فصل: باب المسح على الخفين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب المسح على الخفين

63- مالك عن بن شهاب عن عباد بن زياد وهو من ولد المغيرة بن شعبة عن أبيه عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب لحاجته في غزوة تبوك قال المغيرة فذهبت معه بماء فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكبت عليه الماء فغسل وجهه ثم ذهب يخرج يديه من كمي جبته فلم يستطع من ضيق كمي الجبة فأخرجهما من تحت الجبة فغسل يديه ومسح برأسه ومسح على الخفين فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن بن عوف يؤمهم وقد صلى بهم ركعة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة التي بقيت عليهم ففزع الناس فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ ‏(‏أحسنتم‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر حديث مالك عن بن شهاب عن عباد بن زياد في المسح على الخفين قد ذكرنا في التمهيد علة إسناده وما وقع لمالك وبعض الرواة عنه من الوهم فيه وذكرنا هناك طرقه عن المغيرة من حديث بن شهاب وغيره بما فيه شفاء لذلك المعنى والحمد لله وذكرنا هناك أيضا من روى المسح على الخفين من الصحابة عن النبي -عليه السلام- كما رواه المغيرة ومن أفتى به وعمل به منهم - رضي الله عنهم ومن التابعين وجماعة فقهاء المسلمين وأنهم الكافة والجماعة والعامة التي لا يحصى عددها وصحبنا منهم أعدادا فوصلت الرواية إلينا بذلك عنهم فمن أراد الوقوف على ذلك نظر إليه هناك وفي حديث مالك هذا من العلم ضروب منها خروج الإمام بنفسه في الغزو لجهاد العدو وكانت تلك غزوة تبوك آخر غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وذلك في سنة تسع من الهجرة وهي الغزوة المعروفة بغزوة العسرة قال بن إسحاق خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك فصالحه أهل أيلة وكتبت لهم كتابا وذكر خليفة بن خياط عن المدائني كان خروجه إليها في رجب ولم يختلفوا أن ذلك في سنة تسع وفيه أدب الخلاء والبعد عن الناس عند حاجة الإنسان وفيه على ظاهر حديث مالك وأكثر الروايات ترك الاستنجاء بالماء مع وجود الماء لأنه لم يذكر أنه استنجى بالماء وإنما ذكر أنه صب عليه فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه وعلى الخفين وفي غير حديث مالك فتبرز ثم جاء فصببت على يديه من الإداوة فغسل كفيه وتوضأ وفي حديث الشعبي عن عروة بن المغيرة عن أبيه فخرج لحاجته ثم أقبل حتى جئته بالإداوة وفي الآثار كلها أن الإداوة كانت مع المغيرة وليس في شيء منها أنه ناولها رسول الله فذهب بها ثم لما انصرف ردها إليه وأمره أن يصب منها عليه ولو كان ذلك فيها أو في شيء منها بان بذلك أنه استنجى بالماء ولكن لم يذكر ذلك في شيء من الآثار فلذلك استنبط من تقدم من أصحابنا من هذا الحديث أنه جائز الاستجمار بالأحجار مع وجود الماء وقال بن جريج وغيره في هذا الحديث ‏(‏‏(‏فتبرز لحاجته قبل الغائط فحملت معه إداوة‏)‏‏)‏ وقال معمر ‏(‏‏(‏فتخلف وتخلفنا معه بإداوة‏)‏‏)‏ واستدل بهذا وما كان مثله من كره الأحجار مع وجود الماء من العلماء فإن صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء يومئذ من نقل من يقبل نقله وإلا فالاستدلال من حديث مالك وما كان مثله صحيح بأن في هذا الحديث ترك الاستنجاء بالماء والعدول عنه إلى الأحجار مع وجود الماء وأي الأمرين كان فإن الفقهاء اليوم مجمعون على أن الاستنجاء بالماء أطهر وأطيب وأن الأحجار رخصة وتوسعة وأن الاستنجاء بها جائز في السفر والحضر وقد مضى القول في أحكام الاستنجاء فيما مضى من هذا الكتاب وفيه لبس الضيق من الثياب بل ينبغي أن نقول وذلك في الغزو مستحب لماء في ذلك من التأهب والانشمار والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في لباسه مثل ذلك في السفر وليس به بأس عندنا في الحضر لأنه لم يوقف على أن ذلك لا يكون إلا في السفر وفيه أن العمل الذي لا طول فيه جائز بين أثناء الوضوء لمن اضطر إليه ولا يلزم مع ذلك استئناف الوضوء وذلك إذا كان ذلك من أسباب الوضوء كاستقاء الماء وغسل الإناء ونزع الخف وما أشبه ذلك فإن أخذ المتوضئ في غير عمل الوضوء وطال تركه للوضوء استأنفه من أوله ولا ينبغي لأحد أن يدخل على نفسه شغلا وهو يتوضأ حتى يفرغ من وضوئه وإذا كان العمل اليسير في الصلاة لا يقطعها فهو أحرى ألا يقطع الوضوء وفيه أن الرجل الفاضل والعالم والسلطان جائز أن يخدم ويعان على حوائجه وإن كان أعوانه في ذلك أحرارا ليسوا بغلمان رق وفيه الوضوء بما لا تدخل فيه اليد من الآنية فإذا كان كذلك حسن الصب حينئذ منه على المتوضئ وفيه انه إذا خيف فوت وقت الصلاة أو فوت الوقت المختار منها لم ينتظر الإمام وإن كان فاضلا جدا وقد احتج الشافعي بأن أول الوقت أفضل بهذا الحديث وقال معلوم أن النبي -عليه السلام- لم يكن ليشتغل عن الصلاة حتى يخرج وقتها كلها وقال لو أخرت الصلاة لشيء من الأشياء عن أول وقتها لأخرت لإمامته عليه السلام وفضل الصلاة معه إذ قدموا عبد الرحمن بن عوف في السفر وفيه جواز أن يقدم الناس في مساجدهم إماما لأنفسهم بغير إذن الوالي وأن ذلك ليس كالجمعة التي هي إلى الولادة ولا يفتات عليهم فيها إلا أن يعطلوها أو تنزل نازلة ضرورة وفيه جواز ائتمام الوالي في عمله برجل من رعيته وفيه بيان لقول النبي -عليه السلام- ‏(‏‏(‏لا يؤمن أحدكم في سلطانه إلا بإذنه‏)‏‏)‏ يعني بدليل هذا الحديث إلا لفضل في الوقت وخوف فوته وفي معنى ذلك ما كان أشد ضرورة من ذلك أو مثله وفيه جواز صلاة الفاضل خلف المفضول وفيه أنه رسول الله حين صلى مع بن عوف ركعة جلس معه في الأولى ثم قضى ما فاته من الأخرى فكان فعله هذا كقوله ‏(‏‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه‏)‏‏)‏ وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ذلك في فعلهم ذلك ‏(‏‏(‏أحسنتم‏)‏‏)‏ دليل أنه ينبغي أن يحمد ويشكر كل من برز إلى أداء فرضه وعمل ما يجب عليه عمله وفيه فضل لعبد الرحمن إذ قدمه جماعة الصحابة لأنفسهم في صلاتهم بدلا من نبيهم عليه السلام وفيه الحكم الجليل الذي فرق بين أهل السنة وأهل البدع وهو المسح على الخفين لا ينكره إلا مبتدع خارج عن جماعة المسلمين فأهل الفقه والأثر لا خلاف بينهم في ذلك بالحجاز والعراق والشام وسائر البلدان إلا قوما ابتدعوا فأنكروا المسح على الخفين وقالوا إنه خلاف القرآن وعمل القرآن نسخه ومعاذ الله أن يخالف رسول الله كتاب الله الذي جاء به قال الله تعالى ‏(‏وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم‏)‏ ‏[‏النحل 44‏]‏‏.‏

وقال ‏(‏فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما‏)‏ ‏[‏النساء 65‏]‏‏.‏

والقائلون بالمسح على الخفين هم الجم الغفير والعدد الكثير الذين لا يجوز عليهم الغلط ولا التشاغر ولا التواطؤ وهم جمهور الصحابة والتابعين وهم فقهاء المسلمين وقد روي عن مالك إنكار المسح على الخفين في السفر والحضر وهي رواية أنكرها أكثر القائلين بقوله والروايات عنه بإجازة المسح على الخفين في الحضر والسفر أكثر وأشهر وعلى ذلك بنى موطأه وهو مذهبه عند كل من سلك اليوم سبيله لا ينكره منهم أحد والحمد لله وروى شعبة والثوري وبن عيينة وأبو معاوية وغيرهم عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال رأيت جريرا بال وتوضأ من مطهرة ومسح على خفيه فقيل له أتفعل هذا فقال وما يمنعني أن أفعل وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله قال إبراهيم فكانوا - يعني أصحاب عبد الله وغيرهم - يعجبهم هذا الحديث ويستبشرون به لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة وقد ذكرنا هذا الخبر عن جرير وعن إبراهيم من طرق في التمهيد أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا داود قال حدثنا علي بن الحسين الدرهمي قال حدثنا أبو داود عن بكير بن عامر عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير أن جريرا بال ثم توضأ ومسح على الخفين فقيل له في ذلك فقال أما ينبغي أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح قالوا إنما كان ذلك قبل نزول المائدة قال ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة قال أبو عمر قال أهل السير كان إسلام جرير في آخر سنة عشر وقيل في أول سنة عشر وقيل في أول سنة إحدى عشرة وفيها مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تأول جماعة من العلماء قول الله عز وجل ‏(‏وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين‏)‏ ‏[‏المائدة 6‏]‏‏.‏

أنه أراد إذا كانا في الخفين نحو أربعين من الصحابة وقد روي عن الحسن البصري أنه قال أدركت سبعين رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحون على الخفين وعمل بالمسح على الخفين أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وسائر أهل بدر وأهل الحديبية وغيرهم من المهاجرين والأنصار وقد ذكرنا كثيرا منهم في التمهيد ولم يرو عن أحد من الصحابة إنكار المسح على الخفين إلا عن بن عباس وعائشة وأبى هريرة فأما بن عباس وأبو هريرة فقد جاء عنهما بالأسانيد الصحاح خلاف ذلك وموافقة لسائر الصحابة ذكر أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس عن فطر قال قلت لعطاء إن عكرمة يقول قال بن عباس سبق الكتاب الخفين قال عطاء كذب عكرمة أنا رأيت بن عباس يمسح عليهما وروى أبو زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة أنه كان يمسح على خفيه وذكر الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل وقيل له ما تقول فيما روي عن أبي هريرة وأبي أيوب وعائشة في إنكار المسح على الخفين فقال إنما روي عن أبي أيوب أنه قال حبب إلي الغسل فإن ذهب ذاهب إلى قول أبي أيوب الأنصاري حبب إلي الغسل لم أعبه قال إلا أن يترك رجل المسح ولا يراه كما صنع أهل البدع فهذا لا يصلى خلفه ثم قال نحن لا نذهب إلى قول أبي أيوب ونرى المسح أفضل ثم قال ومن تأول تأويلا سائغا لا يخالف فيه السلف صلينا خلفه وإن كنا نرى غيره ثم قال لو أن رجلا لم ير الوضوء من الدم ونحن نراه كنا لا نصلي خلفه إذا كنا لا نصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك ومن سهل في الوضوء من الدم قال أبو عمر لا أعلم أحدا من الصحابة جاء عنه إنكار المسح على الخفين ممن لا يختلف عليه فيه إلا عائشة وكذلك لا أعلم أحدا من فقهاء المسلمين روي عنه إنكار ذلك إلا مالكا والروايات الصحاح عنه بخلاف ذلك موطؤه يشهد للمسح على الخفين في الحضر والسفر وعلى ذلك جميع أصحابه وجماعة أهل السنة وإن كان من أصحابنا من يستحب الغسل ويفضله على المسح من غير إنكار للمسح على معنى ما روي عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال أحب إلي الغسل وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن بن عمر أنه كان يقول لا يحيكن في صدر أحدكم المسح على الخفين وإن جاء من الغائط لأني كنت من أشد الناس في المسح وذكر بن أبي شيبة حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال مسح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين فمن ترك ذلك رغبة عنه فإنما هو من الشيطان حدثنا محمد بن زكريا حدثنا أحمد بن شعيب حدثنا أحمد بن خالد حدثنا مروان بن عبد الملك حدثنا أبو حاتم حدثنا الأصمعي حدثنا المعتمر بن سليمان قال كان أبي لا يختلف عليه في شيء من الدين إلا أخذ بأشده إلا المسح على الخفين فإنه كان يقول هو السنة واتباعها الأفضل وقد زدنا هذا المعنى بيانا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ واختلف الفقهاء في المسح في السفر فروي عن مالك ثلاث روايات في ذلك إحداها - وفي أشدها نكارة - إنكاره المسح في السفر والحضر والثانية كراهية المسح في الحضر وإباحته في السفر والثالثة إباحة المسح في السفر والحضر وعلى ذلك فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمشرق والمغرب وقد روي عن النبي -عليه السلام- أحاديث في المسح في الحضر كلها معلولة قد ذكرناها في التمهيد وأحسنها ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمر بن السرح قال حدثنا عبد الله بن نافع عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أسامة بن زيد ‏(‏‏(‏أن النبي -عليه السلام- دخل دار رجل فتوضأ ومسح على خفيه‏)‏‏)‏‏.‏

قال بن وضاح فقلت لأبي علي عبد العزيز بن عمران بن مقلاص أمسح رسول الله على خفيه في الحضر قال نعم ثم حدثني بهذا الحديث عن الشافعي عن عبد الله بن نافع بإسناده مثله قال بن نافع وقال لي أبو مصعب دار حمل بالمدينة قال وقال لي زيد بن بشر عن بن وهب قد مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر قال أبو عمر وقد ذكرنا حديث أسامة بن زيد هذا من طرق في التمهيد كلها من طريق عبد الله بن نافع وأن مالكا انفرد به بالإسناد المذكور وذكرنا هناك أيضا أن عيسى بن يونس انفرد به عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة بقوله ‏(‏‏(‏كنت أمشي مع النبي -عليه السلام- بالمدينة فأتى سباطه قوم فبال قائما ثم توضأ ومسح على خفيه ‏(‏1‏)‏ ولم يقل فيه أحد ‏(‏‏(‏بالمدينة‏)‏‏)‏ غير عيسى بن يونس وهو ثقة فاضل إلا أنه خولف في ذلك عن الأعمش وسائر من رواه عن الأعمش لا يقول فيه ‏(‏‏(‏بالمدينة‏)‏‏)‏‏.‏

قال بن وضاح السباطة المزبلة والمزابل لا تكون إلا في الحضر والله أعلم قال أبو عمر قول بن وضاح المزابل لا تكون إلا في الحضر تحكم منه وممكن أن تكون في البادية في الحضر ومن مر بالبادية من المسافرين لم يمتنع عليه البول عليها وأظن بن وضاح إنما قصد بقوله - الاحتجاج لرواية عيسى بن يونس أن ذلك كان بالمدينة فجاء بلفظ غير مهذب والله أعلم قال أبو عمر احتج بعض من لم ير المسح في الحضر من أصحابنا بحديث شريح بن هانئ ‏(‏‏(‏ أنه سأل عائشة أم المؤمنين عن المسح على الخفين فقالت له سل عليا فإنه كان يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏‏)‏ وليس في الحديث أكثر من جهل عائشة المسح على الخفين وليس من جهل شيئا كمن علمه وقد سأل شريح بن هانئ عليا كما أمرته عائشة فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المسح على الخفين ‏(‏‏(‏ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للمقيم‏)‏‏)‏ وهو حديث ثابت صحيح نقله أئمة حفاظ حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن القاسم بن محمد عن شريح بن هانئ قال سألت عائشة عن المسح على الخفين فقالت سل علي بن أبي طالب فإنه كان يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوم وليلة للمقيم‏)‏‏)‏ رفعه كما رفعة شعبة وأبو خالد الدالاني عن الحكم وأبو معاوية عن الأعمش عن الحكم وكذلك رواه مرفوعا عن المقدام بن شريح عن أبيه ومن رفعه أحفظ وأثبت ممن وقفه وأحتج بعض أصحابنا للمسح في السفر دون الحضر بأنها رخصة لمشقة السفر قياسا على الفطر والقصر وهذا ليس بشيء لأن القياس والنظر لا يعرج عليه مع صحة الأثر واختلف العلماء في توقيت المسح على الخفين فقال مالك وأصحابه والليث بن سعد لا وقت للمسح على الخفين ومن لبس خفيه وهو طاهر يمسح ما بدا له في الحضر والسفر المقيم والمسافر في ذلك سواء وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر والحسن البصري وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في التمهيد وروي في المسح بلا توقيت عن النبي -عليه السلام- حديث أبي بن عمارة وهو حديث لا يثبت وليس له إسناد قائم‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري والأوزاعي والحسن بن حي والشافعي وأحمد بن حنبل وداود والطبري للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وقد روي عن مالك التوقيت في المسح في رسالته إلى بعض الخلفاء وأنكر ذلك أصحابه وروي التوقيت عن النبي -عليه السلام- من وجوه كثيرة من حديث علي بن أبي طالب وخزيمة بن ثابت وصفوان بن عسال وأبي بكرة وغيرهم وروي عن عمر بن الخطاب التوقيت في المسح على الخفين من طرق قد ذكرتها في ‏(‏‏(‏ التمهيد‏)‏‏)‏ أكثرها من حديث أهل العراق وبأسانيد حسان وثبت ذلك عن علي وبن مسعود وبن عباس وسعد بن أبي وقاص على اختلاف عنه وعمار بن ياسر وحذيفة وأبي مسعود الأنصاري والمغيرة بن شعبة وغيرهم وعليه جمهور التابعين وأكثر الفقهاء وهو الاحتياط عندي لأن المسح ثبت بالتواتر واتفق عليه جماعة أهل السنة واطمأنت النفس إلى ذلك فلما قال أكثرهم إنه لا يجوز المسح للمقيم أكثر من يوم وليلة خمس صلوات ولا يجوز للمسافر أكثر من خمس عشرة صلاة ثلاثة أيام ولياليها - وجب على العالم أن يؤدي صلاته بيقين واليقين الغسل حتى يجمعوا على المسح ويتفق جمهورهم على ذلك ويكون الخارج عنهم في ذلك شاذا كما شذ عن جماعتهم من لم ير المسح ذكر أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حاتم بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن حرملة قال قال لي سعيد بن المسيب إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهران وأنت مقيم - كفاك إلى مثلها من الغد وللمسافر ثلاث ليال واختلف الفقهاء أيضا في الخف المخرق والمسح عليه فقال مالك وأصحابه يمسح عليه إذا كان الخرق يسيرا ولم تظهر منه القدم فإن ظهرت منه القدم لم يمسح عليه وقال بن خويز منداد معناه أن يكون الخرق لا يمنع الانتفاع به ومن لبسه يكون مثله يمشي فيه وينتفع به وبنحو قول مالك في ذلك قال الثوري والليث بن سعد والشافعي على اختلاف عنهم في ذلك وقد روي عن الثوري إجازة المسح على الخف المخرق وإن تفاحش خرقه قال بعضهم عنه ما دام يسمى خفا قال وقد كان خفاف المهاجرين والأنصار لا تسلم من الخرق وروي عن الشافعي فيه تشديد قال في الكتاب المصري إذا كان الخرق في مقدم الرجل فلا يجوز أن يمسح عليه إذا بدا منه شيء وقال الأوزاعي يمسح على الخف وعلى ما ظهر من القدم وهو قول الطبري وأصله جواز المسح إذا كان ما ظهر منه يغطيه الجورب وإن ظهر شيء من القدم لم يمسح وهذا على أصله في إجازة المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين وهو قول الثوري وأبي يوسف ومحمد ولا يجوز المسح على الجوربين عند أبي حنيفة والشافعي إلا أن يكونا مجلدين وهو أحد قولي مالك ولمالك قول آخر لا يجوز المسح على الجوربين وإن كانا مجلدين واختلفوا فيمن نزع خفيه بعد أن مسح عليهما فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما إذا كان ذلك غسل قدميه‏.‏

وقال مالك والليث مثل ذلك إلا أنهما قالا إن غسلهما مكانه أجزأه وإن أخر غسلهما استأنف الوضوء وقال الحسن بن حي إذا خلع نعليه أعاد الوضوء من أوله ولم يفرق بين تراخي الغسل وغيره وقال بن أبي ليلى وداود إذا نزع خفيه بعد المسح صلى كما هو وليس عليه غسل رجليه ولا استئناف الوضوء قياسا على مسح شعر الرأس وقال بكل قول من هذه الأقوال جماعة من فقهاء التابعين وروي عن الأوزاعي في هذه روايتان إحداهما يعيد الوضوء والأخرى أنه يغسل رجليه خاصة وعن إبراهيم النخعي في ذلك ثلاث روايات إحداها أنه لا شيء عليه مثل قول بن أبي ليلى وهو قول الحسن البصري والثانية أن يعيد الوضوء والثالثة أن يغسل قدميه فوجه قول بن أبي ليلى ومن قال بقوله أن نزع الخف ليس بحدث وقد كان على طهارة تجب له الصلاة بها ثم اختلفوا فلا يزيل اختلافهم طهارته وشبهه بعضهم بالمسح على الرأس ثم حلقه ومن قال يغسل قدميه حجته أن العلة الموجبة للمسح مغيب القدمين في الخفين فإذا ظهرتا عاد الحكم إلى أصله فوجب غسله ومن قال بغسلهما مكانه وابتدأ الوضوء راعى تبعيض الوضوء وهذا المعنى راعى من رأى استئناف الوضوء والله أعلم وفي التمهيد مسائل من هذا الباب وآثار كثيرة ليس موضع ذكرها هذا الكتاب‏.‏

وأما حديث مالك في تأخير المسح على الخفين حين بال في السوق وتوضأ فمحمول عند أصحابنا أنه نسي لا أنه تعمد تبعيض وضوئه وهو محتمل لذلك وليس في حديث أنس موضع للقول غير المسح في الحضر والباب كله يدل عليه‏.‏

64- مالك عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص وهو أميرها فرآه عبد الله بن عمر يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه فقال له سعد سل أباك إذا قدمت عليه فقدم عبد الله فنسي أن يسأل عمر عن ذلك حتى قدم سعد فقال أسألت أباك فقال لا فسأله عبد الله فقال عمر إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما قال عبد الله وإن جاء أحدنا من الغائط فقال عمر نعم وإن جاء أحدكم من الغائط وذكرنا هذا الحديث من طرق عن عبد الله بن دينار وأبي الزبير وأبي سلمة عن عبد الرحمن كلهم عن بن عمر بهذا المعنى وإنكار بن عمر على سعد إنما كان المسح في الحضر لأنه جهل مسح الخفين في الحضر وهو بين في حديث مالك وفي رواية بن جريج عن نافع في هذا الخبر ‏(‏‏(‏وهو مقيم بالكوفة‏)‏‏)‏ وهو ظاهر حديث مالك وهذا يقتضي المسح للمقيم فمن أراد رواية هذا الخبر باختلاف ألفاظه واتفاق معانيه نظره في التمهيد‏.‏

وأما قول عمر وشرطه فيه ‏(‏‏(‏إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان‏)‏‏)‏ فقد ثبت ذلك عن النبي -عليه السلام- من حديث الشعبي عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه عن النبي -عليه السلام- رواه عن الشعبي يونس بن أبي إسحاق وذكره بن أبي زائدة ومجالد بن سعيد وغيرهم قال الشعبي شهد لي عروة على أبيه كذلك وشهد أبوه عن النبي - عليه السلام وقد ذكرت ذلك كله في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ بالطرق والأسانيد وأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يمسح على الخفين إلا من لبسهما على طهارة إلا أنهم اختلفوا في هذا المعنى فيمن قدم في وضوئه غسل رجليه ولبس خفيه ثم أتم وضوءه هل يمسح عليهما أم لا‏)‏ وهذا إنما يصح على قول من أجاز تقديم أعضاء الوضوء بعضها على بعض ولم يوجب النسق ولا الترتيب فيها وهي مسألة قد ذكرناها فيما تقدم من كتابنا هذا‏.‏

وأما هذه المسألة فقال أبو حنيفة وأصحابه من غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل وضوءه أجزأه أن يمسح عليهما‏.‏

وقال مالك والشافعي لا يجزئه إلا أن يكون لبس خفيه بعد أن أكمل الوضوء وقال الطحاوي محتجا للكوفيين يجوز أن يقال إن رجليه طاهرتان إذا غسلهما ولم يكمل الطهارة قبل ذلك كما يقال صلى ركعتين وإن لم يتم صلاته وقال غيره منهم إنما يراعى الحدث والحدث لا يرد إلا على طهارة كاملة فهو كمن يقدم رجليه وحجة أصحابنا أن من لبس خفيه قبل كمال طهارته فكأنه مسحهما قبل غسل رجليه لأن في حديث المغيرة إذا أدخلت رجليك في الخفين وأنت طاهر فامسح عليهما ولا يكون طاهرا إلا بكمال الطهارة وكذلك في حديث أبى بكرة إذا تطهر فلبس خفيه مسح عليهما وهذا يقتضي أن يكون لبسه خفيه بعد تقدم طهارته على الكمال‏.‏

وأما أصحاب الشافعي فيبطلون الطهارة على غير الترتيب وليس عندهم على طهارة من فعل ذلك فكيف يمسح وقد تقدم القول في ذلك لهم وعليهم ومن هذه المسألة تفرع الجواب فيمن لبس أحد خفيه بعد غسل إحدى رجليه وقبل أن يغسل الأخرى فقال مالك لا يمسح على خفيه من فعل ذلك لأنه قد لبس الخف الآخر قبل تمام طهارته وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق‏.‏

وقال أبو حنيفة والثوري والمزني والطبري وداود يجوز له أن يمسح وهو قول طائفة من أصحابنا منهم مطرف وقد أجمعوا أنه لو نزع الخف الأول بعد لبسه جاز له المسح وفي هذا الباب سئل مالك عن رجل توضأ وعليه خفاه وسها عن المسح عليهما حتى جف وضوءه وصلى قال ليمسح على خفيه وليعد الصلاة ولا يعد الوضوء هذا لأن تبعيض الوضوء عنده سهوا لا يضره ولو تعمد ذلك ابتدأ الوضوء وهذا أصل قد تكرر القول فيه‏.‏

باب العمل في المسح على الخفين

65- مالك عن هشام بن عروة أنه رأى أباه يمسح على الخفين قال وكان لا يزيد إذا مسح على الخفين على أن يمسح ظهورهما ولا يمسح بطونهما‏.‏

66- مالك أنه سأل بن شهاب عن المسح على الخفين كيف هو فأدخل بن شهاب إحدى يديه تحت الخف والأخرى فوقه ثم أمرهما قال مالك وقول بن شهاب أحب ما سمعت إلي في ذلك ولم يختلف قول مالك أن المسح على الخفين على حسب ما وصف بن شهاب إلا أنه لا يرى الإعادة على من اقتصر على مسح ظهور الخفين إلا في الوقت ومن فعل ذلك وذكر في الوقت مسح أعلاهما وأسفلهما ثم أعاد تلك الصلاة في الوقت وهو قول بن القاسم وجمهور أصحاب مالك إلا بن نافع فإنه رأى الإعادة على من فعل ذلك في الوقت وبعده وكلهم يقول فمن مسح بطونهما دون ظهورهما يعنون أسفلهما دون أعلاهما - أعاد أبدا إلا أشهب فإنه لم ير الإعادة من ذلك أيضا إلا في الوقت وقد روي عن بعض أصحاب الشافعي أنه أجاز أن يمسح على باطن الخف دون ظهره‏.‏

وأما الشافعي فقد نص أنه لا يجوز المسح على أسفل الخف ويجزئه على ظهره فقط ويستحب ألا يقصر أحد عن ظهور الخفين وبطونهما معا كقول مالك وبن شهاب وهو قول عبد الله بن عمر ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن نافع عن بن عمر أنه كان يمسح ظهور خفيه وبطونهما ورواه الثوري عن بن جريج ورواه بن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع عن بن عمر أنه كان يمسح أعلاهما وأسفلهما وذكر الزبيدي عن الزهري قال إنما هما بمنزلة رجليك ما لم تخلعهما والحجة لمالك والشافعي في مسح ظهور الخفين وبطونهما معا - حديث المغيرة بن شعبة عن النبي -عليه السلام- ‏(‏‏(‏أنه كان يمسح أعلى الخف وأسفله رواه ثور بن زيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة ولم يسمعه ثور من رجاء وقد بينا علته في التمهيد‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري يمسح ظاهر الخفين دون بطونهما وبه قال أحمد وإسحاق وداود وهو قول علي بن أبي طالب وقيس بن سعد بن عبادة وعروة بن الزبير والحسن البصري وعطاء بن أبي وضاح وجماعة والحجة لهم ما ذكر أبو داود قال حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبى إسحاق عن عبد خير عن علي قال ‏(‏‏(‏لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه‏)‏‏)‏ وروى بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة قال ‏(‏‏(‏رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظهري الخفين‏)‏‏)‏ وهذان الحديثان يدلان على بطلان قول أشهب ومن تابعه أنه يجوز الاقتصار بالمسح على باطن الخف ومن جهة النظر ظاهر الخف في حكم الخف وباطنه في حكم النعل ولا يجوز المسح على النعلين وأيضا فإن المحرم لا فدية عليه في النعلين يلبسها ولا فيما له أسفل ولا ظهر له من الخف ولو كان لخف المحرم ظهر قدم ولم يكن له أسفل لزمته الفدية فدل على أن المراعي في الخف ما يستر ظهور القدمين وهو المراعي في المسح والله أعلم‏.‏

باب ما جاء في الرعاف

67- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا رعف انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى ولم يتكلم‏.‏

68- مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يرعف فيخرج فيغسل الدم عنه ثم يرجع فيبني على ما قد صلى‏.‏

69- مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي أنه رأى سعيد بن المسيب رعف وهو يصلي فأتى حجرة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بوضوء فتوضأ ثم رجع فبنى على ما قد صلى في هذا الباب وجوه من الفقه اختلف العلماء قديما وحديثا منها الرعاف هل هو حدث يوجب الوضوء للصلاة أم لا ومنها بناء الراعف على ما قد صلى ومنها بناء المحدث أي حدث كان إذا نزل بالمصلي بعد أن صلى بعض صلاته فانصرف فتوضأ هل يبني على ما صلى أم لا ونحن نورد في هذا الباب ما في ذلك للعلماء مختصرا كافيا بعون الله فأول ذلك قوله عن بن عمر ‏(‏‏(‏إنه لما رعف انصرف فتوضأ‏)‏‏)‏ حمله أصحابنا على أنه غسل الدم ولم يتكلم وبنى على ما صلى قالوا وغسل الدم يسمى وضوءا لأنه مشتق من الوضاءة وهي النظافة قالوا فإذا احتمل ذلك لم يكن لمن ادعى على بن عمر أنه توضأ للصلاة في دعواه ذلك - حجة لاحتماله الوجهين وكذلك تأولوا حديث سعيد بن المسيب لأنه قد ذكر الشافعي وغيره عنه أنه رعف فمسحه بصوفة ثم صلى ولم يتوضأ قالوا ويوضح ذلك فعل بن عباس أنه غسل الدم عنه وصلى وحمل أفعالهم على الاتفاق منهم أولى وخالف أهل العراق في هذا التأويل فقالوا إن الوضوء إذا أطلق ولم يقيد بغسل دم وغيره فهو الوضوء المعلوم للصلاة وهو الظاهر من إطلاق اللفظ مع أنه معروف من مذهب بن عمر ومذهب أبيه عمر إيجاب الوضوء من الرعاف وأنه كان عندهما حدثا من الأحداث الناقضة للوضوء إذا كان الرعاف ظاهرا سائلا وكذلك كل دم سال من الجسد وظهر فذكر بن أبي شيبة قال حدثنا هشيم قال أخبرنا بن أبي ليلى عن نافع عن بن عمر قال من رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ فإن لم يتكلم بنى على صلاته وإن تكلم استأنف الصلاة وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر قال ‏(‏‏(‏إذا رعف الرجل في الصلاة أو ذرعه القيء أو وجد مذيا فإنه ينصرف فيتوضأ‏)‏‏)‏ ثم عن نافع عن بن عمر قال من رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ ثم يرجع فيتم ما بقي على ما مضى ما لم يتكلم وقال الزهري الرعاف والقيء سواء يتوضأ منهما ويبني ما لم تتكلم وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عبد الحميد بن جبير أنه سمع سعيد بن المسيب يقول إن رعفت في الصلاة فاسدد منخريك وصل كما أنت فإن خرج من الدم شيء فتوضأ وأتم على ما مضى ما لم تتكلم قال أبو عمر ذكر بن عمر للمذي المجتمع على أن فيه الوضوء مع القيء والرعاف يوضح مذهبه فيما ذكرنا وروي مثل ذلك عن علي وبن مسعود وعلقمة والأسود وعامر الشعبي وعروة بن الزبير وإبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان كلهم يرى الرعاف وكل دم سائل من الجسد حدثا يوجب الوضوء للصلاة وبذلك قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في الرعاف والفصادة والحجامة وكل نجس خارج من الجسد يرونه حدثا ينقض الطهارة ويوجبها على من أراد الصلاة فإن كان الدم يسيرا غير سائل ولا خارج فإنه لا ينقض الوضوء عند جميعهم ولا أعلم أحدا أوجب الوضوء من يسير الدم إلا مجاهدا وحده والله أعلم وقد احتج أحمد بن حنبل في ذلك بأن عبد الله بن عمر عصر بثرة فخرج منها دم ففتله بيده ثم صلى ولم يتوضأ قال أبو عمر قد ذكرنا الخبر عن بن عمر وعن بن أبي أوفى بالإسناد عنهما في ‏(‏‏(‏ التمهيد‏)‏‏)‏ وفي الموطأ عن سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله في الدم اليسير الخارج من الأنف إذا غلبه بالفتل حتى لا يقطر ولا يسيل - نحو ذلك ومعلوم من مذهب سالم أنه كمذهب أبيه في الرعاف وذكر بن أبي شيبة حدثنا معمر بن سليمان عن عبيد الله بن عمر قال رأيت سالم بن عبد الله صلى ركعة من صلاة الغداة ثم رعف فخرج فتوضأ ثم جاء فبنى على ما صلى واحتج من رأى الدم السائل من الجسد ينقض الوضوء بحديث مرفوع من حديث عائشة لا يثبته أهل الحديث ولا عندهم له إسناد تجب به حجة واحتجوا أيضا بقول النبي -عليه السلام- للمستحاضة ‏(‏‏(‏إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهبت فاغتسلي وصلي وتوضئي لكل صلاة‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا فأوجب -عليه السلام- الوضوء على المستحاضة من دم العرق والسائل فكذلك كل دم يسيل من الجسد قال أبو عمر قوله في المستحاضة وتوضئي لكل صلاة لفظ قد اختلف فيه رواة ذلك الحديث وسنذكره في باب المستحاضة إن شاء الله‏.‏

وأما مذهب أهل المدينة فقال مالك الأمر عندنا أنه لا يتوضأ من رعاف ولا قيء ولا قيح ولا دم يسيل من الجسد ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبر أو نوم هذا قوله في موطئه وعليه جماعة أصحابه وكذلك الدم عنده يخرج من الدبر لا وضوء فيه ولا وضوء عنده إلا في المعتادات من الخارج من المخرجين على ما تقدم عنه في بابه من هذا الكتاب وإليه ذهب داود وقول الشافعي في الرعاف والحجامة والفصد وسائر الدماء الخارجة من الجسد كقول مالك سواء إلا ما يخرج من المخرجين القبل والدبر فإنه عنده حدث ينقض الوضوء وسواء كان الخارج من المخرجين ماء أو حصاة أو دودا أو بولا أو رجيعا على ما تقدم أيضا من مذهبه في موضعه في هذا الكتاب ومن حجته في ذلك أن دم العرق في المستحاضة إنما وجب فيه الوضوء لأنه خرج من المخرج وكل ما خرج من سبيل البول والغائط ففيه الوضوء قال ولا يجوز قياس سائر الجسد على المخرجين لأنهما مخصوصان في الاستنجاء بالأحجار وبأنهما سبيلا الأحداث المجتمع عليها ليس سائر الجسد يشبههما وممن كان لا يرى في الدماء الخارجة من غير المخرجين وضوءا طاوس ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبو الزناد وبه قال أبو ثور وقال يحيى بن سعيد ما أعلم على الراعف وضوءا قال وهذا الذي عليه الناس والحجة لأهل المدينة ولمن قال بقولهم إن الوضوء المجتمع عليه لا يجب أن يحكم بنقضه إلا بحجة من كتاب أو سنة لا معارض لمثلها أو بالإجماع من الأمة وذلك معدوم فيما وصفنا والله أعلم‏.‏

وأما بناء الراعف على ما قد صلى ما لم يتكلم فقد ثبت ذلك عن عمر وعلي وبن عمر وروي عن أبي بكر أيضا ولا مخالف لهم في ذلك من الصحابة إلا المسور بن مخرمة وحده وروي أيضا البناء للراعف على ما صلى ما لم يتكلم عن جماعة التابعين بالحجاز والعراق والشام ولا أعلم بينهم في ذلك اختلافا إلا الحسن البصري فإنه ذهب في ذلك مذهب المسور بن مخرمة إلا أنه لا يبني من استدبر القبلة في الرعاف وغيره وهو أحد قولي الشافعي واستحب ذلك إبراهيم النخعي وبن سيرين ذكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع قال حدثنا الربيع عن الحسن قال إذا استدبر القبلة استقبل وإن التفت عن يمينه أو شماله مضى في صلاته قال وكيع‏.‏

وحدثنا سفيان عن حماد عن إبراهيم قال أحب إلي في الرعاف إذا استدبر القبلة أن يستقبل قال بن أبي شيبة حدثنا هشيم قال حدثنا منصور عن بن سيرين قال أجمعوا على أنه إذا تكلم استأنف قال وأنا أحب أن يتكلم ويستأنف‏.‏

وقال مالك من رعف في صلاته قبل أن يعقد منها ركعة تامة بسجدتيها فإنه ينصرف فيغسل الدم عنه ويرجع فيبتدئ الإقامة والتكبير والقراءة ومن أصابه الرعاف في وسط صلاته أو بعد أن يرجع منها ركعة بسجدتيها انصرف فغسل الدم عنه وبنى على ما صلى حيث شاء إلا الجمعة فإنه لا يتمها إلا في الجامع قال مالك ولولا خلاف من مضى لكان أحب إلي للراعف أن يتكلم ويبتدئ الصلاة من أولها قال مالك ولا يبنى أحد في القيء ولا في شيء من الأحداث ولا يبنى إلا الراعف وحده وعلى هذا جمهور أصحاب مالك ومنهم من يرى أن يبنى الراعف على ما مضى قليلا كان أو كثيرا وعن الشافعي في الراعف روايتان إحداهما يبني والأخرى لا يبني‏.‏

وأما البناء في سائر الأحداث فقال أبو حنيفة وأصحابه كل حدث سبق المصلي في صلاته بولا كان أو غائطا أو رعافا أوريحا فإنه ينصرف ويتوضأ ويبنى على ما قد صلى وهو قول بن أبي ليلى وبه قال داود يبني في كل حدث بعد أن يتوضأ وليس الرعاف ولا القيء عنده حدثا وهو قول الشافعي في القديم ثم رجع عنه في الكتاب المصري‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه من أحدث في ركوعه أو سجوده يعيد ما أحدث فيه ولا يعتد به وكذلك قال مالك في الرعاف إذا رعف قبل تمام الركعة بسجدتيها لم يعتد بها ولم يبن عليها وقال الثوري إذا كان حدثه من رعاف أو قيء توضأ وبنى وإن كان حدثه من بول أو ريح أو ضحك في الصلاة أعاد الوضوء والصلاة وهو قول إبراهيم في رواية وقال الزهري يبني في الرعاف والقيء خاصة بعد أن يتوضأ ولا يبني في سائر الأحداث وليس الضحك في الصلاة حدثا عند الحجازيين وقال الأوزاعي إن كان حدثه من قيء أو ريح توضأ أو استقبل وإن كان من رعاف توضأ وبنى وكذلك الدم كله عنده مثل الرعاف وقال بن شبرمة من أحدث انتقض وضوءه فإن كان إماما قدم رجلا فصلى بقية صلاته فإن لم يفعل وصلى كل رجل ما عليه أجزأه والإمام يتوضأ ويستقبل قال أبو عمر قد أجمع العلماء على أن الراعف إذا تكلم لم يبن فقضى إجماعهم بذلك على أن المحدث أحرى ألا يبني لأن الحدث إن لم يكن كالكلام في مباينته للصلاة كان أشد منه الكلام وهذا أوضح لمن أراد الله هداه قال أبو عمر روى الكوفيون عن علي وعن سلمان الفارسي فيمن احدث في صلاته من بول أو ريح أو قيء أو رعاف أو غائط أن يتوضأ ويبني إلا أن أكثر الأحاديث عن علي ليس فيها إلا ذكر القيء والرعاف لا غير ولا يصح عنه البناء إلا في القيء والرعاف وهو قول بن شهاب قال أبو عمر واحتج بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي في هذا الباب بحديث شعبة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه عن النبي عليه السلام قال ‏(‏‏(‏لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور‏)‏‏)‏ وبحديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا هو أحدث حتى يتوضأ‏)‏‏)‏ وقد نوزعوا في تأويل ذلك وبالله التوفيق‏.‏

باب العمل في الرعاف

70- مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي أنه قال رأيت سعيد بن المسيب يرعف فيخرج منه الدم حتى تختضب أصابعه من الدم الذي يخرج من أنفه ثم يصلي ولا يتوضأ‏.‏

71- مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه رأى سالم بن عبد الله يخرج من أنفه الدم حتى تختضب أصابعه ثم يفتله ثم يصلي ولا يتوضأ قد مضى في الباب قبل هذا ما يغني عن تكراره فيه ولا أعلم أحدا من العلماء أوجب الوضوء للصلاة من قليل الدم يخرج من الجسد رعافا كان أو غيره إلا ما قدمت لك عن مجاهد والذين يوجبون الوضوء منه كلهم يراعي فيه أن يغلبه فلا يقدر على فتله لسيلانه وظهوره على ما تقدم وقد مضى مذهب مالك وغيره في هذا الباب والله الموفق للصواب والأصل عندي فيه أنه الوضوء المجتمع عليه لا ينتقض بما فيه تنازع واختلاف إلا أن تصح سنة بذلك يجب التسليم لها ووجه تبويب مالك لهذا الباب بعد الذي قبله أنه أعلم الخلاف في الباب الأول وجعل هذا الباب يبين لك ما عليه العمل عندهم في الدم الخارج من الجسد إلا أنه لا وضوء فيه وأنه لو كان حدثا لاستوى قليله وكثيره كسائر الأحداث وهذا هو الحق وبالله التوفيق‏.‏

باب العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف

72- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها فأيقظ عمر لصلاة الصبح فقال عمر نعم ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى عمر وجرحه يثعب دما ومعنى يثعب ينفجر وانثعب انفجر وثعب الماء فجره قاله صاحب العين وحديث عمر هذا هو أصل هذا الباب عند العلماء فيمن لا يرقأ دمه ولا ينقطع رعافه أنه لا بد له من الصلاة في وقتها إذا أيقين أنه لا ينقطع قبل خروج الوقت وليس حال من وصفنا حاله بأكثر من سلس البول والمذي لأن البول والمذي متفق على أن خروجهما في الصحة حدث وكذلك اختلفوا في البول والمذي الخارجين لعلة مرض أو فساد هل يوجب خروجهما الوضوء كخروجهما في الصحة وسنذكر هذا في بابه في هذا الكتاب إن شاء الله وفائدة حديث عمر عند أصحابنا أنه صلى وجرحه لا يرقأ ولم يذكر وضوءا وقد نزعوا فيما نزعوا فيه من ذلك وأجمعوا أنه لا يمنع ذلك من أراد الصلاة على كل حال وذكر عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة قال كانت لي دمامل فسألت أبي عنها فقال إذا كانت ترقأ فاغسلهما وتوضأ وإن كانت لا ترقأ فتوضأ وصل وإن خرج منها شيء فإن عمر قد صلى وجرحه يثعب دما وحديث عمر رواه مالك في ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ عن هشام بن عروة عن أبيه أن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها فأيقظ عمر لصلاة الصبح فقال عمر نعم ولا حظ في الإسلام لمن تركع الصلاة فصلى عمر وجرحه يثعب دما ورواه سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه قال حدثني سليمان بن يسار أن المسور بن مخرمة أخبره قال دخلت أنا وبن عباس على عمر حين طعن فقلنا الصلاة فقال ‏(‏‏(‏أما إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة‏)‏‏)‏ فصلى وجرحه يثعب دما ذكره عبد الرزاق ووكيع عن الثوري وذكر بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن بن شهاب أن سليمان بن يسار أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره عن عمر بن الخطاب إذ طعن أنه دخل هو وبن عباس من الغد فأفزعوه للصلاة ففزع وقال ‏(‏‏(‏نعم لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة‏)‏‏)‏ فصلى والجرح يثعب دما وروى معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال لما طعن عمر احتملته أنا ونفر من الأنصار حتى أدخلناه منزله فلم يزل في غشية واحدة حتى أسفر الصبح فقال رجل إنكم لن تفزعوه بشيء إلا بالصلاة قال فقلنا الصلاة يا أمير المؤمنين ‏!‏ قال ففتح عينيه ثم قال أصلى الناس قلنا نعم قال ‏(‏‏(‏أما إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة‏)‏‏)‏ فصلى وجرحه يثعب دما‏.‏

وأما قول عمر لا حظ في الإسلام فالحظ النصيب يقول لا نصيب في الإسلام وقوله يحتمل وجهين ‏(‏أحدهما‏)‏ خروجه من الإسلام بذلك ‏(‏والآخر‏)‏ أنه لا كبير حظ له في الإسلام كما قيل لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ولا إيمان لمن لا أمانة له وليس المسكين بالطواف ونحو هذا وهو كلام خرج على ترك عمل الصلاة لا على جحودها وأجمع المسلمون أن جاحد فرض الصلاة كافر حلال دمه كسائر الكفار بالله وملائكته وكتبه ورسله ولا له دين يفر عليه دمه واختلف في تارك الصلاة وهو قادر عليها غير جاحد بفرضها فثبت عن عمر قوله ‏(‏‏(‏لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة‏)‏‏)‏ وثبت عن بن مسعود أنه قال ما تارك الصلاة بمسلم وروي عن النبي -عليه السلام- أنه قال ‏(‏‏(‏العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر‏)‏‏)‏ وآثار كثيرة مذكورة في التمهيد بنحو ذلك‏.‏

وقال مالك وأصحابه إذا أبى من الصلاة وقال لا أصلي ضربت عنقه وهو معنى قول الشافعي‏.‏

وقال الشافعي يقول له الإمام صل فإن قال لا أصلي سئل عن العلة التي من أجلها ترك الصلاة فإن ادعى علة بجسده لا يطيق من أجلها القيام والركوع والسجود قيل له صل كيف أطقت فإن قال لا أصلي وحضر وقتها فلم يصل وأبي حتى خرج وقتها قتله الإمام ذكره الطبري عن الربيع عن الشافعي وذكر المزني قال الشافعي يقال لمن ترك الصلاة حتى خرج وقتها بلا عذر إن صليت وإلا استتبناك فإن تبت وإلا قتلناك كما من يكفر يقال له إن آمنت وإلا قتلناك وقد قيل يستتاب ثلاثا فإن صلى فبها وإلا قتل وذلك حسن قال المزني وقد قال في المرتد إن لم يتب قتل ولا ينتظر به ثلاثا لقوله عليه السلام ‏(‏ ‏(‏من بدل دينه فاضربوا عنقه‏)‏‏)‏ وقد جعل تارك الصلاة بلا عذر كتارك الإيمان فله حكمه في قياس قوله لأنه عنده مثله فلا ينتظر به ثلاثا‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه يعاقب ويضرب ويحبس أبدا حتى يصلي وبه قال داود وذكر الطبري بإسناد له عن الزهري قال إذا ترك الرجل الصلاة فإن كان إنما تركها لأنه ابتدع دينا غير الإسلام قتل وإن كان إنما هو فاسق فإنه يضرب ضربا مبرحا ويسجن حتى يرجع قال والذي يفطر رمضان كذلك قال الطبري وهو قولنا وإليه يذهب جماعة أهل الأمة من أهل الحجاز والعراق مع شهادة النظر له بالصحة‏.‏

وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وطائفة تارك الصلاة وهو مقر بها إذا أبى أن يصليها - كافر خارج بذلك من الإسلام فيستتاب فإن تاب وصلى وإلا قتل ولم يرثه ورثته وكان ماله فيئا وقد ذكرنا وجوه هذه الأقوال كلها والاعتلال لها من القرآن والسنة والآثار في ‏(‏‏(‏ التمهيد‏)‏‏)‏ عند قوله عليه السلام في حديث زيد بن أسلم وحديث بسر بن محجن ‏(‏‏(‏ما لك لم تصل معنا ألست برجل مسلم‏)‏‏)‏ فمن أراد الوقوف على ذلك قابله هناك إن شاء الله‏.‏

73- وفي حديث مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال ما ترون فيمن غلبه الدم من رعاف فلم ينقطع عنه قال مالك قال يحيى بن سعيد ثم قال سعيد بن المسيب أرى أن يومئ برأسه إيماء سؤال العالم وطرحه العلم على تلاميذه وجلسائه‏.‏

وأما قول سعيد أرى أن يومئ برأسه إيماء فذلك لما كان في ترك الإيماء من تلوث ثيابه في ركوعه وسجوده وأنه لا يسلم من كانت تلك حاله من تنجيس موضع سجوده ونجاسه ثيابه فإذا جاز لمن في الطين المحيط والماء أن يصلي إيماء من أجل الطين فالدم أولى بذلك ولا أعلم مالكا اختلف في قوله في الراعف الذي لا ينقطع رعافه أنه لا يصلي إلا إيماء واختلف قوله في الصلاة في الطين والماء الغالب وفي الصلاة في الطين حديث مرفوع من حديث يعلى بن أمية ‏(‏‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه والسماء من فوقهم والبلة من أسفلهم وحضرت الصلاة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن وأقام وتقدمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم على راحلته وهم على رواحلهم يومئ إيماء فجعل السجود أخفض من الركوع‏)‏‏)‏ وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وعن أنس بن مالك وجابر بن زيد وطاوس وعمارة بن غزية أنهم صلوا في الماء والطين بالإيماء والدم أحرى بذلك والله أعلم ذكر بن وهب عن يونس عن بن شهاب قال إذا غلبه الرعاف فلم يقدر على القيام والركوع والسجود أومأ برأسه إيماء‏.‏

باب الوضوء من المذي

74- مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه قال علي فإن عندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أستحي أن أسأله قال المقداد فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ‏(‏‏(‏إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح ‏(‏1‏)‏ فرجه بالماء وليتوضأ وضوءه للصلاة‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر حديث مالك عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد لم يسمعه سليمان من المقداد ولا من علي لأنه لم يدركهما وقد ذكرنا مولده ووفاته ووفاة المقداد في التمهيد وإنما روى سليمان بن يسار هذا الخبر عن بن عباس عن علي ذكره بن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن بن عباس قال قال علي أرسلت المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن المذي الحديث مذكور في التمهيد ورواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن بن عباس أنه سمع عليا بالكوفة فذكر الحديث وقد خولف في ذلك عمرو بن دينار على حسب ما ذكرناه في التمهيد وسماع سليمان بن يسار من بن عباس صحيح والحديث ثابت عند أهل العلم صحيح له طرق شتى عن علي وعن المقداد وعن عمار أيضا كلها صحاح حسان أحسنها ما ذكره عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء أريت إن وجدت المذي أكنت ماسحه مسحا قال لا المذي أشد من البول يغسل غسلا ثم أقبل يحدثنا قال أخبرني عايش بن أنس أخو بني سعد بن ليث قال تذاكر علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود المذي فقال علي إني رجل مذاء فاسألوا عن ذلك النبي عليه السلام فإني أستحي أن أسأله عن ذلك لمكان ابنته مني ولولا مكان ابنته لسألته قال عايش فسأله أحد الرجلين عمار أو المقداد قال عطاء قد سماه عايش فنسيته فقال النبي عليه السلام ‏(‏‏(‏ذلكم المذي إذا وجده أحد منكم فليغسل ذلك منه ثم ليتوضأ فيحسن وضوءه ثم لينضح فرجه‏)‏‏)‏‏.‏

قال بن جريج فسألت عطاء عن قول النبي عليه السلام ‏(‏‏(‏يغسل ذلك منه‏)‏‏)‏ قلت حيث المذي يغسل منه أم ذكره كله فقال بل حيث المذي منه فقط فقلت لعطاء أرأيت إن وجدت مذيا فغسلت ذكري كله أأنضح مع ذلك فرجي منه قال لا حسبك قال أبو عمر في رواية يحيى عن مالك في هذا الحديث ‏(‏‏(‏فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة وفي رواية بن بكير والقعنبي وبن وهب وسائرهم ‏(‏‏(‏فليغسل فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة‏)‏‏)‏ وهذا هو الصحيح وقد رواه عبد الرزاق عن مالك كما رواه يحيى قال ‏(‏‏(‏فلينضح فرجه ولو صحت رواية يحيى ومن تابعة كانت مجملة تفسرها رواية غيره لأن النضح في لسان العرب يكون مرة الغسل ومرة الرش وقد ذكرنا شواهد ذلك في غير هذا الموضع ولا يختلفون أن صاحب المذي عليه الغسل لا الرش وإنما اختلفوا فيما يغسل منه الذكر كله فقالت طائفة يغسل منه الذكر كله وقيل لا يغسل منه إلا المخرج كالبول وقد قال عمر فليغسل ذكره‏.‏

75- مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال إني لأجده ينحدر مني مثل الخريزة فإذا وجد ذلك أحدكم فليغسل ذكره وليتوضأ وضوءه للصلاة يعني المذي واختلف عن بن عباس في ذلك فروى عنه عكرمة وغيره اغسل ذكرك وما أصابك ثم توضأ وضوءك للصلاة وقال عكرمة هي ثلاثة المني والودي والمذي فأما الودي فإنه الذي يكون مع البول وبعده ففيه غسل الفرج والوضوء للصلاة‏.‏

وأما المذي فهو إذا لاعب الرجل امرأته ففيه غسل الفرج والوضوء للصلاة‏.‏

وأما المني فهو الماء الذي تكون فيه الشهوة الكبرى ومنه يكون الولد ففيه الغسل قال أبو عمر يحتمل قوله ‏(‏‏(‏ففيه غسل الفرج‏)‏‏)‏ أن يكون الذكر كله ويحتمل أن تكون الحشفة وقد روى عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن مجاهد عن بن عباس في المذي والودي والمني حق الغسل ومن المذي والودي الوضوء يغسل حشفته ويتوضأ وعن الثوري عن زياد بن الفياض قال سمعت سعيد بن جبير يقول في المذي يغسل حشفته وعن هشيم عن أبي حمزة عن بن عباس في المذي قال اغسل ذكرك وما أصابك وتوضأ وضوءك للصلاة قال أبو عمر أما لفظ المذي عند أهل اللغة ففي ‏(‏‏(‏الغريب‏)‏‏)‏ المصنف عن الأموي قال مذيت وأمذيت وهو المذي والمني والودي مشددات قال أبو عبيدة وغيره يخفف المذي والودي قال والصواب عندنا أن المني وحده بالتشديد والآخران بالتخفيف وفي ‏(‏‏(‏الجمهرة‏)‏‏)‏‏.‏

قال والمذي الماء الذي يخرج عند الإنعاظ وليس كالذي يوجب الغسل قال بن دريد ربما قيل المذي مشددا ولم يذكر الودي وفي بعض نسخ ‏(‏‏(‏العين‏)‏‏)‏ ودي مشدد وفي بعضهما مخفف‏.‏

وقال مالك المذي عندنا أشد من الودي لأن الفرج يغسل عندنا من المذي والودي عندنا بمنزلة البول‏.‏

وقال مالك وليس على الرجل أن يغسل أنثييه من المذي إلا أن يظن أنهما أصابهما منه شيء قال مالك والودي يكون من الجمام يأتي بأثر البول أبيض خاثرا قال والمذي تكون معه شهوة وهو رقيق إلى الصفرة يكون عند ملاعبة الرجل أهله وعند حدوث الشهوة قال أبو عمر قد جعل مالك المذي أشد من البول وقال لأن الفرج يغسل منه ومعلوم أن البول يغسل منه المخرج والحشفة فإذا كان المذي أشد منه فلا وجه لذلك إلا أن يغسل منه الذكر كله ووجه يحتمله أيضا قد اختلف الفقهاء فيه وهو أنه لا مدخل للأحجار في المذي وأنه لا يستنجى منه بالأحجار كما يصنع بالبول والغائط ولا بد له من الغسل بالماء وهو عندي معنى قول مالك لأن الفرج يغسل من المذي والأصل في النجاسات عنده أنه لا يطهرها إلا الماء وحده إلا ما خص به البول والغائط من الأحجار وذلك لتواترهما ولأنهما ينوبان الإنسان كثيرا فخفف في أمرهما والله أعلم واختلف أصحابنا فيما يغسل من أجل المذي من الذكر فقال بعضهم يغسل مخرجه كالبول وقال بعضهم يغسل الذكر كله عبادة إلا المخرج فإنه للنجاسة وقد اختلف في ذلك السلف قديما كما ذكرت لك‏.‏

وقال الشافعي لا يجوز الاستنجاء من الدم الخارج من الدبر ولا من المذي كما لا يجوز للمستحاضة أن تستنجي بغير الماء وأبو حنيفة على اصله في جواز إزالة النجاسات بكل ما أزالها ومن الحجة في غسل جميع الذكر من المذي ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏يغسل ذكره ويتوضأ‏)‏‏)‏ وحمله على عموم الفائدة أولى حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وأبو معاوية وهشيم عن الأعمش عن منذر بن يعلى الثوري عن أبي يعلى عن محمد بن الحنفية عن علي قال كنت رجلا مذاء فكنت أستحي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت المقداد فسأله فقال ‏(‏‏(‏يغسل ذكره ويتوضأ‏)‏‏)‏ وليس في شيء من أحاديث المذي ذكر للاستنجاء على كثرتها واختلاف طرقها‏.‏

باب الرخصة في ترك الوضوء من المذي

76- مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه ورجل يسأله فقال إني لأجد البلل وأنا أصلي أفأنصرف فقال له سعيد لو سال على فخذي ما انصرفت حتى أقضي صلاتي‏.‏

77- مالك عن الصلت بن زبيد أنه قال سألت سليمان بن يسار عن البلل أجده فقال انضح ما تحت ثوبك بالماء واله عنه وترجمته في هذا الباب بالرخصة في ترك الوضوء من المذي ليست من الباب في شيء لأنه لا رخصة عند أحد من علماء المسلمين في المذي الخارج على الصحة كلهم يوجب الوضوء منه وهي سنة مجمع عليها لا خلاف والحمد لله فيها حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح حدثنا أبو بكر بن شيبة حدثنا هشيم بن بشر عن يزيد بن أبي زياد قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي فقال ‏(‏‏(‏فيه الوضوء وفي المني الغسل‏)‏‏)‏ ولما صح الإجماع في وجوب الوضوء من المذي لم يبق إلا أن تكون الرخصة في خروجه من فساد وعلة فإذا كان خروج كذلك فلا وضوء فيه عند مالك ولا عند سلفه وعلماء أهل بلده لأن ما لا يرقأ ولا ينقطع فلا وجه للوضوء منه ومعنى قول سعيد بن المسيب أنه يلزم من فحش سلس بوله أو مذيه ولم يرقأ دم جرحه أو دمله أن يغسله من ثوبه ولا يدخل في صلاته حتى يغسل ما فحش منه وكثر فإذا دخل في الصلاة لم يقطعها ولو سال على فخذه فأراد سعيد بقوله ذلك أن كثرة المذي وفحشه في البدن والثوب لا يمنع المصلي من تمام صلاته وليس كذلك ابتداءه لأنه يؤمر بغسل الكثير الفحش منه قبل دخوله في الصلاة ولا يؤمر بقطعها وفي رواية بن القاسم عن مالك في هذا الحديث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال يحيى بن سعيد‏.‏

وأخبرني من كان عند سعيد أنه قال للرجل فإذا انصرفت إلى أهلك فاغسل ثوبك قال يحيى‏.‏

وأما أنا فلم أسمعه منه وهذه الزيادة رواها يحيى بن مسكين وغيره عن بن القاسم وهي توضح لك ما فسرنا وبالله توفيقنا ذكر بن وهب عن الليث بن سعد أن كثير بن فرقد حدثه أن عبد الرحمن الأعرج حدثه أن عمر بن الخطاب قال إني لأجد المذي ينحدر مني مثل الجمان أو اللؤلؤ فما التفت إليه ولا أباليه وهذا يدل أن عمر استنكحه أمر المذي وغلب عليه وسلس منه كما يسلس البول فقال فيه القول وهذا خلاف القول الذي حكى عنه أسلم مولاه في حال الصحة على ما في الموطأ وذكر بن أبي ذئب في موطئه عن أخيه المغيرة بن عبد الرحمن أنه قال كان يخرج مني المذي قال فربما توضأت المرتين والثلاث فأتيت ربيعة بن أبي عبد الرحمن فسألته فقال والله ما أدري ائت القاسم بن محمد فسله عسى أن تجد عنده علما قال فجئت القاسم فسألته فقال إنما ذلك من الشيطان فاله عنه فلهوت عنه فانقطع عني وهذا الباب فيمن كان خروج المذي منه لعلة وفساد لا لصحة وشهوة وهو الذي يسميه أصحابنا المستنكح وهو صاحب السلس الذي لا ينقطع مذيه أو بوله لعلة نزلت به من كبر أو برد أو غير ذلك وقد أجمع العلماء على أنه لا يسقط ذلك عنه فرض الصلاة وأن عليه أن يصليها في وقتها على حالته تلك إذ لا يستطيع غيرها واختلفوا في إيجاب الوضوء عليه للصلاة مع حاله تلك فذهب مالك أنه لا يجب له الوضوء لكل صلاة ولكنه يستحب له ذلك اعتبارا بالمستحاضة والوضوء عنده لها استحباب أيضا وحجته قوله تعالى ‏(‏أو جاء أحد منكم من الغائط‏)‏ ‏[‏النساء 43‏]‏‏.‏

والمائدة 6 وذلك لما كان معتادا معروفا قصد الغائط من أجله ولأن دم المستحاضة دم عرق ولا يوجب ذلك عنده وضوءا وقد مضى في باب الأحداث وجه قوله ويأتي القول في المستحاضة في موضعه إن شاء الله‏.‏

وقال الشافعي يتوضأ لكل صلاة وقال الأوزاعي يجمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد وقال الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما الوضوء على المستحاضة واجب لكل صلاة رووا في ذلك آثارا سنذكرها أو بعضها في بابها إن شاء الله وقالوا تؤدى صلاتها على تلك الحال فكذلك وضوءها وكذلك قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏فإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وتوضئي لكل صلاة‏)‏‏)‏ وسنوضح ذلك في باب المستحاضة إن شاء الله‏.‏

باب الوضوء من مس الفرج

78- مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء فقال مروان ومن مس الذكر الوضوء فقال عروة ما علمت هذا فقال مروان بن الحكم أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏‏(‏إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ‏)‏‏)‏ قد ذكرنا بسرة والاختلاف في نسبها في كتاب الصحابة وفي التمهيد أيضا وذكرنا في التمهيد ما وقع عندي في نسخة عبيد الله بن يحيى عن أبيه من الوهم في إسناد هذا الحديث وذكرنا الاختلاف فيه على عروة وعلى هشام وعلى بن شهاب وذكرنا ما يصح من ذلك في حديث بسرة وأنه لا يصح فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما في ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ من رواية مالك عن عبد الله بن أبي بكر سمع عروة سمع مروان سمع بسرة سمعت النبي عليه السلام وقد وهم فيه بن وهب فذكره في موطئه قال أخبرني مالك وبن لهيعة وعمرو بن الحارث عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عروة بن الزبير عن بسرة وهذا خطأ على مالك وقد أوضحنا علل ذلك في التمهيد ونذكر ها هنا عيونا كافية إن شاء الله حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن زكريا بن يحيى بن المقدسي ببيت المقدس قال حدثنا مضر بن محمد قال سألت يحيى بن معين أي حديث يصح في مس الذكر فقال يحيى لولا حديث جاء عن عبد الله بن أبي بكر لقلت لا يصح فيه شيء فإن مالكا يقول حدثنا عبد الله بن أبي بكر قال حدثنا عروة قال حدثنا مروان قال حدثتني بسرة فهذا يحيى بن معين موضعه من هذا الشأن الموضع المعلوم وقد صحح حديث بسرة من رواية مالك وكان يقول بالوضوء من مس الذكر لذلك ومن قال في حديث بسرة إنه عن حرسي جاهل - متعسف لا يدري وذلك أنه اعتل بعلة لو تدبرها أمسك عنها ذكر سفيان بن عيينة قال حدثني عبد الله بن أبي بكر قال تذاكر أبي وعروة ما يتوضأ منه فقال عروة في مس الذكر الوضوء فقال أبي إن هذا لشيء ما سمعته فقال عروة بلى أخبرني مروان بن الحكم قال أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏‏(‏من مس ذكره فليتوضأ‏)‏‏)‏ فقلت إني أشتهي أن ترسل - وأنا شاهد - رجلا أو قال حرسيا إلى بسرة فأرسل فجاء الرسول من عندها بذلك وحديث شعيب عن الزهري قال أخبرني عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة بن الزبير يقول ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده فأنكرت ذلك وقلت لا وضوء على من مسه فقال مروان أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء من مس الذكر قال عروة فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلا من حرسه فأرسله إلى بسرة فسألها فأخبرته بمثل الذي حدثني به عنها مروان وهذان الحديثان قد ذكرتهما في التمهيد بأسانيدهما وفيهما سماع عروة من مروان وسماع مروان من بسرة وإرسال من أرسلا إلى بسرة حرسيا كان أو شرطيا - لا يقدح فيما صح من سماع مروان له من بسرة بل يزيدة قوة وهذا ما لا خفاء به على من له أدنى علم ومعرفة فهذا هو الصحيح في حديث بسرة وعروة عن مروان عن بسرة سماعا وكل من خالف ذلك فقد أخطأ فيه والاختلاف فيه كثير على هشام وعلى بن شهاب والصحيح فيه ما ذكره بن معين وغيره على ما وصفت لك والرواية الصحيحة عن بن شهاب مثل رواية مالك قد تقدمت من حديث بن عيينة عن بن شهاب وكذلك رواه عقيل بن خالد عن بن شهاب وكذلك رواه الليث عن عبد الرحمن بن خالد عن بن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يحدث عن مروان أن بسرة أخبرته وفي رواية بن شهاب هذا الحديث عن عبد الله بن أبي بكر ما يدخل في رواية الكبار عن الصغار وبالله التوفيق وقد كان أحمد بن حنبل يصحح حديث بسرة في مس الذكر أيضا ويفتي به ويقول وحديث أم حبيبة أيضا في مس الذكر لا أدفعه ذكر أبو علي سعيد بن السكن الحافظ قال كان أحمد بن حنبل يذهب إلى حديث بسرة ويختاره قال وصحح حديث أم حبيبة أيضا قال بن السكن ولا أعلم في حديث أم حبيبة علة إلا أنه قيل إن مكحولا لم يسمعه من عتبة بن أبي سفيان قال أبو عمر حديث أم حبيبة حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نضر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا المعلى بن المنصور قال حدثنا الهيثم بن حميد قال حدثنا يعلى عن مكحول عن عتبة بن أبي سفيان عن أم حبيبة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من مس ذكره فليتوضأ‏)‏‏)‏ وذكر أبو زرعة قال كان أحمد بن حنبل يعجبه حديث أم حبيبة في مس الذكر ويقول هو حسن الإسناد فهذا إماما أهل الحديث قد قضيا بتصحيح حديث بسرة فصححاه ثم قال إنه ناسخ لحديث طلق بن علي لأن طلق بن علي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني المسجد ثم رجع إلى بلاد قومه وإسلام بسرة بنت صفوان إنما كان عام الفتح وحفظها متأخر عن تاريخ حديث طلق بن علي وقد صحح بن السكن في هذا الباب أيضا حديث أبي هريرة حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن ومحمد بن إبراهيم بن إسحاق السراج قال حدثنا علي بن محمد بن سليمان البزاز قال حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني قال حدثنا أصبغ بن الفرج قال حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال حدثني نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك بن المغيرة عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونه حجاب فقد وجب عليه الوضوء‏)‏‏)‏‏.‏

قال بن السكن هذا الحديث من أجود ما روي في هذا الباب لرواية بن القاسم صاحب مالك عن نافع بن أبي نعيم‏.‏

وأما يزيد فضعيف والله أعلم قال أبو عمر كان حديث أبي هريرة هذا لا يعرف إلا بيزيد بن عبد الملك هذا حتى رواه أصبغ بن الفرج عن بن القاسم عن نافع بن أبي نعيم وزيد بن عبد الملك النوفلي جميعا عن بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة وأصبغ وبن القاسم ثقتان فقيهان فصح الحديث بنقل العدل على ما ذكر بن السكن إلا أن أحمد بن حنبل كان لا يرضي نافع بن أبي نعيم القارئ وخالفه بن معين فيه فقال هو ثقة‏.‏

وقال أحمد بن حنبل هو ضعيف منكر الحديث وروى سحنون هذا الحديث عن بن القاسم فلم يذكر فيه نافع بن أبي نعيم‏.‏

وأما الصحابة القائلون بإيجاب الوضوء من مس الذكر فعمر بن الخطاب وبن عمر وأبو هريرة - على اختلاف عنه - والبراء بن عازب وزيد بن خالد الجهني وجابر بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص في رواية أهل المدينة عنه ومن التابعين سعيد بن المسيب في رواية عبد الرحمن بن حرملة عنه رواه بن أبي ذئب وحاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أن الوضوء واجب على من مس ذكره وروى بن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى في مس الذكر شيئا ومعمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان يراه كبعض جسد ولا يتوضأ منه وهذا أصح عندي من حديث عبد الرحمن بن حرملة لأنه ليس بالحافظ وقتادة حافظ وقد تابعه الحارث بن عبد الرحمن وكان عطاء بن أبي رباح وطاوس وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وأبان بن عثمان وبن شهاب ومجاهد ومحكول وجابر بن زيد والشعبي والحسن وعكرمة وجماعة أهل الشام والمغرب وأكثر أهل الحديث يرون الوضوء من مس الذكر وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وداود والطبري وفي الموطأ الحديث عن سعد وبن عمر وعروة‏.‏

وأما سائر الصحابة والتابعين ففي كتاب عبد الرزاق وأبي بكر بن أبي شيبة وقال الليث ومن مس بين أليتيه فعليه الوضوء‏.‏

وقال الشافعي من مس دبره فعليه الوضوء لأنه فرج وهو قول عطاء والزهري وميمون بن مهران والرجال والنساء في ذلك عنده سواء واضطرب قول مالك في إيجاب الوضوء منه واختلف مذهبه فيه والذي تقرر عليه المذهب عند أهل المغرب من أصحابه - أنه من مس ذكره أمره بالوضوء ما لم يصل فإن صلى أمره بالإعادة في الوقت فإن خرج الوقت فلا إعادة عليه واختلف أصحابه وأتباعه على أربعة أقوال فمنهم من لم ير على من مس ذكره وضوءا ولا على من صلى بعد أن مسه إعادة صلاته في وقت ولا غيره وممن ذهب إلى هذا سحنون والعتقي ورأى الإعادة في الوقت بن القاسم وأشهب ورواية عن بن وهب ومنهم من رأى الوضوء عليه واجبا ورأى الإعادة على من صلى بعد أن مسه الوقت وبعده منهم أصبغ بن الفرج وعيسى بن دينار وهو مذهب بن عمر لأنه أعاد منه صلاة الصبح بعد طلوع الشمس وهو قول الشافعي‏.‏

وأما إسماعيل بن إسحاق وأصحابه البغداديين المالكيون كابن بكير وبن المنتاب وأبي الفرج والأبهري - فإنهم اعتبروا في مسه وجود اللذة كملامس النساء عندهم فإن التذ الذي لمس ذكره وجب عليه الوضوء وإن صلى - وقد مسه - قبل أن يتوضأ أعاد الصلاة أبدا وإن خرج الوقت وإن لم يلتذ بمسه فلا شيء عليه وهذا قول رابع ومن ذهب إلى هذا سوى بين باطن الكف وظاهرها واختلفوا فيمن مسه ناسيا وعلى ثوب خفيف أو مسه بذراعه أو بظاهر كفه أو قصد إلى مسه بشيء من أعضائه سوى يده فمنهم من يرى في ذلك كله الوضوء ومنهم من لم ير عليه في ذلك شيئا وتحصيل المذهب عند المالكيين من أهل المغرب أن من مس ذكره بباطن الكف أو الراحة أو بباطن الأصابع دون حائل انتقض وضوءه ومن مس ذكره بخلاف ذلك لم ينتقض وضوءه وقد روى بن وهب عن مالك في ذلك روايتين أحسنهما أنه بباطن كفه انتقض وضوؤه ففرق في ذلك بين العمد والنسيان وليس هذا حكم الأحداث وهذا قول الليث بن سعد وداود بن علي لأن الحديث ورد فيمن مس ذكره أو مس فرجه ولا يكون ماسا إلا من قصد إلى اللمس لأن الفاعل حقيقة هو من قصد إلى الفعل أراده مس ذكره ناسيا أو على ثوب وأن كان خفيفا فلا شيء عليه وإن أفضى إليه وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق خطؤه وعمده سواء كسائر الأحداث قال أبو عمر لا يصح في مس الذكر لمن صحح فيه الأثر إلا الإعادة في الوقت وبعده لمن مس دون حائل بين يده وبينه‏.‏

79- مالك عن نافع عن سالم بن عبد الله أنه قال كنت مع عبد الله بن عمر في سفر فرأيته بعد أن طلعت الشمس توضأ ثم صلى قال فقلت له إن هذه الصلاة ما كنت تصليها قال إني بعد أن توضأت لصلاة الصبح مسست فرجي ثم نسيت أن أتوضأ فتوضأت وعدت لصلاتي وروى بن جريج عن بن شهاب عن سالم عن بن عمر أنه صلى بهم بطريق مكة العصر قال فركبنا فسرنا ما قدر لنا أن نسير ثم أناخ بن عمر فتوضأ فصلى العصر وحده فسلم فقلت له صليت معنا العصر أفنسيت قال لم أنس ولكن مسست ذكري قبل أن أصلي فلما ذكرت ذلك توضأت وعدت لصلاتي وقد روي عن عمر بن الخطاب في هذا قول ابنه عبد الله بن عمر حدثنا قاسم ومحمد بن عبد الله بن حكم قالا حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب القاضي قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا نافع بن عمر الجمحي عن بن مليكة عن عمر بن الخطاب أنه صلى بالناس فأهوى بيده فأصاب فرجه فأشار إليهم كما أنتم فخرج فتوضأ ثم رجع إليهم قال أبو عمر أما أهل العراق فجمهور علمائهم على أن لا وضوء في مس الذكر وعلى ذلك مضى أسلافهم بالكوفة والبصرة وورد ذلك عن علي وبن مسعود وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وأبي الدرداء وعمران بن حصين لم يختلف عن هؤلاء في ذلك واختلف فيه عن أبي هريرة وسعد بن أبي وقاص فروي عنهما القولان جميعا وبإسقاط الوضوء منه قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن وسفيان الثوري وشريك والحسن بن حي وأبو حنيفة وأصحابه وعبيد الله بن الحسن ذكر عبد الرزاق عن الثوري قال دعاني وبن جريج بعض أمرائهم فسألنا عن مس الذكر فقال بن جريج يتوضأ من مس الذكر وقلت أنا لا وضوء من مس الذكر فلما اختلفنا قلت لابن جريج أرأيت لو أن رجلا وضع يده في مني قال يغسل يده قلت فأيما أنجس المني أم الذكر قال المني فقلت فكيف هذا قال ما ألقاها على لسانك إلا شيطان ‏!‏ ‏!‏ قال أبو عمر يقول الثوري إذا لم يجب الوضوء من مس المني فأحرى ألا يجب من مس الذكر وإذا لم يجب من النجس فأحرى ألا يجب من الطاهر وإنما ساغت المناظرة في هذه المسألة لاختلاف الآثار فيها عن النبي -عليه السلام- واختلاف أصحابه - رحمهم الله - ومن بعدهم في ذلك ولو كان فيها أثر لا معارض له ولا مطعن لسلم الجميع له وقال به ومن ذهب مذهب العراقيين في مس الذكر من أهل الحديث ضعف الأحاديث الواردة عن النبي -عليه السلام- في إيجاب الوضوء فيه وعللها ولم يقبل شيئا منها وقد حكى أبو زرعة عن بن معين أنه قال أي إسناد رواية مالك في حديث بسرة لولا أن قاتل طلحة في الطريق قال أبو عمر الحديث المسقط للوضوء من مس الذكر أحسن أسانيده ما رواه مسدد وغيره عن ملازم بن عمرو عن عبد الله بن زيد عن قيس بن طلق بن علي قال قدمنا على النبي -عليه السلام- فجاءه رجل كأنه بدوي فقال يا رسول الله ‏!‏ ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ فقال ‏(‏‏(‏وهل هو إلا بضعة منه‏)‏‏)‏ ورواه أيوب قاضي اليمامة عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي عليه السلام ورواه هشام بن حسان وشعبة والثوري وبن عيينة وجرير الرازي عن محمد بن جابر اليمامي عن قيس بن طلق عن أبيه مثله وهذا حديث انفرد به أهل اليمامة وقد ذكرنا أسانيدها في التمهيد وقد استدل جماعة من العلماء على أنه منسوخ بحديث بسرة وما كان مثله بأن إيجاب الوضوء منه مأخوذ من جهة الشرع لا ينفي العقل التعبد به ولا يوجبه لاجتماعه مع سائر الأعضاء فمحال أن يتقدم الشرع بتخصيص إيجاب الوضوء منه من بين سائر الأعضاء ثم قال ‏(‏‏(‏إنما هو بضعة منك‏)‏‏)‏ وقد كان خصها بحكم شرعه وجائز أن يجب منه الوضوء بعد ذلك القول شرعا حادثا لأنه يحدث من أمره لعباده ما يشاء وفي مس الذكر من معناه مسائل كثيرة تنازع العلماء فيها قد ذكرناها في التمهيد‏.‏