء والحسن أنه يجزئهم قبل وبعد وبه قال أبو حنيفة واختلف أصحاب الشافعي فبعضهم قال يجزئهم بعد ولا يجزئهم قبل قياسا على الأسير تلتبس عليه الشهور فيصوم رمضان فيجزئة بعد ولا يجزئه قبل وهو قول مالك وقال بعض أصحاب الشافعي يجزئهم قبل وبعد قياسا على القبلة وأبو ثور وداود لا يجيزان الوقوف لا قبل ولا بعد وروى يحيى بن يحيى عن بن القاسم قال إذا أخطأ أهل الموسم فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر مضوا على أملهم وإن تبين ذلك لهم وثبت عندهم في بقية يومهم ذلك أو بعده وينحرون من الغد ويعملون عمل الحج ولا يتركوا الوقوف بعرفة من أجل أنه يوم النحر ولا ينفضوا من رمي الجمار الثلاثة الأيام بعد يوم النحر ويجعلون يوم النحر بالغد بعد وقوفهم ويكون حالهم في ميقاتهم كحال من لم يخطئ قال وإذا أخطؤوا بعد أن وقفوا بعرفة يوم التروية أعادوا الوقوف من الغد من يوم عرفة نفسه ولم يجزهم الوقوف يوم التروية وقال سحنون اختلف قول بن القاسم فيمن وقف يوم التروية وقال يحيى بن عمر اختلف فيه قول سحنون أيضا قال يحيى بن عمر في أهل الموسم ينزل ما نزل بالناس وهروبهم من عرفة ولم يعد الوقوف قال يجزئهم ولا دم عليهم قال أبو عمر إنما هذا في جماعة أهل الموسم وأهل البلد يغلطون في الهلال‏.‏

وأما المنفرد فلا مدخل له في هذا الباب وإذا أخطأ العدد في أيام العشر لزمه إذا لم يدرك الوقوف بعرفة من ليلة النحر ما يلزم من فاته الحج واجتهاده في ذلك كله اجتهاد وكذلك من أخطأ وحده من بين أهل مصره في هلال رمضان وشوال وذي الحجة وقد مضى القول في ذلك المنفرد في موضعه‏.‏

وأما الجماعة فاجتهادهم سائغ والحرج عنهم ساقط لقوله ‏(‏عليه السلام‏)‏ أضحاكم حين تضحون وفطركم حين تفطرون فأجاز الجميع اجتهادهم وبالله التوفيق قال مالك في العبد يعتق في الموقف بعرفة فإن ذلك لا يجزئ عنه من حج الإسلام إلا أن يكون لم يحرم فيحرم بعد أن يعتق ثم يقف بعرفة من تلك الليلة قبل أن يطلع الفجر فإن فعل أجزأ عنه وإن لم يحرم حتى طلع الفجر كان بمنزلة من فاته الحج إذا لم يدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة ويكون على العبد حجة الإسلام يقضيها قال أبو عمر لم يذكر يحيى عن مالك في الموطأ الصبي يحرم مراهقا ثم يحتلم وهو ذلك عندهم حكم العبد سواء واختلف الفقهاء في الصبي المراهق والعبد يحرمان بالحج ثم يحتلم هذا ويعتق هذا قبل الوقوف بعرفة فقال مالك وأصحابه برفض تجديد الإحرام ويتماديان على إحرامهما ولا يجزيهما حجهما ذلك عن حجة الإسلام‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا أحرم الصبي والعبد بالحج فبلغ الصبي وعتق العبد قبل الوقوف بعرفة أنهما يستأنفان الإحرام ويجزيهما عن حجة الإسلام وعلى العبد دم لتركه الميقات وليس على الصبي دم‏.‏

وقال الشافعي إذا أحرم الصبي ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة فوقف بها محرما أجزاه من حجة الإسلام وكذلك العبد إذا أحرم ثم عتق قبل الوقوف بعرفة فوقف بها محرما أجزاه من حجة الإسلام ولم يحتج إلى تجديد إحرام واحد منهما قال ولو أعتق العبد بمزدلفة أو بلغ الصبي بها فرجعا إلى عرفة بعد العتق والبلوغ فأدركا بها قبل طلوع الفجر جزت عنهما من حجة الإسلام ولم يكن عليهما دم ولو احتاطا فأهرقا كان أحب إلي قال وليس ذلك بالبين عندي قال أبو عمر قال بهذه الأقوال الثلاثة جماعة من التابعين وفقهاء المسلمين وحجة مالك أمر الله ‏(‏عز وجل‏)‏ كل من دخل في حج أو عمرة فإتمامه حجة تطوعا كان أو فرضا لقوله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

ومن رفض إحرامه فلم يتم حجه ولا عمرته وحجة أبي حنيفة أن الحج الذي كان فيه لما لم يكن يجزئ عنه ولم يكن الفرض لازما له حين أحرم به ثم لزمه حين بلغ استحال أن يشتغل عن فرض قد تعين عليه بنافلة ويعطل فرضه كمن دخل في نافلة فقامت عليه المكتوبة فخشي فوتها قطع النافلة ودخل في المكتوبة فأحرم لها وكذلك الحج عنده يلزمه أن يجدد الإحرام له لأنه لم يكن للفريضة وإنما وجب على العبد لأنه مكلف يلزمه العبادات ويجزيه حجه عند بعض الناس والجمهور متفقون أن العبد لا يدخل الحرم إلا محرما والصبي غير مكلف فلا يلزمه الإحرام ولا غيره فافترقا لهذه العلة واحتج الشافعي في إسقاط النية بأنه جائز لكل من نوى بإهلاله الإحرام أن يصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه المهلين بالحج أن يفسخوه في عمرة وبقول علي وأبي موسى أهللنا بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن إهلالهما على إهلاله كائنا ما كان يدل على أن النية في الإحرام ليست كالنية في الصلاة‏.‏

باب تقديم النساء والصبيان

839- مالك عن نافع عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر أن أباهما عبد الله بن عمر كان يقدم أهله وصبيانه من المزدلفة إلى منى حتى يصلوا الصبح بمنى ويرموا قبل أن يأتي الناس‏.‏

840- مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح أن مولاة لأسماء بنت أبي بكر أخبرته قالت جئنا مع أسماء ابنة أبي بكر منى بغلس قالت فقلت لها لقد جئنا منى بغلس فقالت قد كنا نصنع ذلك مع من هو خير منك‏.‏

841- مالك أنه بلغه أن طلحة بن عبيد الله كان يقدم نساءه وصبيانه من المزدلفة إلى منى‏.‏

842- مالك أنه سمع بعض أهل العلم يكره رمي الجمرة حتى يطلع الفجر من يوم النحر ومن رمى فقد حل له النحر‏.‏

843- مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أخبرته أنها كانت ترى أسماء بنت أبي بكر بالمزدلفة تأمر الذي يصلي لها ولأصحابها الصبح يصلي لهم الصبح حين يطلع الفجر ثم تركب فتسير إلى منى ولا تقف قال أبو عمر جملة القول في هذا الباب أن حديثه عن نافع عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر الحديث الأول إنما أخذ بن عمر فعله ذلك من السنة التي رواها هو وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لضعفاء الناس من جمع بليل قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن الزهري عن سالم أن بن عمر كان يقدم ضعفة أهله يقفون عند المشعر الحرام بليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يدفعون منهم من يأتي منى لصلاة الصبح ومنهم من يأتي بعد ذلك وأولهم ضعفاء أهله ويقول أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن أيوب عن نافع قال بعثني بن عمر في ضعفة أهله فرمينا الجمرة قبل أن يأتينا الناس قال‏.‏

وأخبرنا بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال سمعت بن عباس يقول كنت ممن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضعفة أهله في التعجل من المزدلفة إلى منى وروي عن عطاء وعكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره في ضعفة بني هاشم وصبيانهم أن يتعجلوا من جمع بليل قال أبو عمر المبيت بجمع ليلة النحر سنة مسنونة مجتمع عليها إلا أن هذه الأحاديث وما كان مثلها يدل على أن ذلك إنما هو في أكثر الليل وأنه قد رخص أن لا يصبح البائت فيها وأن له أن يصبح بمنى على أن الفضل عند الجميع المبيت بها حتى يصلي الصبح ثم يرفع قبل طلوع الشمس لا يختلفون في ذلك ولا في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كذلك ولم يختلفوا أنه من لم يبت بجمع ليلة النحر عليه دم وأنه لا يسقط الدم عنه وقوفه بها ولا مروره عليها وقد قالت طائفة منهم مجاهد أنه من أفاض من جمع قبل الإمام وإن بات بها أن عليه دما قال أبو عمر أظنهم لم يسمعوا بهذه الآثار والله أعلم وروى معمر عن أيوب عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت كانت سودة بنت زمعة امرأة ثقيلة ثبطة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن تدلج من جمع فأذن لها قالت عائشة وددت أني كنت استأذنته وكانت تقول ليس الإدلاج من المزدلفة إلا لمن أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر قال المشعر الحرام المزدلفة كلها وروى الثوري عن طلحة بن عمرو عن عطاء قال الرحيل من جمع إذا غاب القمر قال أبو عمر مغيبه ليلة النحر معلوم وبن جريج عن عطاء عن بن عباس وعن أبي العباس الأعمى عن عبد الله بن عمرو قال إنما جمع منزل تدلج منه إذا شئت قال معمر‏.‏

وأخبرني هشام بن عروة عن أبيه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة أن تصبح بمكة يوم النحر وكان يومها قال أبو عمر اختلف على هشام في هذا الحديث فروته طائفة عن هشام عن أبيه مرسلا كما رواه معمر ورواه آخرون عن هشام عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة بذلك مسندا ورواه آخرون عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أيضا وكلهم ثقات من رواة هشام وهذا الحديث خلاف لسائر الأحاديث لأن في غيره من الأحاديث الإدلاج من جمع إلى منى وصلاة الصبح بها وأقصى ما في ذلك رمي الجمرة قبل طلوع الشمس وبعد الفجر ويدل حديث أم سلمة على أن رمي الجمرة بمنى قبل الفجر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصبح بمكة يوم النحر وهذا لا يكون إلا وقد رميت الجمرة بمنى ليلا قبل الفجر والله أعلم وأجمع العلماء على أن النبي ‏(‏عليه السلام‏)‏ وقف بالمشعر الحرام بعد ما صلى الفجر ثم دفع قبل طلوع الشمس ونقل ذلك أيضا الآحاد العدول أخبرنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال قال عمر كان أهل الجاهلية لا يفيضون يعني من جمع حين يروا الشمس على ثبير قال فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فدفع قبل طلوع الشمس وروى بن عيينة عن بن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة وعن بن طاوس عن أبيه أن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس وكانوا يدفعون من المزدلفة قبل طلوع الشمس فأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وعجل هذا أخر الدفع من عرفة وعجل الدفع من المزدلفة مخالفا لهذا هدي المشركين وأجمعوا أن الشمس إذا طلعت يوم النحر فقد فات وقت الوقوف بجمع وان من أدرك الوقوف بها قبل طلوع الشمس فقد أدرك فمن قال إنها فرض ومن يقول إنها سنة وقد أوضحنا ذلك فيما مضى والحمد لله وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى يوم النحر في حجته جمرة العقبة بمنى يوم النحر بعد طلوع الشمس وأجمعوا على أن من رماها ذلك اليوم بعد طلوع الشمس إلى زوالها فقد رماها في وقتها وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرم يوم النحر من الجمرات غيرها واختلفوا فمن رماها قبل طلوع الفجر فقال لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لأحد يرمي قبل أن يطلع الفجر ولا يجوز رميها قبل الفجر فإن رماها قبل الفجر أعادها وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز رميها قبل الفجر وبه قال أحمد وإسحاق‏.‏

وقال الشافعي وقت رمي جمرة العقبة الذي أحبه بعد طلوع الشمس ولا أكرهه قبل الفجر وهو قول عطاء وعكرمة وقال سفيان الثوري لا يجوز لأحد أن يرمي قبل طلوع الشمس وهو قول إبراهيم النخعي‏.‏

وقال أبو ثور لا يجوز الرمي حتى تطلع الشمس إن كان فيه خلاف وأجمعوا أو كانت فيه سنة أجزأه قال أبو عمر أما قول الثوري ومن تابعه فحجته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة بعد طلوع الشمس وقال خذوا عني مناسككم وروى الحسن العرني وعطاء ومقسم كلهم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أغيلمة بني عبد المطلب وضعفتهم وقال لهم أبني ‏!‏ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس أخبرنا سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن المسعودي عن الحكم عن مقسم عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله وقال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ومن أجاز رميها بعد الفجر وقبل طلوع الشمس فقد تقدم في هذا الباب من الآثار ما يدل على ذلك ومن حديث بن أبي ذئب قال حدثني سعيد عن بن عباس قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأمرني أن أرمي الجمرة بعد الفجر‏.‏

وأما من جوز رميها قبل الفجر فحجته حديث أم سلمة المتقدم ذكره حدثني عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني هارون بن عبد الله قال حدثني بن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عندها‏.‏

وأخبرنا أحمد بن محمد قال حدثني أحمد بن الفضل قال حدثني محمد بن جرير قال حدثني أبو كريب قال حدثني أبو معاوية عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافي مكة صلاة الصبح يوم النحر قالوا فلم تكن لتوافي مكة لصلاة الصبح يوم النحر للطواف إلا وقد رمت الجمرة بليل قبل ذلك‏.‏

وأخبرنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن خلاد الباهلي قال حدثني يحيى عن بن جريج قال أخبرني عطاء قال أخبرني مخبر عن أسماء أنها رمت الجمرة قلت إنا رمينا الجمرة بليل قالت إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عارض بعض أصحابنا هذا الحديث عن أسماء بحديث مالك في حديث هذا الباب عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أنها كانت ترى أسماء بالمزدلفة تأمر الذي يصلي لها الصبح ولأصحابها يصلي لهم حين يطلع الفجر ثم تركب فتسير إلى منى ولا تقف وهذا لا معارضة فيه ولا يدفع بحديث أسماء المسند لأنه مباح لأسماء ولغيرها أن يفعل ما في حديث مالك هذا بل هو الأفضل المستحب عند الجميع‏.‏

وأما الكلام فيمن فعل ذلك ورمى بليل فإنما يكون معارضا لو كانت الحجة لهم واحدة واختلفت الحكاية عن أسماء فيها فأما إذا جاز أن تكون حجتين وأمكن ذلك فلا معارضة هنالك وبالله التوفيق وأجمعوا على أن الاختيار في رمي جمرة العقبة من طلوع الشمس إلى زوالها وأجمعوا أنه إن رماها قبل غروب الشمس من يوم النحر فقد جزا عنه ولا شيء عليه إلا مالكا فإنه قال أستحب له إن ترك رمي الجمرة حتى أمسي أن يهريق دما يجيء به من الحل واختلفوا فيمن لم يرمها حتى غابت الشمس فرماها من الليل أو من الغد فقال مالك عليه دم‏.‏

وقال أبو حنيفة إن رماها من الليل فلا شيء عليه وإن أخرها إلى الغد فعليه دم وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي إن أخر رمي جمرة العقبة إلى الليل أو إلى الغد رمى ولا شيء عليه وهو قول أبي ثور وحجتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في مثل ذلك وما كان ليرخص لهم فيما لا يجوز وفي حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لرمي الجمرة وقتا وهو يوم النحر فمن رمى بعد غروب الشمس فقد رماها بعد خروجها ومن فعل شيئا في الحج بعد وقته فعليه دم‏.‏

باب السير في الدفعة

844- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال سئل أسامة بن زيد وأنا جالس معه كيف كان يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حين دفع قال كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص قال مالك قال هشام والنص فوق العنق‏.‏

845- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يحرك راحلته في بطن محسر قدر رمية بحجر قال أبو عمر هكذا قال يحيى فرجة وتابعه جماعة منهم أبو المصعب وبن بكير وسعيد بن عفير وقالت طائفة منهم بن وهب وبن القاسم والقعنبي فإذا وجد فجوة نص والفجوة والفرجة سواء في اللغة وليس في هذا الحديث أكثر من معرفة كيفية السير في الدفع من عرفة إلى المزدلفة وهو شيء يجب الوقوف عليه وامتثاله على أئمة الحاج فمن دونهم لأن في استعجال السير إلى المزدلفة استعجال الصلاة بها ومعلوم أن المغرب لا تصلى تلك الليلة إلا مع العشاء بالمزدلفة وتلك سنتها فيجب أن تكون على حسب ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قصر عن ذلك أو زاد فقد أساء إذا كان عالما بما في ذلك وسيأتي حكم الصلاتين بالمزدلفة في موضعه إن شاء الله والعنق مشي الدواب معروف لا يجهل وربما استعمل في غير الدواب مجازا والنص ها هنا كالخبب أو فوق ذلك وأرفع وأصل النص في اللغة الرفع يقال منه نصعت الدابة في سيرها قال الشاعر‏:‏

ألست الذي كلفتها نص ليلة *** من أهل منى نصا إلى أهل يثرب

وقال اللهبي‏:‏

ورب بيداء وليل داج *** قطعته بالنص والإدلاج

وقال صالح بن عبد القدوس‏:‏

ونص الحديث إلى أهله *** فإن الوثيقة في نصه

أي ارفعه إلى أهله وانسبه إليهم وقال أبو عبيد النص التحريك الذي يستخرج به من الدابة أقصى سيرها وأنشد قول الراجز ‏(‏تقطع الخرق بسير نص‏)‏‏.‏

وأما النص في الشريعة فللفقهاء في العبارة تنازع عنه ليس هذا موضع ذكره‏.‏

وأما حديث مالك عن نافع أن بن عمر كان يحرك راحلته في بطن محسر قدر رمية بحجر فإن فعله في ذلك مأخوذ من السنة وروى الثوري وغيره عن أبي الزبير عن جابر قال أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة وقال لهم أوضعوا في وادي محسر وقال لهم خذوا عني مناسككم وروى معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر انه كان إذا فاض من عرفة سار على هيئته حتى يأتي المزدلفة فإذا أفاض منها سار أيضا على هيئته حتى يأتي محسر ثم يستحث راحلته شيئا ثم يسير على هيئته حتى يأتي الجمرة وروى الأعمش عن عمارة بن عبيد عن عبد الرحمن بن زيد أنه أوضع بن مسعود يعني في وادي محسر والإيضاع سرعة السير ولا خلاف بين العلماء في هذا الباب‏.‏

باب ما جاء في النحر في الحج

846- مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بمنى هذا المنحر وكل منى منحر وقال في العمرة هذا المنحر يعني المروة وكل فجاج مكة وطرقها منحر قال أبو عمر هذا الحديث يستند عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث علي بن أبي طالب وحديث جابر بن عبد الله ‏(‏رضي الله عنهما‏)‏ وقد ذكرنا طرقها في التمهيد حدثنا خلف بن قاسم قال حدثني أبو الطيب وجيه بن الحسن بن يوسف قال حدثني بكار بن قتيبة القاضي قال حدثني عبد الله بن الزبير الحميدي قال حدثني سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال هذه عرفة وهذا الموقف وعرفة كلها موقف ثم أفاض حين غربت الشمس فأردف أسامة وجعل يسير على هيئته والناس يضربون يمينا وشمالا وهو يقول يا أيها الناس عليكم السكينة ثم أتى جمعا فصلى بها الصلاتين جميعا فلما أصبح أتى قزح فقال هذا قزح وهذا الموقف وجمع كلها موقف ثم أفاضا حين غربت الشمس فلما انتهى إلى وادي محسر قرع ناقته حتى جاز الوادي ثم أردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر بمنى فقال هذا المنحر ومنى كلها منحر فاستقبلته جارية من خثعم شابة فقالت أبي شيخ كبير وذكر الحديث وفي حديث جابر أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بدنة بمنى وقال هذا المنحر وكلها منحر قال أبو عمر المنحر في الحج بمنى إجماع من العلماء‏.‏

وأما العمرة فلا طريق لمنى فيها فمن أراد أن ينحر في عمرته وساق هديا تطوع به نحره بمكة حيث شاء منها وهذا إجماع أيضا لا خلاف فيه يعني عن الإسلام والاستشهاد فمن فعل ذلك فقد أصاب السنة ومن لم يفعل ونحر في غيرهما فقد اختلف العلماء في ذلك فذهب مالك إلى أن المنحر لا يكون في الحج إلا بمنى ولا في العمرة إلا بمكة ومن نحر في غيرهما لم يجزه ومن نحر في أحد الموضعين في الحج أو العمرة أجزأه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلهما موضعا للنحر وخصهما بذلك وقال الله تعالى ‏(‏هديا بالغ الكعبة‏)‏ ‏[‏المائدة 95‏]‏‏.‏

قال أبو عمر قد تقدم معنى قوله ‏(‏هديا بالغ الكعبة‏)‏ وأن العلماء في ذلك على قولين أحدهما أنه أريد بذكر الكعبة حضرة مكة كلها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم طرق مكة وفجاجها كلها منحر والقول الثاني أنه أراد الحرم وقد أجمعوا أنه لا يجوز الذبح في المسجد الحرام ولا في الكعبة فدل على أن اللفظ ليس على ظاهره‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة إن نحر في غير مكة من الحرم أجزأه قال وإنما يريد بذلك مساكين الحرم ومساكين مكة وقد أجمعوا أنه من نحر في غير الحرم ولم يكن محصرا أنه لا يجزئه‏.‏

847- مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا أنه الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل قالت عائشة فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا فقالوا نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه قال يحيى بن سعيد فذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد فقال أتتك والله بالحديث على وجهه قال أبو عمر أما قولها في هذا الحديث ‏(‏ولا نرى إلا أنه الحج‏)‏ فليس فيه قطع بإفراد ولا غيره وقد مضى القول في الإفراد والتمتع والإقران قبل هذا‏.‏

وأما قولها فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل فهذا فسخ الحج في العمرة وقد تقدم القول فيه وأوضحنا أنه مخصوص به الذين خاطبهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرنا قول من خالف في ذلك‏.‏

وأما قولها ‏(‏فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر الحديث‏)‏ ففيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه يوم الهدي الذي نحر عن نفسه لأنه محفوظ من وجوه صحاح متواترة أنه ‏(‏عليه السلام‏)‏ قدم عليه علي من اليمن ببدن هديا وكان ‏(‏عليه السلام‏)‏ قد ساق مع نفسه أيضا من المدينة هديا فكمل في ذلك مائة بدنة وأشركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحرها هو وعلي على ما ذكرنا في حديث علي وحديث جابر المسند الصحيح ولم يذبح البقر إلا عن أزواجه على أن بن شهاب يقول إنما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بقرة واحدة يريد أنه أشركهن فيها ويحتمل أن يكون أراد بقوله ذلك بقرة عن كل واحدة منهن والله أعلم وفي هذا الحديث أيضا عرض العالم على من هو أعلم منه ما عنده من العلم ليعرف قوله فيه وفيه أن أهل الدنيا إذا سمعوا الصادق وصدقوه فرحوا به وفيه جواز نحر البقر ومن أهل العلم من كره ذلك لقول الله ‏(‏عز وجل‏)‏ في البقرة ‏(‏ فذبحوها‏)‏ ‏[‏البقرة 71‏]‏‏.‏

والذي عليه جمهور أهل العلم أن البقر يجوز فيها الذبح بدليل القرآن والنحر بالسنة‏.‏

وأما الإبل فتنحر ولا تذبح والغنم تذبح ولاتنحر وسيأتي القول بما للعلماء فيمن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر في موضعه من كتاب الذبائح إن شاء الله ‏(‏عز وجل‏)‏‏.‏

848- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك فقال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر‏.‏

وأما قول حفصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ما بال الناس حلوا ولم تحلل أنت ‏(‏ فالمعنى فيه أنه أمر أصحابه المحرمين بالحج أن يحلوا إذا طافوا وسعوا ويجعلوا حجهم ذلك عمرة إلا من كان هدي فان محله محل هديه وإنه لا يحل حتى ينحر هديه ولم تعرف حفصة من أمره هذا فسألته وقد مضى قولنا في أن فسخ الحج في العمرة ليس عند جمهور العلماء لأحد بعد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أمروا به ودللنا على أنهم خصوا بذلك على ما ذكرناه من الآثار في ذلك وذكرنا العلة الموجبة ‏(‏عليه السلام‏)‏ أصحابه بفسخ الحج في العمرة وان يحل الحل كله إنما كان ليريهم أن العمرة في أشهر الحج جائزة وكانوا يرون ذلك محرما فأعلم بجواز ذلك ليدينوا به بغير ما يدينون به في الجاهلية ويدركوا في عامهم ذلك ويكونوا متمتعين لأن الله ‏(‏عز وجل‏)‏ قد أذن في التمتع بالعمرة إلى الحج وإباحته مطلقة وكذلك القرآن والإفراد كل ذلك مباح بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولم يأت في الكتاب ولا السنة أن بعضها أفضل من بعض فهذا معنى قول حفصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ما بال الناس حلوا ولم تحلل أنت‏)‏ وكان أمره صلى الله عليه وسلم أصحابه بالإحلال محالهم في دخول مكة قبل أن يطوفوا وذلك موجود محفوظ في حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت أن يحل قال أبو عمر يعني بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة وهي العمرة وذلك أيضا محفوظ في حديث جابر من رواية عطاء وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يحلقوا أو يقصروا ويحلوا إلا من كان معه هدي وهذا يرفع الإشكال فيما قلنا والحمد لله‏.‏

وأما قول حفصة ‏(‏ولم تحلل أنت من عمرتك‏)‏ فقد ظن بعض الناس أن قولها من عمرتك لم يقله في هذا الحديث غير مالك وأظنه رأى رواية من رواه فقصر في ذلك ولم يذكر في الحديث ‏(‏من عمرتك‏)‏ فظن أنه لم يقله غير مالك لأنه لم يذكر بن جريج عن نافع في حديثه هذا وقد ذكره البخاري عن مسدد عن يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر فلم يذكر فيه ‏(‏من عمرتك‏)‏ وهي لفظة محفوظة في هذا الحديث من رواية مالك وعبيد الله وغيرهما عن نافع فأما رواية مالك فلم يختلف عنه في ذلك‏.‏

وأما رواية عبيد الله فقال حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو أسامة قال حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر‏.‏

وحدثني عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثه قال حدثني بكر بن حماد قال حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثني يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله قال حدثني نافع عن بن عمر عن حفصة قالت قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر في الحج‏.‏

وأخبرنا عبد الله بن محمد وعبد الرحمن بن عبد الله قالا حدثني أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال حدثني نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة ابنة عمر قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يحللن بعمرة قلت فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا قال إني قد أهديت ولبدت فلا أحل حتى أنحر هديي ورواه سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلست محل إلا محل هديي قال أبو عمر لم يقم إسناده أيوب بن موسى والقول فيه قول مالك ومن تابعه وذكر ‏(‏عمرتك‏)‏ وتركه في هذا الحديث سواء لأنه معلوم أن المأمورين بالحل هم المحرمون بالحج ليفسخوه في عمرة كما تقدم ذكرنا له ويستحيل أن يأمر بذلك المحرمين بعمرة لأن المعتمر يحل بالطواف والسعي والخلاف ليس في ذلك شك عنهم في الجاهلية والإسلام ولا عند من بعدهم وقد اعتمروا مع رسول الله وعرفوا حكم العمرة في الشريعة فلم يكن ليعرفهم شيئا في علمهم بل عرفهم بما أحله الله لهم في عامهم ذلك من فسخ الحج في عمرة فما كانوا قد جهلوه وأنكروه من جواز العمرة في زمن الحج حتى قال بعضهم يتوجه إلى منى ولم يكونوا في الجاهلية يتمتعون بالعمرة إلى الحج ولا يعتمرون في أشهر الحج ولا يخلطون عمرة مع حجة ولا يجمعونها فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الله في الحج بغير ما كانوا عليه في جاهليتهم وصدع بما أمر به وأوضح معالم الدين صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين فحديث حفصة هذا يدل والله أعلم على القران لأن هدي القران يمنع من الإحلال وليس كذلك ما ساقه المفرد لإن هدي المفرد هدي تطوع لا يمنع شيئا ولولا هديه المانع له من الإحلال لحل مع أصحابه ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة يعني عمرة مفردة يتمتع فيها بالحل إلى يوم التروية على ما أمر به أصحابه ومن ساق هديا لمتعته لم يمنعه من الحل وقد بينا أن قوله عليه السلام لأصحابه من لم يكن معه هدي فليحل كان قبل الطواف للقدوم بدليل حديث عائشة قولها فلما دنونا من مكة وكذلك حديث جابر على ما تقدم ذكره وهذا كله ينبغي أن يكون هديه هدي متعة لأنه لو كان هدي متعة لحل حينئذ مع أصحابه ولم يكن ليخالفهم ويعتذر إليهم فيقول لولا أني سقت الهدي لأحللت وهدي المتعة لا يمنع من الإحلال عند أهل الحجاز قال مالك والشافعي المعتمر يحل من عمرته إذا طاف وسعى ساق هديا أو لم يسق‏.‏

وقال أبو حنيفة إذا ساق المعتمر في أشهر الحج هديا وهو يريد المتعة لم ينحره إلا بمنى وطاف وسعى وأقام إحراما ولا يحل منه شيء ولا يحلق ولا يقصر لأنه ساق معه الهدي فمحله محل الهدي لا يحل حتى ينحر الهدي قالوا ولو لم يسق الهدي كان له أن يحل من عمرته واحتجوا بحديث حفصة أيضا ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك فلم ينكر عليها قولها وقال لها إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من الهدي وحجة مالك والشافعي ومن قال بقولهما ظاهر قول الله تعالى ‏(‏فمن تمتع بالعمرة إلى الحج‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

ومعلوم أنه لا يكون متمتعا بالعمرة إلى الحج إلا من حل من إحرامه وتمتع بالإحرام إلى أن يحرم لحجه يوم التروية‏.‏

وأما هدي القران فإنه مانع من الإحلال والفسخ عند جمهور السلف والخلف إلا بن عباس وتابعته فرقة إذا لم يسق الهدي جاز له فسخ الحج في العمرة قال على ما قدمنا من مذهبه في ذلك روى خصيف عن طاوس وعطاء عن بن عباس أنه كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يسق الهدي قال أبو عمر قول بن عباس يحتمله قول النبي عليه السلام حين أمر أصحابه بفسخ الحج في العمرة لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولحللت يعني فسخت الحج من العمرة كما أمرتكم وقد أوضحنا أن فسخ الحج خصوص لهم بالآثار المروية في ذلك وعلى هذا لقول الله تعالى ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ ‏[‏البقرة 196‏]‏‏.‏

وبالله التوفيق قال أبو عمر وهدي القران يمنع من الإحلال عند جماعة فقهاء الأمصار وجمهور أهل العلم فالأولى بمن يرون الإنصاف ألا يشكوا في حديث حفصة هذا أنه دال على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارنا مع ما يشهد له من حديث أنس وغيره أنه كان قارنا وقد ذكرناها في باب القران وإنما اختار مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ القران ومال إليه لأنه روي من وجوه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج مال إلى ما روى وهذا اللازم له ولغيره أن يقف عند ما علم وحكمه على اختيار الإفراد أيضا مع علمه باختلاف الناس في اختيار القران والتمتع والإفراد ما صح عنده عن الخليفتين أبي بكر وعمر ‏(‏رضي الله عنهما‏)‏ أنهما أفردا الحج وعن عثمان مثل ذلك أيضا وكان عمر ينكر ذلك وينهى عنه ويقول افصلوا بين حجكم وعمرتكم فهو أتم لحج أحدكم أن تكون عمرته في غير أشهر الحج فاختيار مالك هو اختيار أبي بكر وعمر وعثمان ‏(‏رضي الله عنهم‏)‏ وكان مالك يقول إذا اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء فانظروا إلى ما عمل به الخليفتان بعده أبو بكر وعمر فهو الحق قال أبو عمر يعني الأولى والأفضل لا أن ما عداه باطل لأن الأمة مجتمعة على أن الإفراد والقران والتمتع كل ذلك جائز في القرآن والسنة والإجماع وانه ليس منها شيء باطل بل كل ذلك حق ودين وشريعة من شرائع الإسلام في الحج ومن مال منها إلى شيء فإنما مال برأيه إلى وجه تفضيل اختاره وأباح ما سواه وجائز أن يقال أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج بمعنى أمر به فأذن فيه كما قيل رجم ماعزا وقتل عقبة بن أبي معيط وقطع في مجن ويبين هذا المعنى قوله تعالى ‏(‏ونادى فرعون في قومه‏)‏ ‏[‏الزخرف 51‏]‏‏.‏

المعنى أنه أمر بذلك ومن ذهب إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مفردا تأول في حديث حفصة ما بال الناس حلوا من إحرامهم ولم تحل أنت من إحرامك الذي ابتدأته معهم وقال بعضهم قد يأتي من بالباب كما قال الله ‏(‏عز وجل‏)‏ ‏(‏يحفظونه من أمر الله‏)‏ ‏[‏الرعد 11‏]‏‏.‏

أي بأمر الله يريد ولم تحل أنت بعمرة من إحرامك الذي جئت به مفردا في حجتك ومن اختار القران مال فيه إلى أحاديث منها حديث شعبة قال حدثني حميد بن هلال قال سمعت مطرف بن الشخير يقول قال لي عمران بن حصين جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حج وعمرة ولم ينه عنه بعد ذلك قال رجل برأيه ما شاء الله أخبرنا عبد الله بن محمد بن أمية قال حدثني حمزة قال أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني هشيم قال أخبرنا عبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل ويحيى بن أبي إسحاق كلهم عن أنس أنهم سمعوه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك عمرة وحجا‏.‏

وأخبرنا عبد الله قال حدثني حمزة قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا أحمد بن محمد بن جعفر قال أخبرني يحيى بن معين قال حدثني حجاح وهو الأعور قال حدثني يونس بن إسحاق عن أبي إسحاق عن البراء قال كنت مع علي ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن فأصبت معه أواقي فلما قدم علي على النبي صلى الله عليه وسلم قال علي وجدت فاطمة قد نضحت البيت بنضوح قال فتخطيته فقالت لي مالك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه أن يحلوا قال قلت إني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي كيف صنعت قلت إني أهللت بما أهللت قال فإني سقت الهدي وقرنت أخبرنا خلف بن قاسم قال حدثني عبد الله بن محمد بن ناصح قال حدثني أحمد بن علي بن سعيد القاضي قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني حجاج بن محمد قال حدثني يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن البراء قال كنت مع علي بن أبي طالب ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال علي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي كيف صنعت فقلت أهللت بإهلالك قال فإني سقت الهدي وقرنت قال وقال لأصحابه لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعلتم ولكني سقت الهدي وقرنت قال أبو عمر فهذا أنس يخبر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالعمرة والحج معا وعلي يخبر أنه سمعه يقول سقت الهدي وقرنت وليس يوجد عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح إخبار عن نفسه أنه أفرد ولا أنه تمتع وإنما يوجد عن غيره إضافة ذلك إليه بما يحتمل التأويل وهذا لفظ يدفع الإشكال ويدفع الاحتمال وبالله التوفيق وهو المستعان ومما يدل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارنا حديث مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ومعلوم أنه كان معه هدي وأنه لم يحل حتى نحر الهدي وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل‏.‏