فصل: فصل السلطان أحق بصلاته

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


فصل السلطان أحق بصلاته

يعني إذا حضر؛ لأن في التقدم عليه استخفافا به ‏[‏ولما مات الحسن قدم الحسين سعيد بن العاص وقال‏:‏ لولا السنة ما قدمتك‏]‏ أطلق في السلطان وأراد به من له سلطنة أي حكم وولاية على العامة سواء كان الخليفة أو غيره فيقدم الخليفة إن حضر ثم نائب المصر ثم القاضي ثم صاحب الشرط ثم خليفته ثم خليفة القاضي، وهذا ما نقله الفقيه أبو جعفر والإمام الفضلي إنما نقل تقديم السلطان، وهو الخليفة فقط، وأما من عداه فليس له التقدم على الأولياء إلا برضاهم قال في الظهيرية والخانية إنه قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر ا هـ‏.‏ فعلى هذا فالمراد من السلطان في المختصر هو الوالي الذي لا والي فوقه لكن المذكور في المحيط والبدائع والتبيين والمجمع وشرحه التفصيل المتقدم عن أبي جعفر واقتصر عليه في فتح القدير وصرح في الخلاصة بأنه المختار فكان هو المذهب وقدم أبو يوسف الولي مطلقا وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، وما في الأصل من أن إمام الحي أولى بها فمحمول على ما إذا لم يحضر السلطان، ولا من يقوم مقامه توفيقا بينهما؛ لأن السلطان قل ما يحضر الجنائز كذا في البدائع وغيره ومعنى الأحقية وجوب تقديمه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وهي فرض كفاية‏)‏ أي الصلاة عليه للإجماع على افتراضها وكونها على الكفاية، وما ورد في بعض العبارات من أنها واجبة فالمراد الافتراض وقد صرح في القنية والفوائد التاجية بكفر من أنكر فرضيتها؛ لأنه أنكر الإجماع ا هـ‏.‏ وهل يصح النذر بها صرحوا بأنه لا يصح النذر بالتكفين، ولا بتشييع الجنازة لعدم القربة المقصودة ولا شك أن صلاة الجنازة قربة مقصودة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وشرطها إسلام الميت وطهارته‏)‏ فلا تصح على الكافر للآية ‏{‏ولا تصل على أحد منهم مات أبدا‏}‏، ولا تصح على من لم يغسل؛ لأنه له حكم الإمام من وجه لا من كل وجه وهذا الشرط عند الإمكان فلو دفن بلا غسل، ولم يمكن إخراجه إلا بالنبش صلي على قبره بلا غسل للضرورة بخلاف ما إذا لم يهل عليه التراب بعد فإنه يخرج ويغسل، ولو صلي عليه بلا غسل جهلا مثلا، ولا يخرج إلا بالنبش تعاد لفساد الأولى، وقيل‏:‏ تنقلب الأولى صحيحة عند تحقق العجز فلا تعاد، وفي المحيط، ولو لف في كفنه، وقد بقي عضو منه لم يصبه الماء ينقض الكفن ويغسل ثم يصلى عليه، ولو بقي أصبع واحدة ونحوها ينقض الكفن عند محمد ويغسل وعندهما لا ينقض الكفن؛ لأنه لا يتيقن بعدم وصول الماء إليه فلعله أسرع إليه الجفاف لقلته فلا يحل نقض الكفن بالشك؛ لأنه لا يحل نقضه إلا بعذر بخلاف العضو؛ لأنه لا يسرع إليه الجفاف، ولو صلى الإمام بلا طهارة أعادوا؛ لأنه لا صحة لها بدون الطهارة فإذا لم تصح صلاة الإمام لم تصح صلاة القوم، ولو كان الإمام على طهارة والقوم على غيرها لا تعاد؛ لأن صلاة الإمام صحت فلو أعادوا تتكرر الصلاة، وأنه لا يجوز وبهذا تبين أنه لا تجب صلاة الجماعة فيها ا هـ‏.‏ وزاد في فتح القدير وغيره شرطا ثالثا في الميت، وهو وضعه أمام المصلى فلا تجوز على غائب ولا على حاضر محمول على دابة أو غيرها، ولا موضوع متقدم عليه المصلي؛ لأنه كالإمام من وجه دون وجه لصحة الصلاة على الصبي وأما صلاته على النجاشي فإما؛ لأنه رفع له عليه الصلاة والسلام سريره حتى رآه بحضرته فتكون صلاة من خلفه على ميت يراه الإمام وبحضرته دون المأمومين وهذا غير مانع من الاقتداء وإما أن يكون مخصوصا بالنجاشي، وقد أثبت كلا منهما بالدليل في فتح القدير وأجاب في البدائع بثالث، وهو أنها الدعاء لا الصلاة المخصوصة وهذه الشرائط في الميت، وأما شرائطها بالنظر إلى المصلي فشرائط الصلاة الكاملة من الطهارة الحقيقية والحكمية واستقبال القبلة وستر العورة والنية وقدمنا حكم ما لو ظهر المصلي محدثا وقيد المصنف بطهارة الميت احترازا عن طهارة مكانه قال في الفوائد التاجية إن كان على جنازة لا شك أنه يجوز، وإن كان بغير جنازة لا رواية لهذا، وينبغي أن يجوز؛ لأن طهارة مكان الميت ليس بشرط؛ لأنه ليس بمؤد ومنهم من علل بأن كفنه يصير حائلا بينه وبين الأرض؛ لأنه ليس بلابس بل هو ملبوس فيكون حائلا ا هـ‏.‏ وفي القنية الطهارة من النجاسة في الثوب والبدن والمكان وستر العورة شرط في حق الإمام والميت جميعا، وقد قدمنا في باب شروط الصلاة أنه لو قام على النجاسة، وفي رجليه نعلان لم يجز، ولو افترش نعليه وقام عليهما جازت، وبهذا يعلم ما يفعل في زماننا من القيام على النعلين في صلاة الجنازة لكن لا بد من طهارة النعلين كما لا يخفى، وأما أركانها ففي فتح القدير إن الذي يفهم من كلامهم أنها الدعاء والقيام والتكبير لقولهم إن حقيقتها هو الدعاء والمقصود منها، ولو صلى عليها قاعدا من غير عذر لا يجوز وقالوا كل تكبيرة بمنزلة ركعة وقالوا يقدم الثناء والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سنة الدعاء، ولا يخفى أن التكبيرة الأولى شرط؛ لأنها تكبيرة الإحرام ا هـ‏.‏ وفيه نظر؛ لأن المصرح به بخلافه قال في المحيط وأما ركنها فالتكبيرات والقيام، وأما سننها فالتحميد والثناء والدعاء فيها ا هـ‏.‏ فقد صرح بأن الدعاء سنة وقولهم في المسبوق يقضي التكبير نسقا بغير دعاء يدل عليه ولا نسلم أن التكبيرة الأولى شرط بل الأربع أركان قال في المحيط كبر على جنازة فجيء بأخرى أتمها واستقبل الصلاة على الأخرى؛ لأنه لو نواها للأخرى أيضا يصير مكبرا ثلاثا وأنه لا يجوز، وإن زاد على الأربع لا يجوز؛ لأن الزيادة على الأربع لا تتأدى بتحريمة واحدة، وفي الغاية للسروجي، فإن قلت‏:‏ التكبيرة الأولى للإحرام، وهي شرط، وقد تقدم أنه يجوز بناء الصلاة على التحريمة الأولى لكونها غير ركن قيل له التكبيرات الأربع في صلاة الجنازة قائمة مقام الأربع ركعات بخلاف المكتوبة وصلاة النافلة ا هـ‏.‏ وأما ما يفسدها فما أفسد الصلاة أفسدها إلا المحاذاة كذا في البدائع وتكره في الأوقات المكروهة، وقد تقدم، ولو أمت امرأة فيها تأدت الصلاة، ولو أحدث الإمام فاستخلف غيره فيها جاز هو الصحيح كذا في الظهيرية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم إمام الحي‏)‏ أي الجماعة؛ لأنه رضيه في حال حياته وظاهره أن تقديمه واجب؛ لأنه عطفه على ما تقديمه واجب وهو السلطان مع تصريحهم بأن تقديمه مستحب بخلاف السلطان قال في غاية البيان، وإنما قالوا تقديمه مستحب؛ لأن في التقدم عليه لا يلزم إفساد أمر العامة بخلاف التقدم على السلطان حيث يلزم ذلك فلذا وجب تقديمه ا هـ‏.‏ وفي شرح المجمع للمصنف إنما يستحب تقديم إمام مسجد حيه على الولي إذا كان أفضل من الولي ذكره في الفتاوى ا هـ‏.‏ وهو قيد حسن، وكذا في المجتبى، وفي جوامع الفقه إمام المسجد الجامع أولى من إمام الحي ا هـ‏.‏ وهذا يدل على أن المراد بإمام الحي إمام المسجد الخاص للمحلة، وقد وقع الاشتباه في إمام المصلى المبنية لصلاة الأموات في الأمصار فإن الباني يشرط لها إماما خاصا ويجعل له معلوما من وقفه فهل هو مقدم على الولي إلحاقا له بإمام الحي أو لا‏؟‏ مع القطع بأنه ليس بإمام الحي لتعليلهم إياه بأن الميت رضي بالصلاة خلفه حال حياته وهذا خاص بإمام مسجد محلته والذي ظهر لي أنه إن كان مقررا من جهة القاضي فهو كنائبه، وإن كان المقرر له الناظر فهو كالأجنبي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم الولي‏)‏؛ لأنه أقرب الناس إليه والولاية له في الحقيقة كما في غسله وتكفينه، وإنما يقدم السلطان عليه إذا حضر كي لا يكون ازدراء به، ثم الترتيب في الأولياء كترتيب العصبات في الإنكاح لكن إذا اجتمع أبو الميت وابنه كان الأب أولى بالاتفاق على الأصح؛ لأن للأب فضيلة على الابن وزيادة سن، والفضيلة والزيادة تعتبر ترجيحا في استحقاق الإمامة كما في سائر الصلوات كذا في البدائع فلو كان الأب جاهلا والابن عالما ينبغي تقديم الابن كما في سائر الصلوات إلا أن يقال إن صفة العلم لا توجب التقديم في صلاة الجنازة لعدم احتياجها للعلم ويعتبر الأسن فيها فالأخوان لأب وأم أسنهما أولى، فإن أراد الأسن أن يقدم أحدا كان للأصغر أن يمنع، فإن قدم كل واحد منهما رجلا آخر فالذي قدمه الأسن أولى وكذلك الابنان على هذا، وكذلك أبناء العم، فإن كان الأخ الأصغر لأب وأم والأكبر لأب فالأصغر أولى كما في الميراث، فإن قدم الأصغر جدا فليس للأكبر أن يمنعه، فإن كان الأخ لأب وأم غائبا وكتب لإنسان ليتقدم فللأخ لأب أن يمنعه، وحد الغيبة أن لا يقدر على أن يقدم ويدرك الصلاة ولا ينتظر الناس قدومه، والمريض في المصر بمنزلة الصحيح يقدم من شاء، وليس للأبعد منعه، ولو ماتت امرأة، ولها أب وابن بالغ عاقل وزوج فالأب أحق بها ثم الابن إن كان من غير الزوج، فإن كان منه فالزوج أحق من الولد، ولو مات ابن، وله أب وأبو أب فالولاية لأبيه ولكنه يقدم أباه جد الميت تعظيما له، وكذا المكاتب إذا مات عبده ومولاه حاضر فالولاية للمكاتب لكنه يقدم مولاه احتراما ومولى العبد أحق بالصلاة عليه من ابنه الحر على المفتى به لبقاء ملكه حكما، وكذا المكاتب إذا مات عن غير وفاء، فإن ترك وفاء، فإن أديت كتابته أو كان المال حاضرا لا يخاف عليه التوى والتلف، فالابن أحق وإلا فالمولى وسائر القرابات أولى من الزوج، وكذا مولى العتاقة وابنه ومولى الموالاة؛ لأن الزوجية انقطعت بينهما بالموت، وفي المجتبى والجار أحق من غيره‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وله أن يأذن لغيره‏)‏ أي للولي الإذن في صلاة الجنازة، وهو يحتمل شيئين‏:‏ أحدهما الإذن في التقدم؛ لأنه حقه فيملك إبطاله وقدمنا أن محله ما إذا لم يكن هناك ولي غيره أو كان وهو بعيد أما إذا كانا وليين مستويين فأذن أحدهما أجنبيا فللآخر أن يمنعه ثانيهما أن يأذن للناس في الانصراف بعد الصلاة قبل الدفن؛ لأنه لا ينبغي لهم أن ينصرفوا إلا بإذنه، وذكر الشارح معنى آخر، وهو الإعلام بموته ليصلوا عليه لا سيما إذا كان الميت يتبرك به وكره بعضهم أن ينادى عليه في الأزقة والأسواق؛ لأنه نعي أهل الجاهلية، وهو مكروه والأصح أنه لا يكره؛ لأن فيه تكثير الجماعة من المصلين عليه والمستغفرين له وتحريض الناس على الطهارة والاعتبار به والاستعداد، وليس ذلك نعي أهل الجاهلية، وإنما كانوا يبعثون إلى القبائل ينعون مع ضجيج وبكاء وعويل وتعديد، وهو مكروه بالإجماع ا هـ‏.‏ وهي كراهة تحريم للحديث المتفق عليه ‏{‏ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» «وقال عليه السلام لعن الله الحالقة والصالقة والشاقة» والصالقة التي ترفع صوتها بالمصيبة، ولا بأس بإرسال الدمع والبكاء من غير نياحة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن صلى عليه غير الولي والسلطان أعاد الولي‏)‏؛ لأن الحق له والمراد من السلطان من له حق التقدم على الولي فإن الكلام فيما إذا تقدم على الولي من ليس له حق التقدم فليس للولي الإعادة إذا صلى القاضي أو نائبه أو إمام الحي لما في الخلاصة والولوالجية والظهيرية والتجنيس والواقعات، ولو صلى رجل والولي خلفه، ولم يرض به إن صلى معه لا يعيد؛ لأنه صلى مرة، وإن لم يتابعه، فإن كان المصلي السلطان أو الإمام الأعظم في البلدة أو القاضي أو الوالي على البلدة أو إمام حي ليس له أن يعيد؛ لأنهم أولى بالصلاة منه، وإن كان غيرهم فله الإعادة ا هـ‏.‏ وأشار المصنف إلى أن الموصى له بالتقدم ليس بمقدم على الولي؛ لأن الوصية باطلة على المفتى به صرح بذلك أصحاب الفتاوى قالوا، ولو أعادها الولي ليس لمن صلى عليها أن يصلي مع الولي مرة أخرى وظاهر كلامهم أن الولي إذا لم يعد فلا إثم على أحد لما أن الفرض، وهو قضاء حق الميت قد تأدى بصلاة الأجنبي والإعادة إنما هي لأجل حقه لا لإسقاط الفرض وهذا أولى مما في غاية البيان من أن حكم الصلاة التي صليت بلا إذن الولي موقوف إن أعاد الولي تبين أن الفرض ما صلى الولي، وإن لم يعد سقط الفرض بالأولى ا هـ‏.‏ فإنه يقتضي أن لمن صلى أولا أن يصلي مع الولي، وليس كذلك وبما ذكرناه عن الفتاوى المذكورة ظهر ضعف ما في غاية البيان من أن إمام الحي إذا صلى بلا إذن الولي، فإن للولي الإعادة، وإنما لم يعد إذا صلى السلطان لخوف الازدراء به، وقد صرح في المجمع وشرحه بأن إمام الحي كالسلطان في عدم إعادة الولي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم يصل غيره بعده‏)‏ أي بعد ما صلى الولي؛ لأن الفرض قد تأدى بالأولى والتنفل بها غير مشروع إلا لمن له الحق، وهو الولي عند تقدم الأجنبي إن قلنا إن إعادة الولي نفل وإلا فلا استثناء، وقد اختلف المشايخ في إعادة من هو مقدم على الولي إذا صلى الولي كالسلطان والقاضي فذهب صاحب النهاية والعناية إلى أن المراد بالغير من ليس له تقدم على الولي أما من كان مقدما على الولي فله الإعادة بعد صلاة الولي؛ لأن الولي إذا كان له الإعادة إذا صلى غيره مع أنه أدنى فالسلطان والقاضي لهما الإعادة بالطريق الأولى، وهو مصرح به في رواية النوادر ويشهد له ما في الفتاوى، وفي السراج الوهاج قوله‏:‏ فإن صلى الولي عليه لم يجز أن يصلي أحد بعده يعني سلطانا كان أو غيره ففيه دلالة على تقديم حق الولي من حيث إنه جوز له الإعادة، ولم يجوز للسلطان إذا صلى الولي فافهم ذلك ا هـ‏.‏ وكذا ذكر المصنف في المستصفى، وقد ظهر للعبد الضعيف أن الأول محمول على ما إذا تقدم الولي مع وجود من هو مقدم عليه؛ لأنه حيث حضر فالحق له فكانت صلاة الولي تعديا، والثاني محمول على ما إذا لم يحضر غير الولي فصلى الولي ثم جاء المقدم عليه فليس له الإعادة؛ لأن الفرض قد سقط بصلاة من له ولايتها - والله سبحانه وتعالى أعلم - ثم رأيت بعد ذلك في المجتبى ما يفيده قال‏:‏ فإن صلى عليه الولي لم يجز أن يصلي عليه أحد بعده وهذا إذا كان حق الصلاة له بأن لم يحضر السلطان، وأما إذا حضر وصلى عليه الولي يعيد السلطان ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن دفن بلا صلاة صلي على قبره ما لم يتفسخ‏)‏؛ لأن ‏{‏النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة من الأنصار» أطلقه فشمل ما إذا كان مدفونا بعد الغسل أو قبله كما قدمناه، وهو رواية ابن سماعة عن محمد لكن صحح في غاية البيان معزيا إلى القدوري وصاحب التحفة أنه لا يصلى على قبره؛ لأن الصلاة بدون الغسل ليست بمشروعة، ولا يؤمر بالغسل لتضمنه أمرا حراما، وهو نبش القبر فسقطت الصلاة ا هـ‏.‏ وقيد بالدفن؛ لأنه لو وضع في قبره، ولم يهل عليه التراب فإنه يخرج ويصلى عليه كما قدمناه وقيد بعدم التفسخ؛ لأنه لا يصلى عليه بعد التفسخ؛ لأن الصلاة شرعت على بدن الميت فإذا تفسخ لم يبق بدنه قائما، ولم يقيد المصنف بمدة؛ لأن الصحيح أن ذلك جائز إلى أن يغلب على الظن تفسخه والمعتبر فيه أكبر الرأي على الصحيح من غير تقدير بمدة كذا في شرح المجمع وغيره وظاهره أنه لو شك في تفسخه يصلى عليه والمذكور في غاية البيان أنه لو شك لا يصلى عليه رواه ابن رستم عن محمد ا هـ‏.‏ وإنما كان هذا هو الأصح؛ لأنه يختلف باختلاف الأوقات في الحر والبرد وباختلاف حال الميت في السمن والهزال وباختلاف الأمكنة فيحكم فيه غالب الرأي، فإن قيل روي عنه عليه السلام‏:‏ «أنه صلى على شهداء أحد بعد ثماني سننين» فالجواب أن معناه والله أعلم أنه دعا لهم قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم» والصلاة في الآية بمنزلة الدعاء وقيل إنهم لم تتفرق أعضاؤهم فإن معاوية لما أراد أن يحولهم وجدهم كما دفنوا فتركهم كذا في البدائع وحكم صلاة من لا ولاية له كعدم الصلاة أصلا فيصلى على قبره ما لم يتمزق كذا في المجتبى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وهي أربع تكبيرات بثناء بعد الأولى وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية ودعاء بعد الثالثة وتسليمتين بعد الرابعة‏)‏ لما روي‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام صلى على النجاشي فكبر أربع تكبيرات وثبت عليها حتى توفي» فنسخت ما قبلها والبداءة بالثناء ثم الصلاة سنة الدعاء؛ لأنه أرجى للقبول، ولم يعين المصنف الثناء وروى الحسن أنه دعاء الاستفتاح والمراد بالصلاة الصلاة عليه في التشهد، وهو الأولى كما في فتح القدير، ولم يذكر القراءة؛ لأنها لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي المحيط والتجنيس ولو قرأ الفاتحة فيها بنية الدعاء فلا بأس به، وإن قرأها بنية القراءة لا يجوز؛ لأنها محل الدعاء دون القراءة ا هـ‏.‏ ولم يعين المصنف الدعاء؛ لأنه لا توقيت فيه سوى أنه بأمور الآخرة، وإن دعا بالمأثور فما أحسنه وأبلغه ومن المأثور حديث عوف بن مالك أنه ‏{‏صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه‏:‏ اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار قال عوف حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت» رواه مسلم وقيد بقوله بعد الثالثة؛ لأنه لا يدعو بعد التسليم كما في الخلاصة وعن الفضلي لا بأس به، ومن لا يحسن الدعاء يقول‏:‏ اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات كذا في المجتبى، ولم يبين المدعو له؛ لأنه يدعو لنفسه أولا؛ لأن دعاء المغفور له أقرب إلى الإجابة ثم يدعو للميت و للمؤمنين والمؤمنات؛ لأنه المقصد منها، وهو لا يقتضي ركنية الدعاء كما توهمه في فتح القدير؛ لأن نفس التكبيرات رحمة للميت، وإن لم يدع له وأشار بقوله وتسليمتين بعد الرابعة إلى أنه لا شيء بعدها غيرهما وهو ظاهر المذهب وقيل يقول اللهم آتنا في الدنيا حسنة إلى آخره وقيل ‏{‏ربنا لا تزغ قلوبنا‏}‏ إلى آخره وقيل يخير بين السكوت والدعاء، ولم يبين المنوي بالتسليمتين للاختلاف ففي التبيين وفتح القدير ينوي بهما الميت مع القوم وفي الظهيرية ولا ينوي الإمام الميت في تسليمتي الجنازة بل ينوي من عن يمينه في التسليمة الأولى، ومن عن يساره في التسليمة الثانية‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو الظاهر؛ لأن الميت لا يخاطب بالسلام عليه حتى ينوي به إذ ليس أهلا له، وقد تقدم في كيفية الصلاة أنه لا ترفع الأيدي في صلاة الجنازة سوى تكبيرة الافتتاح، وهو ظاهر الرواية وكثير من أئمة بلخ اختاروا رفع اليد في كل تكبيرة فيها، وكان نصير بن يحيى يرفع تارة، ولا يرفع أخرى ولا يجهر بما يقرأ عقب كل تكبيرة؛ لأنه ذكر والسنة فيه المخافتة كذا في البدائع وفيه هل يرفع صوته بالتسليم لم يتعرض له في ظاهر الرواية وذكر الحسن بن زياد أنه لا يرفع؛ لأنه للإعلام، ولا حاجة له؛ لأن التسليم مشروع عقب التكبير بلا فصل ولكن العمل في زماننا على خلافه ا هـ‏.‏ وفي الفوائد التاجية إذا سلم على ظن أنه أتم التكبير ثم علم أنه لم يتم فإنه يبني؛ لأنه سلم في محله، وهو القيام فيكون معذورا، وفي الظهيرية وغيرها رجل كبر على جنازة فجيء بجنازة أخرى فكبر ينويه ونوى أن لا يكبر على الأولى فقد خرج من الأولى إلى صلاة الثانية، وإن كبر الثانية ينوي بها عليهما لم يكن خارجا وعن أبي يوسف إذا كبر ينوي به التطوع وصلاة الجنازة جاز عن التطوع ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فلو كبر الإمام خمسا لم يتبع‏)‏؛ لأنه منسوخ، ولا متابعة فيه، ولم يبين ماذا يصنع وعن أبي حنيفة روايتان في رواية يسلم للحال، ولا ينتظر تحقيقا للمخالفة، وفي رواية يمكث حتى يسلم معه إذا سلم ليكون متابعا فيما تجب فيه المتابعة وبه يفتى كذا في الواقعات ورجحه في فتح القدير بأن البقاء في حرمة الصلاة بعد فراغها ليس بخطأ مطلقا إنما الخطأ في المتابعة في الخامسة، وفي بعض المواضع إنما لا يتابعه في الزوائد على الأربعة إذا سمع من الإمام أما إذا لم يسمع إلا من المبلغ فيتابعه وهذا حسن، وهو قياس ما ذكروه في تكبيرات العيدين ا هـ‏.‏ وذكر ابن الملك في شرح المجمع قالوا وينوي الافتتاح عند كل تكبيرة لجواز أن تكبيرة الإمام للافتتاح الآن وأخطأ المنادي وقيد بتكبيرات الجنازة؛ لأن الإمام في العيد لو زاد على ثلاث فإنه يتبع؛ لأنه مجتهد فيها حتى لو تجاوز الإمام في التكبير حد الاجتهاد لا يتابع أيضا كذا في شرح المجمع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يستغفر لصبي، ولا لمجنون ويقول ‏{‏اللهم اجعله لنا فرطا واجعله لنا أجرا وذخرا واجعله لنا شافعا ومشفعا‏}‏‏)‏ كذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه لا ذنب لهما والفرط بفتحتين الذي يتقدم الإنسان من ولده يقال اللهم اجعله لنا فرطا أي أجرا متقدما والفرط الفارط، وهو الذي يسبق الوراد إلى الماء، وفي الحديث‏:‏ «أنا فرطكم على الحوض» أي أتقدمكم إليه كذا في ضياء الحلوم والأنسب هو المعنى الثاني هنا كما اقتصر عليه في غاية البيان لئلا يلزم التكرار في قوله واجعله لنا أجرا والذخر بضم الذال وسكون الخاء الذخيرة والمشفع بفتح الفاء مقبول الشفاعة وذكر اليمني في شرح الشهاب في بحث «إنما الأعمال بالنيات» أن الثواب هو الحاصل بأصول الشرع‏.‏ والحاصل بالمكملات يسمى أجرا؛ لأن الثواب لغة بدل العين والأجر بدل المنفعة فالمنفعة تابعة للعين، وقد يطلق الأجر ويراد به الثواب وبالعكس ا هـ‏.‏ ولم أر من صرح بأنه يدعو لسيد العبد الميت وينبغي أن يدعو له فيها كما يدعو للميت‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وينتظر المسبوق ليكبر معه لا من كان حاضرا في حالة التحريمة‏)‏ أي وينتظر المسبوق في صلاة الجنازة تكبير الإمام ليكبر مع الإمام للافتتاح فلو كبر الإمام تكبيرة أو تكبيرتين لا يكبر الآتي حتى يكبر الأخرى بعد حضوره عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يكبر حين يحضر؛ لأن الأولى للافتتاح والمسبوق يأتي به، ولهما أن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة والمسبوق لا يبتدئ بما فاته إذ هو منسوخ كذا في الهداية، وهو مفيد لما ذكرناه أن التكبيرات الأربع أركان وليست الأولى شرطا كما توهمه في فتح القدير إلا أن يكون على قول أبي يوسف كما لا يخفى، ولو كبر كما حضر، ولم ينتظر لا تفسد عندهما لكن ما أداه غير معتبر كذا في الخلاصة وأشار المصنف إلى أنه لو أدرك الإمام بعدما كبر الرابعة فاتته الصلاة على قولهما خلافا لأبي يوسف وأفاد أنه لو جاء بعد التكبيرة الأولى فإنه يكبر بعد سلام الإمام عندهما خلافا لأبي يوسف ثم عندهما يقضي ما فاته بغير دعاء؛ لأنه لو قضى الدعاء رفع الميت فيفوت له التكبير وإذا رفع الميت قطع التكبير؛ لأن الصلاة على الميت ولا ميت يتصور، وفي الظهيرية، ولو رفعت بالأيدي، ولم توضع على الأكتاف ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يأتي، وإنما لا ينتظر من كان حاضرا حالة التحريمة اتفاقا؛ لأنه بمنزلة المدرك، ألا ترى أنه لو كبر تكبيرة الافتتاح بعد الإمام يقع أداء لا قضاء أطلقه فشمل ما إذا كبر الإمام للثانية أو لم يكبر، فإن لم يكبر الإمام الثانية كبر الحاضر للأولى للحال، وإن لم يكبر الحاضر حتى كبر الإمام الثانية كبر معه الثانية وقضى الأولى للحال كذا في المجتبى، وكذا إن لم يكبر في الثانية والثالثة والرابعة يكبر ويقضي ما فاته للحال قال في المحيط ولو كبر الإمام أربعا والرجل حاضر فإنه يكبر ما لم يسلم الإمام ويقضي الثلاث وهذا قول أبي يوسف، وعليه الفتوى، وقد روى الحسن أنه لا يكبر، وقد فاتته ا هـ‏.‏ فما في الحقائق من أن الفتوى على قول أبي يوسف إنما هو في مسألة الحاضر لا في مسألة المسبوق، وقد يقال إن الرجل إذا كان حاضرا ولم يكبر حتى كبر الإمام اثنين أو ثلاثا فلا شك أنه مسبوق كما لو كان حاضرا، وقد صلى الإمام ركعة أو ركعتين فإنه مسبوق وحضوره من غير فعل لا يجعله مدركا فينبغي أن يكون كالمسألة الأولى وأن يكون الفرق بين الحاضر وغيره إنما هو في التكبيرة الأولى فقط كما لا يخفى، وفي الواقعات، وإن لم يكبر الحاضر حتى كبر الإمام ثنتين كبر الثانية منهما، ولم يكبر الأولى حتى يسلم الإمام؛ لأن الأولى ذهب محلها فكان قضاء والمسبوق لا يشتغل بالقضاء قبل فراغ الإمام ا هـ‏.‏ وهو مخالف لما ذكرناه عن المجتبى من أنه يكبر الأولى للحال قضاء، وما في الواقعات أولى قيد بالمسبوق؛ لأن اللاحق فيها كاللاحق في سائر الصلوات كذا في المجتبى وذكر في الواقعات لو كبر مع الإمام التكبيرة الأولى، ولم يكبر الثانية والثالثة يكبرهما أولا ثم يكبر مع الإمام ما بقي ا هـ‏.‏ وهو معنى ما في المجتبى في اللاحق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويقوم من الرجل والمرأة بحذاء الصدر‏)‏؛ لأنه موضع القلب وفيه نور الإيمان فيكون القيام عنده إشارة إلى الشفاعة لإيمانه وهذا ظاهر الرواية، وهو بيان الاستحباب حتى لو وقف في غيره أجزأه كذا في كافي الحاكم، وما في الصحيحين‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها» لا ينافي كونه الصدر بل الصدر وسط باعتبار توسط الأعضاء إذ فوقه يداه ورأسه وتحته بطنه وفخذاه ويحتمل أنه وقف كما قلنا إلا أنه مال إلى العورة في حقها فظن الراوي ذلك لتقارب المحلين كذا في فتح القدير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم يصلوا ركبانا‏)‏؛ لأنها صلاة من وجه لوجود التحريمة فلا يجوز تركه القيام من غير عذر احتياطا وما في غاية البيان من أنها ليست بأكثر من القيام فإذا ترك القيام انعدمت أصلا فلم يجز تركه فيه نظر؛ لأنه يقتضي أن ركنها القيام فقط وهو غير صحيح قيدنا بكونه بغير عذر؛ لأنه لو تعذر النزول لطين ومطر جاز الركوب فيها وأشار إلى أنها لا تجوز قاعدا مع القدرة على القيام، ولو كان ولي الميت مريضا فصلى قاعدا وصلى الناس خلفه قياما ما أجزأهم في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد يجزئ الإمام، ولا يجزئ المأموم بناء على اقتداء القائم بالقاعد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا في مسجد‏)‏ لحديث أبي داود مرفوعا‏:‏ «من صلى على ميت في المسجد فلا أجر له، وفي رواية فلا شيء له» أطلقه فشمل ما إذا كان الميت والقوم في المسجد أو كان الميت خارج المسجد والقوم في المسجد أو كان الإمام مع بعض القوم خارج المسجد والقوم الباقون في المسجد أو الميت في المسجد و الإمام والقوم خارج المسجد وهو المختار خلافا لما أورده النسفي كذا في الخلاصة، وهذا الإطلاق في الكراهة بناء على أن المسجد إنما بني للصلاة المكتوبة وتوابعها من النوافل والذكر وتدريس العلم وقيل لا يكره إذا كان الميت خارج المسجد، وهو مبني على أن الكراهة لاحتمال تلويث المسجد والأول هو الأوفق لإطلاق الحديث كذا في فتح القدير فما في غاية البيان والعناية من أن الميت وبعض القوم إذا كانا خارج المسجد والباقون فيه لا كراهة اتفاقا ممنوع، وقد يقال إن الحديث يحتمل ثلاثة أشياء‏:‏ أن يكون الظرف، وهو قوله في مسجد ظرفا للصلاة والميت وحينئذ فللكراهة شرطان كون الصلاة في المسجد، وكون الميت فيه فإذا فقد أحدهما فلا كراهة، الثاني أن يكون ظرفا للصلاة فقط فلا يكره إذا كان الميت في المسجد والقوم كلهم خارجه، الثالث أن يكون ظرفا للميت فقط وحينئذ حيث كان خارجه فلا كراهة، وما اختاروه كما نقلناه لم يوافق واحدا من الاحتمالات الثلاثة؛ لأنهم قالوا بالكراهة إذا وجد أحدهما في المسجد‏:‏ المصلي أو الميت، كما قال في المجتبى وتكره سواء كان الميت والقوم في المسجد أو أحدهما ولعل وجهه أنه لما لم يكن دليل على واحد من الاحتمالات بعينه قالوا بالكراهة بوجود أحدهما أيا كان وظاهر كلام المصنف أن الكراهة تحريمية؛ لأنه عطفه على ما لا يجوز من الصلاة راكبا، وهي إحدى الروايتين مع أن فيه إيهاما؛ لأن في المعطوف عليه لم تصح الصلاة أصلا، وفي المعطوف هي صحيحة والأخرى أنها تنزيهية ورجحه في فتح القدير بأن الحديث ليس نهيا غير مصروف، ولا قرن الفعل بوعيد بظني بل سلب الأجر، وسلب الأجر لا يستلزم ثبوت استحقاق العقاب لجواز الإباحة ثم قرر تقريرا حاصله أنه لا خلاف بيننا وبين الشافعي على هذه الرواية؛ لأنه يقول بالجواز في المسجد لكن الأفضل خارجه، وهو معنى كراهة التنزيه وبه يحصل الجمع بين الأحاديث ا هـ‏.‏ لكن تترجح كراهة التحريم بالرواية الأخرى التي رواها الطيالسي كما في الفتاوى القاسمية من صلى على ميت في المسجد فلا صلاة له، ولم يقيد المصنف كصاحب المجمع المسجد بالجماعة كما قيده في الهداية لعدم الحاجة إليه؛ لأنهم يحترزون به عن المسجد المبني لصلاة الجنازة فإنها لا تكره فيه مع أن الصحيح أنه ليس بمسجد؛ لأنه ما أعد للصلاة حقيقة؛ لأن صلاة الجنازة ليست بصلاة حقيقة وحاجة الناس ماسة إلى أنه لم يكن مسجدا توسعة للأمر عليهم واختلفوا أيضا في مصلى العيدين أنه هل هو مسجد والصحيح أنه مسجد في حق جواز الاقتداء، وإن لم تتصل الصفوف؛ لأنه أعد للصلاة حقيقة لا في حرمة دخول الجنب والحائض كذا في المحيط وغيره، واعلم أن ظاهر الحديث وكلامهم أنه لا أجر أصلا لمن صلى عليها في المسجد، ولا يلزم منه عدم سقوط الفرض لعدم الملازمة بينهما، ولم يذكر المصنف رحمه الله ما إذا اجتمعت الجنائز للصلاة قالوا الإمام بالخيار إن شاء صلى عليهم دفعة واحدة، وإن شاء صلى على كل جنازة صلاة على حدة، فإن أراد الثاني فالأفضل أن يقدم الأفضل فالأفضل، فإن لم يفعل فلا بأس به، وأما كيفية وضعها، فإن كان الجنس متحدا، فإن شاءوا جعلوها صفا واحدا كما يصطفون في حال حياتهم عند الصلاة، وإن شاءوا وضعوا واحدا بعد واحد مما يلي القبلة ليقوم الإمام بحذاء الكل هذا جواب ظاهر الرواية، وفي رواية الحسن أن الثاني أولى من الأول وإذا وضعوا واحدا بعد واحد ينبغي أن يكون الأفضل مما يلي الإمام ثم إن وضع رأس كل واحد بحذاء رأس صاحبه فحسن، وإن وضع رأس كل واحد عند منكب الأول فحسن، وإن اختلف الجنس وضع الرجل بين يدي الإمام ثم الصبي وراءه ثم الخنثى ثم المرأة ثم الصبية والأفضل أن يجعل الحر مما يلي الإمام ويقدم على العبد، ولو كان الحر صبيا كما في الظهيرية، وإن كان عبدا وامرأة حرة فالعبد يوضع مما يلي الإمام والمرأة خلفه، وفي فتح القدير، ولو اجتمعوا في قبر واحد فوضعهم على عكس هذا فيقدم الأفضل فالأفضل إلى القبلة وفي الرجلين يقدم أكبرهما سنا وقرآنا وعلما كما فعله عليه السلام في قتلى أحد من المسلمين‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البدائع، ولو كان رجل وامرأة قدم الرجل مما يلي القبلة والمرأة خلفه اعتبارا بحال الحياة، ولو اجتمع رجل وامرأة وصبي وخنثى وصبية دفن الرجل مما يلي القبلة ثم الصبي خلفه ثم الخنثى ثم الأنثى ثم الصبية؛ لأنهم هكذا يصطفون خلف الإمام حالة الحياة وهكذا توضع جنائزهم عند الصلاة فكذا في القبر ا هـ‏.‏ وهو سهو في قوله وهكذا توضع جنائزهم لما ذكرنا أنه على عكسه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن استهل صلي عليه وإلا لا‏)‏ استهلال الصبي في اللغة أن يرفع صوته بالبكاء عند ولادته وقول من قال هو أن يقع حيا تدريس كذا في المغرب وضبطه في العناية بأنه بالبناء للفاعل، وفي الشرع أن يكون منه ما يدل على حياته من رفع صوت أو حركة عضو، ولو أن يطرف بعينه وذكر المصنف أن حكمه الصلاة عليه ويلزمه أن يغسل وأن يرث ويورث وأن يسمى، وإن لم يبق بعده حيا لإكرامه؛ لأنه من بني آدم ويجوز أن يكون له مال يحتاج أبوه إلى أن يذكر اسمه عند الدعوى به، ولم يقيد المصنف بوجود الحياة فيه إلى أن يخرج أكثره، ولا بد منه لما في المحيط قال أبو حنيفة إذا خرج بعض الولد وتحرك ثم مات، فإن كان خرج أكثره صلي عليه، وإن كان أقله لم يصل عليه ا هـ‏.‏ وفي آخر المبتغى بالمعجمة الولد إذا خرج رأسه، وهو يصيح ثم مات قبل أن يخرج لم يرث، ولم يصل عليه ما لم يخرج أكثر بدنه حيا، فإن كان ذبحه رجل حال ما يخرج رأسه فعليه الغرة، وإن قطع أذنه وخرج حيا ثم مات فعليه الدية ا هـ‏.‏ وفي المجتبى والبدائع اختلف في الاستهلال فعن أبي حنيفة لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين؛ لأن الصياح والحركة يطلع عليها الرجال وقالا يقبل قول النساء فيه إلا الأم فلا يقبل قولها في الميراث إجماعا؛ لأنها متهمة بجرها المغنم إلى نفسها، وإنما قبل قول النساء عندهما؛ لأن هذا المشهد لا يشهده الرجال وقول القابلة مقبول في حق الصلاة في قولهم وأمه كالقابلة كما في البدائع لكن قيد بالعدالة فقال؛ لأن خبر الواحد في الديانات مقبول إذا كان عدلا ا هـ‏.‏ ولما كانت الحركة دليل الحياة قالوا الحبلى إذا ماتت وفي بطنها ولد يضطرب يشق بطنها ويخرج الولد لا يسع إلا ذلك كذا في الظهيرية وأفاد بقوله وإلا لا أنه إذا لم يستهل لا يصلى عليه ويلزم منه أن لا يغسل، ولا يرث ولا يورث، ولا يسمى واتفقوا على ما عدا الغسل والتسمية واختلفوا فيهما فظاهر الرواية عدمهما وروى الطحاوي فعلهما، وفي الهداية أنه المختار؛ لأنه نفس من وجه، وفي شرح المجمع للمصنف إذا وضع المولود سقطا تام الخلقة قال أبو يوسف يغسل إكراما لبني آدم وقالا يدرج في خرقة ولا يغسل والصحيح قول أبي يوسف وإذا لم يكن تام الخلق لا يغسل إجماعا ا هـ‏.‏ وبهذا ظهر ضعف ما في فتح القدير والخلاصة من أن السقط الذي لم تتم خلقة أعضائه المختار أنه يغسل ا هـ‏.‏ لما سمعت من الإجماع على عدم غسله ولعله سبق نظرهما إلى الذي تم خلقه أو سهو من الكاتب ثم اعلم أن قولهم هنا بأن من ولد ميتا لا يرث ولا يورث ليس على إطلاقه لما في آخر الفتاوى الظهيرية من المقطعات ومتى انفصل الحمل ميتا إنما لا يرث إذا انفصل بنفسه فأما إذا فصل فهو من جملة الورثة بيانه إذا ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا فهذا الجنين من جملة الورثة؛ لأن الشارع أوجب على الضارب الغرة ووجوب الضمان بالجناية على الحي دون الميت وإذا حكمنا بحياته كان له الميراث ويورث عنه نصيبه كما يورث عنه بدل نفسه، وهو الغرة ا هـ‏.‏ وهكذا في آخر المبسوط من ميراث الحمل، وفي المبتغى السقط الذي لم تتم أعضاؤه هل يحشر قيل إذا نفخ فيه الروح يحشر وإلا فلا وقيل إذا استبان بعض خلقه يحشر ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية والذي يقتضيه مذهب علمائنا أنه إذا استبان بعض خلقه فإنه يحشر، وهو قول الشعبي وابن سيرين ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ كصبي سبي مع أحد أبويه‏)‏ أي لا يصلى عليه؛ لأنه تبع لهما للحديث‏:‏ «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه» إلى آخره وتقدم في غسل الجنابة معنى الفطرة وأفاد بقوله‏:‏ ‏(‏إلا أن يسلم أحدهما‏)‏ أنه يصلى عليه لإسلامه تبعا للمسلم منهما؛ لأنه يتبع خيرهما دينا وأفاد بقوله‏:‏ ‏(‏أو هو‏)‏ أنه يصلى عليه إذا أسلم وأبواه كافران لصحة إسلامه عندنا وأطلقه وقيده في الهداية بأن يعقل الإسلام واختلف في تفسيره فقيل أن يعقل المنافع والمضار وأن الإسلام هدى واتباعه خير له ذكره في العناية وفسره في فتح القدير بأن يعقل صفة الإسلام، وهو ما في الحديث‏:‏ «أن تؤمن بالله أي بوجوده وبربوبيته لكل شيء وملائكته أي بوجود ملائكته وكتبه أي إنزالها ورسله أي إرسالهم إليهم عليهم السلام واليوم الآخر أي البعث بعد الموت والقدر خيره وشره من الله تعالى» وهذا دليل أن مجرد قول لا إله إلا الله لا يوجب الحكم بالإسلام ما لم يؤمن بما ذكرنا، وعلى هذا قالوا لو اشترى جارية أو تزوج امرأة فاستوصفها صفة الإسلام فلم تعرفه لا تكون مسلمة والمراد من عدم المعرفة ليس ما يظهر من التوقف في جواب ما الإيمان‏؟‏ ما الإسلام‏؟‏ كما يكون من بعض العوام لقصورهم في التعبير بل قيام الجهل بذلك بالباطن مثلا بأن البعث هل يوجد أو لا‏؟‏ وأن الرسل وإنزال الكتب عليهم كان أو لا‏؟‏ لا يكون في اعتقاده اعتقاد طرف الإثبات للجهل البسيط فعن ذلك قالت لا أعرفه وقل ما يكون ذلك لمن نشأ في دار الإسلام فإنا نسمع ممن قد يقول في جواب ما قلنا لا أعرف، وهو من التوحيد والإقرار والخوف من النار وطلب الجنة بمكان بل وذكر ما يصلح استدلالا في أثناء أحوالهم وتكلمهم على التصريح ما يصرح باعتقاد هذه الأمور وكانوا يظنون أن جواب هذه الأشياء إنما يكون بكلام خاص منظوم وعبارة عالية خاصة فيحجمون عن الجواب ا هـ‏.‏ فعلى هذا فينبغي أن لا يسأل العامي والمرأة على هذا الوجه بأن يقال ما الإيمان، وإنما يذكر حقيقة الإيمان وما يجب الإيمان به بحضرتهما ثم يقال له هل أنت مصدق بهذا فإذا قال نعم كان ذلك كافيا‏.‏

وأفاد بقوله‏:‏ ‏(‏أو لم يسب أحدهما معه‏)‏ أنه يصلى عليه إذا دخل دار الإسلام، ولم يكن معه أحد أبويه تبعا لدار الإسلام، وفي التبيين أي إذا لم يسب مع الصبي أحد أبويه فحينئذ يصلى عليه تبعا للسابي أو الدار ا هـ‏.‏ فجعل كلام المصنف شاملا لتبعية السابي ولتبعية الدار والظاهر أنه لم يتعرض لتبعية السابي فإن السبي في اللغة الأسر والسبي الأسرى المحمولون من بلد إلى بلد كما في ضياء الحلوم وفائدة تبعية السابي إنما تظهر في دار الحرب بأن وقع صبي في سهم رجل ومات الصبي في دار الحرب فإنه يصلى عليه تبعا للسابي وظاهر ما في ضياء الحلوم أنه لا بد من الحمل من دار الحرب إلى دار الإسلام حتى يسمى سبيا، وفي فتح القدير واختلف بعد تبعية الولاد فالذي في الهداية تبعية الدار، وفي المحيط عند عدم أحد الأبوين يكون تبعا لصاحب اليد وعند عدم صاحب اليد يكون تبعا للدار ولعله أولى فإن من وقع في سهمه صبي من الغنيمة في دار الحرب فمات يصلى عليه ويجعل مسلما تبعا لصاحب اليد ا هـ‏.‏ وفيه نظر؛ لأن تبعية اليد عند عدم الكون في دار الإسلام متفق عليه فلا يصلح مرجحا لما في المحيط من تقدم تبعية اليد على الدار فالحاصل أن الاتفاق على التبعية بالجهات الثلاث، وإنما محل الاختلاف في تقديم الدار على اليد فصاحب الهداية وقاضي خان وجمع على تقديم الدار على اليد، وهو الأوجه لما نقله في كشف الأسرار شرح أصول فخر الإسلام أنه لو سرق ذمي صبيا وأخرجه إلى دار الإسلام ومات الصبي فإنه يصلى عليه ويصير مسلما بتبعية الدار، ولا يعتبر الأخذ حتى وجب تخليصه من يده ا هـ‏.‏ ولم يحك فيه خلافا، وهي واردة على ما في المحيط فإن مقتضاه أن لا يصلى عليه تقديما لتبعية اليد على الدار إلا أن يكون على الخلاف وأطلق المصنف في الصبي، ولم يقيده بغير العاقل وقيده المحقق ابن الهمام في تحريره بغير العاقل قال‏:‏ وإن كان عاقلا استقل بإسلامه فلا يرتد بردة من أسلم منهما‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو ظاهر كلام الزيلعي فإنه علل تبعية اليد بأن الصغير الذي لا يعبر عن نفسه بمنزلة المتاع وعزاه إلى شرح الزيادات فظاهرهما أنه لو سبي صبي عاقل مع أحد أبويه الكافر فإنه لا يكون كافرا تبعا لأبيه الكافر ويكون مسلما تبعا للدار ويحتاج إلى صريح النقل وكلامهم يدل على خلافه فإنهم جعلوا الولد تابعا لأبويه إلى البلوغ ولا تزول التبعية إلى البلوغ نعم تزول التبعية إذا اعتقد دينا غير دين أبويه إذا عقل الأديان فحينئذ صار مستقلا، وفي الظهيرية وإذا ارتد الزوجان والمرأة حامل فوضعت المرأة الولد ثم مات الولد لا يصلى عليه وحكم الصلاة عليه يخالف حكم الميراث ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن المراد بالتبعية التبعية في أحكام الدنيا لا في العقبى فلا يحكم بأن أطفالهم من أهل النار ألبتة بل فيه خلاف قيل يكونون خدم أهل الجنة وقيل إن كانوا قالوا‏:‏ بلى يوم أخذ العهد عن اعتقاد ففي الجنة وإلا ففي النار، وعن محمد أنه قال فيهم إني أعلم أن الله لا يعذب أحدا بغير ذنب وهذا ينفي التفصيل وتوقف فيهم أبو حنيفة كذا في فتح القدير، وفي القنية صبي سبي مع أبيه ثم مات أبوه في دار الإسلام ثم مات الصبي لا يصلى عليه لتقرر التبعية بالموت ا هـ‏.‏ وحكم المجنون البالغ في هذه الأحكام كحكم الصبي العاقل فيكون فيه الأوجه الثلاثة في التبعية كما صرح به الأصوليون‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويغسل ولي مسلم الكافر ويكفنه ويدفنه‏)‏ بذلك أمر علي رضي الله عنه أن يفعل بأبيه حين مات وهذه عبارة معيبة غير محررة أما الأول فلأن المسلم ليس بولي الكافر، وما في العناية من أنه أراد به القريب فغير مفيد؛ لأن المؤاخذة على نفس التعبير به بعد إرادة القريب به وأطلقه فشمل ذوي الأرحام كالأخت والخال والخالة، وأما الثاني فلأنه أطلق في الغسل والتكفين والدفن فينصرف إلى ما قدمه من تجهيز المسلم وليس كذلك، وإنما يغسل غسل الثوب النجس من غير وضوء، ولا بداءة بالميامن، ولا يكون الغسل طهارة له حتى لو حمله إنسان وصلى لم تجز صلاته ويلف في خرقة بلا اعتبار عدد، ولا حنوط، ولا كافور ويحفر له حفيرة من غير مراعاة سنة اللحد ولأنه أطلق في الكافر، وهو مقيد بغير المرتد أما المرتد فلا يغسل، ولا يكفن، وإنما يلقى في حفيرة كالكلب، ولا يدفع إلى من انتقل إلى دينهم كما في فتح القدير ولأنه أطلق جواب المسألة، وهو مقيد بما إذا لم يكن له قريب كافر، فإن كان خلي بينه وبينهم ويتبع الجنازة من بعيد وقيد المصنف بالولي المسلم؛ لأن المسلم إذا مات، وله قريب كافر فإن الكافر لا يتولى تجهيزه، وإنما يفعله المسلمون ويكره أن يدخل الكافر في قبر قرابته المسلم ليدفنه، وما استدل به الزيلعي على أن الكافر يمكن من تجهيز قريبه المسلم من قول القدوري إذا مات مسلم، ولم يوجد رجل يغسله يعلم النساء الكافر فاستدلال غير صحيح؛ لأن كلامنا فيما إذا وجد المسلمون ودليله فيما إذا لم يوجد من الرجال أحد فلو قال ويغسل ويكفن ويدفن المسلم قريبه الكافر الأصلي عند الاحتياج من غير مراعاة السنة لكان أولى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويؤخذ سريره بقوائمه الأربع‏)‏ بذلك وردت السنة وفيه تكثير الجماعة وزيادة الإكرام والصيانة ويرفعونه أخذا باليد لا وضعا على العنق كما تحمل الأمتعة، وفي مختصر الكرخي ويكره أن يحمل بين عمودي السرير من مقدمه أو مؤخره؛ لأن السنة فيه التربيع ويكره حمله على الظهر والدابة وذكر الإسبيجابي أن الصبي الرضيع أو الفطيم أو فوق ذلك قليلا إذا مات فلا بأس بأن يحمله رجل واحد على يديه ويتداوله الناس بالحمل على أيديهم، ولا بأس بأن يحملها على يديه، وهو راكب، وإن كان كبيرا يحمل على الجنازة ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويعجل به بلا خبب‏)‏ وهو بمعجمة مفتوحة وموحدتين ضرب من العدو وقيل هو كالرمل وحد التعجيل المسنون أن يسرع به بحيث لا يضطرب الميت على الجنازة للحديث‏:‏ «أسرعوا بالجنازة فإن كانت صالحة قربتموه إلى الخير، وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم»‏.‏ والأفضل أن يعجل بتجهيزه كله من حين يموت، ولو مشوا به بالجنب كره؛ لأنه ازدراء بالميت وإضرار بالمتبعين، وفي القنية، ولو جهز الميت صبيحة يوم الجمعة يكره تأخير الصلاة ودفنه ليصلي عليه الجمع العظيم بعد صلاة الجمعة، ولو خافوا فوت الجمعة بسبب دفنه يؤخر الدفن وتقدم صلاة العيد على صلاة الجنازة وتقدم صلاة الجنازة على الخطبة والقياس أن تقدم على صلاة العيد لكنه قدم صلاة العيد مخافة التشويش وكي لا يظنها من في أخريات الصفوف أنها صلاة العيد ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وجلوس قبل وضعها‏)‏ أي بلا جلوس لمتبعها قبل وضعها؛ لأنه قد تقع الحاجة إلى التعاون، والقيام أمكن منه فكان الجلوس قبله مكروها ولأن الجنازة متبوعة وهم أتباع والتبع لا يقعد قبل قعود الأصل، قيد بقوله قبل وضعها؛ لأنهم يجلسون إذا وضعت عن أعناق الرجال ويكره القيام بعد وضعها كما في الخانية والعناية وفي المحيط خلافه قال والأفضل أن لا يجلسوا ما لم يسووا عليه التراب لما روي‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم حتى يسوي عليه التراب»، ولأن في القيام إظهار العناية بأمر الميت وأنه مستحب ا هـ‏.‏ والأولى الأول لما في البدائع فأما بعد الوضع فلا بأس بالجلوس لما روي عن عبادة بن الصامت أن ‏{‏النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجلس حتى يوضع الميت في اللحد فكان قائما مع أصحابه على رأس قبر فقال يهودي هكذا نصنع بموتانا فجلس صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه خالفوهم» ا هـ‏.‏ أي في القيام فلذا كره وقيدنا بمتبعها؛ لأن من لم يرد اتباعها ومرت عليه فالمختار أنه لا يقوم لها لما روي عن علي رضي الله عنه‏:‏ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس» بهذا اللفظ لأحمد رحمه الله وصحح في الظهيرية أن من في المصلى لا يقوم لها إذا رآها قبل أن توضع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومشى قدامها‏)‏ أي بلا مشي لمتبعها أمامها؛ لأن المشي خلفها أفضل عندنا للأحاديث الواردة باتباع الجنائز، وقد نقل فعل السلف على الوجهين والترجيح بالمعنى فالشافعي يقول هم شفعاء والشفيع يتقدم ليمهد المقصود ونحن نقول هم مشيعون فيتأخرون والشفيع المتقدم هو الذي لا يستصحب المشفوع له في الشفاعة، وما نحن فيه بخلافه بل قد ثبت شرعا إلزام تقديمه حالة الشفاعة له أعني حالة الصلاة فثبت شرعا عدم اعتبار ما اعتبره قالوا ويجوز المشي أمامها إلا أن يتباعد عنها أو يتقدم الكل فيكره ولا يمشي عن يمينها، ولا عن شمالها وذكر الإسبيجابي، ولا بأس بأن يذهب إلى صلاة الجنازة راكبا غير أنه يكره له التقدم أمام الجنازة بخلاف الماشي ا هـ‏.‏ وبهذا يضعف ما نقله ابن الملك في شرح المجمع معزيا إلى أبي يوسف فقال رأيت أبا حنيفة يتقدم الجنازة، وهو راكب ثم قعد حتى تأتيه كذا في النوادر ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية والمشي فيها أفضل من الركوب كصلاة الجمعة، وفي الغاية اتباع الجنائز أفضل من النوافل إذا كان لجوار أو قرابة أو صلاح مشهور وإلا فالنوافل أفضل وينبغي لمن تبع جنازة أن يطيل الصمت ويكره رفع الصوت بالذكر وقراءة القرآن وغيرهما في الجنازة والكراهة فيها كراهة تحريم في فتاوى العصر وعند مجد الأئمة التركماني وقال علاء الدين الناصري ترك الأولى ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية، فإن أراد أن يذكر الله يذكره في نفسه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنه لا يحب المعتدين‏}‏ أي الجاهرين بالدعاء، وعن إبراهيم أنه كان يكره أن يقول الرجل، وهو يمشي معها استغفروا له غفر الله لكم، وفي البدائع، ولا ينبغي أن يرجع من يتبع جنازة حتى يصلي؛ لأن الاتباع كان للصلاة عليها فلا يرجع قبل حصول المقصود، ولا ينبغي للنساء أن يخرجن في الجنازة؛ لأن‏:‏ «النبي صلى الله عليه وسلم نهاهن عن ذلك وقال انصرفن مأزورات غير مأجورات» ويكره النوح والصياح في الجنازة ومنزل الميت للنهي عنه فأما البكاء فلا بأس به، وإن كان مع الجنازة نائحة أو صائحة زجرت، فإن لم تنزجر فلا بأس بأن تتبع الجنازة، ولا يمتنع لأجلها؛ لأن الاتباع سنة فلا تترك ببدعة من غيره ا هـ‏.‏ وفي المجتبى قال البقالي إذا استمع إلى باكية ليلين فلا بأس إذا أمن الوقوع في الفتنة لاستماعه عليه الصلاة والسلام لبواكي حمزة ولا تتبع بنار في مجمرة، ولا شمع، ولا بأس بمرثية الميت شعرا كان أو غيره والتعزية للمصاب سنة للحديث‏:‏ «من عزى مصابا فله مثل أجره» قال البقالي، ولا بأس بالجلوس للعزاء ثلاثة أيام في بيت أو مسجد، وقد «جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قتل جعفر وزيد بن حارثة والناس يأتون ويعزونه» والتعزية في اليوم الأول أفضل والجلوس في المسجد ثلاثة أيام للتعزية مكروه، وفي غيره جاءت الرخصة ثلاثة أيام للرجال وتركه أحسن ويكره للمعزي أن يعزي ثانيا ا هـ‏.‏ وهي كما في التبيين أن يقول أعظم الله أجرك وأحسن عزاك وغفر لميتك، ولا بأس بالجلوس إليها ثلاثا من غير ارتكاب محظور من فرش البسط والأطعمة من أهل البيت؛ لأنها تتخذ عند السرور، ولا بأس بأن يتخذ لأهل الميت طعام ا هـ‏.‏ وفي الخانية، وإن اتخذ ولي الميت طعاما للفقراء كان حسنا إذا كانوا بالغين، وإن كان في الورثة صغير لم يتخذ ذلك من التركة ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية ويكره الجلوس على باب الدار للتعزية؛ لأنه عمل أهل الجاهلية، وقد نهي عنه، وما يصنع في بلاد العجم من فرش البسط والقيام على قوارع الطرق من أقبح القبائح ا هـ‏.‏ وفي التجنيس ويكره الإفراط في مدح الميت عند جنازته؛ لأن الجاهلية كانوا يذكرون في ذلك ما هو شبه المحال وفيه قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه، ولا تكنوا» ا هـ‏.‏ وفي القنية عن شداد أكره التعزية عند القبر ذكره في المجرد ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية وهل يعذب الميت ببكاء أهله عليه فقال بعضهم يعذب لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إن الميت ليعذب ببكاء أهله» وقال عامة العلماء لا يعذب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏}‏ وتأويل الحديث أنهم في ذلك الزمان كانوا يوصون بالنوح عليهم فقال عليه الصلاة والسلام ذلك ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وضع مقدمها على يمينك ثم مؤخرها ثم مقدمها على يسارك ثم مؤخرها‏)‏ بيان لإكمال السنة في حملها عند كثرة الحاملين إذا تناوبوا في حملها وقوله ثم مؤخرها أي على يمينك وقوله ثانيا ثم مؤخرها أي على يسارك وهذا؛ لأن «النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شيء» وإذا حمل هكذا حصلت البداءة بيمين الحامل ويمين الميت، وإنما بدأ بالأيمن المقدم دون المؤخر؛ لأن المقدم أول الجنازة والبداءة بالشيء إنما يكون من أوله ثم يضع مؤخرها الأيمن على يمينه؛ لأنه لو وضع مقدمها الأيسر على يساره لاحتاج إلى المشي أمامها، والمشي خلفها أفضل ولأنه لو فعل ذلك أو وضع مؤخرها الأيسر على يساره تقدم الأيسر على الأيمن، وإنما يضع مقدمها الأيسر على يساره؛ لأنه لو فعل هكذا يقع الفراغ خلف الجنازة فيمشي خلفها، وهو أفضل لذلك كان كمال السنة كما وصفنا ا هـ‏.‏ وينبغي أن يحمل من كل جانب عشر خطوات للحديث‏:‏ «من حمل جنازة أربعين خطوة كفرت أربعين كبيرة» كذا في البدائع وذكر الإسبيجابي، وفي حالة المشي بالجنازة يقدم الرأس وإذا نزلوا به المصلى فإنه يوضع عرضا للقبلة والمقدم بفتح الدال وكسرها والكسر أفصح كذا في الغاية، وكذا المؤخر، وفي ضياء الحلوم المقدم بضم الميم وفتح الدال مشددة نقيض المؤخر يقال ضرب مقدم وجهه، وهو الناصية ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويحفر القبر ويلحد‏)‏ لحديث صاحب السنن مرفوعا‏:‏ «اللحد لنا والشق لغيرنا» يقال لحدت الميت وألحدت له لغتان واللحد بفتح اللام وضمها كذا في الغاية، وهو أن يحفر القبر بتمامه ثم يحفر في جانب القبلة منه حفيرة يوضع فيها الميت ويجعل ذلك كالبيت المسقف والشق أن يحفر حفيرة في وسط القبر يوضع فيها الميت واستحسنوا الشق فيما إذا كانت الأرض رخوة لتعذر اللحد، وإن تعذر اللحد فلا بأس بتابوت يتخذ للميت لكن السنة أن يفرش فيه التراب كذا في غاية البيان، ولا فرق بين أن يكون التابوت من حجر أو حديد كذا في التبيين وذكر في الظهيرية معزيا إلى السرخسي في الجامع الصغير أنه لا يجوز أن تطرح المضربة في القبر، وما روي عن عائشة فغير مشهور ولا يؤخذ به ا هـ‏.‏ واختلفوا في عمق القبر فقيل قدر نصف القامة وقيل إلى الصدر، وإن زادوا فحسن، وفي المحيط وغيره، ومن مات في السفينة يغسل ويكفن ويصلى عليه ويرمى في البحر ا هـ‏.‏ وهو مقيد بما إذا لم يكن البر إليه قريبا كما في فتح القدير، وفي الواقعات لا ينبغي أن يدفن الميت في الدار، وإن كان صغيرا؛ لأن هذه السنة كانت للأنبياء‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويدخل من قبل القبلة‏)‏ وهو أن توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر ويحمل الميت منه فيوضع في اللحد فيكون الآخذ له مستقبل القبلة حال الأخذ واختار الشافعي السل وهو أن توضع الجنازة على يمين القبلة ويجعل رجلا الميت إلى القبر طولا ثم يؤخذ برجليه وتدخل رجلاه في القبر ويذهب به إلى أن تصير رجلاه إلى موضعهما ويدخل رأسه القبر واضطربت الروايات في إدخاله عليه الصلاة والسلام ورجحنا الأول؛ لأن جانب القبلة معظم فيستحب الإدخال منه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويقول واضعه باسم الله، وعلى ملة رسول الله‏)‏ كذا ورد في الحديث وقال السرخسي أي باسم الله وضعناك، وعلى ملة رسول الله سلمناك وزاد في الظهيرية بالله، وفي الله وزاد في البدائع، وفي سبيل الله ثم قال الماتريدي، وليس هذا بدعاء للميت؛ لأنه إذا مات على ملة رسول الله لم يجز أن تبدل عليه الحالة، وإن مات على غير ذلك لم يبدل إلى ملة رسول الله ولكن المؤمنين شهداء الله في الأرض يشهدون بوفاته على الملة وعلى هذا جرت السنة، ولا يضر وتر دخل القبر أم شفع، واختار الشافعي الوتر اعتبارا بعدد الكفن والغسل والإجمار ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن أدخله العباس والفضل بن العباس وعلي وصهيب كذا في البدائع وذو الرحم المحرم أولى بإدخال المرأة القبر وكذا الرحم غير المحرم أولى من الأجنبي، فإن لم يكن فلا بأس للأجانب وضعها، ولا يحتاج إلى النساء للوضع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ووجه إلى القبلة الميت‏)‏ بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون على شقه الأيمن كما قدمناه، وفي الظهيرية وإذا دفن الميت مستدبر القبلة وأهالوا التراب عليه فإنه لا ينبش ليجعل مستقبل القبلة، ولو بقي فيه متاع لإنسان فلا بأس بالنبش لإخراج المتاع وروي أن المغيرة بن شعبة سقط خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال بالصحابة حتى رفع اللبن وأخذ خاتمه وقبل بين عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كان يفتخر بذلك ويقول أنا أحدثكم برسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتحل العقدة‏)‏ لوقوع الأمن من الانتشار‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويسوى اللبن عليه والقصب‏)‏؛ لأنه جعل على قبره عليه الصلاة والسلام اللبن وطن من قصب واللبن واحده لبنة على وزن كلمة ما يتخذ من الطين والطن بضم الطاء الحزمة واختلف في المنسوج من القصب، وما ينسج من البردي يكره في قولهم؛ لأنه للتزيين كذا في المجتبى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا الآجر والخشب‏)‏؛ لأنهما لإحكام البناء والقبر موضع البلاء ولأن بالآجر أثر النار فيكره تفاؤلا كذا في الهداية فعلى الأول يسوى بين الحجر والآجر، وعلى الثاني يفرق بينهما كذا في الغاية وأورد الإمام حميد الدين الضرير على التعليل الثاني أن الماء يسخن بالنار ومع ذلك يجوز استعماله فعلم أن أثر النار لا يضر وأجاب عنه في غاية البيان بالفرق؛ لأن أثر النار في الآجر محسوس بالمشاهدة، وفي الماء ليس بمشاهد أطلق المصنف في منعهما وقيده الإمام السرخسي بأن لا يكون الغالب على الأراضي النز والرخاوة، فإن كان فلا بأس بهما كاتخاذ تابوت من حديد لهذا وقيده في شرح المجمع بأن يكون حوله أما لو كان فوقه لا يكره؛ لأنه يكون عصمة من السبع ا هـ‏.‏ وفي المغرب الآجر الطين المطبوخ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويسجى قبرها لا قبره‏)‏؛ لأن مبنى حالهن على الستر، والرجال على الكشف إلا أن يكون لمطر أو ثلج في المغرب سجى الميت بثوب ستره‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويهال التراب‏)‏ سترا له ويكره أن يزاد على التراب الذي أخرج من القبر؛ لأن الزيادة عليه بمنزلة البناء ويستحب أن يحثى عليه التراب، ولا بأس برش الماء على القبر؛ لأنه تسوية له، وعن أبي يوسف كراهته؛ لأنه يشبه التطيين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويسنم القبر، ولا يربع‏)‏؛ لأنه «عليه الصلاة والسلام نهى عن تربيع القبور» ومن شاهد قبر النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنه مسنم في المغرب قبر مسنم مرتفع غير مسطح ويسنم قدر شبر وقيل قدر أربع أصابع، وما ورد في الصحيح من حديث علي «أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته» فمحمول على ما زاد على التسنيم وصرح في الظهيرية بوجوب التسنيم، وفي المجتبى باستحبابه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يجصص‏)‏ لحديث جابر‏:‏ «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه» وأن يوطأ و التجصيص طلي البناء بالجص بالكسر والفتح كذا في المغرب، وفي الخلاصة، ولا يجصص القبر ولا يطين، ولا يرفع عليه بناء قالوا أراد به السفط الذي يجعل في ديارنا على القبر وقال في الفتاوى اليوم اعتادوا السفط، ولا بأس بالتطيين‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية، ولو وضع عليه شيء من الأشجار أو كتب عليه شيء فلا بأس به عند البعض ا هـ‏.‏ والحديث المتقدم يمنع الكتابة فليكن المعول عليه لكن فصل في المحيط فقال‏:‏ وإن احتيج إلى الكتابة حتى لا يذهب الأثر ولا يمتهن فلا بأس به فأما الكتابة من غير عذر فلا ا هـ‏.‏ وفي المجتبى ويكره أن يطأ القبر أو يجلس أو ينام عليه أو يقضي عليه حاجة من بول أو غائط أو يصلى عليه أو إليه ثم المشي عليه يكره، وعلى التابوت يجوز عند بعضهم كالمشي على السقف‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة، ولو وجد طريقا في المقبرة، وهو يظن أنه طريق أحدثوه لا يمشي في ذلك، وإن لم يقع ذلك في ضميره لا بأس بأن يمشي فيه ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير ويكره الجلوس على القبر ووطؤه حينئذ فما تصنعه الناس ممن دفنت أقاربه ثم دفنت حواليهم خلق من وطء تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه ا هـ‏.‏ وفي المحيط وغيره، ولا يدفن اثنان وثلاثة في قبر واحد إلا عند الحاجة يوضع الرجل مما يلي القبلة ثم خلفه الغلام ثم خلفه الخنثى ثم خلفه المرأة ويجعل بين كل ميتين حاجزا من التراب ليصير في حكم قبرين هكذا ‏{‏أمر النبي صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد وقال قدموا أكثرهم قرآنا» ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير ويكره الدفن في الأماكن التي تسمى فساقي ا هـ‏.‏ وهي من وجوه‏:‏ الأول عدم اللحد الثاني دفن الجماعة في قبر واحد لغير ضرورة الثالث اختلاط الرجال بالنساء من غير حاجز كما هو الواقع في كثير منها الرابع تجصيصها والبناء عليها، وفي البدائع قال أبو حنيفة رحمه الله، ولا ينبغي أن يصلى على ميت بين القبور وكان علي وابن عباس يكرهان ذلك، فإن صلوا أجزأهم ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يخرج من القبر إلا أن تكون الأرض مغصوبة‏)‏ أي بعد ما أهيل التراب عليه لا يجوز إخراجه لغير ضرورة للنهي الوارد عن نبشه وصرحوا بحرمته وأشار بكون الأرض مغصوبة إلى أنه يجوز نبشه لحق الآدمي كما إذا سقط فيها متاعه أو كفن بثوب مغصوب أو دفن في ملك الغير أو دفن معه مال أحياء لحق المحتاج قد «أباح النبي صلى الله عليه وسلم نبش قبر أبي رعال لعصا من ذهب معه» كذا في المجتبى قالوا، ولو كان المال درهما ودخل فيه ما إذا أخذها الشفيع فإنه ينبش أيضا لحقه كما في فتح القدير وذكر في التبيين أن صاحب الأرض مخير إن شاء أخرجه منها وإن شاء ساواه مع الأرض وانتفع بها زراعة أو غيرها وأفاد كلام المصنف أنه لو وضع لغير القبلة أو على شقه الأيسر أو جعل رأسه في موضع رجليه أو دفن بلا غسل وأهيل عليه التراب فإنه لا ينبش قال في البدائع؛ لأن النبش حرام حقا لله تعالى، وفي فتح القدير واتفقت كلمة المشايخ في امرأة دفن ابنها، وهي غائبة في غير بلدها فلم تصبر وأرادت نقله أنه لا يسعها ذلك فتجويز شواذ بعض المتأخرين لا يلتفت إليه ا هـ‏.‏ وأطلق المصنف فشمل ما إذا بعدت المدة أو قصرت كما في الفتاوى، ولم يتكلم المصنف على نقل الميت من مكان إلى آخر قبل دفنه قال في الواقعات والتجنيس‏:‏ القتيل أو الميت يستحب لهما أن يدفنا في المكان الذي قتل أو مات فيه في مقابر أولئك القوم لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما وكان مات بالشام وحمل من هناك فقالت‏:‏ لو كان الأمر فيك بيدي ما نقلتك ولدفنتك حيث مت لكن مع هذا إذا نقل ميلا أو ميلين أو نحو ذلك فلا بأس، وإن نقل من بلد إلى بلد فلا إثم فيه؛ لأنه روي أن يعقوب صلوات الله عليه مات بمصر فحمل إلى أرض الشام وموسى عليه السلام حمل تابوت يوسف عليه السلام بعد ما أتى عليه زمان إلى أرض الشام من مصر ليكون عظامه مع عظام آبائه وسعد بن أبي وقاص مات في ضيعة على أربعة فراسخ من المدينة فحمل على أعناق الرجال إلى المدينة ا هـ‏.‏ وفي التبيين، ولو بلي الميت وصار ترابا جاز دفن غيره في قبره وزرعه والبناء عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الواقعات عظام اليهود لها حرمة إذا وجدت في قبورهم كحرمة عظام المسلمين حتى لا تكسر؛ لأن الذمي لما حرم إيذاؤه في حياته لذمته فتجب صيانة نفسه عن الكسر بعد موته ا هـ‏.‏ ولم يتكلم المصنف رحمه الله على زيارة القبور، ولا بأس ببيانه تكميلا للفائدة قال في البدائع، ولا بأس بزيارة القبور والدعاء للأموات إن كانوا مؤمنين من غير وطء القبور لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها» ولعمل الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ا هـ‏.‏ وصرح في المجتبى بأنها مندوبة وقيل تحرم على النساء والأصح أن الرخصة ثابتة لهما ‏{‏وكان صلى الله عليه وسلم يعلم السلام على الموتى السلام عليكم أيها الدار من المؤمنين والمسلمين وإنا - إن شاء الله - بكم لاحقون أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع فنسأل الله العافية»، ولا بأس بقراءة القرآن عند القبور وربما تكون أفضل من غيره ويجوز أن يخفف الله عن أهل القبور شيئا من عذاب القبر أو يقطعه عند دعاء القارئ وتلاوته وفيه ورد آثار ‏[‏من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات‏]‏‏.‏ ا هـ وفي فتح القدير ويكره عند القبر كلما لم يعهد من السنة والمعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائما كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البقيع ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة ويكره قطع الحطب والحشيش من المقبرة إلا إذا كان يابسا، ولا يستحب قطع الحشيش الرطب ا هـ‏.‏ وذكر في الظهيرية مسألة السؤال في القبر وليست فقهية و إنما هي كلامية فلذا تركناها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب‏.‏