فصل: باب العيدين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب العيدين

أي صلاة العيدين، ولا خفاء في وجه المناسبة وسمي به لما أن لله - سبحانه وتعالى - فيه عوائد الإحسان إلى عباده أو؛ لأنه يعود ويتكرر أو؛ لأنه يعود بالفرح والسرور أو تفاؤلا بعوده على من أدركه كما سميت القافلة قافلة تفاؤلا بقفولها أي برجوعها وجمعه أعياد وكان حقه أعواد؛ لأنه من العود ولكن جمع بالياء للزومها في الواحد أو للفرق بينه وبين عود الخشب فإنه يجمع على عيدان وعود اللهو فإنه يجمع على أعواد كما في العيني، وكانت صلاة عيد الفطر في السنة الأولى من الهجرة كما رواه أبو داود مسندا إلى أنس رضي الله عنه قال ‏{‏قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما فقال ما هذان اليومان‏؟‏ قالوا‏:‏ كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر»‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ تجب صلاة العيد على من تجب عليه الجمعة بشرائطها سوى الخطبة‏)‏ تصريح بوجوبها، وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة، وهو الأصح كما في الهداية والمختار كما في الخلاصة، وهو قول الأكثرين كما في المجتبى ويدل عليه من جهة الرواية قول محمد في الأصل، ولا يصلي نافلة في جماعة إلا قيام رمضان وصلاة الكسوف فإنه لم يستثن العيد فعلم أنه ليس من النوافل ومن جهة الدليل مواظبته صلى الله عليه وسلم عليها من غير ترك، وفي رواية أخرى أنها سنة لقول محمد في الجامع الصغير في العيدين يجتمعان في يوم واحد قال يشهدهما جميعا ولا يترك واحدا منهما والأولى منهما سنة والأخرى فريضة قال في غاية البيان وهذا أظهر، ولم يعلله، وهو كذلك لوجهين أحدهما أن الجامع الصغير صنفه بعد الأصل فما فيه هو المعول عليه وثانيهما أنه صرح بالسنة بخلاف ما في الأصل والظاهر أنه لا خلاف في الحقيقة؛ لأن المراد من السنة السنة المؤكدة بدليل قوله، ولا يترك واحدا منهما وكما صرح به في المبسوط، وقد ذكرنا مرارا أنها بمنزلة الواجب عندنا؛ ولهذا كان الأصح أنه يأثم بترك المؤكدة كالواجب، وفي المجتبى الأصح أنها سنة مؤكدة وأفاد أن جميع شرائط الجمعة وجوبا وصحة شرائط للعيد إلا الخطبة فإنها ليست بشرط حتى لو لم يخطب أصلا صح وأساء لترك السنة، ولو قدمها على الصلاة صحت وأساء، ولا تعاد الصلاة وبه اندفع ما في السراج الوهاج من أن المملوك تجب عليه العيد إذا أذن له مولاه، ولا تجب عليه الجمعة؛ لأن الجمعة لها بدل، وهو الظهر، وليس كذلك العيد فإنه لا بدل له؛ لأن منافعه لا تصير مملوكة له بالإذن فحاله بعد الإذن كحاله قبله، وفي القنية صلاة العيد في الرساتيق تكره كراهة تحريم ا هـ؛ لأنه اشتغال بما لا يصح؛ لأن المصر شرط الصحة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وندب يوم الفطر أن يطعم ويغتسل ويستاك ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه‏)‏ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستحب كون ذلك المطعوم حلوا لما روى البخاري‏:‏ «كان عليه الصلاة والسلام لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا» وأما ما يفعله الناس في زماننا من جمع التمر مع اللبن والفطر عليه فليس له أصل في السنة وظاهر كلامهم تقديم الأحسن من الثياب في الجمعة والعيدين، وإن لم يكن أبيض، والدليل دال عليه فقد روى البيهقي‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام كان يلبس يوم العيد بردة حمراء»، وفي فتح القدير واعلم أن الحلة الحمراء عبارة عن ثوبين من اليمن فيهما خطوط حمر وخضر لا أنها أحمر بحت فليكن محمل البردة أحدهما ا هـ‏.‏ بدليل نهيه عليه السلام عن لبس الأحمر كما رواه أبو داود والقول مقدم على الفعل، والحاظر مقدم على المبيح لو تعارضا فكيف إذا لم يتعارضا بالحمل المذكور وزاد في الحاوي القدسي أن من المستحبات التزين وأن يظهر فرحا وبشاشة ويكثر من الصدقة حسب طاقته وقدرته وزاد في القنية استحباب التختم والتبكير، وهو سرعة الانتباه والابتكار، وهو المسارعة إلى المصلى وصلاة الغداة في مسجد حيه والخروج إلى المصلى ماشيا والرجوع في طريق آخر والتهنئة بقوله تقبل الله منا ومنكم لا تنكر، وفي المجتبى، فإن قلت عد الغسل هاهنا مستحبا، وفي الطهارة سنة قلت للاختلاف فيه والصحيح أنه سنة وسماه مستحبا لاشتمال السنة على المستحب وعد سائر المستحبات المذكورة هنا في بعض الكتب سنة ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويؤدي صدقة الفطر‏)‏ معطوف على يطعم فيقتضي أن يكون الأداء مندوبا، وهو كذلك؛ لأن الكلام كله قبل الخروج إلى المصلى فلصدقة الفطر أحوال‏:‏ أحدها قبل دخول يوم العيد، وهو جائز ثانيها يومه قبل الخروج، وهو مستحب ثالثها يومه بعد الصلاة، وهو جائز رابعها بعد يوم الفطر، وهو صحيح ويأثم بالتأخير إلا أنه يرتفع بالأداء كمن أخر الحج بعد القدرة فإنه يأثم ثم يزول بالأداء كما سيأتي، وإنما استحب الأداء قبله للحديث‏:‏ «من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» ولقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أغنوهم في هذا اليوم عن المسألة»، ولأن المستحب أن يأكل قبل الخروج إلى المصلى فيقدم للفقير ليأكل قبلها فيتفرغ قلبه للصلاة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم يتوجه إلى المصلى‏)‏ ضبطه في غاية البيان بالرفع وقال لا بالنصب، ولم يبين وجهه، ووجهه أن التوجه واجب، وليس بمستحب؛ ولهذا أتى بأسلوب آخر، وهو العطف بثم وفي السراج الوهاج المستحب أن يتوجه ماشيا، ولا يركب في الرجوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ركب في عيد، ولا جنازة، ولا بأس أن يركب في الرجوع؛ لأنه غير قاصد إلى قربة، وفي التجنيس والخروج إلى الجبانة سنة لصلاة العيد، وإن كان يسعهم المسجد الجامع عند عامة المشايخ هو الصحيح ا هـ‏.‏ وفي المغرب الجبانة المصلى العام في الصحراء، وعلى هذا فيجوز أن يكون منصوبا عطفا على يطعم؛ لأن التوجه إلى المصلى مندوب كما أفاده في التجنيس، وإن كانت صلاة العيد واجبة حتى لو صلى العيد في الجامع، ولم يتوجه إلى المصلى فقد ترك السنة، وإنما أتى بثم لإفادة أن التوجه متراخ عن جميع الأفعال السابقة، وفي الخلاصة، ولا يخرج المنبر إلى الجبانة يوم العيد واختلف المشايخ في بناء المنبر في الجبانة قال بعضهم يكره وقال بعضهم‏:‏ لا يكره وفي نسخة الإمام خواهر زاده هذا حسن في زماننا وعن أبي حنيفة أنه لا بأس به ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ غير مكبر ومتنفل قبلها‏)‏ أي قبل صلاة العيد أما الأول فظاهر كلامه أنه لا يكبر يوم الفطر قبل صلاة العيد لا جهرا، ولا سرا، وأنه لا فرق بين التكبير في البيت أو في الطريق أو في المصلى قبل الصلاة لكن أفاد بعد ذلك أن أحكام الأضحى كالفطر إلا أنه يكبر في الطريق جهرا فصار معنى كلامه هنا أنه لا يكبر في الطريق جهرا، وفي غاية البيان المراد من نفي التكبير بصفة الجهر؛ لأن التكبير خير موضوع لا خلاف في جوازه بصفة الإخفاء ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة ما يخالفه قال‏:‏ ولا يكبر يوم الفطر وعندهما يكبر ويخافت، وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة والأصح ما ذكرنا أنه لا يكبر في عيد الفطر ا هـ‏.‏ فأفاد أن الخلاف في أصله لا في صفته وأن الاتفاق على عدم الجهرية ورده في فتح القدير بأنه ليس بشيء إذ لا يمنع من ذكر الله بسائر الألفاظ في شيء من الأوقات بل من إيقاعه على وجه البدعة فقال أبو حنيفة رفع الصوت بالذكر بدعة ويخالف الأمر من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول‏}‏ فيقتصر على مورد الشرع، وقد ورد به في الأضحى، وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واذكروا الله في أيام معدودات‏}‏ جاء في التفسير أن المراد التكبير في هذه الأيام ا هـ‏.‏ وهو مردود؛ لأن صاحب الخلاصة أعلم بالخلاف منه ولأن ذكر الله تعالى إذا قصد به التخصيص بوقت دون وقت أو بشيء دون شيء لم يكن مشروعا حيث لم يرد الشرع به؛ لأنه خلاف المشروع وكلامهم إنما هو فيما إذا خص يوم الفطر بالتكبير؛ ولهذا قال في غاية البيان من باب المهر عند ذكر المتعة وقوله‏:‏ ولا يكبر في طريق المصلى عند أبي حنيفة أي حكما للعيد ولكن لو كبر؛ لأنه ذكر الله تعالى يجوز ويستحب ا هـ‏.‏ فالحاصل أن الجهر بالتكبير بدعة في كل وقت إلا في المواضع المستثناة وصرح قاضي خان في فتاويه بكراهة الذكر جهرا وتبعه على ذلك صاحب المستصفى، وفي الفتاوى العلامية وتمنع الصوفية من رفع الصوت والصفق وصرح بحرمته العيني في شرح التحفة وشنع على من يفعله مدعيا أنه من الصوفية واستثنى من ذلك في القنية ما يفعله الأئمة في زماننا فقال إمام يعتاد في كل غداة مع جماعته قراءة آية الكرسي وآخر البقرة و ‏{‏شهد الله‏}‏ ونحوه جهرا لا بأس به والأفضل الإخفاء ثم قال التكبير جهرا في غير أيام التشريق لا يسن إلا بإزاء العدو أو اللصوص وقاس عليه بعضهم الحريق والمخاوف كلها ثم رقم برقم آخر قاص وعنده جمع كثير يرفعون أصواتهم بالتهليل والتسبيح جملة لا بأس به والإخفاء أفضل، ولو اجتمعوا في ذكر الله والتسبيح والتهليل يخفون والإخفاء أفضل عند الفزع في السفينة أو ملاعبتهم بالسيوف، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما التكبير خفية، فإن قصد أن يكون لأجل يوم الفطر فهو مكروه أيضا، وإلا فهو مستحب، ولو كان يوم الفطر وأما الثاني، وهو التنفل قبلها فهو مكروه وأطلقه فشمل ما إذا كان في المصلى أو في البيت ولا خلاف فيما إذا كان في المصلى واختلفوا فيما إذا تنفل في البيت فعامتهم على الكراهة، وهو الأصح كما في غاية البيان وقيد بقوله قبلها؛ لأن التنفل بعدها فيه تفصيل، فإن كان في المصلى فمكروه عند العامة وإن كان في البيت فلا ودليل الكراهة ما في الكتب الستة عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فصلى بهم العيد لم يصل قبلها، ولا بعدها» وهذا النفي بعدها محمول على ما إذا كان في المصلى لحديث ابن ماجه قال ‏{‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين» ا هـ‏.‏ قال في فتاوى قاضي خان والخلاصة‏:‏ والأفضل أن يصلي أربع ركعات بعدها وأطلقه فشمل صلاة الضحى وشمل من يصلي صلاة العيد إماما كان أو غيره، ومن لم يصلها كما في السراج الوهاج؛ ولهذا قال في الخلاصة النساء إذا أردن أن يصلين الضحى يوم العيد صلين بعدما يصلي الإمام في الجبانة ا هـ‏.‏ وهذا كله إنما هو بحسب حال الإنسان، وأما العوام فلا يمنعون من تكبير قبلها قال أبو جعفر لا ينبغي أن يمنع العامة من ذلك لقلة رغبتهم في الخيرات ا هـ‏.‏ وكذا في التنفل قبلها قال في التجنيس سئل شمس الأئمة الحلواني أن كسالى العوام يصلون الفجر عند طلوع الشمس أفنزجرهم عن ذلك قال لا؛ لأنهم إذا منعوا عن ذلك تركوها أصلا وأداؤها مع تجويز أهل الحديث لها أولى من تركها أصلا ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ووقتها من ارتفاع الشمس إلى زوالها‏)‏ أما الابتداء فلأنه «عليه الصلاة والسلام كان يصلي العيد والشمس على قيد رمح أو رمحين»، وهو بكسر القاف بمعنى قدر وأما الانتهاء فلما في السنن ‏{‏أن ركبا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا يغدون إلى مصلاهم»، ولو جاز فعلها بعد الزوال لم يكن للتأخير إلى الغد معنى واستفيد منه أنها لا تصح قبل ارتفاع الشمس بمعنى لا تكون صلاة عيد بل نفل محرم، ولو زالت الشمس، وهو في أثنائها فسدت كما في الجمعة صرح به في السراج الوهاج، وعلى هذا فينبغي إدخاله في المسائل الاثنى عشرية لما أنها كالجمعة، وقد أغفلوها عن ذكرها ويستحب تعجيل صلاة الأضحى لتعجيل الأضاحي، وفي المجتبى ويستحب أن يكون خروجه بعد ارتفاع قدر رمح حتى لا يحتاج إلى انتظار القوم، وفي عيد الفطر يؤخر الخروج قليلا ‏{‏كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم عجل الأضحى وأخر الفطر» قيل ليؤدي الفطرة ويعجل الأضحية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويصلي ركعتين مثنيا قبل الزوائد‏)‏ أما كونها ركعتين فمتفق عليه، وأما كون الثناء قبل التكبيرات فلأنه شرع أول الصلاة فيقدم عليها في ظاهر الرواية كما يقدم على سائر الأفعال والأذكار‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وهي ثلاث في كل ركعة‏)‏ أي الزوائد ثلاث تكبيرات في كل ركعة، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه وبه أخذ أئمتنا أبو حنيفة وصاحباه وأما ما في الخلاصة وعن أبي يوسف كما قال ابن عباس رضي الله عنهما خمس في الأولى وخمس في الثانية أو أربع على اختلاف الروايات والأئمة في زماننا يكبرون على مذهب ابن عباس؛ لأن الخلفاء شرطوا عليهم ذلك ا هـ‏.‏ فليس مذهبا لأبي يوسف، وإنما فعله امتثالا لأمر هارون الرشيد قال في السراج الوهاج لما انتقلت الولاية إلى بني العباس أمروا الناس بالعمل في التكبيرات بقول جدهم وكتبوا ذلك في مناشيرهم وهذا تأويل ما روي عن أبي يوسف أنه قدم بغداد فصلى بالناس صلاة العيد وخلفه هارون الرشيد فكبر تكبير ابن عباس فيحتمل أن هارون أمره أن يكبر تكبير جده ففعله امتثالا لأمره وأما مذهبه فهو على تكبير ابن مسعود رضي الله عنه؛ لأن التكبير ورفع الأيدي خلاف المعهود فكان الأخذ فيه بالأقل أولى ا هـ‏.‏ وكذا هو مروي عن محمد قال في الظهيرية إنهما فعلا ذلك امتثالا لأمر الخليفة لا مذهبا، ولا اعتقادا وذكر في المجتبى ثم يأخذ بأي هذه التكبيرات شاء، وفي رواية عن أبي يوسف ومحمد قال في الموطإ بعد ذكر الروايات فما أخذت به فحسن، ولو كان فيها ناسخ ومنسوخ لكان محمد بن الحسن أولى بمعرفته لقدمه في علم الحديث والفقه وقيل الآخر ناسخ للأول والصحيح ما قلناه والأخذ بتكبيرات ابن مسعود أولى ا هـ‏.‏ وبهذا ظهر أن الخلاف في الأولوية، وفي المحيط، ولو كبر الإمام أكثر من تكبير ابن مسعود اتبعه ما لم يكبر أكثر مما جاء به الآثار؛ لأنه مولى عليه فيلزمه العمل برأي الإمام وذلك إلى ستة عشر، فإن زاد لا يلزمه متابعته؛ لأنه مخطئ بيقين، ولو سمع التكبيرات من المكبرين يأتي بالكل احتياطا، وإن كثر لاحتمال الغلط من المكبرين؛ ولهذا قيل ينوي بكل تكبيرة الافتتاح لاحتمال التقدم على الإمام في كل تكبيرة ا هـ‏.‏ ثم قال الأصل أن المنفرد يتبع رأي نفسه في التكبيرات والمقتدي يتبع رأي إمامه، ومن أدرك الإمام راكعا في صلاة العيد فخشي أن يرفع رأسه يركع ويكبر في ركوعه عندهما خلافا لأبي يوسف، ولو أدركه في القيام فلم يكبر حتى ركع لا يكبر في الركوع على الصحيح كما لو ركع الإمام قبل أن يكبر فإن الإمام لا يكبر في الركوع، ولا يعود إلى القيام ليكبر في ظاهر الرواية، ومن فاتته أول الصلاة مع الإمام يكبر في الحال ويكبر برأي نفسه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ يوالي بين القراءتين‏)‏ اقتداء بابن مسعود رضي الله عنه ولتكون التكبيرات مجتمعة؛ لأنها من أعلام الشريعة ولذلك وجب الجهر بها والجمع يحقق معنى الشعائر والإعلام هذا إلا أن في الركعة الأولى تخللت الزوائد بين تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع فوجب الضم إلى إحداهما والضم إلى تكبيرة الافتتاح أولى؛ لأنها سابقة، وفي الركعة الثانية الأصل فيه تكبيرة الركوع لا غيره فوجب الضم إليها ضرورة كذا في المحيط والهداية، والظاهر أن المراد بالوجوب في عبارتهما الثبوت لا المصطلح عليه؛ لأن الموالاة بينهما مستحبة لما تقدم من أن الخلاف في الأولوية ثم المسبوق بركعة إذا قام إلى القضاء فإنه يقرأ ثم يكبر؛ لأنه لو بدأ بالتكبير يصير مواليا بين التكبيرات، ولم يقل به أحد من الصحابة، ولو بدأ بالقراءة يصير فعله موافقا لقول علي فكان أولى كذا في المحيط، وهو مخصص لقولهم إن المسبوق يقضي أول صلاته في حق الأذكار ويكبر المسبوق على رأي نفسه بخلاف اللاحق فإنه يكبر على رأي إمامه؛ لأنه خلف الإمام حكما كذا في السراج الوهاج، وفي المجتبى الأصل أن من قدم المؤخر أو أخر المقدم ساهيا أو اجتهادا، فإن كان لم يفرغ مما دخل فيه يعيد، وإن فرغ لا يعود ا هـ‏.‏ وفي المحيط إن بدأ الإمام بالقراءة سهوا ثم تذكر، فإن فرغ من قراءة الفاتحة والسورة يمضي في صلاته، وإن لم يقرأ إلا الفاتحة كبر وأعاد القراءة لزوما؛ لأن القراءة إذا لم تتم كان امتناعا عن الإتمام لا رفضا للفرض، ولو تحول رأيه بعد ما صلى ركعة وكبر بالقول الثاني، فإن تحول إلى قول ابن عباس بعدما كبر بقول ابن مسعود وقرأ إن لم يفرغ من القراءة يكبر ما بقي من تكبيرات ابن عباس ويعيد القراءة، وإن فرغ من القراءة كبر ما بقي، ولا يعيد القراءة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويرفع يديه في الزوائد‏)‏ توضيح لما أبهمه سابقا بقوله، ولا يرفع الأيدي إلا في ‏"‏ فقعس صمعج ‏"‏ فإن العين الأولى للإشارة إلى العيدين فبين هنا أنه خاص بالزوائد دون تكبيرة الركوع فإن تكبيرتي الركوع لما ألحقت بالزوائد في كونهما واجبتين حتى يجب السهو بتركهما ساهيا كما صرح به في السراج الوهاج ربما توهم أنهما التحقتا بهما في الرفع أيضا فنص على أنه خاص بالزوائد وعن أبي يوسف لا يرفع يديه فيها، وهو ضعيف ويستثنى منه ما إذا كبر راكعا لكونه مسبوقا كما قدمناه فإنه لا يرفع يديه كما ذكره الإسبيجابي وقيل يرفع يديه وأشار المصنف إلى أنه يسكت بين كل تكبيرتين؛ لأنه ليس بينهما ذكر مسنون عندنا؛ ولهذا يرسل يديه عندنا وقدره مقدار ثلاث تسبيحات لزوال الاشتباه، وذكر في المبسوط أن هذا التقدير ليس بلازم بل يختلف بكثرة الزحام وقلته؛ لأن المقصود إزالة الاشتباه، ولم يذكر هنا الجهر بالقراءة لما علم سابقا في فضل القراءة ويقرأ فيهما كما يقرأ في الجمعة، وفي الظهيرية لو صلى خلف إمام لا يرى رفع اليدين عند تكبيرات الزوائد يرفع يديه، ولا يوافق الإمام في الترك ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويخطب بعدها خطبتين‏)‏ اقتداء بفعله عليه الصلاة والسلام بخلاف الجمعة فإنه يخطب قبلها؛ لأن الخطبة فيها شرط والشرط متقدم أو مقارن، وفي العيد ليست بشرط؛ ولهذا إذا خطب قبلها صح وكره؛ لأنه خالف السنة كما لو تركها أصلا، وفي المجتبى ويبدأ بالتحميد في خطبة الجمعة وخطبة الاستسقاء وخطبة النكاح ويبدأ بالتكبيرات في خطبة العيدين ويستحب أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات تترى والثانية بسبع قال عبد الله بن عتبة بن مسعود‏:‏ هو من السنة ويكبر قبل أن ينزل من المنبر أربع عشرة ا هـ‏.‏ ويجب السكوت والاستماع في خطبة العيدين وخطبة الموسم كذا في المجتبى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويعلم الناس فيها أحكام صدقة الفطر‏)‏؛ لأنها شرعت لأجله قال في السراج الوهاج وأحكامها خمسة على من تجب ولمن تجب ومتى تجب وكم تجب ومم تجب أما على من تجب فعلى الحر المسلم المالك للنصاب وأما لمن تجب فللفقراء والمساكين، وأما متى تجب فبطلوع الفجر وأما كم تجب فنصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير أو زبيب وأما مم تجب فمن أربعة أشياء المذكورة وأما ما سواها فبالقيمة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم تقض إن فاتت مع الإمام‏)‏؛ لأن الصلاة بهذه الصفة لم تعرف قربة إلا بشرائط لا تتم بالمنفرد فمراده نفي صلاتها وحده وإلا فإذا فاتت مع إمام وأمكنه أن يذهب إلى إمام آخر فإنه يذهب إليه؛ لأنه يجوز تعدادها في مصر واحد في موضعين وأكثر اتفاقا إنما الخلاف في الجمعة وأطلقه فشمل ما إذا كان في الوقت أو خرج الوقت، وما إذا لم يدخل مع الإمام أصلا أو دخل معه وأفسدها فلا قضاء عليه أصلا وقال أبو يوسف إذا أفسدها بعد الشروع يقضي؛ لأن الشروع في الإيجاب كالنذر كذا في المحيط، ولا يخفى أنه إذا لم يلزمه القضاء فالإثم عليه لترك الواجب من غير عذر كالسجدة الصلاتية إذا لم يسجد لها حتى فرغ من صلاته، وفي البدائع وأما حكمها إذا فسدت أو فاتت فكل ما يفسد سائر الصلوات والجمعة يفسدها من خروج الوقت، ولو بعد القعود وفوت الجماعة على التفصيل والاختلاف المذكور في الجمعة غير أنها إن فسدت بنحو حدث عمد يستقبلها، وإن فسدت بخروج الوقت سقطت، ولا يقضيها عندنا كالجمعة ولكنه يصلي أربعا مثل صلاة الضحى إن شاء؛ لأنها إذا فاتته لا يمكن تداركها بالقضاء لفقد الشرائط فلو صلى مثل الضحى لنيل الثواب كان حسنا، وهو مروي عن ابن مسعود‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتؤخر بعذر إلى الغد فقط‏)‏؛ لأن الأصل فيها أن لا تقضى لكن ورد الحديث بتأخيرها إلى الغد للعذر فبقي ما عداه على الأصل فلا تؤخر إلى الغد بغير عذر، ولا إلى ما بعده بعذر ولما قدم أن انتهاء وقته زوال الشمس من اليوم الأول لم يحتج إلى التقييد هنا فالعبارة الجيدة وتؤخر بعذر إلى الزوال من الغد فقط، ولم يذكر في الكتب المعتبرة اختلاف في هذا وذكر في المجتبى عن الطحاوي في شرح الآثار أن هذا قول أبي يوسف وقال أبو حنيفة إن فاتت في اليوم الأول لم تقض لأبي يوسف حديث‏:‏ «أنس قال أخبرني عمومتي من الأنصار أن الهلال خفي على الناس في آخر ليلة من شهر رمضان فأصبحوا صياما فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزوال أنهم رأوا الهلال في الليلة الماضية فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفطر فأفطروا وخرج بهم من الغد فصلى بهم صلاة العيد» ولأبي حنيفة أن الأصل أن لا تقضى لكن تركناه في الأضحى لخصائص العيد ثمة، وهو جواز النحر وحرمة الصوم وفيما عداه جرينا على الأصل قال الطحاوي في حديث أنس‏:‏ «وليخرجوا لعيدهم من الغد»، وليس فيه أنه صلى صلاة العيد بهم فيحتمل أن يكون خروجهم لإظهار سواد المسلمين وإرهابا لعدوهم ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وهي أحكام الأضحى‏)‏ أي الأحكام المذكورة لعيد الفطر ثابتة لعيد الأضحى صفة وشرطا ووقتا ومندوبا لاستوائهما دليلا واستثنى المصنف رحمه الله من ذلك فقال ‏(‏لكن هنا يؤخر الأكل‏)‏ للاتباع فيهما، وهو مستحب، ولا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة إذ لا بد لها من دليل خاص فلذا كان المختار عدم كراهة الأكل قبل الصلاة وأطلقه فشمل من لا يضحي وقيل إنه لا يستحب التأخير في حقه وشمل من كان في المصر، ومن كان في السواد وقيده في غاية البيان بأن هذا في حق المصري أما القروي فإنه يذوق من حين أصبح، ولا يمسك كما في عيد الفطر؛ لأن الأضاحي تذبح في القرى من الصباح‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويكبر في الطريق جهرا‏)‏ للاتباع أيضا وظاهره أنه ليس بمستحب في البيت وفي المصلى، وفي المحيط ويكبر في حال خروجه إلى المصلى جهرا فإذا انتهى إلى المصلى يترك، وفي رواية لا يقطعها ما لم يفتتح الإمام الصلاة؛ لأنه وقت التكبير فإنه يكبر عقب الصلاة جهرا ويسن الجهر بالتكبير إظهارا للشعائر ا هـ‏.‏ وجزم في البدائع بالأولى وعمل الناس في المساجد على الرواية الثانية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويعلم الأضحية وتكبير التشريق في الخطبة‏)‏؛ لأنها شرعت لتعليم أحكام الوقت هكذا ذكروا مع أن تكبير التشريق يحتاج إلى تعليمه قبل يوم عرفة ليتعلموه يوم عرفة فإنه ابتداؤه فينبغي للخطيب أن يعلمهم أحكامه في الجمعة التي قبل عيد الأضحى كما أنه ينبغي له أن يعلمهم أحكام صدقة الفطر في الجمعة التي قبل عيد الفطر ليتعلموها ويخرجوها قبل الخروج إلى المصلى، ولم أره منقولا والعلم أمانة في عنق العلماء ويستفاد من كلامهم أن الخطيب إذا رأى بهم حاجة إلى معرفة بعض الأحكام وأنه يعلمهم إياها في خطبة الجمعة خصوصا في زماننا من كثرة الجهل وقلة العلم فينبغي أن يعلمهم أحكام الصلاة كما لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتؤخر بعذر إلى ثلاثة أيام‏)‏؛ لأنها موقتة بوقت الأضحية فتجوز ما دام وقتها باقيا، ولا تجوز بعد خروجه؛ لأنها لا تقضى قيد بالعذر؛ لأن تأخيرها لغير عذر عن اليوم الأول مكروه بخلاف تأخير عيد الفطر لغير عذر فإنه لا يجوز، ولا يصلى بعده فالتقييد بالعذر هنا لنفي الكراهة، وفي عيد الفطر للصحة كذا في أكثر الكتب المعتمدة، وفي المجتبى، وإنما قيده بالعذر؛ لأنه لو تركها في اليوم الأول بغير عذر لم يصلها بعد كذا في صلاة الجلابي، وهو من جملة غرائبه رحمه الله‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والتعريف ليس بشيء‏)‏، وهو في اللغة الوقوف بعرفات والمراد به هنا وقوف الناس يوم عرفة في غير عرفات تشبها بالواقفين بها واختلف في معنى هذا اللفظ ففي فتح القدير أن ظاهره أنه مطلوب الاجتناب فيكون مكروها، وفي النهاية ليس بشيء يتعلق به الثواب، وهو يصدق على الإباحة، وفي غاية البيان أي ليس بشيء في حكم الوقوف لقول محمد في الأصل دم السمك ليس بشيء في حكم الدماء وهذا؛ لأنه شيء حقيقة لكونه موجودا إلا أنه لما لم يكن معتبرا نفى عنه اسم الشيء، وإنما لم يعتبر تعريفهم؛ لأن الوقوف لما كان عبادة مخصوصة بمكان لم يجز فعله إلا في ذلك المكان كالطواف وغيره ألا ترى أنه لا يجوز الطواف حول سائر البيوت تشبها بالطواف حول الكعبة ا هـ‏.‏ وظاهره أن الكراهة تحريمية، وفي الذخيرة من كتاب الحظر والإباحة التضحية بالديك أو الدجاج في أيام الأضحية ممن لا أضحية عليه لعسرته بطريق التشبيه بالمضحين مكروه؛ لأن هذا من رسوم المجوس ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وسن بعد فجر عرفة إلى ثمان مرة الله أكبر إلى آخره بشرط إقامة ومصر ومكتوبة وجماعة مستحبة‏)‏ بيان لتكبير التشريق، والإضافة فيه بيانية أي التكبير الذي هو التشريق فإن التكبير لا يسمى تشريقا إلا إذا كان بتلك الألفاظ في شيء من الأيام المخصوصة فهو حينئذ متفرع على قول الكل وبهذا اندفع ما في غاية البيان من أن هذه الإضافة وقعت على قولهما؛ لأنه لا تكبير في أيام التشريق عند أبي حنيفة ا هـ‏.‏ فإن التكبير في هذا الوقت الخاص يسمى تشريقا فإذا صار علما عليه خرج من إفادته معناه الأصلي من تشريق اللحم مع أنه إن روعي هذا المعنى لم يكن متفرعا على قول أحد؛ لأنهم اتفقوا على تكبير التشريق في يوم عرفة، وليس المعنى موجودا فيه، وما في الحقائق من أنه إنما أضيف إلى التشريق مع أنه يؤتى به في غيرها لما أن أكثره في أيام التشريق للأكثر حكم الكل يئول إلى أنه على قولهما كما لا يخفى، وعلى هذا فما في الخلاصة والبدائع من أن أيام النحر ثلاثة وأيام التشريق ثلاثة ويمضي ذلك كله في أربعة أيام العاشر من ذي الحجة للنحر خاصة والثالث عشر للتشريق خاصة واليومان فيما بينهما للنحر والتشريق جميعا ا هـ‏.‏ فبيان للواقع من أفعال الناس من أنهم يشرقون اللحم في أيام مخصوصة لا بيان لتكبير التشريق لاتفاقهم على أن اليوم الأول من أيام النحر يكبر فيه ثم صرح في البدائع بأن التشريق في اللغة كما يطلق على إلقاء لحوم الأضاحي بالمشرقة يطلق على رفع الصوت بالتكبير قاله النضر بن شميل؛ ولذا استدل أبو حنيفة على اشتراط المصر لوجوب التكبير بقول علي لا جمعة، ولا تشريق، ولا فطر، ولا أضحى إلا في مصر جامع فحينئذ ظهر أن الإضافة فيه على قول الكل ثم سماه في الكتاب سنة تبعا للكرخي مع أنه واجب على الأصح كما في غاية البيان للأمر في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واذكروا الله في أيام معدودات‏}‏ ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويذكروا اسم الله في أيام معلومات‏}‏ على القول بأن كلا منهما أيام التشريق وقيل المعدودات أيام التشريق والمعلومات أيام العشر وقيل‏:‏ المعلومات يوم النحر ويومان بعده، والمعدودات أيام التشريق؛ لأنه أمر في المعدودات بالذكر مطلقا، وفي المعلومات الذكر ‏{‏على ما رزقهم من بهيمة الأنعام‏}‏ وهي الذبائح ومطلق الأمر للوجوب وإطلاق اسم السنة على الواجب جائز؛ لأن السنة عبارة عن الطريقة المرضية أو السيرة الحسنة وكل واجب هذا صفته كذا في البدائع، ولا يخفى أنه مجاز عرفا فيحتاج إلى قرينة وإلا انصرف إلى المعنى الحقيقي وهي في كلام المصنف قوله بعده وبالاقتداء يجب على المرأة والمسافر فصرح بالوجوب بالاقتداء، ولولا أنه واجب لما وجب بالاقتداء وقد يقال إن الأمر في الآية يفيد الافتراض؛ لأنه قطعي فلا بد له من صارف منه إلى الوجوب والحق كما قدمناه مرارا أن السنة المؤكدة والواجب متساويان في الرتبة فلذا تارة يصرحون في الشيء بأنه سنة ويصرحون فيه بعينه بأنه واجب لعدم التفاوت في استحقاق الإثم بتركه وبين وقته فأفاد أن أوله عقب فجر يوم عرفة فالمراد ببعد عقب في عبارته، ولا خلاف فيه وأفاد آخره بقوله إلى ثمان أي مع ثمان صلوات فلذا لم يقل ثمانية وهي من الغايات التي تدخل في المغيا كذا في المصفى وهذا عند أبي حنيفة فالتكبير عنده عقب ثمان صلوات فينتهي بالتكبير عقب العصر يوم النحر وعندهما ينتهي بالتكبير عقب العصر من آخر أيام التشريق وهي ثلاث وعشرون صلاة، وهو قول عمر وعلي ورجحاه؛ لأنه الأكثر، وهو الأحوط في العبادات ورجح أبو حنيفة قول ابن مسعود؛ لأن الجهر بالتكبير بدعة فكان الأخذ بالأقل أولى احتياطا وقد ذكروا في مسائل السجدات أن ما تردد بين بدعة وواجب فإنه يؤتى به احتياطا وما تردد بين بدعة وسنة يترك احتياطا كما في المحيط وغيره، وهو يقتضي ترجيح قولهما؛ ولهذا ذكر الإسبيجابي وغيره أن الفتوى على قولهما، وفي الخلاصة، وعليه عمل الناس اليوم، وفي المجتبى والعمل والفتوى في عامة الأمصار وكافة الأعصار على قولهما وهذا بناء على أنه إذا اختلف أبو حنيفة وصاحباه فالأصح أن العبرة بقوة الدليل كما في آخر الحاوي القدسي، وهو مبني على أن قولهما في كل مسألة مروي عنه أيضا كما ذكره في الحاوي أيضا وإلا فكيف يفتى بغير قول صاحب المذهب وبه اندفع ما ذكره في فتح القدير من ترجيح قوله هنا ورد فتوى المشايخ بقولهما إلا أن يريدوا بالواجب المذكور في باب السجدات الفرض ويلتزم أن ما تردد بين بدعة وواجب اصطلاحي فإنه يترك كالسنة فيترجح قوله‏:‏ وفي قوله مرة إشارة إلى رد ما نقل عن الشافعي أنه يكرر التكبير ثلاثا وقول‏:‏ الله أكبر إلى آخره بيان لألفاظه، وهو الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وقد ذكر الفقهاء أنه مأثور عن الخليل عليه السلام وأصله أن جبريل عليه السلام لما جاء بالفداء خاف العجلة على إبراهيم فقال الله أكبر الله أكبر فلما رآه إبراهيم عليه السلام قال لا إله إلا الله والله أكبر فلما علم إسماعيل الفداء قال إسماعيل الله أكبر ولله الحمد كذا في غاية البيان وكثير من الكتب، ولم يثبت عند المحدثين كما في فتح القدير، وقد صرحوا بأن الذبيح إسماعيل وفيه اختلاف بين السلف والخلف فطائفة قالوا به، وطائفة قالوا بأنه إسحاق والحنفية مائلون إلى الأولى ورجحه الإمام أبو الليث السمرقندي في البستان بأنه أشبه بالكتاب والسنة فأما الكتاب فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وفديناه بذبح عظيم‏}‏ ثم قال بعد قصة الذبح ‏{‏وبشرناه بإسحاق‏}‏ الآية وأما الخبر فما روي عنه عليه السلام‏:‏ «أنا ابن الذبيحين» يعني أباه عبد الله وإسماعيل واتفقت الأمة أنه كان من ولد إسماعيل وقال أهل التوراة مكتوب في التوراة أنه كان إسحاق، فإن صح ذلك فيها آمنا به ا هـ‏.‏ وأما محل أدائه فدبر الصلاة وفورها من غير أن يتخلل ما يقطع حرمة الصلاة حتى لو ضحك قهقهة أو أحدث متعمدا أو تكلم عامدا أو ساهيا أو خرج من المسجد أو جاوز الصفوف في الصحراء لا يكبر؛ لأن التكبير من خصائص الصلاة حيث لا يؤتى به إلا عقب الصلاة فيراعى لإتيانه حرمتها وهذه العوارض تقطع حرمتها، ولو صرف وجهه عن القبلة، ولم يخرج من المسجد، ولم يجاوز الصفوف أو سبقه الحدث يكبر؛ لأن حرمة الصلاة باقية والأصل أن كل ما يقطع البناء يقطع التكبير وما لا فلا وإذا سبقه الحدث، فإن شاء ذهب وتوضأ ورجع فكبر وإن شاء كبر من غير تطهير؛ لأنه لا يؤدى في تحريمة الصلاة فلا يشترط له الطهارة قال الإمام السرخسي والأصح عندي أنه يكبر، ولا يخرج من المسجد للطهارة؛ لأن التكبير لما لم يفتقر إلى الطهارة كان خروجه مع عدم الحاجة قاطعا لفور الصلاة فلا يمكنه التكبير بعد ذلك فيكبر للحال جزما كذا في البدائع وشرط الإقامة احترازا عن المسافر فلا تكبير عليه، ولو صلى المسافرون في المصر جماعة على الأصح كما في البدائع وقيد بالمصر احترازا عن أهل القرى وقيد بالمكتوب احترازا عن الواجب كصلاة الوتر والعيدين وعن النافلة فلا تكبير عقبها، وفي المجتبى والبلخيون يكبرون عقب صلاة العيد؛ لأنها تؤدى بجماعة فأشبه الجمعة ا هـ‏.‏ وفي مبسوط أبي الليث، ولو كبر على إثر صلاة العيد لا بأس به؛ لأن المسلمين توارثوا هكذا فوجب أن يتبع توارث المسلمين ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية عن الفقيه أبي جعفر قال سمعت أن مشايخنا كانوا يرون التكبير في الأسواق في الأيام العشر ا هـ‏.‏ وفي المجتبى لا تمنع العامة عنه وبه نأخذ وتدخل الجمعة في المكتوبة كما في المحيط وأراد بالمكتوبة الصلاة المفروضة من الصلوات الخمس فلا تكبير عقب صلاة الجنازة وإن كانت مكتوبة وقيد بالجماعة فلا تكبير على المنفرد وقيد بكونها مستحبة احترازا عن جماعة النساء والعراة، ولم يشترط الحرية؛ لأنها ليست بشرط على الأصح حتى لو أم العبد قوما وجب عليه، وعليهم التكبير وذكر الشارح أن الحاصل أن شروطه شروط الجمعة غير الخطبة والسلطان والحرية في رواية، وهو الأصح ا هـ‏.‏ وليس بصحيح إذ ليس الوقت والإذن العام من شروطه وهذا كله عند أبي حنيفة أخذا من قول علي لا جمعة، ولا تشريق، ولا فطر، ولا أضحى إلا في مصر جامع فإن المراد بالتشريق التكبير كما قدمناه؛ لأن تشريق اللحم لا يختص بمكان دون مكان وأما عندهما فهو واجب على كل من يصلي المكتوبة؛ لأنه تبع لها فيجب على المسافر والمرأة والقروي قال في السراج الوهاج والجوهرة والفتوى على قولهما في هذا أيضا فالحاصل أن الفتوى على قولهما في آخر وقته وفيمن يجب عليه وأطلق المصنف في التكبير عقب هذه الصلوات فشمل الأداء والقضاء وهي رباعية لا تكبير في ثلاثة منها الأولى فاتته في غير أيام التشريق فقضاها فيها ثانيها فاتته في هذه الأيام فقضاها في غير هذه الأيام ثالثها فاتته في هذه الأيام فقضاها فيها من السنة القابلة، ولا تكبير في الأوليين اتفاقا، وفي الثالثة خلاف أبي يوسف والصحيح ظاهر الرواية والتكبير إنما هو في الرابعة، وهي ما إذا فاتته في هذه الأيام فقضاها فيها من هذه السنة فإنه يكبر لقيام وقته كالأضحية ثم الذي يؤدى عقب الصلاة ثلاثة أشياء‏:‏ سجود السهو وتكبير التشريق والتلبية إلا أن السهو يؤدى في تحريمة الصلاة حتى صح الاقتداء بالساهي بعد سلامه والتكبير يؤدى في حرمتها لا في تحريمتها حتى لم يصح الاقتداء بالإمام بعد السلام قبل التكبير والتلبية لا تؤدى في شيء منها؛ ولذا قال في الخلاصة ويبدأ الإمام بسجود السهو ثم بالتكبير ثم بالتلبية إن كان محرما، وفي فتاوى الولوالجي لو بدأ بالتلبية سقط السجود والتكبير ولما لم يكن مؤدى في تحريمتها لو تركه الإمام فعلى القوم أن يأتوا به كسامع السجدة مع تاليها بخلاف ما إذا لم يسجد الإمام للسهو فإنهم لا يسجدون قال يعقوب صليت بهم المغرب يوم عرفة فسهوت أن أكبر بهم فكبر بهم أبو حنيفة رحمه الله، وقد استنبط من هذه الواقعة أشياء منها هذه المسألة ومنها أن تعظيم الأستاذ في إطاعته لا فيما يظنه طاعة؛ لأن أبا يوسف تقدم بأمر أبي حنيفة ومنها أنه ينبغي للأستاذ إذا تفرس في بعض أصحابه الخير أن يقدمه ويعظمه عند الناس حتى يعظموه ومنها أن التلميذ لا ينبغي أن ينسى حرمة أستاذه، وإن قدمه أستاذه وعظمه، ألا ترى أن أبا يوسف شغله ذلك عن التكبير حتى سها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبالاقتداء يجب على المرأة والمسافر‏)‏ أي باقتدائهما بمن يجب عليه يجب عليهما بطريق التبعية والمرأة تخافت بالتكبير؛ لأن صوتها عورة، وكذا يجب على المسبوق؛ لأنه مقتد تحريمة لكن لا يكبره مع الإمام ويكبر بعد ما قضى ما فاته، وفي الأصل، ولو تابعه لا تفسد صلاته وفي التلبية تفسد كذا في الخلاصة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏