فصل: باب مجاوزة الميقات بغير إحرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


فصل‏:‏ إن قتل محرم صيدا أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء

لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم‏}‏ الآية، ولحديث أبي قتادة السابق الدال على تحريم الإشارة والأمر فألحقت بالقتل استحسانا باعتبار تفويت الأمن وارتكاب محظور إحرامه، وليس زيادة على الكتاب بخبر الواحد؛ لأن الكتاب إنما نص على القتل، وتخصيص الشيء بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه، وحقيقة الصيد حيوان ممتنع متوحش بأصل الخلقة سواء كان بقوائمه أو بجناحه فدخل الظبي المستأنس، وإن كانت ذكاته بالذبح وخرج البعير والشاة إذا استوحشا، وإن كانت ذكاتهما بالعقر؛ لأن المنظور إليه في الصيدية أصل الخلقة، وفي الذكاة الإمكان وعدمه، وخرج الكلب والنسور مطلقا أهليا كان أو وحشيا، وإنما لم يذكر المصنف تعريفه؛ لأنه علم من إباحته بعد ذلك الشاة والبقر، وما عطف عليه فعلم أن الصيد هو ما ذكر ثم هو على نوعين بري وبحري فالبري ما يكون توالده في البر، ولا عبرة بالمثوى أي المكان، والمائي ما يكون توالده في الماء، ولو كان مثواه في البر؛ لأن التوالد أصل والكينونة بعده عارض فكلب الماء والضفدع مائي، وأطلق قاضي خان في الضفدع، وقيده في فتح القدير بالمائي لإخراج الضفدع البري قال‏:‏ ومثله السرطان والتمساح والسلحفاة والمائي حلال للمحرم والبري حرام عليه للآية ‏{‏أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما‏}‏، وهو بعمومه متناول لما يؤكل منه، وما لا يؤكل فيجوز للمحرم اصطياد الكل، وهو الصحيح كما في المحيط والبدائع وغيرهما، وبه يظهر ضعف ما في مناسك الكرماني من أنه لا يحل إلا ما يؤكل، وهو السمك خاصة فالمراد بالصيد في المختصر صيد البر إلا ما يستثنيه بعد ذلك من الذئب والغراب والحدأة وبقية السباع أما الذئب والغراب والحدأة فلا شيء في قتلها أصلا، وأما بقية السباع ففيها تفصيل نذكره، وليس هذا الحكم المذكور هنا يشملها، وأما بقية الفواسق فليست بصيود فلا حاجة إلى استثنائها، وأطلق في الصيد فشمل ما يؤكل، وما لا يؤكل حتى الخنزير كما في المحيط، وفيه طير البحر لا يحل قتله؛ لأن مبيضه، ومفرخه في الماء ويعيش في البر والبحر فكان صيد البر من وجه فلا يجوز للمحرم‏.‏ وشمل الصيد المملوك وغيره فإذا قتل المحرم صيدا مملوكا لزمه قيمتان قيمة لمالكه وجزاؤه حقا لله تعالى كذا ذكره في المحيط في مسألة الهبة، وأطلق في القتل فشمل ما إذا كان عن اضطرار أو اختيار كما سياتي وشمل ما إذا كان مباشرة أو بتسبب لكن في المباشرة لا يشترط التعدي فلو انقلب نائم على صيد فقتله يجب عليه الجزاء كما في المحيط وغيره، وأما التسبب فلا بد من التعدي فلو نصب شبكة للصيد أو حفر بئرا للصيد فعطب ضمن؛ لأنه متعد، ولو نصب فسطاطا لنفسه فتعقل به فمات أو حفر حفيرة للماء أو لحيوان مباح قتله كالذئب فعطب فيها لا شيء عليه، وكذا لو أرسل كلبه إلى حيوان مباح فأخذ ما يحرم أو أرسل إلى صيد في الحل، وهو حلال فجاوز إلى الحرم فقتل صيدا لا شيء عليه؛ لأنه غير متعد في السبب بخلاف ما لو رمى إلى فهد في الحل فأصابه في الحرم عليه الجزاء؛ لأنه مباشرة، ولا يشترط فيها التعدي حتى لو رمى إلى صيد فتعدى إلى آخر فقتلهما ضمن قيمتهما‏.‏ وكذا لو ضرب بالسهم فوقع على بيض أو فرخ فأتلفهما ضمنهما، وعلى هذا فما في المحيط من أن أربعة نزلوا بيتا بمكة ثم خرجوا إلى منى فأمروا أحدهم أن يغلق الباب، وفيه حمام وغيرها فلما رجعوا وجدوها ماتت عطشا فعلى كل واحد منهم جزاؤها؛ لأن الآمرين جمع آمر تسببوا بالأمر، والمغلق بالإغلاق‏.‏ انتهى‏.‏ محمول على ما إذا علموا بالطيور في البيت؛ لأنه لا يكون تعديا إلا به، وإلا فلا شيء عليهم لفقد شرط التسبب، وأراد بالدلالة الإعانة على قتله سواء كانت دلالة حقيقية بالإعلام بمكانه، وهو غائب أو لا وشرطوا في وجوب الجزاء على الدال المحرم خمسة شروط وإن كان آثما مطلقا أن يتصل القتل بدلالته فلا شيء على الدال لو لم يقتل المدلول، وأن لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد، وأن يصدقه في الدلالة، وأن يبقى الدال محرما إلى أن يقتله المدلول، وأن لا ينفلت الصيد؛ لأنه إذا انفلت صار كأنه جرحه ثم اندمل فتفرع على الشرط الثالث ما في المحيط لو أخبر المحرم بالصيد فلم يره حتى أخبره محرم آخر فإن كذب الأول لم يكن عليه جزاء، وإن لم يكذبه، ولم يصدقه فعلى كل واحد منهما جزاء كامل؛ لأنه بخبر الأول وقع العلم بمكان الصيد غالبا وبالثاني استفاد علم اليقين فكان لكل واحد منهما دلالة على الصيد، وإن أرسل محرم إلى محرم فقال‏:‏ إن فلانا يقول لك أن في هذا الموضع صيدا فذهب فقتله فعلى الرسول والمرسل والقاتل الجزاء؛ لأن الدلالة وجدت منهما وظهر بالشرط الثاني ضعف ما في المحيط معزيا إلى المنتقى من أنه لو قال‏:‏ خذ أحد هذين، وهو يراهما فقتلهما كان على الدال جزاء واحد، وإن كان لا يراهما فعليه جزاءان‏.‏ ا هـ‏.‏ لأنه إذا كان يراهما كان عالما بمكانهما، وقد شرط وأعدم العلم بمكانه ولهذا لم يذكروا هنا الإشارة كما ذكروها في باب الإحرام؛ لأنها خاصة بالحاضر وشرط وجوب الجزاء عدم العلم بالمكان فالحاصل أن الإشارة والدلالة سواء في منع المحرم منهما لكن الدلالة موجبة للجزاء بشروطها والإشارة لا توجب الجزاء اللهم إلا أن يقال‏:‏ إن الأمر بالأخذ ليس من قبيل الدلالة فيوجب الجزاء مطلقا ويدل عليه ما في فتح القدير وغيره لو أمر المحرم غيره بأخذ صيد فأمر المأمور آخر فالجزاء على الآمر الثاني؛ لأنه لم يمتثل أمر الأول؛ لأنه لم يأتمر بالأمر بخلاف ما لو دل الأول على الصيد، وأمره فأمر الثاني ثالثا بالقتل حيث يجب الجزاء على الثلاثة، وكذا الإرسال كما ذكرناه آنفا فقد فرقوا بين الأمر المجرد والأمر مع الدلالة‏.‏ ودخل تحت الإعانة ما ذكره في المحيط محرم رأى صيدا في موضع لا يقدر عليه فدله محرم آخر على الطريق إليه أو رأى صيدا دخل غارا فلم يعرف باب الغار فدله محرم آخر على بابه فذهب إليه فقتله فعلى الدال الجزاء أيضا؛ لأنه حين دله على الطريق والباب كأنه دله على الصيد، وكذلك محرم رأى صيدا في موضع لا يقدر عليه إلا أن يرميه بشيء فدله محرم على قوس ونشاب أو دفع ذلك إليه فرماه فقتله فعلى كل واحد جزاء كامل‏.‏ ا هـ‏.‏ مع أنه في هذه المسائل مشاهد للصيد فعلم أن الدلالة إذا فقد شرط منها لا يمتنع وجوب الجزاء بسبب الإعانة، واختلفوا في إعارة السكين أو القوس أو النشاب هل هي إعارة موجبة للجزاء على المعير فصريح عبارة الأصل أنه لا جزاء على صاحب السكين، وإن كان مكروها فحمله أكثر المشايخ على ما إذا كان مع القاتل سلاح أما إذا لم يكن معه ما يقتل به فالجزاء واجب؛ لأن التمكن بإعارته وجزم به في المحيط، وإليه أشار في السير وصحح السرخسي في مبسوطه أنه لا جزاء على المعير على كل حال؛ لأن الإعارة ليست إتلافا حقيقة، ولا حكما بخلاف الدلالة فإنها إتلاف معنى، والظاهر ما عليه الأكثر من التفصيل لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة «هل أعنتم»، ولا شك أن إعارة السكين إعانة عليه‏.‏ ثم اعلم أن هذا الجزاء كفارة وبدل عندنا أما كونه كفارة فلوجود سببها، وهو الجناية على الإحرام بارتكاب محظور إحرامه ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أو كفارة طعام مساكين‏}‏، وأما كونه بدلا فلوجود سببه، وهو إتلاف صيد متقوم ولهذا اعتبرت المماثلة بين المقتول والجزاء ولهذا ذكر المصنف آخر الباب أنه لو اجتمع محرمان في قتل صيد تعدد الجزاء؛ لأن الواجب كفارة في حق الجاني وجب جزاء على فعله، وفعل كل واحد جناية على حدة بخلاف الحلالين كما سيأتي‏.‏ ثم اعلم أيضا أن الجزاء يتعدد بتعدد المقتول إلا إذا قصد به التحلل ورفض إحرامه كما صرح به في الأصل فقال‏:‏ اصطاد المحرم صيدا كثيرا على قصد الإحلال والرفض لإحرامه فعليه لذلك كله دم؛ لأنه قاصد إلى تعجيل الإحلال لا إلى الجناية على الإحرام، وتعجيل الإحلال يوجب دما واحدا كما في المحصر كذا في المبسوط، وقد يقال لا يصح القياس لما أن تعجيل الإحلال في المحصر مشروع بخلافه هنا ولهذا كان قصده باطلا، ولا يرتفض به الإحرام فوجوده، وعدمه سواء‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وهو قيمة الصيد بتقويم عدلين في مقتله أو أقرب موضع منه فيشتري بها هديا وذبحه إن بلغت هديا أو طعاما وتصدق به كالفطرة أو صام عن طعام كل مسكين يوما‏)‏ أي الجزاء ما ذكر لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره‏}‏ أطلق المصنف، ولم يقيد بالعمد كما في الآية؛ لأنه لا فرق بين الناسي والعامد كإتلاف الأموال؛ لأن هذا الجزاء ليس كفارة محضة كما قدمنا والتقييد به، وفي الآية لأجل الوعيد المذكور في آخرها لا لوجوب الجزاء؛ ولأن الآية نزلت في حق من تعدى كما ذكره القاضي البيضاوي‏.‏ وأشار بذكر القيمة فقط إلى أنها المراد بالمثل في الآية، وهو المثل معنى لا المثل صورة ومعنى، وإنما لم يعمل بالكامل كما قال محمد والشافعي فإنهما أوجبا النظير فيما له نظير؛ لأن المعهود في الشرع في القيميات المثل معنى فإنه لو أتلف بقرة لإنسان مثلا لا يلزمه بقرة مثلها اتفاقا؛ لأن المثل معنى مراد بالإجماع فيما لا نظير له، وهو مجاز فلا يراد المعنى الحقيقي، وهو المثل صورة، ومعنى لعدم جواز الجمع بين الحقيقة والمجاز، وكذلك في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏}‏ أريد المثل معنى، وهو القيمة، وأما رد العين فثابت بالسنة أو لما في حملنا على المثل معنى من التعميم لشموله ما له نظير له، وما لا نظير له، وإذا حمل على المثل الكامل كانت الآية قاصرة على ما له نظير، وعلى هذا فكلمة من النعم بيان لما، وهو المقتول لا للمثل والنعم كما يطلق على الأهلي يطلق على الوحشي كما قاله أبو عبيدة والأصمعي، وأراد بقيمة الصيد قيمة لحمه قال‏:‏ الكرماني في مناسكه يقوم الصيد لحما عندنا، وقال‏:‏ زفر يجب قيمته بالغة ما بلغت‏.‏ وفائدة الخلاف لو قتل بازيا معلما فعندنا تجب قيمته لحما، وعنده تجب قيمته معلما، وفي الاختيار، وإذا كان المراد من الجزاء القيمة يقوم العدلان اللحم لا الحيوان والمراد أنه يقوم من حيث الذات لا من حيث الصفة؛ لأنها أمر عارض، ولو كانت الصفة بأمر خلقي كما إذا كان طيرا يصوت فازدادت قيمته لذلك ففي اعتبار ذلك في الجزاء روايتان ورجح في البدائع اعتبارها بخلاف ما إذا أتلف شيئا مملوكا فإن القيمة تعتبر من حيث الذات والصفات إلا إذا كان الوصف لمحرم من اللهو كقيمة الديك لنقاره والكبش لنطاحه فإنها لا تعتبر كالجارية المغنية، وليس مرادهم أنه يقوم لحمه بعد قتله، وإنما يقوم، وهو حي باعتبار ذاته بدليل أن ما لا يؤكل لحمه لا يصح أن يقوم لحمه بعد قتله إذ ليس له قيمة، وإنما يقوم باعتبار جلده، وكونه صيدا حيا ينتفع به، وليس مرادهم إهدار صفة الصيد بالكلية لما أنهم اتفقوا على أنه لو قتل صيدا حسنا مليحا له زيادة قيمة تجب قيمته على تلك الصفة كما لو قتل حمامة مطوقة أو فاختة مطوقة كما صرح به في البدائع‏.‏ وإنما المراد إهدار ما كان بصنع العباد، وأراد بالعدل من له معرفة وبصارة بقيمة الصيد لا العدل في باب الشهادة، وقيد بالعدلين؛ لأن العدل الواحد لا يكفي لظاهر النص وصححه في شرح الدرر، وفي الهداية قالوا‏:‏ والواحد يكفي والمثنى أولى؛ لأنه أحوط، وأبعد من الغلط كما في حقوق العباد، وقيل يعتبر المثنى هاهنا بالنص‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير والذين لم يوجبوه حملوا العدد في الآية على الأولوية؛ لأن المقصود زيادة الأحكام والإتقان، والظاهر الوجوب، وقصد الأحكام، والإتقان لا ينافيه بل قد يكون داعيته‏.‏ ا هـ‏.‏ وينبغي أن يكتفي بالقاتل إذا كان له معرفة بالقيمة، وأن يحمل ذكر الحكمين على الأولوية على قول من يكتفي بالواحد لكنه يتوقف على نقل، ولم أره، وكلمة أو في قوله أو أقرب المواضع للتوزيع لا للتخيير يعني أن الحكمين يقومانه في مكان قتله إن كان يباع فيه، وفي أقرب المواضع إلى مكان قتله كالبرية، ولا بد من اعتبار المكان، ومن اعتبار زمان قتله لاختلاف القيم باختلاف الأمكنة والأزمنة، والضمير في قوله فيشتري راجع إلى القاتل فأفاد أنه بعد تقويم الحكمين الخيار للقاتل بين الأشياء الثلاثة، ولا خيار للحكمين؛ لأن التخيير شرع رفقا بمن عليه فيكون الخيار إليه كما في كفارة اليمين، وليس في الآية دلالة على اختيارهما؛ لأن قوله أو كفارة أو عدل بالرفع عطفا على جزاء، وليس منصوبا عطفا على هديا فاقتضى أن لا خيار لهما في الإطعام والصيام فلزم أن لا خيار لهما في الهدي لعدم القائل بالفصل كما في العناية أو؛ لأن ‏{‏هديا‏}‏ حال من ضمير به، وهي حال مقدرة أي صائرا هديا به وذلك في نفس الأمر بواسطة الشراء بها أو بغير ذلك، وكون الحال مقدرة كثير، وهو وإن لم يلزم على تقدير المخالف فيها يلزم على تقديره في وصفها، وهو بالغ الكعبة فإنه لا يصح حكمهما بالهدي موصوفا ببلوغه إلى الكعبة حال حكمهما به على التحقيق بل المراد يحكمان به مقدار بلوغه فلزوم التقدير ثابت غير أنه يختلف محله على الوجهين‏.‏ ثم على كل تقدير لا دلالة للآية على أن الاختيار للحكمين بل الظاهر منها أنه إلى من عليه فإن مرجع ضمير المحذوف من الخبر أو متعلق المبتدأ إليه أعني ما قررناه من قولنا فالواجب عليه أو فعليه كذا في فتح القدير، وأشار بقوله‏:‏ ‏{‏هديا‏}‏ إلى أنه لو اختار الهدي لا يذبحه إلا بالحرم لصريح قوله‏:‏ ‏{‏بالغ الكعبة‏}‏ مع أن الهدي ما يهدى من النعم إلى الحرم، وقول الفقهاء لو قال‏:‏ إن فعلت كذا فثوبي هذا هدي أو إن لبست من غزلك فهو هدي مجاز عن الصدقة بقرينة التقييد بالثوب والغزل‏.‏ والكلام في مطلق الهدي فلو ذبحه في الحل لا يجزئه عن الهدي بل عن الإطعام فيشترط أن يعطي كل فقير قدر قيمة نصف صاع حنطة أو صاع من غيرها إن كانت قيمة اللحم مثل قيمة المقتول، وإلا فيكمل، وأشار بقوله إن بلغت هديا إلى أنه إذا، وقع الاختيار على الهدي يهدي ما يجزئ في الأضحية حتى لو لم تبلغ قيمة المقتول إلا عناقا أو حملا يقوم بالإطعام أو الصوم لا بالهدي، ولا يتصور التفكير بالهدي إلا أن تبلغ قيمته جذعا عظيما من الضأن أو ثيبا من غيره؛ لأن مطلق الهدي في الشرع ينصرف إلى ما يبلغ ذلك السن؛ لأنه المعهود في إطلاق هدي المتعة والقران والأضحية، وإنما يراد به غير ما ذكرنا مجازا بقرينة التقييد كما قدمناه، وأفاد بقوله ذبحه إلى أن المراد التقرب إلى الله تعالى بالإراقة فلهذا لو سرق بعد الذبح أجزأه، ولو تصدق بالهدي حيا لا يجزئه، وأما التصدق بلحم القربان فواجب عند الإمكان فلو أتلفه بعد الذبح ضمنه فيتصدق بقيمته، ولا ينعدم الإجزاء به، وكذا لو أكل بعضه فإنه يغرم قيمة ما أكل، ويجوز أن يتصدق بجميع اللحم على مسكين واحد، وكذا ما يغرمه من قيمة أكله‏.‏ وأطلق في الطعام والصوم فدل على أنهما يجوز إن في الحل والحرم ومتفرقا ومتتابعا لإطلاق النص فيهما، وأشار بقوله كالفطرة إلى أنه يطعم كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير، وليس له أن يطعم واحدا أقل منه، وله أن يطعم أكثر تبرعا حتى لا يحتسب الزيادة من القيمة كي لا ينتقص عدد المساكين هكذا ذكروه هاهنا، وقد حققنا في باب صدقة الفطر أنه يجوز أن يفرق نصف الصاع على مساكين على المذهب، وإن القائل بالمنع الكرخي فينبغي أن يكون كذلك هنا خصوصا، والنص هنا مطلق فيجري على إطلاقه لكن لا يجوز أن يعطي لمسكين واحد كالفطرة؛ لأن العدد منصوص عليه، وإلى أنه يجوز التصدق على الذمي كالمسلم كما هو الحكم في المشبه به والمسلم أحب، وإلى أنه لا يجوز أن يتصدق بجزاء الصيد على أصله، وإن علا، وفرعه وإن سفل وزوجته وزوجها كما هو الحكم في كل صدقة واجبة كما أسلفناه في باب المصرف، وصرحوا هنا بأنه لا يجوز التصدق بشيء من جزاء الصيد على من لا تقبل شهادته له، وما ذكرناه أولى لكن يرد على المصنف أن الإباحة تكفي في جزاء الصيد في الإطعام كالتمليك كما صرح به الإمام الإسبيجابي، ولا يكفي في الفطرة، وأشار أيضا بقوله كالفطرة إلى أن دفع القيمة جائز فيدفع لكل مسكين قيمة نصف صاع من بر، ولا يجوز النقص عنها كما في العين كما صرحوا به في مسألة ذبح الهدي في الحل فإنه يجزئه باعتبار القيمة كما قدمناه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو فضل أقل من نصف صاع تصدق به أو صام يوما‏)‏؛ لأن الواجب عليه مراعاة المقدار، وعدد المساكين، وقد عجز عن مراعاة المقدار فسقط، وقدر على مراعاة العدد فلزمه ما قدر عليه بخلاف كفارة اليمين؛ لأنها مقدرة بإطعام عشرة مساكين كل مسكين نصف صاع لا يزيد، ولا ينقص أما القيمة هنا تزيد وتنقص فيخير إن شاء تصدق به على مسكين، وإن شاء صام يوما كاملا؛ لأن الصوم أقل من يوم غير مشروع، وأشار إلى أن الواجب لو كان دون طعام مسكين بأن قتل يربوعا أو عصفورا فهو مخير أيضا، وإلى أنه يجوز الجمع بين الصوم والإطعام بخلاف كفارة اليمين، والفرق أن في كفارة الصيد الصوم أصل كالإطعام حتى يجوز الصوم مع القدرة على الإطعام فجاز الجمع بينهما، وإكمال أحدهما بالآخر، وأما في كفارة اليمين فالصوم بدل عن التفكير بالمال حتى لا يجوز المصير إليه مع القدرة على المال فلا يجوز الجمع بين الأصل والبدل للتنافي وشمل كلامه ما إذا كان هذا الفاضل من جنس ما فعله أولا حتى لو اختار الهدي، وفضل من القيمة ما لا يبلغ هديا فهو مخير في الفضل أيضا، وعلى هذا لو بلغت قيمته هديين إن شاء ذبحهما، وإن شاء تصدق بالطعام، وإن شاء صام عن كل نصف صاع يوما، وإن شاء ذبح أحدهما، وأطعم وصام عما بقي فيجمع بين الأنواع الثلاثة أو يتصدق بالقيمة من الدراهم أو الدنانير وذكر الولوالجي في فتاويه أن المعتبر في الطعام قيمة الصيد، وفي الصوم قيمة الطعام، وهكذا في البدائع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن جرحه أو قطع عضوه أو نتف شعره ضمن ما نقص‏)‏ اعتبارا للبعض بالكل كما في حقوق العباد أفاد بمقابلة الجرح للقتل المتقدم أنه لم يمت من هذا الجرح؛ لأنه لو مات منه وجب كمال القيمة فإن غاب، ولم يعلم موته، ولا حياته فالقياس أن يضمن النقصان للشك في سبب الكمال كالصيد المملوك إذا جرحه وغاب والاستحسان أن يلزمه جميع القيمة احتياطا كمن أخذ صيدا من الحرم ثم أرسله، ولا يدري أدخل الحرم أم لا فإنه تجب قيمته؛ لأن جزاء الصيد يسلك به مسلك العبادة من وجه كذا في المحيط‏.‏ وأطلق في ضمانه النقصان بسبب الجرح فشمل ما إذا برئ منه فإنه لا يسقط الجزاء ببرئه؛ لأن الجزاء يجب بإتلاف جزء من الصيد بالاندمال لا يتبين أن الإتلاف لم يكن بخلاف ما إذا جرح آدميا فاندملت جراحته فلم يبق لها أثر أنه لا ضمان عليه؛ لأن الضمان هناك إنما يجب لأجل الشين، وقد ارتفع كذا في البدائع، وفي المحيط خلافه فإنه قال‏:‏ وإن برئ منه، ولم يبق له أثر لا يضمن؛ لأن سبب الضمان قد زال فيزول الضمان كما في الصيد المملوك‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر الأول لما تقدم من الفرق بين جزاء الصيد، والصيد المملوك في مسألة ما إذا غاب بعد الجرح، وعلى هذا لو قلع سن ظبي أو نتف ريش صيد فنبت أو ضرب عين صيد فابيضت ثم ذهب البياض فلا شيء عليه عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف عليه صدقة الألم، وأشار بكون الجراحة جناية مستقلة إلى أنه لو جرح صيدا فكفر ثم قتله كفر أخرى؛ لأنهما جنايتان، وإلى أنه لو لم يكفر حتى قتله لزمه كفارة بالقتل ونقصان بالجراحة كما في المحيط، وفي الولوالجية لو جرح صيدا ثم كفر عنه ثم مات أجزأته الكفارة التي أداها؛ لأنه أدى بعد وجود سبب الوجوب، وفي المحيط معزيا إلى الجامع محرم بعمرة جرح صيدا جرحا لا يستهكله ثم أضاف إليها حجة ثم جرحه أيضا فمات من الكل فعليه للعمرة قيمته صحيحا، وقيمته للحج وبه الجرح الأول، ولو حل من العمرة ثم أحرم بالحجة ثم جرحه الثانية فعليه للعمرة قيمته وبه الجرح الثاني وللحج قيمته وبه الجرح الأول، ولو كان حين أحل من العمرة قرن بحجة، وعمرة ثم جرح الصيد فمات ضمن للعمرة القيمة وبه الجرح الثاني وضمن للقران قيمتين وبه الجرح الأول، ولو كان الجرح الأول استهلاكا غرم للإحرام الأول قيمته صحيحا وللقران قيمتين وبه الجرح الأول‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي مناسك الكرماني، ولو ضرب صيدا فمرض وانتقصت قيمته أو ازدادت ثم مات كان عليه أكثر القيمتين من قيمته وقت الجرح أو وقت الموت‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتجب القيمة بنتف ريشه، وقطع قوائمه وحلبه، وكسر بيضه وخروج فرخ ميت به‏)‏ أما نتف ريشه، وقطع قوائمه فلأنه فوت عليه الأمن بتفويت آلة الامتناع فصار كأنه قتله فلزمه قيمة كاملة، وأما حلبه فلأن اللبن من أجزائه فيكون معتبرا بكله فيجب عليه ضمان ما أتلف، وهو قيمة اللبن، وأما كسر بيضه فلأنه أصل الصيد، وله عرضية أن يصير صيدا فنزل منزلة الصيد احتياطا، وهو مروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما فوجب عليه قيمة البيض‏.‏ وأما إذا خرج فرخ ميت بسبب الكسر فالقياس أن لا يغرم سوى قيمة البيضة؛ لأن حياة الفرخ غير معلوم‏.‏ وجه الاستحسان أن البيض معد ليخرج منه الفرخ الحي والكسر قبل أوانه سبب لموته فيحال به عليه احتياطا فتجب قيمته حيا كما صرح به والريش جمع الريشة، وهو الجناح والقوائم الأرجل، وأطلق في كسر بيضه، وقيده في الهداية بأن لا يكون فاسدا؛ لأنه لو كسر بيضة مذرة لا شيء عليه؛ لأن ضمانها ليس لذاتها بل لعرضية الصيد، وهو مفقود في الفاسدة، وبهذا انتفى قول الكرماني إذا كسر بيضة نعامة مذرة وجب الجزاء؛ لأن لقشرها قيمة، وإن كانت غير نعامة لا يجب شيء وذلك؛ لأن المحرم بالإحرام ليس منهيا عن التعرض للقشر بل للصيد فقط، وليس للمذرة عرضية الصيدية كذا في فتح القدير‏.‏ وفي البدائع ولو شوى بيضا أو جرادا فضمنه لا يحرم أكله، ولو أكله أو غيره حلالا كان أو حراما لا يلزمه شيء، وعلل له في المحيط بأنه لا يفتقر إلى الذكاة فلا يصير ميتة ولهذا يباح أكل البيض قبل الشيء، وأفاد بمسألة خروج الفرخ أنه لو ضرب بطن ظبية فألقت جنينا ميتا فإنه يضمن قيمته حيا فإن ماتت الأم ضمن قيمتها أيضا بخلاف جنين المرأة إذا خرج ميتا لا يلزم الضارب شيئا؛ لأنه في حكم النفس في جزاء الصيد احتياطا، وفي حقوق العباد في حكم الجزء؛ لأن غرامات الأموال لا تبتني على الاحتياط كذا في النهاية، وقيد بقوله به؛ لأنه لو علم موته بغير الكسر فلا ضمان عليه للفرخ لانعدام الأمانة، ولا للبيض لعدم العرضية، وإذا ضمن الفرخ لا يجب في البيض شيء؛ لأن ما ضمانه لأجله قد ضمنه، وأشار بخروج الفرخ إلى أنه لو نفر صيدا عن بيضه ففسد أنه يضمن إحالة للفساد عليه؛ لأنه السبب الظاهر كما لو أخذ بيضة الصيد فدفنها تحت دجاجة ففسدت، ولو لم تفسد وخرج منها فرخ وطار فلا شيء عليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا شيء بقتل غراب وحدأة، وذئب وحية وعقرب، وفأرة وكلب عقور، وبعوض ونمل وبرغوث، وقراد وسلحفاة‏)‏ أما الفواسق، وهي السبعة المذكورة هنا فلما في صحيح البخاري‏:‏ «خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور» زاد في سنن أبي داود‏:‏ «الحية والسبع العادي»، وفي رواية الطحاوي «الذئب» فلذا ذكر المصنف سبعة، ومعنى الفسق فيهن خبثهن، وكثرة الضرر فيهن، وهو حديث مشهور فلذا خص به الكتاب القطعي كذا في النهاية، وأطلق المصنف في نفي شيء بقتلها فأفاد أنه لا فرق بين أن يكون محرما أو حلالا في الحرم، وأطلق في الغراب فشمل الغراب بأنواعه الثلاثة، وما في الهداية من قوله والمراد بالغراب الذي يأكل الجيف أو يخلط؛ لأنه يبتدئ بالأذى أما العقعق غير مستثنى؛ لأنه لا يسمى غرابا، ولا يبتدئ بالأذى ففيه نظر؛ لأنه دائما يقع على دبر الدابة كما في غاية البيان وسوى المصنف بين الذئب والكلب العقور، وهو رواية الكرخي واختارها في الهداية؛ لأن الذئب يبتدئ بالأذى غالبا والغالب كالمتحقق؛ ولأنه ذكر في بعض الروايات، وفرق بينهما الإمام الطحاوي فلم يجعل الذئب من الفواسق، وأطلق في الفأرة فشملت الأهلية والوحشية، وقيد الكلب بالعقور اتباعا للحديث مع أن العقور وغيره سواء أهليا كان أو وحشيا؛ لأن غير العقور ليس بصيد فلا يجب الجزاء به كما صرح به قاضي خان في فتاويه واختاره في الهداية، وفي السنور البري روايتان‏.‏ ثم اعلم أن الكلام إنما هو في وجوب الجزاء بقتله، وأما حل القتل فما لا يؤذي لا يحل قتله فالكلب الأهلي إذا لم يكن مؤذيا لا يحل قتله؛ لأن الأمر بقتل الكلاب نسخ فقيد القتل بوجوب الإيذاء‏.‏ وأما البعوض، وما كان مثله من هوام الأرض فلأنها ليست بصيود أصلا، وإن كان بعضها يبتدئ بالأذى كالبرغوث، ودخل الزنبور والسرطان والذباب والبق والقنافذ والخنافس والوزغ والحلمة وصياح الليل وابن عرس، وينبغي أن يكون العقرب والفأرة من هذا القسم؛ لأن حد الصيد لا يوجد فيهما والبعوض من صغار البق الواحدة بعوضة بالهاء واشتقاقها من البعض؛ لأنها كبعض البقة قال‏:‏ الله تعالى‏:‏ ‏{‏مثلا ما بعوضة‏}‏ كذا في ضياء الحلوم، وفيه الحدأة بكسر الحاء طائر معروف والجمع الحدأ، وأما الحدأة بفتح الحاء فأس ينقر بها الحجارة لها رأسان والذئب بالهمزة معروف وجمعه أذؤب وأذواب وذئاب وذؤبان قيل اشتقاقه من تذاءبت الريح إذا جاءت من كل وجه، وهو من أسماء الرجال أيضا ويصغر ذويب والسلحفاة بضم الحاء، وفتح الفاء واحدة السلاحف من خلق الماء، ويقال أيضا سلحفية بالياء والفأرة بالهمز واحدة الفأر وجمعه فيران‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبقتل قملة وجرادة تصدق بما شاء‏)‏ أما وجوب الصدقة بقتل القملة فلأنها متولدة من التفث الذي على البدن والمحرم ممنوع من إزالته بمنزلة إزالة الشعر حتى لو قتل ما على الأرض من القمل فإنه لا شيء عليه أو قتلها من بدن غيره فكذلك كما في الظهيرية وغيرها، وفي المحيط ويكره قتل القملة، وما تصدق به فهو خير منها أطلق في قتل القملة فشمل ما إذا كان مباشرة أو تسببا لكن يشترط في الثاني القصد كما قدمناه فعليه الجزاء لو وضع ثيابه في الشمس ليقتل حر الشمس القمل كالصيد، ولا شيء عليه لو لم يقصد ذلك كما لو غسل ثوبه فمات القمل كذا في غاية البيان، وقد علم من كلامه أن القمل كالصيد فأفاد أن الدلالة موجبة فيها فلو أشار المحرم إلى قملة على بدنه فقتلها الحلال وجب الجزاء، وعلم من التعليل أن إلقاء القملة كالقتل؛ لأن الموجب إزالتها عن البدن لا خصوص القتل كما صرح به الإسبيجابي وغيره، وأراد بالقملة القليل منه؛ لأن الكثير منه جزاء قتله صدقة معينة، وهي نصف صاع لا التصدق بما شاء‏.‏ وظاهر كلام الإسبيجابي أن ما زاد على الثلاث كثير، وكلام قاضي خان أن العشرة فما فوقها كثير واقتصر شراح الهداية على الأول فكان هو المذهب، وأما وجوبها بقتل الجرادة فلأن الجراد من صيد البر فإن الصيد ما لا يمكن أخذه إلا بحيلة ويقصده الآخذ، وقال‏:‏ عمر رضي الله عنه تمرة خير من جرادة فأوجبها على من قتل جرادة كما رواه مالك في الموطإ وتبعه أصحاب المذاهب‏.‏ أما ما في سنن أبي داود والترمذي عن أبي هريرة قال‏:‏ «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة أو غزوة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضربه بأسيافنا، وقسينا فقال‏:‏ صلى الله عليه وسلم كلوه فإنه من صيد البحر» فقد أجاب النووي رحمه الله في شرح المهذب بأن الحفاظ اتفقوا على تضعيفه لضعف أبي المهزم، وهو بضم الميم، وكسر الزاي، وفتح الهاء بينهما، واسمه يزيد بن سفيان، وفي رواية لأبي داود عن أبي رافع عن أبي هريرة قال البيهقي وغيره‏:‏ ميمون غير معروف‏.‏ ا هـ‏.‏ فليس هنا حديث ثابت فثبت أنه من صيد البر بإيجاب عمر الجزاء فيه بحضرة الصحابة، وقد روى البيهقي بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال‏:‏ في الجراد قبضة من طعام، ولم أر من تكلم على الفرق بين الجراد القليل والكثير كالقمل وينبغي أن يكون كالقمل ففي الثلاث، وما دونها يتصدق بما شاء، وفي الأربع فأكثر يتصدق بنصف صاع، وفي المحيط مملوك أصاب جرادة في إحرامه إن صام يوما فقد زاد، وإن شاء جمعها حتى تصير عدة جرادات فيصوم يوما‏.‏ ا هـ‏.‏ وينبغي أن يكون القمل كذلك في حق العبد لما علم أن العبد لا يكفر إلا بالصوم ثم أطلق المصنف رحمه الله في الصدقة؛ لأنه لم يذكر في ظاهر الرواية مقدارها، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة أنه يطعم في الواحدة كسرة، وفي الاثنين أو الثلاثة قبضة من الطعام، وفي الأكثر نصف صاع كذا ذكره الإسبيجابي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يجاوز عن شاة بقتل السبع، وإن صال لا شيء بقتله بخلاف المضطر‏)‏؛ لأن السبع صيد، وليس هو من الفواسق؛ لأنه لا يبتدئ بالأذى حتى لو ابتدأ بالأذى كان منها فلا يجب بقتله شيء، وهو معنى قوله صال أي وثب بخلاف الذئب فإنه من الفواسق؛ لأنه ينتهب الغنم، وأراد بالسبع كل حيوان لا يؤكل لحمه مما ليس من الفواسق السبعة والحشرات سواء كان سبعا أو لا، ولو خنزيرا أو قردا أو فيلا كما في المجمع والسبع اسم لكل مختطف منتهب جارح قاتل عاد عادة فإذا وجب الجزاء بقتله لا يجاوز به شاة؛ لأن كثرة قيمته إما لما فيه من معنى المحاربة، وهو خارج عن معنى الصيدية أو لما فيه من الإيذاء، وهو لا تقوم له شرعا فبقي اعتبار الجلد واللحم على تقدير كونه مأكولا وذلك لا يزيد على قيمة الشاة غالبا؛ لأن لحم الشاة خير من لحم السبع‏.‏ وقيد بالسبع؛ لأن الجمل إذا صال على إنسان فقتله وجب عليه قيمته بالغة ما بلغت والفرق بينهما أن الإذن في مسألة السبع بقتله حاصل من صاحب الحق، وهو الشارع، وأما في مسألة الجمل فلم يحصل الإذن من صاحبه، وأورد عليه العبد إذا صال بالسيف على إنسان فقتله المصول عليه فإنه لا يضمنه مع أنه لا إذن له أيضا من مالكه وأجيب بأن العبد مضمون في الأصل حقا لنفسه بالآدمية لا للمولى؛ لأنه مكلف كسائر المكلفين ألا ترى أنه لو ارتد أو قتل يقتل، وإذا كان مضمونا لنفسه سقط هذا الضمان بمبيح جاء من قبله، وهو المصال به، ومالية المولى فيه، وإن كانت متقومة مضمونة له فهي تبع لضمان النفس فيسقط التبع في ضمن سقوط الأصل أطلق في عدم وجوب شيء إذا صال فشمل ما إذا أمكنه دفعه بغير سلاح أو لا، وذكر في المحيط أنه إذا أمكنه دفعه بغير السلاح فقتله فعليه الجزاء، وقيد قاضي خان السبع بكونه غير مملوك؛ لأنه لو كان مملوكا وجبت قيمته بالغة ما بلغت يعني عليه قيمتان إذا كان محرما قيمة لمالكه مطلقا، وقيمة لله تعالى لا تجاوز قيمة شاة كما أسلفناه، ومعنى قوله بخلاف المضطر أن المحرم إذا اضطر إلى أكل الصيد للمخمصة فذبحه، وأكله فإنه يجب الجزاء عليه؛ لأن الإذن مقيد بالكفارة بالنص في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية‏}‏ الآية، فدل على أن الضرورة لا تسقط الكفارة، وأراد بالشاة هنا أدنى ما يجزئ في الهدي والأضحية، وهو الجذع من الضأن‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وللمحرم ذبح شاة وبقرة وبعير ودجاجة وبط أهلي‏)‏؛ لأنها ليست بصيود، وعليه إجماع الأمة، وقيد البط بالأهلي، وهو الذي يكون في المساكن والحياض؛ لأنه ألوف بأصل الخلقة احترازا عن الذي يطير فإنه صيد فيجب الجزاء بقتله قال الشارح فينبغي أن تكون الجواميس على هذا التفصيل فإنه في بلاد السودان وحشي، ولا يعرف منه مستأنس عندهم‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المجمع‏:‏ ولو نزا ظبي على شاة يلحق ولدها بها يعني فلا يجب بقتل الولد جزاء؛ لأن الأم هي الأصل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعليه الجزاء بذبح حمام مسرول وظبي مستأنس‏)‏ لما قدمناه أن العبرة للتوحش بأصل الخلقة، ولا عبرة للعارض والحمام متوحش بأصل الخلقة ممتنع بطيرانه، وإن كان بطيء النهوض، والاستئناس عارض واشتراط ذكاة الاختيار لا يدل على أنه ليس بصيد؛ لأن ذلك كان للعجز، وقد زال بالقدرة عليه، وفي المغرب حمام مسرول في رجليه ريش كأنه سراويل، وإنما قيد به مع أن الحكم في الحمام مطلقا كذلك لما أن فيه خلاف مالك وليفهم غيره بالأولى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو ذبح محرم صيدا حرم‏)‏ أي فهو ميتة؛ لأن الذكاة فعل مشروع، وهذا فعل حرام فلا يكون ذكاة كذبيحة المجوسي فأفاد أنه يحرم على المحرم والحلال، وأشار إلى أن الحلال لو ذبح صيد الحرم فإنه يكون ميتة أيضا كما في غاية البيان، وأطلقه فشمل ما إذا كان المحرم الذابح مضطرا أو لا واختلفت العبارات فيما إذا اضطر المحرم هل يذبح الصيد فيأكله أو يأكل الميتة ففي المبسوط أنه يتناول من الصيد ويؤدي الجزاء، ولا يأكل الميتة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن حرمة الميتة أغلظ؛ لأن حرمة الصيد ترتفع بالخروج من الإحرام أو الحرم فهي مؤقتة به بخلاف حرمة الميتة فعليه أن يقصد أخف الحرمتين دون أغلظهما، والصيد وإن كان محظور الإحرام لكن عند الضرورة ترتفع الحظر فيقتله ويأكل منه ويؤدي الجزاء‏.‏ ا هـ‏.‏ والمراد بالقتل الذبح، وفي فتاوى قاضي خان المحرم إذا اضطر إلى ميتة وصيد فالميتة أولى في قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف والحسن يذبح الصيد، ولو كان الصيد مذبوحا فالصيد أولى عند الكل، ولو وجد لحم صيد، ولحم آدمي كان ذبح الصيد أولى، ولو وجد صيدا أو كلبا فالكلب أولى؛ لأن في الصيد ارتكاب المحظورين، وعن محمد الصيد أولى من لحم الخنزير‏.‏ ا هـ‏.‏ والذي يظهر ترجيح ما في الفتاوى لما أن في أكل الصيد ارتكاب حرمتين الأكل والقتل، وفي أكل الميتة ارتكاب حرمة واحدة، وهي الأكل، وكون الحرمة ترتفع لا يوجب التخفيف ولهذا قال في المجمع‏:‏ والميتة أولى من الصيد للمضطر ويجيزه له مكفرا وذكر في المحيط أن رواية تقديم الميتة رواية المنتقى وذكر الشارح أنه لو وجد صيدا حيا، ومال مسلم يأكل الصيد لا مال المسلم؛ لأن الصيد حرام حقا لله تعالى، والمال حرام حقا للعبد فكان الترجيح لحق العبد لافتقاره، وفي فتاوى قاضي خان، وعن بعض أصحابنا من وجد طعام الغير لا يباح له الميتة، وهكذا عن ابن سماعة وبشر أن الغضب أولى من الميتة، وبه أخذ الطحاوي، وقال الكرخي هو بالخيار ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وغرم بأكله لا محرم آخر‏)‏ للفرق بينهما، وهي أن حرمته على الذابح من جهتين كونه ميتة وتناوله محظور إحرامه؛ لأن إحرامه هو الذي أخرج الصيد عن الحلية والذابح عن الأهلية في حق الذكاة فأضيفت حرمة التناول إلى إحرامه فوجبت عليه قيمة ما أكله، وأما المحرم الآخر فإنما هي حرام عليه من جهة واحدة، وهو كونه ميتة فلم يتناول محظور إحرامه، ولا شيء عليه بأكل الميتة سوى التوبة والاستغفار وبهذا اندفع قولهما بعدم الفرق قياسا على أكل الميتة أطلقه فشمل ما إذا أكل منه قبل أداء الجزاء أو بعده لكن إن كان قبله دخل ضمان ما أكل في ضمان الصيد فلا يجب له شيء بانفراده، وقيد بأكل المحرم؛ لأن الحلال لو ذبح صيدا في الحرم فأدى جزاءه ثم أكل منه لا شيء عليه اتفاقا؛ لأن وجوب الجزاء لفوات الأمن الثابت بالحرم للصيد لا للحمه، وقيد بأكله أي أكل لحمه؛ لأن مأكول المحرم لو كان بيض صيد بعد ما كسره، وأدى جزاءه لا شيء عليه اتفاقا كما قدمناه عن المحيط؛ لأن وجوب الجزاء فيه باعتبار أنه أصل الصيد وبعد الكسر انعدم هذا المعنى، وفي فتح القدير ويكره بيعه فإن باعه جاز ويجعل ثمنه في الفداء إن شاء، وكذا شجر الحرم واللبن‏.‏ ا هـ‏.‏ وأشار إلى أن مأكوله لو كان لحم جزاء الصيد فإنه يضمن قيمة ما أكل بالأولى، وهو متفق عليه، وقد قدمناه، وأراد بالأكل الانتفاع بلحمه فشمل ما إذا أطعمه لكلابه فإنه يضمن قيمته، وفي المحيط محرم وهب لمحرم صيدا فأكله قال أبو حنيفة على الآكل ثلاثة أجزية قيمة للذبح، وقيمة للأكل المحظور، وقيمة للواهب؛ لأن الهبة كانت فاسدة، وعلى الواهب قيمته، وقال محمد على الآكل قيمتان قيمة للواهب، وقيمة للذبح، ولا شيء للأكل عنده‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو صريح في لزوم قيمتين على المحرم بقتل الصيد المملوك كما ذكرناه أول الفصل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وحل له لحم ما صاده حلال وذبحه إن لم يدل عليه، ولم يأمره بصيده‏)‏ لحديث أبي قتادة الثابت في الصحيحين‏:‏ «حين اصطاد، وهو حلال حمارا وحشيا، وأتى به لمن كان محرما من الصحابة فإنهم لما سألوه عليه السلام لم يجب بحله لهم حتى سألهم عن موانع الحل أكانت موجودة أم لا فقال‏:‏ عليه السلام هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا فقال‏:‏ كلوا» إذا فدل على حله للمحرم، ولو صاده الحلال لأجله؛ لأنه لو كان من الموانع أن يصاد لهم لنظمه في سلك ما يسأل عنه منها قيد بعدم الدلالة والأمر؛ لأنه لو وجد أحدهما من المحرم للحلال فإنه يحرم على المحرم أكله على ما هو المختار، وفيه روايتان وذكر الطحاوي تحريمه، وقال الجرجاني‏:‏ لا يحرم وغلطه القدوري واعتمد رواية الطحاوي وظاهر ما في غاية البيان أن الروايتين في حرمة الصيد على الحلال بدلالة المحرم مع أن ظاهر الكتب أن الدلالة من المحرم محرمة عليه للصيد لا على الصائد الحلال‏.‏ ثم اعلم أن عطفهم الأمر على الدلالة هنا يفيد أنه غيرها، وهو مؤيد لما قدمناه أول الفصل فراجعه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبذبح الحلال صيد الحرم قيمة يتصدق بها لا صوم‏)‏ أي وتجب قيمة بذبح صيد الحرم ويلزمه التصدق بها، ولا يجزئه الصوم؛ لأن الصيد استحق الأمن بسبب الحرم للحديث الصحيح، ولا ينفر صيدها فأفاد حرمة التنفير فالقتل أولى وانعقد الإجماع على وجوب الجزاء بقتله فيتصدق بقيمته على الفقراء، ولا يجزئه الصوم؛ لأن الضمان فيه باعتبار المحل، وهو الصيد فصار كغرامة الأموال بخلاف المحرم فإن الضمان ثمة جزاء الفعل لا جزاء المحل، والصوم يصلح له؛ لأنه كفارة له ولصريح النص ‏{‏أو عدل ذلك صياما‏}‏، وإنما اقتصر المصنف على نفي الصوم ليفيد أن الهدي جائز، وهو ظاهر الرواية؛ لأنه فعل مثل ما جنى؛ لأن جنايته كانت بالإراقة، وقد أتى بمثل ما فعل، وفي رواية الحسن لا تجزئه الإراقة، وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا كانت قيمة المذبوح قبل الذبح أقل من قيمة الصيد فعلى ظاهر الرواية تكفيه الإراقة، وعلى رواية الحسن يتصدق بتمام القيمة، وفيما إذا سرق المذبوح فعلى الظاهر لا يجب أن يقيم غيره مقامه، وعلى رواية الحسن تجب الإقامة، وإنما قيد بالحلال ليفيد أن حكم المحرم في صيد الحرم كحكم الحلال بالأولى والقياس أن يلزمه جزاءان لوجود الجناية في الإحرام والحرم، وفي الاستحسان يلزمه جزاء واحد؛ لأن حرمة الإحرام أقوى لتحريمه القتل في الحل والحرم فاعتبر الأقوى وأضيفت الحرمة إليه عند تعذر الجمع بينهما ولهذا وجب الجزاء به لا لنفسه، وأما شجر الحرم وحشيشه فهما فيه سواء؛ لأنه ليس من محظورات الإحرام والظاهر أنه قيد احترازي؛ لأن المحرم تلزمه قيمة يخير فيها بين الهدي والإطعام والصوم كما صرح به في النهاية في صيد المحرم في الحرم، وقيد بذبح الحلال؛ لأنه لو دل إنسانا على صيد الحرم فإنه لا يلزمه شيء، ولو كان المدلول محرما والفرق بين دلالة المحرم ودلالة الحلال أن المحرم التزم ترك التعرض بالإحرام فلما دل ترك ما التزمه فضمن كالمودع إذا دل السارق على الوديعة، ولا التزام من الحلال فلا ضمان بها كالأجنبي إذا دل السارق على مال إنسان والتحقيق أن الضمان على المحرم جزاء الفعل والدلالة فعل، وعلى الحلال في صيد الحرم جزاء المحل، وفي الدلالة لم يتصل بالمحل شيء، وليس مقصوده تقييد الضمان بالذبح فقط؛ لأنه سيصرح آخر الفصل أن من أخرج ظبية الحرم فإنه يضمنها‏.‏ وقال في المحيط‏:‏ ومن أخرج صيدا من الحرم يرده إلى مأمنه فإن أرسله في الحل ضمنه؛ لأنه أزال أمنه بالإخراج فما لم يعده إلى مأمنه بإرساله في الحرم لا يبرأ عن الضمان‏.‏ ا هـ‏.‏ فعلم أن المراد بالذبح إتلافه حقيقة أو حكما، ولا فرق في الإتلاف بين المباشرة والتسبب بشرط أن يكون التسبب عدوانا كما قدمناه في صيد المحرم ولهذا قال في المحيط هنا‏:‏ ولو أدخل المحرم بازيا فأرسله فقتل حمام الحرم لم يضمن؛ لأنه أقام واجبا، وما قصد الاصطياد فلم يكن متعديا في السبب بل كان مأمورا به فلا يضمن‏.‏ انتهى‏.‏ فعلم بهذا أن صيد الحرم يضمن بالمباشرة وبالتسبب ووضع اليد حتى لو وضع يده على صيد الحرم فتلف بآفة سماوية فإنه يكون ضامنا كما سيأتي صريحا في الكتاب والصيد يضمن على المحرم بهذه الثلاثة أيضا ويزاد عليها رابع، وهو الإعانة على قتله حتى لو أحرم، وفي يده حقيقة صيد فلم يرسله حتى هلك بآفة سماوية لزمه جزاؤه كما صرح به في فتح القدير، ولم أر من صرح بحكم جزء صيد الحرم كبيضه ولبنه، ولعله لفهمه من صيد الحرم فإنه لا شك أن الجزء معتبر بالكل فإذا كسر بيض صيد الحرم أو جرحه ضمن ثم رأيت التصريح في المحيط بأن جراحته مضمونة فقال‏:‏ حلال جرح صيدا في الحرم فزادت قيمته من شعر أو بدن ثم مات من الجراحة فعليه ما نقصته الجراحة، وقيمته يوم مات وتمام تفاريعه فيه، وأطلق المصنف في صيد الحرم فشمل ما إذا كان الصيد في الحرم والصائد في الحل أو عكسه، وقد صرحوا به‏.‏ قال في المحيط‏:‏ ثم الصيد إنما يصير آمنا بثلاثة أشياء بإحرام الصائد وبدخول الصيد الحرم وبدخول الصائد في الحرم، وفي الأخير خلاف زفر ونحن نقول إن الداخل للحرم يحرم عليه الاصطياد مطلقا كما يحرم بالإحرام والعبرة لقوائم الصيد لا لرأسه حتى لو كان بعض قوائمه في الحل ورأسه في الحرم فلا شيء عليه في قتله، ولا يشترط أن تكون جميع قوائمه في الحرم حتى لو كان بعض قوائمه في الحرم وبعضها في الحل وجب الجزاء بقتله لتغليب الحظر على الإباحة ولهذا لو كان الصيد ملقى على الأرض في الحل ورأسه في الحرم وجب الجزاء بقتله؛ لأنه ليس بقائم في الحل وبعضه في الحرم وبما ذكرنا علم أنه لو رمى إلى صيد من الحل في الحل غير أن ممر السهم في الحرم فإنه لا شيء عليه، وكذلك حكم الكلب والبازي إذا أرسلهما كما صرح به الإسبيجابي، وهل المعتبر حالة الرمي أو الإصابة‏؟‏‏.‏ ففي فتاوى قاضي خان لو رمى صيدا في الحل فنفر الصيد ووقع السهم في الحرم قال محمد عليه الجزاء في قول أبي حنيفة فيما أعلم‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر في المبسوط مثله في آخر المناسك وذكر في موضع آخر أنه لا يلزمه الجزاء؛ لأنه في الرمي غير مرتكب للنهي، ولكن لا يحل تناول ذلك الصيد، وهذه المسألة المستثناة من أصل أبي حنيفة فإن عنده المعتبر حالة الرمي إلا في هذه المسألة خاصة فإنه يعتبر في حل التناول حالة الإصابة احتياطا؛ لأن الحل يحصل بالذكاة، وإنما يكون ذلك عند الإصابة، وعلى هذا إرسال الكلب‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد اختلف كلامه لكن ذكر في البدائع أنه لا جزاء عليه قياسا، وفي الاستحسان عليه الجزاء فيحمل الاختلاف على القياس والاستحسان، وفي فتاوى الولوالجي لا يجب الجزاء ويكره أكله‏.‏ ا هـ‏.‏ وبما ذكرنا علم أن الصيد لو كان على أغصان شجرة متدلية في الحرم، وأصل الشجرة في الحل فإن قتله عليه الجزاء؛ لأن المعتبر في الصيد مكانه لا أصله، وفي حرمة قطع الشجرة العبرة للأصل لا للأغصان؛ لأن الأغصان تبع للشجرة، وليس الصيد تبعا لها، وهكذا في المحيط وغيره، وليس المراد من كون الصيد في الحرم أن يكون في أرضه؛ لأنه لا يشترط الكون في الأرض؛ لأنه لو كان طائرا في الحرم، وليس في الأرض فإنه من صيد الحرم؛ لأنه دخله، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن دخله كان آمنا‏}‏، وهواء الحرم كالحرم، وأما مسألة ما إذا رمى حلال إلى صيد فأحرم ثم أصابه أو عكسه فصرحوا في آخر الجنايات بأن المعتبر وقت الرمي، وهنا فروع لم أرها صريحا في كلام أئمتنا، وإن أمكن استخراجها منه‏.‏ منها لو نفر صيدا فهلك في حال هربه ونفاره وينبغي أن يكون ضامنا، ولا يخرج عن العهدة حتى يسكن، ومنها لو صاح على صيد فمات من صياحه يضمن وينبغي أن يقاس على ما إذا صاح على صبي فمات، ومنها ما لو رمى إلى صيد فنفذ فيه السهم فأصاب صيدا آخر فقتلهما فينبغي أن يلزمه جزاءان؛ لأن العمد والخطأ في هذا الباب سواء، وهم قد صرحوا به في صيد الحرم ومنها إذا حفر بئرا فهلك فيها صيد الحرم وينبغي أنه إذا كان في ملكه أو موات لا ضمان، وإلا ضمن بناء على أن التسبب يشترط فيه التعدي للماء لا يضمن، وإن كان للاصطياد يضمن‏.‏ ومنها لو جرح الحلال صيدا في الحل ثم دخل الصيد الحرم فجرحه فمات منها وينبغي أن يلزمه قيمته مجروحا كما تقدم في صيد الحرم، ومنها لو أمسك صيدا في الحل، وله فرخ في الحرم فمات الفرخ وينبغي أن يكون ضامنا للفرخ؛ لأنه من صيد الحرم، وقد تسبب في موته إن قلنا إن إمساكه‏.‏ عن فرخه معصية ومنها لو وقف على غصن في الحل، وأصل الشجرة في الحرم ورمى إلى صيد في الحل أو كان الغصن في الحرم والشجرة والصيد في الحل وينبغي أن يكون الواقف على الغصن حكمه كحكم الطائر إذا كان على الغصن فلا ضمان في الأولى وضمن في الثانية‏.‏ ومنها إذا أدخل شيئا من الجوارح فأتلفت شيئا لا بصنعه وينبغي أنه إن لم يرسله فأتلف ضمن، وأما إذا أرسله فقد قدمنا عن المحيط عدم الضمان، ومنها لو رأى حلال جالس في الحرم صيدا في الحل هل يحل له أن يعدو إليه ليقتله في الحل، وقد قدمنا أن الصيد يصير آمنا بواحد من ثلاثة، وقد يقال لما خرج من الحرم لم يبق واحد من الثلاثة فحل له ويجاب بأن الكلام في حل سعيه في الحرم مع أن المقصود بالسعي أمن، وفي الفتاوى الظهيرية وغيرها، ومقدار الحرم من قبل المشرق ستة أميال، ومن الجانب الثاني اثنا عشر ميلا، ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا، ومن الجانب الرابع أربعة وعشرون ميلا هكذا قال الفقيه أبو جعفر، وهذا شيء لا يعرف قياسا، وإنما يعرف نقلا‏.‏ قال الصدر الشهيد‏:‏ فيما قاله نظر فإن من الجانب الثاني ميقات العمرة، وهو التنعيم، وهذا قريب من ثلاثة أميال‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر الإمام النووي في شرح المهذب أن حده من جهة المدينة دون التنعيم على ثلاثة أميال من مكة، ومن طريق اليمن على سبعة أميال من مكة، ومن طريق الطائف على عرفات من بطن نمرة على سبعة أميال، ومن طريق العراق على ثنية جبل بالمقطع على سبعة أميال، ومن طريق الجعرانة في شعب أبي عبد الله بن خالد على تسعة أميال، ومن طريق جدة على عشرة أميال من مكة، وإن عليه علامات منصوبة في جميع جوانبه نصبها إبراهيم الخليل عليه السلام، وكان جبريل يريه مواضعها ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتجديدها ثم عمر ثم عثمان ثم معاوية رضي الله عنهم، وهي إلى الآن بينة، وقد جمعها القاضي أبو الفضل النوبري فقال‏:‏ وللحرم التحديد من أرض طيبة ثلاثة أميال إذا رمت إتقانه وسبعة أميال عراق وطائف وجدة عشر ثم تسع جعرانة، ومن يمن سبع بتقديم سينها، وقد كملت فاشكر لربك إحسانه‏.‏ واختلف العلماء في أن مكة مع حرمها هل صارت حرما آمنا بسؤال إبراهيم عليه السلام أم كانت قبله كذلك، والأصح أنها ما زالت محرمة من حين خلق الله السموات والأرض‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم اعلم أنه ليس للمدينة حرم عندنا فيجوز الاصطياد فيها، وقطع أشجارها، وقد وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرها صريحة في تحريم المدينة كمكة، وأولها أصحابنا بأن المراد بالتحريم التعظيم @@@ويرده ما ثبت في صحيح مسلم‏:‏ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا تقطع أغصانها، ولا يصاد صيدها» فهو صريح في أن لها حرما كمكة فلا يجوز قطع شجرها، ولا الاصطياد فيها والأحسن الاستدلال بحديث أنس الثابت في الصحيحين‏:‏ «أنه كان له أخ صغير يقال له أبو عمير، وكان له نغير يلعب به فمات النغير فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول يا أبا عمير ما فعل النغير»، ولو كان للمدينة حرم لكان إرساله واجبا عليه، ولأنكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمساكه، ولا يمازحه، وأجاب في المحيط عن الأحاديث الصحيحة في أن لها حرما أنها من أخبار الآحاد فيما تعم به البلوى؛ لأن الشجر للمدينة أمر تعم به البلوى وخبر الواحد إذا ورد فيما تعم به البلوى لا يقبل إذ لو كان صحيحا لاشتهر نقله فيما عم به البلوى‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن دخل الحرم بصيد أرسله‏)‏ أي فعليه أن يطلقه؛ لأنه لما حصل في الحرم وجب ترك التعرض لحرمة الحرم إذ هو صار من صيد الحرم فاستحق الأمن أراد به ما إذا دخل به، وهو ممسك له بيده الجارحة؛ لأنه سيصرح بأنه إذا أحرم، وفي بيته أو في قفصه صيد لا يرسله فكذلك إذا دخل الحرم، ومعه صيد في قفصه لا في يده لا يرسله؛ لأنه لا فرق بينهما فالحاصل أن من أحرم، وفي يده صيد حقيقة أو دخل الحرم كذلك وجب إرساله، وإن كان في بيته أو قفصه لا يجب إرساله فيهما فنبه بمسألة دخول الحرم هنا على مسألة المحرم ونبه بمسألة المحرم الآتية على مسألة الحرم، وعمم الداخل ليشمل الحلال والمحرم، وليس المراد من إرساله تسييبه؛ لأن تسيب الدابة حرام بل يطلقه على وجه لا يضيع، ولا يخرج عن ملكه بهذا الإرسال حتى لو خرج إلى الحل فله أن يمسكه، ولو أخذه إنسان يسترده، وأطلق في الصيد فشمل ما إذا كان من الجوارح أو لا فلو دخل الحرم، ومعه بازي فأرسله فقتل حمام الحرم فإنه لا شيء عليه؛ لأنه فعل ما هو الواجب عليه، وقد قدمناه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن باعه رد البيع إن بقي، وإن فات فعليه الجزاء‏)‏؛ لأن البيع لم يجز لما فيه من التعرض للصيد وذلك حرام، ولزمه الجزاء بفوته لتفويت الأمن المستحق، وأشار بقوله رد البيع إلى أنه فاسد لا باطل، وأطلق في بيعه فشمل ما إذا باعه في الحرم أو بعد ما أخرجه إلى الحل؛ لأنه صار بالإدخال من صيد الحرم فلا يحل إخراجه إلى الحل بعد ذلك، وقيد بكون الصيد داخل الحرم؛ لأنه لو كان في الحل والمتبايعان في الحرم فإن البيع صحيح عند أبي حنيفة، ومنعه محمد قياسا على منع رميه من الحرم إلى صيد في الحل كما قدمناه، وفرق الإمام بأن البيع ليس بتعرض له حسا بل حكما، وليس هو بأبلغ من أمره بذبح هذا الصيد بخلاف ما لو رماه من الحرم للاتصال الحسي هذا ما ذكر الشارحون، وفي المحيط خلافه فإنه قال‏:‏ لو أخرج ظبية من الحرم فباعها أو ذبحها أو أكلها جاز البيع والأكل ويكره؛ لأنه مال مملوك؛ لأن قيام يده على الصيد، وهما في الحل يفيد الملك له في الصيد كما لو أثبت اليد عليه ابتداء إلا أن لله تعالى فيه حقا، وهو رده إلى الحرم لكن حق الله تعالى في العين لا يمنع جواز البيع كبيع مال الزكاة والأضحية‏.‏ ا هـ‏.‏ فقوله في المختصر‏:‏ فإن باعه أي الصيد، وهو في الحرم لا مطلقا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن أحرم، وفي بيته أو قفصه صيد لا يرسله‏)‏ أي لا يجب إطلاقه؛ لأن الصحابة كانوا يحرمون، وفي بيوتهم صيود ودواجن، ولم ينقل عنهم إرسالها وبذلك جرت العادة الفاشية، وهي من إحدى الحجج؛ ولأن الواجب عدم التعرض، وهو ليس بمتعرض من جهته ؛ لأنه محفوظ بالبيت والقفص لا به غير أنه في ملكه، ولو أرسله في مفازة فهو على ملكه فلا يعتبر ببقاء الملك أطلقه فشمل ما إذا كان القفص في يده؛ لأنه في القفص لا في يده بدليل جواز أخذ المصحف بغلافه للمحدث، وقيل يلزمه إرساله على وجه لا يضيع بأن يرسله في بيت أو يودعه عند إنسان بناء على كونه في يده بدليل أنه يصير غاصبا له بغصب القفص، وقيد بكونه في بيته أو قفصه؛ لأنه لو كان بيده الجارحة لزمه إرساله اتفاقا فلو هلك، وهو في يده لزمه الجزاء، وإن كان مالكا له للجناية على الإحرام بإمساكه، وفي المغرب شاة داجن ألفت البيوت، وعن الكرخي الدواجن خلاف السائمة‏.‏ ا هـ‏.‏ فالمراد بالصيد نحو الصقر والشاهين وبالدواجن نحو الغزالة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو أخذ حلال صيدا فأحرم ضمن مرسله‏)‏ يعني عند الإمام وقالا لا يضمن؛ لأن المرسل آمر بالمعروف ناه عن المنكر، و ‏{‏ما على المحسنين من سبيل‏}‏، وله أنه ملك الصيد بالأخذ ملكا محترما فلا يبطل احترامه بإحرامه، وقد أتلفه المرسل فيضمنه والواجب عليه ترك التعرض ويمكنه ذلك بأن يخليه في بيته فإذا قطع يده عنه كان متعديا قال‏:‏ في الهداية ونظيره الاختلاف في كسر المعازف‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو يقتضي أن يفتى بقولهما هنا؛ لأن الفتوى على قولهما في عدم الضمان بكسر المعازف‏.‏ ا هـ‏.‏ وهي آلات اللهو كالطنبور، أطلق في الإرسال فشمل ما إذا أرسله من يده الحقيقية أو الحكمية أي من بيته لكن يضمنه في الثاني اتفاقا كذا في شرح ابن الملك للمجمع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو أخذه محرم لا يضمن‏)‏ أي لا يضمن مرسله من يده اتفاقا؛ لأنه لم يملكه بالأخذ؛ لأن المحرم لا يملك الصيد بسبب من الأسباب؛ لأنه محرم عليه فصار كالخمر والخنزير كذا قالوا، ومقتضاه أنه لو باعه المحرم فبيعه غير منعقد أصلا، وقد صرح في المحيط بفساد البيع، والمراد من قولهم المحرم لا يملك الصيد بسبب من الأسباب الاختيارية كالشراء والهبة والصدقة والوصية، وأما السبب الجبري فيملكه به كما إذا ورث من قريبه صيدا كما صرح به في المحيط، وأشار إلى أنه لو أرسله المحرم فأخذه حلال ثم حل مرسله فإنه يأخذه مرسله في الصورة الأولى ممن هو في يده؛ لأنه لم يخرج عن ملكه، ولا يأخذه في الثانية؛ لأنه لم يكن مالكا أصلا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن قتله محرم آخر ضمنا ورجع آخذه على قاتله‏)‏ لوجود الجناية منهما الآخذ بالأخذ والقاتل بالقتل فلزم كل واحد منهما جزاء كامل ورجع الآخذ على القاتل بما غرم؛ لأن أداء الضمان يوجب ثبوت الملك في المضمون بالأخذ السابق، وقد تعذر إظهاره في عين الصيد فأظهرناه في بدله؛ لأنه قائم مقام الملك في حق الرجوع ببدله كمن غصب مدبرا، وقتله إنسان في يده يرجع بما ضمن على القاتل، وإن لم يملك المدبر فكذا هذا بل أولى؛ لأن المدبر لا يملك بسبب ما والمحرم يملك الصيد بسبب الإرث كما قدمناه، وإنما قيد بكون القاتل محرما آخر لقوله ضمنا فإن القاتل لو كان حلالا فإن كان الصيد في الحرم لزمه الجزاء، وإن كان من صيد الحل لا ضمان عليه بالقتل لكن يرجع عليه الآخذ بما ضمن فالرجوع لا فرق فيه بين المحرم والحلال، وفي المحيط، ولو كان القاتل نصرانيا أو صبيا فلا جزاء عليه لله تعالى ويرجع عليه الآخذ بقيمته؛ لأنه يلزمه حقوق العباد دون حقوق الله تعالى، وقيد بكون القاتل آدميا فإنه لو قتله بهيمة إنسان فإن الجزاء على الآخذ وحده، ولا رجوع للآخذ على أحد كما ذكره الإسبيجابي، وأطلق في الرجوع فشمل ما إذا كان الآخذ كفر بالصوم فيرجع الآخذ بالقيمة مطلقا، وهو ظاهر ما في النهاية لكن صرح في المحيط عن المنتقى أنه إن كفر بالصوم فلا رجوع له؛ لأنه لم يغرم شيئا‏.‏ ا هـ‏.‏ وجزم به الشارح واختاره في فتح القدير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن قطع حشيش الحرم أو شجر غير مملوك، ولا مما ينبته الناس ضمن قيمته إلا فيما جف‏)‏ لحديث الصحيحين‏:‏ «لا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها»، والخلا بالقصر الحشيش واختلاؤه قطعه والعضد قطع الشجر من باب ضرب كذا في المغرب، وفي فتح القدير الخلا هو الرطب من الكلأ والشجر اسم للقائم الذي بحيث ينمو فإذا جف فهو حطب، وقد ذكر النووي عن أهل اللغة أن العشب، والخلا اسم للرطب والحشيش اسم لليابس، وأن الفقهاء يطلقون الحشيش على الرطب واليابس مجازا وسمي الرطب حشيشا باعتبار ما يئول إليه‏.‏ ا هـ‏.‏ فقد أفاد الحديث أن المحرم هو المنسوب إلى الحرم والنسبة إليه على الكمال عند عدم النسبة إلى غيره، قيد بكونه غير مملوك؛ لأنه لو قطع ما أنبته الناس فإنه لا يضمن للحرم بل يضمن قيمته لمالكه، وقيد بقوله مما لا ينبته الناس؛ لأنه لو قطع ما نبت بنفسه، وهو من جنس ما ينبته الناس فإنه لا ضمان عليه؛ لأنه إنما نبت ببذر وقع فيه فصار كما إذا علم أنه أنبته الناس ولهذا يحل قطع الشجر المثمر؛ لأنه أقيم كونه مثمرا مقام إنبات الناس؛ لأن إنبات الناس في الغالب للثمر‏.‏ وقال في المحيط وغيره‏:‏ ولو نبت شجر أم غيلان بأرض رجل فقطعه آخر لزمه قيمتان قيمة للشرع، وقيمة للمالك كالصيد المملوك في الحرم أو الإحرام‏.‏ ا هـ‏.‏ وهي واردة على المصنف فالمراد من قوله أو شجرا غير مملوك الشجر الذي لم ينبته أحد سواء كان مملوكا أو لا ولذا لم يذكر الملك في أكثر الكتب إنما ذكروا ما لم ينبته الناس فالحاصل أن النابت في الحرم أما إذخر أو غيره فالأول سيستثنيه، والثاني على ثلاثة إما أن يجف أو ينكسر أو ليس واحدا منهما، وقد استثنى ما جف أي يبس ويلحق به المنكسر، وأما ما ليس واحدا منهما فهو على قسمين إما أن يكون أنبته الناس أو لا والأول لا شيء فيه سواء كان من جنس ما ينبته الناس أو لا والثاني إن كان من جنس ما ينبته الناس فلا شيء عليه، وإلا ففيه الجزاء فما فيه الجزاء هو ما نبت بنفسه، وليس من جنس ما أنبته الناس، ولا منكسرا، ولا جافا، ولا إذخرا‏.‏ وفي المحيط‏:‏ ولو قطع شجرة في الحرم فغرم قيمتها ثم غرسها مكانها ثم نبتت ثم قلعها ثانيا فلا شيء عليه؛ لأنه ملكها بالضمان، وأشار بقوله ضمن قيمته إلى أنه لا مدخل للصوم هنا كصيد الحرم، وأطلق في القاطع فشمل الحلال والمحرم، وقيد بالقطع؛ لأنه ليس في المقلوع ضمان ذكره ابن بندار في شرح الجامع، وأشار بالضمان أيضا إلى أنه يملكه بأداء الضمان كما في حقوق العباد ويكره الانتفاع به بعد القطع بيعا وغيره؛ لأنه لو أبيح ذلك لتطرق الناس إليه، ولم يبق فيه شجر كذا قالوا، وهو يدل على أن الكراهة تحريمية، وفي المحيط، ولو باعه جاز للمشتري الانتفاع به؛ لأن إباحة الانتفاع للقاطع تؤدي إلى استئصال شجر الحرم، وفي حق المشتري لا؛ لأن تناوله بعد انقطاع النماء‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي شرح المجمع وبخلاف الصيد فإن بيعه لا يجوز، وإن أدى قيمته‏.‏ ا هـ‏.‏ فالحاصل أن شجر الحرم يملك بأداء القيمة وصيد الحرم لا يملك أصلا، وأشار بعدم الضمان فيما جف إلى أنه يحل الانتفاع به؛ لأنه حطب‏.‏ ثم اعلم أن قولهم لو نبت الشجر بأرض رجل ملكه إنما يتصور على قولهما أما على قول أبي حنيفة لا يتصور؛ لأنه لا يتحقق عنده تملك أرض الحرم بل هي سوائب عنده كذا في فتح القدير، وأراد بالسوائب الأوقاف، وإلا فلا سائبة في الإسلام وصرح في الهداية بأن قولهما رواية عن الإمام، وفي غاية البيان قال محمد في أم غيلان نبتت في الحرم في أرض رجل ليس لصاحبه قطعه، ولو قطعه فعليه لعنة الله تعالى‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد قدمنا أن العبرة لأصل الشجرة لا لأغصانها لكن قال في الأجناس‏:‏ الأغصان تابعة لأصلها وذلك على ثلاثة أقسام‏:‏ أحدها أن يكون أصلها في الحرم والأغصان في الحل فعلى قاطع أغصانها القيمة‏.‏ والثاني أن يكون أصلها في الحل، وأغصانها في الحرم لا ضمان على القاطع في أصلها، وأغصانها‏.‏ والثالث بعض أصلها في الحل وبعضه في الحرم فعلى القاطع الضمان سواء كان الغصن من جانب الحل أو من جانب الحرم‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وحرم رعي حشيش الحرم، وقطعه إلا الإذخر‏)‏ لإطلاق الحديث‏:‏ «ولا يختلى خلاها»؛ لأنه لا فرق بين القطع بالمناجل والمشافر والمنجل ما يحصد به الزرع والمشفر للبعير كالحجلة من الفرس والشفة من الإنسان وجوز أبو يوسف رعيه لمكان الحرج في حق الزائرين والمقيمين، وأجابا بمنع الحرج؛ لأن الحمل من الحل متيسر، ولئن كان فيه حرج فلا يعتبر؛ لأن الحرج إنما يعتبر في موضع لا نص عليه، وأما مع النص بخلافه فلا، وأما الإذخر فهو نبت معروف بمكة، وقد استثناه عليه الصلاة والسلام بالتماس العباس كما عرف في الصحيح وذكر في البدائع ثلاثة أوجه‏:‏ الأول أنه عليه الصلاة والسلام كان في قلبه هذا الاستثناء إلا أن العباس سبقه فأظهر النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه ما كان في قلبه‏.‏ الثاني يحتمل أن الله تعالى أمره أن يخبر بتحريم كل خلا مكة إلا ما يستثنيه العباس وذلك غير ممتنع‏.‏ الثالث يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام عمم المنع فلما سأله العباس جاءه جبريل برخصة الإذخر فاستثناه، وهو استثناء صورة تخصيص معنى والتخصيص المتراخي عن العام نسخ عندنا والنسخ قبل التمكن من الفعل بعد التمكن من الاعتقاد جائز عندنا‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيد بالحشيش؛ لأن الكماة من الحرم يجوز أخذها؛ لأنها ليست من نبات الأرض، وإنما هي مودعة فيها؛ ولأنها لا تنمو، ولا تبقى فأشبهت اليابس من النبات، وأشار المصنف بذكر صيد الحرم وشجره وحشيشه إلى أنه لا بأس بإخراج حجارة الحرم وترابه إلى الحل؛ لأنه يجوز استعماله في الحرم ففي الحل أولى كذا في المحيط وغيره، وكذلك يجوز نقل ماء زمزم إلى سائر البلاد للعلة المذكورة، وأما ثياب الكعبة فنقل أئمتنا أنه لا يجوز بيعها، ولا شراؤها لكن الواقع الآن أن الإمام أذن في إعطائها لبني شيبة عند التجديد وللإمام ذلك فأئمتنا إنما منعوا من بيعها؛ لأنها مال بيت المال، ولا شك أن التصرف فيه للإمام فحيث جعله عطاء لقوم مخصوصين فإن البيع جائز، وهكذا اختاره الإمام النووي في شرح المهذب فقال‏:‏ إن الأمر فيها إلى الإمام يصرفها في بعض مصارف بيت المال بيعا، وعطاء لما رواه الأزرقي أن عمر رضي الله عنه كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج؛ ولأنه لو لم يجز التصرف في كسوتها لتلفت بطول الزمان قال‏:‏ ابن عباس وعائشة تباع كسوتها ويجعل ثمنها في سبيل الله والمساكين وابن السبيل، ولا بأس أن يلبس كسوتها من صارت إليه من حائض وجنب وغيرهما ثم قال النووي‏:‏ لا يجوز أخذ شيء من طيب الكعبة لا للتبرك، ولا لغيره، ومن أخذ شيئا منه لزمه رده إليها فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده فمسحها به ثم أخذه ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏‏)‏ ‏(‏وكل شيء على المفرد به دم فعلى القارن دمان‏)‏ أي دم لحجته ودم لعمرته؛ لأنه محرم بإحرامين عندنا على ما قدمناه، وقد جنى عليهما، وليس إحرام الحج أقوى من إحرام العمرة حتى يستتبعه كما قلنا في المحرم إذا قتل صيد الحرم أنه يلزمه جزاء واحد للإحرام؛ لأنه أقوى؛ لأن الإحرامين سواء؛ لأنه يحرم بكل واحد منهما ما يحرم بالآخر والتفاوت إنما هو في أداء الأفعال‏.‏ والتحقيق أن التعدد إنما هو بسبب إدخال النقص على العبادتين بسبب الجناية، وأراد بوجوب الدم على المفرد ما كان بسبب الجناية على الإحرام بفعل شيء من محظوراته لا مطلقا فإن المفرد إذا ترك واجبا من واجبات الحج لزمه دم، وإذا تركه القارن لا يتعدد الدم عليه؛ لأنه ليس جناية على الإحرام، وأراد بالدم الكفارة سواء كانت دما أو صدقة فإذا فعل القارن ما يلزم المفرد به صدقة لزمه صدقتان كما صرح به الولوالجي في فتاويه وسواء كانت كفارة جناية أو كفارة ضرورة فإذا لبس أو غطى رأسه للضرورة تعددت الكفارة، وأراد بالقارن من كان محرما بإحرامين قارنا كان أو متمتعا ساق الهدي فإنا قدمنا أن المتمتع إذا ساق الهدي لا يخرج عن إحرام العمرة إلا بالحلق يوم النحر وسيأتي في باب إضافة الإحرام إلى الإحرام أن من جمع بين حجتين وجنى جناية قبل الشروع في الأعمال فإنه يلزمه دمان عند أبي حنيفة؛ لأنه محرم بإحرامين كالقارن، وأطلق في لزوم الدمين فشمل ما إذا كان قبل الوقوف بعرفة أو بعده، ولا خلاف فيما قبله، وأما فيما بعده فقد قدمنا اختلاف المشايخ في أن إحرام العمرة في حق القارن ينتهي بالوقوف أولا فمن قال بانتهائه لا يقول بالتعدد، ومن قال ببقائه قال به‏.‏ وذكر شيخ الإسلام أن وجوب الدمين على القارن إذا كانت الجناية قبل الوقوف في الجماع وغيره أما بعد الوقوف ففي الجماع يجب دمان، وفي سائر المحظورات دم واحد‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد قدمنا أن المذهب بقاء إحرام عمرة القارن بعد الطواف إلى الحلق فيلزمه بالجناية بعد الوقوف دمان سواء كان جماعا أو قتل صيد أو غيرهما، وقدمنا أن الصواب أنه ينتهي بالحلق حتى في حق النساء حتى لو جامع القارن بعد الحلق لا يلزمه لأجل العمرة شيء فما في الأجناس كما نقله في غاية البيان من أن القارن إذا قتل صيدا بعد الوقوف يلزمه دم واحد ففرع على قول من قال بانتهاء إحرام العمرة بالوقوف، وقد علمت ضعفه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ إلا أن يجاوز الميقات غير محرم‏)‏ استثناء منقطع؛ لأنه ليس داخلا فيما قبله؛ لأن صدر الكلام إنما هو فيما لزم المفرد بسبب الجناية على إحرامه، والمجاوز بغير إحرام لم يكن محرما ليخرج؛ لأنه يلزمه دم سواء أحرم بعد ذلك بحج أو عمرة أو بهما أو لم يحرم أصلا فلا حاجة إلى استثنائه في كلامهم لكن على تقدير أن يحرم بعد المجاوزة فقد أدخل نقصا في إحرامه، وهو ترك جزء منه بين الميقات والموضع الذي أحرم فيه فتوهم زفر أنه إذا أحرم قارنا أنه أدخل هذا النقص على الإحرامين فأوجب دمين، وقلنا إن الواجب عليه عند دخول الميقات أحد النسكين فإذا جاوزه بغير إحرام ثم أحرم بهما فقد أدخل النقص على ما لزمه، وهو أحدهما فلزمه جزاء واحد‏.‏ وأورد في غاية البيان على اقتصارهم في الاستثناء على هذه المسألة مسائل منها أن القارن إذا أفاض قبل الإمام يجب عليه دم واحد كالمفرد، ومنها إذا طاف طواف الزيارة جنبا أو محدثا، وقد رجع إلى أهله يجب عليه دم واحد، ومنها أن القارن إذا وقف بعرفة ثم قتل صيدا فعليه قيمة واحدة كما في الأجناس ومنها إذا حلق قبل أن يذبح فإنه يلزمه دم واحد، ومنها أن القارن إذا قطع شجر الحرم فإنه يلزمه قيمة واحدة كالمفرد‏.‏ ا هـ‏.‏ فالحاصل أن المستثنى عدة مسائل لا مسألة واحدة والتحقيق أنه لا استثناء أصلا أما مسألة الكتاب فقد قدمنا أنه استثناء منقطع، وأما مسألة الإفاضة فإنما وجب دم بسبب ترك واجب من واجبات الحج، وليس هو جناية على الإحرام كما قدمناه، ولا خصوصية لهذا الواجب بل كل واجب من واجبات الحج فإنه لا تعلق للعمرة به، وأما مسألة الطواف جنبا فإنما وجب دم واحد لترك واجب من واجبات الطواف لا للجناية على الإحرام ولهذا لو طاف جنبا، وهو غير محرم فإنه يلزمه دم، وإن كان الدم متنوعا إلى بدنة وشاة نظرا إلى كمال الجناية وخفتها، وأما مسألة قتل الصيد بعد الوقوف فالمذهب لزوم دمين، وما في الأجناس ضعيف كما قدمناه، وأما مسألة الحلق قبل الذبح فإنه لا يلزم المفرد به شيء؛ لأن الذبح ليس بواجب عليه، وهو إنما أوجبوا التعدد على القارن فيما يلزم المفرد به كفارة، وليس على المفرد به شيء فلا يتعدد الدم على القارن، وأما مسألة قطع شجر الحرم فهو من باب الغرامات لا تعلق للإحرام به بخلاف صيد الحرم إذا قتله القارن فإنه يلزمه قيمتان كما صرح به الإسبيجابي وغيره؛ لأنها جناية على الإحرام، وهو متعدد كما قدمنا أن أقوى الحرمتين تستتبع أدناهما والإحرام أقوى فكان وجوب القيمة بسبب الإحرام فقط لا بسبب الحرم، وإنما ينظر إلى الحرم إذا كان القاتل حلالا، والله سبحانه الموفق‏.‏ وذكر في النهاية صورة يجب فيها على القارن دمان لأجل المجاوزة، وهي ما إذا جاوز فأحرم بحج ثم دخل مكة فأحرم بعمرة، ولم يعد إلى الحل محرما، وهي غير واردة عليهم؛ لأن أحد الدمين للمجاوزة، وهو الأول والثاني لتركه ميقات العمرة؛ لأنه لما دخل مكة التحق بأهلها، وميقاتهم في العمرة الحل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو قتل المحرمان صيدا تعدد الجزاء، ولو حلالان لا‏)‏ أي لا يتعدد الجزاء بقتل صيد الحرم لما قدمنا أن الضمان في حق المحرم جزاء الفعل، وهو متعدد، وفي صيد الحرم جزاء المحل، وهو ليس بمتعدد كرجلين قتلا رجلا خطأ يجب عليهما دية واحدة؛ لأنها بدل المحل، وعلى كل واحد منهما كفارة؛ لأنها جزاء الفعل أشار المصنف إلى أنه لو اشترك محرم وحلال في قتل صيد الحرم فعلى المحرم جميع القيمة، وعلى الحلال نصفها لما أن الضمان يتبعض في حق الحلال، وإلى أنه لو كانوا أكثر من اثنين في صيد الحرم قسم الضمان على عددهم، وإلى أنه لو اشترك مع الحلال من لا يجب عليه الجزاء من كافر أو صبي وجب على الحلال بقدر ما يخصه من القيمة إذا قسمت على العدد، وفي الجامع الكبير لو أخذ حلال صيد الحرم فقتله نصراني أو صبي أو بهيمة في يده فعلى الحلال قيمته، ولا شيء على النصراني والصبي ويرجع الحلال بما ضمن عليهما؛ لأنه لولا قتلهما لتمكن الحلال من إرساله‏.‏ وذكر الإسبيجابي أنه لو اشترك حلال ومفرد وقارن في قتل صيد الحرم فعلى الحلال ثلث الجزاء، وعلى المفرد جزاء كامل، وعلى القارن جزاءان‏.‏ ا هـ‏.‏ ولم يبين المصنف الجزاء الذي يجب على الحلالين بقتل صيد الحرم مع أن فيه تفصيلا، وهو أنهما إن ضرباه ضربة واحدة فمات كان على كل واحد منهما نصف قيمته صحيحا، وإن ضربه كل واحد منهما ضربة فإن وقعا معا فإنه يجب على كل واحد منهما ما نقصته جراحته ثم يجب على كل واحد منهما نصف قيمته مجروحا بجراحتين؛ لأن عند اتحاد فعلهما جميع الصيد صار متلفا بفعلهما فضمن كل نصف الجزاء، وعند الاختلاف الجزء الذي تلف بضربة كل هو المختص بإتلافه فعليه جزاؤه والباقي متلف بفعلهما فعليهما ضمانه، وإن كان الضارب له حلالا، ومحرما كذلك ضمن كل واحد ما نقصته جراحته ثم يضمن الحلال نصف قيمته مضروبا بالضربتين، وعلى المحرم جميع قيمته مضروبا بالضربتين، ولو لم يقعا معا بأن جرحه الحلال أولا ثم ثنى المحرم ضمن الحلال ما انتقص بجرحه صحيحا ونصف قيمته وبه الجراحتان؛ لأن النقصان حصل بالجرح، وهو صحيح والهلاك حصل بأثر الفعل، وهو منقوص بالجراحتين، وعلى المحرم قيمته وبه الجرح الأول؛ لأنه حين جرح كان منقوصا بالجرح الأول، ولو قطع حلال يد صيد ثم فقأ محرم عينه ثم جرحه قارن فمات فعلى الحلال قيمته كاملة؛ لأنه استهلكه معنى، وهو صحيح؛ لأنه فوت عليه جنس المنفعة، وعلى الثاني قيمته وبه الجرح الأول؛ لأنه استهلكه معنى، وعلى القارن قيمتان وبه الجنايات؛ لأنه أتلفه حقيقة بأثر الفعل، وهو منقوص بهما وتمام تفاريعه في المحيط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويبطل بيع المحرم صيدا وشراؤه‏)‏؛ لأن بيعه حيا تعرض للصيد بفوات الأمن وبيعه بعد ما قتله بيع ميتة كذا علله في الهداية والظاهر من الصيد هو الحي، وأما الميتة فمعلوم بطلان بيعها، وأشار إلى أنه لو هلك في يد المشتري فإنه لا ضمان عليه للبائع إذا كان قد اصطاده البائع، وهو محرم؛ لأنه لم يملكه، وإن كان قد اصطاده، وهو حلال ثم أحرم فباعه فإن المشتري يضمن له قيمته، وأما الجزاء فعلى كل واحد جزاء كامل؛ لأن البائع جنى بالبيع والمشتري بالشراء والأخذ، وإنما كان البيع باطلا، ولم يكن فاسدا؛ لأن الصيد في حق المحرم محرم العين بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما‏}‏ أضاف التحريم إلى العين فأفاد سقوط التقوم في حقه كالخمر في حق المسلم، وحاصله إخراج العين عن المحلية لسائر التصرفات فيكون التصرف فيها عبثا فيكون قبيحا لعينه فيبطل سواء كانا محرمين أو أحدهما ولهذا أطلقه المصنف فإنه أفاد أن بيع المحرم باطل، ولو كان المشتري حلالا، وأن شراءه باطل، وإن كان البائع حلالا‏.‏ وأما الجزاء فإنما يكون على المحرم حتى لو كان البائع حلالا والمشتري محرم لزم المشتري فقط، وعلى هذا كل تصرف فإن وهب صيدا فإن كانا محرمين لزم كل واحد جزاء، وإن كان أحدهما محرما لزمه فقط، ولو تبايعا صيدا في الحل ثم أحرما أو أحدهما ثم وجد المشتري به عيبا رجع بالنقصان، وليس له الرد، وعلى هذا لو غصب حلال صيد حلال ثم أحرم الغاصب والصيد في يده لزمه إرساله وضمان قيمته للمغصوب منه فلو لم يفعل ودفعه إلى المغصوب منه حتى برئ من الضمان له كان عليه الجزاء، وقد أساء، وهذا لغز يقال غاصب يجب عليه عدم الرد بل إذا فعل يجب به الضمان فلو أحرم المغصوب منه ثم دفعه إليه فعلى كل واحد منهما الجزاء‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن أخرج ظبية الحرم فولدت فماتا ضمنهما فإن أدى جزاءها فولدت لا يضمن الولد‏)‏؛ لأن الصيد بعد الإخراج من الحرم بقي مستحق الأمن شرعا ولهذا وجب رده إلى مأمنه، وهذه صفة شرعية فتسري إلى الولد فإن أدى جزاءها ثم ولدت ليس عليه جزاء الولد؛ لأن بعد أداء الجزاء لم تبق آمنة؛ لأن وصول الخلف كوصول الأصل ولهذا يملكها الذي أخرجها بعد أداء الجزاء ولهذا لو ذبحها لم تكن ميتة لكنه مكروه كذا قالوا‏:‏ وقد بحث فيه المحقق في فتح القدير فقال‏:‏ والذي يقتضيه النظر أن أداء الجزاء إن كان حال القدرة على إعادة مأمنها بالرد إلى المأمن لا يقع كفارة، ولا يحل بعده التعرض له بل حرمة التعرض إليها قائمة، وإن كان حال العجز عنه بأن هربت في الحل بعد ما أخرجها إليه خرج به عن عهدتها فلا يضمن ما يحدث بعد التكفير من أولادها، وله أن يصطادها، وهذا؛ لأن المتوجه قبل العجز عن تأمينها إنما هو خطاب الرد إلى المأمن، ولا يزال متوجها ما كان قادرا؛ لأن سقوط الأمر إنما هو بفعل المأمور به ما لم يعجز، ولم يوجه فإذا عجز توحد خطاب الجزاء، وقد صرح بأن الأخذ ليس سببا للضمان بل القتل بالنص فالتفكير قبله واقع قبل السبب فلا يقع إلا نفلا فإذا ماتت بعد أداء هذا الجزاء لزم الجزاء؛ لأنه الآن تعلق خطاب الجزاء هذا الذي أدين الله به، وأقول‏:‏ يكره اصطيادها إذا أدى الجزاء بعد الهرب ثم ظفر بها بشبهة كون دوام العجز شرط إجزاء الكفارة إلا إذا اصطادها ليردها إلى الحرم‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد يقال إنه لا يخلو إما أن يكون المخرج محرما أو حلالا فإن كان محرما فلا شك أن سبب الضمان قد وجد، وهو التعرض للصيد فإن الآية، وإن أفادت حرمة القتل أفادت السنة حرمة التعرض قتلا أو غيره ولهذا وجب الضمان بالدلالة، وليست قتلا، وقد صرحوا كما قدمناه بأن المحرم إذا جرح صيدا فكفر ثم مات فإنه لا يلزمه كفارة أخرى؛ لأنه أدى بعد السبب، وليس قتلا، وإن كان المخرج حلالا فالنص الحديثي أفاد حرمة التنفير كما قدمناه بقوله، ولا ينفر صيدها، ولم يخص القتل والمراد من التنفير التعرض له فإنه حرام كالقتل، وإن كان لا يجب عليه بالدلالة شيء فإذا أخرجها فقد اتصل فعله بها فوجد سبب الضمان فجاز التكفير فإذا أدى الجزاء ملكها ملكا خبيثا ولهذا قالوا يكره أكلها، وهي عند إطلاقهم منصرفة إلى الكراهة التحريمية فدل أنه يجب ردها إلى الحرم بعد أداء الجزاء، ولو كان القتل عينا سببا للجزاء لم يجب الجزاء بإخراجها، وعدم قدرته على ردها إلى الحرم بهربها فالظاهر ما ذهب إليه أئمتنا‏.‏ وأشار المصنف رحمه الله تعالى بحكم الزيادة المنفصلة إلى الزيادة المتصلة كالسمن والشعر‏.‏ فإن أخرج حلال ظبية الحرم فازدادت قيمتها من بدن أو شعر ثم ماتت فإن لم يؤد جزاءها قبل موتها فالزيادة مضمونة، وإن أدى جزاءها قبل موتها فهي غير مضمونة؛ لأنه انعدم أثر الفعل بالتكفير حتى لو أنشأ الفعل فيها لم يضمن، ولو أخرجها من الحرم فباعها أو ذبحها أو أكلها جاز البيع والأكل ويكره، وحكم الزيادة عند المشتري قبل التكفير وبعده على ما ذكرناه قبل الشراء كذا في المحيط، وهو كما قدمناه يفيد أن الإخراج من الحرم لما كان سببا للضمان كان سببا للملك، ولو لم يؤد الجزاء، والظبية الأنثى من الظباء، والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب‏.‏

باب مجاوزة الميقات بغير إحرام

وصله بما قبله؛ لأنه جناية أيضا لكن ما سبق جناية بعد الإحرام، وهذا قبله والميقات مشترك بين الزمان والمكان بخلاف الوقت فإنه خاص بالزمان، والمراد به هنا الميقات المكاني بدليل المجاوزة، وقد قدمنا أنه لا يجوز مجاوزة آخر المواقيت إلا محرما فإذا جاوزه بلا إحرام لزمه دم، وأحد النسكين إما حج أو عمرة؛ لأن مجاوزة الميقات بنية دخول الحرم بمنزلة إيجاب الإحرام على نفسه، ولو قال‏:‏ لله علي أن أحرم لزمه إما حج أو عمرة فكذلك إذا وجب بالفعل كما إذا افتتح صلاة التطوع ثم أفسدها وجب عليه قضاء ركعتين كما لو أوجبها بالقول‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ من جاوز الميقات غير محرم ثم عاد محرما ملبيا أو جاوز ثم أحرم بعمرة ثم أفسد، وقضى بطل الدم‏)‏ أي من جاوز آخر المواقيت بغير إحرام ثم عاد إليه، وهو محرم، ولبى فيه فقد سقط عنه الدم الذي لزمه بالمجاوزة بغير إحرام؛ لأنه قد تدارك ما فاته أطلق الإحرام فشمل إحرام الحج فرضا كان أو نفلا، وإحرام العمرة، وأشار إلى أنه لو عاد بغير إحرام ثم أحرم منه فإنه يسقط الدم بالأولى؛ لأنه أنشأ التلبية الواجبة عند ابتداء الإحرام، ولهذا كان السقوط متفقا عليه، وقيد بكونه ملبيا في الميقات؛ لأنه لو عاد محرما، ولم يلب في الميقات فإنه لا يسقط الدم عنه، وهو قول الإمام؛ لأنه لا يكون متداركا لما فاته إلا بها، وعندهما يسقط الدم مطلقا كما لو أحرم من دويرة أهله، ومر بالمواقيت ساكتا فإنه لا شيء عليه اتفاقا وجوابه أن الإحرام من دويرة أهله هو العزيمة، وقد أتى به فإذا ترخص بالتأخير إلى الميقات وجب عليه قضاء حقه بإنشاء التلبية، وأشار إلى أنه لو عاد محرما، ولم يلب فيه لكن لبى بعدما جاوزه ثم رجع، ومر به ساكتا فإنه يسقط عنه بالأولى؛ لأنه فوق الواجب عليه في تعظيم البيت، وأطلق في العود فشمل ما إذا عاد إلى الميقات الذي جاوزه غير محرم أو إلى غيره أقرب أو أبعد؛ لأن المواقيت كلها سواء في حق الإحرام والأولى أن يحرم من وقته كذا في المحيط، وقيدنا بكونه جاوز آخر المواقيت لما قدمناه في باب الإحرام أنه لا يجب إلا عند آخرها ويجوز مجاوزة ميقاته بغير إحرام إذا كان بعده ميقات آخر وترك المصنف قيدا لا بد منه، وهو أن يكون العود إلى الميقات قبل الشروع في الأعمال فلو عاد إليه بعدما طاف شوطا لا يسقط عنه الدم اتفاقا، وكذا بعد الوقوف بعرفة من غير طواف؛ لأن ما شرع فيه وقع معتدا به فلا يعود إلى حكم الابتداء بالعود إلى الميقات‏.‏ وما في الهداية من التقييد باستلام الحجر مع الطواف فليس احترازيا بل الطواف يؤكد الدم من غير استلام كما نبه عليه في العناية، ولم يذكر المصنف أن العود أفضل أو تركه، وفي المحيط إن خاف فوت الحج إذا عاد فإنه لا يعود ويمضي في إحرامه، وإن لم يخف فوته عاد؛ لأن الحج فرض والإحرام من الميقات واجب، وترك الواجب أهون من ترك الفرض‏.‏ ا هـ‏.‏ فاستفيد منه أنه لا تفصيل في العمرة، وأنه يعود؛ لأنها لا تفوت أصلا وبما قررناه علم أنه لا حاجة إلى قوله أو جاوز ثم أحرم إلى آخره لدخوله تحت قوله ثم عاد محرما ملبيا؛ لأنه لا فرق كما علمت بين إحرام الحج والعمرة أداء أو قضاء، وإن كان أفردها لأجل أن زفر يخالف فيها فهو مخالف أيضا فيما قبلها خصوصا أنه موهم غير المراد فإنه لم يشترط العود إلى الميقات في القضاء، ولا بد منه للسقوط، وقيد بالعمرة، وليس احترازيا بل إذا فسد الحج ثم قضاه بأن عاد إلى الميقات فالحكم كذلك من سقوط الدم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فلو دخل كوفي البستان لحاجة له دخول مكة بغير إحرام، ووقته البستان‏)‏؛ لأنه لم يقصد أولا دخول مكة، وإنما قصد البستان فصار بمنزلة أهله حين دخله وللبستاني أن يدخل مكة بغير إحرام للحاجة فكذلك له والمراد بقوله ووقته البستان جميع الحل الذي بينه وبين الحرم قالوا‏:‏ وهذه حيلة الآفاقي إذا أراد أن يدخل مكة بغير إحرام فينوي أن يدخل خليصا مثلا فله مجاوزة رابغ الذي هو ميقات الشامي والمصري المحاذي للجحفة، ولم أر أن هذا القصد لا بد منه حين خروجه من بيته أولا، والذي يظهر هو الأول فإنه لا شك أن الآفاقي يريد دخول الحل الذي بين الميقات والحرم، وليس ذلك كافيا فلا بد من وجود قصد مكان مخصوص من الحل الداخل الميقات حين يخرج من بيته، وإلا فالظاهر قول أبي يوسف أنه إذا نوى إقامة خمسة عشر يوما في البستان فله دخول مكة بلا إحرام، وإلا فلا لكن ظاهر المذهب الإطلاق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن دخل مكة بلا إحرام ثم حج عما عليه في عامة ذلك صح عن دخول مكة بلا إحرام، وإن تحولت السنة لا‏)‏؛ لأنه تلافى المتروك في وقته؛ لأن الواجب عليه تعظيم هذه البقعة بالإحرام كما إذا أتاها بحجة الإسلام في الابتداء بخلاف ما إذا تحولت السنة؛ لأنه صار دينا في ذمته فلا يتأدى إلا بإحرام مقصود كما في الاعتكاف المنذور فإنه يتأدى بصوم رمضان من هذه السنة دون العام الثاني‏.‏ فإن قلت‏:‏ سلمنا أن الحجة بتحول السنة تصير دينا، ولكن لا نسلم أن العمرة تصير دينا؛ لأنها غير مؤقتة قلت‏:‏ لا شك أن العمرة يكره تركها إلى آخر أيام النحر والتشريق فإذا أخرها إلى وقت يكره صار كالمفوت لها فصارت دينا كذا في غاية البيان، وفي فتح القدير ولقائل أن يقول لا فرق بين سنة المجاوزة وسنة أخرى فإن مقتضى الدليل إذا دخلها بلا إحرام ليس إلا وجوب الإحرام بأحد النسكين فقط ففي أي وقت فعل ذلك يقع أداء إذ الدليل لم يوجب ذلك في سنة معينة ليصير بفواتها دينا يقضى فمهما أحرم من الميقات بنسك عليه تأدي هذا الواجب في ضمنه، وعلى هذا إذا تكرر الدخول بلا إحرام منه ينبغي أن لا يحتاج إلى التعيين، وإن كانت أسبابا متعددة الأشخاص دون النوع كما قلنا فيمن عليه يومان من رمضان ينوي مجرد قضاء ما عليه، ولم يعين الأول، ولا غيره جاز، وكذا لو كانا من رمضانين على الأصح، وكذا نقول إذا رجع مرارا فأحرم كل مرة بنسك حتى أتى على عدد دخلاته خرج عن عهدة ما عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ يشير إلى رد ما ذكره الإسبيجابي من أنه لو جاوز الميقات قاصدا مكة بلا إحرام مرارا فإنه يجب عليه لكل مرة إما حجة أو عمرة، ولو خرج من عامة ذلك إلى الميقات فأحرم بحجة الإسلام أو غيرها فإنه يسقط عنه ما وجب عنه لأجل المجاوزة الأخيرة، ولا يسقط عنه ما وجب لأجل مجاوزته قبلها؛ لأن الواجب قبل الأخيرة صار دينا فلا يسقط إلا بتعيين النية‏.‏ ا هـ‏.‏ وأطلق المصنف الحج فشمل حجة الإسلام والحجة المنذورة ويلحق به العمرة المنذورة فلو قال‏:‏ ثم أحرم عما عليه في عامه ذلك لكان أولى ليشمل كل إحرام واجب حجا أو عمرة أداء، وقضاء أو في المحيط، وإذا جاوز العبد الميقات بغير إحرام ثم أذن له مولاه أن يحرم فأحرم لزمه دم الوقت إذا أعتق؛ لأنه من أهل الإحرام فلزمه الإحرام من الميقات، وأما الكافر إذا دخل مكة بغير إحرام ثم أسلم فإنه لا يلزمه شيء كالصبي إذا جاوزه بغير إحرام ثم بلغ لعدم أهلية الوجوب ثم اعلم أنه لا خصوصية للآفاقي في وجوب الدم بترك الإحرام من الميقات بل المكي كذلك حتى لو أحرم المكي بالعمرة من الحرم فإنه يلزمه دم كما صرح به في المحيط‏.‏ وكذا لو أحرم المكي من الحل بالحج فإنه يلزمه دم وتتأتى التفاريع المتقدمة في الآفاقي من عوده محرما ملبيا، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب‏.‏

باب إضافة الإحرام إلى الإحرام

لما كان ذلك جناية في بعض الصور أورده عقيب الجنايات‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ مكي طاف شوطا لعمرة فأحرم بحج رفضه، وعليه حج، وعمرة ودم لرفضه فلو مضى عليهما صح، وعليه دم‏)‏ بيان لحكم الجمع بين الحج والعمرة من المكي فإنه كما قدمناه منهي عن الجمع بينهما فإذا أدخل إحرام الحج على إحرام العمرة بعد الشروع فيها فقد ارتكب المنهي فوجب عليه الخروج عنه فقالا‏:‏ رفض العمرة أولى؛ لأنها أدنى حالا، وأقل أعمالا، وأيسر قضاء لكونها غير مؤقتة، وقال الإمام الأعظم‏:‏ رفض الحج أولى ولهذا قال في المختصر رفضه أي الحج؛ لأن إحرام العمرة قد تأكد بأداء شيء من أعمالها، وإحرام الحج لم يتأكد ورفض غير المتأكد أيسر؛ ولأن في رفض العمرة والحالة هذه إبطال العمل، وفي رفض الحج امتناعا عنه قيد بالمكي؛ لأن الآفاقي إذا أحرم بالحج بعد فعل أقل أشواط العمرة كان قارنا بلا إساءة كما لو لم يطف أصلا، وإن كان بعد فعل الأكثر كان متمتعا إن كان في أشهر الحج، وقيد بالشوط، وأراد به أقل الأشواط، ولو ثلاثة؛ لأنه لو أتى بالأكثر ففي الهداية وشروحها أنه يرفض الحج بلا خلاف؛ لأن للأكثر حكم الكل فيتعذر رفضها، وفي المبسوط أنه لا يرفض واحدا منهما كما لو فرغ منها، وعليه دم لمكان النقص بالجمع بينهما فلذا لا يأكل منه وجعله الإسبيجابي ظاهر الرواية ونقل عن أبي يوسف أن رفض الحج أفضل واختاره الفقيه أبو الليث وقاضي خان في فتاويه ثم قال‏:‏ ويمضي في عمرته ثم يقضي الحجة من عامه ذلك إن بقي وقته‏.‏ ا هـ‏.‏ ولم يذكر في ظاهر الرواية أنه إذا رفض الحج يلزمه دم، وقضاء عمرة مع الحج كما أوجبه أبو حنيفة فيما لو طاف الأقل كذا ذكره الإسبيجابي، ولو لم يطف للعمرة أصلا فإنه يرفضها اتفاقا ويقضيها، وعليه دم لرفضها كما لو قرن المكي فإنه يرفض العمرة ويمضي في الحج، وأطلق في الطواف فشمل ما إذا كان في أشهر الحج أو لا كما في المبسوط، وأشار إلى أنه لو أحرم أولا بالحج وطاف له شوطا ثم أحرم بالعمرة فإنه يرفضها اتفاقا ويقضيها، وعليه دم لرفضها كما لو لم يطف وسيأتي أنه إن مضى عليهما وجب عليه دم، وقد ظهر بما قررناه أولا أن رفض الحج في مسألة الكتاب إنما هو مستحب، وليس بواجب حتى إذا رفض العمرة صح ولهذا قال في الهداية‏:‏ وعليه دم بالرفض أيهما رفضه؛ لأنه تحلل قبل أوانه لتعذر المضي فيه فكان في معنى المحصر إلا أن في رفض العمرة قضاءها لا غير، وفي رفض الحج قضاؤه وعمرة؛ لأنه في معنى فائت الحج‏.‏ ا هـ‏.‏ ولم يذكر بماذا يكون رافضا‏؟‏‏.‏ وينبغي أن يكون الرفض بالفعل بأن يلحق مثلا بعد الفراغ من أعمال العمرة، ولا يكتفي بالقول أو بالنية؛ لأنه جعله في الهداية تحللا، وهو لا يكون إلا بفعل شيء من محظورات الإحرام، وقال‏:‏ الولوالجي في فتاواه وتحليل الرجل لامرأته أن ينهاها ويصنع بها أدنى ما يحرم عليه بالإحرام، ولا يكون التحليل بالنهي، ولا بقوله قد حللتك؛ لأن التحليل شرع بالفعل دون القول‏.‏ ا هـ‏.‏ بخلاف ما إذا أحرم بحجتين، وإن رفض أحدهما بشروعه في الأعمال على ظاهر الرواية كما سيأتي من غير تحليل؛ لأنه لا يمكن المضي فيهما، وهنا يمكن المضي فيهما فإنه إن مضى عليهما أجزأه؛ لأنه أدى أفعالهما كما التزمهما غير أنه منهي عنه والنهي لا يمنع تحقق الفعل على ما عرف من أصلنا، وعليه دم لجمعه بينهما؛ لأنه تمكن النقص في عمله لارتكابه المنهي عنه، وهو في حق المكي دم جبر، وفي حق الآفاقي دم شكر، وأطلق في قوله، وعليه حجة، وعمرة ودم، وهو كذلك في وجوب الدم، وأما في وجوب العمرة فمقيد بما إذا لم يحج من سنته أما إذا حج من سنته فلا عمرة عليه؛ لأن وجوب العمرة مع الحج إنما هو لكونه في معنى فائت الحج، وإذا حج من سنته فليس في معناه كالمحصر إذا تحلل ثم حج في تلك السنة لا تجب العمرة عليه بخلاف ما إذا تحولت السنة ووقع في نسخة الزيلعي الشارح أنه أبدل العمرة بالدم فقال‏:‏ إذا حج من سنته ينبغي أن لا يجب عليه الدم، وهو سبق قلم كما لا يخفى، والرفض الترك، وهو من بابي طلب وضرب كذا في المغرب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن أحرم بحج ثم بآخر يوم النحر فإن حلق في الأول لزمه الآخر، ولا دم، وإلا لزم، وعليه دم قصر أو لا، ومن فرغ من عمرته إلا التقصير فأحرم بأخرى لزمه دم‏)‏ بيان للجمع بين إحرامين لشيئين متحدين وصرح في الهداية بأنه بدعة، وأفرط في غاية البيان فقال‏:‏ إن الجمع بين الإحرامين لحجتين أو لعمرتين حرام؛ لأنه بدعة‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو سهو لما في المحيط والجمع بين إحرامي الحج لا يكره في ظاهر الرواية؛ لأن في العمرة إنما كره الجمع بين الإحرامين؛ لأنه يصير جامعا بينهما في الفعل؛ لأنه يؤديهما في سنة واحدة، وفي الحج لا يصير جامعا بينهما في الأداء في سنة واحدة فلا يكره‏.‏ ا هـ‏.‏ فإذا أحرم بحجة ووقف بعرفات ثم أحرم بأخرى يوم النحر فإن الثانية تلزمه مطلقا لإمكان الأداء؛ لأن الإحرام الثاني إنما يرتفض لتعذر الأداء، ولا تعذر هنا في الأداء؛ لأن إحرامه انصرف إلى حجة في السنة القابلة فإن كان الإحرام الثاني بعد الحلق للأول فلا دم عليه؛ لأنه أحرم بالثانية بعد التحلل من الأولى فلم يكن جامعا، وإن كان قبل الحلق لزمه دم عند أبي حنيفة مطلقا؛ لأنه إن حلق للأولى فقد جنى على إحرام الثانية، وإن كان نسكا في إحرام الأولى، وإن لم يحلق فقد أخر النسك عن وقته، وهما يخصان الوجوب بما إذا حلق؛ لأنهما لا يوجبان بالتأخير شيئا وبهذا علم أن المراد بالتقصير في قوله قصر أو لا الحلق، وإنما اختاره اتباعا للجامع الصغير كما في غاية البيان أو ليصير الحكم جاريا في المرأة؛ لأن التقصير عام في الرجل والمرأة كما في العناية‏.‏ وإنما لزم الدم فيما إذا أحرم بعمرة بعد أفعال الأولى قبل الحلق؛ لأنه جمع بينهما، وقد تقدم أنه مكروه في العمرتين دون الحجتين فلذا فرق في المختصر بين الحج والعمرة فأوجب في العمرة دما للجمع بين العمرتين، ولم يوجبه في الحج؛ لأنه لو أوجبه لأوجب دمين فيما إذا أحرم بالثاني قبل الحلق للأول دم لما ذكرناه سابقا ودم للجمع وبه قال‏:‏ بعض المشايخ اتباعا لرواية الأصل، وما في المختصر اتباع للجامع الصغير فإنه أوجب دما واحدا للحج، وقد علمت فيما سبق عن المحيط أن الفرق بينهما ظاهر الرواية وتعقبه في فتح القدير بأنه لا يتم؛ لأن كونه يتمكن من أداء العمرة الثانية لا يوجب الجمع فعلا فاستويا فالأوجه أنه ليس فيه إلا رواية الوجوب‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيد بكونه أحرم للثاني يوم النحر؛ لأنه لو أحرم بالثاني بعرفات ليلا أو نهارا رفض الثانية، وعليه دم للرفض، وعمرة وحجة من قابل عندهما؛ لأنه كفائت الحج، وعند محمد لا يصح التزامه الثانية ثم عند أبي يوسف ارتفض كما انعقد، وعند أبي حنيفة ارتفض بوقوفه بعرفة كذا في المحيط، وهو ظاهر فيما إذا أحرم بالثاني يوم عرفة أو ليلة النحر، ولم يكن وقف نهارا، وأما إذا أحرم ليلة النحر بعدما وقف نهارا فينبغي أن يرتفض عند أبي حنيفة بالوقوف بالمزدلفة لا بعرفة؛ لأنه سابق وسبب الترك إنما يكون متأخرا، وقيد بتراخي إحرام الثاني عن الأول؛ لأنه إن أحرم بهما معا أو على التعاقب لزماه عندهما، وعند محمد في المعية يلزمه إحداهما، وفي التعاقب الأولى فقط، وإذا لزماه عندهما ارتفضت إحداهما باتفاقهما ويثبت حكم الرفض واختلفا في وقت الرفض فعند أبي يوسف عقب صيرورته محرما بلا مهلة، وعند أبي حنيفة إذا شرع في الأعمال، وقيل إذا توجه سائرا ونص في المبسوط على أنه ظاهر الرواية؛ لأنه لا تنافي بين الإحرامين، وإنما التنافي بين الأداءين وثمرة الاختلاف فيما إذا جنى قبل الشروع فعليه دمان للجناية على إحرامين، ولو قتل صيدا لزمه قيمتان ودم عند أبي يوسف لارتفاض إحداهما قبلها، وإذا رفض إحداهما لزمه دم للرفض ويمضي في الأخرى ويقضي حجة، وعمرة لأجل التي رفضها، وإذا أحصر قبل أن يصير إلى مكة بعث بهديين عند الإمام وبواحد عندهما أما عند أبي يوسف فلأنه صار رافضا لإحداهما، وأما عند محمد فلأنه لم يلزمه إلا أحدهما فإذا لم يحج في تلك السنة لزمه عمرتان وحجتان؛ لأنه فاته حجتان في هذه السنة‏.‏ وقيد بكون إحرام العمرة الثانية بعد الفراغ من العمرة الأولى إلا التقصير؛ لأنه لو كان بعد التقصير فلا شيء عليه، وإن كانا معا أو على التعاقب فالحكم كما تقدم في الحجتين من لزومهما عندهما خلافا لمحمد من ارتفاع أحدهما بالشروع في عمل الأخرى عند الإمام خلافا لأبي يوسف ووجوب القضاء ودم للرفض، وإن كان قبل الفراغ بعدما طاف للأولى شوطا رفض الثانية، وعليه دم الرفض والقضاء‏.‏ وكذا لو طاف الكل قبل أن يسعى فإن كان فرغ إلا الحلق لم يرفض شيئا، وعليه دم الجمع، وهي مسألة المختصر فإن حلق للأولى لزمه دم آخر للجناية على الثانية، ولو كان جامع في الأولى قبل أن يطوف فأفسدها ثم أدخل الثانية يرفضها ويمضي في الأولى حتى يتمها؛ لأن الفاسد معتبر بالصحيح في وجوب الإتمام، وإن نوى رفض الأولى والعمل في الثانية لم يكن عليه إلا الأولى، ومن أحرم لا ينوي شيئا فطاف ثلاثة فأقل ثم أهل بعمرة رفضها؛ لأن الأولى تعينت عمرة حين أخذ في الطواف فحين أهل بعمرة أخرى صار جامعا بين عمرتين فلهذا يرفض الثانية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن أحرم بحج ثم بعمرة ثم وقف بعرفات فقد رفض عمرته، وإن توجه إليها لا‏)‏ أي لا يصير رافضا؛ لأنه يصير قارنا بالجمع بين الحج والعمرة؛ لأنه مشروع في حق الآفاقي، والكلام فيه لكنه مسيء بتقديم إحرام الحج على إحرام العمرة كما قدمناه في بابه، وقد تعذر عليه أداء العمرة بالوقوف إذ هي مبنية على الحج غير مشروعة، وقد تقدم الفرق بين الوقوف والتوجه، وإنما قلنا إن العمرة تحتمل الرفض لما روي عن عائشة قالت‏:‏ «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال لها النبي صلى الله عليه وسلم وامشطي رأسك وارفضي عمرتك» والمراد بقوله ثم بعمرة أنه أحرم بالعمرة، ولم يأت بأكثر أشواطها حتى وقف بعرفات فالإتيان بالأقل كالعدم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فلو طاف للحج ثم أحرم بعمرة، ومضى عليهما يجب دم‏)‏ يعني لجمعه بينهما؛ لأن الجمع بينهما مشروع فصح الإحرام بهما، وأراد بهذا الطواف طواف القدوم، وهو سنة فإن لم يأت بما هو ركن يمكنه أن يأتي بأفعال العمرة ثم بأفعال الحج فلهذا لو مضى عليهما جاز، ولزمه دم للجمع، وهو دم كفارة وجبر حتى لا يأكل منه؛ لأنه خالف السنة في هذا الجمع وصححه في الهداية، وقول المصنف ‏(‏وندب رفضها‏)‏ أي العمرة يدل على أنه دم شكر، وهو دم القران كما اختاره شمس الأئمة السرخسي فإن محمدا قال في الجامع الصغير‏:‏ وأحب إلي أن يرفض العمرة فدل على أنه دم شكر فإنه لم يبن أفعال العمرة على أفعال الحج؛ لأن ما أتى به إنما هو سنة فيمكنه بناء أفعال الحج على أفعال العمرة فلا موجب للجبر‏.‏ واختاره في فتح القدير، وقواه بأن طواف القدوم ليس من سنن نفس الحج بل هو سنة قدوم المسجد الحرام كركعتي التحية لغيره من المساجد ولذا سقط بطواف آخر من مشروعات الوقت، وأطال الكلام فيه قيد بالطواف بأنه لو لم يطف لم يستحب رفضها فإذا رفضها يقضيها لصحة الشروع فيها، وعليه دم لرفضها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن أهل بعمرة يوم النحر لزمته، ولزمه الرفض والدم والقضاء‏)‏ لصحة الشروع مع الكراهة التحريمية فلزمت للأول، ولزم الترك تخلصا من الإثم، وإن رفضها لزمه دم للتحلل منها بغير أفعالها ووجب القضاء؛ لأنه ثمرة اللزوم، وأراد بيوم النحر اليوم الذي تكره العمرة فيه، وهو يوم النحر، وأيام التشريق، وأطلقه فشمل ما إذا كان قبل الحلق أو بعده قبل طواف الزيارة أو بعده واختاره في الهداية وصححه الشارح؛ لأنه بعد الحلق والطواف بقي عليه من واجبات الحج كالرمي وطواف الصدر وسنة المبيت، وقد كرهت العمرة في هذه الأيام أيضا فيصير بانيا أفعال العمرة على أفعال الحج بلا ريب، وهو مكروه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن مضى عليها صح ويجب دم‏)‏؛ لأن الكراهة لمعنى في غيرها، وهو كونه مشغولا بأداء بقية أفعال الحج في هذه الأيام فيجب تخليص الوقت له تعظيما، وهو لا يعدم المشروعية لكن يلزمه الدم كفارة للجمع بين الإحرامين أو للجمع بين الأفعال الباقية فهو دم جبر لا يؤكل منه كالأول‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فاته الحج فأحرم بعمرة أو حجة‏:‏ ومن رفضها‏)‏؛ لأن فائت الحج يتحلل بأفعال العمرة من غير أن ينقلب إحرامه إحرام العمرة فيصير جامعا بين العمرتين من حيث الأفعال فلزمه الرفض كما لو أحرم بهما أو جامعا بين حجتين إحراما فعليه أن يرفض الثانية كما لو أحرم بحجتين، ولزمه القضاء لصحة الشروع ودم للرفض بالتحلل قبل أوانه، وقد شبهوا فائت الحج بالمسبوق فإنه مقتد تحريمة حتى لا يجوز اقتداء الغير به، ومنفرد أداء حتى تلزمه القراءة، والله تعالى أعلم‏.‏