فصل: باب صدقة البقر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب صدقة السوائم

أي زكاتها قالوا حيث أطلقت الصدقة في الكتاب العزيز فالمراد بها الزكاة وبدأ أكثرهم ببيان السوائم اقتداء بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها كانت مفتتحة بها ولكونها أعز أموال العرب والسوائم جمع سائمة ولها معنيان لغوي وفقهي قال في المغرب سامت الماشية رعت سوما وأسامها صاحبها إسامة والسائمة عن الأصمعي كل إبل ترسل ترعى، ولا تعلف في الأهل ا هـ وفي ضياء الحلوم‏:‏ السائمة المال الراعي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ هي التي تكتفي بالرعي في أكثر السنة‏)‏ بيان للسائمة بالمعنى الفقهي؛ لأن اسم السائمة لا يزول بالعلف اليسير ولأنه لا يمكن الاحتراز عنه قيد بالأكثر لإفادة أنه لو علفها نصف الحول فإنها لا تكون سائمة فلا زكاة فيها لوقوع الشك في السبب؛ لأن المال إنما صار سببا بوصف الإسامة فلا يجب الحكم مع الشك اعترض في النهاية بأن مرادهم تفسير السائمة التي فيها الحكم المذكور فهي تعريف بالأعم إذ بقي قيد كون ذلك لغرض النسل والدر والتسمين وإلا فيشمل الإسامة لغرض الحمل والركوب وليس فيها زكاة وأقره عليه في فتح القدير وقد يجاب بأنهم إنما تركوا هذا القيد لتصريحهم بعد ذلك بأن ما كان للحمل والركوب فإنه لا شيء فيه وصرحوا أيضا بأن العروض إذا كانت للتجارة يجب فيها زكاة التجارة وقالوا‏:‏ إن العرض خلاف النقد فيدخل فيه الحيوانات، وحاصله أنه إن أسامها للحمل أو للركوب فلا زكاة أصلا أو للتجارة ففيها زكاة التجارة أو للدر والنسل ففيها الزكاة المذكورة في هذا الباب، وفي المحيط‏:‏ ولو اشتراها للتجارة ثم جعلها سائمة يعتبر الحول من وقت الجعل لأن حول زكاة التجارة يبطل بجعلها للسوم؛ لأن زكاة السوائم وزكاة التجارة مختلفان قدرا وسببا فلا يبنى حول أحدهما على الآخر فإن قلت قد اقتصر الزيلعي وغيره على أن المراد بها التي تسام للدر والنسل فيفيد أنها لو كانت كلها ذكورا لا تجب الزكاة فيها والمصرح به في البدائع والمحيط أنه لا فرق بين كونها كلها إناثا أو كونها كلها ذكورا أو بعضها ذكورا وبعضها إناثا قلت المقصود من هذا الشرط نفي كون الإسامة للحمل والركوب أو للتجارة لا اشتراط أن تكون للدر والنسل ولذا زاد في المحيط أن تسام لقصد الدر والنسل والزيادة والسمن فالذكور فقط تسام للزيادة والسمن لكن في البدائع لو أسامها للحم لا زكاة فيها كالحمل والركوب وفي القنية‏:‏ له إبل عوامل يعمل بها في السنة أربعة أشهر ويسمنها في الباقي ينبغي أن لا يجب فيها الزكاة ا هـ‏.‏ والرعي مصدر رعت الماشية الكلأ، والرعي بالكسر الكلأ نفسه كذا في المغرب والمناسب هنا ضبطه بالفتح؛ لأن السائمة في الفقه هي التي ترعى، ولا تعلف في الأهل لقصد الدر والنسل كما في فتح القدير فلو حمل الكلأ إليها في البيت لا تكون سائمة فلو ضبط الرعي في كلامهم هنا بالكسر لكانت سائمة، ولا بد أن يكون الكلأ الذي ترعاه مباحا كما قيده الشمني به؛ لأن الكلأ في اللغة كل ما رعت الدواب من الرطب واليابس فيدخل فيه غير المباح‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويجب في خمس وعشرين إبلا بنت مخاض، وفيما دونه في كل خمس شاة، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وفي ست وأربعين حقة، وفي إحدى وستين جذعة، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان إلى مائة وعشرين‏)‏ بهذا اشتهرت كتب الصدقات من رسول الله صلى الله عليه وسلم والإبل ليس لها واحد من لفظها والنسبة إليها إبلي بفتح الباء كقولهم في النسبة إلى سلمة سلمي بالفتح لتوالي الكسرات مع الياء والمخاض النوق الحوامل وابن المخاض هو الفصيل الذي حملت أمه قبل ابن اللبون بسنة، وكذلك بنت المخاض، والمخاض أيضا‏:‏ وجع الولادة قال - تعالى - ‏{‏فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة‏}‏ وشاة لبون ذات لبن وابن اللبون الذي استكمل سنتين، ودخل في الثالثة والحق من الإبل ما استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة، والحقة الأنثى، والجمع حقاق والجذع من البهائم قبل الثني إلا أنه من الإبل في السنة الخامسة، والأنثى جذعة هذا في اللغة، وفي الشريعة‏:‏ والمراد ببنت المخاض ما تم لها سنة، وبنت اللبون ما تم لها سنتان، وبالحقة ما تم لها ثلاث وبالجذعة ما تم لها أربع ذكر الزيلعي في فصل المحرمات من النكاح أن قيد كونها بنت مخاض أو بنت لبون خرج مخرج العادة لا مخرج الشرط، فالمراد السن لا أن تكون أمها مخاضا أو لبونا ا هـ‏.‏ واقتصر الفقهاء على هذه الأسنان الأربعة؛ لأن ما عداها لا مدخل لها في الزكاة كالثني والسديس والبازل تيسيرا على أرباب الأموال بخلاف الأضحية، فإنها لا تجوز بهذه الأسنان؛ لأنه لا يجوز فيها إلا الثني، ولا يجوز الجذع إلا من الضأن وقالوا‏:‏ هذه الأسنان الأربعة نهاية الإبل في الحسن والدر والنسل والقوة، وما زاد عليه فهو رجوع كالكبر والهرم، والأصل في هذا الباب أنه توقيفي، وما في المبسوط مما يفيد أنه معقول المعنى فإنه قال‏:‏ إن إيجاب الشاة في خمسة من الإبل لأن المأمور به ربع العشر بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «هاتوا ربع عشر أموالكم»، والشاة تقرب من ربع عشر فإن الشاة كانت تقوم بخمسة دراهم هناك، وابنة مخاض بأربعين درهما فإيجاب الشاة في الخمس كإيجابها في المائتين من الدراهم ففيه نظر؛ لأنه قد ورد في الحديث أن من وجب عليه سن فلم يوجد عنده فإنه يضع العشرة موضع الشاة عند عدمها، وهو مصرح بخلافه، وقيد المصنف السن الواجب في الإبل بالإناث؛ لأنه لا يجوز فيها دفع الذكور كابن المخاض إلا بطريق القيمة للإناث إلا فيما دون خمس وعشرين من الإبل فإنه يجوز الذكر والأنثى؛ لأن النص ورد باسم الشاة فإنها تقع على الذكر والأنثى بخلاف البقر والغنم فإنه يجوز في السن الواجب فيهما الذكور والإناث كما سيصرح به من التبيع والمسن، وفي البدائع ولا يجوز في الصدقة إلا ما يجوز في الأضحية وأطلق في الإبل فشمل الذكور والإناث كما قدمناه؛ لأن الشرع ورد بنصابها باسم الإبل والبقر والغنم واسم الجنس يتناول جميع الأنواع بأي صفة كانت كاسم الحيوان وسواء كان متولدا من الأهليين أو من أهلي ووحشي بعد أن كان الأم أهلية كالمتولد من الشاة والظبي إذا كان أمه شاة والمتولد من البقر الأهلي والوحشي إذا كان أمه أهلية فتجب الزكاة فيه كذا في البدائع وشمل الصغار والكبار لكن بشرط أن لا يكون الكل صغارا لما سيصرح به بعد ذلك فالصغار تبع للكبار عند الاختلاط وشمل الأعمى والمريض والأعرج في العدد، ولا يؤخذ في الصدقة كما في الولوالجية وشمل السمان والعجاف لكن قالوا‏:‏ إذا كان له خمس من الإبل مهازيل وجب فيها شاة بقدرهن، ومعرفة ذلك أن ينظر إلى الشاة الوسط كم هي من بنت المخاض الوسط فإن كانت قيمة بنت مخاض وسط خمسين، وقيمة الشاة الوسط عشرة تبين أن الشاة الوسط خمس بنت مخاض فوجب في المهازيل شاة قيمتها قيمة خمس واحدة منها، وإن كان سدسها فسدس، وعلى هذا قياسه وإن كان لا يبلغ قيمة كلها قيمة بنت مخاض وسط ينظر إلى قيمة أعلاهن فيجب فيها من الزكاة قدر خمس أعلاهن، فإن كانت قيمة أعلاهن عشرين فخمسه أربعة فيجب فيها شاة تساوي أربعة دراهم، وإن كانت قيمة أعلاهن ثلاثين فخمسه ستة دراهم؛ لأنه لا وجه لإيجاب الشاة الوسط؛ لأنه لعل قيمتها تبلغ قيمة واحدة من العجاف أو تربو عليها فيؤدي إلى الإجحاف بأرباب الأموال فأوجبنا شاة بقدرهن ليعتدل النظر من الجانبين وكذا في العشرة منها يجب شاتان بقدرهن إلى خمس وعشرين فيجب واحدة من أفضلهن، وتمام تفريعات زكاة العجاف في الزيادات والمحيط وغيرها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم في كل خمس شاة إلى مائة وخمس وأربعين ففيها حقتان وبنت مخاض وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق ثم في كل خمس شاة، وفي مائة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض وفي مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون وفي مائة وست وتسعين أربع حقاق إلى مائتين ثم تستأنف أبدا كما بعد مائة وخمسين‏)‏ كما ورد ذلك في كتاب عمرو بن حزم وفي المبسوط وفتاوى قاضي خان إذا صارت مائتين فهو مخير إن شاء أدى فيها أربع حقاق في كل خمسين حقة، وإن شاء أدى خمس بنات لبون في كل أربعين بنت لبون وفي معراج الدراية أن له الخيار فيما إذا كانت مائة وستا وتسعين إن شاء أدى أربع حقاق، وإن شاء صبر لتكمل مائتين فيخير بينها وبين خمس بنات لبون، وإنما قيد في الاستئناف بقوله كما بعد مائة وخمسين ليفيد أنه ليس كالاستئناف الذي بعد المائة والعشرين، والفرق بينهما أن في الاستئناف الثاني إيجاب بنت لبون، وفي الاستئناف الأول لم يكن لانعدام نصابه وأن الواجب في الاستئناف الأول تغير من الخمس إلى الخمس إلى أن تستأنف الفريضة، وفي الاستئناف الثاني لم يكن كذلك فإذا زاد على المائتين خمس ففيها شاة مع الأربع حقاق أو الخمس بنات لبون، وفي عشر شاتان معها، وفي خمسة عشر ثلاث شياه معها، وفي عشرين أربع معها فإذا بلغت مائتين وخمسا وعشرين ففيها بنت مخاض معها إلى ست وثلاثين فبنت لبون معها إلى ست وأربعين ومائتين ففيها خمس حقاق إلى مائتين وخمسين ثم تستأنف كذلك ففي مائتين وست وتسعين ست حقاق إلى ثلاثمائة، وهكذا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والبخت كالعراب‏)‏ لأن اسم الإبل يتناولهما واختلافهما في النوع لا يخرجهما من الجنس والبخت جمع بختي، وهو الذي تولد من العربي والعجمي منسوب إلى بخت نصر والعراب جمع عربي للبهائم، وللأناسي عرب ففرقوا بينهما في الجمع والعرب هم الذين استوطنوا المدن والقرى العربية والأعراب أهل البدو واختلف في نسبتهم فالأصح أنهم نسبوا إلى عربة بفتحتين، وهي من تهامة؛ لأن أباهم إسماعيل عليه السلام نشأ بها كذا في المغرب والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

باب صدقة البقر

قدمت على الغنم لقربها من الإبل في الضخامة حتى شملها اسم البدنة، وفي المغرب بقر بطنه شقه من باب طلب، والباقور والبيقور والأبقور والبقر سواء، وفي التكملة عن قطرب‏:‏ الباقورة البقر ا هـ‏.‏ والبقر جنس واحده بقرة ذكرا كان أو أنثى كالتمر والتمرة فالتاء للوحدة لا للتأنيث، وفي ضياء الحلوم‏:‏ الباقر جماعة البقر مع رعائها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ في ثلاثين بقرا تبيع ذو سنة أو تبيعة، وفي أربعين مسن ذو سنتين أو مسنة، وفيما زاد بحسابه إلى ستين ففيها تبيعان، وفي سبعين مسنة وتبيع، وفي ثمانين مسنتان فالفرض يتغير في كل عشر من تبيع إلى مسنة‏)‏ بهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا حين بعثه إلى اليمن، ولا خلاف فيما في المختصر إلا في قوله، وفيما زاد على الأربعين فبحسابه ففيه روايات عن الإمام فما في المختصر رواية عن أبي يوسف عنه فيجب في الزائد إذا كان واحدة جزءا من أربعين جزء من مسنة، وروى الحسن عنه أنه لا شيء فيما زاد إلى خمسين ففي الخمسين مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع، وروى أسد بن عمرو عنه أنه لا شيء في الزيادة إلى ستين، وهو قولهما وظاهر الرواية ما في المختصر كذا في غاية البيان لكن في المحيط رواية أسد أعدل الأقوال وفي جامع الفقه قولهما هو المختار وذكر الإسبيجابي أن الفتوى على قولهما كما ذكره العلامة قاسم في تصحيحه على القدوري، وسمي الحولي من أولاد البقر بالتبيع؛ لأنه يتبع أمه بعد، والمسن من البقر والشاء ما تم له سنتان، ومن الإبل ما دخل في السنة الثامنة ثم لا يتعين الأنوثة في هذا الباب، ولا في الغنم بخلاف الإبل؛ لأنها لا تعد فضلا فيهما بخلاف الإبل، وفي المحيط معزيا إلى الزيادات‏:‏ له أربعون من البقر عجافا فعليه مسنة بقدرهن، ومعرفة ذلك أن ينظر إلى قيمة التبيع الوسط وقيمة المسنة الوسط، فإن كانت قيمة التبيع أربعين، وقيمة المسنة خمسين تبين أن المسنة مثل تبيع وربع تبيع فعليه واحدة من أفضلهن وربع التي تليها، وإن كانت قيمة أفضلهن ثلاثين، وقيمة التي تليها عشرين فعليه مسنة قيمتها خمسة وثلاثون، وعلى هذا تجري المسائل‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والجاموس كالبقر‏)‏؛ لأن اسم البقر يتناولهما؛ إذ هو نوع منه فيكمل نصاب البقر به وتجب فيه زكاتها وعند الاختلاط تؤخذ الزكاة من أغلبها إن كان بعضها أكثر من بعض، وإن لم يكن فيأخذ أعلى الأدنى وأدنى الأعلى، ولا يرد عليه ما إذا حلف لا يأكل لحم البقر فأكله فإنه لا يحنث كما في الهداية؛ لأن أوهام الناس لا تسبق إليه في ديارنا لقلته، وفي فتاوى قاضي خان من فصل الأكل من الأيمان قال بعضهم لو حلف لا يأكل لحم البقر فأكل لحم الجاموس حنث، ولو حلف أن لا يأكل لحم الجاموس فأكل لحم البقر لا يحنث، وهذا أصح، وينبغي أن لا يحنث في الفصلين للعرف ا هـ‏.‏ فعلى هذا التصحيح كان التشبيه في قوله كالجاموس عاما في الأيمان أيضا ويوافقه ما في المحيط والجواميس بمنزلة البقر؛ ولهذا لو حلف لا يشتري بقرا فاشترى جاموسا يحنث بخلاف البقر الوحشي؛ لأنه ملحق بخلاف الجنس كالحمار الوحشي وإن ألفت فيما بيننا لا يلتحق بالأهلي حكما حتى يبقى حلال الأكل فكذا البقر الوحشي‏.‏ ا هـ‏.‏ والحق ما في الهداية، وفي التبيين وقوله والجاموس كالبقر ليس بجيد لأنه يوهم أنه ليس ببقر ا هـ‏.‏ وجوابه أنه لما كان في العرف ليس ببقر كان ذلك كافيا في التغاير المقتضي لصحة التشبيه، وعبارة الولوالجي أحسن، وهي والجواميس من البقر؛ لأنها نوع منه والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

فصل في الغنم

سميت به؛ لأنه ليس لها آلة الدفاع فكانت غنيمة لكل طالب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ في أربعين شاة شاة، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه، وفي أربعمائة أربع شياه ثم في كل مائة شاة شاة‏)‏ بالإجماع وقدمنا أن الشاة تشمل الذكر والأنثى، وفي المحيط والمتولد بين الغنم والظباء يعتبر فيه الأم فإن كانت غنما وجبت فيها الزكاة ويكمل به النصاب وإلا فلا، وفي الولوالجية لو كان لرجل مائة وعشرون شاة حتى وجبت فيها شاة ليس للساعي أن يفرقها فيجعلها أربعين أربعين فيأخذ ثلاث شياه؛ لأن باتحاد الملك صار الكل نصابا ولو كان بين رجلين أربعون شاة حتى لم يجب على كل واحد منهما الزكاة ليس للساعي أن يجمعها ويجعلها نصابا ويأخذ الزكاة منها لأن ملك كل واحد منهما قاصر على النصاب ا هـ‏.‏ وفي العجاف إن كانت شاة وسط تعينت، وإلا واحدة من أفضلها فإن كانت نصابين أو ثلاثة كمائة وإحدى وعشرين أو مائتين وواحدة، وفيها عدد الواجب وسط تعينت هي أو قيمتها وإن بعضه تعين هو وكمل من أفضلها بقية الواجب فتجب الواحدة الوسط وواحدة أو اثنتان عجفا، وأن يحسب ما يكون الواجب والموجود وتمامه في الزيادات‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والمعز كالضأن‏)‏ لأن النص ورد باسم الشاة والغنم، وهو شامل لهما فكانا جنسا واحدا، وفي فتح القدير‏:‏ والضأن والمعز سواء أي في تكميل النصاب لا في أداء الواجب‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المعراج الضأن جمع ضائن كركب جمع راكب من ذوات الصوف، والضأن اسم للذكر والنعجة للأنثى والمعز ذات الشعر اسم للأنثى، واسم الذكر التيس‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويؤخذ الثني في زكاته لا الجذع‏)‏ لقول علي رضي الله عنه‏:‏ لا يجزئ في الزكاة إلا الثني فصاعدا وأطلقه فشمل الضأن والمعز، ولا خلاف أنه لا يؤخذ في المعز إلا الثني كما ذكره قاضي خان واختلف في الضأن فما في المختصر ظاهر الرواية ويقابله جواز الجذع، وهو قولهما قياسا على الأضحية، وهو ممتنع؛ لأن جواز التضحية به عرف نصا فلا يلحق به غيره والثني ما تم له سنة واختلف في الجذع ففي الهداية أنه ما أتى عليه أكثرها، وذكر الناطفي أنه ما تم له ثمانية أشهر، وذكر الزعفراني أنه ما تم له سبعة أشهر، وذكر الأقطع قال الفقهاء‏:‏ الجذع من الغنم ما له ستة أشهر ا هـ‏.‏ وهو الظاهر وحاصله أن الجذع من الغنم عند الفقهاء ابن نصف سنة، ومن البقر ابن سنة، ومن الإبل ابن أربع سنين والثني عندهم ما تم له سنة من الغنم، ومن البقر ابن سنتين، ومن الإبل ابن خمسة، والمذكور في التبيين من كتاب الأضحية أن الثني من الضأن والمعز سواء، وهو ما تم له سنة، ولم أر سن الجذع من المعز عند الفقهاء وإنما نقلوه عن الأزهري أن الجذع من المعز ما تم له سنة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا شيء في الخيل‏)‏ اختيار لقولهما لحديث البخاري مرفوعا‏:‏ «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة»، ولا يرد عليه أن فيها زكاة التجارة إذا كانت لها اتفاقا؛ لأن كلامه في زكاة السوائم لا مطلق الزكاة، وأما عند أبي حنيفة فلا يخلو إما أن تكون سائمة أو علوفة، وكل منهما لا يخلو إما أن تكون للتجارة أو لا، فإن كانت للتجارة وجبت فيها زكاة التجارة سائمة كانت أو علوفة؛ لأنها من العروض، وإن لم تكن للتجارة فلا يخلو إما أن تكون للحمل والركوب أو لا فإن كانت للحمل والركوب فلا شيء فيها مطلقا، وإن كانت لغيرهما فإما أن تكون سائمة أو علوفة فإن كانت علوفة فلا شيء فيها، وإن كانت سائمة للدر والنسل فلا يخلو، فإن كانت ذكورا وإناثا فلا يخلو فإن كانت من أفراس العرب فصاحبها بالخيار إن شاء أعطى عن كل فرس دينارا، وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتين خمسة دراهم، وهو مأثور عن عمر رضي الله عنه كما في الهداية، وإن لم تكن من أفراس العرب فإنها تقوم ويؤدي عن كل مائتين خمسة دراهم، والفرق أن أفراس العرب لا تتفاوت تفاوتا فاحشا بخلاف غيرها كما في الخانية، وإن كانت ذكورا فقط، أو إناثا فقط فعنه روايتان المشهور منهما عدم الوجوب؛ لأنها غير معدة للاستنماء؛ لأن معنى النسل لا يحصل منها، ومعنى السمن فيها غير معتبر؛ لأنه غير مأكول اللحم كذا في المحيط وصححه في البدائع، وفي التبيين الأشبه أن تجب في الإناث؛ لأنها تتناسل بالفحل المستعار، ولا تجب في الذكور لعدم النماء، ورجح قوله شمس الأئمة وصاحب التحفة وتبعهما في فتح القدير وذكر في الخانية أن الفتوى على قولهما وأجمعوا أن الإمام لا يأخذ منهم صدقة الخيل جبرا ا هـ‏.‏ واختلف المشايخ على قوله في اشتراط نصاب لها، والصحيح أنه لا يشترط لعدم النقل بالتقدير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا في الحمير والبغال‏)‏ لقوله عليه السلام‏:‏ «لم ينزل علي فيهما شيء» والمقادير ثبتت سماعا إلا أن تكون للتجارة لأن الزكاة حينئذ تتعلق بالمالية كسائر أموال التجارة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا في الحملان والفصلان والعجاجيل‏)‏ الحملان بضم الحاء، وفي الديوان بكسرها جمع حمل بفتحتين ولد الشاة والفصلان جمع فصيل ولد الناقة قبل أن يصير ابن مخاض والعجاجيل جمع عجول بمعنى عجل، ولد البقرة وعدم الوجوب في الصغار من السوائم قولهما، وقال أبو يوسف تجب واحدة منها، وفي المحيط تكلموا في صورة المسألة فإنها مشكلة؛ لأن الزكاة لا تجب بدون مضي الحول وبعد الحول لم تبق صغارا، قيل‏:‏ إن صورتها أن الحول هل ينعقد على هذه الصغار بأن ملكها في أول الحول ثم تم الحول عليها هل تجب الزكاة فيها، وإن لم تبق صغارا، وقيل صورتها إذا كانت لها أمهات فمضت ستة أشهر فولدت أولادا ثم ماتت الأمهات، وبقيت الأولاد ثم تم الحول عليها، وهي صغار هل تجب الزكاة فيها أم لا، وهو الأصح لأبي يوسف أنا لو أوجبنا فيها ما يجب في المسان كما قال زفر أجحفنا بأرباب الأموال ولو أوجبنا فيها شاة أضررنا بالفقراء فأوجبنا واحدة منها استدلالا بالمهازيل، وإن نقصان الوصف لما أثر في تخفيف الواجب لا في إسقاطه فكذلك في إسقاط السن والصحيح قول أبي حنيفة؛ لأن النص أوجب للزكاة أسنانا مرتبة، ولا مدخل للقياس في ذلك، وهو مفقود في الصغار ا هـ‏.‏ وفي معراج الدراية أنها مصورة فيما إذا كان له خمس وعشرون من النوق قال‏:‏ وإنما لم تصور خمسة؛ لأن أبا يوسف أوجب واحدة منها، وذلك لا يتصور في أقل من خمس وعشرين، وهذا الخلاف فيما إذا لم يكن مع الصغار كبير فأما إذا كان فتجب بالإجماع حتى لو كان مع تسع وثلاثين حملا مسن تجب ويؤخذ المسن، وكذلك في الإبل والبقر ا هـ‏.‏ وفي غاية البيان معزيا إلى الزيادات رجل له تسعة وثلاثون حملا ومسنة واحدة فإن كانت المسنة وسطا أخذت، وإن كانت جيدة لم تؤخذ، ويؤدي صاحب المال شاة وسطا، وإن كانت دون الوسط لم يجب إلا هذه فإن هلكت الكبيرة بعد الحول بطل الواجب كله عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن الصغار كانت تبعا للكبار عندهما وعند أبي يوسف يجب في الباقي تسعة وثلاثون جزءا من أربعين جزءا من حمل؛ لأن الفضل على الحمل إنما وجب باعتبار الكبيرة فبطل بهلاكها وإذا هلك الكل إلا الكبيرة فإن فيها جزءا من أربعين جزءا من شاة مسنة، وكذلك رجل له أربعة وعشرون فصيلا وبنت مخاض سمينة أو وسط وكذلك تسعة وعشرون عجولا، وفيها مسنة أو تبيعة ثم الأصل الذي يعتبر في حال اختلاط الصغار والكبار أن يكون العدد الواجب في الكبار موجودا كما إذا كان له مسنتان ومائة وتسعة عشر حملا؛ فإنه يجب مسنتان في قولهما‏:‏ أما إذا كان له مسنة ومائة وعشرون حملا يجب مسنة واحدة عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف تجب مسنة وحمل، وكذلك تسعة وخمسون عجولا وتبيع حيث يؤخذ التبيع فحسب عندهما؛ لأنه ليس فيها ما يجزئ في الوجوب غيره وقال أبو يوسف‏:‏ يؤخذ التبيع وعجل معه وتمامه في شرح الزيادات لقاضي خان‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا في العلوفة والعوامل‏)‏ للحديث‏:‏ «ليس في الحوامل والعوامل والعلوفة صدقة» ولأن السبب هو المال النامي، ودليله الإسامة أو الإعداد للتجارة ولم يوجد أو؛ لأن في العلوفة تتراكم المؤنة فينعدم النماء معنى، والمراد بنفي الزكاة عن العلوفة زكاة السائمة؛ لأنها لو كانت للتجارة وجبت فيها زكاة التجارة، والمراد بنفيها عن العوامل التعميم والعلوفة بفتح العين ما يعلف من الغنم وغيرها الواحد والجمع سواء والعلوفة بالضم جمع علف يقال علفت الدابة، ولا يقال‏:‏ أعلفتها والدابة معلوفة وعليف كذا في غاية البيان وقدمنا عن القنية أنه لو كان له إبل عوامل يعمل بها في السنة أربعة أشهر ويسمنها في الباقي ينبغي أن لا تجب فيها الزكاة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا في العفو‏)‏ أي لا زكاة في العفو، وهو لغة مشترك بين أفضل المال وأفضل المرعى والمعروف والإعطاء من غير مسألة والفاضل عن النفقة والمكان الذي لم يوطأ والصفح والإعراض عن عقوبة المذنب وشرعا ما بين النصب كالأربعة الزائدة على الخمسة من الإبل إلى العشر، وكالعشرة الزائدة على خمس وعشرين من الإبل فعند أبي حنيفة وأبي يوسف الزكاة في النصاب لا في العفو وعند محمد وزفر فيهما حتى لو هلك العفو، وبقي النصاب يبقى كل الواجب عند الأولين، ويسقط بقدره عند الآخرين فلو كان له تسع من الإبل أو مائة وعشرون من الغنم فهلك بعد الحول من الإبل أربعة، ومن الغنم ثمانون لم يسقط شيء من الزكاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد وزفر يسقط في الأول أربعة أتساع شاة، وفي الثانية ثلثا شاة، وفي الهداية وغيرها أن الهلاك يصرف بعد العفو إلى النصاب الأخير ثم إلى الذي يليه إلى أن ينتهي عند الإمام؛ لأن الأصل هو النصاب الأول، وما زاد عليه تابع، وعند أبي يوسف يصرف إلى العفو أولا ثم إلى النصب شائعا، وفي المحيط أن هذه رواية ضعيفة عن أبي يوسف وظاهر الرواية عنه كقول إمامه وتظهر فائدته فيما إذا كان له مائة وإحدى وعشرون شاة فهلك إحدى وثمانون بقي من الواجب شاة عند الإمام وعند الثلاثة يجب أربعون جزءا من مائة وإحدى وعشرين جزءا من شاتين ولو هلك شاة فقط بقي من الواجب شاة عنده وعند الثلاثة يسقط جزء واحد من مائة وإحدى وعشرين جزءا من شاتين ويبقى الباقي، وإذا كان له أربعون من الإبل فهلك نصفها بعد الحول فعند الإمام الواجب أربع شياه، وعند أبي يوسف عشرون جزءا من ستة وثلاثين جزءا من بنت اللبون، وعند محمد نصف بنت لبون، ولو هلك عشرة من خمس وعشرين فعنده الواجب ثلاث شياه، وعند الثلاثة ثلاثة أخماس بنت المخاض، وفي غاية البيان ينبغي لك أن تعلم أن العفو عند أبي حنيفة في جميع الأموال وعندهما لا يتصور العفو إلا في السوائم؛ لأن ما زاد على مائتي درهم لا عفو فيه عندهما ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا الهالك بعد الوجوب‏)‏ أي لا شيء في الهالك بعد الوجوب فإن هلك المال كله سقط الواجب كله، وإن بعضه فبحسابه، وقال الشافعي‏:‏ يضمن إذا هلك بعد التمكن من الأداء، وهو مبني على أن الزكاة تجب في العين أو في الذمة فعندنا تجب في العين، وهو المشهور من قول الشافعي، وفي قول له تجب في الذمة والعين مرتهنة بها كذا في غاية البيان ثم الظواهر تؤيد ما قلنا مثل قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهم» أطلقه فشمل ما إذا تمكن من الأداء وفرط في التأخير حتى هلك، وما إذا منع الإمام أو الساعي بعد الطلب حتى هلك، وفي الثاني خلاف وعامتهم على السقوط، وهو الصحيح؛ لأنه لم يفوت بهذا المنع ملكا على أحد، ولا يدا فصار كما لو طلب واحد من الفقراء ورجحه في فتح القدير بأنه الأشبه بالفقه لأن الساعي، وإن تعين لكن للمالك رأي في اختيار محل الأداء بين العين والقيمة ثم القيمة شائعة في محال كثيرة، والرأي يستدعي زمانا فالحبس لذلك ا هـ‏.‏ وقيد بالهلاك؛ لأنه لو استهلكه بعد الحول لا تسقط عنه لوجود التعدي واختلف فيما لو حبس السائمة للعلف أو للماء حتى هلكت قيل هو استهلاك فيضمن وقيل لا يضمن كالوديعة إذا منعها لذلك حتى هلكت لم يضمن كذا في المعراج وقدمنا أن الإبراء عن الدين بعد الحول مطلقا ليس باستهلاك فلا زكاة فيه، وفي الخانية واستبدال مال التجارة بمال التجارة ليس باستهلاك وبغير مال التجارة استهلاك واستبدال مال السائمة بالسائمة استهلاك وإقراض النصاب بعد الحول ليس باستهلاك، وإن توى المال على المستقرض، وكذا لو أعار ثوب التجارة بعد الحول ا هـ‏.‏ وإنما كان بيع السائمة استهلاكا مطلقا؛ لأن الوجوب فيها متعلق بالصورة والمعنى فبيعها يكون استهلاكا لا استبدالا، فإذا باعها، فإن كان المصدق حاضرا فهو بالخيار إن شاء أخذ قيمة الواجب من البائع وتم البيع في الكل، وإن شاء أخذ الواجب من العين المشتراة وبطل البيع في القدر المأخوذ، وإن لم يكن حاضرا وقت البيع وحضر بعد التفرق عن المجلس فإنه لا يأخذه من المشتري، وإنما يأخذ قيمة الواجب من البائع ولو باع طعاما وجب فيه العشر فالمصدق بالخيار إن شاء أخذ من البائع، وإن شاء من المشتري سواء حضر قبل الافتراق أو بعده لأنه تعلق العشر بالعين أكثر من تعلق الزكاة بها ألا ترى أن العشر لا يعتبر فيه المالك بخلاف الزكاة، ولو مات من عليه العشر قبل أدائه من غير وصية يؤخذ من تركته بخلاف الزكاة كذا في البدائع، وفي معراج الدراية ولو استبدل السائمة بجنسها ينقطع حكم الحول؛ لأن وجوب الزكاة في السائمة باعتبار عينها، وفي غيرها باعتبار ماليتها فالعين الثانية في السائمة غير الأولى لفوات متعلق الوجوب بخلاف العروض؛ لأن متعلق الوجوب هو المالية، وهي باقية مع الاستبدال ا هـ‏.‏ وقيدوا بالاستبدال؛ لأن إخراج مال الزكاة عن ملكه بغير عوض كالهبة من غير الفقير والوصية أو بعوض ليس بمال بأن تزوج امرأة أو صالح به عن دم العمد أو اختلعت به المرأة فهو استهلاك فيضمن به الزكاة، وقولهم‏:‏ إن استبدال مال التجارة بمثله ليس باستهلاك يستثنى منه ما إذا حابى بما لا يتغابن الناس في مثله فإنه يضمن قدر زكاة المحاباة، ويكون دينا في ذمته، وزكاة ما بقي تتحول إلى العين تبقى ببقائها كما في البدائع فإذا صار مستهلكا بالهبة بعد الحول فإذا رجع بقضاء أو غيره لا شيء عليه لو هلكت عنده بعده؛ لأن الرجوع فسخ من الأصل، والنقود تتعين في مثله فعاد إليه قديم ملكه ثم هلك فلا ضمان، ولو رجع بعد ما حال الحول عند الموهوب له فكذلك خلافا لزفر فيما لو كان بغير قضاء فإنه يقول‏:‏ يجب على الموهوب له فإنه مختار فكان تمليكا قلنا بل غير مختار؛ لأنه لو امتنع عن الرد أجبر كذا في فتح القدير وقولهم‏:‏ إن الرجوع فسخ من الأصل ليس على إطلاقه فقد صرحوا في الهبة أن الواهب لا يملك الزوائد المنفصلة برجوعه، وفي الظهيرية‏:‏ ولو وهب النصاب ثم استفاد مالا في خلال الحول ثم رجع في الهبة يستأنف الحول في المستفاد من حين استفاده فهذه المسألة تدل على أن الرجوع في الهبة ليس فسخا للهبة من الأصل؛ إذ لو كان فسخا لما وجب استئناف في المستفاد من وقت الاستفادة ا هـ‏.‏ بلفظه ثم اعلم أنه لو وهب النصاب في خلال الحول ثم تم الحول عند الموهوب له ثم رجع الواهب بقضاء، أو غيره فلا زكاة على واحد منهما كما في الخانية، وهي من حيل إسقاط الزكاة قبل الوجوب كما لا يخفى، وفي المعراج‏:‏ ولو حال الحول على مائتي درهم ثم ورث مثلها فخلطه بها وهلك النصف سقط نصف الزكاة؛ لأن أحدهما ليس بتابع للآخر بخلاف ما لو ربح بعد الحول مائتين ثم هلك نصف الكل مختلطا لم يسقط شيء؛ لأن الربح تبع فيصرف الهلاك إليه كالعفو، وعندهما لا يتصور العفو في غير السوائم ا هـ‏.‏ وسوى في المحيط بين الإرث والربح عندهما في عدم السقوط، وعند محمد يسقط نصفها وتمام تفاريعها فيه، وفي المعراج ولو باع السوائم قبل تمام الحول بيوم فرارا عن الوجوب قال محمد يكره، وقال أبو يوسف لا يكره، وهو الأصح ولو باعها للنفقة لا يكره بالإجماع ولو احتال لإسقاط الواجب يكره بالإجماع، ولو فر من الوجوب بخلا لا تأثيما يكره بالإجماع‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو وجب سن، ولم يوجد دفع أعلى منها، وأخذ الفضل أو دونها، ورد الفضل أو دفع القيمة‏)‏ بيان لمسألتين‏:‏ الأولى‏:‏ لو وجب عليه سن كبنت مخاض مثلا، ولم تكن عنده فصاحب المال مخير إن شاء دفع الأعلى واسترد الفضل أو الأدنى ورد الفضل فقد جعل الخيار للمالك دون الساعي فيهما وقد صرح به في المبسوط، وقال ليس للساعي إذا عين المالك سنا أن يأبى ذلك في الصورتين واستثنى في الهداية من ذلك ما إذا أراد المالك دفع الأعلى وأخذ الفضل من الساعي فإنه لا إجبار على الساعي؛ لأنه شراء فحينئذ لم يكن للمالك خيار في هذه الصورة، وتبعه في التبيين وتعقبه في غاية البيان بأن الزكاة وجبت بطريق اليسر فإذا كان للساعي ولاية الامتناع من قبول الأعلى يلزم العسر، وفي ذلك العود على الموضوع بالنقض فلا يجوز وأيضا فيه خلاف السنة؛ لأن من لزمه الحقة تقبل منه الجذعة إذا لم تكن عنده حقة وكذلك من لزمه بنت لبون وعنده حقة يقبل منه الحقة ويعطي المصدق عشرين درهما أو شاتين كما في صحيح البخاري وهو دليلنا على دفع القيمة في الزكاة وهي في المسألة الثانية، وتقدير الفضل بالعشرين أو الشاتين بناء على الغالب لا أنه تقدير لازم ا هـ‏.‏ وأما قولهم‏:‏ إنه شراء، ولا إجبار فيه فممنوع لأنه ليس شراء حقيقيا، ولم يلزم من الإجبار ضرر بالساعي لأنه عامل لغيره فالظاهر إطلاق المختصر من أن الخيار للمالك فيهما لكن ذكر محمد في الأصل أن الخيار للمصدق أي الساعي ورده في النهاية والمعراج بأن الصواب خلافه وذكر في البدائع أن الخيار لصاحب المال دون المصدق إلا في فصل واحد، وهو ما إذا أراد صاحب المال أن يدفع بعض العين لأجل الواجب فالمصدق بالخيار بين أن لا يأخذ وبين أن يأخذ بأن كان الواجب بنت لبون فأراد أن يدفع بعض الحقة بطريق القيمة فالمصدق إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل لما فيه من تشقيص العين والتشقيص في الأعيان عيب فكان له أن لا يقبل ا هـ‏.‏ وتعقبه الزيلعي بأنه غير مستقيم لوجهين أحدهما أنه مع العيب يساوي قدر الواجب، وهو المعتبر في الباب والثاني أن فيه إجبار المصدق على شراء الزائد ا هـ‏.‏ وقد قدمنا أن جبره على شراء الزائد مستقيم، ولا يخفى أن في التشقيص إضرارا بالفقراء فلم يملك رب المال ذلك فاستقام ما في البدائع لكن قيد المصنف الخيار المذكور بين الأمور الثلاثة بعدم وجود السن الواجب كما في أكثر الكتب، وهو قيد اتفاقي؛ لأن الخيار ثابت مع وجود السن الواجب ولذا قال في المعراج وظن بعض أصحابنا أن أداء القيمة بدل عن الواجب حتى لقب المسألة بالإبدال وليس كذلك فإن المصير إلى البدل لا يجوز إلا عند عدم الأصل، وأداء القيمة مع وجود المنصوص عليه جائز عندنا ا هـ‏.‏ وفي البدائع اختلف أصحابنا فعند الإمام الواجب فيما عدا السوائم جزء من النصاب معنى لا صورة، وعندهما صورة ومعنى لكن يجوز إقامة غيره مقامه معنى واختلف في السوائم على قوله فقيل هي كغيرها وقيل الواجب المنصوص عليه من حيث المعنى، وعندهما الواجب المنصوص عليه صورة ومعنى لكن يجوز إقامة غيره مقامه معنى ويبتنى على هذا الأصل مسائل الجامع له مائتا قفيز حنطة للتجارة تساوي مائتي درهم، ولا مال له غيرها فإن أدى من عينها يؤدي خمسة أقفزة بلا خلاف، وإن أدى قيمتها فعنده تعتبر القيمة يوم الوجوب في الزيادة والنقصان، وعندهما في الفصلين يعتبر يوم الأداء واختلف على قوله في السوائم فقيل يوم الوجوب وقيل يوم الأداء حسب الاختلاف السابق وتمامه فيه، وفي المحيط يعتبر في قيمة السوائم يوم الأداء بالإجماع، وهو الأصح وذكر في الجامع لو فسدت الحنطة بما أصابها حتى صارت قيمتها مائة فإنه يؤدي درهمين ونصفا بلا خلاف إذا اختار القيمة لأنه هلك جزء من العين فسقط ما تعلق به من الواجب، وإن زادت في نفسها قيمة فالعبرة ليوم الوجوب ا هـ‏.‏ وفي الهداية ويجوز دفع القيمة في الزكاة والكفارة وصدقة الفطر والعشر والنذر ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير لو أدى ثلاث شياه سمان عن أربع وسط أو بعض بنت لبون عن بنت مخاض جاز؛ لأن المنصوص عليه الوسط فلم يكن الأعلى داخلا في النص، والجودة معتبرة في غير الربويات فتقوم مقام الشاة الرابعة بخلاف ما لو كان مثليا بأن أدى أربعة أقفزة جيدة عن خمسة وسط وهي تساويها لا يجوز أو كسوة بأن أدى ثوبا يعدل ثوبين لم يجز إلا عن ثوب واحد أو نذر أن يهدي شاتين أو يعتق عبدين وسطين فأهدى شاة، أو أعتق عبدا يساوي كل منهما وسطين لا يجوز أما الأول فلأن الجودة غير معتبرة عند المقابلة بجنسها فلا تقوم الجودة مقام القفيز الخامس، وأما الثاني فلأن المنصوص عليه مطلق الثوب في الكفارة لا بقيد الوسط فكان الأعلى وغيره داخلا تحت النص، وأما الثالث فلأن القربة في الإراقة والتحرير، وقد التزم إراقتين وتحريرين فلا يخرج عن العهدة بواحدة بخلاف النذر بالتصدق بأن نذر أن يتصدق بشاتين وسطين فتصدق بشاة بقدرهما جاز؛ لأن المقصود إغناء الفقير، وبه تحصل القربة، وهو يحصل بالقيمة، وعلى ما قلنا‏:‏ لو نذر أن يتصدق بقفيز دقل فتصدق بنصفه جيدا يساوي تمامه لا يجزئه؛ لأن الجودة لا قيمة لها هنا للربوية وللمقابلة بالجنس بخلاف جنس آخر لو تصدق بنصف قفيز منه يساويه جاز ا هـ‏.‏ قيد المصنف بالزكاة؛ لأنه لا يجوز دفع القيمة في الضحايا والهدايا والعتق؛ لأن معنى القربة إراقة الدم وذلك لا يتقوم وكذلك الإعتاق لأن معنى القربة فيه إتلاف الملك ونفي الرق، وذلك لا يتقوم كذا في غاية البيان، ولا يخفى أنه مقيد ببقاء أيام النحر، وأما بعدها فيجوز دفع القيمة كما عرف في الأضحية، والسن هي المعروفة، والمراد بها هنا ذات سن إطلاقا للبعض على الكل أو سمى بها صاحبها كما سمى المسنة من النوق بالناب؛ لأن السن مما يستدل به على عمر الدواب، ووقع هنا إطلاق المصدق على الساعي، وهو مشتبه برب المال والفرق بينهما أنه إن كان بالصاد المخففة والدال المشددة المكسورة فهو بمعنى آخذ الصدقة، وإن كان بالصاد المشددة والدال المكسورة المشددة فهو المعطي لها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويؤخذ الوسط‏)‏ أي في الزكاة لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا تأخذوا من حزرات أموال الناس أي كرائمها وخذوا من حواشي أموالهم» أي من أوساطها ولأن فيه نظرا من الجانبين كذا في الهداية، والحزرات جمع حزرة بتقديم الزاي المنقوطة على الراء المهملة، وفي الخانية، ولا تؤخذ الربا والأكولة والماخض وفحل الغنم؛ لأنها من الكرائم، وقد نهينا عن أخذ الكرائم، ولا تؤخذ الهرم، ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق‏.‏ ا هـ‏.‏ والأكولة الشاة السمينة التي أعدت للأكل والربا بضم الراء المشددة وتشديد الباء مقصورة، وهي التي تربي ولدها كذا في المغرب والماخض التي في بطنها ولد وقد أطال فيه في البدائع وذكر أنه ليس للساعي أخذ الأدون، وهو مخالف لما في الخانية، وفي فتح القدير أن الأدلة تقتضي أن لا يجب في الأخذ من العجاف التي ليس فيها وسط اعتبار أعلاها وأفضلها، وقد قدمنا عنهم خلافا في صدقة السوائم ا هـ‏.‏ وفي المعراج وذكر الحاكم الجليل في المنتقى الوسط أعلى الأدون، وأدون الأعلى وقيل‏:‏ إذا كان عشرون من الضأن وعشرون من المعز يأخذ الوسط، ومعرفته أن يقوم الوسط من المعز والضأن فتؤخذ شاة تساوي نصف قيمة كل واحد منهما مثلا الوسط من المعز تساوي عشرة دراهم، والوسط من الضأن عشرين فتؤخذ شاة قيمتها خمسة عشر ا هـ‏.‏ وكذا في البدائع، وفيه ولو كان له خمس من الإبل كلها بنات مخاض أو كلها بنات لبون أو حقاق أو جذاع ففيها شاة وسط، وفي الفتاوى الظهيرية إذا كان لرجل نخيل تمر جيد برني، ودقل قال أبو حنيفة‏:‏ يؤخذ من كل نخلة حصتها من العشر وقال محمد‏:‏ يؤخذ من الوسط إذا كانت أصنافا ثلاثة‏:‏ جيد ووسط ورديء‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا يقتضي أن أخذ الوسط إنما هو فيما إذا اشتمل المال على جيد ووسط ورديء أو على صنفين منهما أما لو كان المال كله جيدا كأربعين شاة أكولة فإنه يجب واحدة من الكرائم لا شاة وسط عند الإمام خلافا لمحمد كما لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويضم مستفاد من جنس نصاب إليه‏)‏؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض إلى خمس وثلاثين فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون من غير فصل بين الزيادة في أول الحول أو في أثنائه ولأنه عند المجانسة يتعسر التمييز فيعسر اعتبار الحول لكل مستفاد وما شرط الحول إلا للتيسير والمراد بالضم أن تجب الزكاة في الفائدة عند تمام الحول على الأصل قيد بالجنس؛ لأن المستفاد من خلاف جنسه كالإبل مع الشياه لا تضم؛ لأنه لا يؤدي إلى التعسير؛ لأنه لا ينعقد الحول عليه ما لم يبلغ نصابا ثم كل ما يستفيده من هذا الجنس يضمه إليه، وقيد بالنصاب؛ لأنه لو كان النصاب ناقصا وكمل مع المستفاد فإن الحول ينعقد عليه عند الكمال كذا في الإسبيجابي بخلاف ما لو كان له نصاب في أول الحول فهلك بعضه في أثناء الحول فاستفاد تمام النصاب أو أكثر يضم أيضا عندنا؛ لأن نقصان النصاب في أثناء الحول لا يقطع حكم الحول فصار المستفاد مع النقصان كالمستفاد مع كماله كذا في غاية البيان وأطلق في المستفاد فشمل المستفاد بميراث أو هبة أو شراء أو وصية وسيأتي أن أحد النقدين يضم إلى الآخر، وأن العروض للتجارة تضم إلى النقدين للجنسية باعتبار قيمتها، وفي المحيط‏:‏ لو كان له مائتا درهم دينا فاستفاد في خلال الحول مائة درهم فإنه يضم المستفاد إلى الدين في حوله بالإجماع، وإذا تم الحول على الدين فعند أبي حنيفة لا يلزمه الأداء من المستفاد ما لم يقبض أربعين درهما وعندهما يلزمه، وإن لم يقبض من الدين شيئا وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا مات من عليه مفلسا سقط عنه زكاة المستفاد عنده، وعندهما يجب ا هـ‏.‏ وأشار بقوله إليه أي إلى النصاب إلى أنه لا بد من بقاء النصاب المضموم إليه ولذا قال في المحيط ولو وهب له ألف ثم استفاد ألفا قبل الحول ثم رجع الواهب في الهبة بقضاء قاض فلا زكاة عليه في الألف الفائدة حتى يمضي حول من حين ملكها؛ لأنه بطل حول الأصل، وهو الموهوب فيبطل في حق التبع ا هـ‏.‏ وفي المبسوط ولو ضاع المال الأول فإنه يستقبل الحول على المستفاد منه منذ ملكه فإن وجد درهما من دراهم الأول قبل الحول بيوم ضمه إلى ما عنده فيزكي الكل؛ لأن بالضياع لا ينعدم أصل الملك، وإنما تنعدم يده وتصرفه فإذا ارتفع ذلك قبل كمال الحول كان كأن الضياع لم يكن ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن الضم المذكور عند عدم مانع أما إذا وجد مانع منه فلا ضم ولذا قال في المحيط، ولا يضم أثمان الإبل والبقر والغنم المزكاة إلى ما عنده من النصاب من جنسه عند أبي حنيفة؛ لأن في الضم تحقيق الثنى في الصدقة؛ لأن الثنى إيجاب الزكاة مرتين على مالك واحد في مال واحد في حول واحد، وأنه منفي لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا ثنيا في الصدقة»، وعندهما يضم ولو جعل السائمة علوفة بعدما زكاها ثم باعها يضم ثمنها إلى ما عنده لخروجها عن مال الزكاة فصار كمال آخر فلم يؤد إلى الثنى، وكذا لو جعل العبد المؤدي زكاته للخدمة ثم باعه يضم ثمنه إلى ما عنده ولو أدى صدقة الفطر عن عبد الخدمة أو أدى عشر طعامه ثم باعه ضم ثمنه إلى ما عنده؛ لأنه ليس ببدل مال أديت الفطرة عنه؛ لأن الفطرة إنما تجب بسبب رأس يمونه ويلي عليه دون المالية ألا ترى أنها تجب عن أولاده الأحرار، والثمن بدل المالية والعشر إنما يجب بسبب أرض نامية لا بالخارج فلم يثبت الاتحاد حتى لو باع الأرض النامية لا يضم ثمنها إلى ما عنده عند أبي حنيفة ومن عنده نصابان من جنس واحد أحدهما ثمن إبل مزكاة فاستفاد نصابا من جنسها فإنه يضم إلى أقربهما حولا؛ لأنهما استويا في علة الضم وترجح أحدهما باعتبار القرب لكونه أنفع للفقراء، ولو كان المستفاد ربحا أو ولدا ضمه إلى أصله، وإن كان أبعد حولا؛ لأنه يرجح باعتبار التفرع والتولد؛ لأنه تبع؛ وحكم التبع لا يقطع عن الأصل، ولو أدى زكاة الدراهم ثم اشترى بها سائمة وعنده من جنسها سائمة لم يضمها إليه؛ لأنها بدل مال أديت الزكاة عنه‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو أخذ العشر والخراج والزكاة بغاة لم يؤخذ أخرى‏)‏ أي لم يؤخذ مرة أخرى؛ لأن الإمام لم يحمهم، والجباية بالحماية قال في الهداية وأفتوا بأن يعيدوها دون الخراج؛ لأنهم مصارف الخراج لكونهم مقاتلة، والزكاة مصرفها الفقراء، ولا يصرفونها إليهم، وقيل‏:‏ إذا نوى بالدفع التصدق عليهم سقط عنه وكذا الدفع إلى كل جائر؛ لأنهم بما عليهم من التبعات فقراء والأول أحوط ا هـ‏.‏ أطلق في الزكاة فشمل الأموال الظاهرة والباطنة ولذا قال في المبسوط‏:‏ الأصح أن أرباب الأموال إذا نووا عند الدفع إلى الظلمة التصدق عليهم سقط عنهم جميع ذلك، وكذا جميع ما يؤخذ من الرجل من الجبايات والمصادرات؛ لأن ما بأيديهم أموال المسلمين وما عليهم من التبعات فوق مالهم فهم بمنزلة الغارمين والفقراء حتى قال محمد بن سلمة‏:‏ يجوز دفع الصدقة لعلي بن عيسى بن ماهان والي خراسان وكان أميرا ببلخ وجبت عليه كفارة يمين فسأل فأفتوه بالصيام فجعل يبكي ويقول لحشمه‏:‏ إنهم يقولون لي‏:‏ ما عليك من التبعات فوق ما لك من المال فكفارتك كفارة يمين من لا يملك شيئا قال في فتح القدير‏:‏ وعلى هذا لو أوصى بثلث ماله للفقراء فدفع إلى السلطان الجائز سقط ذكره قاضي خان في الجامع الصغير وعلى هذا فإنكارهم على يحيى بن يحيى تلميذ مالك حيث أفتى بعض ملوك المغاربة في كفارة عليه بالصوم غير لازم وتعليلهم بأنه اعتبار للمناسب المعلوم الإلغاء غير لازم لجواز أن يكون للاعتبار الذي ذكرناه من فقرهم لا لكونه أشق عليه من الإعتاق ليكون هو المناسب المعلوم الإلغاء، وكونهم لهم مال، وما أخذوه خلطوه به، وذلك استهلاك إذا كان لا يمكن تمييزه عنه عند أبي حنيفة فيملكه، ويجب عليه الضمان حتى قالوا‏:‏ تجب عليهم فيه الزكاة ويورث عنهم غير ضائر لاشتغال ذمتهم بمثله، والمديون بقدر ما في يده فقير ا هـ‏.‏ وظاهر ما صححه السرخسي أنه لا فرق بين الأموال الظاهرة والباطنة وصحح الولوالجي عدم الجواز في الأموال الباطنة قال‏:‏ وبه يفتى؛ لأنه ليس للسلطان ولاية الزكاة في الأموال الباطنة فلم يصح الأخذ ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية‏:‏ الأفضل لصاحب المال الظاهر أن يؤدي الزكاة إلى الفقراء بنفسه؛ لأن هؤلاء لا يضعون الزكاة مواضعها فأما الخراج فإنهم يضعونه مواضعه؛ لأن موضع الخراج المقاتلة وهؤلاء مقاتلة ا هـ‏.‏ وفي التبيين واشتراط أخذهم الخراج ونحوه وقع اتفاقا حتى لو لم يأخذوا منه سنين، وهو عندهم لم يؤخذ منهم شيء أيضا لما ذكرنا ا هـ‏.‏ والضمير في قوله‏:‏ وهو عندهم عائد إلى من وجب عليه الخراج ونحوه، وضمير الجماعة في عندهم عائد إلى البغاة أي ومن وجب عليه عند البغاة وأطلق فيمن وجب عليه الخراج فشمل الذمي كالمسلم وأشار المصنف إلى أن الحربي لو أسلم في دار الحرب وأقام فيها سنين ثم خرج إلينا لم يأخذ منه الإمام الزكاة لعدم الحماية ونفتيه بأدائها إن كان عالما بوجوبها وإلا فلا زكاة عليه؛ لأن الخطاب لم يبلغه، وهو شرط الوجوب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو عجل ذو نصاب لسنين أو لنصب صح‏)‏ أما الأول فلأنه أدى بعد سبب الوجوب فيجوز لسنة ولسنين كما إذا كفر بعد الجرح، وأما الثاني فلأن النصاب الأول هو الأصل في السببية، والزائد عليه تابع له قيد بقوله‏:‏ ذو نصاب؛ لأنه لو عجل قبل أن يملك تمامه ثم تم الحول على النصاب لا يجوز، وفيه شرطان آخران أن لا ينقطع النصاب في أثناء الحول، وأن يكون كاملا في آخره فتفرع على الأول أنه لو عجل ومعه نصاب ثم هلك كله ثم استفاد فتم الحول على النصاب لم يجز المعجل بخلاف ما إذا بقي في يده منه شيء، وعلى الثاني ما لو عجل شاة من أربعين وحال الحول، وعنده تسعة وثلاثون فإن كان صرفها إلى الفقراء فالمعجل نفل بخلاف ما إذا أدى بعد الحول إلى الفقير وانتقص النصاب بأدائه فإن الزكاة واجبة، وإن كانت قائمة في يد الساعي فالصحيح وقوعها زكاة فلا يستردها؛ لأن الدفع إلى المصدق لا يزيل ملكه عن المدفوع، ولا فرق بين السوائم والنقود في هذا، ولا فرق بين أن تكون الزكاة في يد الساعي حقيقة أو استهلكها أو أنفقها على نفسه قرضا أو أخذها الساعي من عمالته؛ لأنه كقيام العين حكما بخلاف ما إذا صرفها الساعي إلى الفقراء أو إلى نفسه، وهو فقير فإنه كصرفها بنفسه فلا يجوز المعجل كما لو ضاعت من يد الساعي قبل الحول، ووجدها بعده فلا زكاة، وللمالك أن يستردها فلو لم يستردها حتى دفعها الساعي إلى الفقراء لم يضمن إلا إن كان المالك نهاه ثم اعلم أن وقوعها زكاة فيما إذا أخذها الساعي من عمالته إنما هو في غير السوائم أما في السوائم فلا تقع زكاة لنقصان النصاب، ويستردها المالك، ويضمن الساعي قيمتها لو باعها ويكون الثمن له، وإنما كان كذلك في السائمة؛ لأنها لما خرجت عن ملك المعجل بذلك السبب فحين تم الحول يصير ضامنا بالقيمة، والسائمة لا يكمل نصابها بالدين بخلاف نصاب الدراهم لأنه يكمل بالدين، وهذا كله إذا لم يستفد قدر ما عجل، ولم ينتقص ما عنده، فإن استفاد صار المؤدى زكاة في الوجوه كلها من وقت التعجيل، وإلا يلزم هنا كون الدين زكاة عن العين في بعض الوجوه، ولا يجب عليه زكاة المستفاد وإن انتقص ما في يده فلا تجب في الوجوه كلها فيسترد إن كان في يد الساعي، وإن استهلكها، أو أكلها قرضا أو بجهة العمالة ضمن، ولو تصدق بها على الفقراء أو نفسه، وهو فقير لا يضمن إلا إن تصدق بها بعد الحول فيضمن عنده علم بالنقصان أو لم يعلم، وعندهما إن علم، وإن كان نهاه ضمن عند الكل، وأما الفقير فلا رجوع عليه في شيء من الصور؛ لأنه وقع صدقة تطوعا لو لم يجز المعجل عنها‏.‏ والحاصل أن وجوه هذه المسألة ثلاثة وكل وجه على سبعة؛ لأن المعجل إما أن يكون في يد الساعي أو استهلكه أو أنفقه على نفسه قرضا أو عمالة أو صدقة أو صرفه إلى الفقراء أو ضاع من يد الساعي قبل الحول فهي إحدى وعشرون وقد علم أحكامها وبسطه في شرح الزيادات لقاضي خان والمسألة الثانية أعني ما إذا عجل لنصب بعد ملك نصاب واحد مقيدة بما إذا ملك ما عجل عنه في سنة التعجيل فلو كان عنده مائتا درهم فعجل زكاة ألف فإن استفاد مالا أو ربح حتى صارت ألفا ثم تم الحول وعنده ألف فإنه يجوز التعجيل وسقط عنه زكاة الألف، وإن تم الحول، ولم يستفد شيئا ثم استفاد فالمعجل لا يجزئ عن زكاتها، فإذا تم الحول من حين الاستفادة كان عليه أن يزكي صرح به في المبسوط وأفاده الإسبيجابي والكاكي والسغناقي وغيرهم، وبهذا ظهر ما في فتاوى قاضي خان من أنه لو كان له خمس من الإبل الحوامل يعني الحبالى فعجل شاتين عنها وعما في بطنها ثم نتجت خمسا قبل الحول أجزأه ما عجل، وإن عجل عما تحمل في السنة الثانية لا يجوز‏.‏ ا هـ‏.‏ لأنه لما عجل عما تحمله في الثانية لم يوجد المعجل عنه في سنة التعجيل ففقد الشرط فلم يجز عما تحمله في الثانية، وهو المراد من نفي الجواز وليس المراد نفي الجواز مطلقا لظهور أنه يقع عما في ملكه وقت التعجيل في الحول الثاني فهو تعجيل زكاة ما في ملكه لسنتين؛ لأن التعيين في الجنس الواحد لغو وكذا لو كان له ألف درهم بيض، وألف سود فعجل خمسة وعشرين عن البيض فهلكت البيض قبل تمام الحول ثم تم لا زكاة عليه في السود ويكون المخرج عنها وكذا عكسه وكذا لو عجل عن الدنانير وله دراهم ثم هلكت الدنانير كان ما عجل عن الدراهم باعتبار القيمة وكذا عكسه قيدنا بالهلاك؛ لأنه لو عجل عن أحد المالين ثم استحق المال الذي عجل عنه قبل الحول لم يكن المعجل عن الباقي وكذا لو استحق بعد الحول لأن في الاستحقاق عجل عما لم يملكه فبطل تعجيله كذا في فتاوى قاضي خان وبما ذكرناه اندفع ما في فتح القدير من الاعتراض على الفرع الأول المنقول من الفتاوى كما لا يخفى وقيدنا بكون الجنس متحدا؛ لأنه لو كان له خمس من الإبل وأربعون من الغنم فعجل شاة عن أحد الصنفين ثم هلك لا يكون عن الآخر ولو كان له عين ودين فعجل عن العين فهلكت قبل الحول جاز عن الدين، وإن هلكت بعده لا يقع عنه، والدراهم والدنانير وعروض التجارة جنس واحد بدليل الضم كما قدمناه وصرح به في المحيط هنا، وفي الولوالجية وغيرها رجل عنده أربعمائة درهم فظن أن عنده خمسمائة درهم فأدى زكاة خمسمائة فله أن يحتسب الزيادة للسنة الثانية؛ لأنه أمكن أن تجعل الزيادة تعجيلا ا هـ‏.‏ فقولنا فيما مضى‏:‏ يشترط أن يملك ما عجل عنه في حوله يستثنى منه ما إذا عجل غلطا عن شيء يظن أنه في ملكه، ثم اعلم أنه لو عجل زكاة ماله فأيسر الفقير قبل تمام الحول أو مات أو ارتد جاز عن الزكاة؛ لأنه كان مصرفا وقت الصرف فصح الأداء إليه فلا ينتقض بهذه العوارض كذا في الولوالجية وأشار المصنف بجواز التعجيل بعد ملك النصاب إلى جواز تعجيل عشر زرعه بعد النبات قبل الإدراك أو عشر الثمر بعد الخروج قبل البلوغ؛ لأنه تعجيل بعد وجود السبب، وبعدم جوازه قبل ملك النصاب إلى عدم جواز تعجيل العشر قبل الزرع أو قبل الغرس واختلف في تعجيله قبل النبات بعد الزرع أو بعدما غرس الشجر قبل خروج الثمرة فعند محمد لا يجوز؛ لأن التعجيل للحادث لا للبذر، ولم يحدث شيء وجوزه أبو يوسف؛ لأن السبب الأرض النامية وبعد الزراعة صارت نامية ورده محمد بأن السبب الأرض النامية بحقيقة النماء فيكون التعجيل قبلها واقعا قبل السبب فلا يجوز كذا في الولوالجية، ولا يخفى أن الأفضل لصاحب المال عدم التعجيل للاختلاف في التعجيل عند العلماء ولم أره منقولا، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب‏.‏