فصل: باب الأولياء والأكفاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب الأولياء والأكفاء

شروع في بيان ما ليس بشرط لصحة النكاح عندنا وهو الولي وله معنى لغوي وفقهي وأصولي فالولي في اللغة خلاف العدو والولاية بالكسر السلطان والولاية النصرة، وقال سيبويه الولاية بالفتح المصدر والولاية بالكسر الاسم مثل الأمارة والنقابة؛ لأنه اسم لما توليته وقمت به فإذا أرادوا المصدر فتحوا كذا في الصحاح وفي الفقه البالغ العاقل الوارث، فخرج الصبي والمعتوه والكافر على المسلمة‏.‏ وفي أصول الدين‏:‏ هو العارف بالله تعالى وبأسمائه وصفاته حسبما يمكن، المواظب على الطاعات، المجتنب عن المعاصي، الغير المنهمك في الشهوات واللذات كما في شرح العقائد والولاية في الفقه تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى وهي في النكاح نوعان ولاية ندب واستحباب وهي الولاية على العاقلة البالغة بكرا كانت أو ثيبا وولاية إجبار وهي الولاية على الصغير بكرا كانت أو ثيبا، وكذا الكبيرة المعتوهة والمرقوقة وتثبت الولاية بأسباب أربعة بالقرابة والملك والولاء والإمامة، والأكفاء جمع كفء وهو النظير كما في المغرب وسيأتي بيانه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ نفذ نكاح حرة مكلفة بلا ولي‏)‏؛ لأنها تصرفت في خالص حقها وهي من أهله لكونها عاقلة بالغة ولهذا كان لها التصرف في المال ولها اختيار الأزواج، وإنما يطالب الولي بالتزويج كي لا تنسب إلى الوقاحة ولذا كان المستحب في حقها تفويض الأمر إليه والأصل هنا أن كل من يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه يجوز نكاحه على نفسه وكل من لا يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه لا يجوز نكاحه على نفسه، ويدل عليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حتى تنكح‏}‏ أضاف النكاح إليها ومن السنة حديث مسلم‏:‏ «الأيم أحق بنفسها من وليها» وهي من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، فأفاد أن فيه حقين حقه وهو مباشرته عقد النكاح برضاها، وقد جعلها أحق منه ولن تكون أحق إلا إذا زوجت نفسها بغير رضاه وأما ما رواه الترمذي وحسنه ‏{‏أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل»‏.‏ وما رواه أبو داود‏:‏ «لا نكاح إلا بولي» فضعيفان أو مختلف في صحتهما فلن يعارضا المتفق على صحته أو الأول محمول على الأمة والصغيرة والمعتوهة أو على غير الكفء، والثاني محمول على نفي الكمال أو هي ولية نفسها وفائدته نفي نكاح من لا ولاية له كالكافر للمسلمة والمعتوهة والأمة كل ذلك لدفع التعارض مع أن الحديث الأول حجة على من لم يعتبر عبارة النساء في النكاح، فإن مفهومه أنها إذا نكحت بإذن وليها فنكاحها صحيح وهم لا يقولون به، وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن‏}‏ فالمراد بالعضل المنع حسا بأن يحبسها في بيت ويمنعها من أن تتزوج كما في المبسوط إن كان نهيا للأولياء لا المنع عن العقد بدليل ‏{‏أن ينكحن‏}‏ حيث أضاف العقد إليهن وإن كان نهيا للأزواج المطلقين عن المنع عن التزوج بعد العدة كما في المعراج بدليل أنه قال في أول الآية ‏{‏وإذا طلقتم النساء‏}‏ فلم يكن حجة أصلا قيده بالحرة احترازا عن الأمة والمدبرة والمكاتبة وأم الولد فإنه لا يجوز نكاحهن إلا بإذن المولى وقيده بالمكلفة احترازا عن الصغيرة والمجنونة فإنه لا ينعقد نكاحهما إلا بالولي وأطلقها فشمل البكر والثيب، وأطلق فشمل الكفء وغيره، وهذا ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وصاحبيه لكن للولي الاعتراض في غير الكفء وما روي عنهما بخلافه فقد صح رجوعهما إليه وروى الحسن عن الإمام أنه إن كان الزوج كفؤا نفذ نكاحها وإلا فلم ينعقد أصلا وفي المعراج معزيا إلى قاضي خان وغيره والمختار للفتوى في زماننا رواية الحسن وفي الكافي والذخيرة وبقوله أخذ كثير من المشايخ؛ لأنه ليس كل قاض يعدل ولا كل ولي يحسن المرافعة والجثو بين يدي القاضي مذلة فسد الباب بالقول بعدم الانعقاد أصلا، قال صدر الإسلام لو زوجت المطلقة ثلاثا نفسها من غير كفء ودخل بها الزوج ثم طلقها لا تحل للزوج الأول على ما هو المختار وفي الحقائق هذا مما يجب حفظه لكثرة وقوعه وفي فتح القدير فإن المحلل في الغالب يكون غير كفء وأما لو باشر الولي عقد المحلل فإنها تحل للأول‏.‏ ا هـ‏.‏ وسيأتي في الكفاءة أن كثيرا من المشايخ أفتوا بظاهر الرواية، وهذا كله إذا كان لها أولياء أما إذا لم يكن لها ولي فهو صحيح مطلقا اتفاقا ولا يخفى أنه لا يشترط مباشرة الولي للعقد؛ لأن رضاه بالزوج كاف لكن لو قال الولي رضيت بتزوجها من غير كفء ولم يعلم بالزواج عينا هل يكفي صارت حادثة للفتوى وينبغي أن لا يكفي؛ لأن الرضا بالمجهول لا يصح كما ذكره قاضي خان في فتاويه في مسألة ما إذا استأذنها الولي ولم يسم الزوج، فقال؛ لأن الرضا بالمجهول لا يتحقق ولم أره منقولا صريحا وسيأتي تمامه في الكفاءة إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا تجبر بكر بالغة على النكاح‏)‏ أي لا ينفذ عقد الولي عليها بغير رضاها عندنا خلافا للشافعي له‏:‏ الاعتبار بالصغيرة، وهذا؛ لأنها جاهلة بأمر النكاح لعدم التجربة ولهذا يقبض الأب صداقها بغير أمرها‏.‏ ولنا‏:‏ أنها حرة مخاطبة فلا يكون للغير عليها ولاية والولاية على الصغير لقصور عقلها، وقد كمل بالبلوغ بدليل توجه الخطاب فصار كالغلام وكالتصرف في المال، وإنما يملك الأب قبض الصداق برضاها دلالة فيبرأ الزوج بالدفع إليه ولهذا لا يملك مع نهيها، والجد كالأب كما في الخانية وزاد في جوامع الفقه القاضي وجعله كالأب وفي المبسوط بخلاف سائر الأولياء ليس لهم حق قبض مهرها بدون أمرها؛ لأنه معبر وكما لا تتوجه المطالبة عليه بتسليم المعقود عليه لا يكون إليه قبض البدل وبخلاف سائر الديون فإن الأب لا يملك قبضها كما في المجتبى وهذا كله إذا قبض الأب المسمى قال في الظهيرية رجل تزوج امرأة بكرا بالغة على مهر مسمى ودفع إلى أبيها مهرها ضيعة فلما بلغها الخبر قالت لا أرضى بما فعل الأب ينظر إن كان في بلدة لم يجر التعارف بدفع الضيعة في المهر لم يجز؛ لأن هذا شراء والبلوغ قاطع للولاية وإن كان في بلدة جرى التعارف بذلك جاز؛ لأن هذا قبض للمهر وإن كانت البنت صغيرة فأخذ الأب مكان المهر ضيعة لا تساوي المهر فإن كان في بلد جرى التعارف بذلك جاز وإلا فلا ا هـ‏.‏ زاد في الذخيرة وعليه الفتوى وفيها أيضا‏:‏ وليس للأب قبض ما وهبه أو أهداه الزوج للبكر البالغة قبل الدخول حتى لو قبضها بغير إذنها كان للزوج الاسترداد‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما قبض الصغير فللاب والجد والوصي دون سائر الأولياء ولو أما فلو دفعه إلى أمها فإن وصية برئ وإلا خيرت بعد بلوغها بين أخذها منه أو منها وله أن يرجع على الأم إن أخذت منه البنت كما في المحيط وغيره، وللأب والجد المطالبة به وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها، بخلاف النفقة‏.‏ والقاضي كالأب إلا إذا زفت، وليس لأحد قبض مهر الثيب البالغة فلو اختلف الأب والزوج في الدخول فالقول للأب ويحلف على نفي العلم إن لم تعترف المرأة به وله تحليفها أيضا على أنه لم يدخل بها كما في الذخيرة وإقرار الأب بقبض الصداق عند إنكارها وعدم البينة غير مقبول إن كانت وقته ثيبا بالغة وإلا فمقبول وإقراره أنه قبضه وهي صغيرة مع إنكارها وعدم البيان غير مقبول إن كانت وقته بالغة وإلا فمقبول وترجع على الزوج وليس للزوج أن يرجع على الأب إلا إذا شرط براءته من الصداق وقت القبض كما في فتح القدير وغيره وفي الذخيرة والحكم فيما بين الوكيل والمدين ورب الدين في مثل هذا نظير الحكم فيما بين الأب والمرأة والزوج‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط رجل قبض مهر ابنته من الزوج ثم ادعى عليه الرد ثانيا إن كانت المرأة بكرا لم يصدق إلا ببينة؛ لأن له حق القبض وليس له حق الرد وإن كانت ثيبا صدق؛ لأنه ليس له حق القبض فإذا قبض بأمر الزوج كان أمانة للزوج عنده فيصدق في رد الأمانة عليه كالمودع إذا قال رددت الوديعة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة للأب المخاصمة مع الزوج في مهر البكر البالغة كما له أن يقبضه، ولا يشترط إحضار المرأة للاستيفاء عندنا خلافا لزفر فإن قال الزوج للقاضي‏:‏ مر الأب فليقبض المهر مني وليسلم الجارية إلي، فإن القاضي يقول له‏:‏ اقبض المهر وادفعها إليه، فإن امتنع الأب من ذلك ليس على الزوج دفعه إليه ولو قال الأب‏:‏ ليست في منزلي ولا أعرف مكانها فليس على الزوج دفعه أيضا، وإن قال الأب‏:‏ هي في منزلي، وإنما أقبض المهر وأجهزها به وأسلمها إليه فالقاضي يأمر الزوج بالدفع إليه فإن طلب الزوج كفيلا بالمهر فالقاضي يأمر الأب بكفيل بالمهر فإذا أتى بكفيل أمر الزوج بدفع المهر فإن سلم البنت إليه برئ الكفيل وإن عجز عن ذلك توصل الزوج إلى حقه بالكفيل فيعتدل النظر من الجانبين، وهكذا كان يقول أبو يوسف أولا ثم رجع وقال‏:‏ القاضي يأمر الأب أن يجعل المرأة مهيأة للتسليم ويحضرها ويأمر الزوج بدفع المهر والأب بتسليم البنت فيكون دفع الزوج المهر عند تسليمها نفسها إلى الزوج؛ لأن النظر لا يحصل للزوج بالكفالة؛ لأنه لا يصل إلى المرأة لا محالة بالكفالة، وإنما النظر في تسليم المهر بحضرتها، قال الخصاف، وهذا أحسن القولين ا هـ وفي الخلاصة الأب إذا جعل بعض مهر البنت آجلا والبعض عاجلا ووهب البعض كما هو المعهود، ثم قال‏:‏ إن لم تجز البنت الهبة فقد ضمنت من مالي أن أؤدي قدر الهبة لا يصح هذا الضمان ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن استأذنها الولي فسكتت أو ضحكت أو زوجها فبلغها الخبر فسكتت فهو إذن‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «البكر تستأمر في نفسها فإن سكتت فقد رضيت» ولأن حيثية الرضا فيه راجحة؛ لأنها تستحي عن إظهار الرغبة لا عن الرد والضحك أدل على الرضا من السكوت‏.‏ والأصل أن سكوت البكر للاستئمار وكالة وللعقد إجازة كما ذكره الإسبيجابي فالإذن في عبارة المختصر مشترك بين الوكالة والإجازة ففي المسألة الأولى توكيل وفي الثانية إجازة ويتفرع على كونه توكيلا أن الولي لو استأذنها في رجل معين، فقالت يصلح أو سكتت ثم لما خرج قالت لا أرضى ولم يعلم الولي بعدم رضاها فزوجها فهو صحيح كما في الظهيرية؛ لأن الوكيل لا ينعزل حتى يعلم وليس السكوت إذنا حقيقيا لما في الخانية من الأيمان إذا حلفت أن لا تأذن في تزويجها فسكتت عند الاستئمار لا تحنث ا هـ‏.‏ والمراد بالولي من له ولاية استحباب؛ لأن الكلام في البالغة العاقلة فيفيد أنه ليس لها ولي أقرب منه؛ لأنه حينئذ له الولاية المذكورة فلو استأذنها من غيره أقرب منه فلا يكون سكوتها إذنا ولا بد من النطق؛ لأن الأبعد مع الأقرب كالأجنبي كما ذكره الإسبيجابي ولهذه النكتة عبر بالولي دون القريب ودخل تحت الولي القاضي؛ لأن له ولاية الاستحباب في نكاحها ولذا قال في الخانية والقاضي عند الأولياء بمنزلة الولي في ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ فيكفي سكوتها ودخل أيضا المولى في نكاح المعتقة إذا كانت بكرا بالغة كما في القنية ولو زوجها وليان متساويان كل واحد منهما من رجل فأجازتهما معا بطلا لعدم الأولوية وإن سكتت بقيا موقوفين حتى تجيز أحدهما بالقول أو بالفعل وهو ظاهر الجواب كما في البدائع وحكم رسول الولي كالولي؛ لأنه قائم مقامه فيكفي سكوتها واختاره أكثر المتأخرين كما في الذخيرة والمراد بالسكوت ما كان عن اختيار لما في الخانية لو أخذها العطاس أو السعال حين أخبرت فلما ذهب العطاس أو السعال قالت لا أرضى صح ردها، وكذا لو أخذ فمها ثم ترك، فقالت لا أرضى؛ لأن ذلك السكوت كان عن اضطرار، وأطلقه فشمل ما إذا كانت عالمة بحكمه أو جاهلة وشمل ما إذا استأذنها لنفسه لما في الجوامع لو استأذن بنت عمه لنفسه وهي بكر بالغة فسكتت فزوجها من نفسه جاز؛ لأنه صار وكيلا بسكوتها ا هـ‏.‏ وقيد بالسكوت؛ لأنها لو ردته ارتد وقولها لا أريد الزوج أو لا أريد فلانا سواء في أنه رد سواء كان قبل التزويج أو بعده وهو المختار كما في الذخيرة ولو قالت بعد الاستئمار‏:‏ غيره أولى منه فليس بإذن وهو إجازة بعد العقد، كما فيها أيضا‏.‏ وفرقوا بينهما بأنه يحتمل الإذن وعدمه فقبل النكاح لم يكن النكاح فلا يجوز بالشك وبعد النكاح كان فلا يبطل بالشك كذا في الظهيرية وهو مشكل؛ لأنه لا يكون نكاحا إلا بعد الصحة وهو بعد الإذن فالظاهر أنه ليس بإذن، فيهما وقولها ‏"‏ ذلك إليك ‏"‏ إذن مطلقا بخلاف قولها أنت أعلم أو أنت بالمصلحة أخبر وبالأحسن أعلم كما في فتح القدير وأراد بالسكوت السكوت عن الرد لا مطلق السكوت؛ لأنه لو بلغها الخبر فتكلمت بكلام أجنبي فهو سكوت هنا فيكون إجازة فلو قالت الحمد لله اخترت نفسي أو قالت هو دباغ لا أريده فهذا كلام واحد فكان ردا، كذا في الظهيرية وأطلق في الضحك فشمل التبسم وهو الصحيح كما في فتح القدير ولا يرد عليه ما إذا ضحكت مستهزئة فإنه لا يكون إذنا وعليه الفتوى وضحك الاستهزاء لا يخفى على من يحضره؛ لأن الضحك إنما جعل إذنا لدلالته على الرضا فإذا لم يدل على الرضا لم يكن إذنا، وأطلق في الاستئذان فانصرف إلى الكامل وهو بأن يسمي لها الزوج على وجه يقع لها به المعرفة ويسمي لها المهر، أما الأول فلا بد منه لتظهر رغبتها فيه من رغبتها عنه فلو قال أزوجك من رجل فسكتت لا يكون إذنا فلو سمى فلانا أو فلانا فسكتت فله أن يزوجها من أيهما شاء، وكذا لو سمى جماعة مجملا فإن كانوا يحصون فهو رضا نحو من جيراني أو بني عمي وهم كذلك وإن كانوا لا يحصون نحو من بني تميم فليس برضا كما في المحيط، وهذا كله إذا لم تفوض الأمر إليه أما إذا قالت أنا راضية بما تفعله أنت بعد قوله وإن أقواما يخطبونك أو زوجني ممن تختاره ونحوه فهو استئذان صحيح كما في الظهيرية وليس له بهذا المقالة أن يزوجها من رجل ردت نكاحه أولا؛ لأن المراد بهذا العموم غيره كالتوكيل بتزويج امرأة ليس للوكيل أن يزوجه مطلقته إذا كان الزوج قد شكا منها للوكيل وأعلمه بطلاقها كما في الظهيرية‏.‏ وأما الثاني ففيه ثلاثة أقوال مصححة‏:‏ قيل لا يشترط ذكر المهر في الاستئذان؛ لأن للنكاح صحة بدونه وصححه في الهداية، وقيل يشترط ذكره؛ لأن رغبتها تختلف باختلاف الصداق في القلة والكثرة وهو قول المتأخرين من مشايخنا كما في الذخيرة وفي فتح القدير أنه الأوجه وتفرع عليه أنه لو لم يذكر المهر لها قالوا إن وهبها من رجل نفذ نكاحه؛ لأنها رضيت بنكاح لا تسمية فيه والنكاح بلفظ الهبة يوجب مهر المثل وإن زوجها بمهر مسمى لا ينعقد نكاح الولي؛ لأنها ما رضيت بتسمية الولي فلا ينعقد نكاح الولي إلا بإجازة مستقلة كذا في الخانية وغيرها، وهو مشكل؛ لأن مقتضى الاشتراط أن لا يصح الاستئذان إذا لم يذكره فلم يصح‏.‏

‏(‏قوله‏:‏م إنها رضيت بنكاح لا تسمية فيه فسكوتها إنما هو لعلمها بعدم صحة الاستئذان، وقيل إن كان المزوج أبا أو جدا لا يشترط ذكر المهر عند الاستئذان وإن كان غيرهما يشترط وصححه في الكافي والمعراج وكأنه سهو وقع من قائله؛ لأن التفرقة بين الأب والجد وبين غيرهما إنما هو في تزويج الصغيرة بحكم الجبر والكلام إنما هو في الكبيرة التي وجب مشاورتها والأب في ذلك كالأجنبي لا يفعل شيئا إلا برضاها فقد اختلف الترجيح فيها والمذهب الأول كما في الذخيرة أن إشارة كتب محمد تدل عليه ولم يذكر المصنف البكاء للاختلاف فيه والصحيح المختار للفتوى أنها إن بكت بلا صوت فهو إذن؛ لأنه حزن على مقاومة أهلها وإن كان بصوت فليس بإذن؛ لأنه دليل السخط والكراهة غالبا لكن في المعراج البكاء وإن كان دليل السخط لكنه ليس برد حتى لو رضيت بعده ينفذ العقد ولو قالت لا أرضى ثم رضيت بعده لا يصح النكاح ا هـ‏.‏

وبهذا تبين أن قول الوقاية والبكاء بلا صوت إذن ومعه رد ليس بصحيح إلا أن يؤول أن معناه ومعه ليس بإذن؛ لأنه دليل السخط وفي فتح القدير والمعول عليه اعتبار قرائن الأحوال في البكاء والضحك فإن تعارضت أو أشكل احتيط ا هـ‏.‏ وقدم المصنف مسألة الاستئذان قبل العقد؛ لأنه السنة قال في المحيط والسنة أن يستأمر البكر وليها قبل النكاح بأن يقول إن فلانا يخطبك أو يذكرك فسكتت وإن زوجها بغير استئمار فقد أخطأ السنة وتوقف على رضاها‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو محمل النهي في حديث مسلم‏:‏ «لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا‏:‏ يا رسول الله، وكيف إذنها‏؟‏ قال أن تسكت» فهو لبيان السنة للاتفاق على أنها لو صرحت بالرضا بعد العقد نطقا فإنه يجوز وأراد ببلوغها الخبر‏:‏ علمها بالنكاح فدخل فيه ما لو زوجها الولي وهي حاضرة فسكتت فإنه إجازة على الصحيح وعلمها به يكون بإخبار وليها أو رسوله مطلقا أو فضولي عدل أو اثنين مستورين عند أبي حنيفة ولا يكفي إخبار واحد غير عدل ولها نظائر ستأتي في كتاب القضاء من مسائل شتى‏.‏

ولا بد في التبليغ من تسمية الزوج لها على وجه تقع به المعرفة لها كما قدمناه في الاستئذان، وأما تسمية المهر فعلى الخلاف المتقدم وفرع في التبيين على عدم الاشتراط أنه إن سماه يشترط أن يكون وافرا وهو مهر المثل حتى لا يكون السكوت رضا بدونه، واختلف فيما إذا زوجها غير كفء فبلغها فسكتت، فقالا لا يكون رضا، وقيل في قول أبي حنيفة يكون رضا إن كان المزوج أبا أو جدا وإن كان غيرهما فلا كما في الخانية أخذا من مسألة الصغيرة المزوجة من غير كفء ولم يذكر المصنف ما إذا ضحكت بعد بلوغها الخبر مع أنه كضحكها عند الاستئذان لها كما في غاية البيان اكتفاء بذكره أولا ولو قال المصنف ولو استأذنها الولي أو زوجها فعلمت به فسكتت أو ضحكت فهو إذن لكان أولى والبكاء عند التزويج كهو عند الاستئذان وأطلق سكوتها بعد بلوغها الخبر فشمل ما إذا استأذنها في معين فردت ثم زوجها منه فسكتت فإنه إجازة على الصحيح بخلاف ما لو بلغها العقد فردت، ثم قالت رضيت حيث لا يجوز؛ لأن العقد بطل بالرد ولذا استحسنوا التجديد عند الزفاف فيما إذا زوج قبل الاستئذان إذ غالب حالهن إظهار النفرة عند فجأة السماع وفي فتح القدير، والأوجه عدم الصحة؛ لأن ذلك الرد الصريح لا ينزل عن تضعيف كون ذلك السكوت دلالة الرضا ولو كانت قالت قد كنت قلت‏:‏ لا أريده ولم تزد على هذا لا يجوز النكاح للإخبار بأنها على امتناعها‏.‏ ا هـ‏.‏ وأشار المصنف بالسكوت عند بلوغ الخبر إلى أنه لو مكنته من نفسها أو طالبته بالمهر والنفقة يكون رضا؛ لأن الدلالة تعمل عمل الصريح كذا في غاية البيان وقيد بقوله أو زوجها؛ لأن الولي لو تزوجها كابن العم إذا تزوج بنت عمه البكر البالغة بغير إذنها فبلغها الخبر فسكتت لا يكون رضا؛ لأن ابن العم كان أصيلا في نفسه فضوليا في جانب المرأة فلم يتم العقد في قول أبي حنيفة ومحمد فلا يعمل الرضا ولو استأمرها في التزويج من نفسه فسكتت ثم زوجها من نفسه جاز إجماعا كذا في الخانية وأطلق في البكر فشمل ما إذا كانت تزوجت قبل ذلك وطلقت قبل زوال البكارة ولذا قال في الظهيرية وإذا فرق القاضي بين امرأة العنين وبين العنين وجبت عليها العدة وتزوج كما تزوج الأبكار نص عليه في الأصل وشمل ما إذا خاصمت الأزواج في المهر وفيه خلاف قال في الظهيرية والبكر إذا خاصمت الأزواج في المهر قيل لا تستنطق، وقيل تستنطق؛ لأن علة وضع النطق الحياء والحياء زائل عنها ا هـ‏.‏ وينبغي ترجيح الأول؛ لأن العبرة في المنصوص عليه لعين النص لا لمعناه وهي بكر فيكتفى بسكوتها وإن لم يكن عندها حياء كأبكار زماننا فإن الغالب فيهن عدم الحياء، وقد يجاب عنه بأنها علة منصوص عليها لا مستنبطة والمنصوص عليها يتعلق الحكم بها وجودا وعدما كالطواف في الهرة ولذا كان سؤر الهرة الوحشية نجسا لفقد الطواف كما عرف في الأصول ولا بد أن يكون سكوتها بعد بلوغها الخبر في حياة الزوج وإلا فليس بإجازة؛ لأن شرطها قيام العقد، وقد بطل بموته كما في الفتاوى، وذكر في الخانية رجل زوج ابنته البالغة ولم يعلم الرضا والرد حتى مات زوجها، فقالت ورثته إنها زوجت بغير أمرها ولم تعلم بالنكاح ولم ترض فلا ميراث لها قالت هي زوجني أبي بأمري كان القول قولها ولها الميراث وعليها العدة وإن قالت زوجني أبي بغير أمري فبلغني الخبر فرضيت فلا مهر لها ولا ميراث؛ لأنها أقرت أن العقد وقع غير تام فإذا ادعت النفاذ بعد ذلك لا يقبل قولها لمكان التهمة‏.‏ ا هـ‏.‏ وأشار المصنف إلى أن السكوت إذ دل على الرضا فإنه يقوم مقام القول، وقد ذكروا مسائل أقيم فيها السكوت مقام التصريح الأولى‏:‏ سكوت البكر عند الاستئمار، الثانية‏:‏ سكوتها عند بلوغها الخبر، الثالثة‏:‏ سكوتها عند قبض الأب أو الجد المهر كذا قالوا ولا ينبغي إدخاله فيما نحن فيه؛ لأن له أن يقبض المهر في غيبتها حتى لو ردت عند بلوغها الخبر بقبضه لا تملك ذلك، نعم لها نهيه عنه قبل القبض كما قدمناه، الرابعة‏:‏ سكوت المالك عند قبض الموهوب له أو المتصدق عليه العين بحضرته، الخامسة‏:‏ في البيع ولو فاسدا إذا قبضه المشتري بمرأى من البائع فسكت صح وسقط حق الحبس بالثمن، السادسة‏:‏ إذا اشترى العبد بحضرة مولاه فسكت كان إذنا في غير الأول، السابعة‏:‏ الصبي إذا اشترى أو باع بمرأى من وليه فسكت فهو إذن له، الثامنة‏:‏ المشتري بالخيار إذا رأى العبد يبيع ويشتري فسكت سقط خياره، التاسعة‏:‏ سيد العبد المأسور إذا رآه يباع فسكت بطل حقه في أخذه بالقيمة، العاشرة‏:‏ إذا سكت الأب ولم ينف الولد مدة التهنئة لزمه فلا ينبغي بعد، الحادية عشر‏:‏ السكوت عقيب شق رجل زقه حتى سال ما فيه لا يضمن الشاق ما سال، الثانية عشر‏:‏ سكوته عقب حلفه على أن لا أسكن فلانا وفلان ساكن فيحنث الثالثة عشر‏:‏ السكوت عقيب قول رجل واضع غيره على أن يظهرا بيع تلجئة، ثم قال بدا لي جعله بيعا نافذا بمسمع من الآخر ثم عقدا كان نافذا، الرابعة عشر‏:‏ يصير مودعا بسكوته عقيب وضع رجل متاعه عنده وهو ينظر الخامسة عشر‏:‏ الشفيع إذا بلغه البيع فسكت كان تسليما، السادسة عشر‏:‏ مجهول النسب إذا بيع فسكت كان إقرارا بالرق، السابعة عشر‏:‏ يكون وكيلا بسكوته عقب الأمر ببيع المتاع الثامنة عشر‏:‏ إذا رأى ملكا له يباع ولو عقارا فسكت حتى قبضه المشتري سقط دعواه فيه لكن شرط في فتح القدير لسقوط دعواه أن يقبض المشتري ويتصرف فيه أزمانا وهو ساكت بخلاف السكوت عند مجرد البيع، التاسعة عشر‏:‏ في الوقف على فلان إذا سكت جاوز وإن رده بطل كذا في الخلاصة من الإقرار وفيه خلاف ذكره في التبيين من آخر الكتاب أيضا وفي فتح القدير والاستقرار يفيد عدم الحصر، وهذه المشهورة لا المحصورة ا هـ‏.‏ ولذا زدت عليه مسألة الوقف‏.‏

ويزاد أيضا الصغيرة إذا زوجها غير الأب والجد فبلغت بكرا فسكتت ساعة بطل خيارها وهي العشرون وهي في المجتبى ويزاد أيضا ما في المحيط رجل زوج بغير أمره فهنأه القوم وقبل التهنئة فهو رضا؛ لأن قبول التهنئة دليل الإجازة وهي الحادية والعشرون‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن استأذنها غير الولي فلا بد من القول كالثيب‏)‏ أي فلا يكفي السكوت؛ لأنه لقلة الالتفات إلى كلامه فلم يقع دلالة على الرضا ولو وقع فهو محتمل والاكتفاء بمثله للحاجة ولا حاجة في غير الأولياء، بخلاف ما إذا كان المستأمر رسول الولي؛ لأنه قائم مقامه، وكذلك الثيب لا يكتفى بسكوتها؛ لأن النطق لا يعد عيبا وقل الحياء بالممارسة فلا مانع من النطق في حقها واستدل له في الهداية بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «والثيب تشاور»، ووجهه أن المشاورة لا تكون إلا بالقول وخرج عن حقيقته في البكر بقرينة آخر الحديث‏:‏ «وإذنها صماتها» ولم يوجد مثلها في الثيب وبه اندفع ما ذكره في التبيين والمراد بالثيب هنا البالغة إذ الصغيرة لا تستأذن ولا يشترط رضاها كما في المعراج وأورد في التبيين أيضا على اشتراط القول أن الرضا بالقول لا يشترط في حق الثيب أيضا بل رضاها هنا يتحقق تارة بالقول كقولها رضيت وقبلت وأحسنت وأصبت أو بارك الله لنا ولك ونحوها وتارة بالدلالة كطلب مهرها ونفقتها أو تمكينها من الوطء وقبول التهنئة والضحك بالسرور من غير استهزاء، فثبت بهذا أنه لا فرق بينهما في اشتراط الاستئذان والرضا وإن رضاهما قد يكون صريحا، وقد يكون دلالة غير أن سكوت البكر رضا دلالة لحيائها دون الثيب؛ لأن حياءها قد قل بالممارسة فلا يدل على الرضا ا هـ‏.‏ ورده في فتح القدير بأن الحق أن الكل من قبيل القول إلا التمكين فيثبت بدلالة نص إلزام القول؛ لأنه فوق القول ا هـ‏.‏ وفيه نظر؛ لأن قبول التهنئة ليس بقول، وإنما هو سكوت ولذا جعلوه من مسائل السكوت وليس هو فرق القول، وأما الضحك فذكر في فتح القدير أولا أنه كالسكوت لا يكفي وسلم هنا أنه يكفي وجعله من قبيل القول؛ لأنه حروف، ودخل تحت غير الولي الولي الأبعد مع الأقرب لما قدمنا من أن المراد بالولي من له ولاية الاستحباب وليس للأبعد مع وجود الأقرب ذلك فهو غير ولي، وكذا لو كان الأب كافرا أو عبدا أو مكاتبا فهو غير ولي فحينئذ لا حاجة إلى جعلها مسألتين كما في الهداية إحداهما‏:‏ إذا استأذنها غير الولي والثانية‏:‏ أن يستأذنها ولي غيره أولى منه لدخول الثانية تحت الأولى وفي المحيط والظهيرية والثيب إذا قبلت الهدية فليس برضا ولو أكلت من طعامه أو خدمته كما كانت فليس برضا دلالة زاد في الظهيرية ولو خلا بها برضاها هل يكون إجازة‏؟‏ لا رواية لهذه المسألة، قال رحمه الله‏:‏ وعندي أن هذه إجازة، وقد قدمنا أن رسول الولي كهو، وأما وكيله، فقال في القنية لو وكل رجلا في تزويجها قبل الاستئمار ثم استأمرها الوكيل بذكر الزوج، وقدر المهر فسكتت فزوجها جاز وسكوت البكر عند العلم بنكاح وكيل الأب كسكوتها عند نكاح الأب ا هـ‏.‏ وفيها قبله استأمر البكر فسكتت فوكل من يزوجها ممن سماه جاز إن عرفت الزوج والمهر ا هـ‏.‏ وهو مشكل؛ لأنها لما سكتت عند استئماره فقد صار الولي وكيلا عنها كما قدمناه وليس للوكيل أن يوكل إلا بإذن أو باعمل برأيك كما سيأتي في المختصر فمقتضاه عدم الجواز أو تخصيص مسألة بغير الولي ولاية استحباب وإن كان وكيلا في الحقيقة، وقد فرع في القنية على كونه وكيلا بالسكوت ما لو استأمرها في نكاح رجل بعينه فسكتت أو أذنت ثم جرى على لسان الزوج قبل الزفاف ما وقع به الفرقة فليس له أن يزوجها منه بحكم ذلك الإذن؛ لأنه انتهى بالعقد ا هـ‏.‏ فلو زوجها ولم يبلغها الطلاق ولا التزويج الثاني فمكنته من نفسها هل يكون إجازة لعقد الولي الذي هو كالفضولي فيه‏؟‏ الظاهر أنه لا يكون إجازة؛ لأنه إنما جعل إجازة لدلالته على الرضا وهو فرع علمها بعقد الثاني ولم أره منقولا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن زالت بكارتها بوثبة أو حيضة أو جراحة أو تعنيس أو زنا فهي بكر‏)‏ أي من زالت عذرتها وهي الجلدة التي على المحل بما ذكر فهي بكر حكما، أما في غير الزنا فهي بكر حقيقة أيضا بالاتفاق ولذا تدخل في الوصية لأبكار بني فلان ولأن مصيبها أول مصيب لها ومنه الباكورة والبكرة ولأنها تستحي لعدم الممارسة وفي الظهيرية البكر اسم لامرأة لم تجامع بنكاح ولا غيره قيل‏:‏ هذا قولهما، وأما عند أبي حنيفة بالفجور ولا يزول اسم البكارة ولهذا تزوج عنده مثل ما تزوج الأبكار إلا أن الصحيح أن هذا قول الكل؛ لأن في باب النكاح الحكم ينبني على الحياء وأنه لا يزول بهذا الطريق ا هـ‏.‏ وحاصل كلامهم أن الزائل في هذه المسائل العذرة لا البكارة فكانت بكرا حقيقة وحكما فاكتفى بسكوتها عند الاستئذان وبلوغ الخبر ولا يرد عليه ما لو اشترى جارية على أنها بكر فوجدها زائلة العذرة فإنه يردها على بائعها وإن لم يجامعها أحد؛ لأن المتعارف من اشتراط بكارتها اشتراط صفة العذرة، وأما إذا زالت عذرتها بالزنا فاتفقوا على أنها ليست بكرا على الصحيح كما نقلناه عن الظهيرية ولذا لو أوصى لأبكار بني فلان لا تدخل ولثيبات بني فلان تدخل في الوصية وبردها المشتري الشارط بكارتها فهي ثيب حقيقة؛ لأن مصيبها عائد إليها ومنه المثوبة للثواب العائد جزاء عمله والمثابة للبيت الذي يعود الناس إليه في كل عام والتثويب العود إلى الإعلام بعد الإعلام فجريا على هذا الأصل في تزويجها، فقالا‏:‏ لا بد من القول ولا يكتفى بسكوتها؛ لأنها ثيب وخرج الإمام عن هذا الأصل، فقال‏:‏ إن اشتهر حالها بأن خرجت وأقيم عليها الحد أو صار الزنا عادة لها فلا بد من القول على الصحيح كما في المعراج أو كان وطئا بشبهة أو بنكاح فاسد فكما قالا؛ لأن الشارع أظهره في غير الزنا حيث علق به أحكاما وإن لم يشتهر زناها فإنه يكتفي بسكوتها؛ لأن الناس عرفوها بكرا فيعيبونها بالنطق فتتمنع عنه فيكتفى بسكوتها كي لا يتعطل عليها مصالحها، وقد ندب الشارع إلى ستر الزنا فكانت بكرا شرعا والوثبة النطة وفي النهاية الوثبة الوثوب والتعنيس طول المكث من غير تزويج وأشار المصنف رحمه الله إلى أن البكر لو خلا بها زوجها ثم طلقها قبل الدخول فإنها تزوج ثانيا كبكر لم تتزوج أصلا فيكتفى بسكوتها وإن وجبت عليها العدة؛ لأنها بكر حقيقة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والقول لها إن اختلفا في السكوت‏)‏ أي لو قال الزوج بلغك النكاح فسكت وقالت رددت ولا بينة لهما ولم يكن دخل بها فالقول قولها وقال زفر القول قوله؛ لأن السكوت أصل والرد عارض فصار كالمشروط له الخيار إذا ادعى الرد بعد مضي المدة ونحن نقول إنه يدعي لزوم العقد وملك البضع والمرأة تدفعه فكانت منكرة كالمودع إذا ادعى رد الوديعة، بخلاف مسألة الخيار؛ لأن اللزوم قد ظهر بمضي المدة ولم يذكر المصنف أن عليها اليمين للاختلاف فعند الإمام لا يمين عليها وعندهما عليها اليمين وعليه الفتوى كما سيأتي في الدعوى في الأشياء الستة، وذكر في الغاية معزيا إلى فتاوى الناصحي أن رجلا لو ادعى على الأب أنه زوجه ابنته الصغيرة فأنكر الأب يحلف عند أبي حنيفة وفي الكبيرة لا يحلف عنده اعتبارا بالإقرار فيهما‏.‏ ا هـ‏.‏ واستشكله في التبيين بأنه مشكل جدا على قوله؛ لأن امتناع اليمين عنده لامتناع البدل لا لامتناع الإقرار‏.‏ ألا ترى أن المرأة لو أقرت لرجل بالنكاح نفذ إقرارها ومع هذا لا تحلف ولا شبهة أن يكون هذا قولهما ا هـ‏.‏ وقد صرح العمادي في الفصل السادس عشر بأنه قولهما فقط فقد ظهر بحثه منقولا، قيدنا بعدم البينة؛ لأن أيهما أقام البينة قبلت بينته وليست بينة السكوت ببينة نفي؛ لأنه وجودي؛ لأنه عبارة عن ضم الشفتين ويلزم منه عدم الكلام كما في المعراج أو هو نفي يحيط به علم الشاهد فيقبل كما لو ادعت أن زوجها تكلم بما هو ردة في مجلس فأقامها على عدم التكلم فيه تقبل، وكذا إذا قالت الشهود‏:‏ كنا عندها ولم نسمعها تتكلم ثبت سكوتها كما في الجامع وإن أقاماها فبينتها أولى لإثبات الزيادة أعني الرد فإنه زائد على السكوت وقيد بكونه ادعى سكوتها؛ لأنه لو ادعى إجازتها النكاح حين أخبرت أو رضاها وأقاما البينة فبينته أولى على ما في الخانية لاستوائهما في الإثبات وزيادة بينته بإثبات اللزوم وفي الخلاصة نقلا من أدب القاضي للخصاف في هذه المسألة أن بينتها أولى فتحصل في هذه الصورة اختلاف المشايخ ولعل وجه ما في الخلاصة أن الشهادة بالإجازة أو الرضا لا يلزم منها كونها بأمر زائد على السكوت وقيدنا الصورة بأن تقول بلغني النكاح فرددت؛ لأنها لو قالت بلغني النكاح يوم كذا فرددت وقال الزوج لا بل سكت فإن القول قوله‏.‏ نظيره‏:‏ إذا قال الشفيع طلبت الشفعة حين علمت وقال المشتري ما طلبت حين علمت فالقول قول الشفيع ولو قال الشفيع علمت منذ كذا وطلبت وقال المشتري ما طلبت فالقول قول المشتري والفرق أنه إذا قال الشفيع طلبت حين علمت فعلمه عند القاضي ظهر للحال، وقد وجد منه الطلب للحال فكان القول قوله، أما إذا قال علمت منذ كذا ثبت عند القاضي بإقراره، وطلبه منذ كذا لم يظهر فيحتاج إلى الإثبات، كذا في الولوالجية، وذكرها في الذخيرة لكن فرق بين بداية المرأة وبين بداية الزوج، فقال لو قال الزوج بلغك الخبر وسكت، وقالت المرأة بلغني يوم كذا فرددت فالقول قول المرأة وبمثله لو قالت المرأة بلغني الخبر يوم كذا فرددت وقال الزوج لا بل سكت فالقول قول الزوج ا هـ‏.‏ وقيد بالبكر البالغة فإن الضمير عائد إليها احترازا عن الصغيرة التي زوجها غير الأب والجد إذا قالت بعد البلوغ كنت رددت حين بلغني الخبر وكذبها الزوج فإن القول قوله؛ لأن الملك ثابت عليها فهي بما قالت تريد إبطال الملك الثابت عليها فكانت مدعية صورة فلا يقبل منها إسناد الفسخ حتى لو قالت عند القاضي‏:‏ أدركت الآن وفسخت صح، وقيل لمحمد كيف يصح وهو كذب، وإنما أدركت قبل هذا الوقت‏؟‏ فقال‏:‏ لا تصدق بالإسناد فجاز لها أن تكذب كي لا يبطل حقها وأشار المصنف رحمه الله إلى أن الاختلاف لو كان في البلوغ فإن القول لها كما في الولوالجية رجل زوج وليته فردت النكاح فادعى الزوج أنها صغيرة وادعت هي أنها بالغة فالقول لها إن كانت مراهقة؛ لأنها إذا كانت مراهقة كان المخبر به يحتمل الثبوت فيقبل خبرها؛ لأنها منكرة وقوع الملك عليها‏.‏ ا هـ‏.‏

وفي الذخيرة إذا زوج الرجل ابنته، فقالت أنا بالغة والنكاح لم يصح وقال الأب لا بل هي صغيرة فالقول لها إن كانت مراهقة، وقيل‏:‏ له، والأول أصح وعلى هذا إذا باع الرجل ضياع ابنه، فقال الابن أنا بالغ وقال المشتري والأب إنه صغير فالقول للابن؛ لأنه ينكر زوال ملكه، وقد قيل بخلافه، والأول أصح ا هـ‏.‏ وقيدنا بعدم الدخول بها؛ لأنه لو كان دخل بها طوعا فإنها لا تصدق في دعوى الرد بخلاف ما إذا كان كرها فإنها تصدق كذا في الخانية وصححه الولوالجي وأشار المصنف رحمه الله إلى أن الرجل لو زوج ابنه البالغ امرأة ومات الابن، فقال أبو الزوج كان النكاح بغير إذن الابن ومات قبل الإجازة، فقالت المرأة لا بل أجاز ثم مات فإن قياس مسألة الكتاب أن القول قول الأب؛ لأنهما اتفقا أن العقد وقع غير لازم فالمرأة تدعي اللزوم والأب ينكر حتى لو كانت المرأة قالت كان النكاح بإذن الابن كان القول قولها ذكرها في الذخيرة، وذكر أولا أن الصدر الشهيد قال‏:‏ القول قولها والبينة بينة الأب، ثم قال وقياس مسألة الكتاب أن القول قول الأب، ثم قال وهكذا كتبت في المحيط في أصل المتفرقات أن القول قول الأب ا هـ‏.‏ وإلى أن سيد العبد لو قال إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر ومضى اليوم وقال العبد لم أدخل وكذبه المولى فإن القول قول المولى عندنا وعند زفر للعبد قال في فتح القدير إنها نظير مسألة الكتاب، وهذه العبارة أولى من قوله في المبسوط إن الخلاف في مسألة النكاح بناء على الخلاف في مسألة العبد إذ ليس كون أحدهما بعينه مبنى الخلاف بأولى من القلب بل الخلاف فيهما معا ابتدائي ا هـ‏.‏ وإلى أنه لا يقبل قول وليها عليها بالرضا؛ لأنه يقر عليها بثبوت الملك وإقراره عليها بالنكاح بعد بلوغها غير صحيح كذا في الفتح وينبغي أن لا تقبل شهادته لو شهد مع آخر بالرضا لكونه ساعيا في إتمام ما صدر منه فهو متهم ولم أره منقولا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وللولي إنكاح الصغير والصغيرة والولي العصبة بترتيب الإرث‏)‏ ومالك يخالفنا في غير الأب والشافعي يخالفنا في غير الأب والجد وفي الثيب الصغيرة أيضا وجه قول مالك إن الولاية على الحرة باعتبار الحاجة ولا حاجة لانعدام الشهوة إلا أن ولاية الأب ثبتت نصا بخلاف القياس والجد ليس في معناه فلا يلحق به‏.‏ قلنا‏:‏ لا بل هو موافق للقياس؛ لأن النكاح يتضمن المصالح ولا تتوفر إلا بين المتكافئين عادة ولا يتفق الكفء في كل زمان فأثبتنا الولاية في حالة الصغر بكرا كانت أو ثيبا إحرازا للكفء والقرابة داعية إلى النظر كما في الأب والجد وما فيه من القصور أظهرناه في سلب ولاية الإلزام بخلاف التصرف في المال؛ لأنه يتكرر فلا يمكن تدارك الخلل وتمامه في الهداية وشروحها‏.‏ والحاصل‏:‏ أن علة ثبوت الولاية على الصغيرة عند الشافعي البكارة وعندنا عدم العقل أو نقصانه، وهذا أولى؛ لأنه المؤثر في ثبوت الولاية في مالها إجماعا، وكذا في حق الغلام في ماله ونفسه، وكذا في حق المجنونة إجماعا ولا تأثير لكونها ثيبا أو بكرا فكذا الصغيرة وأشار المصنف إلى أن للولي إنكاح المجنون والمجنونة إذا كان الجنون مطبقا فالمراد أن للولي إنكاح غير المكلفة جبرا قال في الولوالجية الرجل إذا كان يجن ويفيق هل يثبت للغير ولاية عليه في حال جنونه‏؟‏ إن كان يجن يوما أو يومين أو أقل من ذلك لا تثبت؛ لأنه لا يمكن الاحتراز عنه وفي الخانية رجل زوج ابنه البالغ بغير إذنه فجن الابن قبل الإجازة قالوا‏:‏ ينبغي للأب أن يقول أجزت النكاح على ابني؛ لأن الأب يملك إنشاء النكاح عليه بعد الجنون فيملك إجازته ا هـ‏.‏ وقيد المصنف بالإنكاح؛ لأن الولي إذا أقر بالنكاح على الصغيرة لم يجز إلا بشهود أو بتصديقها بعد البلوغ عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقالا‏:‏ يصدق، وكذلك لو أقر المولى على عبده والوكيل على موكله ثم الولي على من يقيم بينة الإقرار عند أبي حنيفة قالوا القاضي ينصب خصما عن الصغير حتى ينكر فتقام البينة على المنكر كما إذا أقر الأب باستيفاء بدل الكتابة من عبد ابنه الصغير لا يصدق إلا ببينة فالقاضي ينصب خصما عن الصغير فتقام عليه البينة كذا في المحيط، وهذه المسألة على قول الإمام مخرجة من قولهم‏:‏ إن من ملك الإنشاء ملك الإقرار به كالوصي والمراجع والمولى والوكيل بالبيع كذا في الجامع الصغير للصدر الشهيد مع أن صاحب المبسوط قال‏:‏ وأصل كلامهم يشكل بإقرار الوصي بالاستدانة على اليتيم فإنه لا يكون صحيحا وإن كان هو يملك إنشاء الاستدانة ا هـ‏.‏ وفسر المصنف رحمه الله الولي بالعصبة وسيأتي في الفرائض أنه‏:‏ ‏(‏العصبة‏)‏ من أخذ الكل إذا انفرد والباقي مع ذي سهم، وهو عند الإطلاق منصرف إلى العصبة بنفسه وهو ذكر يتصل بلا توسط أنثى أي يتصل إلى غير المكلف ولا يقال هنا إلى الميت فلا يرد العصبة بالغير كالبنت تصير عصبة بالابن فلا ولاية لها على أمها المجنونة، وكذا لا يرد العصبة مع الغير كالأخوات مع البنات‏.‏ وأفاد بقوله بترتيب الإرث أن الأحق الابن وابنه وإن سفل ولا يتأتى إلا في المعتوهة على قولهما خلافا لمحمد كما سيأتي ثم الأب ثم الجد أبوه ثم الأخ الشقيق ثم الأب، وذكر الكرخي أن الأخ والجد يشاركان في الولاية عندهما وعند أبي حنيفة يقدم الجد كما هو الخلاف في الميراث والأصح أن الجد أولى بالتزويج اتفاقا، وأما الأخ لأم فليس منهم ثم ابن الشقيق ثم ابن الأخ لأب ثم العم الشقيق ثم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب ثم أعمام الأب كذلك الشقيق ثم لأب ثم أبناء عم الأب الشقيق ثم أبناؤه لأب ثم عم الجد الشقيق ثم عم الجد لأب ثم أبناء عم الجد الشقيق ثم أبناؤه لأب وإن سفلوا كل هؤلاء تثبت لهم ولاية الإجبار على البنت والذكر في حال صغرهما وحال كبرهما إذا جنى ثم المعتق وإن كان امرأة ثم بنوه وإن سفلوا ثم عصبته من النسب على ترتيب عصبات النسب كذا في فتح القدير وغيره وفي الظهيرية والجارية بين اثنين إذا جاءت بولد فادعياه حيث يثبت النسب من كل واحد منهما ينفرد كل واحد منهما بالتزويج، ثم إذا اجتمع في الصغير والصغيرة وليان في الدرجة على السواء فزوج أحدهما جاز، أجاز الأول أو فسخ، بخلاف الجارية إذا كانت بين اثنين فزوجها أحدهما لا يجوز إلا بإجازة الآخر فإن زوج كل واحد من الوليين رجلا على حدة فالأول يجوز والآخر لا يجوز وإن وقعا معا ساعة واحدة لا يجوز كلاهما ولا واحد منهما وإن كان أحدهما قبل الآخر ولا يدرى السابق من اللاحق فكذلك؛ لأنه لا يجوز؛ لأنه لو جاز جاز بالتحري والتحري في الفروج حرام هذا إذا كان في الدرجة سواء وأما إذا كان أحدهما أقرب من الآخر فلا ولاية للأبعد مع الأقرب إلا إذا غاب غيبة منقطعة فنكاح الأبعد يجوز إذا وقع قبل عقد الأقرب كذا ذكره الإسبيجابي وفي المحيط وغيره وإذا زوج غير الأب والجد الصغيرة فالاحتياط أن يعقد مرتين مرة بمهر مسمى ومرة بغير تسمية لأمرين‏:‏ أحدهما لو كان في التسمية نقصان لا يصح النكاح الأول فيصح النكاح الثاني بمهر المثل‏.‏ والثاني لو كان الزوج حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها ينعقد الثاني وتحل وإن كان أبا أو جدا فكذلك عندهما للوجه‏.‏ الثاني واختلفوا في وقت الدخول بالصغيرة، فقيل لا يدخل بها ما لم تبلغ، وقيل يدخل بها إذا بلغت تسع سنين وقيل إن كانت سمينة جسيمة تطيق الجماع يدخل بها وإلا فلا، وكذا اختلفوا في وقت ختان الصبي على الأقوال الثلاثة، وقيل يختن إذا بلغ عشرا ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة وأكثر المشايخ على أنه لا اعتبار للسن فيهما، وإنما المعتبر الطاقة وفي الظهيرية صغيرة زوجها وليها من كفء، ثم قال لست أنا بولي لا يصدق ولكن ينظر إن كانت ولايته ظاهرة جاز النكاح وإلا فلا ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة صغيرة زوجت فذهبت إلى بيت زوجها بدون أخذ المهر فلمن هو أحق بإمساكها قبل التزويج أن يمنعها حتى يأخذ من له حق أخذ جميع المهر وغير الأب إذا زوج الصغيرة وسلمها إلى الزوج قبل قبض جميع الصداق فالتسليم فاسد وترد إلى بيتها قال رحمه الله‏:‏ هذا في عرفهم أما في زماننا فتسليم جميع الصداق ليس بلازم والأب إذا سلم البنت إليه قبل القبض له أن يمنعها بخلاف ما لو باع مال الصغير وسلم قبل قبض الثمن فإنه لا يسترد ا هـ‏.‏ والفرق أن حقوق النقد في الأموال راجعة إليه بخلاف النكاح ولذا ملك الإبراء عن الثمن ويضمن ولا يصح الإبراء عن المهر من الولي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولهما خيار الفسخ بالبلوغ في غير الأب والجد بشرط القضاء‏)‏ أي للصغير والصغيرة إذا بلغا وقد زوجا، أن يفسخا عقد النكاح الصادر من ولي غير أب ولا جد بشرط قضاء القاضي بالفرقة، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمه الله وقال أبو يوسف رحمه الله لا خيار لهما اعتبارا بالأب والجد ولهما‏:‏ أن قرابة الأخ ناقصة والنقصان يشعر بقصور الشفقة فيتطرق الخلل إلى المقاصد والتدارك يعلم بخيار الإدراك، بخلاف ما إذا زوجها الأب والجد فإنه لا خيار لهما بعد بلوغهما؛ لأنهما كاملا الرأي وافرا الشفقة فيلزم العقد بمباشرتهما كما إذا باشراه برضاهما بعد البلوغ، وإنما شرط فيه القضاء بخلاف خيار العتق؛ لأن الفسخ هاهنا لدفع ضرر خفي وهو تمكن الخلل ولهذا يشمل الذكر والأنثى فجعل إلزاما في حق الآخر فيفتقر إلى القضاء وخيار العتق لدفع ضرر جلي وهو زيادة الملك عليها ولهذا يختص بالأنثى فاعتبر دفعا والدفع لا يفتقر إلى القضاء أطلق الخيار لهما فشمل الذميين والمسلمين كما في المحيط وشمل ما إذا زوجت الصغيرة نفسها فأجاز الولي فإن لها الخيار إذا بلغت؛ لأن الجواز ثبت بإجازة الولي فالتحق بنكاح باشره الولي كذا في المحيط وأشار المصنف إلى أن المجنون والمجنونة كالصغير والصغيرة لهما الخيار إذا عقلا في تزويج غير الأب والجد ولا خيار لهما فيهما وأشار إلى أنه لا خيار لهما في تزويج الابن بالأولى؛ لأنه مقدم على الأب في التزويج وأفاد أن الكلام في الحر؛ لأن ولاية الأب إنما هي عليه‏.‏

وأما الصغير والصغيرة المرقوقان إذا زوجهما المولى ثم أعتقهما ثم بلغا فإنه لا يثبت لهما خيار البلوغ لكمال ولاية المولى فهو أقوى من الأب والجد ولأن خيار العتق يغني عنه حتى لو أعتق أمته الصغيرة أولا ثم زوجها ثم بلغت فإن لها خيار البلوغ كما ذكره الإسبيجابي وهو داخل في غير الأب والجد فلو قال المصنف وللمولى عليه خيار الفسخ بالبلوغ في غير الأب والجد والابن والمولى لكان أولى وأشمل، ويدخل تحت غير الأب والجد‏:‏ الأم والقاضي على الأصح؛ لأن ولايتهما متأخرة عن ولاية الأخ والعم فإذا ثبت الخيار في الحاجب ففي المحجوب أولى، وإنما عبر بالفسخ ليفيد أن هذه الفرقة فسخ لا طلاق فلا ينقص عدده؛ لأنه يصح من الأنثى ولا طلاق إليها، وكذا بخيار العتق لما بيناه، وكذا الفرقة بعدم الكفاءة أو نقصان المهر فسخ بخلاف خيار المخيرة؛ لأن الزوج هو الذي ملكها وهو مالك للطلاق وفي التبيين ولا يقال النكاح لا يحتمل الفسخ فلا يستقيم جعله فسخا؛ لأنا نقول المعنى بقولنا لا يحتمل الفسخ بعد التمام وهو النكاح الصحيح النافذ اللازم وأما قبل التمام فيحتمل الفسخ وتزويج الأخ والعم صحيح نافذ لكنه غير لازم فيقبل الفسخ ا هـ ويرد عليه ارتداد أحدهما فإنه فسخ اتفاقا وهو بعد التمام، وكذا إباؤها عن الإسلام بعد إسلامه فإنه فسخ اتفاقا وهو بعد التمام، وكذا ملك أحد الزوجين صاحبه فالحق أنه يقبل الفسخ مطلقا إذا وجد ما يقتضيه شرعا وفي فتح القدير وهل يقع الطلاق في العدة إذا كانت هذه الفرقة بعد الدخول أي الصريح أو لا لكل وجه، والأوجه الوقوع‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر عدم الوقوع لما في النهاية من باب نكاح أهل الشرك معزيا إلى المحيط‏:‏ الأصل أن المعتدة بعدة الطلاق يلحقها طلاق آخر في العدة والمعتدة بعدة الفسخ لا يلحقها طلاق آخر في العدة، وذكر في خصوص مسألتنا أنه لا يقع، وأما حكم المهر فإن كانت الفرقة بعد الدخول ولو حكما وجب تمامه وإن كانت قبله فلا مهر لها فإن كانت منها فظاهر؛ لأنها جاءت من قبلها وإن كانت منه فسقوطه هو فائدة الخيار له وإلا فلا فائدة في إثباته له إذ هو مالك للطلاق قال في الاختيار وليس لنا فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول ولا مهر عليه إلا في هذه‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا الحصر غير صحيح لما في الذخيرة من الفصل السادس والعشرين في المتفرقات قبيل كتاب النفقات حر تزوج مكاتبة بإذن سيدها على جارية بعينها فلم تقبض المكاتبة الجارية حتى زوجتها من زوجها على مائة درهم جاز النكاحان فإن طلق الزوج المكاتبة أولا ثم طلق الأمة وقع الطلاق على المكاتبة ولا يقع على الأمة؛ لأن بطلاق المكاتبة تتنصف الأمة وعاد نصفها إلى الزوج بنفس الطلاق فيفسد نكاح الأمة قبل ورود الطلاق عليها فلم يعمل طلاقها ويبطل جميع مهر الأمة عن الزوج مع أنها فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول بها؛ لأن الفرقة إذا كانت من قبل الزوج إنما لا تسقط كل المهر إذا كانت طلاقا، وأما إذا كانت الفرقة من قبله قبل الدخول وكانت فسخا من كل وجه توجب سقوط كل الصداق كالصغير إذا بلغ‏.‏

وأيضا لو اشترى منكوحته قبل الدخول بها فإنه يسقط كل الصداق مع أن الفرقة جاءت من قبله؛ لأن فساد النكاح حكم تعلق بالملك وكل حكم تعلق بالملك فإنه يحال على قبول المشتري لا على إيجاب البائع، وإنما سقط كل الصداق؛ لأنه فسخ من كل وجه ا هـ‏.‏ بلفظه، ويرده صاحب الذخيرة إذا ارتد الزوج قبل الدخول فإنها فرقة هي فسخ من كل وجه مع أنه لم يسقط كل المهر بل يجب نصفه فالحق أن لا يجعل لهذه المسألة ضابط بل يحكم في كل فرد بما أفاده الدليل‏.‏ ثم اعلم أن الفرقة ثلاثة عشر فرقة‏:‏ سبعة منها تحتاج إلى القضاء وستة لا تحتاج، أما الأولى‏:‏ فالفرقة بالجب والفرقة بالعنة والفرقة بخيار البلوغ والفرقة بعدم الكفاءة والفرقة بنقصان المهر والفرقة بإباء الزوج عن الإسلام والفرقة باللعان، وإنما توقفت على القضاء؛ لأنها تنبني على سبب خفي؛ لأن الكفاءة شيء لا يعرف بالحس وأسبابها مختلفة، وكذا بنقصان مهر المثل وخيار البلوغ مبني على قصور الشفقة وهو أمر باطن والإباء ربما يوجد وربما لا يوجد، وكذا البقية، وأما الثانية‏:‏ فالفرقة بخيار العتق والفرقة بالإيلاء والفرقة بالرد والفرقة بتباين الدارين والفرقة بملك أحد الزوجين صاحبه والفرقة في النكاح الفاسد، وإنما لم تتوقف هذه الستة على القضاء؛ لأنها تبتنى على سبب جلي ثم قال الإمام المحبوبي في التنقيح كل فرقة جاءت من قبل المرأة لا بسبب من قبل الزوج فهي فرقة بغير طلاق كالردة من جهة المرأة وخيار البلوغ وخيار العتاقة وعدم الكفاءة؛ وكل فرقة جاءت من قبل الزوج فهي طلاق كالإيلاء والجب والعنة ولا يلزم على هذا ردة الزوج على قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن بالردة ينتفي الملك فينتفي الحل الذي هو من لوازم الملك فإنما حصلت الفرقة بالتنافي والتضاد لا بوجود المباشرة من الزوج بخلاف الإباء من جهة الزوج حيث يكون طلاقا عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأنه لا تنافي بدليل أن الملك يبقى بعدم الإباء فلهذا افترقا ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويبطل بسكوتها إن علمت بكرا لا بسكوته ما لم يقل رضيت ولو دلالة‏)‏ أي ويبطل خيار البلوغ بسكوت من بلغت إلى آخره اعتبارا لهذه الحالة بحالة ابتداء النكاح، وسكوت البكر في الابتداء إذن بخلاف سكوت الثيب والغلام وأراد بالعلم العلم بأصل النكاح؛ لأنها لا تتمكن من التصرف إلا به، والولي ينفرد به فعذرت ولا يشترط العلم بأن لها خيار البلوغ؛ لأنها تتفرغ لمعرفة أحكام الشرع والدار دار العلم فلم تعذر بالجهل بخلاف المعتقة؛ لأن الأمة لا تتفرغ لمعرفتها فتعذر بالجهل بثبوت الخيار واستفيد من بطلانه بسكوتها أنه لا يمتد إلى آخر المجلس، وعلى هذا قالوا‏:‏ ينبغي أن يبطل مع رؤية الدم فإن رأته ليلا تطلب بلسانها فتقول فسخت نكاحي وتشهد إذا أصبحت وتقول رأيت الدم الآن، وقيل لمحمد كيف يصح وهو كذب، وإنما أدركت قبل هذا، فقال لا تصدق في الإسناد فجاز لها أن تكذب كي لا يبطل حقها ثم إذا اختارت وأشهدت ولم تقدم إلى القاضي الشهر والشهرين فهي على خيارها كخيار العيب‏.‏ وما في التبيين من أنها لو بعثت خادمها حين حاضت للشهود فلم تقدر عليهم وهي في مكان منقطع لزمها ولم تعذر، محمول على ما إذا لم تفسخ بلسانها حتى فعلت‏.‏ وما فيه أيضا وفي الذخيرة من أنها لو سألت عن اسم الزوج أو عن المهر أو سلمت على الشهود بطل خيارها تعسف لا دليل عليه وغاية الأمر كون هذه الحالة كحالة ابتداء النكاح ولو سألت البكر عن اسم الزوج لا ينفذ عليها، وكذا عن المهر وإن كان عدم ذكره لها لا يبطل كون سكوتها رضا على الخلاف، فإن ذلك إذا لم تسأل عنه لظهور أنها راضية بكل مهر والسؤال يفيد نفي ظهوره في ذلك، وإنما يتوقف رضاها على معرفة كميته، وكذا السلام على القادم لا يدل على الرضا، كيف وإنما أرسلت لغرض الإشهاد على الفسخ، كذا في فتح القدير وفيه بحث؛ لأن بطلان هذا الخيار ليس متوقفا على ما يدل على الرضا؛ لأن ذلك إنما هو في حق الثيب والغلام، وأما في حق البكر فيبطل بمجرد السكوت ولا شك أن الاشتغال بالسلام فوق السكوت‏.‏

وإذا اجتمع خيار البلوغ والشفعة تقول أطلب الحقين ثم تبتدئ في التفسير بخيار البلوغ، وقيد بالبكر؛ لأنها لو كانت ثيبا كما لو دخل بها الزوج قبل البلوغ أو كانت ثيبا وقت العقد فإنه لا يبطل بسكوتها فهي كالغلام لا بد من الرضا بالقول أو بفعل دال عليه، وحاصله‏:‏ أن وقت خيارهما العمر؛ لأن سببه عدم الرضا فيبقى إلى أن يوجد ما يدل على الرضا، على هذا تظافرت كلمتهم كما في غاية البيان فما نقل عن الطحاوي حيث قال‏:‏ خيار المدركة يبطل بالسكوت إذا كانت بكرا وإن كانت ثيبا لم يبطل به، وكذا إذا كان الخيار للزوج لا يبطل إلا بصريح الإبطال أو يجيء منه دليل على إبطال الخيار كما إذا اشتغلت بشيء آخر وأعرضت عن الاختيار بوجه من الوجوه، مشكل إذ يقتضي أن الاشتغال بعمل آخر يبطله، وهذا تقييد بالمجلس ضرورة إذ تبدله حقيقة أو حكما يستلزمه ظاهرا وفي الجوامع وإن كانت ثيبا حين بلغها أو كان غلاما لم يبطل بالسكوت وإن أقامت معه أياما إلا أن ترضى بلسانها أو يوجد ما يدل على الرضا من الوطء أو التمكين منه طوعا أو المطالبة بالمهر أو النفقة، وفيه‏:‏ لو قالت كنت مكرهة في التمكين صدقت ولا يبطل خيارها‏.‏

وفي الخلاصة لو أكلت من طعامه أو خدمته فهي على خيارها لا يقال كون القول لها في دعوى الإكراه في التمكين مشكل؛ لأن الظاهر يصدقها كذا في فتح القدير ولا إشكال في عبارة شرح الطحاوي؛ لأن مراده من الاشتغال بشيء آخر عمل يدل على الرضا بالنكاح كالتمكين ونحوه لا مطلق العمل كما يدل عليه سياق كلامه بل قد صرح بأن خيار البلوغ في حق الثيب والغلام لا يبطل بالقيام عن المجلس وإلا فينبغي أن يحمل على ما ذكرناه ليوافق غيره وفي الجوامع إذا بلغ الغلام، فقال فسخت ينوي الطلاق فهي طالق بائن وإن نوى الثلاث فثلاث، وهذا حسن؛ لأن لفظ الفسخ يصلح كناية عن الطلاق‏.‏

ثم قال في فتح القدير وتقبل شهادة الموليين على اختيار أمتهما التي زوجاها نفسها إذا أعتقاها ولا تقبل شهادة الغاصبين المزوجين بعد البلوغ أنها اختارت نفسها؛ لأن سبب الرد قد انقطع في الأولى بالعتق ولم ينقطع في الثانية إذ هو النسب وهو باق ا هـ‏.‏ وقد علم أن خيار البلوغ يخالف خيار العتق في مسائل منها اشتراط القضاء‏.‏ والثاني أن خيار المعتقة لا يبطل بالسكوت بل يمتد إلى آخر المجلس كما في المخيرة، بخلاف خيار البلوغ في حق البكر‏.‏ والثالث أن خيار العتق يثبت للأنثى فقط بخلاف خيار البلوغ يثبت لهما‏.‏ والرابع أن الجهل بخيار البلوغ ليس بعذر بخلافه في خيار العتق‏.‏ والخامس أن خيار العتق يبطل بالقيام عن المجلس كالمخيرة وخيار البلوغ في حق الثيب والغلام لا يبطل به كذا في غاية البيان وأفاد المصنف بقوله ولو دلالة أن دفع المهر رضا كما في الهداية وحمله في فتح القدير على ما إذا كان قبل الدخول أما إذا كان دخل بها قبل بلوغه ينبغي أن لا يكون دفع المهر بعد بلوغه رضا؛ لأنه لا بد منه أقام أو فسخ‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتوارثا قبل الفسخ‏)‏ صادق بصورتين‏:‏ إحداهما ما إذا مات أحدهما قبل البلوغ ثانيهما ما إذا مات بعد البلوغ قبل التفريق فإن الآخر يرثه؛ لأن أصل العقد صحيح والملك الثابت به قد انتهى بالموت بخلاف مباشرة الفضولي إذا مات أحد الزوجين قبل الإجازة؛ لأن النكاح ثمة موقوف فيبطل بالموت وهاهنا نافذ فيتقرر به، أشار المصنف رحمه الله إلى أنه يحل للزوج وطؤها قبل الفسخ لما ذكرنا وإلى أنها لو بلغت واختارت نفسها والزوج غائب لا يفرق بينهما ما لم يحضر الغائب ولو كان زوجها صبيا لا ينتظر كبره ويفرق بينهما بحضرة والده أو وصيه إن لم يأتيا بما يدفعها كذا في أحكام الصغار‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا ولاية لصغير وعبد ومجنون‏)‏؛ لأنه لا ولاية لهم على أنفسهم فأولى أن لا يثبت على غيرهم ولأن هذه ولاية نظرية ولا نظر في التفويض إلى هؤلاء أطلق في العبد فشمل المكاتب فلا ولاية له على ولده كذا في المحيط لكن للمكاتب ولاية في تزويج أمته كما عرف وأراد بالمجنون المطبق وهو شهر وعليه الفتوى وفي فتح القدير لا يحتاج إلى تقييده به؛ لأنه لا يزوج حال جنونه مطبقا أو غير مطبق ويزوج حالة إفاقته عن جنون مطبق أو غير مطبق لكن المعنى أنه إذا كان مطبقا تسلب ولايته فتزوج ولا ينتظر إفاقته وغير المطبق الولاية ثابتة له فلا تزوج وتنتظر إفاقته كالنائم ومقتضى النظر أن الكفء الخاطب إن فات بانتظار إفاقته تزوج وإن لم يكن مطبقا وإلا انتظر على ما اختاره المتأخرون في غيبة الولي الأقرب ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا لكافر على مسلم‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا‏}‏ ولهذا لا تقبل شهادته عليه ولا يتوارثان، قيد بالمسلم؛ لأن للكافر ولاية على ولده الكافر لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين كفروا بعضهم أولياء بعض‏}‏ ولهذا تقبل شهادتهم على بعضهم ويجري بينهما التوارث وكما لا تثبت الولاية لكافر على مسلم كذلك لا تثبت لمسلم على كافرة أعني ولاية التزويج بالقرابة وولاية التصرف في المال قالوا‏:‏ وينبغي أن يقال إلا أن يكون المسلم سيد أمة كافرة أو سلطانا، قال السروجي لم أر هذا الاستثناء في كتب أصحابنا، وإنما هو منسوب إلى الشافعي ومالك قال في المعراج وينبغي أن يكون مرادا ورأيت في موضع معزوا إلى المبسوط الولاية بالسبب العام تثبت للمسلم على الكافر كولاية السلطنة والشهادة فقد ذكر معنى ذلك الاستثناء ا هـ‏.‏ وقيد بالكفر؛ لأن الفسق لا يسلب الأهلية عندنا على المشهور وهو المذكور في المنظومة وعن الشافعي اختلاف فيه أما المستور فله الولاية بلا خلاف فما في الجوامع أن الأب إذا كان فاسقا للقاضي أن يزوج الصغيرة من كفء غير معروف نعم إذا كان متهتكا لا ينفذ تزويجه إياها بنقص عن مهر المثل ومن غير كفء وسيأتي هذا كذا في فتح القدير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن لم يكن عصبة فالولاية للأم ثم للأخت لأب وأم ثم لأب ثم لولد الأم ثم لذوي الأرحام ثم للحاكم‏)‏، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله رحمه الله تعالى وعندهما ليس لغير العصبات من الأقارب ولاية، وإنما الولاية للحاكم بعد العصبات لحديث‏:‏ «الإنكاح إلى العصبات» ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن الولاية نظرية والنظر يتحقق بالتفويض إلى من هو المختص بالقرابة الباعثة على الشفقة، وقد اختلفوا في قول أبي يوسف ففي الهداية الأشهر أنه مع محمد وفي الكافي الجمهور أنه مع أبي حنيفة وفي التبيين والجوهرة والمجتبى والذخيرة الأصح أنه مع أبي حنيفة وفي تهذيب القلانسي وروى ابن زياد عن أبي حنيفة وهو قولهما لا يليه إلا العصبات وعليه الفتوى ا هـ‏.‏ وهو غريب لمخالفته المتون الموضوعة لبيان الفتوى ولم يذكر المصنف بعد الأم البنت؛ لأنه خاص بالمجنون والمجنونة فبعد الأم البنت ثم بنت الابن ثم بنت ابن الابن ثم بنت بنت البنت وأطلق في ولد الأم فشمل الذكر والأنثى، وذكر الشارح أن بعد ولد الأم ولده، وأفاده المصنف رحمه الله بتقديم الأم على الأخت تضعيف ما نقله في المستصفى عن شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله ونقله في التجنيس عن عمر النسفي رحمه الله من أن الأخت الشقيقة أولى من الأم؛ لأنها من قبل الأب، ووجه ضعفه أن الأم أقرب منها وصرح في الخلاصة بأنه يفتى بتقديم الأم على الأخت وسيأتي في آخر المختصر أن ذا الرحم قريب ليس بذي سهم ولا عصبة وأن ترتيبهم كترتيب العصبات فتقدم العمات ثم الأخوال ثم الخالات ثم بنات الأعمام ثم بنات العمات كترتيب الإرث وهو قول الأكثر، وظاهر كلام المصنف أن الجد الفاسد مؤخر عن الأخت؛ لأنه من ذوي الأرحام، وذكر المصنف في المستصفى أن الجد الفاسد أولى من الأخت عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف الولاية لهما كما في الميراث وفي فتح القدير وقياس ما صح في الجد والأخ من تقدم الجد الفاسد على الأخت ا هـ‏.‏ فثبت بهذا أن المذهب أن الجد الفاسد بعد الأم قبل الأخت وفي القنية أم الأب في التزويج من الأم وأطلق في نفي العصبة فشمل العصبة النسبية والسببية فمولى العتاقة، ثم عصبته على الترتيب السابق يقدمان على الأم ولم يذكر المصنف مولى الموالاة وهو الذي أسلم أبو الصغير على يديه ووالاه، قالوا‏:‏ إن آخر الأولياء مقدم على القاضي؛ لأن هذا العقد يفيد الخلافة في الإرث فيفيد في الإنكاح كالعصبات، وأطلق في الحاكم فشمل الإمام والقاضي لكن قالوا‏:‏ إن القاضي إنما يملك ذلك إذا كان ذلك في عهده ومنشوره فإن لم يكن ذلك في عهده لم يكن وليا كذا في الظهيرية وغيرها وفي المجتبى ما يفيد أن لنائب القاضي ولاية التزويج حيث كان القاضي كتب له في منشوره ذلك فإنه قال‏:‏ ثم السلطان ثم القاضي ونوابه إذا اشترط في عهده تزويج الصغار والصغائر وإلا فلا ا هـ‏.‏ بناء على أن هذا الشرط إنما هو في حق القاضي دون نوابه ويحتمل أن يكون شرطا فيهما فإذا كتب في منشور قاضي القضاة فإن كان ذلك في عهد نائبه منه ملكه النائب وإلا فلا، ولم أر فيه منقولا صريحا وفي الظهيرية فإن زوجها القاضي ولم يأذن له السلطان ثم أذن له بذلك فأجاز القاضي ذلك جاز استحسانا وفي غاية البيان ولو زوج القاضي الصغيرة من ابنه كان باطلا، وكذا إذا باع مال اليتيم من نفسه لا يجوز؛ لأنه حكم وحكمه لنفسه لا يجوز ولو اشترط من وصي اليتيم يجوز وإن كان القاضي أقامه وصيا؛ لأنه نائب عن الميت لا عن القاضي ا هـ‏.‏ وعلله في فتح القدير بأنه كالوكيل لا يجوز عقده لابنه قال والإلحاق بالوكيل يكفي للحكم مستغن عن جعل فعله حكما مع انتفاء شرطه‏.‏ ا هـ‏.‏

وفي الفوائد الناجية معزيا إلى فتاوى سمرقند سئل القاضي بديع الدين عن صغيرة زوجت نفسها ولا ولي لها ولا قاضي في ذلك الموضع قال‏:‏ يتوقف وينفذ بإجازتها بعد بلوغها ا هـ‏.‏ مع أنهم قالوا كل عقد لا مجيز له حال صدوره فهو باطل لا يتوقف ولعل التوقف فيه باعتبار أن مجيزه السلطان كما لا يخفى وفي النوازل والذخيرة امرأة جاءت إلى قاض فقالت له‏:‏ أريد أن أتزوج ولا ولي لي فللقاضي أن يأذن لها في النكاح كما لو علم أن لها وليا، وما نقل فيه من إقامتها البينة خلاف المشهور وما نقل من قول إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة يقول لها القاضي إن لم تكوني قرشية ولا عربية ولا ذات بعل ولا معتدة فقد أذنت لك فالظاهر أن الشرطين الأولين محمولان على رواية عدم الجواز من غير الكفء وأما الشرط الثالث فمعلوم الاشتراط كذا في فتح القدير‏.‏ والظاهر أن الشرطين الأولين إنما هو عند كذبها بأن كان لها ولي، أما إن كانت صادقة في عدم الولي فليسا بشرطين على جميع الروايات وأشار المصنف إلى أن وصي الصغير والصغيرة إذا لم يكن قريبا ولا حاكما فإنه ليس له ولاية التزويج سواء كان أوصى إليه الأب في ذلك أو لم يوص، وروى هشام عن أبي حنيفة إن أوصى إليه الأب جاز له، كذا في الخانية والظهيرية وبه علم أن ما في التبيين من أنه ليس له ذلك إلا أن يفوض إليه الموصي ذلك، رواية هشام وهي ضعيفة واستثنى في فتح القدير ما إذا كان الموصي عين رجلا في حياته للتزويج فيزوجها الوصي كما لو وكل في حياته بتزويجها ا هـ‏.‏ وفيه نظر؛ لأنه إن زوجها من المعين قبل موت الموصي فليس الكلام فيه؛ لأنه ليس بوصي، وإنما هو وكيل وإن كان بعد موته فقد بطلت الوكالة بموته وانقطعت ولايته فانتقلت الولاية للحاكم عند عدم قريب وفي الظهيرية ومن يعول صغيرا أو صغيرة لا يملك تزويجهما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وللأبعد التزويج بغيبة الأقرب مسافة القصر‏)‏ أي ثلاثة أيام فصاعدا؛ لأن هذه ولاية نظرية وليس من النظر التفويض إلى من لا ينتفع برأيه ففوضناه إلى الأبعد وهو مقدم على الحاكم كما إذا مات الأقرب، واختلف في حد الغيبة فذهب أكثر المتأخرين إلى أنها مقدرة بمسافة القصر؛ لأنه ليس لأقصاها غاية فاعتبر بأدنى مدة السفر، واختاره المصنف وعليه الفتوى كما في التبيين واختار أكثر المشايخ كما في النهاية أنها مقدرة بفوت الكفء الخاطب باستطلاع رأيه وصححه ابن الفضل وفي الهداية، وهذا أقرب إلى الفقه؛ لأنه لا نظر في إبقاء ولايته حينئذ وفي المجتبى والمبسوط والذخيرة وهو الأصح وفي الخلاصة وبه كان يفتي الشيخ الإمام الأستاذ وفي فتح القدير ولا تعارض بين أكثر المتأخرين وأكثر المشايخ ا هـ‏.‏ وهنا أقوال أخر لكنها ضعيفة والحاصل أن التصحيح قد اختلف والأحسن الإفتاء بما عليه أكثر المشايخ وعليه فرع قاضي خان في شرحه أنه لو كان مختفيا بالمدينة بحيث لا يوقف عليه تكون غيبة منقطعة، وهذا أحسن؛ لأنه النظر ويتفرع على ما في المختصر أنه لا يزوج الأبعد إذا كان الأقرب بالمدينة مختفيا وأشار المصنف بعدم ذكر سلب ولاية الأقرب إلى أنها باقية مع الغيبة حتى لو زوجها الأقرب حيث هو، اختلفوا فيه، والظاهر هو الجواز كذا في الخانية والظهيرية ولو زوجا معا أو لا يدرى السابق من اللاحق فهو باطل كذا ذكره الإسبيجابي وقيد بالغيبة؛ لأن الأقرب إذا عضلها يثبت للأبعد ولاية التزويج بالإجماع كذا في الخلاصة وبه اندفع ما ذكره السروجي من أنه تثبت للقاضي وقيد بالتزويج؛ لأنه ليس للأبعد التصرف في المال وهو للأقرب؛ لأن رأيه منتفع به في مالها بأن ينقل إليه ليتصرف في مالها كذا في المحيط قالوا إذا خطبها كفء وعضلها الولي تثبت الولاية للقاضي نيابة عن العاضل فله التزويج وإن لم يكن في منشوره‏.‏ لكن ما المراد بالعضل‏؟‏ فيحتمل أن يمتنع من تزويجها مطلقا ويحتمل أن يكون أعم من الأول ومن أن يمتنع من تزويجها من هذا الخاطب الكفء ليزوجها من كفء غيره وهو الظاهر ولم أره صريحا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يبطل بعوده‏)‏ أي لا يبطل تزويج الأبعد بعود الأقرب؛ لأنه عقد صدر عن ولاية تامة فالضمير في لا يبطل عائد إلى التزويج وما في التبيين من عوده إلى ولاية الأبعد فبعيد عن النظم والمعنى؛ لأن ولايته تبطل بعود الأقرب في المستقبل فالأحسن ما قلنا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وولي المجنونة الابن لا الأب‏)‏ أي في النكاح، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد أبوها؛ لأنه أوفر شفقة من الابن، ولهما‏:‏ أن الابن هو المقدم في العصوبة، وهذه الولاية مبنية عليها ولا معتبر بزياد الشفقة كأبي الأم مع بعض العصبات وأخذ الطحاوي بقول محمد كما في غاية البيان والتقييد بالمجنونة اتفاقي؛ لأن الحكم في المجنون إذا كان له أب وابن كذلك والأفضل أن يأمر الابن الأب بالنكاح حتى يجوز بلا خلاف ذكره الإسبيجابي وحكم ابن الابن وإن سفل كالابن في تقديمه على الأب كما في الخانية وأطلق في المجنون فشمل الأصلي والعارض خلافا لزفر في الثاني وقيدنا بالنكاح؛ لأن التصرف في المال للأب بالاتفاق كما في تهذيب القلانسي، وقد قدمنا حكم الصلاة في الجنائز، وقد قدمنا قريبا أن المجنون والمجنونة البالغين إذا زوجهما الابن ثم أفاقا فإنه لا خيار لهما؛ لأنه مقدم على الأب والجد ولا خيار لهما في تزويجهما فالابن أولى‏.‏