فصل: باب جناية المملوك والجناية عليه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب جناية البهيمة والجناية عليها وغير ذلك

لما فرغ رحمه الله تعالى من بيان أحكام جناية الإنسان شرع في بيان جناية البهيمة ولا شك في تقدم جناية الإنسان على البهيمة كذا في النهاية ويرد عليه أنه لم يفرغ من بيان جناية الإنسان مطلقا بل بقي منها جناية المملوك ولا شك أنه من الإنسان فيقدم على البهيمة وكان من حقه أن يقدم على جناية البهيمة كذا في غاية البيان قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ضمن الراكب ما أوطأت دابته بيد ورجل أو رأس أو كدمت أو خبطت أو صدمت لا ما نفحت برجل أو ذنب إلا إذا أوقفها في الطريق‏)‏ والأصل في هذا الباب أن المرور في طريق المسلمين مباح بشرط السلامة؛ لأنه تصرف في حقه وفي حق غيره من وجه لكونه مشتركا بين كل الناس إذ الإباحة مقيدة بالسلامة، والاحتراز عن الإيطاء والكدم والصدم والخبط ممكن؛ لأنه ليس من ضرورة السير وقيدناه بشرط السلامة وفي العيني على الهداية الكدم بمقدم الإنسان والخبط باليد والصدم هو أن تطلب الشيء بجسدك، ولا يمكن الاحتراز عن النفحة أيضا؛ لأنه يمكن الاحتراز عن الإيقاف وهو المراد بقوله إلا إذا أوقفها في الطريق أطلق فيما ذكره وهو مقيد بأن يكون في غير ملكه‏.‏ أما إذا كان في ملكه لا يضمن إلا في الإيطاء وهو راكبها؛ لأنه فعل منه مباشرة حتى يحرم به عن الميراث، وتجب عليه الكفارة بشرط التعدي فصار كحفر البئر وفي المباشرة لا يشترط ذلك، وإن كان ذلك في ملك غيره، فإن كان غيره تسبب فيه بإذن مالكه فهو كما لو كان في ملكه، فإن كان بغير إذن مالكه فإن دخلت الدابة من غير أن يدخلها مالكها ولم يكن معها لم يضمن شيئا، فإن أدخلها هو ضمن الجميع سواء كان معها أو لم يكن معها لوجود التعدي بالإدخال في ملك الغير، والملك المشترك كملكه الخاص به فيما ذكرنا من الأحكام والمسجد كالطريق فيما ذكرناه من الأحكام ولو جعل الإمام موضعا لوقوف الدواب عند باب المسجد فلا ضمان فيما يحدث من الوقوف فيه وكذا إيقاف الدواب في سوق الدواب؛ لأنه مأذون فيه من جهة السلطان وكذا إذا أوقفها في طريق متسعة لا يضر وقوفها بالناس فلا يحتاج فيه إلى إذن الإمام بخلاف ما إذا كانت غير متسعة وفي الخلاصة دابة مربوطة في غير ملكه، فإن ذهب وحل الرباط فقد زالت الجناية فما عطب به من ذلك فهو هدر فلو جالت الدابة في رباطها فما أصاب شيئا وأتلفه فهو مضمون سواء ضربت بيدها أو برجلها أو برأسها فلو ربطها في مكان فذهبت إلى مكان آخر فما أصابت في ذلك المكان فهو هدر وفيها أيضا الراكب إذا كانت الدابة تسير به فنخسها رجل فألقت الراكب إن كان الراكب أذن له في النخس لا يجب على الناخس شيء، وإن كان بغير إذنه ضمن الدية، وإن ضربت الناخس فمات فدمه هدر، وإن أصابت رجلا آخر بالذنب أو الرجل أو كيفما أصابت إن كان بغير إذن الراكب فالضمان على الناخس، وإن كان بإذنه فالضمان عليهما إلا في النفحة بالرجل أو الذنب، فإنه جبار إلا إذا كان الراكب واقفا بغير ملكه فأمر رجلا فنخسها فنفحت برجلها فالضمان عليهما‏.‏ وإن كان بغير إذنه فالضمان على الناخس ولا كفارة عليه فيما نفحت برجلها قال عامة الشراح نفحت الدابة إذا ضربت بحافرها قال في النهاية ومثل هذا في الصحاح والمغرب واقتفى أثره صاحب الكفاية ومعراج الدراية أقول‏:‏ كون المذكور في الصحاح كذا ممنوع إذا لم يعتبر فيه كون الضرب بحد الحافر بل قال فيه ونفحت الناقة ضربت برجلها ثم أقول‏:‏ بقي إشكال في عبارة الكتاب وهو أن الذي يظهر مما ذكر في كتب اللغة ومما ذكره الشراح هاهنا أن لا تكون النفحة إلا بالرجل فيلزم أن لا يصح قوله ولا يضمن بالنفحة ما نفحت برجلها أو ذنبها؛ لأنه يقتضي أن تكون النفحة بالذنب أيضا بل يلزم أيضا استدراك قوله برجلها؛ لأن الضرب بالرجل كان داخلا في مفهوم النفحة لا يقال ذكر الرجل محمول على التأكيد وذكر الذنب على التحديد؛ لأنا نقول اعتبار التأكيد والتحديد معا بالنظر إلى كلمة واحدة في موضع واحد متعذر للتنافي بينهما كما لا يخفى على الفطن بل التأويل الصحيح أن تحمل النفحة المذكورة في عبارة الكتاب على مطلق الجمع بطريق عموم المجاز فيصح ذكر الرجل والذنب كليهما بلا إشكال فتأمل‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن أصابت بيدها أو رجلها حصاة أو نواة أو أثار غبارا أو حجرا صغيرا ففقأ عينا لم يضمن ولو كبيرا ضمن‏)‏؛ لأن التحرز عن الحجارة الصغار والغبار متعذر؛ لأن سير الدابة لا يخلو عنه وعن الكبار من الحجارة ممكن، وإنما يكون ذلك عادة من قلة هداية الراكب فيضمن‏.‏ وفي الذخيرة قيل لو عنف الدابة فأثارت حجرا صغيرا أو كبيرا يضمن وفي الظهيرية لو أوقف دابة في طريق المسلمين ولم يربطها فسارت إلى مكان آخر وأتلفت شيئا فلا ضمان على صاحبها كذا في الكبرى وكل بهيمة من سبع أو غيره فهو ضامن ما لم يتغير عن حاله، وإذا سار الرجل على دابته في الطريق فضربها وكبحها باللجام فضربت برجلها أو بذنبها لم يكن عليه شيء وفي السغناقي ومن هذا الجنس ما قالوا فيمن ساق دابة عليها وقر من الحنطة فأتلفت شيئا من الطريق نفسا أو مالا فهو على وجوه أما إن قال السائق أو القائد أو الراكب إليك، فإن سمع هذه المقالة ولم يذهب فهو على وجهين أما إن لم يبرح من مكانه مع القدرة على المكان أو لم يجد مكانا آخر ليذهب فمكث في مكانه ذلك حتى تخرق ثيابه ففي هذا الوجه الأول لا يضمن صاحب الدابة وفي الوجه الثاني يضمن، وإن لم يقل إليك ركب الدابة ضمن وفي الفتاوى رجل ساق حمارا عليه وقر حطب فقال السائق بالفارسية ‏(‏كوسيت أو يرثه‏)‏ فلم يسمع الواقف حتى أصابه الحطب فخرق ثوبه أو سمع لكن لم يتهيأ له أن يتنحى عن الطريق لقصر المدة ضمن، وإن سمع وتهيأ ولم ينتقل لا يضمن ونظير هذا من أقام حمارا على الطريق وعليه ثياب فجاء راكب وكر شلا وخرق الثياب إن كان الراكب يبصر الحمار وأرسون يضمن، وإن لم يبصر ينبغي أن لا يضمنوا الثياب على الطريق فجعل الناس يمرون عليه وهم لا يبصرون لا يضمن وكذا رجل جلس على الطريق فوقع عليه إنسان فلم يرده فمات الجالس لا يضمن ثم الذي ساق الحمار إذا كان لا ينادي يا رب أي لو شئت حتى تعلق الحطب بثوب رجل فتخرق يضمن إن مشى الحمار إلى صاحب الثوب‏.‏ وإن مشى إلى الحمار وهو يراه أو لم يتباعد عليه لا يضمن ولو وثب من نخسه على رجل فقتله أو وطئت رجلا فقتلته فالضمان على الناخس دون الراكب وفي الكافي فديته على عاقلة الناخس كذا في الذخيرة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن راثت أو بالت في الطريق لم يضمن ما عطب به إن أوقفها لذلك، وإن أوقفها لغيره ضمن‏)‏؛ لأن سير الدابة لا يخلو عن روث وبول فلا يمكنه التحرز عنه فلا يضمن ما تلف به فيما إذا راثت أو بالت وهي تسير وكذا إذا أوقفها لذلك؛ لأن من الدواب من لا يفعل ذلك إلا واقفا وهو المراد بقوله، وإن أوقفها لغيره فبالت أو راثت فعطب به إنسان ضمن؛ لأنه متعد في الإيقاف إذ هو ليس من ضروريات السير وهو أكثر ضررا أيضا من السير لكونه أدوم منه فلا يلحق به وهو المراد بقوله، وإن أوقفها لذلك، وإن أوقفها لغيره ضمن‏.‏

وفي المنتقى رجل واقف على دابته في الطريق فأمر رجلا أن ينخس دابته فنخسها فقتلت رجلا فدية الرجل الأجنبي على الناخس والراكب جميعا ودم الآمر بالنخس هدر ولو سارت عن موضعها ثم نفحت من فور النخس فالضمان على الناخس دون الراكب ولو لم تسر ونفحت الناخس ورجلا آخر وقتلهما فدية الأجنبي على الناخس والراكب ونصف دية الناخس على الراكب‏.‏ ولو لم يوقفها الراكب على الطريق ولكن حرنت فوقفت فنخسها هو وغيره لتسير فنفحت إنسانا فلا شيء عليهما وفيه أيضا رجل اكترى من آخر دابة ليذهب عليها في حاجة له فأتبعه صاحبها فله أن يسوقها، فإن وقف الراكب في الطريق على أهل مجلس فحرنت فنخسها صاحب الدابة أو ضربها أو ساقها فنفحت الدابة وهي واقفة فقتلت إنسانا فالضمان على الراكب والسائق جميعا وفيه أيضا صبي ركب دابة بأمر أبيه ثم إن الصبي الراكب أمر صبيا فنخسها فالقول فيه إذا كان مأذونا كالقول في الكبير، وإن كان لم يؤذن له في ذلك فأمر صبيا حتى نخسها فسارت ونفحت من النخسة فعلى الناخس الضمان ولا شيء على الراكب، وإن أمر بذلك ووطئت إنسانا فقتلته وكان سيرها من النخسة فالدية على عاقلة الناخس ولا يرجعون بذلك على عاقلة الراكب وفيه أيضا رجل ركب دابة رجل قد أوقفها ربها في الطريق وربطها وغاب فأمر رب الدابة رجلا حتى نخسها فنفحت رجلا أو نفحت الآمر فديته على الناخس، وإن كان الآمر أوقفها في الطريق ثم أمر رجلا حتى نخسها فقتلت رجلا فديته على الآمر والناخس نصفين رجل أذن رجلا أن يدخل داره وهو راكب فدخلها راكبا فوطئت دابته على شيء كان ضامنا له، وإن كان سائقا أو قائدا فلا ضمان أدخل بعيرا برحله فوقع عليه المتعلم فقتله فقد اختلف المشايخ فمنهم من قال لا ضمان على صاحب المتعلم وقال بعضهم إن أدخل صاحب المتعلم بغير إذن صاحب الدار فعليه الضمان، وإن كان دخلها بإذنه فلا ضمان وبه أخذ الفقيه أبو الليث وعليه الفتوى وفي فتاوى الخلاصة ولو كان البعير غير متعلم فحكمه حكم متعلم‏.‏

وفي الفتاوى ربط حماره في أرضه ليأكل علفا فجاء حمار رجل فعقره فجعله معيوبا عيبا فاحشا قال لا يرجع بنقصان العيب على صاحب الحمار قلت‏:‏ قال القاضي بديع الدين إن كان صاحبه معه يضمن وإلا فلا يضمن‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وما ضمنه الراكب ضمن السائق والقائد‏)‏ أي كل شيء يضمنه الراكب يضمنان؛ لأنهما سببان كالراكب في غير الإيطاء فيجب عليهما الضمان بالتعدي فيه كالراكب وقوله وما ضمنه الراكب ضمنه السائق والقائد يطرد وينعكس في الصحيح وذكر القدوري أن السائق يضمن النفحة بالرجل؛ لأنه بمرأى عينه فيمكنه الاحتراز عنها مع السير وغائبة عن بصر الراكب والقائد فلا يمكنهما الاحتراز عنها بخلاف الكدم والصدم وقال الشافعي رحمه الله يضمنون كلهم النفحة والحجة عليه ما ذكرنا وقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «الرجل جبار» ومعناه النفحة بالرجل‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وعلى الراكب الكفارة لا عليهما‏)‏ أي لا على السائق والقائد ومراده في الإيطاء؛ لأن الراكب مباشر فيه؛ لأن التلف بثقله وثقل دابته تبع، فإن سير الدابة مضاف إليه وهي العلة وهما مسببان؛ لأنه لا يتصل منهما شيء بالمحل وكذلك الراكب في غير الإيطاء والكفارة حكم المباشرة لا حكم التسبب وكذا يتعلق بالإيطاء في حق الراكب حرمان الميراث والوصية دون السائق والقائد؛ لأنه يختص بالمباشر ولو كان سائق وراكب قيل لا يضمن السائق ما فعلت الدابة لأن الراكب مباشر فيه كما ذكرنا والسائق مسبب والإضافة إلى المباشرة أولى وقيل الضمان عليهما؛ لأن كل ذلك سبب الضمان ألا ترى أن محمدا رحمه الله ذكر في الأصل أن الراكب إذا أمر إنسانا فنخس المأمور الدابة ووطئت إنسانا كان الضمان عليهما فاشتركا في الضمان والناخس سائق والآمر راكب فتبين بهذا أنهما مستويان والصحيح الأول لما ذكرنا والجواب عما ذكر في الأصل أن المسبب إنما يضمن مع المباشرة إذا كان السبب شيئا لا يعمل بانفراده في الإتلاف كالحفر مع الإلقاء، فإن الحفر لا يعمل شيئا بدون الإلقاء، وأما إذا كان السبب يعمل بانفراده في الإتلاف فيشتركان وهذا منه‏.‏ وفي الأصل يقول رجل قاد قطارا من الإبل في طريق المسلمين فما وطئ أول القطار وآخره مالا أو رجلا فقتله فالقائد ضامن ولا كفارة، وإن كان معه سائق يسوق الإبل إلا أنه تارة يتقدم وتارة يتأخر، فإنهما يشتركان في الضمان، وإن كان معهما ثالث يسوق الإبل وسط القطار فما أصاب مما خلف هذا الذي في وسط القطار أو مما قبله فضمان ذلك عليهم أثلاثا يريد به إذا كان هذا الذي يمشي في وسط القطار ولا يمشي في جانب من القطار ولا يأخذ بزمام بعير يقود ما خلفه؛ لأنه سائق لوسط القطار فيكون سائقا للكل بحكم اتصال الأزمة فأما إذا كان الذي في وسط القطار آخذا بزمام يقود ما خلفه ولا يسوق ما قبله فما أصاب مما خلف هذا الذي في هذا القطار فضمان ذلك على القائد الأول ولا شيء فيه على هذا الذي في وسط القطار؛ لأنه ليس بقائد لما قبله ولا سائق حتى لو كان سائقا له يشارك الأول في الضمان كذا في المغني وفي الينابيع، وإن كان السائق في وسط القطار فما أصاب من خلفه أو بين يديه فهو عليهما، وإن كانوا ثلاثة نفر أحدهم في مقدم القطار والآخر في مؤخر القطار والثالث في وسط القطار، فإن كان الذي في الوسط والمؤخر يسوقان والمقدم يقود القطار فما عطب بما أمام الذي في الوسط فذلك كله على القائد وما تلف مما هو خلفه فهو كله على القائد ولا شيء على المؤخر إلا أن يكون سائقا‏.‏ وإن كانوا يسوقون فالضمان عليهم جميعا السغناقي ولو كان الرجل راكبا وسط القطار على بعيره ولا يسوق منها شيئا لم يضمن ما تعيب الإبل التي بين يديه؛ لأنه ليس بسائق لما بين يديه وهو معهم في الضمان مما أصاب البعير الذي هو عليه أو ما خلفه وقال بعض المتأخرين هذا الذي ذكر إذا كان زمام ما خلفه بيده يقوده، وأما إذا كان نائما على بعيره أو قاعدا فلا ضمان عليه في ذلك فهو في حق ما خلفه بمنزلة المتاع الموضوع على البعير الظهيرية ولو أن رجلا يقود قطارا وآخر من خلف القطار يسوقه وعلى الإبل قوم في المحال نيام أو غير نيام فوطئ بعير منها إنسانا فقتله فالدية على عاقلة القائد والسائق والراكبين الذين قدام البعير على عواقلهم على عدد رءوسهم والكفارة على راكب البعير الذي وطئ خاصة؛ لأنه بمنزلة المباشر‏.‏

قال في المنتقى إذا قاد الرجل قطارا وخلفه سائق وأمامه راكب فوطئ الراكب إنسانا فالدية عليهم أثلاثا وكذلك إذا وطئ بعير مما خلف الراكب إنسانا، وإن كان وطئ بغير أمام فهو على القائد والسائق نصفين ولا شيء على الراكب وذكر في المنتقى مسألة القطار بعد هذا في صورة أخرى وأوجب الضمان على القائد وعلى من كان قدام البعير الذي أوطأ من الركبان قال وليس على من خلفه من الركبان شيء إلا أن يكون إنسانا مؤجرا ويسوق فيكون عليه وعلى السائق الذي خلفه يشتركون جميعا فيه الخانية‏.‏ رجل يقود دابة فسقط شيء مما يحمل على الإبل على إنسان أو سقط سرج الدابة أو لجامها على إنسان فقتله أو سقط ذلك في الطريق فعثر به إنسان ومات يضمن القائد، وإن كان معه سائق كان الضمان عليهما القاضي وسئل أيضا عن صاحب زرع سلم الحمار إلى المزارع فربط الدابة عليه وشد الحمار في الدالية بأمره فانقطع خيط من خيوطها فوقع الحمار في حفرة الدالية فعطب الحمار هل يجب الضمان على المزارع فقال لا قال محمد في الجامع الصغير رجل قاد قطارا في طريق المسلمين فجاء رجل بعد ببعير وربطه بالقطار ولم يعلم به فأصاب ذلك البعير إنسانا فضمانه على القائد دون الرابط، وإن كان كل منهما سببا للإتلاف فهل يرجع على عاقلة الرابط قال لا يرجع وإن لم يعلم ولم يفصل محمد في الجامع الصغير بين ما إذا ربط البعير بالقطار والقطار يسير‏.‏ وفي بعض كتب النوادر أن القطار إن كان لا يسير حالة الربط فقادها القائد بعد الربط لا يرجع القائد على عاقلة الرابط علم القائد بربطه أو لم يعلم، فإن كان القطار يسير حالة الربط فالقائد يرجع على عاقلة الرابط إذا لم يعلم بربطه‏.‏

وفي المنتقى، وإذا سار الرجل على دابة وخلفه رديف وخلف الدابة سائق وأمامها قائد فوطئت إنسانا فالدية عليهم أرباعا وعلى الراكب والرديف الكفارة، وإذا سار الرجل على دابته في الطريق فعثرت بحجر وضعه رجل أو بدكان بناه رجل أو بماء صبه رجل فوقعت على إنسان وأتلفته فالضمان على الذي وضع الحجر وبنى الدكان وصب الماء؛ لأنه مسبب الإتلاف وهو متعد في هذا السبب ولا ضمان على الراكب وفي الكفارة إذا أرسل كلبا أو دابة أو طيرا فأصاب في فوره شيئا ضمن في الدابة دون الكلب والطير وفي الصغرى الطحاوي وعن أبي يوسف أنه يضمن الكل كذا في الجامع الصغير‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو اصطدم فارسان أو ماشيان فماتا ضمن عاقلة كل دية الآخر‏)‏ وقال زفر والشافعي رحمه الله تعالى يجب على عاقلة كل واحد نصف دية الآخر وروي ذلك عن علي رضي الله عنه؛ لأن كل واحد منهما مات بفعله وفعل صاحبه فيعتبر نصفه ويهدر النصف كما إذا كان الاصطدام عمدا وجرح كل واحد منهما نفسه وصاحبه أو حفرا على قارعة الطريق بئرا فانهدم عليهما أو وقفا فيه يجب على كل واحد منهما النصف فكذا هذا ولنا أن قتل كل واحد منهما مضاف إلى فعل صاحبه؛ لأن فعله في نفسه مباح كالمشي في الطريق فلا يعتبر في حق الضمان بالنسبة إلى نفسه؛ لأنه مباح مطلقا في حق نفسه ولو اعتبر ذلك لوجب نصف الدية فيما إذا وقع في بئر في قارعة الطريق؛ لأنه لولا مشيه وثقله في نفسه لما هوى في البئر وفعل صاحبه، وإن كان مباحا لكنه مقيد بشرط السلامة في حق غيره فيكون سببا للضمان عند وجود التلف به وروي عن علي رضي الله عنه أنه أوجب كل الدية على عاقلة كل واحد منهما فتعارضت روايتان فرجحنا ما ذكرنا ويحتمل ما روي عنه أنه أوجب كل الدية على الخطأ توفيقا بينهما، وأما ما استشهدا به من الاصطدام وجرح كل منهما نفسه وصاحبه وحفر البئر في الطريق فعلى كل واحد محظور مطلقا فيعتبر في حق نفسه أيضا فيكون قاتلا لنفسه وهذا الحكم الذي ذكرناه في العمد والخطأ في الحرين ولو كانا عبدين هدر الدم؛ لأن المولى فيه غير مختار للفداء ولو كان أحدهما حرا والآخر عبدا يجب على عاقلة الحر قيمة العبد كلها في الخطأ ونصفها في العبد فيأخذها ورثة الحر المقتول ويبطل ما زاد عليه لعدم الخلف وهذا عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن قيمة العبد المقتول تجب على العاقلة على أصلهما؛ لأنه ضمان الآدمي‏.‏ وإذا تجاذب رجلان حبلا فانقطع الحبل فسقطا أو ماتا ينظر، فإن وقعا على القفا لا تجب لهما دية؛ لأن كل واحد منهما مات بقوة نفسه، وإن وقعا على الوجه وجب على عاقلة كل واحد منهما دية الآخر، وإن قطع إنسان الحبل بينهما فوقع كل واحد منهما على القفا فديتهما على عاقلة القاطع وكذا على هذا سائر الضمانات وقد قدمنا شيئا من هذا عند قوله ولو ضرب بطن امرأته فراجعه قال في النهاية وفي تقييد الفارسين في الكتاب بقوله، وإذا اصطدم الفارسان ليست زيادة فائدة، فإن الحكم في اصطدام الماشيين وموتهما بذلك كذلك ذكره في المبسوط سوى أن موت المصطدمين في الغالب إنما يكون في الفارسين‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال في العناية آخذا من النهاية حكم الماشيين حكم الفارسين لكن لما كان موت المصطدمين غالبا في الفارسين خصهما بالذكر‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال في معراج الدراية وكذا الحكم إذا اصطدم الماشيان والتقييد بالفارسين اتفاقي أو بحسب الغالب‏.‏ ا هـ‏.‏ وتبعه الشارح العيني أقول‏:‏ عجيب من هؤلاء الشراح مثل هذه التعسفات مع كون وجه التقييد بالفارسين بينا؛ لأن الباب الذي عرفته باب جناية البهيمة والجناية عليها ولا يخفى أن اصطدام الماشيين ليس من ذلك في شيء فكان خارجا عن مسائل هذا الباب رجل وجد في زرعه في الليل ثورين فظن أنهما لأهل القرية فبانا أنهما لغيرهم فأراد أن يدخلهما فدخل واحد وفر آخر فتبعه ولم يقدر عليه فجاء صاحبه يضمنه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل إن كان نيته عند الأخذ أن يمنعه من صاحبه يضمن وإن كان نيته أن يرد إلا أنه لم يقدر لم يضمن فقيل إن كان ذلك بالنهار قال إن كان لغير أهل القرية كان لقطة، فإن ترك الإشهاد مع القدرة عليه يضمن، وإن لم يجد شهودا يكون عذرا، وإن كان لأهل القرية فكما أخرجه يكون ضامنا وقال القاضي علي السغدي، وإن وجد في زرعه دابة فساقها بقدر ما يخرجها عن ملكه؛ لا يكون ضامنا، فإذا ساق وزاد وراء ذلك القدر يصير غاصبا بالسوق والصحيح ما قاله القاضي علي السغدي عبدان التقيا ومع كل واحد عصا فضربا وبرئا خير مولى كل واحد منهما بالآخر ولا يتراجعان بشيء سوى ذلك؛ لأن كل واحد منهما ملك عبده من صاحبه ولا يفيد التراجع؛ لأنه لو رجع أحدهما لرجع الآخر؛ لأن حق كل واحد منهما ثبت في رقبة كاملة فما يأخذ أحدهما من صاحبه فذاك بدل الآخر وتعلق به حقه فلا يفيد الرجوع، وإن اختار الفداء فدى كل واحد بجميع أرش جنايته لأنهما لما ضربا معا فقد جنى كل واحد منهما على عبد صحيح فتعلق حق كل واحد من الموليين بعبد صحيح فيجب بدل عبد صحيح، وإن سبق أحدهما بالضربة خير المولى مولى البادئ؛ لأن البداية من مولى اللاحق لا تفيد، لأن حق اللاحق في عبد صحيح كامل الرقبة، فإذا دفع إلى البادئ عبدا مشجوجا كان للاحق أن يسترد منه ثانيا؛ لأنه يقول عبدك شج عبدي وهو صحيح ودفعت إلي عبدك بدل تلك الشجة فيكون لي والبداية من مولى البادئ بالدفع مفيدة؛ لأن حق البادئ ثبت في عبد مشجوج فمتى دفعه مشجوجا لا يكون له أن يسترده فكان دفعه مفيدا‏.‏ فإن دفعه فالعبد للمدفوع إليه ولا شيء للدافع؛ لأنه لو رجع البادئ بشيء كان للمدفوع إليه أن يرجع عليه ثانيا؛ لأن حقه في رقبة عبد صحيح فلا يفيد رجوع البادئ، وإن فداه خير مولى اللاحق بين الدفع والفداء؛ لأنه ظهر عند البادئ عن الجناية بالفداء وصار كأنه لم يجن، وإن جنى عليه العبد اللاحق فإن مات البادئ كانت قيمته في عنق الثاني يدفع بها أو الفداء، فإن فداه بقيمة الميت رجع في تلك القيمة بأرش جراحته عبدا؛ لأن بالفداء أظهر عبدا للاحق عن الجناية وصار كأنه لم يجن، وإنما جنى عليه البادئ والبادئ وإن مات فالقيمة قامت مقامه؛ لأنه حق قائم مقامه، وإن دفعه رجع بأرش شجة عبده في عنقه ويخير المدفوع إليه بين الدفع والفداء؛ لأن المدفوع قام مقام الميت الشاج، وإن مات العبد القاتل خير مولى العبد البادئ، وإن فداه أو دفع بطل حقه في شجة عبده؛ لأنه حين شج اللاحق البادئ كان اللاحق مشجوجا فثبت حق مولى البادئ في عبد مشجوج فثبت حقه فيما وراء الشجة فمات لا إلى خلف لما مات العبد القاتل فبطل حق مولى البادئ في شجة عبده ولو مات البادئ من شيء آخر سوى الجناية وبقي اللاحق خير مولى البادئ ويقال له إن شئت فاعف عن مولى اللاحق ولا سبيل لواحد منهما على الآخر، وإن شئت ادفع أرش شجة اللاحق وطالبه بحقك وإن دفع إلى صاحبه أرش عبده يرجع بأرش جناية عبده فيدفع مولى اللاحق عبده بها أو يفديه أما المفهوم فلأن مولى البادئ بجنايته إذا دفع كان لمولى اللاحق أن يطالبه بأرش شجة عبده وكان لمولى البادئ أن يدفع إليه العبد المدفوع ثانيا إليه عن حقه فلا يفيده الدفع‏.‏ وإنما دفع أرش شجة اللاحق؛ لأنه متى دفع أرش عبد اللاحق فقد طهر البادئ عن الجناية وصار كأنه لم يجن، وإنما جنى عليه العبد اللاحق فيخاطب مولى اللاحق بالدفع والفداء وأي ذلك اختار لا يبقى لواحد منهما على صاحبه سبيل؛ لأنه وصل إلى كل واحد منهما حقه، وإن أبى مولى البادئ أن يدفع الأرش فلا شيء له في عتق الآخر، فإن مولى البادئ كان مخيرا بين العفو وبين دفع الأرش والمطالبة شجة لعبده، فإذا امتنع من دفع الأرش صار مختارا للعفو وصار كأنه قال عفوتك عن حقي فيبطل حقه ولو مات اللاحق وبقي البادئ خير مولاه، فإن دفعه بطل حقه، وإن فداه بأرش عبده وفي الفداء؛ لأن البادئ طاهر عن الجناية لعفو أحدهما عن جنايته نصف العبد ولا يزداد حقه فكذا هذا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو ساق دابة فوقع السرج على رجل فقتله ضمن‏)‏ يعني إذا ساق دابة ولها سرج فوقع السرج على رجل فقتله ضمن عاقلته الدية وقد قدمناها بفروعها‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن قاد قطارا فوطئ بعير إنسانا ضمن عاقلة القائد الدية‏)‏؛ لأن القائد عليه حفظ القطار كالسائق وقد أمكنه التحرز عنه فصار متعديا بالتقصير فيه والتسبب بلفظ التعدي سبب للضمان غير أن ضمان النفس على العاقلة وضمان المال عليه في ماله رجل له مزرعة فأكلها جمل غيره فأخذه وحبسه في الإصطبل ثم وجد الجمل مكسور الرجل كيف الحكم بينهما في ذلك فقال‏:‏ إن لم يكسر رجله في حبسه قالوا لا ضمان عليه‏.‏ وقد قالوا الضمان عليه ما لم يسلمه إلى صاحبه والرأي فيه إلى القاضي قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن كان معه سائق فعليهما‏)‏ أي إذا كان مع القائد سائق تجب على عاقلتهما الضمان لاستوائهما في التسبب؛ لأن قائد الواحد قائد الكل وكذا سائقه لاتصال اللازمة أما البعير الذي هو راكبه فهو ضامن لما أصابه فيجب عليه وعلى القائد غير ما أصابه بالإيطاء، فإن ذلك ضمانه على الراكب وحده؛ لأنه جعل فيه مباشرا حتى جرت عليه أحكام المباشرة على ما بيناه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن ربط بعيرا على قطار رجع على عاقلة القائد بدية ما تلف به على عاقلة الرابط‏)‏ أي إذا ربط رجل بعيرا على قطار والقائد لذلك القطار لا يعلم فوطئ البعير المربوط إنسانا فقتله فعلى عاقلة القائد ديته؛ لأنه يمكنه أن يصون قطاره عن ربط غيره به، فإذا ترك صيانته صار متعديا بالتقصير وهو متسبب وفيه الدية على العاقلة كما في قتل الخطأ ثم يرجعون بها على عاقلة الرابط؛ لأنه هو الذي أوقعهم فيه، وإنما لا يجب الضمان على القائد والرابط ابتداء مع أن كل واحد منهما متسبب؛ لأن القود بمنزلة المباشرة بالنسبة إلى الربط لاتصال التلف به دون الربط فيجب فيه الضمان وحده ثم يرجع به عليه قالوا هذا إذا ربط والقطار يسير؛ لأن الربط أمر بالقود دلالة، وإذا لم يعلم لا يمكنه التحفظ عنه ولكن جهله لا ينفي وجوب الضمان عليه لتحقق الإتلاف منه، وإنما ينفي الإثم فيكون قرار الضمان على الرابط‏.‏ وأما إذا ربط والإبل واقفة ضمنها عاقلة القائد ولا يرجعون على عاقلة الرابط بما لحقهم من الضمان؛ لأن القائد رضي بذلك والتلف قد اتصل بفعله فلا يرجع به وهو القياس فيما إذا لم يعلم؛ لأن الجهل لا ينافي التسبب ولا الضمان إلا أنا استحسنا الرجوع لما ذكرنا‏.‏

وفي الجامع الصغير رجل قاد قطارا في طريق المسلمين فجاء بعير آخر وربطه والقائد لا يعلم به أو علم فأصاب ذلك البعير إنسانا فضمانه على القائد دون الرابط، وإن كان كل واحد منهما متسببا للإتلاف وهل يرجع على عاقلة الرابط إن علم لا يرجع، وإن لم يعلم يرجع ولم يفصل محمد رحمه الله في الجامع الصغير بين ما إذا ربط البعير بالقطار والقطار يسير وفي بعض كتب النوادر، وإن كان القطار لا يسير حالة الربط فقادها القائد بعد الربط لا يرجع القائد على عاقلة الرابط علم القائد بربطه أو لم يعلم، وإن كان القطار يسير حالة الربط فالقائد يرجع على عاقلة الرابط إذا لم يعلم بربطه‏.‏

وفي المنتقى‏:‏ وإذا سار الرجل على دابته وخلفه رديف وخلف الدابة سائق وأمامها قائد فوطئت إنسانا فالدية عليهم أرباعا وعلى الراكب والرديف الكفارة، وإذا سار الرجل على دابته في الطريق فعثرت بحجر وضعه رجل أو قد كان بناه رجل أو بماء قد صبه رجل فوقعت على إنسان وأتلفته فالضمان على الذي وضع الحجر في المكان أو صب الماء؛ لأنه مسبب في هذا الإتلاف وهو متعد في هذا السبب ولا ضمان على الراكب قالوا ولو نخس الدابة رجل فوطئت إنسانا فالضمان عليهما إن وطئت في فور النخس؛ لأن الموت حصل بثقل الراكب وفعل الناخس فيكون مضافا إليهما أقول‏:‏ ولقائل أن يقول الراكب مباشر فيما أتلفت بالوطء لحصول التلف بثقله وثقل الدابة جميعا كما صرحوا به والناخس مسبب كما مر في الكتاب‏.‏ وإذا اجتمع المباشر والمسبب فالإضافة إلى المباشر أولى كما صرحوا به لا سيما في مسألة الراكب والسائق فما بالهم صرحوا هنا بإضافة الفعل إلى الراكب والناخس معا وحكموا بوجوب الدية عليهما جميعا فتدبره‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن أرسل بهيمة وكان سائقها فما أصابت في فورها ضمن‏)‏ يعني إذا أرسل إنسان بهيمة وساقها فكل شيء أصابته في فورها، فإنه يضمنه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن أرسل طيرا أو كلبا ولم يكن سائقا أو انفلتت دابته فأصابت مالا أو آدميا ليلا أو نهارا لا يضمن‏)‏ أي في هذه الصورة كلها أما الطير فلأن بدنه لا يحتمل السوق فصار وجود السوق وعدمه سواء فلا يضمن مطلقا بخلاف الدابة، فإن بدنها يحمل السوق فيعتبر فيها السوق ومن ثم قالوا ولو أرسل بازيا في الحرم فقتل لا يضمن المرسل، وأما الكلب فلأنه، وإن كان يحتمل السوق لكنه لم يوجد منه السوق حقيقة بأن يمشي خلفه ولا حكما بأن يصيب على فور الإرسال والتعدي يكون بالسوق فلا يضمن وهذا؛ لأن الأصل أن الفعل الاختياري يضاف إلى فعل صاحبه ولا يجوز إضافته إلى غيره؛ لأنا تركنا ذلك في فعل البهيمة إذا وجد منه السوق فأضفناه إليه استحسانا صيانة للأنفس والأموال، وإذا لم يوجد منه السوق بقي على الأصل ولا يجوز إضافته إليه لعدم الفعل منه مباشرة وتسببا بخلاف ما إذا أرسل الكلب على صيد حيث يؤكل ما أصابه‏.‏ وإن لم يكن سائقا له حقيقة ولا حكما؛ لأن الحاجة مست إلى الاصطياد به فأضيف إلى المرسل ما دام الكلب في تلك الجهة ولم يفتر عنها إذ لا طريق للاصطياد سواه وهذا؛ لأن الاصطياد به مشروع ولو شرط السوق لاستد بابه وهو مفتوح فأضيف إليه ولو غاب عن بصره مع الصيد ولا حاجة إليه في حق ضمان العدوان فبقي على الأصل فكان مضافا إلى الكلب؛ لأنه مختار في فعله ولا يصلح نائبا عن المرسل فلا يضاف فعله إلى غيره وقوله سائقا قيد في الكلب دون الطير وقيد في الدابة بالانفلات؛ لأنه لو أرسلها يضمن‏.‏

وفي المبسوط إذا أرسل دابة في طريق المسلمين فما أصابت في فورها فالمرسل ضامن؛ لأن سيرها مضاف إليه ما دامت تسير على سنتها ولو انعطفت عنه يمنة أو يسرة انقطع حكم الإرسال إلا إذا لم يكن له طريق آخر سواه وكذا إذا وقفت ثم سارت أي ينقطع حكم الإرسال بالوقفة أيضا كما ينقطع بالعطفة بخلاف ما إذا وقف الكلب بعد الإرسال في الاصطياد ثم سار فأخذ الصيد؛ لأن تلك الوقفة تحقق مقصود المرسل لتمكنه من الصيد وهذه تنافي مقصود المرسل؛ لأن مقصوده السير فينقطع به حكم الإرسال وبخلاف ما إذا أرسله إلى صيد فأصاب نفسا أو مالا في فوره حيث لا يضمن من أرسله وفي إرسال البهيمة في الطريق يضمن؛ لأنه شغل الطريق تعديا فيضمن ما تولد منه‏.‏ وأما الإرسال للاصطياد فمباح ولا ينسب بوصف التعدي كذا ذكره في النهاية وظاهره سواء كان سائقا لها أو لا وذكر قاضي خان ولو أن رجلا أرسل بهيمة وكان سائقا لها ضمن ما أصابت في فورها وكذا لو أرسل كلبه وكان سائقا له يضمن ما أتلف ولو لم يكن سائقا لا يضمن وكذا لو أشلى كلبه على رجل فعقره أو مزق ثيابه لا يضمن إلا أن يسوقه وقيل إذا أرسل كلبه وهو لا يمشي خلفه فعقر إنسانا أو أتلف غيره إن لم يكن معلما لا يضمن؛ لأن غير المعلم يذهب بطبع نفسه، وإن كان معلما ضمن إن مر على الوجه الذي أرسله؛ لأنه ذهب بإرسال صاحبه أما إذا أخذ يمنة أو يسرة فلا يضمن؛ لأنه مال عن سنن الإرسال إلا إذا كان خلفه ولو أشلى كلبه حتى عض رجلا لا يضمن كما لو أرسل بازيا وعن أبي يوسف يضمن سواء كان يسوقه أو يقوده أو لا يقوده ولا يسوقه كما لو أرسل البهيمة وعند محمد أنه إن كان سائقا أو قائدا يضمن وإلا فلا وبه أخذ الطحاوي والفقيه أبو الليث كان يفتي بقول أبي يوسف وفي الزيادات أشار إلى ذلك وعليه الفتوى‏.‏

وفي الخلاصة ولو كان لرجل كلب عقور يؤذي من مر به فلأهل البلد أن يقتلوه، وإن أتلف شيئا على صاحبه الضمان إن كان تقدم إليه قبل الإتلاف وإلا فلا شيء عليه كالحائط المائل ولو أن رجلا طرح رجلا قدام سبع فقتله السبع فليس على الطارح شيء إلا التعزير والحبس حتى يتوب‏.‏ وإنما قلنا بعدم الضمان في انفلات البهيمة لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «العجماء جبار» أي فعلها هدر وقال محمد المنفلتة وهذا صحيح ظاهر ولأن الفعل مقتصر عليها وغير مضاف إلى صاحبها لعدم ما يوجب النسبة إليه من الركوب وأخواته‏.‏

وفي الخانية رجل بعث غلاما صغيرا في حاجة نفسه بغير إذن أهل الصغير فرأى الغلام غلمانا صغارا يلعبون فانتهى إليهم وارتقى ومات ضمن الذي أرسله في حاجته ولو أن عبدا حمل صبيا على دابة فوقع الصبي منها ومات فدية الصبي تكون في عتق العبد يدفعه المولى أو يفديه، وإن كان العبد مع الصبي على الدابة فسارا عليها ووطئت الدابة إنسانا ومات فعلى عاقلة الصبي نصف الدية وفي عتق العبد نصفها ولو أن حرا كبيرا حمل عبدا صغيرا على دابة ومثله يضرب الدابة ويستمسك عليها ثم أمره أن يسير عليها فوطئ إنسانا فكذلك تكون في عنق العبد فيؤمر مولى العبد بالدفع أو الفداء ثم يرجع مولى العبد على الآمر؛ لأنه باستعمال عبد الغير يصير غاصبا، فإذا لحقه غرم يرجع بذلك على الغاصب‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وفي فقء عين شاة لقصاب ضمن النقصان‏)‏؛ لأن المقصود من الشاة اللحم فلا يعتبر فيها إلا النقصان‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وفي عين بدنة الجزار والحمار والفرس ربع القيمة‏)‏ وقال الشافعي رحمه الله ليس فيه إلا النقصان أيضا اعتبارا بالشاة ولنا ما روي أنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «قضى في عين الدابة بربع القيمة» قال في العناية فإن قيل يجوز أن يكون قضاء رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما يؤكل فالجواب أن الشيء الذي أوجب ذلك في غير المأكول من اللحم والركوب والزينة والجمال والعمل موجود في مأكول اللحم فيلحق به‏.‏ ا هـ‏.‏ ولأن فيها مقاصد سوى اللحم كالركوب والزينة واللحم والعمل فمن هذا الوجه يشبه الآدمي وقد تمسك بغيره كالأكل ومن هذا الوجه يشبه المأكولات فعلمنا بالشبهين بشبه الآدمي في إيجاب الربع وبالشبه الآخر في نفي النصف ولأنه إنما يمكن إقامة العمل فيها بأربعة أعين عيناها وعينا الفاعل لها فصارت كأنها ذات أعين أربع فيجب الربع بفوات أحدها، وإن فقأ عينها فصاحبها بالخيار إن شاء تركها على الفاقئ وضمنه القيمة، وإن شاء أمسكها وضمنه النقصان؛ لأن المعمول به النص وهو ورد في عين واحدة فيقتصر عليه وفي العناية، وإنما قال بدنة ليشمل البقر والإبل، فإن الحكم فيها واحد وهو ربع القيمة وفي العيني على الهداية وفي فقء عين بدنة الجزار بفتح الجيم وهو ما اتخذ للنحر يقع على الذكر والأنثى كذا في الطحاوي والجزر القطع وجزر الجزور نحرها والجزار هو الذي ينحر البقرة‏.‏ ا هـ‏.‏ والله أعلم

باب جناية المملوك والجناية عليه

لما فرغ رحمه الله من بيان حكم جناية المالك وهو الحر والجناية عليه شرع في بيان أحكام جناية المملوك وهو العبد وأخره لانحطاط رتبة العبد عن رتبة الحر كذا في الشروح أقول‏:‏ فيه شيء وهو أن لقائل أن يقول لما وقع الفراغ من بيان أحكام جناية الحر على الحر مطلقا بقي منه بيان حكم جناية الحر على العبد فالأظهر أن يقال لما فرغ من بيان جناية الحر على الحر شرع في بيان جناية المملوك والجناية عليه ولما كان فيه تعلق الملك بالمملوك ألبتة من جانب أخره لانحطاط رتبة المملوك عن المالك ثم قال صاحب العناية لا يقال العبد لا يكون أدنى منزلة من البهيمة فكيف أخر باب جنايته عن باب جناية البهيمة لأن جناية البهيمة كانت باعتبار الراكب أو السائق أو القائد وهم ملاك‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ فيه أيضا شيء إذ لقائل أن يقول إن أراد جناية البهيمة كانت باعتبار الراكب أو السائق أو القائد فهو ممنوع فإن جنايتها بطريق النفحة برجلها أو ذنبها وهي تسير لا يكون باعتبار أحد منهم وإلا لوجب عليهم الضمان في تلك الصورة وليس كذلك كما عرف في بابها وكذا الحال فيما إذا أصابت بيدها أو رجلها حصاة أو نواة أو أثارت غبارا أو حجرا صغيرا فقأ عين إنسان أو أفسد ثوبه وكذا إذا انفلتت فأصابت مالا أو آدميا ليلا أو نهارا كما عرف كل ذلك أيضا في بابها وإن أراد أن جنايتها قد تكون باعتبار أحد منهم فهو مسلم ولكن لا يتم به تمام التعرف ويمكن أن يقال الصور التي لا يجب فيها من فعل البهيمة ضمان على أحد بل يكون فعلها هدرا مما لا يترتب عليه حكم من أحكام الجناية في الشرع وإنما ذكرت في بابها استطرادا و بناء الكلام هنا على ما له حكم من الأحكام الشرعية فيتم التعريف قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏جناية المملوك لا توجب إلا دفعا واحدا أو محلا لها وإلا قيمة واحدة‏)‏ أي جناية العبد لا توجب إلا دفع رقبته إذا كان محلا للدفع إذا كان قنا وهو الذي لم ينعقد له شيء من أسباب الحرية كالتدبير وأمومية الولد والكتابة سواء كانت الجناية واحدة أو أكثر لا توجب إلا دفع رقبته إذا كانت الجناية في النفس موجبة للمال وإلا فقيمة واحدة إن لم يكن محلا للدفع بأن انعقد له شيء مما ذكرنا يوجب جنايته قيمة واحدة ولا يزيد عليها‏.‏ وإن تكررت الجناية وفي القن إذا جنى بعد الفداء تؤمر بالدفع أو الفداء بخلاف المدبر وأختيه فإنه لا يوجب إلا قيمة واحدة على ما بيناه في أثناء المسائل والكلام في جناية المدبر وأم الولد من وجوه الأول في جنايته على مولاه والثاني في سعايته والثالث في جناية المدبر والرابع في جناية المدبر في يد الغاصب ودية جناية المدبر نفسا وما دونها على مولاه الأقل من قيمته ومن أرش الجناية فإن كانت القيمة مثل الدية أو أكثر غرم مثل الدية إلا عشرة دراهم ويضمن قيمته يوم جنى وقيمة المدبر ثلثا قيمته كما تقدم وهو إذا جنى جنايات أو جناية واحدة لا توجب إلا قيمة واحدة ولو مات المدبر بعد الجناية بلا فصل ولم تنقص قيمته لم يسقط عن المولى شيء من قيمة العبد ولو قتل مدبر رجلا خطأ وقيمته ألف ثم صارت قيمته ألفين فقتل آخر خطأ فالألف درهم للثاني وتحاصا في القيمة الأولى وهي ألف درهم فلو دفع المولى القيمة للأول بغير قضاء غرم للثاني ألف درهم واتبع الأول في نصف القيمة وإن دفع بقضاء لا يغرم شيئا اتفاقا ولو قتل المدبر مولاه خطأ سعى في قيمته ولو جنى مدبر بعد موت المولى ولم يخرج من الثلث سعى في قيمته كالمكاتب إذا قتل مولاه خطأ سعى في قيمته‏.‏ وإن خرج من الثلث كانت على العاقلة اتفاقا ومدبر ذمي في ذلك كله كمدبر مسلم وكذا مدبر حربي مستأمن ما دام في دار الإسلام معه فلو دبره في دار الإسلام ثم رجع به إلى دار الحرب فسبي عتق المدبر ولا يغرم ما جنى بعد ما سبى ويعتق المدبر بموت المولى حكما كما يعتق بموته حقيقة ولو جنى الحر على المدبر فهو كما لو جنى الحر على القن فلو قتله فعلى عاقلته الدية ولو قطع يده فعليه نصف قيمته مدبر قتل رجلا خطأ فدفع المولى القيمة ثم قتل آخر خطأ فإن شاء الثاني تبع الأول بنصف القيمة وإن شاء أخذ من المولى نصف القيمة ويرجع به المولى على الأول عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما لا يغرم المولى شيئا مدبر حفر بئرا فمات فيها رجل فدفع المولى قيمته وهي ألف بقضاء ثم مات ولي الجناية وترك ألفا وعليه ألفان دينا لرجلين لكل ألف ووقع في البئر آخر فمات فالألف الذي تركه ولي الجناية الأولى يقسم بين الغرماء وبين ولي الجناية الثانية على خمسة أسهم للغرماء أربعة وله سهم لأنه لما وقع في البئر ظهر أن نصف قيمة المدبر وذلك خمسمائة دين لولي الجناية الثانية على ولي الجناية الأولى فظهر أن القيمة مشتركة بينهما تقسم على ما ذكرناه عبد لرجل شجه رجل موضحة ثم دبره ثم شجه موضحة أخرى ثم كاتبه ثم شجه موضحة ثالثة ثم أدى الكتابة فعتق ثم شجه موضحة رابعة فمات من ذلك فهاهنا حكم الشجاج وحكم النفس أما حكم الشجاج فالأولى يضمن الشاج نصف عشر قيمته وهو عبد صحيح‏.‏ وأما حكم الشجة الثالثة فإنه يضمن نصف عشر قيمته وهو مدبر مكاتب مشجوج شجتين وأما حكم الشجة الرابعة فإنه يضمن ثلث الدية ولا يضمن الأرش وأما حكم النفس فلا شيء على الشاج بسراية الشجة الأولى والثانية لأن سرايتهما منقطعة عن الجناية بالعتق والكتابة ويضمن للشجة الثالثة ثلث قيمته وهو مدبر مكاتب مشجوج بأربع شجات ولا يضمن ثلث الدية وإن مات حرا لأن ابتداء الشجة لاقى الكتابة وإنما يضمن ثلث قيمته لا ربعها لأن الجناية الأولى والثانية حكمهما واحد والشجة الرابعة لاقته وهو حر وموجبها الدية فبان بهذا واتضح أن النفس إنما تلفت معنى واعتبارا بثلاث جنايات ثلثها بالجناية الأولى وقد هدرت سرايتها وثلثها بالجناية الثالثة وسرايتها معتبرة فيضمن ثلث قيمته مشجوجا بأربع شجاج لأن ثلاث شجاج منها ضمنها مرة فلا يضمن مرة أخرى وما تلف بالشجة الرابعة يكون مضمونا على الشاج بالشجة الثالثة لأنه مات وهو منقوص بأربع شجات كذا في المحيط مع اختصار وفي الذخيرة أم الولد إذا جنت جناية خطأ فالجواب فيها كالجواب في المدبر على التفصيل المتقدم ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏جنى عبد خطأ دفعه بالجناية فيملكه أو فداه بأرشها‏)‏ أي إذا جنى العبد خطأ فمولاه بالخيار إن شاء دفعه إلى ولي الجناية فإن دفعه ملكه ولي الجناية وإن شاء فداه بأرشها‏.‏ وقوله خطأ يحترز به من العمد وهذا التقييد إنما يفيد إذا كانت الجناية على النفس لأنها إن كانت عمدا توجب القصاص وأما إذا كانت على الأطراف لا يفيد التقييد به إذ لا يجري القصاص فيها بين العبيد وبين الأحرار والعبيد وقال الشافعي رحمه الله جناية العبد تتعلق برقبته يباع فيها إلا أن يقضي المولى الأرش وثمرة الخلاف تظهر في اتباع الجاني عنده وعندنا لا يتبع لا في حالة الرق ولا بعد الحرية والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم فعن ابن عباس مثل مذهبنا وعن عمر وعلي مثل مذهبه له أن الأصل في موجب الجناية أن يجب على الجاني لأنه المتعدي قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏}‏ إلا أن العاقلة تتحمل عنه ولا عاقلة للعبد فيجب في ذمته كما في الذمي ويتعلق برقبته ويباع فيه كما في الجناية على المال ولنا أن المستحق بالجناية على النفوس نفس الجاني إذا أمكن إلا أن استحقاق النفس قد يكون بطريق الإتلاف عقوبة وقد يكون بطريق التملك والعبد من أهل أن يستحق نفسه بالطريقين فتصير نفسه مستحقة للمجني عليه صيانة عن الهدر إلا أن يختار المولى الفداء فيكون له ذلك لأنه ليس فيه إبطال حق المجني عليه بل مقصود المجني يحصل بذلك بخلاف إتلاف المال فإنه لا يستحق به نفس الجاني أبدا ولأن الأصل في موجب الجناية خطأ أن يتباعد عن الجاني لكونه معذورا ولكون الخطأ مرفوعا شرعا ويتعلق بأقرب الناس إليه تخفيفا عن المخطئ وتوقيا عن الإجحاف إلا أن عاقلة العبد مولاه لأن العبد يستنصر به وباعتبار النصرة تتحمل العاقلة حتى تجب الدية على أهل الديوان فيجب ضمان جنايته على المولى‏.‏ بخلاف الذمي فإنهم لا يتناصرون فيما بينهم فلا عاقلة لهم فيجب في ذمته صيانة عن الهدر وبخلاف الجناية على المال لأن العاقلة لا تعقل المال إلا أن المولى يخير بين الدفع والفداء لأنه واحد واختلف في الموجب الأصلي قال التمرتاشي الصحيح أن الأصل هو الدية أو الأرش لكن للمولى أن يختار الدفع وفي إثبات الخيرة نوع تخفيف في حقه كي لا يستأصل فيخير لأن التخيير مفيد وقال غيره الواجب الأصلي هو الدفع في الصحيح ولهذا يسقط الواجب بموت العبد الجاني قبل الاختيار لفوات محل الواجب وإن كان له حق النقل إلى الفداء كما في مال الزكاة عند أبي يوسف ومحمد فإن الواجب جزء من النصاب وله النقل إلى القيمة فكذا هذا بخلاف الجاني الحر في الخطأ حيث لا يبطل الموجب بموته لأنه لا يتعلق به الواجب استيفاء فصار كالعبد في صدقة الفطر وإذا اختار الدفع يلزمه حالا لأنه عين فلا يجوز التأجيل في الأعيان وإن كان مقدرا بغيره وهو المتلف ولهذا سمي فداء وأيهما اختار فعله فلا شيء لولي الجناية غيره أما الدفع فلأن حقه متعلق به فإذا خلى بينه وبين الرقبة سقط حق المطالبة عنه وأما الفداء فلأنه لا حق له إلا الأرش فإذا أوفاه حقه سلم العبد له وكذا إذا اختار أحدهما ولم يفعل أو فعل ولم يخيره قولا سقط حق المولى في الآخر لأن المقصود تعيين المحل حتى يتمكن من الاستيفاء‏.‏ والتعيين يحصل بالقول كما يحصل بالفعل بخلاف كفارة اليمين حيث لم تتعين إلا بالفعل لأن المقصود في حقوق الله تعالى الفعل والمحل تابع لضرورة وجوده ولا فرق بين أن يكون المولى قادرا على الأرش أو لم يكن قادرا عند أبي حنيفة رحمه الله لأنه اختار أصل حقهم فبطل حقهم في العبد لأن ولاية التعيين للمولى لا للأولياء وقالا لا يصح اختياره الفداء إذا كان مفلسا إلا برضا الأولياء لأن العبد صار حقا للأولياء حتى لا يضمنه المولى بالإتلاف فلا يملك إبطال حقهم إلا برضاهم أو بوصول البدل إليهم وهو الدية وإن لم يختر شيئا حتى مات العبد بطل حق المجني عليه لفوات محل حقه بخلاف ما إذا مات بعد اختياره الفداء حيث لم يبرأ المولى لتحول الحق من رقبة العبد إلى ذمة المولى قال في المحيط ولو جنى عبد على جماعة فدفع إليهم فكان مقسوما بينهم وإن شاء المولى أمسكه وغرم الجنايات لأن تعلق حق الأول لا يمنع تعلق حق الباقين وللمولى أن يفدي بعضهم ويدفع إلى بعض مقدار ما تعلق به حقه بخلاف ما لو قتل العبد رجلا خطأ وله وليان فاختار المولى الفداء لأحدهما أو الدفع إلى الآخر لم يكن له ذلك لأن ثمة الحق متحد يجب للمقتول أولا ثم ينتقل إلى الورثة بطريق الخلافة عنه وهذا موجب الجناية المتحدة وهنا الجنايات مختلفة وللمولى خيار الدفع أو الفداء فملك تعيين أحد الموجبين في كل جناية‏.‏ ولو قتل إنسانا وفقأ عين آخر وقطع يده دفع العبد لأن الاستحقاق بقدر الحق وحق المقتول في كل العبد وحق المفقوءة عينه في نصفه وكذلك المقطوع يده وكذلك إذا شج ثلاثة شجاجا مختلفة دفع إليهم وقسم بينهم بقدر جناياتهم ولو جنى العبد جنايات فغصبه إنسان وجنى في يد الغاصب جنايات فمات في يده فالقيمة تقسم بين أصحاب الجنايات كما تقسم الرقبة ولا خيار للمولى فيه لأن القسمة تعينت واجبا وهي أقل من أن يكون إمساكها مفيدا وإن كان الفداء أكثر من القيمة ولو قتل العبد الجاني عبدا لرجل آخر فخير مولى العبد بين الدفع والفداء فإن فداه بقيمة المقتول قسمت القيمة بين أولياء الجناية الأولى على قدر حقوقهم لأن القيمة قائمة مقامه ولو دفعه إلى مولى المقتول خير مولى المقتول في المدفوع بين الدفع والفداء فإن فداه بقيمة المقتول قسمت القيمة بين أولياء الجناية الأولى على قدر حقوقهم لأن الثاني قائم مقام الأول فكأنه هو ولو كان حيا قائما يخير المولى فكذا فيمن قام مقامه وكذا لو قطع عبد يد الجاني فدفع به خير مولى العبد المقطوع بين الدفع والفداء لأن العبد الثاني قائم مقام الأول وكان حق ولي المقتول متعلقا بجميع أجزائه فيظهر حقه في بدل الجزء ولو لم يظهر حقه في بدل الكل ولو اكتسب العبد الجاني أو ولدت الأمة الجانية لم يدفع الكسب والولد معها لأن الملك ثبت لمولى الجناية بالدفع لا قبله فكان الدفع تمليكا للعبد‏.‏ فإذا اقتصر الملك على حالة الدفع لم يظهر في حق الكسب والولد بخلاف الأرش فإنه بدل الجزء فكان حق الدفع متعلقا بذلك الجزء فيظهر استحقاق الأصل في حق البدل أمة قطعت يد رجل ثم ولدت فقتلها الولد خير المولى فإن شاء دفع الولد وإن شاء دفع فداه بالأقل من دية اليد ومن قيمة الأم لأن جناية المملوك على مملوك مولاه معتبرة إذا تعلق حق الغير به لأن الحق بمنزلة الحقيقة في حق إيجاب الضمان وقد تعلق بالأم حق المقطوعة يده فكانت جناية الولد عليها معتبرة قضاء لحق صاحب الحق‏.‏

وأما الجناية على أطراف العبد قال أبو حنيفة وكل شيء من الحر فيه الدية يجب في العبد القيمة وكل شيء من الحر فيه نصف الدية ففيه من العبد نصف القيمة إلا إذا كانت قيمته عشرة آلاف وأكثر ينقص عشرة أو خمسة ففي رواية المبسوط والجامع أنه يجب أرش مقدر فيما دون النفس وعندهما يقوم صحيحا ويقوم منقوصا بالجناية فيجب فضل ما بين القيمتين وهو رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة لهما أن ضمان أطراف العبيد ضمان أموال لأن أطراف العبيد معتبرة بالأموال لأنها خلقت حربا للنفس ولهذا لا يجب ضمانها على العاقلة وضمان الأموال مقدر بقدر النقصان وله أن الأطراف من جملة النفوس حقيقة لأن النفس مركبة من الأطراف وفي إتلافها إتلاف النفس وفي استكمالها كمال النفس لكن فيها معنى المالية باعتبار أنها خلقت لمانع النفس ومصالحها فيجب اعتبارها فلا يجوز إخلاء النفسية عن أطراف العبيد بالكلية‏.‏ وباعتبار النفسية فيها يجب أن يكون بدلا مقدرا كالأطراف وباعتبار معنى المالية فيها أوجبنا ضمانها على الجاني دون العاقلة لأن النص ورد بإيجاب الضمان على العاقلة في النفوس المطلقة ولم يوجد فأما تقرير الضمان بما هو ملحق بالنفوس ملائم للأصل ألا ترى أن ضمان عين البقر والفرس مقدر بربع قيمته فصار العبد أولى أن يكون مقدرا ولو قطع رجل يد عبد قيمته ألف ثم بعد القطع صارت قيمته ألفا كما كانت قبل القطع ثم قطع رجل آخر رجله من خلاف ثم مات منها ضمن الأول ستمائة وخمسة وعشرين والآخر سبعمائة وخمسين لأن الأول قطع يده وقيمته ألف فغرم خمسمائة لأن اليد من الآدمي نصفه وبقيت قيمة النصف الآخر خمسمائة وإذا زادت خمسمائة أخرى صارت ألفا فهذه الزيادات لا تعتبر في حق قاطع اليد لأنها لم تكن موجودة وقت القطع وإنما حدثت بعده فبقي في حق قاطع اليد قيمة الباقي خمسمائة ثم قاطع الرجل أتلف النصف الباقي وذلك مائتان وخمسون بقيت مائتان وخمسون تلفت بسراية جنايتهما فيجب على قاطع اليد نصف ذلك وذلك مائة وخمسة وعشرون وقاطع الرجل حين قطع رجله كانت قيمة العبد ألفا ضمن نصفه وهو خمسمائة وبقي خمسمائة في حقه وقد تلفت بسراية جنايتين فضمن نصفه وذلك مائتان وخمسون يضم ذلك إلى خمسمائة فتصير سبعمائة وخمسين ولو صار يساوي ألفين وهو أقطع فعلى قاطع الرجل ألف وخمسمائة لأن الزيادة في حق قاطع اليد غير معتبرة فصار وجودها وعدمها بمنزلة فعليه ستمائة وخمسة وعشرون كما وصفنا فأما قاطع الرجل بالقطع أتلف نصفه فضمن قيمته وهي ألف وألف تلف بسراية الجنايتين يغرم نصفه وهو خمسمائة فيضم خمسمائة إلى الألف فيكون ألفا وخمسمائة‏.‏ وفي النوازل روى الحسن في المجرد عن أبي حنيفة رحمه الله رجل قطع أذن عبد أو أنفه أو حلق لحيته فلم تنبت فعليه ما نقصه وروى محمد عن أبي حنيفة أن عليه للمولى قيمته تامة إن دفع إليه العبد وجه رواية الحسن أن الفائت من العبد معتبر من حيث المالية وبفوات الجمال تقل رغبات الناس فتنتقص المالية فيضمن النقصان وجه رواية محمد أن ما يجب بتفويته من الحر كمال الدية فيجب بتفويته من العبد كمال القيمة في اليدين والرجلين لأن دية أطراف العبد مقدرة لما بينا رجل فقأ عيني عبد ثم قطع آخر يده كان على الفاقئ ما نقصه وعلى القاطع نصف قيمته مفقوء العينين استحسانا والقياس أن لا شيء على الفاقئ على أصل أبي حنيفة لأن عنده ليس للمولى إمساك المفقوء وتضمين النقصان وإنما له كمال القيمة وتمليك الجثة منه وبالقطع الطارئ على المفقوء امتنع تضمين القيمة فيقدر إيجاب الضمان عليه وجه الاستحسان أن الجناية تقررت موجبة للضمان قبل القطع فلا يجوز تعطيل السبب عن الحكم وإهدار الجناية فيغرم النقصان صونا للذمة عن الهدر والبطلان وروى الحسن عن أبي حنيفة في عبد قتل رجلا عمدا وله وليان فعفا أحدهما ثم قتل آخر خطأ فاختار الدفع فإنه يدفع أرباعا ثلاثة أرباعه لولي الخطأ وربعه لولي العمد الذي لم يعف وهو قولهما وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة يدفع إليهما أثلاثا ثلثاه لصاحب الخطأ وثلث لصاحب العمد‏.‏ وقال زفر رحمه الله يدفع نصفه إلى ولي الخطأ وربعه إلى ولي العمد ويبقى ربعه للمولى ولزفر رحمه الله أن حق الوليين متعلق بالعين وبعفو أحدهما سقط حقه وانتقل حق الآخر إلى الرقبة أو الفداء في النصف وحق ولي الخطأ في الكل لأنه لا يشاركه غيره فيه وحق الولي بالعفو عاد إلى الربع فيكون الربع له بقي ثلاثة أرباعه بينهما على قدر حقهما وجه رواية الحسن أنه إذا عفا أحد وليي العمد ففي حق الآخر المزاحمة في الربع لأنه تعلق حق وليي الخطأ بالنصف لا بالكل فبقي حق غير الفاقئ فيه الربع فانتقل إلى الرقبة أو الفداء فيكون الباقي بينهما أرباعا وجه رواية أبي يوسف وهو الأصح أنه إذا عفا أحد وليي العمد بقي حق الآخر في النصف لأن حقهما قد تعلق بالكل لأن تعلق الأول لا يمنع تعلق الثانية إلا أن بالعفو فرغ نصف الرقبة عن حكم الجناية الأولى فبقي حق الأول متعلقا بالنصف وحق الثاني في الكل فيكون المدفوع بينهما أثلاثا هشام عن محمد قال مملوك قتل مملوكا لرجل خطأ ثم قتل أخا مولاه وليس لأخي مولاه وارث غيره فإنه يدفع نصف العبد كله إلى مولى العبد أو يفديه، والنصف الباقي للمولى لأن حق أخي المولى تعلق برقبة الجاني بعدما تعلق به حق المولى فتقع المزاحمة بينهما فيكون بينهما نصفين وإذا انتقل النصف إلى المولى بالإرث سقط بعد الوجوب لأن المولى لا يستوجب على عبده شيئا فبقي حق الأول في النصف فإن قتل أخا مولاه أولا ثم قتل مملوك رجل خطأ فإنه يدفع العبد كله إلى مولى العبد المقتول أو يفديه لأنه لما انتقل الحق إلى المولى بالإرث سقط عنه وإذا جنى على الثاني ولا يزاحمه الأول فقد تعلق حق ولي الجناية الثانية من غير مزاحمة‏.‏ وإن كان لأخي مولاه بنت وقد قتله العبد أولا فإنه يضمن ثلاثة أرباع العبد لمولى العبد المقتول وربعه للبنت لأن حق ولي الجناية الثانية تعلق بالنصف وتعلق حق الوارثين بالنصف إلا أنه سقط حق المولى عن الربع وبقي حق البنت في الربع فإن كانت الضربتان معا وليس له بنت فالعبد بينهما نصفان لأن الجنايتين افترقتا فلم تصادف إحداهما محلا فارغا قال أبو حنيفة رجل فقأ عيني عبد فمات العبد من غير الفقء فلا شيء على الفاقئ وإن لم يمت ولكنه قتله إنسان لزم الفاقئ النقصان لأن الضمان ضمان تفويت المالية والقتل تفويت المال والموت حكم المالية ولا يفوتها وقال محمد رحمه الله يضمن النقصان في الوجهين لأن الجناية تحققت في الحالين فانعقدت موجبة للضمان قال في الهداية والمولى عاقلته قال بعض الأفاضل ليس هذا مخالفا حيث لا تعقل العواقل عمدا ولا عبدا‏.‏ ا هـ‏.‏ وأجيب بأن المراد المولى كالعاقلة ا هـ‏.‏ قال في العناية لا يقضى على المولى بشيء حتى يبرأ المجني أو يتم أمره لأن القضاء قبله قضاء بالمجهول وهو لا يجوز وفي المنتقى إذا قتل العبد رجلا خطأ فقال المولى أفدي نصفه وأدفع نصفه فهذا اختيار منه للعبد وعليه دية كاملة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن فداه فجنى فهي كالأولى فإن جنى جنايتين دفعه بهما أفداه بأرشهما‏)‏ لأنه لما ظهر حكم الجناية الأولى بالفداء جعل كأنه لم يجن من قبل وهذه ابتداء جناية‏.‏ ولو جنى قبل أن تختار في الأولى شيئا أو جنى جنايتين دفع دفعة واحدة ولو جنايات قيل لمولاه إما أن تدفعه أو تفدية بأرش كل واحدة من الجنايات لأن تعلق الأولى برقبته لا يمنع تعلق الثانية بها كالمديون لأقوام أو لواحد ألا ترى أن ملك المولى لا يمنع تعلق الجناية فحق المجني عليه أولى أن لا يمنع بخلاف الرهن حيث لا يتعلق به حق غيره من الغرماء والفرق أن الرهن إيفاء واستيفاء حكما فصار كالاستيفاء حقيقة فأما الجناية فليس فيها إلا تعلق الحق لولي الأولى وذلك لا يمنع تعلق حق آخر به ثم إذا دفعه إليهم اقتسموه على قدر حقوقهم وحق كل واحد منهم أرش جنايته‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن أعتقه غير عالم بالجناية ضمن الأقل من قيمته ومن الأرش‏)‏ يعني لو أعتق الجاني ولم يعلم بها ضمن الأقل من القيمة ومن الأرش وإذا جرح العبد رجلا فاختار المولى الفداء ثم مات المجروح خير مرة أخرى عند محمد استحسانا وعند أبي يوسف عليه الدية ولا يخير قياسا وهي من المسائل التي رجع فيها أبو يوسف رحمه الله من الاستحسان إلى القياس ولو أعتقه وهو يعلم ثم مات المجروح كان مختارا للدية إن كان خطأ وجه القياس أنه اختار أرش الجراحة فيكون اختيارا لأرشها وما يحدث ويتولد عنها كالعفو عن الجراحة ويكون عفوا عنها وعما يحدث منها لأن السراية لا تنفك عن الجناية فيكون اختيار الأصل اختيارا للتبع المتولد منه ضرورة لأنه صار قاتلا بتلك الجراحة فظهر أنه اختار إمساك العبد بعد القتل وهو عالم بالقتل كما لو أعتق العبد بعد الجراحة وجه الاستحسان أن المولى إنما اختار إمساك العبد بمال قليل على حساب أن الجراحة لا تسري فبعد الموت لو لزمه لزمه حكم الاختيار بمال كثير وهو دية‏.‏ واختيار الإنسان إمساك العبد بمال قليل لا يكون اختيارا منه بأداء مال كثير لأنه غير راض به فلو لزمه تضرر به فوجب أن لا يلزمه حكم الاختيار بالدية بخلاف ما لو أعتقه بعد الجراحة ثم مات لأنه لم ينص على اختيار العبد بمال قليل بل اختار إمساك العبد مطلقا قتل عبد رجلا عمدا وله ولي واحد فطلب الفداء فاختار المولى الفداء عن نصف العبد يصير مختارا للفداء عن الكل لأن في التفريق ضررا عليه فلا يتمكن المولى من ذلك فصار مختارا للفداء عن الكل ضرورة وإن كان له وليان فاختار الفداء في نصيب أحدهما يصير مختارا للفداء في حق الآخر في عامة الروايات لأن المستحق لموجب الجناية هو الميت لأن الجناية وردت على حقه وأمكن إثبات الملك لموجب الجناية لأن بعد الموت تبقى التركة على حكم الملك ولهذا لا تنفذ وصاياه وتقضى منها ديونه فوقع الملك للميت أولا ثم انتقل إلى الوارث وكان المستحق لموجب الجناية هذا فيصير مختارا للفداء من الكل ضرورة وفي رواية كتاب الدر لا يصير مختارا لأن الملك في موجب الجناية يثبت للمولى ابتداء لأن الميت ليس بأهل للملك فكان المستحق للجناية اثنين فالتفريق لا يلحق بأحدهما ضررا لم يكن مستحقا عليه وفي قتل الخطأ لو كان الولي واحدا فاختار الفداء في النصف يكون اختيارا للفداء في حق الآخر ما دام العبد قائما لأن حقهما ثبت في العبد متفرقا مشتركا‏.‏ وإذا مات العبد قبل أن يدفع النصف إلى الآخر يصير مختارا للفداء لأن الحق ثبت للمقتول ولو صالح أحدهما على نصف العبد خير المولى والولي المدفوع إليه بين أن يدفعا نصف العبد إلى الثاني أو يفديا لأن الجناية انقلبت مالا والعبد في ملكهما فيعتبر بما لو جنى جناية خطأ والعبد ملكهما يخير بين الدفع والفداء فكذا هذا لأن العبد فرغ من نصف الجناية بالصلح وبقي مشغولا بالنصف فثبت لهما الخيار في النصف وإن صالح أحدهما عن جميع العبد قيل للشريك ادفع نصفه إلى أخيك أو أفده لأنه انتقل الملك إليه ونصفه مشغول بالجناية ولو قتلت أمة رجلا عمدا وله وليان فصالح المولى أحدهما على ولدها صار مختارا للفداء في نصيب الآخر فيفديه بنصف الدية وذكر في كتاب الدرر لا يصير مختارا للفداء ولو صالح أحدهما في ثلث الأمة كان الثاني له خيار أن يدفعه أو يفديه وفي الجامع والدرر لا يكون منه اختيار أوجه هذه الرواية أنه سوى بين الدفع والفداء في البعض وذلك لأن الملك يقع للميت أولا ثم ينتقل إلى الوارث لما بينا فكان ملك الميت أصلا وملك الوارث بناء عليه فيكون المستحق للجناية واحدا فاختيار الدفع والفداء في البعض يكون اختيارا في الكل لئلا يتفرق الملك على المستحق‏.‏ وجه رواية الصلح وهو الفرق بين الدفع والفداء أن الإنسان قد يضطر إلى أن يخرج بعض العبد عن ملكه لكي يعيد الزائل إلى ملكه في الثاني وإذا وجد ثمن فلا يكون اختيار دفع النصف اختيار دفع النصف الآخر دلالة فأما اختيار بعض الفداء يدل على اختيار إمساك الأمة في ملكه لرغبة لإمساكها المنافع تحصل له منها لا تحصل له من غيرها وتلك المنافع تحصل من كلها لا من بعضها فاختيار إمساك الأمة يدل على اختيار الفداء ضرورة اختيار الصلح أن يقول المولى اخترت الفداء أو الدلالة كما لو تصرف فيه بالبيع أو بالهبة أو بالصدقة أو بالعتق أو بالتدبير أو بالكتابة أو بعيب كفقء العين والجراحة وقطع اليد وأما في الرهن والإجارة والنكاح كما لو تزوج منه امرأة وكانت أمة فتزوجها فهذا لا يكون اختيارا في ظاهر الرواية وذكر الطحاوي أنه يصير مختارا ولو أن العبد مات قبل أن يختار المولى شيئا بطلت الجناية عمدا كانت أو خطأ ولا يؤخذ المولى بشيء فإن لم يمت ولكن قتله مولاه فإنه يصير مختارا للأرش فإن لم يقتله مولاه ولكن قتله أجنبي فإن كان عمدا بطلت الجناية وللمولى أن يقتص وإن كان خطأ يأخذ القيمة ثم يدفع تلك القيمة إلى أولياء الجناية حتى لو تصرف في تلك القيمة لا يصير مختارا للأرش وكذلك لو قتله عبد فخير الولي بين الدفع والفداء ويدفع إلى ولي الجناية ولو دفع العبد إلى مولى العبد المقتول قام مقامه لحما ودما كأنه هو فيخير المولى بالفداء حتى لو تصرف في العبد المدفوع بالبيع أو بالعتق أو نحوه فإنه يصير مختارا للفداء ولو لم يقتله عبد الأجنبي ولكنه قتله عبد آخر لمولاه فإنه يخير المولى بين الدفع والفداء بقيمة العبد المقتول فإن دفعه العبد إليه سلم لهم وإن اختار الفداء يفدى بقيمة العبد المقتول ولو قطع الأجنبي يد هذا وفقأ عينه أو جراحه فيخير العبد الأجنبي فإن دفع أو فداه بالأرش فإنه يقال لمولى العبد المفقوءة عينه ادفع عبدك هذا إلى ولي الجناية أو افده وقيد الضمان في العتق يكون للقتل خطأ لأنه لو كان عمدا فأعتق لا يلزمه شيء‏.‏ ولو كان العبد قتل رجلا عمدا ووجب القصاص فأعتقه مولاه فلا يلزم المولى شيء ولو كان للمقتول ولدان فعفا أحدهما بطل حقه وانقلب نصيب الآخر مالا فله أن يستسعى العبد في نصف قيمته ولا يجب على المولى نصف القيمة هذا إذا جنى فقط‏.‏

فلو جنى وأتلف مالا قال ولو كان العبد استهلك مالا فوجب عليه وقتل آخر خطأ فحضر أصحاب الديون وأولياء الجناية معا فإنه يخير المولى بين الدفع والفداء فإن ظهرت رقبة العبد عن الجناية فبعد ذلك يباع في الدين إلا إذا قضى السيد الدين وإن اختار الدفع دفعه إلى أولياء الجناية ثم يتبعونه في دينهم وإن حضر أصحاب الديون أولا فباع المولى العبد في دينهم بغير أمر القاضي فإنه ينظر إن كان عالما بالجناية صار مختارا للفداء وإن كان غير عالم بالجناية يلزمه الأقل من قيمته ومن الدين وإن كان الدفع للقاضي فإن كان القاضي غير عالم بالجناية فباع العبد في الدين لم تبطل الجناية وإن كان القاضي يعلم بالجناية فباعه في الدين بطلت الجناية وفي الذخيرة وفي الأصل إذا جنى جناية وخير المولى بين الدفع والفداء فاختار نصف العبد واختار الفداء في نصفه الآخر فهذه المسألة على وجوه أحدها أن يكون ولي الجناية واحدا بأن قتل العبد رجلا خطأ وله ولد واحد والقتل خطأ وفي هذا الوجه إذا اختار المولى الفداء في نصف العبد يصير مختارا للفداء في الكل لذلك‏.‏ وإذا اختار نصف العبد يصير مختارا لدفع الكل وهذا باتفاق الروايات والثاني أن يكون المقتول اثنين بأن قتل العبد رجلين خطأ ولكل أحد منهما ابن واختار المولى الفداء في أحدهما أو الدفع فإنه يبقى على اختياره في حق الآخر وهذا باتفاق الروايات أيضا الثالث إذا كان المقتول واحدا وله وليان فاختار المولى الفداء في حق الآخر ففي عامة الروايات يكون مختارا للفداء وفي كتاب الدرر لا يكون مختارا للفداء والأصل في هذه المسألة أن المولى متى أحدث في العبد تصرفا يعجزه عن الدفع وهو غير عالم بالجناية يصير مختارا وإذا أحدث تصرفا لا يعجزه عن الدفع لا يصير مختارا وإن كان عالما بالجناية فإذا ثبت هذا الأصل فنقول الإعتاق تصرف يعجزه عن الدفع لأن إعتاقه نافذ وبعد العتق لا يمكنه الدفع فإذا أعتق مع العلم بالجناية يكون مختارا للفداء ولو كانت أمة فوطئها فهذا ليس باختيار للفداء عند علمائنا الثلاثة وقال زفر رحمه الله يكون مختارا للفداء وكذلك إذا تزوجها لا يكون مختارا للفداء وفي الظهيرية إلا إذا أحبلها وفي التهذيب ولو كانت أمة فتزوجها لا يصير مختارا للفداء وكذلك إذا وطئها لا يكون مختارا للفداء إلا إذا كانت بكرا أو علقت وذكر في المنتقى عن أبي يوسف في مسألة الوطء ثلاث روايات قال في رواية الوطء لا يكون مختارا للفداء وإن كانت الجارية بكرا وهذه رواية هشام وفي رواية الحسن عن أبي مالك‏.‏ إن كان الوطء نقصها فهو اختيار للفداء وإن لم ينقصها فليس باختيار وبه كان يقول أبو حنيفة وعن أبي يوسف رواية أخرى إن الوطء اختيار للفداء على كل حال وفي الذخيرة وذكر في عتاق الأصل أنه يكون اختيارا للفداء فإن استخدمها لا يكون اختيارا للفداء وفي السغناقي حتى لو عطبت في الخدمة لا ضمان عليه وكذا لو كان عليه دين فاستخدمه المولى لم يضمن الفداء‏.‏

وفي السراجية المولى إذا أذن العبد الجاني في التجارة ولحقه دين لم يصيره مختارا للفداء وفيه أيضا عبد قتل حرا خطأ ثم قتله رجل آخر خطأ فأخذ المولى قيمته من قاتله لم يكن مختارا ويضمن مثلها لمولى الحر السغناقي ولو ضربه ضربا أثر فيه الضرب حتى صار مهزولا وقلت‏:‏ قيمته ببقاء أثر الضرب فهو مختار إذا كان عالما بالجناية وإذا ضربه وهو غير عالم بالجناية كان عليه الأقل من قيمته ومن أرش الجناية إلا أن يرضى ولي الدم أن يأخذه ناقصا ولا ضمان على المولى ولو ضرب المولى عينه فابيضت وهو غير عالم به ثم ذهب البياض لا يكون مختارا للفداء بل يدفع ويفدي ولو خوصم في حالة البياض فضمنه القاضي الدية ثم زال البياض فالقضاء نافذ فلا يرد وأطلق في العتق والضمان فشمل ما إذا أعتقه بإذن ولي المجني عليه أولا‏.‏ وفي نوادر ابن سماعة إذا أعتقه المولى بإذن ولي الجناية فهو اختيار للفداء وعليه الدية وفي الإملاء عن محمد رحمه الله أن إجازة بيع العبد بعد جنايته في يده ليس باختيار للفداء في قول أبي يوسف ومحمد ويقال للمشتري ادفع أو رد وفي التجريد وأطلق في العتق فشمل ما إذا أعتق أو أمر به قال ولو أمر المولى المجني عليه بإعتاقه فأعتقه صار المولى مختارا عبد بين رجلين جنى جنايتين فشهد أحد الموليين على صاحبه أنه أعتقه لم تجز شهادته عليه ولو بالغا حين شهد بهذا فعليه نصف الدية وعلى الآخر نصف القيمة وفيه رجل ورث عبدا أو اشتراه فجنى جناية وزعم المولى بعد جنايته أن الذي باعه إياه كان أعتقه قبل البيع أو إن أباه كان أعتقه فإنه مختار للفداء بهذا القول‏.‏

وفي الجامع الصغير إذا قال لعبده إذا قتلت فلانا أو أدميته أو شججته أو ضربته فأنت حر يصير مختارا للفداء وفي الكافي يكون على المولى دية القتيل عند علمائنا الثلاثة وفي الكافي وقال زفر لا يصير مختارا للفداء وعليه قيمة العبد قال الشيخ الإمام خواهر زاده هذا إذا علق العتق بضرب يوجب الضمان حتى يكون المولى يخير بين الدفع والفداء‏.‏ وأما إذا علق العتق بضرب يوجب القصاص بأن قال إن ضربت فلانا بالسيف فأنت حر فإنه لا يلزم المولى شيء لا القيمة ولا الفداء وفيه رجل أذن لعبده في التجارة فلحقه دين ألف درهم وقيمته ألف وجنى جناية فأعتقه المولى وهو لا يعلم فإن عليه قيمتين قتل العبد المرهون رجلا خطأ وقيمته مثل الدين فللمرتهن أن يفدي وليس له أن يدفع فإن قال لا أفدي كان للراهن أن يدفع بالجناية فإن أعتقه كان مختارا للفداء وفي الكافي ولو أقر مولى الجناية بعد العلم بالجناية أن العبد لهذا فهو اختيار للفداء عند زفر وعندنا لا يكون مختارا وفي السغناقي ولو أن عبدا في يد رجل جنى جناية فقال ولي الجناية هو عبدك وقال الرجل هو وديعة عندي لفلان أو عارية أو إجارة أو رهن فإن أقام على ذلك بينة أجزت الأمر فيه وإن لم يقم خوطب بالدفع أو الفداء وقال زفر مختار الدية بمجرد قوله إنه لفلان فإن فداه ثم قدم الغائب أخذه عبده بغير شيء وإن كان دفعه فالغائب بالخيار إن شاء أمضى ذلك وإن شاء أخذ العبد ودفع الأرش وفي المنتقى عبد قتل قتيلا وقامت عليه البينة بذلك ثم أقر المولى أنه قتل قتيلا آخر فإنه يؤمر بدفعه إليهما نصفين ثم يضمن نصف قيمته لصاحب البينة‏.‏ الحسن بن زياد عن أبي يوسف رجل أقر أن عبده قتل رجلا خطأ ثم أقر عليه أيضا برجل آخر أنه قتله خطأ يقال للمولى ادفع عبدك للأول خاصة أو افده فإن دفعه فلا شيء للآخر‏.‏ وإن فداه من الأول قيل له ادفع إلى الآخر نصيبه أو افده بنصف الدية وروى ابن مالك أنه يقال للمولى ادفعه إليهما نصفين فإن دفعه غرم الأول نصف قيمته وإن قال أنا أفديه من الآخر دفعه كله إلى الأول فإن قال أفديه من الأول دفع نصفه إلى الآخر وهو قول زفر وذكر العباس بن الوليد عنه أنه إذا دفع نصفه إلى الثاني فهو مختار الدية من الأول رجل في يديه عبد لا يدري أنه له أو لغيره لم يدع صاحب اليد أنه له ولم يسمع من العبد إقراره أنه عبد صاحب اليد إلا أنه يقر بأنه عبد فجنى هذا العبد جناية وثبت ذلك بالبينة أو بإقرار صاحب اليد ثم إن صاحب اليد أقر أنه عبد رجل وصدقه المقر له بذلك وكذبه في الجناية فإن كانت الجناية ببينة قيل للمقر له ادفع أو افده وإن كانت الجناية بإقرار الذي كان العبد في يده أخذ المقر له العبد بطلت الجناية ولم يكن على المقر من الجناية شيء وفيه أيضا عبد قطع يد رجل خطأ فبرأت فدفعه مولاه بجنايته ثم انتقض الجرح فمات منه قال يدفع قيمة عبده وفي العيون الحسن بن زياد عن أبي حنيفة في عبد قطع أصبع رجل خطأ ففداه المولى بألف ثم مات المقطوع أصبعه كان ذلك الفداء باطلا وكان عليه تمام الدية إن كان الفداء بغير قضاء القاضي وصار بمنزلة من أعتق وهو يعلم وفي الكافي رجل قطع يد رجل عمدا فصالح المقطوعة يده على عبد ودفع إليه فأعتقه المقطوع يده ثم مات من ذلك فالعبد صلح بالجناية وإن لم يعتقه رد على مولاه‏.‏ وقيل للأولياء إما أن تقتلوه وإما أن تعفوا وفي النوادر عبد جنى فأقر ابن السيد أنه حر فمات السيد فورثه هذا الابن فهو حر وعلى الابن الدية جارية جنت وهي حامل فأعتق السيد ما في بطنها وهو يعلم بالجناية صار مختارا قبل أن تضع ولو لم يكن عالما بالجناية فإن حضر الطالب قبل الوضع خير إن شاء ضمن المولى قيمتها حاملا وإن شاء أخذها حاملا بجنايتها وكان ولدها حرا وإن حضر بعد ما ولدت خير المولى إن شاء دفع وإن شاء فدى ولا سبيل على الولد وفي نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف إذا أعتق الرجل ما في بطن جاريته ثم جنت جناية فدفعها بالجناية جاز وفي العيون أيضا باع جارية فولدت عند المشتري لأقل من ستة أشهر فجنى على الولد ثم ادعاه البائع وهو يعلم بالجناية فعليه الدية لأصحاب الجناية في قول أبي يوسف وقال زفر رحمه الله تعالى عليه القيمة دون الدية والفتوى على قول أبي يوسف وفيه أيضا جارية بين رجلين فولدت ولدها فإن ادعاه أحدهما وهو عالم بالجناية قال أبو يوسف الدية عليه وإن لم يعلم قال زفر إذا علم فعليه نصف القيمة وفي العيون جارية بين رجلين جاءت بولد فجنى الولد جناية فادعاه أحدهما فإن علم بالجناية فعليه نصف الدية وإن لم يعلم فعليه نصف القيمة وهذا قول زفر‏.‏ وقال أبو يوسف عليه نصف الدية علم أو لم يعلم قال لعبديه أحدكما حر ثم جنى أحدهما ثم صرف المولى العتق إليه قال أبو يوسف إن علم بالجناية فعليه الدية وقال زفر عليه القيمة وفي الظهيرية ولو جنى كل واحد منهما بعد الإيجاب ثم بين العتق في أحدهما عتق ولزمه الأقل من قيمته ومن الدية وبقي الآخر ملكا له يقال ادفعه أو افده بالدية ولا يصير مختارا للفداء ولكن لو كانت جناية أحدهما قطع يد رجل وجناية الآخر قتل نفس لا يختلف الجواب وفي التجريد قال أبو يوسف إذا غصب رجل عبدا فقتل عنده قتيلا خطأ ورده على مولاه فقتل عنده قتيلا ودفعه المولى بالجنايتين رجع الولي على الغاصب بنصف القيمة ودفع إلى ولي الجناية الأولى ثم يرجع به على الغاصب فيسلم له وقال محمد وزفر يأخذ نصف القيمة فيسلم له ولا يدفعها إلى ولي الجناية عبد جنى فأوصى المولى بعتقه في مرضه فأعتقه الوارث أو الوصي فإن الوصي عالما بالجناية فعليه الدية قدر قيمته من جميع المال والزيادة من الثلث وإن لم يكن عالما بها تجب القيمة في مال الميت في قول زفر ولم يذكر أن الذي أعتق هل يضمن وماذا يضمن وقال أبو يوسف إن علم الذي أعتقه بالجناية فعليه الدية قال الفقيه أبو الليث أن يكون هذا قول أبي يوسف الأول‏.‏ أما على قياس قوله الآخر ينبغي أن يكون قوله مثل قول زفر كما قال في آخر كتاب البيوع لو اشترى عبدا ولم ينقد الثمن حتى وكل وكيلا بعتقه فأعتقه الوكيل لا ضمان على الوكيل في قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد وهكذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله هذا إذا كانت الوصية بالعتق بعد ما جنى أما إذا أوصى بعتقه قبل الجناية ثم جنى فمات الموصي فأعتقه الوصي وهو يعلم بالجناية فهو ضامن للجناية وإن لم يعلم فهو ضامن القيمة ولا يرجع على الورثة إذا وكل رجلين بعتق عبده ثم إن العبد جنى جناية ثم أعتقه الوكيل وهو يعلم بالجناية فالمولى ضامن لقيمة العبد إن لم يكن عالما بالجناية وفي المنتقى وفي نوادر ابن سماعة عن محمد إذا أوصى بعتق عبده ثم مات وقد كان أوصى إلى رجل فجنى العبد جناية بعد موت الموصي ثم أعتقه الوصي وهو يعلم بالجناية فهو مختار الدية في ماله وإن لم يعلم فعليه القيمة وفي الظهيرية ولو قال لعبديه وقيمة كل واحد منهما ألف أحدكما حر ثم قتل أحدهما إنسانا خطأ ثم مات المولى قبل البيان وهو عالم بالجناية عتق من كل واحد منهما نصفه ويسعى في نصف قيمته ويجب على المولى قيمة العبد الجاني فيستوفى من جميع تركته ولا يصير مختارا للفداء بالموت من غير بيان واحد من العبدين وفي التجريد ولو قتل العبد المغصوب في يد الغاصب ومات وقد كان جنى قبل الغصب جنايات فالقيمة لأصحاب الجنايات ولا خيار للمولى في ذلك‏.‏ ولا يجوز إقرار العبد المأذون والمحجور عليه بالجناية ولا يسعى بعد العتق ولو أقر بعد العتق أنه كان جنى في حالة الرق لم يلزمه شيء ولو قتل العبد قتيلا خطأ ثم قطعت يد العبد ثم آخر خطأ فأرش يده يسلم لأولياء الجناية الأولى ثم يدفعه العبد فيكون بين ولي الجنايتين ولو اختلف المولى وولي الجناية فادعى المولى أن القتل كان قبل الجناية وادعى ولي الجناية أنه كان بعدها فالقول قول الولي ولو شج إنسانا موضحة وقيمته ألف ثم قال قتل آخر وقيمته ألفان فإن المولى يدفع بينهما على أحد وعشرين سهما لصاحب الموضحة سهم وعشرون لولي القتيل وكذلك لو كان عمي بعد القتل قبل الشجة وما يحدث من الزيادة والنقصان فهو على الشركة وفي العيون إذا أوصى بعتق عبد له فجنى العبد جناية أرشها درهم فقالت الورثة بعد موت الموصي لا نفدي فلهم ذلك فإذا تركوا الفداء يدفع بالجناية وتبطل بالوصية إلا أن يؤدي العبد من غير ما اكتسبه بأن يقول للإنسان أد عني درهما ففعل يصح ويصير ذلك الدرهم دينا على العبد يطالب به إذا عتق‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو عالما بها لزمه الأرش كبيعه وتعليق عتقه بقتل فلان ورميه وشجه إن فعل ذلك‏)‏ يعني لو أعتق عبده عالما بالجناية صار مختارا للفداء بهذا العتق لأن الإعتاق يمنع من الدفع فالإقدام عليه اختيار فإذا أعتقه وهو يعلم بالجناية صار مختارا للفداء لما قلنا وهو المراد بقوله كبيعه يعني لو باعه عالما بالجناية وعلى هذين الوجهين الهبة والتدبير والاستيلاد لأن كل واحد منهما يمنع من الدفع لزوال الملك والتمليك به بخلاف الإقرار لغيره بالعبد الجاني على رواية الأصل لأنه لا يسقط به حق ولي الجناية فإن المقر له يخاطب بالدفع إليه‏.‏ وليس فيه نقل الملك لأن الإقرار ليس بتمليك من جهة المقر وإنما إظهار الحق فيحتمل أن يكون صادقا بذلك فإذا لم يصر مختارا لا يلزمه الفداء وتندفع الخصومة عنه إن أقام بينة أنه للمقر له وإن لم تقم فيقال له إما أن تفديه أو تدفعه فإن فداه صار متطوعا بالفداء حتى لا يرجع به على المقر له إذا حضر وصدقه أنه له وإن دفعه كان المقر له بالخيار إذا حضر إن شاء أجاز دفعه وإن شاء فداه ولا فرق في هذا المعنى بين أن تكون الجناية في نفس أو في الأطراف لأن الكل موجب للفداء فلا يختلف وكذا لا فرق في البيع بين أن يكون بتا وبين أن يكون فيه خيار المشتري لأن الكل يزيل الملك بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع ثم نقضه أو العرض على البيع لأن الملك لم يزل به ولا يقال المشتري بالخيار إذا باع بشرط الخيار له يصير مختارا للإجازة به فوجب هنا أن يكون مختارا للفداء لأنا نقول لو لم يكن المشتري مختارا للزم منه ملك غيره وهنا لا يلزم ولأنه يلزم في البيع بيع الغرر وهنا لا يلزم ولو باعه بيعا فاسدا لم يصر مختارا للفداء حتى يسلمه لأن الملك لا يزول إلا به بخلاف الكتابة الفاسدة حيث يكون مختارا للفداء بها لأن حكم الكتابة تعلق العتق بأداء المال وفك الحجر عن العبد في الحال وهو ثابت بنفس الكتابة ولا كذلك البيع الفاسد لأن حكمه وهو الملك لا يثبت إلا بالقبض ولو كانت الكتابة صحيحة ثم عجز كان له أن يدفعه بالجناية‏.‏ فإن كان ذلك قبل أن يقضي عليه بالقيمة وبعدها لا يدفعه لتقرر القيمة بالقضاء ولو باعه من المجني عليه كان مختارا للفداء بخلاف ما إذا وهبه منه لأن المستحق له أخذه بغير عوض وهو متحقق في الهبة دون البيع وإعتاق المجني عليه بأمر المولى بمنزلة إعتاق المولى فيما ذكرنا لأن فعل المأمور به ينتقل إلى الآمر ولو ضربه فنقصه كان مختارا بعد العلم لأنه جنس جزء منه فإن أزال النقصان قبل القضاء بالقيمة كان له أن يدفعه بها لزوال المانع من الدفع قبل استقرار القيمة ويصير مختارا بالإجارة والرهن في رواية كتاب الإعتاق لأنهما لازمان فيكون محدثا فيه ما يعجز عن الدفع والأظهر أنه لا يصير مختارا بهما للفداء لأنه لم يعجزه عن الدفع لأن له أن يفسخ الإجارة والرهن لحق المجني لتعلق حقه بعين العبد سابقا على حقهما فيفسخان صونا لحقه عن البطلان وكذا لا يصير مختارا بالإذن في التجارة وإن ركبه دين لأن الإذن لا يفوت الدفع ولا ينقص الرقبة إلا أن لمولى الجناية أن يمتنع من القبول لأن الدين لحقه من جهة المولى بعد ما تعلق به حقه فلزم المولى قيمته ولو جنى جنايتين فعلم بأحدهما دون الأخرى وتصرف به تصرفا يصير به تصرفا مختارا للفداء فيما علم وفيما لا يعلم يلزمه حصته من قيمة العبد‏.‏ وقوله كبيعه وتعليق عتقه بقتل فلان أو رميه وشجه إن فعل ذلك أي يصير مختارا ببيعه بعد العلم بها وبتعليق عتقه بما ذكرنا من القتل والرمي والشج يصير مختارا كما يصير مختارا بالإعتاق بعد الإعلام بها وإنما يصير مختارا بالتعليق عند علمائنا الثلاثة وقال زفر لا يصير مختارا كما لا يصير مختارا بالإعتاق بعد الإعلام بها وإنما يصير مختارا بما ذكرنا لأن أوان تكلمه به لا جناية من العبد ولا علم للمولى بما سيوجد بعد وبعد الجناية لم يوجد منه فعل يصير به مختارا ألا ترى أنه لو علق الطلاق أو العتاق بالشرط ثم حلف أن لا يطلق أو لا يعتق ثم وجد الشرط وثبت العتق والطلاق لا يحنث بذلك في يمينه فكذا هذا ولنا أنه علق الإعتاق بالجناية والمعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز عنده فصار كما إذا أعتقه بعد الجناية ألا ترى أن من قال لامرأته إذا دخلت الدار فوالله لا أقربك أربعة أشهر يصير ابتداء الإيلاء من وقت الدخول وكذا إن قال لها إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا ومات من ذلك يصير فارا لأنه يصير مطلقا بعد الدخول ووجود المرض بخلاف ما أورده لأن غرضه طلاق أو عتاق يمكنه الامتناع عنه فلا يدخل تحته ما لا يمكنه الامتناع عنه ولأنه حرصه على مباشرة الشرط بتعليق أقوى الدواعي إلى القتل والظاهر أنه يفعله وهذا دلالة الاختيار هذا إذا علقه بجناية توجب المال كالخطأ وشبه العمد وإن علقه بجناية توجب القصاص بأن قال له إن ضربته بالسيف فأنت حر فلا يجب على المولى شيء بالاتفاق لأنه لا فرق بين العبد والحر في القصاص فلم يكن المولى مفوتا حق ولي الجناية بالعتق وبكل قتل تجب الكفارة فيه يصير المولى مختارا كالقتل بالمباشرة وإن لم تجب الكفارة فيه لا يصير مختارا وهو القتل تسببا كما لو وقع في بئر حفرها المولى لأن القتل تسببا ليس بقتل حقيقة لأن القتل فعل في الحر ويؤثر في إزهاق الروح والتسبب ليس بفعل في الحر لأنه لم يوصل إلا إلى الدية ولهذا لم يجب القصاص ولا يحرم الإرث فلم يصر متملكا للعبد وبالقتل مباشرة صار مستدعيا للعمد في كل موضع صار متلفا للعبد يضمن الفداء لما بينا‏.‏ ولو أخبره عبده بالجناية فأعتقه المولى وقال لم أصدقه فعند أبي حنيفة رحمه الله لا يضمن ما لم يخبره رجل حر عدل وعندهما يضمن الدية وإن كان المخبر فاسقا أو كافرا وقد مرت في الوكالة والشفعة ولو به لغيره فهو على قسمين إما أن أقر بالجناية أولا ثم بالملك أو على عكسه وكل قسم لا يخلو إما أن يكون الملك في العبد معروفا للمقر أو كان مجهولا أما القسم الأول لو أقر بالجناية ثم بالملك لغيره والملك في العبد معروف للمقر فإن صدقه المقر له في الملك والجناية جميعا يقال للمقر له ادفع العبد أو افده لأنه صح الإقرار لأن حق المجني عليه لا يمنع نفوذ تصرف المولى لأن حقه في الدافع أو الفداء وهو باق بعد الإقرار والثابت بالإقرار كالثابت بالبينة العادلة ومتى ظهر الملك للمقر له بالإقرار ظهر أن الجناية صدرت من ملكه وإن كان كذبه فيها لا يكون المقر مختارا للفداء خلافا لزفر له أن صحة الإقرار لا تتوقف على تصديق المقر له ولهذا لو مات المقر قبل التصديق يصير المقر به ميراثا لورثته فقد زال العبد عن ملكه بنفس الإقرار وهو عالم بالجناية فيصير مختارا ولنا أن صحة الإقرار لا توجب على التصديق والبطلان يتوقف على التكذيب وإذا اتصل به التكذيب بطل من الأصل فلو صدقه في الملك وكذبه في الجناية صار المقر مختارا للفداء لأن الإقرار بالجناية على العبد صادف ملكه في العبد فصح‏.‏ ثم إذا أقر بالملك لغيره وصدقه المقر له صار مزيلا للعبد عن ملكه فصار كما لو باعه أو وهبه وأما القسم الثاني لو أقر بالملك أولا ثم بالجناية إن صدقه فيهما فالخصم هو المقر له وإن كذبه فيهما فالخصم هو المقر وإن صدقه في الملك وكذبه في الجناية هدرت الجناية لأنه لما صدقه المقر في الملك ظهر أن إقراره بجناية العبد صادق فلا يصح إقراره بالجناية متى كذبه المقر له فلم تثبت الجناية وكذلك إن كان العبد مجهولا لا يدري أنه للمقر أم لغيره فأقر بالجناية أولا ثم بالملك أو بالملك أولا ثم بالجناية لأن الملك ثابت للمقر بظاهر اليد لا يستند إلى دليل والملك الثابت بظاهر اليد لا يصلح حجة للاستحقاق واختيار الفداء فلم يصر مختارا للفداء بخلاف ما لو كان الملك له معروفا لأن ملكه ثابت مستند إلى دليل سوى ظاهر اليد فصلح حجة لإثبات ما لم يكن ولو قال كنت بعته من فلان قبل الجناية وصدقه فلان يخير المشتري بين الدفع والفداء لأنه ثبت الملك بتصادقهما‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏عبد قطع يد حر عمدا ودفع إليه فحرره فمات من اليد فالعبد صلح بالجناية وإن لم يحرره رد على سيده ويقاد‏)‏ لأنه إذا لم يعتقه وسرى ظهر أن الصلح كان باطلا لأن الصلح وقع على المال وهو لعبد عن دية اليد لأن القصاص لا يجري بين الحر والعبد في الأطراف وبالسراية ظهر أن دية اليد غير واجبة وأن الواجب هو القود فصار الصلح باطلا لأن الصلح لا بد له من مصالح عنه‏.‏ والمصالح عنه المال ولم يوجد فبطل الصلح والباطل لا يورث شبهة كما لو وطئ مطلقته ثلاثا في عدتها مع العلم بحرمتها عليه فإنه لا يصير شبهة في درء الحد فكذا هذا فوجب القصاص أقول‏:‏ فيه بحث وهو أنه إذا أراد أن البطلان لا يورث الشبهة فيما إذا علم بطلانه كما هو الظاهر مما ذكره في نظيره حيث قال فيه مع العلم بحرمتها عليه فهو مسلم لكن لا يجدي نفعا هاهنا لأن الدافع لم يعلم أن القطع يسري فيكون موجبه القود بل ظن أن لا يسري وكان موجبه المال وإن أراد أن الباطل لا يورث الشبهة وإن لم يعلم بطلانه فهو ممنوع ألا ترى أنه إذا وطئ المطلقة ثلاثا في عدتها ولم يعلم بحرمتها عليه بل ظن أنها تحل له فإنه يورث الشبهة فيدرأ الحد كما صرحوا به في كتاب الحدود ويفهم أيضا هاهنا من قوله مع العلم بحرمتها عليه وأما إذا أعتقه فقد قصد صحة الإعتاق ضرورة لأن العاقل يقصد تصحيح تصرفه ولا صحة له إلا بالصلح عن الجناية وما يحدث منها ابتداء ولهذا لو نص عليه ورضي به جاز فكان مصالحا عن الجناية وما يحدث منها على العبد مقتضى الإقدام على الإعتاق والمولى أيضا مصالحا معه على هذا الوجه راضيا به لأنه لما رضي بكون العبد عوضا عن القليل كان راضيا بكونه عوضا عن الكثير فإذا أعتقه صح الصلح في ضمن الإعتاق ابتداء وإذا لم يعتقه لم يوجد الصلح ابتداء والصلح الأول وقع باطلا فيرد العبد إلى المولى والأولياء بالخيار إن شاءوا عفوا عنه وإن شاءوا قتلوه‏.‏ وذكر في بعض نسخ الجامع الصغير رجل قطع يد رجل عمدا فصالح المقطوع يده على عبد ودفعه إليه فأعتقه المقطوع يده ثم مات من ذلك فالعبد صلح بالجناية وإن لم يعتقه رد على مولاه وقيل للأولياء إما أن تقتلوه أو تعفوا عنه والوجه ما بيناه فاتحد الحكم والعلة واختلفا صورة ثم هذه المسألة وهي مسألة الصلح ترد إشكالا على قول أبي حنيفة فيما إذا عفا عن اليد ثم سرى إلى النفس ومات حيث يبطل العفو ولا يجب القصاص هناك وفي هذه المسألة قال يبطل الصلح ويجب القصاص فيما إذا لم يعتق العبد وإن أعتقه فالصلح باق على حاله فالجواب أما إذا لم يعتقه فقد قيل ما ذكر في مسألة الصلح جواب القياس وما ذكر في مسألة الصلح جواب الاستحسان فيكونان على القياس والاستحسان وقيل بالفرق بينهما ووجهه أن الصلح عن الجناية على مال يقرر الجناية ولا يبطلها لأن الصلح عن الجناية استيفاء للجناية معنى باستيفاء بدلها ولهذا تعينت الجناية وتوفر عليه عقوبتها وهو القصاص أقول‏:‏ يرد عليه أنه إن أريد بقولهم الصلح لا يبطل الجناية بل يقررها أن الصلح لا يسقط موجب الجناية يبقيه على حاله فهو ممنوع كيفما كان وقد صرحوا في صدر كتاب الجنايات بأن موجب القتل العمد القود إلا أن يعفو الأولياء أو يصالحوا فقد جعلوا الصلح كالعفو وفي إسقاط موجب الجنايات وإن أريد بذلك أن الصلح لا ينافي ثبوت موجب الجناية في الأصل بل يقرر ذلك حيث وقع الصلح عنه على مال وأن سقوطه بعد تحقق الصلح فهو مسلم لكن لا يتم حينئذ قولهم فإذا لم تبطل الجناية لم يمنع العقوبة إذ لا يلزم من عدم بطلان الجناية بمعنى ثبوتها في الأصل عدم امتناع العقوبة بعد تحقق الصلح عنها كما هو الحال فيما نحن فيه بل لا يتم حينئذ الفرق رأسا بين صورتي الغدر والصلح‏.‏ والعفو أيضا لا ينافي في ثبوت موجب الجناية في الأصل قبل العفو كما لا يخفى وأما العفو فهو معدم للجناية والعفو عن القطع وإن بطل بالسراية إلى النفس لكن بقيت شبهته لوجود صورة العفو وهي كافية لدرء الحد وأما إذا أعتقه فجوابه هو الفرق الذي ذكرناه أن العتق يحصل صلحا ابتداء بخلاف العفو وعلى قولهما أيضا يرد في الصورتين لأنهما كانا يجعلان العفو عن القطع عفوا عما يحدث منه وفي الصلح لم يجعلا كذلك بل أوجبا القصاص عليه إذا لم يعتقه وجعلاه صلحا مبتدأ إذا أعتقه وقد قدمنا مسائل سراية الجرح فلا نعيدها والله أعلم‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏جنى مأذون مديون خطأ فحرره سيده بلا علم عليه قيمتان قيمة لرب الدين وقيمة لولي الجناية‏)‏ لأنه أتلف حقين كل واحد منهما مضمون بكل القيمة على الانفراد، الدفع على الأولياء والبيع على الغرماء فكذا عند الاجتماع ويمكن الجمع بين الحقين أيضا من الرقبة الواحدة بأن يدفع إلى ولي الجناية أولا ثم يباع للغرماء فيضمنهما بالتفويت بخلاف ما إذا أتلفه أجنبي والمسألة بحالها حيث يجب عليه قيمة واحدة للمولى بحكم الملك في رقبته فلا يظهر حق الفريقين بالنسبة إلى ملك المالك لأنه دون الملك فصار كأنه ليس فيه حق ثم الغريم أحق بتمليك القيمة لأنها مالية العبد والغريم مقدم في المالية على ولي الجناية لأن الواجب أن يدفع إليه ثم يباع للغريم فكان مقدما معنى والقيمة هي المعنى فنسلم إليه‏.‏ وفي الفصل الأول كان التعارض بين الحقين وهما متساويان فيضمنهما فيظهران وقيد بعدم العلم لأنه لو أعتقه وهو عالم بالجناية كان عليه الدية إذا كانت الجناية في النفس لأوليائه وقيمة العبد لصاحب الدين لأن الإعتاق بعد العلم موجب الأرش والأصل أن العبد إذا جنى وعليه دين خير المولى بين الدفع إلى ولي الجناية والفداء فإن اختار الدفع إلى ولي الجناية دفع ثم يباع في الدين فإن فضل شيء فهو لولي الجناية لأنه بدل ملكه وإلا فلا شيء له وإن بدأ بالدفع جمعا بين الحقين لأنه أمكن بيعه بعد الدفع ولو بدأ بيعه في الدين لا يمكن دفعه بالجناية لأنه لم يوجد في يد المشتري جناية ولا يقال لا فائدة في الدفع إذا كان يباع عليه لأنا نقول فائدته ثبوت استخلاص العبد لأن ولي الجناية ثبت له حق الاستخلاص وللإنسان أغراض في العين فإذا كان الواجب هو الدفع فلو أن للمولى دفعه إلى ولي الجناية بغير قضاء لا يضمن استحسانا لأنه فعل عين ما يفعله القاضي وفي القياس يضمن قيمته لوجود التمليك كما لو باعه أو وهبه ولو دفعه إلى أصحاب الدين صار مختارا للفداء كما لو باعه لأنه ليس بواجب عليه بل الواجب عليه الدفع بالجناية أولا ولو أن القاضي باعه في الدين ببينة قامت عليه ثم حضر ولي الجناية ولم يفضل من الثمن شيء سقط حقه لأن القاضي لا تلزمه العهدة فيما فعل ولو فسخ البيع ودفع إلى ولي الجناية لاحتيج إلى بيعه ثانيا لما ذكرنا فلا فائدة في الفسخ وقد قررنا هذه المسألة بفروعها‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏مأذونة مديونة ولدت بيعت مع ولدها في الدين وإن جنت فولدت لم يدفع الولد له‏)‏ والفرق أن الدين متعلق برقبتها لأن الدين عليها وهو وصف لها حكمي فسرى إلى الولد لأن الصفات الشرعية الثابتة في الأصل تسري إلى الفروع كالملك والرق والحرية وأما الدفع في الجناية فواجب في ذمة المولى لا في ذمتها وإنما يلاقيها أثر الفعل الحقيقي وهو الدفع وقبل الدفع كانت رقبتها خالية عن حق الجناية فكذلك لا يجري القصاص على الأولاد ولا الحد لأنهما فعلان محسوسان كالدفع ولا يبيعها فيه فإن قيل إذا كان الدين عليهما فلماذا يضمن المولى إذا أعتقها والإنسان إذا أتلف المديون لا يضمن شيئا قلنا وجوب الضمان باعتبار تفويت ما تعلق به حقهم استيفاء لا باعتبار وجوب الدين على المولى ألا ترى أنه يضمن القيمة لا غير ولو كان باعتبار الوجوب عليه يضمن كل الدين كالعبد الجاني إذا أعتقه المولى بعد العلم بالجناية ولهذا يتبع الغريم بالفاضل العبد المديون بعد العتق ولو كان على المولى لما اتبعه كالعبد الجاني ولا يرد علينا وجوب دفع الأرش معها إذا جنى عليها قبل الدفع وأخذ المولى الأرش لأن الأرش بدل جزئها وهو ولي الجناية متعلق بجميع أجزائها فإذا فات جزء منها و أخلف بدلا تعلق به حقه كما إذا قتلت وأخلفت بدلا اعتبارا للجزء بالكل بخلاف الولد وقوله مأذونة ولدت شرط السراية إلى الولد أن تكون الولادة بعد لحوق الدين لأنها إذا ولدت ثم لحقها الدين لا يتعلق حق الغرماء بالولد‏.‏ بخلاف الاكتساب حيث يتعلق حق الغرماء بما كسبت قبل الدين وبعده لأن لها يدا معتبرة في الكسب حتى لو نازعها فيه أحد كانت هي الخصم فيه فباعتبار اليد كانت هي أحق به من سيدها لقضاء دينها بخلاف الولد فإنه إنما يستحق بالسراية وذلك قبل الانقضاء لا بعده كولد المكاتبة وولد أم الولد والمدبرة وكولد الأضحية لأنها حقوق مستقرة في الرقبة حتى صار صاحبها ممنوعا عن التصرف وإذا جنى العبد جناية ثم أذن له المولى في التجارة فلحقه دين دفع بجنايته فإن الدائن يتبعه فإذا بيع لهم رجع أولياء الجناية على المولى بقيمة العبد وكذلك لو أقر عليه بدين ثم دفعه بجنايته في دينه ورجع أولياء الجناية بقيمته على المولى وذكر بعد هذا إذا وجب الدين على العبد ببينة ثم أقر المولى عليه بجنايته خطأ بيع العبد في الدين ولم يلتفت إلى الجناية وفيه أيضا رجل في يده عبد لا يدري أنه له أو لغيره ولم يدع صاحب اليد أنه له ولم يسمع من العبد إقرار أنه عبد صاحب اليد إلا أنه يقر بأنه عبد فجنى هذا العبد جناية وثبت ذلك بالبينة أو بإقرار صاحب اليد ثم إن صاحب اليد أقر أنه لرجل وصدقه المقر له بذلك وكذبه في الجناية فإن كانت الجناية ببينة قيل للمقر له ادفع أو افده وإن كانت الجناية بإقرار الذي كان العبد في يده أخذ المقر له العبد وبطلت الجناية ولم يكن على المقر من الجناية شيء وقد قدمناها بغير هذه العبارة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏عبد زعم رجل أن سيده حرره وقتل وليه خطأ لا شيء له عليه‏)‏ معناه إذا كان العبد لرجل فزعم رجل أن مولاه أعتقه فقتل العبد خطأ ولي ذلك الرجل الذي زعم أن مولاه أعتقه وليه فلا شيء له لأنه لما زعم أن مولاه أعتقه فقد أقر أنه لا يستحق على المولى دفع العبد ولا الفداء بالأرش وإنما يستحق الدية عليه وعلى العاقلة لأنه حر فيصدق في حق نفسه فيسقط الدفع والفداء عن المولى ولا يصدق في دعواه الدية عليهم إلا بحجة وقال في النهاية وضع المسألة فيما إذا جنى جناية ثم أقر المجني عليه أنه حرره قبل الدفع وجعل في الكتاب الإقرار بالحرية قبل الجناية وهما لا يتفاوتان وكذا إذا أقر المجني عليه بعد الدفع إليه أنه حر لأنه ملكه بالدفع وقد أقر له بحريته فيعتق عليه بإقراره وصار نظير من اشترى عبدا ثم أقر بتحريره مولاه قبل الدفع وفي الأصل جعل المسألة على ثلاثة أوجه أما إن أقر ولي الجناية أن العبد حر الأصل أو أقر أنه حر أو أقر أن مولاه أعتقه فإن أقر أنه حر الأصل فلا ضمان لولي الجناية لا على العبد ولا على المولى وكذلك الجواب إذا أقر أنه حر أو أقر أن مولاه أعتقه فأما إذا أقر أنه أعتقه فإن أقر به قبل الجناية فالجواب كالجواب فيما إذا أقر أنه حر الأصل وإن أقر أنه أعتقه بعد الجناية فقد أقر ببراءة العبد وادعى على المولى الفداء إن ادعى أنه أعتقه وهو عالم بالجناية‏.‏ وإن ادعى أنه لم يكن عالما ادعى على المولى ضمان القيمة وأنكر المولى ما ادعى عليه من ضمان الفداء أو القيمة فيكون القول قول المولى مع يمينه وعلى ولي الجناية إقامة البينة وفي المسألتين الأوليين لا يدعي على المولى ضمانا فلا يكون بين ولي الجناية وبين المولى خصومة ويكون العبد على حاله هذا إذا كان الإقرار من ولي الجناية قبل الدفع فأما إذا كان الإقرار من ولي الجناية وبين المولى خصومة ويكون المولى بعد الدفع إليه أقر أنه حر الأصل أو أقر أنه حر لم يكن له على المولى سبيل ولا على العبد إلا أن العبد يعتق ولا يكون لأحد على العبد ولاء وإن أقر أنه كان أعتقه قبل الجناية فإنه يحكم بحرية العبد لأنه أقر بحريته والعبد في ملكه ويكون ولاؤه موقوفا لأنه لمولى العبد ومولى العبد يبرأ من ذلك وأقر بأنه لولي الجناية فإن زعم أنه أعتق من جهته فيكون ولاؤه موقوفا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏قال معتق لرجل قتلت أخاك خطأ وأنا عبد وقال بعد العتق فالقول للعبد‏)‏ معناه إذا أعتق العبد ثم قال لرجل بعد العتق قتلت أخوك خطأ وأنا عبد وقال الرجل قتلته وأنت حر فالقول قول العبد لأنه منكر للضمان لما أنه أسند إلى العتق حالة معهودة منافية للضمان إذ الكلام فيما إذا كان رقه معروفا والوجوب في جناية العبد على المولى دفعا أو فداء فصار كما إذا قال البالغ العاقل طلقت امرأتي وأنا صبي أو بعت داري وأنا صبي وقال طلقت امرأتي وأنا مجنون وقد كان جنونه معروفا كان القول قوله لما ذكرنا‏.‏ وقد اتفقوا على أصلين أحدهما أن الانتساب إلى عادة معهودة متنافية للضمان توجب سقوط المقر به والآخر أن من أقر بسبب الضمان ثم ادعى ما يبرئه لا يسمع منه إلا بحجة فإن قيل إن العبد قد ادعى تاريخا سابقا في إقراره والمقر له منكر فينبغي أن يكون القول قوله وأجيب بأن اعتبار التاريخ للترجيح بعد الوجوب كأن قال لها قطعت يدك لأصله وهنا هو منكر لأصله فصار كمن يقول لعبده أعتقتك قبل أن تخلق أو قبل أن أخلق‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن قال لها قطعت يدك وأنت أمتي وقالت بعد العتق فالقول لها وكذا كل ما أخذ منها إلا الجماع والغلة‏)‏ وهذا عندهما وقال محمد لا يضمن إلا شيئا قائما بعينه يؤمر برده عليها لأنه منكر وجوب الضمان لإسناد الفعل إلى حالة معهودة منافية له كما في المسألة الأولى وكما في الوطء والغلة وفي القائم أقر للضمان حيث اعترف بالأخذ منها ثم ادعى التملك عليها وهي تنكر والقول قول المنكر ولهذا يؤمر بالرد عليهما ولهما أنه أقر بسبب ظاهر ثم ادعى ما يبرئه فلا يكون القول قوله كما إذا قال لغيره أذهبت عينك اليمنى وعيني اليمنى صحيحة ثم فقئت فقال المقر لا بل أذهبتها وعينك اليمنى مفقوءة كان القول قول المقر له وهذا إذا لم يسنده إلى حالة منافية للضمان لأنه لا يضمن يدها إذا قطعها وهي مديونة‏.‏ بخلاف الوطء والغلة لأن وطء المولى أمته المديونة لا يوجب العقر وإذا أخذه من غلتها أو إن كانت مديونة لا يوجب الضمان عليه فحصل الإسناد إلى حالة معهودة منافية للضمان في حقها أي في حق الغلة والوطء وعلى هذا الخلاف لو قال رجل لرجل حربي أسلم أخذت مالك وأنت حربي فقال بل أخذته بعد ما أسلمت وفي العناية ومثلها مسألة الحربي وصورتها مسلم دخل دار الحرب بأمان فأخذ مال حربي ثم أسلم الحربي ثم خرجا إلينا فقال المسلم أخذت منك وأنت حربي وقال الحربي الذي أسلم أخذت مني وأنا مسلم فالقول للحربي على الخلاف المتقدم أهو على هذا الاختلاف إذا قال أخذت منك ألف درهم من كسبك وأنت عبدي وقال العبد لا بل أخذته بعد العتق وعلى هذا الخلاف ما إذا أسلم الحربي أو صار ذميا فقال له رجل مسلم قطعت يدك وأنت حربي وأخذت كذا وكذا وأنت حربي في دار الحرب وقال الحربي لا بل فعلت بعد ما أسلمت أو قال بعدما صرت إلى دار الإسلام فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف القول قول الحربي والمسلم ضامن وعلى قول محمد وزفر القول قول المسلم ولا ضمان عليه وإذا أسلم الحربي فقال لرجل مسلم قطعت يدك وأنا حربي في دار الحرب وقال المسلم فعلت ما فعلت وأنت في دار الإسلام وذكر في كتاب الإقرار من الأصل أنه على هذا الخلاف‏.‏ وأجمعوا على أنه إذا قال لجاريته بعد ما عتقها وطئتك قبل العتق وقالت الجارية لا بعد العتق أن القول قول المولى ولا ضمان عليه وأجمعوا على أن من أعتق عبدا له فقال العبد لرجل آخر قطعت يدك وأنا عبد وقال ذلك الرجل لا بل بعد ما أعتقت أن القول قول المقر ولا ضمان عليه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏عبد محجور أمر صبيا حرا بقتل رجل فقتله فديته على عاقلة الصبي‏)‏ لأن الصبي هو المباشر للقتل وعمده وخطؤه سواء تجب على عاقلته ولا شيء على العبد الآمر وكذا الحكم إذا أمره بذلك صبي والأصل أن الأمر بما لا يملكه الآمر إذا لم يعلم المأمور بفساد الأمر صحيح في حق الآمر والمأمور حتى يثبت للمأمور الرجوع عن الأمر إذا لحقه غرم في ذلك بيان ذلك أمر رجلا بأن يذبح هذه الشاة وهي لجاره ولم يعلم المأمور بذلك فإنه يصح الأمر في حقهما حتى إذا ضمن الذابح للجار قيمة الشاة يرجع بها على الآمر فإن علم أن الشاة لغيره وهو حر بالغ لا يصح الأمر حتى لا يرجع بما لحقه من مغرم لأنه لم يصر عاملا للآمر وإن كان المأمور صبيا يصح الأمر سواء كان عالما بفساد الأمر حتى لا يرجع بما لحقه من مغرم أو لا لنقصان عقل ويلحق به المجنون وأما مسألتنا فالأصل أن الصبي مؤاخذ بضمان الأفعال دون الأقوال فيما يتنوع إلى صحيح وفاسد أما صحة فعله فلصدوره من أهله في محله النوادر أمر صبيا بقتل دابة أو بمزق ثوب أو بأكل طعام لغيره‏.‏ فالضمان على الصبي في ماله ويرجع بذلك على الآمر ولو أمر الصبي بالغا ففعل لم يضمن الصبي ولو أمر الحر البالغ بذلك فالضمان على الفاعل وفي المحيط لو قال اقتل ابني أو اقطع يده أو اقتل أخي فقتله اقتص من القاتل قياسا وتجب الدية استحسانا ولا رجوع لعاقلة الصبي على الصبي الآمر أبدا ويرجعون على العبد الآمر بعد العتق لأن عدم الاعتبار كان لحق المولى لا بنقصان أهلية العبد وقد زال حق المولى بالإعتاق بخلاف الصبي لأنه قاصر الأهلية وفي شرح الزيادات لا ترجع العاقلة على العبد أيضا أبدا لأن هذا ضمان جناية وهو على المولى لا على العبد وقد تعذر إيجابه على المولى لما كان على العبد الحجر وهذا أوفق للقواعد ألا ترى أن العبد إذا أقر بعد العتق بالقتل قبله لا يجب عليه شيء لكونه أسنده إلى حالة منافية للضمان على ما بينا قبل هذا ولهذا لو حفر العبد بئرا فأعتقه مولاه ثم وقع فيها إنسان فهلك لا يجب على العبد شيء وإنما يوجب على المولى فيجب عليه قيمة واحدة ولو مات فيها ألف نفس فيقسموها بالحصص قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وكذا إن أمر عبدا‏)‏ معناه أن يكون الآمر عبدا والمأمور أيضا عبدا محجورا عليهما فيخاطب مولى القاتل بالدفع أو الفداء ولا رجوع له على الآمر في الحال ويرجع بعد العتق بالأقل من الفداء وقيمة العبد لأنه غير مضطر في دفع الزيادة‏.‏ وعلى قياس ما ذكره العتابي لا يجب عليه شيء لما بينا وهذا إذا كان القتل خطأ وكذا إذا كان عمدا والعبد القاتل صغيرا لأن عمده خطأ على ما بينا وأما إذا كان كبيرا يجب القصاص لأنه من أهل العقوبة ولو أمر رجل حر صبيا حرا فالدية على عاقلة الصبي لأنه المباشر ثم ترجع العاقلة على عاقلة الصبي لأنه المتسبب إذ لولا أمره لما قتل لضعف فيه ولا يقال كيف تعقل عاقلة الرجل ما لزم بسبب القتل فينبغي أن يكون كالإقرار لأنا نقول هذا قول لا يحتمل الكذب وهو تسبب فيعلقه بخلاف الإقرار بالقتل لأنه يحتمل الكذب فلا تعقله العاقلة ولو كان المأمور عبدا محجورا عليه كبيرا أو صغيرا يخير المولى بين الدفع والفداء وأيهما اختار يرجع بالأقل على الآمر في ماله لأن الآمر صار غاصبا للعبد بالأمر كما إذا استخدمه وضمان الغصب في ماله لا على العاقلة وإن كان المأمور حرا بالغا عاقلا فعلى عاقلته الدية ولا ترجع العاقلة على الآمر بحال لأن أمره لم يصح ولا يؤثر وهو أيضا يأمر مثله لا سيما في الدم وإن كان الآمر عبدا مأذونا له في التجارة كبيرا كان أو صغيرا والمأمور عبدا محجورا عليه أو مأذونا يخير مولى المأمور بين الدفع والفداء وأيهما فعل يرجع على العبد المأذون له لأن هذا ضمان غصب‏.‏ وإنه من جنس ضمان التجارة لأنه يؤدي إلى تملك المضمون بأداء الضمان والمأذون له يؤخذ بضمان التجارة بخلاف ما إذا كان المأمور حرا حيث لا ترجع عاقلة المأمور على الآمر في الحال ولا بعد الحرية لعدم تحقق الغصب في الحر ولو كان المأمور صبيا حرا مأذونا له في التجارة فحكمه حكم العبد المأذون له حتى يرجع عليه فيما إذا كان المأمور عبدا لتحقق الغصب فيه ويكون ذلك في ماله دون العاقلة لأنه ليس بضمان جناية وإنما هو ضمان تجارة ولا يرجع عليه إذا كان المأمور حرا لعدم تصور الغصب فيه فصار الصبي الآمر في حقه كالصبي المحجور ولو كان الآمر مكاتبا صغيرا كان أو كبيرا والمأمور صبي حر تجب الدية على عاقلة الصبي وترجع العاقلة على المكاتب بالأقل من قيمته ومن الدين لأن هذا حكم جناية المكاتب بخلاف القن فإن حكم جنايته على المولى فيجب عليه إن أمكن وإلا سقط على ما بينا وإن عجز المكاتب بعد ما قضى القاضي عليه بالقيمة تباع رقبته إلا أن يفدي المولى بديتهم والقياس أن يبطل حكم جنايته وهو قول أبي حنيفة لأنه بالعجز صار قنا وأمره لا يصلح وهما يقولان لما قضي عليه بالقيمة صار دينا عليه وتقرر فلا يسقط حتى لو عجز قبل القضاء عليه بالقيمة بطل حكم جنايته لأن حكم جنايته إنما يصير دينا عليه بالقضاء ولم يوجد‏.‏ وإن عجز بعدما أدى كل القيمة لا يبطل وإن كان المأمور عبدا يخير مولاه بين الدفع أو الفداء ثم يرجع على المكاتب بقيمة المأمور إلا إذا كانت قيمته أكثر من الدية فنقص عشرة دراهم بقي إشكال وهو أن يقال إن هذا ضمان الغصب ففيه يضمن قيمته بالغة ما بلغت فكيف ينقص عشرة دراهم كضمان الجناية فجوابه هذا الغصب لكن يحصل بسبب الجناية فاعتبر بها في حق التقدير وإن عجز المكاتب فمولى المأمور يطالب مولى المكاتب ببيعه لأن ضمان الغصب لا يسقط بعجز المكاتب وإن أعتق المولى المكاتب فالمأمور بالخيار إن شاء رجع بجميع قيمة المأمور على المعتق وبالفضل على المعتق لأنه ضمان غصب فلا يبطل بالإعتاق وإن شاء رجع على المولى بقدر قيمة المعتق إلى تمام قيمة المأمور وإن كان المأمور مكاتبا يجب على المأمور ضمان قيمة نفسه ولا يرجع به على الآمر لأنه تعذر أن يجعل ضمان غصب لأن المكاتب حر من وجه فلا يكون محلا للغصب صغيرا كان أو كبيرا لأن المكاتب الصغير ملحق بالكبير فصار كالحر البالغ العاقل إن كان مأمورا قيد بقوله عجز لأنه لو جنى قبل العجز لا يباع بل يخير المولى‏.‏

قال في المحيط مكاتب جنى جنايات أو واحدة كان على المولى الأقل من قيمته ومن أرش الجنايات لأن المكاتب مملوك رقبة حر يدا مطلقا وتصرفا فباعتبار أنه مملوك رقبة تكون جنايته على المولى‏.‏ وباعتبار أنه حر يدا وكسبا يجب أن يكون موجب جنايته عليه على أن أكسابه حق له وقد تعذر دفعه بموجب الجناية فيجب عليه الأقل من القيمة ومن الأرش وإن تكررت الجنايات قبل القضاء لزمه قيمة واحدة ولو جنى فقضي عليه ثم جنى أخرى يقضى عليه بقيمة أخرى خلافا لأبي يوسف ولو قتل رجلا ولم يقض عليه حتى عجز وعليه دين دفع بالجناية ثم يباع في الدين وإن فداه بيع بالدين ولو مات عن مال قضي في ماله بالجناية ثم بالكتابة ثم بالإرث لأنه مات عن وفاء فلا تنفسخ الكتابة وإن كان عليه دين وجناية فقضي عليه بالجناية فالدين والجناية سواء لأن الجناية صارت دينا بالقضاء وإن لم يقض بالجناية فحكم ما تقدم مكاتبة جنت ثم ولدت ولم يقض دفعت وحدها ولو قضي عليها ثم ولدت بيعت فإن وفى ثمنها بالجناية وإلا بيع ولدها لأن الولد المولود في الكتابة حكمه حكم أمه ولو كاتب نصف أمته فجنى أحدهما على صاحبه لزم الجاني الأقل من قيمته ومن نصف الجناية وجناية عبد المكاتب كجناية عبد الحر ولو جنى المكاتب على مولاه أو على عبد مولاه أو على ابن مولاه كانت الجناية عليهم كالجناية على غيرهم لأن جناية المكاتب عليهما معتبرة وإذا كان مكاتب بين اثنين يعتبر كل نصف منه على حدة في الأحكام المتقدمة بناء على أن الكتابة تتجزأ‏.‏ ولو كانت أمة مشتركة فكاتبها أحدهما بغير إذن شريكه فولدت وكاتب الآخر نصيبه من الولد ثم جنى الولد على الأم أو الأم عليه لزم كل واحد منهما ثلاثة أرباع قيمة المقتول عند الإمام ولو أقر المكاتب بالجناية المبسوط أصله أن المكاتب في حق جناية توجب المال بمنزلة الحر لأنه استيجاب المال على نفسه والمكاتب من أهل استيجاب المال على نفسه بخلاف العبد لو أقر بجناية توجب المال لا يصح لأن موجبها يجب على مولاه فجعل مقرا على مولاه فلم يصح وإذا أقر المكاتب بجناية عمدا أو خطأ لزمه لأنه في حق الجناية ملحق بالحر ولو قضي عليه بجناية خطأ ثم عجز هدر موجبه عند أبي حنيفة وعندهما يؤخذ ويباع فيها بناء على أن المكاتب لو أقر بجناية موجبة للمال لا يؤاخذ به ولو عجز عنده وصار دينا عليه أو لا وعندهما يؤخذ به إذا صار دينا عليه بالقضاء ولو أعتق ضمن قضي بها أو لا وكذلك لو صالح ولي العمد وقد أقر به ثم عجز هدرت عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يباع فيه لأن القصاص بعد الصلح صار موجبا للمال وأصل الجناية ثبت بإقراره ومن أقر بجناية موجبة للمال لا يؤاخذ به بعد العجز عند أبي حنيفة وعندهما يؤاخذ به إذا صار دينا عليه بالصلح ولو أقر الولد على أمه بجناية لم يثبت‏.‏ فإن ماتت الأم لزمه الأقل من الدين والكتابة لأن الفاضل من الدين الموروث يكون له فيقدر الفضل من دينه جعل مقرا على نفسه وصار كالحر إذا أقر على مورثه بدين ثم مات المورث وعليه دين صح الإقرار بالفاضل من دينه فكذا هذا وإذا عجز بعد ذلك لم يلزمه لأنه صار قنا وإن كان أدى ثم عجز لا يسترد من المقر له لأن إقراره بذلك قد صح ولو أقرت الأم على ابنها بجناية ثم قتل الابن خطأ وأخذت قيمته قضي بما أقرت في القيمة لأن بدل الولد يكون للأم ككسبه فصارت مقرة على نفسها وكذلك لو أقرت على ابنها بدين وفي يده مال ولا دين عليه جاز إقرارها بالدين في كسبه لأن كسب ولدها لها فصارت مقرة على نفسها عبد بين رجلين فقأ العبد عين أحدهما ثم جرحه ثم كاتب المفقوءة عينه نصيبه منه ثم جرحه جرحا آخر فمات منها سعى المكاتب في الأقل من نصف القيمة وربع الدية وعلى المولى الذي لم يكاتب نصف قيمة العبد لورثة المقتول لأنه قتل بجنايتين لأنه جنى عليه قبل الكتابة وبعدها فما تلف بالجناية قبل الكتابة وهو الربع هدر لأنه جناية عبد على مولاه وما تلف بالجناية بعد الكتابة وهو الربع معتبرة لأنه جناية مكاتب على مولاه فيضمن المكاتب الأقل من نصف قيمته ومن ربع الدية لأنه لما هدرت بالجناية قبل الكتابة صار كأنه جنى نصف المكاتب على ربع مولاه لا غير‏.‏ وأما نصف الساكت فلأنه قتل الحر بجنايتين لأنه جنى عليه قبل الكتابة بعدها فما تلف بالجناية قبل الكتابة وهو الربع هدر لأنه جناية عبد الغير على أجنبي فضمن الساكت نصف القيمة ما لم يصل إليه نصيبه بضمان أو سعاية لأن قيمة نصيبه بالكتابة وجبت على المكاتب حال حياته فما لم يصل إليه حقه من تركته لا يلزمه أيضا نصف القيمة عبد بين رجلين فجنى على أحدهما ثم باع الآخر نصف نصيبه من المجني عليه وهو يعلم بالجناية ثم جنى عليه بجناية أخرى ثم إن الذي باع نصفه اشترى الربع وكاتب المجني عليه نصيبه منه ثم جنى عليه ثلاث جنايات ثم أدى الكتابة فعتق ثم مات المولى من الجنايات فعلى المكاتب بجنايته وهو مكاتب الأقل من نصف قيمة العبد ومن سدس وربع سدس الدية لأن نصف المكاتب قبل نصف الحر بثلاث جنايات جنايتان قبل الكتابة وهما مهدرتان لأنهما جناية عبد على مولاه وجناية بعد الكتابة وهي معتبرة لأنها جناية المكاتب على مولاه فالمهدرتان صارتا كجناية واحدة لأن حكمهما واحد فبقيت جنايتان أحدهما مهدرة والأخرى معتبرة فيضمن المكاتب ربع الدية وأما نصف الساكت فربعه المبيع قبل ربع الحر بثلاث جنايات جناية قبل البيع وهي معتبرة لأنها جناية مملوك على مولاه وجناية بعد الكتابة وهي معتبرة لأنها جناية مملوك على أجنبي فسهمان من هذا الربع مضمون وسهم مهدرة وصار كل ربع على ثلاثة أسهم والكل على اثني عشر والربع الذي لم يبعه قبل ربع الحر بثلاث جنايات جناية قبل البيع وقد تلف بها سهم من الحر‏.‏ وقد صار المولى مختارا لذلك السهم من الدية بالبيع وجناية بعد البيع وجناية بعد الكتابة وهما معتبرتان لأنهما جناية مملوك على أجنبي فهاتان الجنايتان حكمهما واحد فيعتبران كجناية واحدة فصار كأن هذا الربع جنى جنايتين فصار المولى مختارا لسهمين ونصف من النصف الذي للساكت فيكون سدسا وربع سدس من اثني عشر ولم يصر مختارا لسهمين ونصف سهم، نصف من الربع وسهمان من الربع الذي باعه وهو هدر نصف سدس الدية وذلك سهم من اثني عشر ولو قطع يد رجل ثم باعه أحدهما من صاحبه وهو يعلم ثم اشتراه فقطع يد آخر وفقأ عين الأول فماتا قيل للمشتري ادفع نصفك إليهما نصفين أو افده بعشرة آلاف بينهما وقيل للبائع افد الأول بربع الدية أو ادفع نصفك إليهما أثلاثا ثلثه للأول وثلثه للثاني أو افده من الأول بربع الدية ومن الثاني بنصف لأن النصف الذي لم يبع قبل نصف كل واحد منهما إلا أن نصف أحدهما بجنايتين والأخرى بجناية واحدة وكلاهما معتبرتان فيخاطب بالدفع أو الفداء والنصف الذي باع قبل نصف كل واحد منهما إلا أن نصف أحدهما بجنايتين بجناية قبل البيع وهي القطع وقد صار مختارا للبيع الذي تلف بهذه الجناية بالبيع فعليه ربع الدية وبجناية بعد البيع وهي الفقء ولم يصر مختارا لما تلف بهذه الجناية فتيقن في نصيبه ربع دية أحدهما ونصف دية الآخر فيدفع نصيبه إليهما أثلاثا أو الفداء كذا في المحيط‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏عبد قتل رجلين عمدا ولكل وليان فعفا أحد وليي كل منهما دفع سيده نصفه إلى الآخرين أو فداه بالدية‏)‏ أي للمولى الخيار إن شاء دفع نصف العبد إلى الذي لم يعف من وليي القتيلين وإن شاء فداه بدية كاملة لأن كل واحد من القتيلين يجب له قصاص كامل على حدة فإذا سقط القصاص وجب أن ينقلب كله مالا وذلك ديتان فيجب على المولى عشرون ألفا ودفع العبد غير أن نصيب العافين سقط مجانا فانقلب نصيب الساكتين مالا وذلك دية كل واحد منهما نصف الدية أو دفع نصف العبد لهما فيخير المولى بينهما كذا ذكر الشارح قال في المحيط عبدان التقيا ومع كل واحد عصا فاضطربا وبرئا دفع مولى كل واحد بالآخر ولا يرجعان بشيء سوى ذلك لأن كل واحد منهما ملك عبده من صاحبه ولا يفيد التراجع لأنه لو رجع أحدهما لرجع الآخر لأن حق كل واحد منهما ثبت في رقبة كاملة فما يأخذ أحدهما من صاحبه فذاك بدل آخر وتعلق به حقه فلا يفيد الرجوع وإن اختار الفداء فدى كل واحد بجميع أرش جنايته لأنهما لما اضطربا معا فقد جنى كل واحد منهما على عبد صحيح فتعلق حق كل واحد من الموليين بعبد صحيح فيجب بدل عبد صحيح وإن سبق أحدهما بالضربة خير مولى البادئ لأن البداية من مولى اللاحق لا تفيد لأن حق اللاحق في عبد صحيح كامل الرقبة فإذا دفع إلى البادئ عبده مشجوجا كان للاحق أن يسترده منه فكان دفعه مفيدا‏.‏ فإن دفعه فالعبد للمدفوع إليه ولا شيء للدافع لأنه لو رجع البادئ بشيء كان للمدفوع إليه أن يرجع عليه ثانيا لأن حقه في رقبة عبد صحيح فلا يفيد رجوع البادئ وإن فداه خير المولى اللاحق بين الدفع والفداء لأنه برئ عبد البادئ عن الجناية بالفداء وصار كأنه لم يجن وإن جنى عليه العبد اللاحق فإن مات البادئ كانت قيمته في عنق الثاني يدفع بها أو يفدي فإن فداه بقيمة الميت يرجع في تلك القيمة بأرش جراحة عبد وصار كأنه لم يجن وإنما جنى عليه البادئ والبادئ إن مات فالقيمة قائمة مقامه لأنه حي قائم وإن دفعه رجع بأرش شجة عبده في عنقه ويخير المدفوع إليه بين الدفع والفداء لأن المدفوع قام مقام الميت الشاج وإن مات العبد القاتل خير مولى العبد البادئ فإن فداه أو دفع بطل حقه في شجته لأنه حين شج اللاحق البادئ كان اللاحق مشجوجا فثبت حق مولى البادئ في شجة عبده ولو مات البادئ من شيء آخر سوى الجناية وبقي اللاحق خير المولى ويقال له إذا شئت ادفع واعف عن مولى اللاحق ولا سبيل لواحد منهما على الآخر وإن شئت ادفع أرش شجة اللاحق وطالبه فإن دفع إلى صاحبه أرش عبده يرجع بأرش جناية عبده فيدفع مولى اللاحق عبده أو يفده أما العفو فلأنه مولى البادئ بجنايته وإذا دفع كان لمولى اللاحق أن يطالبه بأرش شجة عبده وكان لمولى البادئ أن يدفع إليه العبد المدفوع ثانيا ليبرأ عن حقه فلا يفيد الدفع‏.‏ وإنما دفع أرش شجة اللاحق لأنه متى دفع أرش عبد اللاحق فقد طهر البادئ عن الجناية وصار كأنه لم يجن وإنما جنى عليه العبد اللاحق فيخاطب مولى اللاحق بالدفع أو الفداء وأي ذلك اختار لا يبقى لواحد منهما على صاحبه سبيل لأنه وصل إلى كل واحد منهما حقه وإن أبى مولى البادئ أن يدفع الأرش فلا تعلق له في عنق الحر لأن مولى البادئ كان مخيرا بين العفو وبين دفع الأرش والمطالبة بشجة عبده فإذا امتنع من دفع الأرش صار مختارا للعفو وصار كأنه قال عفوتك عن حقي فبطل حقه ولو مات اللاحق وبقي البادئ خير مولاه فإن دفعه بطل حقه وإن فداه بأرش فداه عبده في الفداء لأن البادئ طهر عن الجناية فلا يكون لمولى اللاحق أن يسترجع منه الأرش ثانيا فأما الدفع لم يظهر عن الجناية فبقي حق مولى اللاحق متعلقا بما فات بالشجة من العبد البادئ والعبد المدفوع بدله فيتعلق حقه ببدله فلو رجع مولى البادئ بأرش شجته كان لمولى اللاحق أن يسترجع منه لأن حقه كان متعلقا بالفائت من الفائت البادئ فلا يفيد الرجوع ولو برئا ثم قتل البادئ اللاحق جريحا كان في عنق البادئ أرش اللاحق وقيمته ويخير بين دفعه وفدائه فإن دفعه فلا شيء له لما بينا وإن فداه فداه بأرش الشجة وقيمة المقتول لأن البادئ شج اللاحق ثم قتله مشجوجا فيلزمه أرش الشجة وقيمته مشجوجا متى اختار الفداء ويسلم أرش شجة المقتول لمولاه خاصة‏.‏ ويكون أرش شجة الحي في هذه القيمة يأخذ مولاه منها وما بقي لمولى المقتول لأن حق مولى البادئ إنما يثبت في حق اللاحق وهو مشجوج لأنه حين جنى على البادئ وهو مشجوج فيأخذ من قيمته مشجوجا أرش شجة البادئ فإن فضل منه شيء يكون لمولى اللاحق لأنه بدل عبده وقد فرغ عن حق الغير ولو قتل البادئ اللاحق فإن لم يطلب ولي المقتول الجناية لم يكن لأحدهما على صاحبه شيء لأن مولى المقتول يخير بين العفو والفداء بأرش الشجة الثانية وإن طلب الجناية بدأ عنه بأرش الحي ثم خير مولى الحي بين أن يدفع عبده أو يفديه بقيمة المقتول ويسلم ذلك لولي المقتول لأن العبد اللاحق قبل البادئ مشجوجا فيخير مولاه بين دفعه وفدائه بقيمته مشجوجا وأي ذلك فعل لا يبقى لأحدهما على صاحبه سبيل لأنه وصل إلى كل واحد منهما حقه ولو قتل أحدهما صاحبه بعد ما برئا ولا يعلم البادئ بالشجة خير مولى القاتل لأنه تعذرت البداءة بالبادئ للجهالة ولو تعذرت البداءة بسبب موت البادئ تعذر القتل فكذا هذا فإن دفع عبده كان له نصف أرش شجة المقتول وعلى قيمته مشجوجا فيأخذ الذي دفعه من حصته قيمته مشجوجا من العبد المدفوع أو يفديه لأن القاتل بالدفع قام مقام المقتول لحما ودما فصار كأن المقتول بقي حيا لولاه يرجع بنصف أرش شجة عبده متى اختار الدفع‏.‏ فكذا إذا دفع بدله وإن اختار مولى القاتل فداه بقيمة المقتول صحيحا لأن القاتل هو البادئ بالشجة شج عبدا صحيحا ثم قتله فعليه قيمة عبد صحيح وإن كان القاتل هو اللاحق فقد شج البادئ وهو صحيح ثم قتله كان على المولى القاتل أن يفدي عبده بقيمة المقتول صحيحا ويرجع بأرش الشجة في الفداء بعدما يدفع إلى مولى العبد المقتول نصف أرش شجته لأن القيمة قامت مقام المقتول ولو كان المقتول حيا وقد شج كل واحد منهما صاحبه ولا يعلم البادئ منهما يرجع كل واحد منهما فيما دفع إلى صاحبه بنصف أرش شجة عبده والمدفوع إليه يتخير بين الفداء وبين ما يخص نصف أرش الشجة من العبد المدفوع إليه فكذا تركته‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن قتل أحدهما عمدا والآخر خطأ فعفا أحد وليي العمد فدى بالدية لولي الخطأ وبنصفها لأحد وليي العمد‏)‏ لأن حقهما في الدية عشرة آلاف وحق وليي العمد في القصاص فإن عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر مالا وهو نصف الدية خمسة آلاف فإذا فداه بخمسة عشر ألف درهم عشرة آلاف لولي الخطأ وخمسة آلاف لغير العافي من وليي العمد وإن دفعه إليهم أثلاثا ثلثاه لوليي الخطأ وثلثه للساكت من وليي العمد بطريق العمد لأن حقهم في الدية كذلك فيضرب وليا الخطأ بعشرة آلاف ويضرب غير العافي من وليي العمد بخمسة آلاف وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله‏.‏ وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يدفعه أرباعا بطريق المنازعة ثلاثة أرباعه لوليي الخطأ وربعه لغير العافي من وليي العمد لأن نصفه سلم لوليي الخطأ بلا منازعة فاستوت منازعتهم في النصف الآخر فينتصف فإن قيل ينبغي أن يسلم للمولى ربع العبد في هذه المسألة وهي نصيب العافي من وليي العمد ويدفع ثلاثة أرباعه إليهم تقسم بينهم على قدر حقوقهم كما سلم له النصف وهو نصيب العافين قلنا لا يمكن ذلك هنا لأن لوليي الخطأ استحقاق كله ولم يسقط من حقهما شيء وهذا لأن حق كل واحد من الفريقين تعلق بكل الرقبة في المسألتين غير أنه لما عفا ولي كل قتيل سقط حق العافين على الرقبة في المسألة الأولى وخلى نصيبهما منه عن حقهما وصار ذلك للمولى وهو النصف بخلاف ما نحن فيه فإن حق وليي الخطأ ثابت في الكل على حاله وكانت الرقبة كلها مستحقة لهما والنصف لغير العافي من ولي العمد فلهذا افترقا فيقسمونها كلها على قدر حقوقهم بطريق العول والمنازعة ولهذه المسألة نظائر ذكرناها في كتاب الدعوى من هذا الكتاب بأصولها الذي نشأ منها الخلاف بتوفيق الله تعالى فلا نعيدها ولم يتعرض المؤلف لما إذا جنى القن على الغاصب ونحن نذكر ذلك تتميما للفائدة‏.‏

قال في الجامع الصغير غصب عبدا فقتل عند الغاصب عمدا رجلا ثم رده إلى مولاه فقتل عنده رجلا آخر خطأ واختار المولى دفعه بالجنايتين فإنه يكون بينهما نصفين ثم يرجع المولى على الغاصب بنصف قيمة العبد ويدفعه إلى ولي الجناية الأولى‏.‏ ثم يرجع به على الغاصب في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد وزفر لا يرجع ذلك إلى ولي الجناية الأولى ولو كان العبد جنى عند المولى أولا ثم عند الغاصب ثم رد الغاصب العبد على المولى ودفعه المولى بالجنايتين جميعا رجع المولى على الغاصب بنصف قيمة العبد ويدفعها إلى ولي القتيل ولا يرجع بذلك مرة أخرى على الغاصب في قولهم جميعا أما دفعها إلى ولي القتيلين فيكون بينهما نصفين ثم يرجع المولى على الغاصب بنصف قيمة العبد ويدفعها إلى ولي القتيل وكذلك لو كان مكان العبد مدبر كان الجواب فيه كالجواب في العبد من الوفاق والخلاف وصورته رجل غصب مدبر رجل وقد كان المدبر قتل قتيلا خطأ عند المولى فقتل قتيلا آخر عند الغاصب فرد الغاصب المدبر على المولى فعلى المولى قيمة المدبر بين ولي القتيلين نصفين ثم يرجع المولى على الغاصب بنصف قيمة المدبر ولا يرجع بجميع قيمة المدبر فإذا رجع المولى على الغاصب بنصف القيمة فإن لولي القتيل الأول أن يأخذ ذلك من المولى عندهم جميعا ولو كان جنى أولا عند الغاصب وجنى ثانيا عند المولى وحصر المولى قيمته ورجع على الغاصب بنصف قيمته هل يسلم ذلك للمولى فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف الأول لا يسلم وعلى قول زفر يسلم‏.‏

قال في الأصل وإذا غصب الرجل عبدا من رجل فقتل عنده قتيلا خطأ ثم اجتمع المولى وأولياء القتيل‏.‏ فإن العبد يرد على مولاه وإذا رد عليه العبد يقال له جنى وهو بمحل الدفع فتخير فإن دفع أو فداه رجع على الغاصب بالأقل من قيمة العبد ومن الأرش وإن كان زاد عند الغاصب زيادة متصلة واختار الدفع فإنه يدفع العبد مع الزيادة سواء حدثت الزيادة قبل الجناية أو بعدها ثم لا يرجع المولى على الغاصب بقيمة الزيادة وإن استحقت الزيادة بسبب أحدثه العبد عند الغاصب ولو هلكت الزيادة من حيث القيمة لا يضمنها الغاصب هذا إذا زاد العبد في يد الغاصب فإن أعور العبد في يد الغاصب وقد جنى عنده جناية فهو على وجهين إما إن أعور بعد الجنايتين أو قبل فإن أعور بعد الجناية وقد اختار المولى الدفع فإنه يدفعها إلى ولي الجناية ثم يرجع المولى على الغاصب ثانيا بنصف قيمة العبد صحيحا حين جنى وكل له قيمة العبد وإن أعور قبل الجناية واختار المولى الدفع فإنه يدفع العبد أعور ثم يرجع بقيمة العبد صحيحا على الغاصب فإذا أخذ ذلك سلم له ولم يكن لولي الجناية أن يأخذ منه شيئا العبد المغصوب إذا جنى على مولاه جناية موجبة للمال بأن قتله خطأ أو جنى على رقيقه خطأ أو على ماله بأن أتلف شيئا من ملكه قال أبو حنيفة إنه تعتبر جنايته حتى يضمن الغاصب قيمة العبد المغصوب لمولاه إلا أن يكون الأرش أو قيمة العبد المتلف أقل من قيمة العبد المغصوب وقال أبو يوسف ومحمد بأن جناية المغصوب على مولاه وعلى رقيقه وعلى ماله هدر فأما العبد المرهون إذا جنى على الراهن أو على ماله هل تعتبر جنايته‏.‏ قالوا ذكر هذه المسألة في كتاب الرهن وقال تهدر جنايته ولم يذكر فيه خلافا إلا أن المشايخ قالوا ما ذكر في كتاب الرهن إنه يهدر على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى فأما على قول أبي حنيفة تعتبر على الراهن بقدر الدين كما تعتبر جناية المغصوب هنا على الغاصب وعلى رقيقه هذا إذا جنى المغصوب على مولاه أو على مال مولاه فأما إذا جنى على الغاصب أو على رقيق الغاصب فجنايته موجبة للمال قال أبو حنيفة إنه لا يعتبر فيكون هدرا حتى لا يخاطب مولى العبد بالدفع أو الفداء وكذلك على هذا الاختلاف للعبد المرهون إذا جنى جناية على المرتهن أو على ماله فعلى قول أبي حنيفة لا تعتبر الجناية بقدر الدين وقال أبو يوسف ومحمد بأن يعتبر‏.‏

الحر والعبدان إذا تضاربا وتشاحا وفي المبسوط حر جنى على عبد وجنى العبد على رجل آخر وعلى الجاني فاختار مولاه الدفع ثم اختلفا فقال المولى جنى على عبدي أولا فأرشه لي ودية المدفوع إليه فالقول للمولى مع يمينه لأن الحر المجني عليه لما ادعى أن البادئ بالجناية هو العبد فقد ادعى على المولى شيئين العبد وأرش العبد مع اختيار دفع العبد إليه لأنه ادعى أن حقه ثبت في عبد صحيح اليدين لأن العبد لما بدأ بقطع يد الحر كانت يداه صحيحة فإذا تعلق حقه بيد العبد تعلق ببدلها أيضا والمولى أقر له بالعبد وأنكر الأرش فيكون القول له فصار كما لو تصادقا على البادئ في الجناية هو الحر لأن الثابت بقول من جعل له شرعا كالثابت بالتصادق ومتى تصادقا أن البادئ بالجناية هو الحر يضمن نصف قيمة العبد‏.‏ والمولى يخير بين الدفع والفداء وله أن يدفع العبد دون الأرش لأن حق المجني عليه تعلق بعبد مقطوع اليد فأما مقطوع اليد فلا يتعلق ببدلها وهو الأرش وإن تصادقا أنهما لا يعلمان البادئ منهما بالجناية ضمن الحر الجاني قيمة العبد والمولى إن اختار الدفع يدفع العبد ونصف أرش يده لأن كل واحد منهما يجوز أن يكون بادئا بالجناية ويجوز أن يكون لاحقا فإن كان الحر هو البادئ فليس على المولى إلا دفع العبد وإن كان العبد هو البادئ فعلى المولى دفع العبد مع أرش يده فللحر أرش اليد في حالة وليس له ذلك في حالة فيجب أن يصرف الأرش حر وعبد التقيا ومع كل واحد منهما عصا واضطربا فشج كل واحد صاحبه ثم اختلف مولى العبد والحر في البداءة فالقول للمولى أن الحر بدأ وعليه أرش جنايته على العبد للمولى ثم يدفع العبد بجنايته أو يفديه لأن الحر أقر بأرش يد بالجناية لأنه ادعى الإبراء متى اختار المولى دفع العبد إليه وأنكر المولى فيكون القول له ولو كان مع العبد سيف ومع الحر عصا فمات العبد وبرأ الحر واختلفا كان القول للمولى وقيمة العبد على عاقلة الحر يسلم المولى من مقدار ما نقصه الحر من قيمته إلى يوم ضرب العبد الحر والباقي قيمة أرش جنايته على الحر فإن فضل شيء فهو للمولى لأن الحر قتل بعصا فيكون قتيل خطأ العمد فيجب قيمته على عاقلة الحر‏.‏ والقيمة قامت مقام العبد كأن العبد حي فيأخذ المولى قدر ما انتقص بجناية الحر ويأخذ الحر من الباقي أرش جراحته فإن فضل شيء منه فهو للمولى لأنه بدل عبده وقد فرغ العبد عن حق الغير وإن انتقص الباقي لا يكون على المولى شيء كما لو دفع العبد وقيمته أقل من أرش الجراحة ولو كان السيف مع الحر ومع العبد عصا فمات العبد وبرأ الحر ولا يدرى أيهما بدأ بالجناية فللمولى أن يقتل الحر ويبطل حق الحر لأن الحر قتل بالسيف عمدا فوجب القود فقد مات العبد ولم يخلف بدلا فيبطل حق الحر وكذلك لو كان العبد هو الذي بدأ بالجناية لأنه لا يتصور تملك العبد بسبب بعدما مات ولو كان مع كل واحد منهما عصا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة وبرئا واتفقوا أنهم لا يعلمون البادئ من هو خير المولى فإن دفع العبد يرجع على الحر بنصف أرش عبده لأن الحر إن كان هو البادئ بالجناية يجب عليه جميع أرش عبده وإن كان اللاحق فهو لا يجب عليه شيء فيجب نصفه وإن شاء فداه بجميع أرش الحر ورجع على الحر بجميع أرش عبده لأنه لا يجب على الحر جميع أرش العبد تقدمت جنايته أو تأخرت فإن كانا سواء اتفقا وإن كان أحدهما أقل فالأقل بمثله يصير قصاصا ويرد الفضل على صاحبه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏عبدهما قتل قريبهما فعفا أحدهما بطل الكل‏)‏ معناه إن كان عبد بين رجلين فقتل قريبا لهما كأمهما أو أخوهما فعفا أحدهما بطل الجميع ولا يستحق غير العافي منهما شيئا من العبد غير نصيبه الذي كان له من قبل‏.‏ وكذا إذا كان العبد لقريب لهما أو لمعتقهما فقتل مولاه فرثاه بطل الكل هذا عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف يدفع الذي عفا نصف نصيبه إلى الآخر إن شاء وإن شاء فداه بربع الدية لأن حق القصاص ثبت لهما في العبد على الشيوع لأن الملك لا ينافي استحقاق القصاص عليه للمولى فإذا عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر وهو النصف مالا غير أنه شائع في كل العبد فيكون نصفه في نصيبه ونصفه في نصيب صاحبه فما أصاب نصيبه سقط لأن المولى لا يستوجب على عبده مالا وما أصاب نصيب صاحبه ثبت وهو نصف النصف وهو الربع فيدفع نصف نصيبه أو يفديه بربع الدية ولأبي حنيفة أن ما يجب من المال يكون حق المولى لأنه بدل دمه ولهذا يقضى منه ديونه وتنفذ منه وصاياه ثم الورثة يخلفونه فيه عند الفراغ من حاجته والمولى لا يستوجب على عبده مالا فلا تخلفه الورثة فيه ولأن القصاص لما صار مالا صار بمعنى الخطأ وفيه لا يجب شيء فكذا ما هو في معنى ذلك وفي الكافي ومن قتل وليه عمدا فقطع يد قاتله ثم عفا وقد قضي له بالقصاص أو لم يقض فعلى قاطع اليد دية عند أبي حنيفة وقالا لا شيء عليه وكذا إذا عفا ثم سرى لا يضمن شيئا والقطع الساري أفحش من المقتصر وصار كما لو كان له قصاص في اليد فقطع أصابعه ثم عفا عن اليد فإنه لا يضمن أرش الأصابع والأصابع والكف كأطراف النفس ولو قطع وما عفا ثم برأ فهو على الخلاف في الصحيح‏.‏ ولو قطع ثم حز رقبته قبل البرء فهو على استيفاء قتل يضمن حتى لو حز رقبته بعد البرء فهو على الخلاف في الصحيح شج رجلا موضحة عمدا فعفا عنها وما يحدث منها ثم شجه شجة أخرى عمدا فلم يعف عنها فعلى الجاني الدية كاملة في ثلاث سنين إذا مات منها جميعا من قبل أنه عفا عن الأولى بطل عنه القصاص وصارت الثانية مالا وصارت الأولى أيضا مالا ولم يجز له العفو لأنه لا وصية له وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف في مثل هذه الصورة أن على الجاني الدية رجل قتل عمدا وقضي لوليه بالقصاص على القاتل فأمر الولي رجلا بقتله ثم إنه طلب من الولي أن يعفو عن القاتل فعفا عنه فقتله المأمور وهو لا يعلم بالعفو قال عليه الدية ويرجع بذلك على الآمر امرأة قتلت رجلا خطأ فتزوجها ولي المقتول على الدية التي وجبت على العاقلة فذلك جائز والعاقلة براء فإن طلقها قبل الدخول بها رجع على العاقلة بنصف الدية رجل شج رجلا موضحة عمدا ومات من الموضحتين فعلى الآخر القصاص ولا شيء على الأول وكذلك لو كان الصلح مع الأول بعد ما شجه الآخر قال أبو الفضل فقد استحسن في موضع آخر من هذا الكتاب أنه له القصاص على الآخر إذا كان شجه بعد صلح الأول رجل شج رجلا موضحة عمدا وصالحه عنها وما يحدث منها على عشرة آلاف درهم وقبضها ثم شجه آخر خطأ ومات منها فعلى الثاني خمسة آلاف درهم على عاقلته‏.‏ ويرجع الأول في مال المقتول بخمسة آلاف درهم على عاقلته وإن كانت الشجتان عمدا جاز إعطاء الأول وقتل الآخر والله أعلم‏.‏