فصل: باب الشهادة في القتل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


فصل ‏[‏في ذكر الجنايات المتعددة‏]‏

لما فرغ من ذكر حكم الجناية الواحدة شرع في ذكر الجنايات المتعددة؛ لأن الاثنين بعد الواحد قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن قطع يد رجل ثم قتله أخذ بالأمرين، ولو عمدين أو مختلفين أو خطأين تخلل بينهما برء أو لا إلا في خطأين لم يتخلل بينهما برء فتجب دية واحدة كمن ضرب رجلا مائة سوط فبرئ من تسعين ومات من عشرة‏)‏ يعني إذا قطع يده ثم قتله يجب عليه موجب القطع وموجب القتل إن كانا عمدين أو أحدهما عمد، والآخر خطأ أو كانا خطأين وتخلل بينهما برء وفي خطأين لم يتخلل بينهما برء فتجب عليه دية واحدة فحاصله أن الكل لا يتداخل إلا في خطأين، فإنهما يتداخلان فيجب فيهما دية واحدة إذا لم يتخلل بينهما برء، وإن تخلل بينهما برء لا يتداخلان أما الأول، وهو ما إذا كانا عمدين فالمذكور قول أبي حنيفة، وعندهما يتداخلان فيقتل حدا ولا يقطع يده؛ لأن الجمع بينهما ممكن لتجانس الفعلين وعدم تخلل البرء بينهما فصار كالخطأين، وهذا؛ لأن الجمع بين الجراحات واجب ما أمكن؛ لأن القتل يقع بضربات غالبا، واعتبار كل ضربة على حدتها يؤدي إلى الجرح فيجمع تيسيرا إلا أن لا يمكن بأن يختلف حكم الفعلين كالعمد والخطأ أو يتخلل البرء بينهما؛ لأن البرء قاطع للسراية فلا يمكن أن يجعل الثاني تتميما للأول فيعتبر على حاله وأمكن ذلك قبل البرء فصار كسراية الأول وله أن الجمع متعذر؛ لأن حز الرقبة يمنع سراية القطع كالبرء حتى لو صدر من شخصين وجب على كل واحد منهما القصاص‏.‏ فكذا إذا كان من شخص واحد فتقطع أولا يده ثم يقتلوه إن شاءوا، وإن شاءوا قتلوه من غير قطع؛ لأن القصاص يعتمد المساواة في الفعل وذلك بأن يكون القتل بالقتل والقطع بالقطع واستيفاء القطع بالقتل متعذر لاختلافهما حقيقة وحكما؛ ولأن المماثلة صورة ومعنى يكون باستيفائهما وبالاكتفاء بالقتل لم توجد المماثلة إلا معنى فلا يصار إليه مع القدرة على المماثلة صورة ومعنى فيخير الولي بخلاف ما إذا مات من السراية؛ لأن الفعل واحد وبخلاف ما إذا كانا خطأين؛ لأن الموجب فيه الدية، وهو بدل المحل والمقتول واحد ألا ترى أن عشرة لو قتلوا واحدا خطأ يجب عليهم دية واحدة لاتحاد المحل، وإن تعدد الفعل، ولو قتلوه عمدا قتلوا به جميعا؛ لأن القصاص جزاء الفعل، وهو متعدد، وإن اتحد؛ ولأن أرش اليد لو وجب كان يجب عليه عند الجزاء؛ لأنه وقت استحكام أثر الفعل ولا سبيل إليه؛ لأنه حينئذ تجب دية النفس بالجزاء فيجتمع وجوب بدل الجزاء، والكل في حالة واحدة، وهو محال، ولو وجب ذلك لوجب بقتل النفس الواحد ديات كثيرة للأطراف؛ لأنها تتلف بتلف النفس أما القتل والقطع فقصاصان فأمكن اجتماعهما وبخلاف ما إذا قطع وسرى حيث يكتفي بالقطع لاتحاد الفعل، وأما الثاني، وهو ما إذا كانا مختلفين بأن كان أحدهما خطأ والآخر عمدا والثالث‏.‏ وهو ما إذا كانا خطأين وتخلل بينهما برء فلأن الجمع غير ممكن فيهما لاختلاف حكم الفعلين في الأول ولتخلل البرء في الثاني، وهو قاطع للسراية فيعطى لكل فعل حكم نفسه وقوله لا في خطأين لم يتخلل بينهما برء فتجب دية واحدة هذا إخراج من قوله وأخذ بالأمرين أي موجبي فعله إلا في هذه الصورة، فإنهما يتداخلان لا يؤخذ إلا بالقتل فيجب فيه دية النفس لا غير، وقد بينا وجهه في أثناء البحث وقوله كمن ضرب رجلا مائة سوط فبرئ ومن تسعين ومات من عشرة يعني تجب فيه دية واحدة كما إذا كان القطع والقتل خطأين ولم يتخلل بينهما برء، وإنما كان كذلك؛ لأن الضربات التي برئ منها، ولم يبق لها أثر سقط أرشها لزوال الشين، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعن أبي يوسف فيها حكومة عدل، وعن محمد أنه يجب فيها أجرة الطبيب وثمن الأدوية وستأتي المسألة بأدلتها في فصل الشجاج إن شاء الله تعالى، ولو بقي لها أثر بعد البرء يجب موجبه مع دية النفس بالإجماع؛ لأن الأرش يجب باعتبار الشين في النفس، وهو ببقاء الأثر، ولو قطع أصبعه أو يده ثم قطع الآخر ما بقي من اليد فمات كان القصاص على الثاني في النفس دون الأول ويقطع أصابع الأول أو يده وقال زفر والشافعي‏:‏ يقتلان لهما أن زوال الحياة مضاف إلى القطعين؛ لأنه اتصل الموت بهما قبل البرء وزال أثرهما وليس أحدهما بإضافة الإزهاق إليه أولى من الآخر، فأضيف إليهما كما لو قطع كل واحد منهما يدا على حدة قبل البرء ولنا أن زوال الحياة ألم الثاني غير قطع الأول فصار زوال الحياة مضافا إلى القطع الثاني فصار الثاني قتلا دون الأول بخلاف ما لو قطع كل واحد يدا على حدة أو أصبعا على حدة؛ لأن محل قطع الأول قائم وقت الموت‏.‏ فيتصور منه حدوث زيادة الألم فحصل بألم حدث القطعين فصار الموت مضافا إليهما وإذا قطع المفصل الأعلى من أصبع رجل فبرئ ولم يقتص حتى قطع مفصلا آخر من تلك الأصبع يقطع له المفصل الأعلى دون الأسفل وعليه أرش الأسفل؛ لأن القصاص مبناه على المساواة وحال قطع الثاني لا يمكن المساواة لسلامة أصبع القاطع وفوات مفصل المقطوع؛ ولأن أصبع القاطع، وإن كانت مستحقة بالقصاص ولكن ملك القصاص ملك ضرورة لا يثبت إلا عند الاستيفاء فقتله يكون مقصودا به مملوكية صاحبه؛ ولهذا لو قلنا لو قطعت يد من عليه القصاص إن كان عمدا يجب القصاص، وإن كان خطأ يجب الأرش له لا لمن له القصاص؛ لأنه لم توجد المساواة حال قطع الثاني، وكذلك لو أبرأ الثاني ثم قطع المفصل الثالث، ولو لم يكن القطعين برئ ووجب له القصاص في كل الأصابع بقطعها من أصلها مرة واحدة؛ لأنه لم يتخلل بين القطعين برء وجعلنا كلا الفعلين جناية كأنه قطع ابتداء من المفصل الثاني بفعل واحد، وفي المبسوط أصله إن تعذر استيفاء القصاص لتعذر القتل أنه متى جاء من قبل القاتل فصار إلى المال اعتبارا بالخطأ، فإن هناك امتنع استيفاء القصاص بمعنى من جهة القاتل، وهو الخطأ فإذا تعذر صيانة الاستيفاء، القصاص من قبل من له الحق لا يصار إلى المال؛ لأن الشرع غير حقه في القصاص لكن هو الذي فوته وفرط بإتيان ما أعجزه، فأهدره فلم يبق مستحقا للنظر‏.‏

وإذا أقر القاتل بالخطأ وادعى الولي العمد لم يقتص ولزمه الدية استحسانا وقال زفر‏:‏ لا يلزمه شيء قياسا؛ لأن ما أقر به لم يثبت؛ لأنه كذبه المدعي في إقراره بمقتضى دعواه القصاص، وصار كما لو أقر القاتل بالعمد وادعى الولي الخطأ لا يلزمه شيء فكذا هذا ولنا أنهما تصادقا على القتل إلا أنه تعذر استيفاء القصاص بمعنى من قبل القاتل، وهو دعوى الخطأ فتجب الدية صونا لدمه عن الهدر؛ ولأن في زعم الولي أن القصاص هو الواجب إلا أنه لما أقر بالخطأ، فقد أقر بالمال، وللولي ترك القصاص وأخذ المال ولم يكن به صريحا فيكون له أخذ المال، ولو أقر بالعمد وادعى الولي الخطأ بطل حقه؛ لأن تعذر استيفاء القصاص جاء من قبل من له الحق الزيادات، ولو ادعى الولي العمد على رجلين، فقال أحدهما‏:‏ أنا قطعت يده عمدا، وهذا الآخر قطع رجله عمدا وأنكر الآخر الجناية قال يقتص من المقر؛ لأنهما تصادقا على وجوب القود ولم تتمكن الشبهة فيه حين أنكر الآخر الجناية؛ لأنه يمكن الشبهة إنما يكون باختلاط الموجب وغير الموجب في المحل، وذلك لا يتصور قبل وجوب الجناية من الآخر وإذا ادعى الولي الخطأ فلا شيء على المقر؛ لأنه لما أنكر الآخر الجناية صار كالعدم، فبطل دعواه الخطأ وإقرار القاتل بالعمد في هذا لا يجب شيء‏.‏ وإن مات رجل من قطع يده ورجله فقال رجل‏:‏ قطعت يده عمدا وقال قطع عمرو رجله عمدا فقال الولي‏:‏ بل أنت قطعتهما يجب القصاص عليه؛ لأنهما تصادقا على وجوب القصاص والشركة لم تثبت لعدم دعواه، فإن قال الولي‏:‏ لا أدري من قطع رجله فلا شيء على قاطع اليد؛ لأن قاطع الرجل مجهول يجوز أن يكون خاطئا أو صبيا أو مجنونا فتعذر إيجاب القصاص وتعذر استيفاء القصاص جاء من قبل من له الحق، فإن جهل قاطع الرجل جهل قاطع اليد فلا يجب المال، ولو قال الولي بعد ذلك فلان قطع رجله عمدا وأنكر فلان ليس له أن يقتل المقر قياسا، وله أن يقتله استحسانا؛ لأن الولد لا يعرف قاتل أبيه عند كثرتهم فيعذر في التناقض وعبر المؤلف بمن التي لفظها مفرد ومعناه جمع؛ لأنه لا فرق في الحكم بين ما إذا كان الفاعل مفردا أو متعددا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن عفا المقطوع عن القطع فمات ضمن القاطع الدية، ولو عفا عن القطع وما يحدث منه أو عن الجناية لا فالخطأ من الثلث والعمد من كل المال‏)‏ يعني لو قطع يد رجل عمدا أو خطأ فقال المقطوع عفوت عن القطع، فمات ضمن القاطع في العمد الدية بخلاف ما لو قال عفوت عن الجناية كما سيأتي وأطلق المؤلف في قوله والخطأ من ثلث المال، ولم يفرق بين ما إذا كان العافي يخرج ويجيء أو كان لا يخرج ولا يجيء سيأتي بيانه‏.‏ وقوله بإطلاقه قول الإمام وفي الجامع الصغير رجل قطع يد رجل ظلما عمدا، فعفا المقطوع يده عن القطع ثم سرى إلى النفس ومات أو شج إنسان موضحة عمدا فعفا المشجوج رأسه عن الشجة ثم سرى إلى النفس ومات يجب أن يعلم بأن هنا مسألتين إحداهما في العمد، والأخرى في الخطأ، وكل مسألة على وجوه إما أن يقول المقطوعة يده عفوتك عن الجناية أو يقول عفوتك عن القطع وما يحدث منه، فإن كانت الجناية عمدا فقال المقطوعة يده أو قال المشجوجة رأسه عفوتك عن الجناية صح العفو وبرئ من القطع أو الشجة أو مات حتى لا يجب شيء في الحالين ثم تصح البراءة عن جميع المال سواء برئ أو مات، وإن قال عفوتك عن القطع، ولم يقل وما يحدث من القطع أو قال عفوتك عن الشجة ولم يقل وما يحدث منها صح العفو عندهم جميعا، فلو مات تجب الدية‏.‏ قال أبو حنيفة‏:‏ مع أن العفو باطل، والقصاص أن يجب على المعفو عنه القصاص إلا أني أستحسن وجوب الدية في ماله وقال أبو يوسف ومحمد بأن العفو عنه جائز ولا شيء على المعفو عنه لا القصاص ولا الدية هذا الذي ذكرنا إذا كانت الجناية عمدا، فإذا كانت خطأ إن عفا عن الجناية أو عن القطع وما يحدث منه صح العفو سواء برئ ومات إلا أنه إن عفا في حال يخرج ويجيء ويذهب بعد الجناية وأنه على قول بعض المشايخ يعتبر من جميع ماله وذكر في المنتقى في هذه الصورة أنه يعتبر من ثلث المال، وإن عفا عن القطع إن اقتصر عن القطع إن برئ صح العفو بلا خلاف من جميع المال، وإن صار قاتلا فعلى قول أبي حنيفة العفو باطل، وكان على عاقلة القاتل الدية وعندهما العفو جائز كما لو عفا عن القطع وعما يحدث منه إلا أنه إن عفا في حالة حكم الصحة بأن كان يذهب، ويجيء يصح من جميع المال وعلى قياس رواية المنتقى من ثلث المال، وإن عفا في حال حكم المرض بأن صار صاحب فراش يعتبر من ثلث المال، ولو قال عفوت عن الجناية أو عن القاطع وما يحدث منه كان عفوا عن دية النفس بالإجماع حتى إذا مات سقط كل الدية فيه غير أنه يعتبر من الثلث في الخطأ؛ لأن موجبه المال، وقد تعلق به حق الورثة فيعتبر من الثلث كسائر أمواله بخلاف ما إذا كان عمدا حيث يصح من جميع المال؛ لأن موجبه القصاص ولم يتعلق بحق الورثة؛ لأنه ليس بمال‏.‏ قال في العناية‏:‏ فيه بحث، وهو أن القصاص موروث بالاتفاق، فكيف لم يتعلق به حق الورثة ثم قال‏:‏ والجواب عنه أن المصنف نفى تعلق حق الورثة به لا كونه موروثا ولا تنافي بينهما؛ لأن حق الورثة إنما يثبت بطريق الخلافة وحكم الخلف لا يثبت مع وجود الأصل والقياس في المال أيضا أن لا يثبت فيه تعلق حق الورثة إلا بعد موت المورث لكن ثبت ذلك شرعا بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» وتركهم أغنياء إنما يتحقق بتعلق حقهم بما يتعلق به التصرف فيه والقصاص ليس بمال فلا يتعلق به لكنه موروث ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ في تقرير البحث المذكور خلل فاحش وفي تحرير الجواب المزبور التزام ذلك أما الأول؛ فلأنه سيجيء في أول باب الشهادة في القتل أن القصاص ثبت لورثة القتيل ابتداء لا بطريق الوراثة منه كالدين والدية فقوله إن القصاص موروث بالاتفاق كذب صريح وقد مر نظير هذا من صاحب العناية في الفصل السابق، وثبت بطلانه هناك أيضا فتذكر، وأما الثاني؛ فلأنه لم يقع التعرض فيه لكون القصاص غير موروث من المقتول عند إمامنا الأعظم بل سبق الكلام على وجه يشعر بكونه موروثا بالاتفاق ألا ترى إلى قوله في خاتمته والقصاص ليس بمال فلا يتعلق به لكونه موروثا وفي المحيط ويكون هذا وصية للعاقلة سواء كان القاتل واحدا منهم أو لم يكن؛ لأن الوصية للقاتل إذا لم تصح للقاتل تصح للعاقلة كمن أوصى لحي وميت فالوصية كلها للحي ا هـ‏.‏ وظهر هنا من قول صاحب المحيط وصية للعاقلة فساد ما اعترض به من أن الوصية للقاتل لا تصح ومن أن القاتل كواحد من العاقلة فكيف جاءت الوصية له بجميع الثلث فتأمل ويظهر من أن القول بأنه وصية أنه لو لم يكن له مال في العمد تسعى العاقلة في ثلثي الدية، وفي الخطأ إن خرجت الدية من الثلث فلا سعاية، ولو لم تخرج من الثلث يسقط بقدر ما يخرج وتسعى العاقلة في البقية كما سيأتي في نظائره في كتاب الوصايا، وهذا من خصائص هذا الكتاب‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن قطعت امرأة يد رجل عمدا أو تزوجها على اليد ثم مات فلها مهر مثلها والدية في مالها وعلى عاقلتها لو خطأ‏)‏ يعني لو تزوج امرأة على قطعها يده عمدا فمات الزوج منه فلها مهر مثلها والدية في مالها وعلى عاقلتها لو خطأ، وهذا قول الإمام ولم يفصل المؤلف بين ما إذا مات قبل الدخول أو بعده لكن في قوله مهر المثل يشير إلى أنه بعد الدخول وفي الكافي أما أن يكون القطع عمدا أو خطأ وكل مسألة على ثلاثة أوجه إما إن تزوجها على القطع أو على القطع وما يحدث منه أو على الجناية وقد برئ من ذلك أو مات، فإن كان القطع عمدا وبرئ من ذلك صحت التسمية وصار أرش اليد مهرا لها عندهم جميعا قال الشارح فإذا كان القطع عمدا، فهذا تزوج على القصاص في الطرف، وهو ليس بمال على تقدير الاستيفاء وعلى تقدير السقوط أولا، فإذا لم يصلح مالا لا يصلح مهرا فيجب لها مهر المثل إذا مات ولا يجب القصاص لا يقال لا يجري القصاص بين الرجل والمرأة في الأطراف فكيف يكون تزويجا عليه؛ لأنا نقول الموجب الأصلي في العمد القصاص، وإنما سقط للتعذر ثم تجب عليه الدية، فإذا سرى تبين أنه قتل ولم يتناوله العفو فتجب الدية لعدم العفو عن النفس، وذلك في مالها؛ لأن العاقلة لا تتحمل العمد ا هـ‏.‏ قال في النهاية، فإن قلت‏:‏ لم لم يجب القصاص هاهنا على المرأة مع أن القطع كان عمدا، وهي قتل من الابتداء فإذا مات ظهر أن الموجب الأصلي هو القصاص ولما لم يصلح القصاص مهرا صار كأنه تزوج، ولم يذكر شيئا وفيه القصاص فكذا هاهنا‏؟‏‏.‏ قلت‏:‏ نعم كذلك إلا أنه لما جعل القصاص مهرا جعل ولاية استيفاء القصاص للمرأة، ولو استوفت القصاص تستوفيه من نفسها، وهو محال ولما سقط القصاص بقي النكاح بلا تسمية فيجب مهر المثل كما إذا لم يسم ابتداء ا هـ‏.‏ ولو تزوجها على موجب القطع جاز، فإن طلقها بعد الدخول بها أو مات عليها سلم لها جميع الأرش، وإن طلقها قبل الدخول بها سلم لها من ذلك ألفان وخمسمائة ورد على الزوج ألفان وخمسمائة؛ لأنه تزوجها في الحاصل على خمسة آلاف، فإن طلقها قبل الدخول بها يسلم لها نصف ذلك ويلزمها أن ترد النصف على الزوج هذا إذا أبرئ من القطع، وإن مات من ذلك فالتسمية باطلة عندهم جميعا، ولها مهر مثلها وقيد بقوله مهر مثلها المفيد أنه بعد الدخول لا قبل الدخول فلها المتعة ثم القياس أن لا تجب عليها الدية في قول أبي حنيفة وفي الاستحسان تجب الدية في مالها وعلى قولهما صح العفو ولم يكن عليها لا قصاص ولا دية لو مات هذا إذا تزوجها على القطع قيد بذكر اليد فقط؛ لأنه إذا تزوجها على القطع وما يحدث منه إن برئ من ذلك صار أرش يده مهرا لها عندهم جميعا ويسلم لها ذلك، وإن كان أكثر من مهر مثلها، وإن مات من ذلك بطلت التسمية، وكان لها مهر مثلها وسقط القصاص مجانا بغير شيء ولا ميراث لها من زوجها؛ لأنها قاتلته وعليها عدة المتوفى عنها زوجها وقيد بقوله عمدا؛ لأنها إذا كانت الجناية خطأ وقد تزوجها على القطع إن برئ من ذلك صار أرش يده مهرا لها‏.‏ فإن دخل بها أو مات عنها سلم لها جميع ذلك وسقط عن العاقلة، وإن طلقها قبل الدخول بها سلم لها نصف ذلك، وذلك ألفان وخمسمائة وتؤدي العاقلة ألفين وخمسمائة إلى زوجها فأما إذا مات من ذلك بطلت التسمية في قول أبي حنيفة، وكان لها مهر مثلها وعلى عاقلتها دية الزوج وعندهما تصح التسمية وتصير دية الزوج مهرا لها فأما إذا تزوجها على القطع وما يحدث أو على الجناية إن برئ من ذلك صار أرش يده مهرا لها، وإن مات ثم ينظر إلى مهر مثلها وإلى الدية، فإن كان مهر المثل مثل الدية لا شك أن الكل يسلم لها سواء تزوجها بعد القطع في حال ما يجيء ويذهب أو بعدما صار صاحب فراش، وإن كان مهر مثلها أقل من الدية، فإن كان تزوجها في حال يجيء ويذهب، فالكل يسلم لها، وإن كانت الزيادة إلى تمام الدية تخرج من ثلث مال الزوج وتعتبر الزيادة على مهر مثلها وصية للعاقلة، وإن كانت لا تخرج الزيادة على مهر مثلها من ثلث ماله فيقدر ما يخرج من الثلث يسقط عن العاقلة ويعتبر ذلك وصية لهم هذا إذا لم يطلقها الزوج قبل موته حتى مات، فإن طلقها قبل موته قبل الدخول بها سلم لها من ذلك خمسة آلاف مهر مثلها وصية للعاقلة ويسقط عن العاقلة، وإن كان مهر مثلها أقل من خمسة آلاف إن كانت الزيادة على غير مهر مثلها إلى تمام خمسة آلاف يخرج من ثلث ماله فكذا يسقط عن العاقلة خمسة آلاف‏.‏ وإن كان لا يخرج فبقدر ما يخرج من الثلث مقدار مهر مثلها يسقط عن العاقلة ويردون الباقي إلى ورثة الزوج وكذلك إن تزوجها على الجناية فالجواب فيه من أوله إلى آخره كالجواب فيما إذا تزوجها على القطع وما يحدث به إسماعيل بن عمار عن أبي يوسف في رجل قتل عمدا وله وليان فصالح أحد وليي القاتل عن جميع الدين على خمسين ألفا فللذي صالح خمسة وعشرون ألفا والآخر الباقي هذا إذا تزوجها المقطوع يده فلو تزوجها وليه قال امرأة قتلت رجلا خطأ فتزوجت ولي المقتول على الدية التي وجبت على العاقلة فذلك جائز والعاقلة برئت، فإن طلقها قبل الدخول بها رجع على العاقلة بنصف الدية رجل شج رجلا موضحة عمدا أو صالحه المشجوج عن الموضحة وما يحدث منها على مال مسمى قبضه ثم شجه رجل آخر موضحة عمدا ومات من الموضحتين فعلى الآخر القصاص ولا شيء على الأول، وكذلك لو كان الصلح مع الأول بعدما شجه الآخر قال أبو الفضل فقد استحسن في موضع آخر من هذا الكتاب أن له القصاص على الآخر إذا كان شجه بعد صلح الأول رجل شج رجلا موضحة عمدا وصالحه عنها وما يحدث عنها على عشرة آلاف درهم وقبضها ثم شجه آخر خطأ ومات منها فعلى الثاني خمسة آلاف درهم على عاقلته ويرجع الأول في مال المقتول بخمسة آلاف درهم، وإن كانت الشجتان عمدا جازا إعطاء الأول وقتل الآخر الإسبيجابي جامع الفتاوى‏.‏ وعن أبي يوسف في جامعه إذا صالح الشاج من موضحة الخطأ على خمسمائة درهم ثم مات منها يحط عن العاقلة الثلث وبطل الصلح ويرجع الشاج بما دفع وفي الكبرى، وهذا الجواب على قولهما خاصة أما على قول أبي حنيفة والصلح والعفو عن الشجة لا يتناول ما يحدث منها، فإذا مات المشجوج هاهنا صار وجود الصلح كعدمه عنده، ولو انعدم الصلح عنده فالدية على عاقلة الشاج كذا هنا وفي الظهيرية، وإن وقع الصلح على خمسة عشر ألفا بعد قضاء القاضي بعشرة آلاف فهذا الصلح باطل لما فيه من الزيادة على الدية، وإن كان المقضي به مائة من الإبل فاصطلحا على مائة وخمسين إن وقع الصلح نسيئة لا شك أنه لا يجوز، وإن كان يدا بيد إن كان الإبل بأعيانها ثم اصطلحوا على مائة وخمسين من الإبل بأعيانها كان ذلك جائزا هذا إذا وقع الصلح على أكثر من النوع الذي وقع به القضاء أما إذا وقع الصلح على أقل مما وقع به القضاء، فإنه يجوز حالا ونسيئة وإذا اصطلحا على خلاف جنس ما وقع به القضاء وقد صالحه على أكثر مما قضى به، فإنه يجوز هذا الذي ذكرنا إذا اصطلحا بعد القضاء أو الرضا أما إذا اصطلحا قبل القضاء إن كان المصالح عليه أكثر من الدية، فإنه لا يجوز ابن سماعة عن محمد في رجل جرحه رجلان جراحة عمدا فقضى بالقصاص على أحدهما ثم مات من الجراحتين قال لورثته أن يقتلوا الآخر‏.‏ ولو جرحه رجل جراحة عمدا وعفا عنه ثم جرحه آخر عمدا فلم يعف حتى مات منهما فلا قود على الثاني وسئل أبو سلمة عن جماعة كانوا يرمون على كل كلب عقور فأخطأ واحد منهم فأصاب صغيرة فماتت وعرف أن هذا سهم فلان ولكن لم يشهد أحد أنه رماه فلان فصالح صاحب السهم على كرم ثم طلب المصالح رد الصلح قال إن كان يعلم أن المصالح هو الذي جرحها وأن الصبية ماتت من تلك الجراحة فالصلح ماض، فإن علم أن الجارح صاحب السهم ولكن استغاثت الصغيرة بأبيها فلطمها أبوها فسقطت وماتت ولم يدر أنها ماتت من اللطمة أو من الرمي قال‏:‏ فإن كان الصلح من الأب بإذن سائر الورثة فالصلح جائز والبدل لسائر الورثة ولا ميراث للأب، وإن كان الميراث بغير إذنهم فالصلح باطل وفي نوادر هشام قال سألت محمدا عن قلع سن صبي أو حلق رأس امرأة فصالح الجاني أبا الصبي أو المرأة على دراهم ونبت الشعر أو السن فأخبر أن أبا حنيفة يرد الدراهم قال‏:‏ وكذلك أقول‏:‏ وكذلك قول محمد قال‏:‏ وكذلك إن كان هذا كسر يده فصالحه عنها ثم جبرا وصحت قال نعم قلت‏:‏ فإن زعم صاحب اليد أن يده قد ضعفت، وليست كما كانت قال أمر من ينظر إليها، فإنه لا يكاد يخفى‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية فمات منه فلها مهر المثل‏)‏ كما لو تزوجها على خمر أو خنزير وقد تقدم‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولا شيء عليها‏)‏؛ لأنه رضي بسقوط القصاص على أنه يصير مهرا، وهو لا يصير مهرا فسقط أصلا فصار كما إذا سقط القصاص بشرط أن لا يصير مالا، فإنه يسقط مجانا وقد تقدم قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو خطأ رفع عن العاقلة مهر مثلها ولهم ثلث ما ترك وصية‏)‏؛ لأن التزوج على اليد وما يحدث منها أو على الجناية تزوج على موجبها وموجبها هنا الدية، وهي تصلح مهرا فصحت التسمية إلا أنه يقدر مهر مثلها يعتبر من جميع المال؛ لأنه ليس فيه محاباة والمريض لا يجبر عليه من التزوج؛ لأنه من الحوائج الأصلية فينفذ قدر مهر مثلها من جميع المال، وما زاد على ذلك من الثلث؛ لأنه تبرع والدية على عاقلتها، وقد صارت مهرا فيسقط كلها عنهم إن كان مهر مثلها مثل الدية أو أكثر ولا يرجع عليهم بشيء؛ لأنهم كانوا يتحملون عنها بسبب جنايتها، فإذا صار ذلك ملكا لها يسقط عنهم أصلا فلا يغرمون لها، وإن كان مهر مثلها أقل من الدية سقط عنهم أيضا؛ لأنه وصيته لهم فيصح؛ لأنهم أجانب، وإن كان لا يخرج من الثلث سقط عنهم قدر الثلث وأدوا الزيادة إلى الولي؛ لأن الوصية لا نفاذ لها إلا من الثلث ثم قيل لا يسقط قدر نصيب القاتل؛ لأن الوصية للقاتل لا تصح والأصح أنه يسقط كله؛ لأنه أوصى لمن تجوز له الوصية فهو كمن أوصى لحي وميت، فإن الوصية كلها تكون للحي؛ ولأنه لو لم يسقط نصيبه لكان ذلك القدر هو الواجب بالقتل فتتحمله العاقلة عنه فينقسم أيضا فيلزم مثل ذلك عن نصيبه منه أيضا ثم هكذا،‏.‏ وهكذا إلى أن لا يبقى منه شيء فلو أبطلنا الوصية في صحته ابتداء لزمنا تصحيحها انتهاء فصححناها ابتداء قصرا للمسافة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله كذلك الجواب فيما إذا تزوجها على اليد أيضا؛ لأن العفو عن اليد عفو عما يحدث منه عندهما فصار الجواب في الفصلين واحدا أقول‏:‏ في عبارة المصنف احتمال آخر، وهو أنه يجوز أن يكون معناها وللعاقلة ثلث ما ترك الميت وصية فيشمل الدية وغيرها، ولو قال المؤلف، ولو خطأ دفع عن العاقلة مهر مثلها والباقي وصية، فإن خرج من الثلث سقط وإلا فثلث المال لكان أولى وقول المؤلف رفع إلى آخره، فأفاد أن مهر المثل أقل من الدية كما بيناه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو قطع يده فاقتص له فمات الأول قتل به‏)‏ يعني رجل قطع يد رجل فاقتص له فمات المقطوع الأول قتل المقطوع الثاني به، وهو القاطع الأول قصاصا؛ لأنه تبين أن الجناية كانت قتلا عمدا من الأول واستيفاء الحق الأول لا يوجب سقوط حقه في القتل؛ لأن من له القصاص في النفس إذا قطع طرف من عليه القصاص ثم قتله لا يجب عليه شيء إلا أنه مسيء ألا ترى أنه لو أحرقه بالنار لا يجب عليه شيء غير الإساءة فإذا بقي له فيه القصاص فلوارثه أن يقوم مقامه وعن أبي يوسف أنه يسقط حقه في القصاص؛ لأن إقدامه على القطع دليل على أنه أبرأه عن غيره قلنا إنما قدم عليه على ظن أنه حقه فيه لا حق له في غيره وبعد السراية تبين أن حقه في القود فلم يكن مبرئا عنه بدون علمه قيد بقوله الأول؛ لأنه لو مات المقتص منه، وهو المقطوع قصاصا من القطع فديته على عاقلة المقتص له عند أبي حنيفة‏.‏ وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي لا شيء عليه؛ لأنه استوفى حقه، وهو القطع فيسقط حكم سرايته إذ الامتناع عن السراية خارج عن وسعه فلا يتقيد بشرط السلامة كي لا ينسد باب القصاص فصار كالإمام وإذا قطع يد السارق فسرى إلى النفس ومات كالنزاع والفصاد والحجام والختان وكما لو قال لغيره اقطع يدي فقطعها ومات، وهذا؛ لأن السراية تبع لابتداء الجناية فلا يتصور أن يكون ابتداء الفعل غير مضمون وسرايته مضمونة ولأبي حنيفة أن حقه في القطع والموجود قتل حتى لو قطع ظلما كان قتلا فلم يكن مستوفيا حقه فيضمن، وكان القياس أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة فوجبت الدية بخلاف ما ذكروا من المسائل؛ لأن إقامة الحد واجب على الإمام‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن قطع يد القاتل وعفا ضمن القاتل دية اليد‏)‏، وهذا عند الإمام قال في الكافي ولا فرق بين ما إذا قضى له بالقصاص أو لا وعندهما لا شيء عليه يعني لو قتل إنسان آخر عمدا فقطع ولي المقتول يد القاتل وعفا ضمن الدية أطلق فشمل ما إذا كان قتل فقط أو قتل وقطع وما إذا مات من القطع أو برئ وليس كذلك فلو قال المؤلف في قتل فقط لكان أولى؛ لأنه علم مما تقدم لو قطع وقتل له فعلهما، ولو قال دية اليد لو برئ لكان أولى؛ لأنه محل الخلاف لهما أنه قطع يدا من نفس لو أتلفها لا يضمن كما لو قطع يد مرتد ثم أسلم ثم سرى، وهذا؛ لأنه استحق إتلافه بجميع أجزائه إذ الأجزاء تبع للنفس فبطل حقه بالعفو فيما بقي لا فيما استوفاه؛ ولهذا لو لم يعف لا يجب عليه ضمان اليد وكذا إذا عفا ثم سرى لا يضمن، والقطع الساري أفحش من المقتصر أو قطع وما عفا وما سرى ثم جز رقبته قبل البرء وبعده فصار كما لو كان له قصاص في اليد فقطع أصابعه ثم عفا عن اليد، فإنه لا يضمن أرش الأصابع والأصابع من الكف كالأطراف من النفس ولأبي حنيفة أنه استوفى غير حقه فيضمن، وهذا؛ لأن حقه في القتل لا في القطع، وكان القياس أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة إذ كان له أن يتلف الطرف تبعا للنفس، وإذا سقط القود وجبت الدية، وإنما لم يضمن في الحال لاحتمال أن يصير قتلا بالسراية فيظهر أنه استوفى حقه وحقه في الطرف ثبت ضرورة ثبوت القتل وهذه الضرورة عند الاستيفاء لا قبله‏.‏ فإذا وجد الاستيفاء ظهر حقه في الأطراف تبعا وإذا لم يستوف لم يظهر حقه في الطرف لا أصلا ولا تبعا فتبين أنه استوفى غير حقه فأما إذا لم يعف، فإنما لم يضمن لمانع، وهو قيام الحق في النفس لاستحالته أن يملك قتله وتكون أطرافه مضمونة عليه، فإن زال المانع بالعفو ظهر حكم السبب وإذا سرى فهو استيفاء للقتل فتبين أن العفو كان بعد الاستيفاء، ولو قطع وما عفا وبرئ فهو على الخلاف في الصحيح، ولو قطع ثم حز رقبته قبل البرء فهو استيفاء؛ لأن القطع انعقد على وجه يحتمل السراية، وكان حز رقبته تتميما لما انعقد له القطع فلا يضمن حتى لو حز رقبته بعد البرء فهو على الخلاف في الصحيح على أنا لا نسلم ظهور حقه عند الاستيفاء في التواقع، وإنما دخلت في النفس لعدم إمكان التحرز عن إتلافها والأصابع تابع قياما والكف تابع لها عرضا؛ لأن منفعة البطش تقوم بالأصابع بخلاف الطرف، فإنه تابع للنفس من كل وجه والله أعلم‏.‏

باب الشهادة في القتل

لما كانت الشهادة في القتل أمرا متعلقا بالقتل أوردها بعد ذكر حكم القتل؛ لأن ما يتعلق بالشيء يكون أدنى درجة من ذلك الشيء قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولا يقيد حاضر بحجته إذا أخوه غاب عن خصومته، فإن بعد لا بد من إعادته ليقتلا، ولو خطأ أو دينا لا‏)‏ يعني إذا قتل رجل وله وليان بالغان عاقلان أحدهما حاضر والآخر غائب فأقام الحاضر بينة على القتل لا يقتل قصاصا، فإن عاد الغائب فليس لهما أن يقتلا بتلك البينة بل لا بد لهما من إعادة البينة للقتل عند الإمام وقالا لا يعيد، ولو كان القتل خطأ أو دينا لا يعيدها بالإجماع وأجمعوا على أن القاتل يحبس إذا أقام الحاضر البينة؛ لأنه صار متهما بالقتل والمتهم يحبس وأجمعوا على أنه لا يقضي بالقصاص ما لم يحضر الغائب؛ لأن المقصود القصاص والحاضر لا يتمكن من الاستيفاء بالإجماع بخلاف ما إذا كان خطأ أو دينا، فإنه يتمكن من استيفاء نصيبه في غيبة الآخر فلم تجب إعادتها بعد والوارث ينتصب خصما عن نفسه وعن شركائه فيما يدعي للميت، وعلى الميت ولأبي حنيفة أن القصاص غير موروث؛ لأنه يثبت بعد الموت للتشفي ودرك الثأر، والميت ليس من أهله، وإنما يثبت للورثة ابتداء بطريق الخلافة بسبب انعقد للميت أي يقومون مقامه فيستحق به ابتداء من غير أن يثبت للميت كالعبد يقبل الهدية يقع الملك فيها للمولى ابتداء بطريق الخلافة عنه، وإنما كان كذلك؛ لأن القصاص ملك الفعل في المحل بعد موت المجروح ولا يتصور الفعل من الميت؛ ولهذا صح عفو الورثة قبل موت المجروح، وإنما صح عفو المجروح؛ لأن السبب انعقد له‏.‏ وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا‏}‏ نص على أن القصاص يثبت للوارث ابتداء بخلاف الدية والدين؛ لأن الميت أهل لملك المال؛ ولهذا لو نصب شبكة وتعلق بها صيد بعد موته يملكه وأصل الاختلاف راجع إلى أن استيفاء القصاص حق الورثة عنده، وحق الميت عندهما فإذا كان القصاص يثبت حقا للورثة عنده ابتداء لا ينتصب أحدهم خصما عن الآخرين في إثبات حقهم بغير وكالة منهم وبإقامة الحاضر البينة لا يثبت القصاص في حق الغائب فيفيدها بعد حضوره ليتمكن من الاستيفاء ولا يلزمه أن القصاص إذا انقلب مالا يصير حقا للميت؛ لأنه إذا انقلب مالا صار صالحا لقضاء حوائجه، فصار مفيدا بخلاف القصاص، ولا يصح الاستدلال بصحة عفو المورث؛ لأنه إنما يصح في جواب الاستحسان لوجود سببه على ما بينا، وهو الاستدلال معارض بعفو الوارث، فإنه يجوز أيضا قبل موت المورث بعد الجرح استحسانا لوجود السبب فلولا أن الحق يثبت فيما له ابتداء لما صح عفوه أقول‏:‏ فيه بحث؛ لأن ما تمسكا به لا ينهض حجة على أبي حنيفة رحمه الله وما تمسك به ينهض حجة عليهما فكيف يتحقق التدافع، وذلك أن القصاص، وإن كان حقا للوارث عنده باعتبار ثبوته للوارث بناء على أن القصاص لا يثبت إلا بعد الموت والميت ليس من أهل أن يثبت له هذا الحق؛ لأنه شرع للتشفي ودرك الثأر والميت ليس بأهل لذلك لكنه حق للمورث أيضا عنده باعتبار انعقاد سببه الذي هو الجناية في حق المورث‏.‏ وقد صرح به كثير من أصحاب الشروح فأبو حنيفة رحمه الله راعى فيما نحن فيه جهة كون القصاص حقا للوارث، فقال باشتراط إعادة البينة إذا حضر الغائب احتيالا للدرء وقال بصحة العفو منه أيضا احتيالا للدرء أيضا، وأما عندهما فالقصاص حق ثابت للمورث ابتداء من كل الوجوه ثم ينتقل بعد موته إلى الوارث بطريق الوراثة كسائر أملاكه فيتجه عليهما المؤاخذة بصحة العفو من الوارث حال حياة المورث بالإجماع فتدبر‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن أثبت القاتل عفو الغائب لم يعد‏)‏ معناه أن القاتل لو أقام بينة أن الغائب قد عفا عنه كان الحاضر خصما، وسقط القصاص ولا تعاد البينة لو حضر؛ لأنه ادعى حقا على الحاضر، وهو سقوط حقه في القصاص وانقلاب نصيبه مالا ولا يتمكن من إثباته إلا بإثبات العفو من الغائب فانتصب الحاضر خصما عن الغائب في الإثبات عليه بالبينة، فإذا قضى عليه صار الغائب مقتضيا عليه تبعا له‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وكذا لو قتل عبدهما وأحدهما غائب‏)‏ أي لو كان عبد بين رجلين فقتل عمدا وأحد الموليين غائب فحكمه مثل ما ذكرنا أحد في الوليين حتى لا يقبل بينة أقامها الحاضر من غير إعادة بعد عود الغائب، ولو أقام القاتل البينة أن الغائب قد عفا، فالشاهد خصم ويسقط القصاص لما بينا فحاصله أن هذه المسألة مثل الأولى في جميع ما ذكرنا إلا أنه إذا كان القتل عمدا أو خطأ لا يكون الحاضر خصما عن الغائب بالإجماع والفرق لهما في الكل‏.‏ ولأبي حنيفة في الخطأ أن أحد الورثة خصم عن الباقين على ما بينا ولا كذلك أحد الموليين على ما عرف في موضعه وقدمنا له مزيد بيان عند ذكر الكبير والصغير فارجع إليه قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن شهد وليان بعفو ثالثهما لغت‏)‏ أي إذا كان أولياء المقتول ثلاثة فشهد اثنان منهم على الثالث أنه عفا فشهادتهما باطلة؛ لأنهما يجران لأنفسهما نفعا، وهو انقلاب القود مالا، وهو عفو منهما وزعمهما معتبر في حق أنفسهما إطلاق في قوله بعفو ثالثهما فشمل ما إذا كان في العمد والخطأ وقيد في المحيط الخطأ حيث قال‏:‏ فشهادتهما جائزة في الخطأ إذا لم يقبضا نصيبهما ا هـ‏.‏ وإنما قيد به؛ لأنهما إذا قبضا نصيبهما لم يحتاجا إلى إثبات عفو الغائب؛ لأن العفو حصل منهما، وهو قيد حسن لا بد منه، ولو قيد به المؤلف لكان أولى وذكر في المبسوط في كتاب الصلح والمأذون في دين بين ثلاثة شهد اثنان على الثالث أنه أبرأ عن نصيبه لا تقبل؛ لأن شهادتهما تجر لأنفسهما مغنما؛ لأن شهادتهما تقطع شركة المشهود عليه في الباقي من الدين فلا تقبل كما لو شهد أنه أبرأه عن نصيبه بعدما قبضا نصيبهما وجه هذه الرواية التي ذكرها المؤلف أنهما بشهادتهما لا يثبتان لأنفسهما حق المشاركة للمشهود عليه؛ لأنهما لم يقبضا شيئا من الدين‏.‏ ولو حولا نصيبهما مالا، وإنما منعت ثبوت المشاركة للمشهود عليه متى قبضا نصيبهما والشاهد يملك المنع ولا يملك الإبطال، وإذا شهد شاهدان بالعفو على الخطأ فقضى به ثم رجعا ضمنا ما اتلفاه نصفين لأنهما أبطلا على المشهود عليه دينا مؤجلا فيضمنان لذلك شهد شاهدان على ولي الدم أنه أخر القاتل اليوم إلى الليل على جعل معلوم ولم يكن عفوا ولا مال له؛ لأن تأخير الحق لا يقتضي سقوطه فكذا تأجيل القتل لا يقتضي سقوطه والمال باطل؛ لأنه لو وجب عوضا عن الأجل والاعتياض عن الأجل باطل، ولو شهدا على أنه أخذ الجعل على أن يعفو عنه يوما كان صلحا؛ لأنه عفا عن القصاص يوما والعفو لا يقبل التأقيت فصح العفو وبطل التأقيت، وصار كما لو طلق امرأته وأعتق عبده على ألف إلى الليل جاز الصلح وبطل التأقيت فكذا هذا وقوله على أن يعفو لم يخرج مخرج العدة، وإنما يراد به الإخبار كالرجل يقول للمرأة تزوجتك على ألف درهم فقبلت فهو نكاح فكان المراد منه الإيجاب فكذا هذا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن صدقهما القاتل فالدية لهم أثلاثا‏)‏ أي صدقهما القاتل دون الولي المشهود عليه؛ لأن تصديقه لهما إقرار لهما بثلثي الدية ويلزمه؛ لأنهم كانوا يزعمون أن نصيب الولي المشهود عليه قد سقط بعفوه، وهو ينكر فلا يقبل قولهم عليه فوجب عليه كل الدية وللمنكر ثلثها قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن كذبهما فلا شيء لهما، وللآخر ثلث الدية‏)‏ أي إن كذبهما القاتل أيضا بعد أن كذبهما الولي المشهود عليه بالعفو فلا شيء للوليين الشاهدين؛ لأن شهادتهما عليه إقرار ببطلان حقهما عليه في القصاص فصح إقرارهما في حق أنفسهما‏.‏ وإن ادعيا انقلابهما مالا فلا يصدقا في دعواهما إلا ببينة، وللولي المشهود عليه ثلث الدية؛ لأن شهادتهما عليه بالعفو، وهو ينكر بمنزلة إقرارهما بالعفو فينقلب نصيبهما مالا، وفي النهاية، وإن كذبهما المشهود عليه يجب على القاتل دية كاملة بينهم أثلاثا فجعل الضمير فاعل كذبهما المشهود عليه لا القاتل قال الشارح‏:‏ وإن صدقهما الولي المشهود عليه وحده دون القاتل ضمن القاتل ثلث الدية للولي المشهود عليه؛ لأنه أقر له بذلك، فإن قيل كيف له الثلث، وهو قد أقر أنه لا يستحق على القاتل شيئا بدعواه العفو قلنا ارتد إقراره بتكذيب القاتل إياه فوجب له ثلث الدية عليه، وفي الجامع الصغير كان هذا الثلث للشاهدين لا للمشهود عليه، وهو الأصح؛ لأن المشهود عليه يزعم أنه قد عفا أو لا شيء له وللشاهدين على القاتل ثلث الدية دينا في ذمته والذي في يده، وهو ثلث الدية مال القاتل، وهو من جنس حقهما فيصرف إليهما لإقراره لهما بذلك كمن قال لفلان علي ألف درهم فقال المقر له ليس ذلك لي، وإنما هو لفلان، فإنه يصرف إليه فكذا هنا، وهذا كله استحسان والقياس أن لا يلزم القاتل شيء؛ لأن ما ادعاه الشاهدان على القاتل لم يثبت لإنكاره وما أقر به القاتل للمشهود عليه قد بطل بإقراره بالعفو؛ لكونه تكذيبا له‏.‏ وجوابه أن القائل بتكذيب الشاهدين قد أقر للمشهود عليه بثلث الدية لزعمه أن القصاص قد سقط بشهادتهما كما إذا عفا والمقر له لم يكذب القاتل حقيقة بل أضاف الوجوب إلى غيره فجعل الواجب للشاهدين، وفي مثله لا يرتد الإقرار كمن قال لفلان علي كذا، فقال المقر له ليس لي ولكنه لفلان على ما بينا قيد المؤلف بقوله، ولو شهد اثنان، وإن كان الحكم في الواحد كذلك؛ لأنه إذا علم أن شهادة الاثنين باطلة علم ببطلان شهادة الواحد الفرد من باب أولى ولم يتعرض لما إذا شهدا معا أو متعاقبا ونحن نذكر ذلك ونذكر شهادة الفرد تتميما للفائدة قال في المبسوط له وليان اثنان فشهد أحدهما على صاحبه أنه عفا فهو على قسمين إما أن يشهد أحدهما على صاحبه بالعفو أو يشهد كل واحد منهما على صاحبه بالعفو أما القسم الأول فهو على خمسة أوجه إما أن يصدقه صاحبه، والقاتل جميعا أو كذباه أو كذبه صاحبه وصدقه القاتل أو على عكسه أو سكتا جميعا، فالعفو واقع في الفصول كلها؛ لأن الشاهد متى أقر بعفو صاحبه، فقد أقر بسقوط القصاص في نصيبه، وإذا سقط يسقط في نصيب الآخر كما لو عفا الشاهد عن نصيبه، وأما الدية إن تصادقا فللشاهد نصف الدية؛ لأن الثابت بالتصادق والموافقة كالثابت بالمعاينة، وإن كذباه فلا شيء للشاهد، ويجب للآخر نصف الدية؛ لأنه لما شهد بالعفو فقد أقر ببطلان حقه في القصاص فصح وادعى انقلاب نصيب نفسه مالا فلم يصدق ويحول نصيب الآخر مالا؛ لأن تعذر استيفاء القصاص في نصيبه من جهة غيره؛ لأن سقوط القصاص مضاف إلى شهادة بالعفو، فكان بمنزلة العفو منه‏.‏ وإن كذبه صاحبه وصدقه القاتل ضمن الدية بينهما؛ لأنه لما صدقه فقد أقر له بنصف الدية فلزمه وادعى بطلان حق المشهود عليه بالعفو فلم يصدق نصيب الساكت مالا؛ لأن في زعم الشاهدين نصيبه تحول مالا بعفو صاحبه والقاتل صدقه فيه فوجب له نصف الدية على القاتل، وفي نصيب صاحبه لم يسقط من جهته؛ لأنه لم يثبت عفوه في حقه لتكذيبه، وإنما سقط بإقرار الشاهد فينقلب نصيبه مالا، وإن كذبه القاتل وصدقه صاحبه ضمن نصف الدية للمشهود عليه ولا يضمن للشاهد شيئا وقال زفر‏:‏ لا شيء لهما؛ لأن العفو ثبت في حقهما بتصادقهما، ولم يثبت في حق القاتل لتكذيبه فسقط نصيب الشاهد ولم يجب لتكذيب نصف الدية فيبرأ القاتل ولنا أن القاتل لما أكذب الشاهد في الشهادة بالعفو، فقد كذبه فيما ادعى عليه من نصف الدية وأقر للمشهود عليه بنصف الدية في ماله؛ لأنه زعم أن نصيب المشهود عليه إنما سقط لمعنى جاء من قبل الشاهد لا من جهته، فإنه أنكر عفو المشهود عليه والمشهود عليه لما صدق الشاهد في شهادته فقد أقر بذلك المال للشاهد والمقر له بالمال إذا قال للمقر ما أقررت به ليس لي، وإنما هو لفلان كان المقر به لفلان كمن أقر بمائة لزيد فقال زيد‏:‏ هي لعمرو صارت المائة لعمرو فكذا هذا‏.‏ وأما القسم الثاني لو شهد كل واحد منهما على صاحبه بالعفو فلا يخلو إما أن يشهدا معا أو متعاقبا، فإن شهدا معا إن كذبهما القاتل بطل حقهما؛ لأن كل واحد منهما أقر بسقوط القصاص في نصيبه نصف الدية، وأنه وجب له على القاتل؛ لأن كل واحد منهما زعم أن حق العافي في القصاص قد سقط، وانقلب نصيبه مالا، فصح إقرارهما بسقوط القصاص؛ لأنهما لا يتهمان في حقهما ولم يصح بالمال على القاتل؛ لأنه دعوى والدعوى لا تثبت إلا بحجة، وكذلك إن صدقهما القاتل؛ لأنه متى صدق أحدهما في دعواه، فقد كذب الآخر في دعواه من المال؛ لأن العافي لا يجب له شيء، فقد تعارض التصديق والتكذيب بالشك، فصار كأنه سكت، وإن صدقهما على التعاقب فلهما دية كاملة؛ لأنه لما صدق الأول في دعواه المال فقد كذب الثاني في دعواه المال فإذا صدق الثاني بعد ذلك فقد صدقه بعدما كذبه والتصديق بعد التكذيب جائز وبتصديق الثاني إن صار مكذبا فيما ادعاه إلا أنه كذبه بعدما نفذ حكم التصديق بالسكوت عليه، وكان التكذيب منه رجوعا عن إقراره، فلم يصح، وأما إذا شهد متعاقبا، فإن كذبهما القاتل، فللشاهد آخرا نصف الدية ولا شيء للأول؛ لأن القاتل لما كذب الأول فقد زعم أن للثاني نصف الدية ولم يثبت عفوه ولم يوجد منه تكذيب القاتل في إقراره فوجب له نصف الدية والأول قد أقر بسقوط القصاص في نصيبه بنصف دية وجبت له على القاتل وقد كذبه القاتل في ذلك فلم يثبت وكذبه إن صدقهما معا فلا شيء للأول‏.‏ وللثاني نصف الدية؛ لأنه تعارض التصديق والتكذيب منه في حق كل واحد منهما فتساقطا فصار كأنه سكت، ولو سكت يجب للثاني نصف الدية ولا يبطل بتكذيب القاتل؛ لأن تكذيب القاتل باطل في حق الثاني، وإن صدقه الثاني وكذبه الأول فللثاني نصف الدية ولا شيء للأول؛ لأنه ثبت عفو الأول في حق القاتل بتصديق الثاني في شهادته ولم يثبت عفو الثاني بتكذيب الأول في شهادته، ولو عفا أحد الوليين وعلم الآخر أن القتل حرام عليه فقتل عليه القصاص وله نصف الدية في مال القاتل؛ لأن قتله تمحض حراما، وإن لم يعلم بالحرمة فعليه الدية في ماله علم بالعفو أو لم يعلم؛ لأنه اشتبه عليه؛ لأن ظنه استند إلى دليل يوجب الاشتباه، وهو القياس على سائر الحقوق المشتركة بين اثنين إذا أبرأ أحدهما لا يبطل حق الآخر فكانت ظنا في موضع الاشتباه فأورث شبهة لسقوط القصاص؛ ولهذا اشتبه على عمر رضي الله عنه مع جلالة قدره في العلم حيث شاور ابن مسعود في ذلك على ما ذكرنا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن أشهدا أنه ضربه فلم يزل صاحب فراش حتى مات يقتص‏)‏؛ لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينة، وفي ذلك القصاص على ما عرف والشهادة على قتل العمد يتحقق على هذا الوجه؛ لأنه إذا كان مخطئا لا يحل لهم أن يطلقوه بل يقولون قصد غيره فأصابه؛ لأن الموت بسبب الضرب إنما يعرف إذا صار بالضرب صاحب فراش وأقام على ذلك حتى مات قال الشارح وتأويله إن أشهدوا أنه ضربه بشيء جارح أقول‏:‏ قال في الكفاية‏:‏ إنما أوله لتكون المسألة مجمعا عليها قال في معراج الدراية‏:‏ الإطلاق في الجامع الصغير إن كان قولهما فهو مجرى على إطلاقه، وإن كان قول الكل فتأويله أن تكون الآلة جارحة قال جمهور الشراح‏:‏ فإن قيل الشهود شهدوا على الضرب بشيء جارح ولكن الضرب به قد يكون خطأ فكيف يثبت القود مع أنهم لم يشهدوا أنه كان عمدا‏؟‏ قلنا لما شهدوا أنه ضربه، وإنما يشهدون أنه قصد غيره فأصابه وقالوا كذلك ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن اختلفا شاهد القتل في الزمان أو المكان أو فيما وقع به القتل أو قال أحدهما قتله بعصا وقال الآخر لم ندر بماذا قتله بطلت‏)‏، ولو قال المؤلف، ولو شهد أربعة بقتل واختلفوا في الزمان أو المكان أو فيما وقع به القتل أو قالا قتله بعصا وقال الآخر‏:‏ لم ندر بماذا قتله بطلت لكان أولى؛ لأنه إذا علم ببطلان شهادة المثنى عند الاختلاف علم بطلان شهادة الفرد من باب أولى؛ لأن القتل لا يتكرر، فالقتل في زمان أو في مكان غير القتل في مكان آخر أو في زمان آخر، وكذا القتل بآلة غير القتل بآلة أخرى وتختلف الأحكام باختلاف الآلة فكان على كل قتل شهادة فرد فلم تقبل؛ ولأن اتفاق الشاهدين شرط للقبول ولم يوجد؛ ولأن القاضي يقضي بكذب أحدهما لاستحالة اجتماع ما ذكرنا فلا تقبل بمثله،‏.‏ وكذا لو كمل النصاب في كل واحد منهما لتيقن القاضي بكذب أحد الفريقين دون الآخر حيث يقبل الكامل منهما لعدم المعارض أطلق في المكان، وهو مقيد بالكبير قال شيخ الإسلام خواهر زاده في شرح ديات الأصل أنهما إذا اختلفا في المكان يتسامح متقاربان كبيت صغير فشهد أحدهما أنه رآه قتله في هذا الجانب وشهد الآخر أنه قتله في الجانب الآخر، فإنه تقبل الشهادة استحسانا وكذلك لو اختلفا في الآلة وفي الإسبيجابي كما إذا قال أحدهما قتله بالسيف وقال الآخر قتله بالقصاص وقيدنا بما ذكر؛ لأنهما لو اختلفا في القاتل لا تقبل كما سيأتي واعلم بأن الكلام في الآلة على فصول أحدهما أن يتفقا على الآلة بأن شهدا أنه قتله عمدا بالسيف أو قتله بالعصا، فإن شهدا أنه قتله بالسيف إن ذكرا صفة التعمد بأن قالا قتله عمدا بالسيف، فإنه تقبل شهادتهما ويقضى عليه بالقصاص، ولو قالا قتله بالسيف خطأ تقبل شهادتهما ويقضى بالدية على العاقلة، وإن سكتا عن ذكر صفة العمد والخطأ، فهذا وما لو ذكرا صفة العمد سواء، وإن قالا لا ندري قتله عمدا أو خطأ، فإنه تقبل هذه الشهادة ويقضى بالدية في مال القاتل، وهذا الذي ذكرنا أن الشهادة مقبولة جواب الاستحسان والقياس أن لا تقبل هذه الشهادة، وإن شهدا أنه قتله بالعصا إن كان العصا صغيرا لا تقتل مثله غالبا، فإنه تقبل الشهادة ويقضى بالدية عندهم جميعا كما لو ثبت معاينة سواء شهدا بالعمد أو بالخطأ وأطلقا‏.‏ وإن كان العصا كبيرا تقتل مثله غالبا فعلى قول أبي حنيفة الجواب عنه كالجواب فيما لو شهدوا أنه قتله بالسيف، وأما إذا بين أحدهما الآلة وقال الآخر‏:‏ لا أدري بماذا قتله؛ فلأن المطلق يغاير المقيد؛ لأنه معدوم والمقيد موجود فاختلفا وكذا أيضا حكمهما مختلف، فإن من قال قتله بعصا يوجب الدية على العاقلة، ومن قال لا أعلم بماذا قتله على القاتل فاختلف المشهود به فبطلت، وهو المراد بقوله وقال أحدهما‏:‏ قتله بعصا وقال الآخر لم ندر بماذا قتله وكذا لو شهد أحدهما بالقتل معاينة والآخر على إقرار القاتل بذلك كان باطلا لاختلاف المشهود به‏.‏ فإن شهد أحدهما بالقتل معاينة والآخر على إقرار القاتل بذلك كان باطلا لاختلاف المشهود به، فإن أحدهما فعل يوجب القصاص والآخر الدية‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن شهدا أنه قتله وقالا لا ندري بماذا قتله‏)‏ يعني بأي شيء قتله وجب عليه الدية في ماله استحسانا والقياس أن لا تقبل هذه الشهادة أصلا؛ لأنهما شهدا بقتل مجهول؛ لأن الآلة إذا تقوم فقد جهل القتل؛ لأن القتل يختلف حكمه باختلاف الآلة فيكون هذا غفلة من الشهود وجه الاستحسان أنهما شهدا بقتل مطلق والمطلق ليس بمجهول لإمكان العمل به فيجب أقل موجبه، وهو الدية فلا يحمل قولهما لا ندري على الغفلة بل يحمل على أنهما سعيا للدرء المندوب إليه في العقوبات استحسانا للظن ومثل ذلك سائغ شرعا؛ لأن الشرع أطلق الكذب في إصلاح ذات البين على ما قاله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيرا أو أنمى خيرا» فهذا مثله أو أحق منه فيحمل عليه فلا يثبت جهلهما أو اختلافهما بالشك، وإنما وجبت الدية في ماله دون العاقلة؛ لأن المطلق يحمل على الكمال فلا يثبت الخطأ بالشك وقال محمد رحمه الله‏:‏ رجل قتل وله وليان لا وارث له غيرهما فأقام أحدهما، وهو عبد الله بينة على صاحبه، وهو زيد أنه عمدا وأقام زيد على أجنبي بينة أنه قتله عمدا قبلت البينتان عند أبي حنيفة رحمه الله وعلى الولي المشهود عليه، وهو زيد نصف الدية في ماله لصاحبه وعلى المشهود عليه الأجنبي نصف الدية في ماله لصاحبه، وإن كان القتل خطأ، فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف الدية وقال أبو يوسف ومحمد‏:‏ بينة الابن على أخيه أولى ويقضى له على الأخ المشهود عليه بالقود إن كان عمدا، وإن كان خطأ فله الدية على عاقلته وبطلت بينة الابن المشهود عليه بالقود واختلف المشايخ في الميراث قال بعضهم‏:‏ الميراث بينهما أرباعا ثلاثة أرباع لعبد الله وربعه لزيد وقال بعضهم‏:‏ الميراث بينهما نصفان، وهو الأصح‏.‏ ولو أقام كل واحد منهما البينة على صاحبه أنه قتل أباهما عمدا أو خطأ فعلى قول أبي يوسف ومحمد تهاترت البينتان ولا تجب الدية والميراث بينهما، وأما على قول أبي حنيفة يقضى لكل واحد منهما على صاحبه بنصف الدية إن كان القتل عمدا ويتقاصان، وإن كان خطأ فعلى عاقلة كل منهما الدية، ولو كان البنون ثلاثة فأقام عبد الله على زيد بينة أنه قتل الأب، وأقام محمد وزيد على عبد الله أنه قتل الأب فهنا تقبل البينتان بالاتفاق ولا يجب القصاص على واحد منهم بالاتفاق ثم على قول أبي حنيفة رحمه الله يقضى لكل واحد منهم على صاحبه بثلث الدية في ماله إن كان عمدا وعلى عاقلته إن كان خطأ ويكون الميراث بينهم أثلاثا، وأما على قول أبي يوسف ومحمد يقضى لكل واحد منهم على صاحبه بنصف الدية، ولو أقام عبد الله البينة على زيد وعمرو أنهما قتلا أباهم عمدا أو خطأ وأقام زيد وعمرو البينة على عبد الله أنه قتل أباهم عمدا أو خطأ تهاترت البينتان عندهما وانتصف الوراثة بينهما أثلاثا كما لو لم توجد إقامة البينة فأما على قول أبي حنيفة يقضى لعبد الله على زيد وعمرو بنصف الدية في مالهما إن كان عمدا وعلى عاقلتهما إن كان خطأ ففي مال عبد الله، وإن كان خطأ فعلى عاقلته والميراث يكون نصفه لعبد الله ونصفه لزيد وعمرو‏.‏ ولو أقام عمرو على زيد البينة أنه قتل أباهم ولم يقم واحد منهما البينة على عبد الله، فإنه يقال لعبد الله ما تقول في هذا، وإنما وجب السؤال لعبد الله؛ لأنه صاحب حق في هذا الدم إذ هو ليس بقاتل فعد هذه المسألة على ثلاثة أوجه إما أن يدعي عبد الله على أحدهما بعينه أو لم يدع على واحد منهما بأن قال لم يقتله واحد منهما أو ادعى عليهما بأن قال هما قتلاه، فإن ادعى القتل على واحد بعينه، وهو عمرو فعلى قياس أبي حنيفة يقضي على عمرو بثلاثة أرباع الدية، ويكون ذلك بينه وبين عبد الله نصفين، فإن كان القتل عمدا ففي مال عمرو، وإن كان خطأ فعلى عاقلة عمرو ويقضى لعمرو على زيد بربع الدية، ويكون ذلك في مال زيد إن كان عمدا، وإن كان خطأ فعلى عاقلته، وأما الميراث فنصفه لعبد الله ونصفه لزيد وعمرو، وأما على قول أبي يوسف ومحمد يقضى لعبد الله على عمرو بالقود إن كان عمدا ويقضى بالدية على عاقلة عمرو إن كان خطأ ويكون ذلك بين عبد الله وزيد نصفين ويكون الميراث بينهما نصفين أيضا، وإن لم يدع عبد الله القتل على واحد منهما بأن قال لم يقتله واحد ففي قياس قول أبي حنيفة يقضى لعمرو على زيد بربع الدية إن كان عمدا ففي ماله، وإن كان خطأ فعلى عاقلته ولا شيء لعبد الله من الدية ويكون الميراث أثلاثا وعند أبي يوسف ومحمد لا يقضى هاهنا بشيء لا بالدية ولا بالقصاص، وإن ادعى القتل عليهما بأن قال قتلتماه فعلى قول أبي حنيفة لا يقضى لعبد الله بشيء من الدية‏.‏ وأما الميراث فنصفه لعبد الله ونصفه لهما، وأما على قول أبي يوسف ومحمد فقد تهاترت بينة كل واحد منهما على صاحبه ولا بينة لعبد الله على ما يدعي فلا يقضى بشيء من الدية والميراث يكون بينهم أثلاثا، ولو ترك المقتول أخا وابنا فأقام الأخ البينة على الابن أنه قتل الأب، وأقام الابن البينة على الأخ أنه هو الذي قتل الأب كانت بينة الابن أولى بخلاف ما إذا كانا ابنين حيث يقضى هناك بنصف الدية على قول أبي حنيفة وهاهنا بينة الابن أولى ولم يذكر الخلاف، ولو ترك المقتول ابنين وأخا فأقام كل واحد من الابنين البينة على صاحبه بالقتل وصدق الأخ أحدهما أو صدقهما كان التصديق من الأخ والعدم بمنزلة واحدة، فإن أقام الأخ بينة أنهما قتلاه بعد أن أقام كل واحد من الابنين البينة على صاحبه أنه هو القاتل فعلى قول أبي يوسف مع محمد البينة بينة الأخ ويكون الميراث له ويقتل الابنين إن كان القتل عمدا، وإن كان خطأ فعلى عاقلتهما الدية ولم يذكر قول أبي حنيفة رحمه الله في هذه المسألة وينبغي أن يكون عنده أن لا تقبل بينة الأخ، وإن ترك ثلاث بنين فأقام اثنين منهم على الثالث أنه قتل أباهم وأقام الثالث بينة بذلك على الأجنبي فعلى قول أبي يوسف ومحمد بينة الابنين أولى فيقضي القاضي بالقصاص على الثالث للآخرين إن كان عمدا وبالدية على عاقلته إن كان خطأ‏.‏ ولا يرث الابن المشهود عليه ويكون الميراث بين الابنين على بينة الثالث فيقضي للاثنين على الثالث بثلثي الدية إن كان عمدا، ففي ماله، وإن كان خطأ فعلى عاقلته ويقضى للثالث على الأجنبي بثلث الدية، ويكون الميراث بينهم أثلاثا وإذا قتل الرجل وترك ثلاثا فأقام الأكبر بينة على الأوسط أنه قتل الأب وأقام الأوسط بينة على الأصغر بذلك وأقام الأصغر بينة على الأجنبي بذلك ففي قياس قول أبي حنيفة رحمه الله يقضى لكل واحد منهم على الذي أقام عليه البينة بثلث الدية، وأما على قول أبي يوسف ومحمد يقضى للأكبر على الأوسط بنصف الدية وللأوسط على الأصغر بنصف الدية ولا يقضى للأصغر على الأجنبي بشيء‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن أقر كل واحد منهم أنه قتله وقال الولي قتلاه جميعا له قتلهما، ولو كان مكان الإقرار شهادة لغت‏)‏ يعني لو أقر رجلان كل واحد منهما أنه قتل زيدا منفردا فقال الولي قتلاه جميعا له قتلهما، وإن شهد اثنان على رجل أنه قتله وشهد آخران على آخر أنه قتله بطلت الشهادة والفرق بينهما أن كل واحد من الإقرار والشهادة يثبت أن كل القتل وجد من المقر والمشهود عليه ومقتضاه أن يجب القصاص عليه وحده؛ لأن معنى قوله أنا قتلته انفردت بقتله وكذا قول الشهود قتله فلان يوجب انفراده بالقتل وقول الولي قتلهما تكذيب له حيث ادعى اشتراكهما في القتل‏.‏ فكأنه قال لم يفرد أحدكما بقتله بل شاركه الآخر، وهذا القدر من التكذيب يمنع صحة قبول الشهادة لادعائه فسقهم به دون الإقرار؛ لأن فسق المقر لا يمنع صحة الإقرار، ولو قال في الإقرار صدقتما ليس له أن يقتل واحدا منهما؛ لأن تصديق كل واحد منهما تكذيب للآخر؛ لأن كل واحد منهما يدعي الانفراد بالقتل بتصديقه فوجب ذلك فصار كأنه قال لكل واحد منهما قتلت وحدك ولم يشاركك فيه أحد فيكون مقرا بأن الآخر لم يقتله بخلاف الأول، وهو ما إذا قال قتلتماه تصديق لهما قلنا هو تصديق ضمني والضمني يتسامح فيه ما لا يتسامح في القصدي، وهو قوله صدقتما، ولو أقر رجل أنه قتله وقامت البينة على الآخر أنه قتله وقال الولي‏:‏ قتله كلاكما كان له أن يقتل المقر دون المشهود عليه؛ لأن فيه تكذيبا لبعض موجبه على ما مر وعلى هذا لو قال لأحد المقرين صدقت أنت قتلت وحدك كان له أن يقتله؛ لأنهما تصادقا على وجوب القتل عليه وحده وكذا إذا قال لأحد المشهود عليهما أنت قتلته كان له أن يقتله لعدم تكذيب المشهود له، وإنما كذب الآخرين وكذلك الحكم في الخطأ في جميع ما ذكرنا وفي الأصل ادعى الولي العمد أو الخطأ وصدق المدعى عليه أو كذب ويدخل فيه اختلاف الشاهدين الأصل إن تعذر استيفاء القصاص بعد ظهور القتل إن كان لمعنى من جهة الولي لا تجب الدية‏.‏ وإن كان لمعنى من جهة القاتل تجب الدية استحسانا، فإنه يخرج على الأصل الذي قلنا فرع على ما إذا ادعى الولي الخطأ وأقر القاتل بالعمد فقال لو صدق الولي بعد ذلك القاتل وقال إنك قتلته عمدا فله الدية على القاتل بالعمد وعن أبي يوسف في نوادر ابن سماعة إذا ادعى الولي الخطأ وأقر القاتل بالعمد فعلى القاتل الدية وقال محمد رحمهما الله في الزيادات‏:‏ ادعى رجل على رجلين أنهما قتلا وليه عمدا بحديدة فله عليهما القصاص فقال أحدهما‏:‏ صدقت وقال الآخر ضربته أنا خطأ بالعصا، فإنه يقضى لولي القتل عليهما بالدية في مالهما في ثلاثة سنين، وهذا الذي ذكرناه استحسان والقياس أن لا يقضى عليهما بشيء، ولو ادعى الولي العمد عليهما وصدقه أحدهما في ذلك وأنكر الآخر القتل فلا شيء على المقر وفي الخانية، ولو ادعى الخطأ عليهما وأقر أحدهما بالعمد وجحد الآخر فلم يقض بشيء، ولو ادعى العمد عليهما فأقر أحدهما وجحد الآخر القتل قتل المقر، ولو أقر أحدهما بالعمد والآخر بالخطأ وأنكر شركة الخاطئ قتل العامد، ولو قال رجل لرجل قتلت أنا وفلان وليك عمدا وقال فلان قتلناه خطأ وقال الولي للمقر بالعمد أنت قتلته وحدك عمدا، فإن للولي أن يقتل المقر، وإن ادعى الولي الخطأ في هذه الصورة لا يجب شيء‏.‏

رجل قطع يده ورجله ومات منهما فقال رجل قطعت يده عمدا وفلان قطع رجله ومات من ذلك وقال الولي‏:‏ لا بل أنت قطعت ذلك كله عمدا، فإن للولي أن يقتله، وإن قال لا أدري من قطع رجله لا يكون له أن يقطع المقر، وإن أزال الولي الجهالة بعد ذلك وقال زفر إذا بين صح بيانه حتى كان له أن يقتل المقر قال مشايخنا، وهذا إذا بين الولي قبل أن يقضي القاضي ببطلان حقه في القصاص قبل المقر حيث قال لا أدري من قطع رجله فأما إذا قضى بذلك ثم بين لا يصح بيانه ولا يكون له أن يقتل المقر وفي نوادر بشر عن أبي يوسف رجل قال لرجل أنا قتلت وليك عمدا فصدقه وقتله ثم جاء آخر وقال أنا الذي قتلته وحدي وصدقه فعليه دية الذي قتله وله على الآخر الدية قال محمد رحمه الله في الزيادات ادعى رجل على رجلين أنهما قتلا وليه عمدا بالسيف وقضى له عليهما بالقصاص فأقر أحدهما بالقتل وأقام آخر شاهدين على الآخر أنه قتله وحده عمدا كان للمدعي أن يقتل المقر مكان العمد وليس له أن يقتل المشهود عليه وبطلت شهادة الشاهدين، ولو كان مكان قتل العمد قتل الخطأ وباقي المسألة بحالها لا شيء على المشهود عليه من الدية وعلى المقر نصف الدية، وإن أقر بالكل وفيها أيضا رجل قتل مقطوع اليدين وادعى وليه أن فلانا قطع يده اليمنى عمدا وفلان قطع يده اليسرى عمدا ومات منهما فقال المدعى عليه‏:‏ أنا قطعت يده اليسرى عمدا ولا أدري من قطع يده اليمنى إلا أني أعلم أن اليمنى قطعت عمدا ومات من القطع وقال المدعى عليه قطعت اليد اليسرى ومات منها خاصة لا شيء على المقر‏.‏ ولو قال الولي‏:‏ قطع فلان يده اليسرى عمدا ولا أدري من قطع اليمنى إلا إني أعلم أن اليمنى قطعت عمدا فمات منهما فلا قود عليه وعليه نصف الدية استحسانا والقياس أن لا يلزمه شيء من الدية وفيها أيضا رجل ادعى على رجل أنه شج وليه موضحة عمدا ومات منها وجحد المدعى عليه ذلك فجاء المدعي بشاهدين فشهدا بالموضحة وبالموت منها كما ادعاه المدعي وشهد الآخر بالموضحة والبرء قبلت شهادتهما على الموضحة وقضى بالقصاص في الموضحة‏.‏ فمن مشايخنا من قال ما ذكره من الجواب قول أبي يوسف ومحمدا ما على قول أبي حنيفة رحمه الله ينبغي أن لا تقبل هذه الشهادة ولا يقضى بشيء ومنهم من قال لا بل هذا قول الكل، ولو ادعى الموضحة والبرء منها وشهد أحد الشاهدين بالموضحة والبرء والآخر بالسراية لا تقبل الشهادة، ولو ادعى الولي أنه مات منها، وجاء بشاهدين شهد أحدهما كما ادعاه المدعي وشهد الآخر أنه بريء من ذلك قبلت الشهادة على الشجة وقضى بأرشها في مال الجاني وكذلك لو كان الميت عند رجل فادعى مولاه أن الشاج شجه موضحة عمدا ومات منها وأن له عليه القود وجاء بشاهدين فشهد أحدهما كما ادعى المدعي وشهد الآخر أنه برئ منها فالقاضي يقضي بأرش الشجة في مال الجاني والله أعلم‏.‏