فصل: فصل في بيع الفضولي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


فصل في بيع الفضولي

ولم تكن ثابتة عند الزيلعي فتركه، وهو نسبة إلى الفضولي جمع الفضل أي الزيادة، وفي المغرب، وقد علمت جمعه على ما لا خير فيه حتى قيل فضول بلا فضل وسن بلا سن وطول بلا طول وعرض بلا عرض ثم قيل لمن يشتغل بما لا يعنيه فضولي، وهو في اصطلاح الفقهاء من ليس بوكيل، وبفتح الفاء خطأ‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيل الفضولي من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي كالأجنبي يزوج أو يبيع، ولم يرد في النسبة إلى الواحد، وإن كان هو القياس لأنه صار بالغلبة كالعلم لهذا المعنى فصار كالأنصاري والأعرابي كذا في النهاية، وفي فتح القدير غلب في الاشتغال بما لا يعنيه، وما لا ولاية له فيه فقول بعض الجهلة لمن يأمر بالمعروف فضولي يخشى عليه الكفر ا هـ‏.‏ قوله ‏(‏ومن باع ملك غيره فللمالك أن يفسخه، ويجيزه إن بقي العاقدان، والمعقود عليه، وله، وبه لو عرضا‏)‏ يعني أنه صحيح موقوف على الإجازة بالشرائط الأربعة، وعند الشافعي لا ينعقد لأنه لم يصدر عن ولاية شرعية فيلغو لأنها ثبتت بالملك أو بإذن المالك، وقد فقدا ولا انعقاد إلا بالقدرة الشرعية، ولنا أنه تصرف تمليك، وقد صدر من أهله العاقل البالغ في محله، وهو المال المتقوم فوجب القول بانعقاده إذ لا ضرر فيه مع تخيره بل فيه نفعه حيث يكفى مؤنة طلب المشتري، وحقوق العقد فإنها لا ترجع إلى المالك، وفيه نفع العاقد بصون كلامه عن الإلغاء، وفيه نفع المشتري لأنه أقدم عليه طائعا، ولولا النفع لما أقدم فتثبت القدرة الشرعية تحصيلا لهذه الوجوه كيف، وأن الإذن ثابت دلالة لأن العاقل يأذن في التصرف النافع، واستدل أصحابنا في كتبهم بحديث‏:‏ «عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به أضحية فاشترى شاتين فباع إحداهما بدينار، وجاء بالشاة، والدينار إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بذلك فقال عليه السلام بارك الله لك في صفقتك»، ورواه الترمذي عن عروة، وحكيم بن حزام كما بينه في النهاية‏.‏ وإنما شرط قيام المبيع، والمتعاقدين لأن الإجارة تصرف في العقد فلا بد من قيامه، وذلك بقيامها كما في الإنشاء، وإن كان الثمن عرضا أي مما يتعين بالتعيين فلا بد من قيامه أيضا لكونه مبيعا، وإنما اشترط قيام المعقود له، وهو المالك لأن العقد توقف على إجازته فلا ينفذ بإجازة غيره فلو مات المالك لم ينفذ بإجازة الوارث بخلاف القسمة الموقوفة فإنها تنفذ بإجازة الوارث عند الثاني كذا في البزازية، ولو لم يعلم حال المبيع وقت الإجازة من بقاء، وعدمه جاز البيع في قول أبي يوسف أولا، وهو قول محمد لأن الأصل بقاؤه ثم رجع، وقال لا يصح ما لم يعلم قيامه عندها لأن الشك وقع في شرط الإجازة فلا يثبت مع الشك، وقيد بالبيع لأن النكاح الموقوف لا يبطل بموت العاقد، ولو تزوجت أمة بغير إذن مولاها ثم مات المولى فإنه ينفذ بإجازة الوارث إذا لم يحل له وطؤها، وإذا أجاز المالك البيع وكان الثمن نقدا صار مملوكا له أمانة في يد الفضولي بمنزلة الوكيل لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة، ولو لم يجز المالك وهلك الثمن في يد الفضولي اختلف المشايخ في رجوع المشتري عليه بمثله، والأصح أن المشتري إن علم أنه فضولي وقت الأداء لا رجوع له، وإلا رجع عليه كذا في القنية‏.‏ وصرح الشارح بأنه أمانة في يده فلا ضمان عليه إذا هلك سواء هلك قبل الإجازة أو بعدها، وإن كان الثمن عرضا كان مملوكا للفضولي، وإجازة المالك إجازة نقد لا إجازة عقد لأنه لما كان العوض متعينا كان شراء من وجه، والشراء لا يتوقف بل ينفذ على المباشر إن وجد نفاذا فيكون ملكا له، وبإجازة المالك لا ينتقل إليه بل تأثير إجازته في النقد لا في العقد ثم يجب على الفضولي مثل المبيع إن كان مثليا، وإلا فقيمته إن كان قيميا لأنه لما صار البدل له صار مشتريا لنفسه بمال الغير مستقرضا له في ضمن الشراء فيجب عليه رده كما لو قضى دينه بمال الغير، واستقراض غير المثلي جائز ضمنا، وإن لم يجز قصدا ألا ترى أن الرجل إذا تزوج امرأة على عبد الغير صح، ويجب قيمته عليه، ولا يشترط قيام المبيع في مسألة من مسائل الفضولي مذكورة في الخلاصة من اللقطة قال -‏:‏ الملتقط إذا باع اللقطة بغير أمر القاضي ثم جاء صاحبها بعدما هلكت العين إن شاء ضمن البائع، وعند ذلك ينفذ البيع من جهة البائع في ظاهر الرواية، وبه أخذ عامة المشايخ‏.‏ ا هـ‏.‏ وهكذا قالوا في الملتقط إذا تصدق فهلكت العين فأجاز المالك بعد الهلاك صحت، وقيد بالمالك في قوله فللمالك أن يفسخه أو يجيزه لأن للفضولي فسخه فقط حتى لو أجازه المالك لا ينفذ لزوال العقد الموقوف، وإنما كان له ذلك ليدفع الحقوق عن نفسه فإنه بعد الإجازة يصير كالوكيل فترجع حقوق العقد إليه فيطالب بالتسليم، ويخاصم بالعيب، وفي ذلك ضرر به فله دفعه عن نفسه قبل ثبوته، وفي البزازية، وللمشتري فسخ البيع قبل الإجازة تحرزا عن لزوم العقد بخلاف الفضولي في النكاح ليس له أن يفسخ بالقول، ولا بالفعل لأنه معبر محض فبالإجازة تنتقل العبارة إلى المالك فتصير الحقوق منوطة به لا بالفضولي‏.‏ وفي النهاية أن الفضولي في النكاح يملك فسخه بالفعل بأن زوج فضولي رجلا امرأة برضاها، وقبل إجازته زوجه بأختها فإن ذلك يكون فسخا للنكاح الأول، وفي فتاوى قاضي خان لا يكون فسخا، ويتوقف الثاني أيضا ثم الإجازة لبيع الفضولي تكون بالفعل وبالقول فمن الأول تسليم المبيع إجازة، وكذا أخذه الثمن، ومن الثاني طلب الثمن، وقوله أحسنت أو وفقت أو أصبت ليس بإجازة، وكذا كفيتني مؤنة البيع أو أحسنت فجزاك الله خيرا، وفي المنتقى لو قال بئس ما صنعت كان إجازة كقبض الثمن، ولو وهب المالك الثمن أو تصدق به على المشتري كان إجازة إن كان المبيع قائما، والسكوت بعد العلم لا يكون إجازة، ولو قال المالك أنا راض ما دمت حيا كان إجازة بالأول، ولو قال أمسكها ما دمت حيا لا لأن الإمساك لا يدل على الرضا، وفي فروق الكرابيسي أسأت إجازة، ولو قال لا أجيز يكون ردا للبيع بخلاف المستأجر إذا قال لا أجيز بيع الآخر ثم أجازه جاز‏.‏ وفي نوادر هشام، ولو قال أجزت إن باع بمائة درهم يجوز إن باع بأكثر، وإن باع بأقل لا يجوز، ولو باع بألف دينار لا يجوز، وإنما ينظر إلى النوع الذي وصفه كذا في البزازية، وفيها وإذا أجاز المالك بيع الفضولي صار الفضولي كالوكيل حتى صح حطه عن الثمن علم المالك بالثمن أو لم يعلم، وأجاب صاحب الهداية أنه إذا علم بالحط بعد الإجازة فله الخيار إن شاء رضي به، وإن شاء فسخ‏.‏ ا هـ‏.‏ وأشار المصنف باشتراط قيام المبيع أي باسمه، وحاله إلى أنه لو أجازه بعد صبغ الثوب المشترى فإنه لا يجوز ولو ولدت الأمة ثم أجاز المالك البيع يكون الولد مع الأمة للمشتري، ولو انهدم الدار ثم أجاز المالك البيع يصح لبقاء العرصة، ولم يذكر المؤلف حكم تسليم المبيع من الفضولي فلو سلمه فهلك فللمالك أن يضمن أيهما شاء فأيهما اختار ضمانه برئ الآخر لأن في التضمين تمليكا منه فإذا ملكه من أحدهما لا يمكن تمليكه من الآخر فإن اختار تضمين المشتري بطل البيع لأن أخذ القيمة كأخذ العين، ويرجع المشتري على البائع بالثمن لا بما ضمن، وإن اختار تضمين البائع ينظر إن كان قبض البائع مضمونا عليه نفذ بيعه بالضمان لأن سبب ملكه قد تم عقده، وإن كان قبضه أمانة فإنما صار مضمونا عليه بالتسليم بعد البيع فلا ينفذ بيعه بالضمان لتأخر سبب ملكه عن العقد‏.‏ وقد ذكر محمد في ظاهر الرواية أنه يجوز البيع بتضمين البائع ووجهه أنه سلم أولا ثم صار مضمونا عليه ثم باعه فصار كالمغصوب كذا في البزازية، وقيد بالبيع لأنه إذا اشترى لغيره كان ما اشتراه لنفسه أجاز الذي اشتراه له أم لا، وإن لم يجد نفاذا يتوقف على إجازة من المشتري له كالصبي المحجور يشتري شيئا لغيره فيتوقف هذا إذا أضاف العقد إلى نفسه أما إذا أضافه إلى غيره بأن يقول بع هذا العبد لفلان فقال البائع بعته لفلان يتوقف على إجازته، وأما إذا قال اشتريت منك بكذا لأجل فلان فقال البائع بعت أو قال البائع بعت منك لفلان فإنه يقع الشراء للمخاطب لا لفلان، والصحيح أنه إذا أضيف العقد في أحد الكلامين إلى فلان يتوقف على إجازة فلان، ولو اشترى عبدا وأشهد أنه يشتريه لفلان، وقال فلان رضيت فالعقد للمشتري لأنه إذا لم يكن وكيلا بالشراء وقع الملك له فلا اعتبار بالإجازة بعد ذلك، وهي تلحق العقد الموقوف لا النافذ فإن دفع المشتري إليه العبد، وأخذ الثمن كان بيعا بالتعاطي بينهما، ولو ظن المشتري والمشترى له أن الملك وقع للمشترى له فسلمه له بعد قبض ثمنه لا يسترد بلا رضا المشترى له، ويجعل كأنه ولاه، وإن علما أن الشراء وقع للمشتري بعده، وإن زعم المشترى له أن الشراء كان بأمره، ووقع الملك له، والمشتري أنه كان بلا أمره، ووقع الشراء للمشتري فالقول للمشترى له لأن الشراء بإقراره وقع له كذا في البزازية‏.‏ وفي فروق الكرابيسي شراء الفضولي على أربعة أوجه الأول أن يقول البائع بعت هذا لفلان بكذا، والفضولي يقول اشتريت لفلان بكذا أو قبلت، ولم يقل لفلان فهذا يتوقف، الثاني أن يقول البائع بعت من فلان بكذا، والمشتري يقول اشتريته لأجله أو قبلت يتوقف، الثالث أن يقول البائع بعت هذا منك بكذا فقال اشتريت أو قبلت، ونوى أن يكون لفلان فإنه ينفذ على المشتري، الرابع لو قال اشتريت لفلان بكذا، والبائع يقول بعت منك بطل العقد في أصح الروايتين، والفرق أنه خاطب المشتري، والمشتري يسترد لغيره فلا يكون جوابا فكان شطر العقد بخلاف الفصلين الأولين إذ العقد أضيف إلى فلان في الكلامين، وبخلاف الفصل الثالث لأنه وجد نفاذا على العاقد، وقد أضيف العقد إليه‏.‏ ا هـ‏.‏ وأشار المؤلف بثبوت الفسخ والإجازة للمالك إلى أن الفضولي لو شرط الخيار للمالك فإن العقد يبطل، ولا يتوقف لأن الخيار له بدون الشرط فيكون الشرط له مبطلا كذا في فروق الكرابيسي، وقيد ببيع ملك الغير لأنه لو باع ملك نفسه مشغولا بحق الغير كالرهن إذا باعه الراهن، والعين المؤجرة إذا باعها المؤجر يتوقف العقد على إجازة المرتهن، والمستأجر فيملكانها دون الفسخ على الصحيح كما سيأتي، وفرق بينهما الكرابيسي فجعل للمرتهن الإجازة والفسخ دون المستأجر فلا يملكه فارقا بأن المستأجر حقه في المنفعة‏.‏ ولذا لو هلكت العين لا يسقط دينه، وفي الرهن يسقط، وهو استيفاء حكمي، وتفرع على الفرق ما لو تعدد بيع المؤجر فأجاز المستأجر الثاني نفذ الأول، ولو تعدد بيع الرهن فأجاز المرتهن الثاني نفذ لا الأول‏.‏ ا هـ‏.‏ ولو قال المصنف رحمه الله تعالى باع ملك غيره لمالكه لكان أولى لأنه لو باعه لنفسه لم ينعقد أصلا كما في البدائع، ولا بد أن يقول بغير إذنه ليكون فضوليا، ولو تعدد تصرف الفضولي كأمة باعها فضولي من رجل، وزوجها منه آخر فأجيزا معا يثبت الأقوى فتصير مملوكة لا زوجة، ولو زوجاها كل من رجل فأجيزا بطلا، ولو باعها كل من رجل فأجيزا تتنصف بينهما، ويخير كل منهما بين أخذ النصف أو الترك، ولو باعه فضولي، وأجره آخر أو رهنه أو زوجه فأجيزا معا ثبت الأقوى فيجوز البيع، ويبطل غيره لأن البيع أقوى‏.‏ وكذا تثبت الهبة إذا وهبه فضولي، وآجره آخر، وكل من العتق، والكتابة والتدبير أحق من غيرها لأنها لازمة بخلاف غيرها، والإجارة أحق من الرهن لإفادتها ملك المنفعة بخلاف الرهن، والبيع أحق من الهبة لأن الهبة تبطل بالشيوع ففيما لا تبطل بالشيوع كهبة فضولي عبدا، وبيع آخر إياه يستويان لأن الهبة مع القبض تساوي البيع في إفادة الملك، وهبة المشاع فيما لا يقسم صحيحة فيأخذ كل النصف، ولو تبايع غاصبا عرضي لرجل واحد فأجاز المالك لم يجز لأن فائدة البيع بثبوت الملك في الرقبة والتصرف، وهما حاصلان للمالك في البدلين بدون هذا العقد فلم ينعقد فلم يلحقه إجازة، ولو غصبا من رجلين، وتبايعا، وأجاز المالك جاز، ولو غصبا النقدين من واحد، وعقدا الصرف، وتقابضا ثم أجاز جاز لأن النقود لا تتعين في المعاوضات، وعلى كل واحد من الغاصبين مثل ما غصب كذا في فتح القدير من آخر الباب، وأما وصية الفضولي كما إذا أوصى بألف من مال غيره أو بعين من ماله فأجاز المالك فهو مخير إن شاء سلمها، وإن شاء لم يسلم كالهبة كذا في القنية من الوصايا، وبه علم حكم هبة الفضولي، وسيأتي في الصلح بيان صلح الفضولي، والظاهر من فروعهم أن كل ما صح التوكيل به فإنه إذا باشره الفضولي يتوقف إلا الشراء بشرطه السابق‏.‏

قوله ‏(‏وصح عتق مشتر من غاصب بإجازة بيعه لا بيعه‏)‏ وهذا عندهما، وقال محمد لا يجوز عتقه أيضا لأنه لم يملكه، وفي الحديث‏:‏ «لا عتق لابن آدم فيما لا يملك»، وهذا لأن عقد الفضولي موقوف، وهو لا يفيده لعدم النفاذ، وثبوته عند الإجازة استنادا فهو ثابت من وجه زائل من وجه فلا يصلح شرطا للإعتاق، وهو الملك الكامل لإطلاقه في الحديث، وهو للكامل، ولذا لو أعتقه الغاصب ثم أدى الضمان لم يصح العتق مع أن الملك الثابت له بالضمان أقوى من الملك الثابت للمشتري حتى ينفذ بيع الغاصب بأداء الضمان، ولا ينفذ بيع المشتري بإجازة المالك الأول، وكذا لو أعتقه المشتري، والخيار للبائع ثم أجاز البيع لا ينفذ عتقه، وكذا إذا قبض المشتري من الغاصب ثم باعه ثم أجاز المالك البيع الأول لم ينفذ البيع الثاني مع أن البيع أسرع نفاذا من العتق حتى صح بيع المكاتب والمأذون دون عتقهما ولذا لو باع الغاصب المغصوب ثم أدى الضمان نفذ بيعه، ولو أعتقه ثم أدى الضمان لم ينفذ‏.‏ وكذا لو باعه الغاصب فأعتقه المشتري منه ثم أدى الغاصب الضمان صح بيع الغاصب، وبطل عتقه، ولهما أن الملك موقوف فيه فيتوقف الإعتاق مرتبا عليه، وينفذ بنفاذه كإعتاق المشتري من الراهن يتوقف، وينفذ بإجازة المرتهن، وإعتاق المشتري من الوارث حال استغراق التركة بالدين فأجاز الغرماء البيع، وإعتاق الوارث عبدا من التركة، وهي مستغرقة به فقضى الدين أو أبرأ الغرماء فإنه ينفذ، وهذا لأن العتق من حقوق الملك، والشيء إذا توقف توقف بحقوقه، وإذا نفذ نفذ بحقوقه بخلاف إعتاق الغاصب نفسه لأنه لم يوضع للملك، وإنما يملكه ضرورة أداء الضمان فلم يكن مثبتا له للحال، ولا سببا له، ولذا لا يتعدى إلى الزوائد بخلاف الملك في بيع الفضولي فإنه يتعدى إلى الزوائد المتصلة والمنفصلة، وبخلاف ما إذا كان فيه خيار البائع لأنه ليس بمطلق، والكلام فيه، وهو مانع من انعقاده في الحكم أصلا فلم يوجد الملك فيه قيد بعتق المشتري لأن عتق الغاصب لا ينفذ بأداء الضمان لما بيناه، وقيد بإجازة بيعه لأنه لا ينفذ بأداء الضمان من الغاصب، ولكن يرد عليه أن المشتري إذا أدى الضمان ينفذ على الصحيح لأن ملك المشتري ثبت مطلقا بسبب مطلق، وهو الشراء بخلاف الغاصب لأنه سبب ضروري فكان الملك فيه ناقصا هكذا ذكر الشارح فقد فرق بين أداء الغاصب الضمان وبين أداء المشتري منه‏.‏ وصرح في الهداية بأن عتق المشتري ينفذ بأداء الضمان من الغاصب، وهو الأصح فلا فرق بين أداء الضمان من الغاصب أو من المشترى منه، وجرى على ذلك في البناية فلو قال المؤلف بإجازة بيعه أو أداء الضمان لكان أولى، وكذا لو قال وصح عتق مشتر من فضولي لكان أولى لأنه لا يشترط أن يكون غاصبا لأنه لو لم يسلم المبيع فالحكم كذلك، ولعله إنما ذكره لأجل البيع لأن بيع العبد قبل قبضه فاسد، وفي فتح القدير وهذه من المسائل التي جرت المحاورة بين أبي يوسف ومحمد حين عرض عليه هذا الكتاب فقال أبو يوسف ما رويت لك عن أبي حنيفة أن العتق جائز، وإنما رويت أن العتق باطل، وقال محمد بل رويت لي أن العتق جائز، وإثبات مذهب أبي حنيفة في صحة العتق بهذا لا يجوز لتكذيب الأصل الفرع صريحا، وأقل ما هنا أن يكون في المسألة روايتان عن أبي حنيفة قال الحاكم الشهيد قال أبو سليمان هذه رواية محمد عن أبي يوسف، ونحن سمعنا من أبي يوسف أنه لا يجوز عتقه‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما بيع المشتري من الغاصب فإنما لا يصح لبطلان عقده بالإجازة فإن بها يثبت الملك للمشتري باتا، والملك البات إذا ورد على الموقوف أبطله‏.‏ وكذا لو وهبه مولاه للغاصب أو تصدق به عليه أو مات فورثه فهذا كله يبطل الملك الموقوف لأنه لا يتصور اجتماع البات والموقوف في محل واحد على وجه يطرأ فيه البات، وإلا فقد كان ملك بات، وعرض معه الملك الموقوف كذا في فتح القدير، وقيد بالعتق لأن في التفويض من الفضولي للمرأة إذا جعل أمرها بيدها فطلقت نفسها ثم أجاز الزوج لم تطلق، وإنما ثبت التفويض الآن فإن طلقت نفسها الآن طلقت، وإلا فلا، والأصل في تصرف الفضولي أن كل تصرف جعل شرعا سببا لحكم إذا وجد من غير ولاية شرعية لم يستعقب حكمه، ويتوقف إن كان مما يصح تعليقه جعل معلقا، وإلا احتجنا أن نجعله سببا للحال متأخرا حكمه إن أمكن فالبيع ليس مما يتعلق فيجعل سببا في الحال فإذا زال المانع من ثبوت حكم الإجازة ظهر أثره من وقت وجوده، ولذا ملك الزوائد، وأما التفويض فاحتمل التعليق فجعلنا الموجود من الفضولي متعلقا بالإجازة فعندها يثبت التفويض للحال لا مستندا فلا يثبت حكمه إلا من وقت الإجازة، وأما النكاح فلا يتعلق، ولا يمكن أن يعتبر في حال التوقف سببا لمطلق الطلاق بل لملك المتعة المستعقب له، ثم اعلم أن ظاهر قولهم إذا طرأ ملك بات على ملك موقوف أبطله أن بيع المشتري من الغاصب ينعقد موقوفا، وإنما يبطل بطرو الملك البات بإجازة بيع الغاصب‏.‏ وقد قال في النهاية إنه لم ينعقد أصلا لتجرده عرضة للانفساخ، وقد يقال فائدته لو أجاز المالك بيع المشتري من الغاصب لا بيع الغاصب ينبغي أن يصح بخلاف ما إذا أجاز بيع الغاصب، وجوابه أن بيع المشتري لم ينعقد أصلا لما قدمناه عن البدائع أن الفضولي إذا باع ملك غيره لنفسه لم ينعقد، وإنما ينعقد إذا باعه لمالكه، وهنا باعه المشتري لنفسه فالظاهر ما في النهاية، ولذا قال في المعراج إن المشتري من الغاصب إذا باع لا يتوقف ملكه لأن فائدة التوقف النفاذ ففي كل صورة لا يتحقق النفاذ لا يتوقف كبيع الحر، وأورد على الأصل ما إذا باع الغاصب ثم أدى الضمان فإنه ينفذ بيعه مع أنه طرأ ملك بات، وهو ملك الغاصب بأداء الضمان على ملك المشتري الموقوف، وأجيب بأن ملك الغاصب ضروري ضرورة أداء الضمان فلم يظهر في إبطال ملك المشتري‏.‏

قوله ‏(‏ولو قطعت يده عند المشتري فأجيز فأرشه لمشتريه‏)‏ لأن الملك ثبت له من وقت الشراء لما قدمناه فتبين أن القطع ورد على ملكه، وعلى هذا كل ما يحدث في المبيع من كسب أو ولد أو عقر قبل الإجازة فهو للمشتري، وهذه حجة على محمد، والعذر له أن الملك من وجه يكفي لاستحقاق الزوائد كالمكاتب إذا قطعت يده فأخذ الأرش ثم رد في الرق يكون الأرش للمولى، وكذا إذا قطعت يد المبيع، والخيار للبائع فأجاز البيع يكون الأرش للمشتري بخلاف الإعتاق لافتقاره إلى كمال الملك قيد بالمشتري لأن يده لو قطعت عند الغاصب ثم ضمن قيمته لا يكون الأرش له لأن الغصب ليس بسبب موضوع للملك، ولو أعتقه المشتري من الغاصب فقطعت يده ثم أجيز البيع فالأرش للعبد كذا في فتح القدير، وقطع اليد مثال، والمراد أرش جراحته للمشتري قوله ‏(‏وتصدق بما زاد على نصف الثمن‏)‏ لأن فيه شبهة عدم الملك لأنه غير موجود حقيقة وقت القطع، وأرش اليد الواحدة في الحر نصف الدية، وفي العبد نصف القيمة، والذي دخل في ضمانه هو الذي كان في مقابلة الثمن ففيما زاد على نصف الثمن شبهة عدم الملك، وأراد وجوب التصدق بالزائد كما هو ظاهر ما في فتح القدير، وقيد بما زاد لأنه لا يتصدق بالكل، وإن كان فيه شبهة عدم الملك لكونه مضمونا عليه بخلاف ما زاد، ووزع في الكافي فقال‏:‏ إن لم يكن مقبوضا ففيما زاد ربح ما لم يضمن، وإن كان مقبوضا ففيه شبهة عدم الملك‏.‏

قوله ‏(‏ولو باع عبد غيره بغير أمره فبرهن المشتري على إقرار البائع أو رب العبد على أنه لم يأمره بالبيع، وأراد المبيع لم تقبل‏)‏ أي بينته لبطلان دعواه بالتناقض إذ إقدامهما على العقد، وهما عاقلان اعتراف منهما بصحته ونفاذه، والبينة لا تبتنى إلا على دعوى صحيحة فإذا بطلت الدعوى لا تقبل، وقوله بغير أمره زائد، وإن وقع في الجامع الصغير لأنه ليس من صورة المسألة، ولا يشكل هذا بما ذكره في الزيادات أن المبيع إذا ادعاه رجل فصدقه المشتري فدفع إليه ثم برهن على إقرار البائع بأن العبد للمستحق يريد بذلك الرجوع بالثمن تقبل بينته لأن العبد في يد المشتري هنا، وهناك في يد المستحق، وشرط الرجوع بالثمن أن لا تكون العين سالمة للمشتري فلذلك لم يرجع هنا، ورجع هناك، وقيل اختلف الجواب لاختلاف الوضع فموضوع ما ذكر هنا فيما إذا أقام البينة على أن البائع أقر قبل البيع بأن المبيع للمستحق، وإقدامه على الشراء ينفي ذلك فيكون مناقضا، وموضوع ما ذكر في الزيادات فيما إذا برهن أن البائع أقر بعد البيع أنه للمستحق فلا تناقض، وهذا هو الأوجه فإن في مسألة الزيادات العين في يد المشتري أيضا كما في غاية البيان‏.‏ وأشار المصنف رحمه الله تعالى بعدم قبول البينة إلى عدم قبول قوله لو لم يكن له بينة فلو ادعى البائع بعد البيع أن صاحبه لم يأمره ببيعه، وقال المشتري أمرك أو ادعى المشتري عدم الأمر فادعى البائع الأمر فالقول لمن يدعي الأمر لأن الآخر متناقض، وليس له أن يستحلفه لأن الاستحلاف يترتب على الدعوى الصحيحة لا الباطلة‏.‏ واعترض في البناية قولهم أنه متناقض فلا تسمع دعواه ولا بينته بأن التوفيق ممكن لجواز أن يكون المشتري أقدم على الشراء، ولم يعلم بإقرار البائع بعدم الأمر ثم ظهر له ذلك بأن قال عدول سمعناه قبل البيع أقر بذلك، ويشهدون به، ومثل ذلك ليس بمانع، وهذا الموضع موضع تأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لا اعتراض ولا تأمل لأنه، وإن أمكن التوفيق لم تقبل لكونه ساعيا في نقض ما تم من جهته، وكل من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه فقولهم إن إمكان التوفيق يدفع التناقض على أحد القولين مقيد بما إذا لم يكن ساعيا في نقض ما تم من جهته، والتقييد بدعوى المشتري مثال لأن البائع لو ادعى إقرار المشتري بأن المالك لم يأمره لم يقبل أيضا قال في الخلاصة، والبزازية عبد معروف لرجل في يد آخر باعه رجل قال البائع بعت بلا أمر المالك، وبرهن على إقرار المشتري أنه باعه بغير أمر المالك لا يقبل للتناقض، ولا يملك تحليف المالك، وكذا لو ادعى المشتري أيضا فساد العقد دون البائع، وأصله أن من سعى في نقض ما تم من جهته لا يقبل إلا في موضعين اشترى عبدا وقبضه ثم ادعى أن البائع باعه قبله من فلان الغائب بكذا، وبرهن يقبل، الثاني وهب جاريته، واستولدها الموهوب له ثم ادعى الواهب أنه كان دبرها أو استولدها، وبرهن تقبل، ويستردها، والعقر ا هـ‏.‏ وعللوه في الثانية بأنه تناقض فيما هو من حقوق الحرية كالتدبير والاستيلاد، والتناقض فيه لا يمنع صحة الدعوى قال في فتح القدير، وعندي أن هذا غير صحيح لأنه إنما قبل في الحرية للخفاء، ولا خفاء في التدبير والاستيلاد لأنه لا يخفى على الفاعل فعل نفسه فيجب أن لا يقبل تناقضه، ولا يحكم ببينته‏.‏ ا هـ‏.‏ والجواب أنه إنما قبل، وإن كان متناقضا حملا على أنه فعل ذلك ثم ندم وتاب إلى الله تعالى فأقر بتدبيره أو استيلادها أو عتقه فقبل حملا لخروجه عن المعصية بخلاف التناقض في دعوى الملك فإنه غير مسموع، وفي البزازية، وقول المشتري بعد القبض أعتقه بائعه أو دبره أو كان حر الأصل مقتصر على نفسه لا يتعدى إلى بائعه بلا بينة، وولاؤه موقوف فإن برهن رجع بالثمن، واستقر الولاء على البائع، وإن برهن على تحريره إن أقر بالبيع قبله من فلان إن صدقه فلان أخذ العبد لا إن كذبه‏.‏ ا هـ‏.‏ ومن فصل الاستحقاق لو أقر بعبد أنه ملك البائع، واشترى منه ثم استحق منه فإنه يرجع بالثمن على البائع ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏وإن أقر البائع عند القاضي بأن رب العبد لم يأمره بالبيع بطل البيع إن طلب المشتري ذلك‏)‏ لأن التناقض لا يمنع صحة الإقرار لعدم التهمة فللمشتري أن يساعده فيه فينتفيان فينتقض في حقهما، وهو المراد ببطلان البيع في عبارته لا في حق رب العبد إن كذبهما، وادعى أنه كان أمره فإذا لم ينفسخ في حقه يطالب البائع بالثمن عندهما لأنه وكيله، وليس له مطالبة المشتري لبراءته بالتصادق، وعند أبي يوسف له أن يطالبه فإذا أدى رجع به على البائع بناء على إبراء الوكيل، ولو كان على العكس بأن أنكر المالك التوكيل، وتصادقا أنه وكله فإن برهن الوكيل لزمه، وإلا استحلف المالك فإن حلف لم يلزمه، وإن نكل لزمه، ولو غاب المالك بعد الإنكار وطلب البائع الفسخ فسخ القاضي البيع بينهما لأنه ثبت عند القاضي أن البيع كان موقوفا فإن طلب المشتري تأخير الفسخ ليحلف المالك على أنه لم يأمره لم يؤخر لأن سبب الفسخ قد تحقق فلا يجوز تأخيره لأجل اليمين فلو حضر المالك، وحلف أخذ العبد، وإن نكل عاد البيع، ولو كان المالك حاضرا، وغاب المشتري لم يأخذ العبد لأن البيع صح ظاهرا فلا يصح القضاء على الغائب بفسخه، وللبائع أن يحلف رب العبد أنه ما أمره ببيعه فإن نكل ثبت أمره، وإن حلف ضمن البائع، ونفذ بيعه كالغاصب إذا باع المغصوب ثم ملكه بأداء الضمان، ولو مات المالك قبل حضوره فورثه البائع‏.‏ وأقام البينة على إقرار المالك بأنه لم يأمره لم يقبل لما بيناه من التناقض، ولو أقامها على إقرار مشتريه بذلك بعد موته تقبل بخلاف ما إذا أقامها على هذا الوجه حال حياة المالك فإنها لا تقبل لأنه في حياته أصيل فيه فيمتنع بالتناقض، وبعد موته نائب عن الميت، والميت لو ادعى حال حياته لا يكون مناقضا بخلاف شريكه البائع حيث يكون مناقضا، ولمشتريه أن يحلفه بالله تعالى ما يعلم أن المولى أمره ببيعه فإن نكل ثبت الأمر، وإن حلف أخذ نصف العبد، ورجع المشتري على البائع بنصف الثمن، وخير في النصف الآخر لتفرق الصفقة عليه هذا إذا أقر المشتري بأن العبد ملك الآمر وإن أنكر لغا قول الآمر حتى يقيم البينة على ملكه، ولغا توكيل بائعه في خصومته كي لا يصير البائع ساعيا في نقض ما تم من جهته، وقوله عند القاضي ليس بقيد لما في البناية أن إقراره عند القاضي، وغيره سواء إلا أن البينة تختص بمجلس القاضي فلذا ذكر قوله عند القاضي‏.‏ ا هـ‏.‏ وقوله إن طلب المشتري ذلك أي إبطال البيع‏.‏

قوله ‏(‏ومن باع دار غيره فأدخلها المشتري في بنائه لم يضمن البائع‏)‏ يعني إذا أقر البائع بالغصب، وأنكر المشتري لأن إقراره لا يصدق على المشتري، ولا بد من إقامة البينة حتى يأخذها فإذا لم يقم المستحق وهو صاحب الدار البينة كان التلف مضافا إلى عجزه عن إقامة البينة لا إلى عقد البائع لأن الغاصب لا يجوز بيعه فعلى هذا يعلم أن قوله، وأدخلها المشتري في بنائه اتفاقي، وإنما ذكره ليعلم حكم غيره بالأولى، وفي الهداية لم يضمن البائع عند أبي حنيفة كمن أقر بالغصب، وهو قول أبي يوسف آخرا، وكان يقول أو لا يضمن، وهو قول محمد، وهي مسألة غصب العقار، وأراد بالدار العرصة بقرينة أدخلها في بنائه، والله أعلم‏.‏

باب السلم

لما كان من أنواع البيوع ولكن شرط فيه القبض كالصرف أخرهما وقدمه على الصرف؛ لأن الشرط في الصرف قبضهما وفي السلم قبض أحدهما فقدم انتقالا بتدريج وخص باسم السلم لتحقق إيجاب التسليم شرعا فيما صدق عليه أعني تسليم رأس المال، وكان على هذا تسمية الصرف بالسلم أليق لكن لما كان وجود السلم في زمنه صلى الله عليه وسلم هو الظاهر العام في الناس سبق الاسم إليه وهو في اللغة السلف قال في الصحاح أسلم الرجل في الطعام أسلف فيه وفي المصباح السلم في البيع مثل السلف وزنا ومعنى وأسلمت إليه بمعنى أسلفت أيضا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المعراج أن الهمزة فيه للسلب أي أزال سلامة الدراهم بتسليمها إلى مفلس في مؤجل وفي الفقه على ما في السراج والعناية أخذ عاجل بآجل وتعقبه في فتح القدير بأنه ليس بصحيح لصدقه على البيع بثمن مؤجل وعرفه أيضا بأنه بيع آجل بعاجل والظاهر أن قولهم أخذ عاجل بآجل من باب القلب والأصل أخذ آجل بعاجل وهو أولى مما في البناية من أن قولهم أخذ عاجل بآجل تحريف من الناسخ الجاهل فاستمر النقل على هذا التحريف‏.‏ وركنه ركن البيع من الإيجاب والقبول وينعقد بلفظ البيع على الأصح اعتبارا للمعنى ويسمى صاحب الدراهم رب السلم والمسلم أيضا ويسمى الآخر المسلم إليه والحنطة مثلا المسلم فيه وستأتي شرائطه مفصلة أيضا وسبب شرعيته شدة الحاجة إليه وحكمه ثبوت الملك للمسلم إليه في الثمن ولرب السلم في المسلم فيه الدين الكائن في الذمة إما في العين فلا يثبت إلا بقبضه على انعقاد مبادلة أخرى والمؤجل المطالبة بما في الذمة ودليله من الكتاب آية المداينة لما صححه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله تعالى في الكتاب وأذن فيه قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه‏}‏‏.‏ ومن السنة ما رواه الستة عن ابن عباس رضي الله عنهما «قدم النبي صلى الله عليه وسلم والناس يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاثة فقال من أسلم في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» وهو على خلاف القياس إذ هو بيع المعدوم ووجب المصير إليه بالنص والإجماع للحاجة ولا اعتبار بمن قال إنه على وفقه، وقد أطال في الرد عليه في فتح القدير‏.‏

قوله ‏(‏ما أمكن ضبط صفته ومعرفة قدره صح السلم فيه‏)‏؛ لأنه لا يفضي إلى المنازعة وفي القنية السلم في العنب القلابي في وقت كونه حصر ما لا يصح والسلم في التفاح الشامي قبل الإدراك يصح؛ لأنه يسمى تفاحا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي فروق الكرابيسي بيع السلم يفارق بيع العين في ستة أشياء خيار الرؤية وخيار الشرط ولو تفرقا يبطل وفي إضافة السلم إلى الدراهم وجعل الخبطة رأس المال على المختار وفي الأجل قوله ‏(‏وما لا فلا‏)‏ أي وما لا يمكن ضبط صفته ومعرفة قدره لا يصح السلم فيه؛ لأنه يفضي إلى المنازعة ثم شرع يبين الفصلين بالفاء التفصيلية بقوله‏:‏ ‏(‏فيصح في المكيل كالبر والشعير والموزون المثمن كالعسل والزيت‏)‏ وفي الفروق السلم في الخبز وزنا يجوز‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي القنية برقم ‏(‏مع عك‏)‏ أسلم زبيبا في كر حنطة لا يجوز وبرقم ‏(‏حم عك‏)‏ يجوز فأبو الفضل يجعل الزبيب كيليا وهما جعلاه وزنيا والثوم والبصل يجوز السلم فيه وزنا لا عددا واللبن والعصير والخل يجوز كيلا أو وزنا ولا خير في السلم في الأواني المتخذة من الزجاج وفي المكسور ويجوز وزنا، كذا في البزازية وفي الظهيرية ويجوز السلم في الدقيق كيلا ووزنا ولو أسلم فلوسا في صفر أو سيفا في حديد أو قصبا في بوار لا يجوز بخلاف ما لو أسلم قطنا في ثوب حيث يجوز‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيها ولو أسلم في اللبن كيلا أو وزنا جاز لأنه ليس بمكيل ولا موزون نصا فيجوز كيفما كان وشرط في الذخيرة رواج الفلوس، أما إذا كانت كاسدة فإنه لا يجوز؛ لأنه إسلام موزون في موزون وقيد المثمن احترازا عن الدراهم والدنانير فإنها وإن كانت موزونة لكنها ثمن فلا يجوز الإسلام فيها؛ لأن السلم تعجيل الثمن وتأجيل المبيع ولو جاز فيها انعكس، فإذا لم يقع سلما يكون باطلا عند عيسى بن أبان، وقال الأعمش بكون بيعا بثمن مؤجل اعتبارا للمعنى والأول أصح لأنه لا يمكن تصحيحه في غير ما أوجبا العقد فيه ورجح قول الأعمش في فتح القدير بأنه أدخل في الفقه وهذا الخلاف فيما إذا أسلم فيهما غير الأثمان كالحنطة، وأما إذا أسلم فيهما الأثمان لم يجز إجماعا ولو أسلم في المكيل وزنا كما إذا أسلم في البر والشعير بالميزان فيه روايتان والمعتمد الجواز لوجود الضبط، وعلى هذا الخلاف لو أسلم في الموزون كيلا‏.‏

قوله ‏(‏ويصح في العددي المتقارب كالبيض والجوز‏)‏ لأنه معلوم مضبوط مقدور التسليم وما فيه من التفاوت مهدر عرفا ولا خلاف في جوازه عددا إنما الخلاف فيه كيلا فعندنا يجوز كيلا ومنعه زفر كيلا وعنه منعه أيضا عدا للتفاوت وأجبنا عنه، وإنما جاز كيلا لوجود الضبط فيه وقيد بالتقارب ومنه الكمثرى والمشمش والتين كما في فروق الكرابيسي لأن العددي المتفاوت لا يجوز السلم فيه وما تفاوتت ماليته متفاوت كالبطيخ والقرع والرمان والرءوس والأكارع والسفرجل والدر والجواهر واللآلئ والأدم والجلود والخشب فلا يجوز السلم في شيء منها عددا للتفاوت إلا إذا ذكر ضابطا غير مجرد العدد كطول أو غلظ أو غير ذلك ومن المتفاوت الجوالق والفراء فلا يجوز إلا بذكر مميزات وأجازوه في الباذنجان والكاغد عددا لإهدار التفاوت‏.‏ وفي فتح القدير وفيه نظر ظاهر أو بحمل على كاغد بقالب خاص وإلا فلا يجوز وكون الباذنجان مهدر التفاوت لعله في باذنجان ديارهم وفي ديارنا ليس كذلك بخلاف بيض النعام وجوز الهند لا يستحق شيء منه بالإسلام بخلاف بيض الدجاج والجوز الشامي والفرنجي لعدم إهدار التفاوت ويشترط مع العدد بيان الصفة أيضا في شرح الشافي، فلو أسلم في بيض النعام أو في جوز الهند جاز كما جاز في الأخيرين وعن أبي حنيفة أنه منعه عددا في بيض النعام ادعاء للتفاوت في المالية وهو خلاف ظاهر الرواية والوجه أن ينظر إلى الغرض في عرف الناس فإن كان الغرض في ذلك العرف حصول القشر ليتخذ في سلاسل القناديل كما في ديار مصر وغيرها من الأمصار يجب أن يعمل بهذه الرواية فلا يجوز السلم فيها بعد ذكر العدد إلا مع تعيين المقدار واللون من نقاء البياض أو إهداره‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المعراج والفاصل بين المتفاوت والمتقارب أن ما ضمن مستهلكه بالمثل فهو متقارب وبالقيمة يكون متفاوتا وفي البزازية يجوز السلم في الأواني المتخذة من الخزف عددا إن نوعا يصير معلوما عند الناس ويجوز في الكيزان الخزفية إذا بين نوعا لا بتفاوت آحاده‏.‏ ا هـ‏.‏ ولم يشترط المؤلف للجواز إعلام الصفة أنه جيد أو وسط أو رديء ومنهم من شرط إعلام الصفة، كذا في الذخيرة وفيها عن أبي يوسف لو أسلم بيض الإوز في بيض الدجاج أو أسلم بيض النعام في بيض الدجاج جاز وإن أسلم بيض الدجاج في بيض نعامة أو أسلم بيض الدجاج في بيض الإوز إن كان في حين يقدر عليه جاز فإن كان في حين لا يقدر عليه لا يجوز ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏والفلس‏)‏ لأنه عددي يمكن ضبطه فيصح السلم فيه وقيل لا يصح عند محمد؛ لأنه ثمن ما دام يروج وظاهر الرواية عن الكل الجواز، وإذا بطلت ثمنيتها لا يخرج عن العد إلى الوزن للعرف إلا أن يهدره أهل العرف كما هو في زماننا فإن الفلوس أثمان في زماننا ولا تقبل إلا وزنا فلا يجوز السلم فيها إلا وزنا في ديارنا في زماننا، وقد كانت قبل هذه الأعصار عددية في ديارنا أيضا، كذا في فتح القدير‏.‏

قوله ‏(‏واللبن‏)‏ بكسر الباء وهو الطوب النيء وشرط في الخلاصة ذكر المكان الذي يعمل فيه اللبن وفي الذخيرة لو باع آجرة من ملبن لم تجز من غير إشارة؛ لأن اللبن من المعدود المتقارب باعتبار قدره ومن المتفاوت باعتبار نضجه فاعتبر الأول في السلم للحاجة واعتبر الثاني في البيع قوله ‏(‏والآجر‏)‏ بضم الجيم وتشديد الراء مع المد أشهر من التخفيف الواحدة آجرة وهو معرب وهو اللبن إذا طبخ، كذا في المصباح قوله ‏(‏إن سمي ملبن معلوم‏)‏؛ لأن آحادها لا تتفاوت إذا عينت الآلة، وإذا لم تعين لا يجوز لإفضائه إلى المنازعة وفي المصباح اللبن بكسر الباء ما يعمل من الطين يبنى به الواحدة لبنة ويجوز التخفيف فيصير مثل حمل‏.‏ ا هـ‏.‏ والملبن بكسر الباء قالب الطين والمحلب أيضا، كذا في الصحاح والمراد الأول‏.‏

قوله ‏(‏والذرعي‏)‏ أي ويصح السلم في المذروعات؛ لأنه يمكن ضبطها بما ذكره وجوازه فيها بالإجماع كالثياب والبسط والحصر والبواري، وإنما جاز فيها مع أنها لم تذكر في النص وهو مشروع على خلاف القياس في المكيل والموزون فلا يقاس عليهما للإجماع ودلالة النص؛ لأن سبب شرعيته الحاجة وهي لا تختلف قوله ‏(‏كالثوب إذا بين الذراع‏)‏ أي من أي جنس كذا ذكر العيني وفي فتح القدير أي قدره كذا كذا ذراعا وفي البزازية إذا أطلق ذكر الذراع في الثوب فله ذراع وسط، وفي الذخيرة واختلف المشايخ في تفسير قول محمد ذراع وسط منهم من قال أراد به المصدر وهو فعل الذرع لا الاسم وهو الخشبة يعني لا يمد كل المد ولا يرخي كل الإرخاء وبعضهم قال أراد به الخشب والصحيح أنه يحمل عليهما إذا شرط مطلقا فيكون له الوسط منهما نظرا للجانبين قوله ‏(‏والصفة‏)‏ أي قطن أو كتان أو مركب منهما وهو الملحم أو حرير ونحو ذلك قوله ‏(‏والصنعة‏)‏ أي عمل الشام أو الروم أو زيد أو عمرو لأنه يصير معلوما بذكر هذه الأشياء فلا يؤدي إلى النزاع ولم يذكر الوزن؛ لأنه ليس بشرط إلا في الحرير إذا بيع وزنا لأنه لا يعلم إلا بالوزن وفي الظهيرية، ولا يشترط ذكر الوزن في الكرباس واختلفوا في الحرير والصحيح اشتراطه ولو أسلم في ثوب الخز إن بين الطول والعرض والرقعة ولم يذكر الوزن جاز، وإن ذكر الوزن فقط لا يجوز، ولو باع ثوب خز بثوب خز يدا بيد لا يجوز إلا وزنا لأنه لا يباع إلا وزنا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البزازية أسلم قطنا هرويا في ثوب هروي جاز وإن مسحا في شعر مسح إن كان المسح عاد شعرا لا يجوز وإلا يجوز، ثم قال في نوع لو أسلم في ثوب وسط وجاء بالجيد فقال خذ هذا وزدني درهما فستأتي مسائله عند قوله ولا يجوز التصرف في المسلم فيه قبل قبضه‏.‏

قوله ‏(‏لا في الحيوان‏)‏ أي لا يصح السلم فيه لتفاوت آحاده لأنه وإن أمكن ضبط ظاهره لا يمكن ضبط باطنه وكذا استقراضه فاسد ولكنه مضمون بالقيمة مملوك بالقبض حتى لو كان عبدا فأعتقه يجوز لكونه مملوكا له ذكره الإسبيجابي وقدمناه قبيل الربا أطلقه فشمل الآدمي وغيره، وقد صح «أنه عليه السلام نهى عن السلف في الحيوان» رواه الحاكم وصححه فشمل العصافير وإن لم يكن فيها تفاوت؛ لأن الاعتبار في المنصوص عليه لعين النص لا للمعنى وهو لم يفصل كذا في الكافي ولكنه يخرج عنه السمك الطري فإن السلم فيه جائز كما سيأتي ولكن في فتح القدير إن شرطت حياته فلنا أن نمنع صحته قوله ‏(‏ولا أطرافه كالرأس والأكارع‏)‏ لفحش التفاوت، وقيل عندهما يجوز والأكارع جمع كراع للشاة والبقر ويجمع على أكراع أيضا‏.‏

قوله ‏(‏والجلود عددا‏)‏ أي لا يجوز السلم فيها للتفاوت الفاحش إلا أن يبين ضربا معلوما وطولا وعرضا وصفة معلومة من الجودة والرداءة فيجوز حينئذ عددا ووزنا‏.‏

قوله ‏(‏والحطب حزما والرطبة جرزا‏)‏ أي لا يجوز السلم فيها للتفاوت الفاحش؛ لأنه مجهول لا يعرف طوله وغلظه حتى لو عرف ذلك بأن بين الحبل الذي يشد به الحطب والرطبة وبين طوله وضبط ذلك بحيث لا يؤدي إلى النزاع جاز، ولو قدر الوزن في الكل جاز وفي ديارنا تعارفوا في نوع من الحطب الوزن فيجوز الإسلام فيه وزنا وهو أضبط وأطيب، كذا في فتح القدير وفي الخلاصة ولا يجوز السلم في الحطب أوقارا والرطبة القضب خاصة ما دام رطبا والجمع رطاب كذا في الصحاح وفي المصباح الجرزة القصبة من القت ونحوه والحزمة والجمع جرز مثل غرفة وغرف وأرض جرز بضمتين قد انقطع الماء عنها فهي يابسة لا نبات فيها‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة، وأما الرياحين الرطبة والبقول والقصب والحشيش والخشب فهذه لم تكن مثلية فلا يجوز فيها ولا بأس بالسلم في الجذوع إذا بين ضربا معلوما والطول والعرض والغلظ وكذا الساج وصنوف العيدان، وفي البناية الرطبة الإسفست وهي التي تسميه أهل مصر برسيما وأهل البلاد الشمالية بنجا وفي الشامل لا خير في السلم في الرطبة ويجوز في القت؛ لأنه يباع وزنا‏.‏

قوله ‏(‏والجوهر والخرز‏)‏ لتفاوت آحاده إلا صغار اللؤلؤ التي تباع وزنا يجوز السلم فيها وزنا؛ لأنها تباع به فأمكن معرفة قدرها والخرز بالتحريك الذي ينظم الواحدة خرزة وخرزات الملك جواهر تاجه ويقال كان الملك إذا ملك عاما زيدت في تاجه خرزة ليعلم عدد سنين ملكه، كذا في الصحاح‏.‏

قوله ‏(‏والمنقطع‏)‏ أي لا يجوز السلم في الشيء المنقطع لفوت شرطه وهو أن يكون موجودا من حين العقد إلى حين المحل بكسر الحاء مصدر ميمي من الحلول حتى لو كان منقطعا عند العقد موجودا عند المحل أو بالعكس أو منقطعا فيما بين ذلك لم يجز؛ لأنه غير مقدور التسليم لتوهم موت المسلم إليه فيحل الأجل وهو منقطع فيتضرر رب السلم وحد الانقطاع أن لا يوجد في الأسواق التي تباع فيها وإن كان في البيوت، ولو انقطع عن أيدي الناس بعد المحل قبل أن يوفي المسلم فيه فرب السلم بالخيار إن شاء فسخ العقد وأخذ رأس ماله وإن شاء انتظر وجوده وفي البناية معزيا إلى مبسوط أبي اليسر، ولو انقطع في إقليم دون إقليم لا يصح في الإقليم الذي لا يوجد فيه؛ لأنه لا يمكن إحضاره إلا بمشقة عظيمة فيعجز عن التسليم حتى لو أسلم في الرطب ببخارى لا يجوز وإن كان يوجد بسجستان ا هـ‏.‏ وفي البزازية انقطع المسلم فيه في أوانه يتخير رب السلم وعن الإمام أنه ينفسخ‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيها استقرض فاكهة كيلا أو وزنا انقطع يصبر إلى أن تدخل الجديدة إلا أن يتراضيا على قيمته كمن استقرض طعاما في بلد فيه الطعام رخيص، ثم التقيا في بلد فيه الطعام غال ليس له الطلب بل يوثق المطلوب ليعطيه في تلك البلد ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏ولا في السمك الطري‏)‏ أي لا يجوز فيه؛ لأنه ينقطع عن أيدي الناس في الشتاء لانجماد المياه حتى لو كان في وقت لا ينقطع فيه جاز وزنا لا عددا‏.‏ والحاصل كما في شرح الطحاوي أنه إما أن يكون طريا أو مالحا ولا يخلو إما أن يسلم عددا أو وزنا فإن أسلم فيه عددا لم يجز مطلقا للتفاوت وإن أسلم فيه وزنا فإن كان مملوحا يجوز وإن كان طريا فإن كان العقد في حينه والحلول في حينه ولا ينقطع فيما بينهما جاز وإلا فلا‏.‏

قوله ‏(‏وصح وزنا لو مالحا‏)‏ أي صح السلم في السمك بالوزن لو كان ملحا لا عددا؛ لأن الملح منه وهو القديد لا ينقطع وهو معلوم يمكن ضبطه ببيان قدره بالوزن وبيان نوعه بأن يقول بوري أو راي وفي أسماك الإسكندرية الشفش والدونيس وغيرها وفي الإيضاح الصحيح أن في الصغار منه يجوز وزنا وكيلا وفي الكبار روايتان وفي المغرب سمك مليح ومملوح وهو القديد الذي فيه الملح ولا يقال مالح إلا في لغة رديئة والمالح هو الذي شق بطنه وجعل فيه الملح‏.‏

قوله ‏(‏ولا يصح السلم في اللحم‏)‏ أي عند أبي حنيفة وقالا يجوز إذا بين جنسه ونوعه وسنه وموضعه وصفته وقدره كشاة خصي ثني سمين من الجنب أو الفخذ مائة رطل؛ لأنه موزون مضبوط الوصف فصار كالألية والشحم، بخلاف لحم الطيور فإنه لا يقدر على وصف موضع منه وله أنه يختلف باختلاف كبر العظم وصغره فيؤدي إلى المنازعة وفي منزوع العظم روايتان والأصح عدمه ولذا أطلقه في الكتاب وفي الحقائق والعيون الفتوى على قولهما وهذا على الأصح من ثبوت الخلاف بينهم، وقد قيل لا خلاف فمنع أبي حنيفة فيما إذا أطلقا السلم في اللحم وقولهما فيما إذا بينا، وإذا حكم الحاكم بجوازه صح اتفاقا، كذا في البزازية واللحم قيمي فيضمن بالقيمة إذا غصب كما في الجامع الكبير من باب الاستحقاق وعزاه في الصغرى إلى وسط المنتقى وفي فروق الكرابيسي يضمن من اللحم عند الإتلاف بالقيمة والخبز يضمن بالمثل، ولو اشترى باللحم يثبت دينا في الذمة والخبز كذلك فالحاصل أن اللحم مع الخبز يستويان في ثبوتهما دينا في الذمة ويفترقان في الضمان فيضمن اللحم بالقيمة والخبز بالمثل، والفرق أن كل واحد منهما وإن كان غذاء لكن الخبز أبين غذاء وأحسن كفا فأظهرنا حكم التفرقة في الضمان والتسوية في الدينية عملا بالشبهين ا هـ‏.‏ وفي التتمة عن اختيار شيخ الإسلام علي الإسبيجابي أن اللحم مضمون بالمثل وفي الظهيرية وإقراض اللحم عندهما يجوز كما يجوز السلم وعن أبي حنيفة روايتان واللحم مضمون بالقيمة في ضمان العدوان إذا كان مطبوخا بالإجماع وإن كان نيئا فكذلك وهو الصحيح وإن اشترى شيئا بلحم في الذمة ذكر في الإجارات أنه إذا استأجر شيئا بلحم في الذمة جاز وما يصلح أجرة في الإجارة يصلح ثمنا في البيع ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏وبمكيال أو ذراع لم يدر قدره‏)‏ أي لا يصح لاحتمال الضياع فيقع النزاع بخلاف البيع به حالا قيد بكونه لم يدر قدره؛ لأنهما لو كانا معلومي القدر جاز ويشترط أن يكون المكيال مما لا ينقبض ولا ينبسط كالقصاع، وأما الجراب والزنبيل فلا يجوز الكيل بهما، وعن أبي يوسف الجواز بقرب الماء للتعامل وهو أن يشتري من سقاء كذا وكذا قربة من ماء النيل أو غير ذلك مثلا بهذه القربة وعينها جاز البيع وتقتضي القاعدة المذكورة أن لا يجوز إذا عين هذه القرية ولكن بمقدارها، كذا في فتح القدير وفي القنية السلم في الماء مختلف فيه فإن كان موضعا جرت العادة فيه بالسلم وذكر الشرائط صح ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏وبر قرية أو تمر نخلة معينة‏)‏ أي لا يجوز لاحتمال أن يعتريهما آفة فلا يقدر على التسليم وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ «أرأيت إذا منع الله ثمرة هذا البستان بم يستحل أحدكم مال أخيه» فإن معناه أنه لا يستحق بهذا البيع شيئا إن لم يخرج ذلك البستان شيئا فكان في بيع ثمرة هذا البستان غرر الانفساخ فلا يصح بخلاف ما إذا أسلم في حنطة صعيدية أو شامية فإن احتمال أن لا ينبت في الإقليم شيء برمته ضعيف فلا يبلغ الغرر المانع من الصحة ولذا قيد بالقرية احترازا عن الإقليم وتعيين البستان كتعيين النخلة هذا، ولو كانت نسبة الثمرة إلى قرية معينة لبيان الصفة لا لتعيين الخارج من أرضها بعينه كالحشراتي ببخارى والسباخي وهي قرية حنطتها جيدة بفرغانة لا بأس؛ لأنه لا يراد خصوص النابت هناك بل الإقليم ولا يتوهم انقطاع طعام إقليم بكماله فالسلم فيه وفي طعام العراق والشام سواء كذا في ديارنا قمح الصعيد‏.‏ وفي الخلاصة وغيرها لو أسلم في حنطة الهراة لا يجوز وفي ثوب هراة وذكر شروط السلم يجوز؛ لأن حنطتها يتوهم انقطاعها إذ الإضافة لتخصيص البقعة فيحصل السلم في موهوم الانقطاع بخلاف إضافة الثوب لأنها لبيان الجنس والنوع لا لتخصيص المكان وكذا لو أتى المسلم إليه بثوب هروي نسج في غير ولاية هراة من جنس الهروي يعني من صفته ومؤنته يجبر رب السلم على قبوله فظهر أن المانع والمقتضى العرف فإن تعورف كون النسبة لبيان الصفة فقط جاز وإلا فلا كذا في فتح القدير، ثم قال وفي شرح الطحاوي، ولو أسلم في حنطة حديثة قبل حدوثها فالسلم باطل؛ لأنها منقطعة في الحال وكونها موجودة في وقت العقد إلى وقت المحل شرط ا هـ‏.‏ وفي الجوهرة، ولو أسلم في حنطة جيدة أو في ذرة جديدة لم يجز؛ لأنه لا يدري أيكون في تلك السنة شيء أم لا ا هـ‏.‏ وعلى هذا فيما يكتب في وثيقة السلم جديد عامه مفسد له ولكنه ينبغي حمله على ما إذا كان قبل وجود الجديد، أما بعد وجوده فيصح كما يشير إليه ما في شرح الطحاوي وفي الخلاصة وكذا إذا أسلم على صوف غنم بعينها أو ألبانها وسمونها قبل حدوثها أو سمن حديث؛ لأنه لا يدرى بقاؤه‏.‏

قوله ‏(‏وشرطه بيان الجنس والنوع والصفة والقدر والأجل‏)‏ كقوله حنطة سقية جيدة عشرة أكرار إلى شهر؛ لأن الجهالة تنتفي بذكر هذه الأشياء فهذه خمسة الأربعة الأول منها تشترط في كل من رأس المال والمسلم فيه فهي ثمانية بالتفصيل فإن ما يجوز كونه مسلما فيه يجوز كونه رأس مال السلم ولا ينعكس فإن النقود تكون رأس مال ولا يسلم فيها وفي المعراج إنما يشترط بيان النوع في رأس المال إذا كان في البلد نقود مختلفة وإلا فلا يشترط‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما الأجل فيشترط في المسلم فيه خاصة فلا يصح السلم الحال عندنا لأنه جوز رخصة للمفاليس دفعا لحاجاتهم فلا يتحقق محل الرخصة إلا مع ذكر الأجل فلا يجوز في غيره وقوله حنطة بيان للجنس وقول من قال إن قوله صعيدية أو بحرية بيان للجنس غير صحيح، وإنما هو من بيان النوع وقوله سقية بيان للنوع أي مسقية وهي ما تسقى سيحا وكذا بخسية وهي ما تسقى بالمطر نسبة إلى البخس؛ لأنها مبخوسة الحظ من الماء بالنسبة إلى السيح غالبا وفي الجوهرة فإن أسلما حالا، ثم أدخل الأجل قبل الافتراق وقبل استهلاك رأس المال جاز‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الإيضاح للكرماني من كتاب الصرف لو عقد السلم بلا أجل فهو فاسد فإن جعلا له أجلا معلوما قبل أن يتفرقا جاز إن كانت الدراهم قائمة بعينها؛ لأن الدراهم فيه قائمة مقام المبيع فلا بد أن تكون بحيث يبتدأ فيها العقد فهذه تسعة شرائط والعاشر بيان قدر الأجل والحادي عشر بيان مكان الإيفاء فيما له حمل ومؤنة وهو خاص بالمسلم فيه وسيأتي والثاني عشر قبض رأس المال قبل الافتراق وسنذكره والثالث عشر أن لا يشمل البدلين إحدى على الربا؛ لأن انفراد أحدهما يحرم النساء والرابع عشر أن لا يكون فيه خيار شرط وفي البزازية ويبطله شرط الخيار فإن أسقطه قبل الافتراق ورأس المال قائم في يد المسلم إليه صح وإن هالكا لا ينقلب صحيحا الخامس عشر أن يتعين المسلم فيه بالتعيين فلا يصح السلم في النقدين وفي التبر روايتان وذكر في المعراج وفتح القدير من شرائط رأس المال كون الدراهم منتقدة عند أبي حنيفة مع إعلام القدر‏.‏ ا هـ‏.‏ وليس المراد به تعجيل رأس المال؛ لأن صاحب المعراج ذكر شرط التعجيل والقبض وحده وذكر الانتقاد وحده شرطا، وإنما المراد به معرفة الجيد من الرديء منه، فلو لم ينقدها لم يصح ويشكل عليه قولهم في تعليل قول الإمام أن الإشارة إلى رأس المال لا تكفي لاحتمال أن يجد البعض زيوفا فيحتاج إلى الرد ولا يتيسر الاستبدال إلا بعد المجلس فإن هذا يقتضي عدم اشتراط الانتقاد أو فليتأمل السادس عشر وجود المسلم فيه من حين العقد إلى حين المحل كما في المعراج، وقد تقدم مفهومه بقوله والمنقطع والسابع عشر أن يكون مما يضبط بالوصف وهو أن يكون من الأجناس الأربعة المكيل والموزون والمذروع والمعدود المتقارب وتقدم أول الباب، وقد ذكره من الشرائط في المعراج الثامن عشر بيان قدر رأس المال في المثليات عنده كما سيأتي وفي الخانية ولا يبطل الأجل بموت رب السلم ويبطل بموت المسلم إليه حتى يؤخذ المسلم من تركته حالا‏.‏

قوله ‏(‏وأقله شهر‏)‏ أي أقل الأجل شهر روي ذلك عن محمد رحمه الله تعالى؛ لأن ما دونه عاجل والشهر ما فوقه آجل بدليل مسألة اليمين حلف ليقضين دينه عاجلا فقضاه قبل تمام الشهر بر في يمينه وقيل أقله ثلاثة أيام وقيل ما تراضيا عليه وقيل أكثر من نصف يوم وقيل المرجع العرف، وما في الكتاب هو الأصح وبه يفتى وفي البناية وقال الصدر الشهيد في طريقته المطولة والصحيح ما رواه الكرخي أنه مقدار ما يمكن فيه تحصيل المسلم فيه‏.‏ ا هـ‏.‏ فقد اختلف التصحيح لكن المعتمد ما في الكتاب وفي فتح القدير بعد نقل تصحيح الشهيد وجدير أن لا يصح؛ لأنه لا ضابط محقق فيه، كذا ما عن الكرخي من رواية أخرى أنه ينظر إلى مقدار المسلم فيه وإلى عرف الناس في تأجيل مثله كل ذلك تنفتح فيه المنازعات بخلاف المقدار المعين من الزمان‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ هو جدير بأن يصح ويعول عليه فقط؛ لأن من الأشياء ما لا يمكن تحصيله في شهر فيؤدي التقدير به إلى عدم حصول المقصود من الأجل وهو القدرة على تحصيله وفي القنية لقي رب السلم المسلم إليه بعد حلول الأجل في غير البلد الذي شرط الإيفاء فيه فله مطالبته بالمسلم فيه إن كان قيمته في ذلك المكان مثل قيمته في المكان المشروط أو دونه؛ لأن شرط المكان حق رب السلم دفعا لمؤنة الحمل قال رضي الله تعالى عنه وأفتى بعض مفتي زماننا أنه لا يتمكن من مطالبته لأن تعيين المكان حق المسلم إليه دفعا لمؤنة الحمل وهذا الجواب أحب إلي إلا في موضع الضرورة وهو أن يقيم المسلم إليه في بلد آخر فيعجز رب السلم عن استيفاء حقه، ثم قال هدانا الله إلى الرواية المنصوصة‏.‏

قوله ‏(‏وقدر رأس المال في المكيل والموزون والمعدود‏)‏ أي وشرطه بيان قدر رأس المال إذا كان العقد يتعلق على مقداره عند الإمام وقالا تكفي الإشارة إليه كالثمن والأجرة والمذروع؛ لأن الجهالة مع الإشارة لا تفضي إلى المنازعة، وله أنها قد تفضي إليها بأن ينفق بعضه، ثم يجد بالباقي عيبا فيرده ولا يتفق الاستبدال في مجلس الرد فينفسخ العقد في المردود ويبقى في غيره ولا يدري قدره ليبقى العقد بحسابه فيفضي إلى جهالة المسلم فيه فيجب التحرز عن مثله وإن كان موهوما لشرعه مع المنافي إذ هو بيع المعدوم والأولى أن يعلل للإمام بأنه لا يقدر على تحصيل المسلم فيه فيحتاج إلى رد رأس المال فيجب أن يكون معلوما، وأما ما ذكروه فمندفع بما قدمناه من أن الانتقاد شرط عنده، وقد قال بقول ابن عمر رضي الله عنهما وقول الفقيه من الصحابة مقدم على القياس بخلاف ما إذا كان رأس المال ثوبا؛ لأن الذرع وصف فيه والمبيع لا يقابل الأوصاف فلا يتعلق العقد بقدره ولذا لو سمى عددا لذرعين فوجده المسلم إليه أنقص لا ينتقص من المسلم فيه شيء وإنما يخير المسلم إليه، ومن فروع المسألة إذا أسلم في جنسين ولم يبين رأس مال أحدهما بأن أسلم مائة درهم في كر حنطة وشعير ولم يبين حصة واحد منهما من رأس المال لم يصح فيهما لأنه ينقسم عليهما باعتبار القيمة وهي تعرف بالحزر أو أسلم جنسين ولم يبين قدر أحدهما بأن أسلم دراهم ودنانير في مقدار معلوم من البر فبين قدر أحدهما ولم يبين الآخر لم يصح السلم فيهما لبطلان العقد في حصته ما لم يعلم قدره فيبطل في الآخر أيضا لاتحاد الصفقة أو لجهالة حصة الآخر من المسلم فيه فيكون المسلم فيه مجهولا والمراد بالمعدود هنا ما لا يتفاوت آحاده لتعلق العقد بمقداره‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومكان الإيفاء فيما له حمل من الأشياء‏)‏ أي وشرطه بيان مكان الإيفاء في المسلم إليه إذا كان له حمل ومؤنة أي إذا كان نقله يحتاج إلى أجرة والحمل بالفتح الثقل قال في البناية يعنون به ما له ثقل يحتاج في حمله إلى ظهر وأجرة حمال والمؤنة الكلفة وقالا‏:‏ لا يحتاج إلى تعيينه ويسلمه في موضع العقد؛ لأن مكانه مكان الالتزام فيتعين لإيفاء ما التزمه في ذمته كموضع الاستقراض والاستهلاك وكبيع الحنطة بعينها وكالغصب والقرض وله أن التسليم غير واجب في الحال فلا يتعين مكان العقد للتسليم بخلاف القرض والغصب والاستهلاك فإن تسليمها يستحق بنفس الالتزام فيتعين موضعه، فإذا لم يتعين بقي مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة لاختلاف القيم باختلاف الأماكن فلا بد من البيان دفعا للمنازعة وصار كجهالة الصفة ولذا قال البعض إن الاختلاف في المكان يوجب التحالف عنده كالاختلاف في الصفة‏.‏ وقيل‏:‏ لا تحالف عنده فيه وعندهما يتحالفان؛ لأن تعيين المكان قضية العقد قيد بالمسلم فيه لأن مكان العقد يتعين لإيفاء رأس مال السلم اتفاقا وعلى هذا الاختلاف الثمن إذا كان له حمل ومؤنة والأجرة كذلك والقسمة وصورتها اقتسما دارا وجعلا مع نصيب أحدهما شيئا له حمل ومؤنة فعنده يشترط بيان مكان الإيفاء وعندهما يتعين مكان العقد وقيل لا يشترط في الثمن عند الكل والصحيح أنه شرط إذا كان مؤجلا وعندهما يتعين مكان العقد، وقيل في الأجرة يتعين مكان الدار ومكان تسليم الدابة، ثم إن عين مصرا جاز؛ لأنه مع تباين أطرافه كبقعة واحدة في حق هذا الحكم لعدم اختلاف القيمة، ولهذا لو استأجر دابة ليعمل عليها في المصر فله أن يعمل في أي مكان شاء وقيل هذا إذا لم يكن المصر عظيما فإن كان عظيما تبلغ نواحيه فرسخا لا يجوز ما لم يبينا ناحية منه لأن جهالته مفضية إلى المنازعة، ولو شرط أن يوفيه في منزله جاز استحسانا لأنه يراد به المنزل حال حلول الأجل عادة والظاهر بقاؤه في منزله، ولو شرط الحمل إلى منزله قيل يجوز؛ لأنه اشتراط الإيفاء فيه وقيل لا يجوز؛ لأن الحمل لا يقتضيه العقد، وإنما يقتضي الإيفاء وهو يتصور بدون الحمل فيكون مفسدا وإن شرط أن يوفيه في موضع، ثم يحمله إلى منزله لا يجوز‏.‏ والحاصل أن اشتراط الإيفاء في مكان مصحح وفي اشتراط الحمل إلى مكان معين قولان واشتراط الحمل بعد الإيفاء مفسد وعكسه لا كالإيفاء بعد الإيفاء وتمامه في الخلاصة وفي البزازية شرط حمله إلى منزل رب السلم بعد الإيفاء في المكان المشروط لا يصح لاجتماع الصفقتين الإجارة والتجارة وشرط الإيفاء خاصة أو الحمل خاصة أو الإيفاء بعد الحمل جائز لا شرط الإيفاء بعد الإيفاء على قول عامة المشايخ كشرطه أن يوفيه في محلة كذا، ثم يوفيه في منزله، ولو شرط الإيفاء أو الحمل بعد الحمل لم يجز وفي بعض الفوائد شرط الحمل بعد الحمل يصح؛ لأن الحمل لا يوجب الملك لرب السلم فلما شرط الحمل ثانيا صار كشرطه مرة، وكذا الإيفاء بعد الحمل والإيفاء بعد الإيفاء ولما شرط ذلك صار الإيفاء الأول منفسخا، وإذا شرط الإيفاء في مدينة كذا فكل محلاتها سواء حتى لو أوفاه في محلة ليس له أن يطالبه في محلة أخرى‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير ولو اشترى طعاما بطعام من جنسه واشترط أحدهما التوفية إلى منزله لم يجز بالإجماع كيفما كان، ولو شرط أن يوفيه إلى مكان كذا فسلمه في غيره ودفع الكراء إلى الموضع المشروط صار قابضا ولا يجوز أخذ الكراء وإن شاء رده إليه ليسلمه إليه في المكان المشروط لأنه حقه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البدائع فإن سلم في غير المكان المشروط فلرب السلم أن يأبى فإن أعطاه على ذلك أجرا لم يجز له أخذ الأجر عليه وله أن يرد المسلم فيه حتى يسلمه في المكان المشروط بخلاف الشفيع إذا صولح عنها بمال لم يصح وسقط حقه لإعراضه عن الطلب كما لو أسقطه صريحا وحق رب السلم في التسليم في المكان المشروط لم يسقط بالإسقاط صريحا‏.‏ ا هـ‏.‏ قيد بما له حمل؛ لأن ما لا حمل له كالمسك والكافور والزعفران وصغار اللؤلؤ لا يشترط فيه بيان مكان الإيفاء وقيده في فتح القدير بأن يكون قليلا وإلا فقد يسلم في أمناء من الزعفران كثيرة تبلغ أحمالا ويسلمه في المكان الذي أسلم فيه وكل ما قلنا يتعين مكان العقد فهو مقيد بما إذا كان مما يتأتى فيه التسليم وما لا بأن أسلم إليه وهما في مركب في البحر أو جبل فإنه يجب في أقرب الأماكن التي يمكن فيها وهذا على رواية الجامع الصغير، وذكر في الإجارات أن ما لا حمل له يوفيه في أي مكان شاء وهو الأصح؛ لأن الأماكن كلها سواء، ولو عين مكانا قيل لا يتعين وقيل يتعين وهو الأصح، كذا في فتح القدير وصحح في المحيط أنه يتعين موضع العقد فيما لا حمل له؛ لأن القيمة تختلف باختلاف الأماكن والكافور أكثر قيمة في المصر لكثرة الرغبة فيه في المصر وقلتها في السواد ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏وقبض رأس المال قبل الافتراق‏)‏ أي وشرطه قبض رأس المال قبل أن يتفرقا؛ لأن السلم ينبئ عن أخذ عاجل بآجل وذلك بالقبض قبل الافتراق ليكون حكمه على وفق ما يقتضيه اسمه كما في الحوالة والكفالة والصرف، وظاهر كلامه أن القبض شرط انعقاده صحيحا كبقية الشروط وهو قول البعض والصحيح أنه شرط بقائه على الصحة فينعقد صحيحا بدونه، ثم يفسد بالافتراق بلا قبض وستأتي فائدة الاختلاف في الصرف وأطلقه فشمل ما إذا كان رأس المال مما لا يتعين أو يتعين لما ذكرناه وفي الخلاصة، ولو أبى المسلم إليه قبض رأس المال أجبر عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الواقعات باع عبدا بثوب موصوف في الذمة فإن لم يضرب للثوب أجلا لا يجوز؛ لأن الثوب لا يجب في الذمة إلا سلما فالأجل شرط، فلو ضرب الأجل جاز لوجود شرطه، فلو افترقا قبل قبض العبد لا يبطل العقد؛ لأن هذا العقد اعتبر سلما في حق الثوب بيعا في حق العبد ويجوز أن يعتبر في عقد واحد حكم عقدين كما في الهبة بشرط العوض وكما في قول المولى لعبده إذا أديت إلي ألفا فأنت حر اعتبر فيه حكم اليمين وحكم المعاوضة‏.‏ ا هـ‏.‏ وأشار المصنف رحمه الله إلى أنه لا يدخله خيار الشرط؛ لأنه يمنع تمام القبض قالوا ولا يثبت في المسلم فيه خيار رؤية ويثبت فيه خيار العيب ويثبتان في رأس المال إذا كان مما يتعين وإلا فخيار الرؤية لا يثبت في النقود ودل قوله قبل الافتراق دون أن يقول في المجلس على أن القبض في المجلس ليس بشرط وفي البزازية وإن مكثا إلى الليل أو سافرا فرسخا أو أكثر، ثم سلم جاز وإن نام أحدهما أو ناما لم تكن فرقة‏.‏ ولو أسلم عشرة في كر ولم تكن الدراهم عنده فدخل المنزل ليخرجه إن توارى عن المسلم إليه بطل وإن بحيث يراه لا وصحت الكفالة والحوالة والارتهان برأس مال السلم‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البدائع، ثم إذا جازت الحوالة والكفالة فإن قبض المسلم إليه رأس المال من المحتال عليه أو الكفيل أو من رب السلم فقد تم العقد بينهما إذا كانا في المجلس سواء بقي الحويل أو الكفيل أو افترقا بعد أن كان العاقدان في المجلس وإن افترق العاقدان بأنفسهما قبل القبض بطل السلم وبطلت الحوالة والكفالة وإن بقي المحال عليه والكفيل في المجلس والعبرة لبقاء العاقدين وافتراقهما لا لبقاء الحويل والكفيل وافتراقهما لأن القبض من حقوق العقد وقيام العقد بالعاقدين فكان المعتبر بمجلسهما وعلى هذا الكفالة والحوالة ببدل الصرف، وأما الرهن برأس المال فإن هلك الرهن في المجلس وقيمته مثل رأس المال أو أكثر فقد تم العقد بينهما وإن كانت قيمته أقل من رأس المال، ثم العقد بقدره ويبطل في الباقي وإن لم يهلك الرهن حتى افترقا بطل السلم لحصول الافتراق لا عن قبض وعليه رد الرهن على صاحبه وكذا الحكم في بدل الصرف‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي إيضاح الكرماني من الرهن ولو أخذ بالمسلم فيه رهنا وسلطه على البيع فباعه بجنس المسلم فيه أو بغير جنسه جاز‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي تلخيص الجامع من باب إقرار المريض لوارث آخر والدينين قضاء لأولهما، فلو أسلم، ثم استقرض وقعت المقاصصة وفي عكسه لا‏.‏ ا هـ‏.‏ أي لا تقع المقاصة إلا إذا تقاصا بدليل ما سنذكره عن البدائع ويتفرع على أن القبض شرط ما إذا قبض، ثم انتقض القبض لمعنى أوجبه أنه يبطل السلم وبيانه أن رأس المال إما أن يكون عينا أو دينا وكل منهما إما أن يوجد مستحقا أو معيبا وكل إما أن يكون قبل الافتراق أو بعده كله أو بعضه، وكذا بدل الصرف على هذه التفاصيل وإن كان عينا فوجد مستحقا أو معيبا فإن لم يجز المستحق ولم يرض المسلم إليه بالعيب بطل السلم بعد الافتراق أو قبله وإن أجاز المستحق ورضي المسلم إليه بالعيب جاز مطلقا وله أن يرجع على الناقد بمثله إن كان مثليا أو بقيمته إن كان قيميا، وإن كان دينا فإن وجده مستحقا وأجيز مضي السلم مطلقا ولا سبيل للمشتري على المقبوض ويرجع على الناقد بمثله وإن لم يجز فاستبدل في المجلس صح وإن بعده بطل وإن وجده زيوفا أو نبهرجة أو ستوقة أو رصاصا فإن كانت زيوفا فرضي بها صح مطلقا بخلاف الستوقة؛ لأنها ليست من جنس حقه فإن لم يرض فإن كان قبل الافتراق واستبدل في المجلس صح وإن بعده بطل عند الإمام مطلقا سواء استبدلها في المجلس أو لا هذا إذا وجدها زيوفا أو نبهرجة فإن وجدها ستوقة أو رصاصا فإن بعد الافتراق بطل سواء تجوز بها أو لا وإن استبدل في المجلس صح وتمام التفريعات في البدائع وفي الصغرى المسلم إليه إذا أتى بشيء من الدراهم وقال وجدته زيوفا فالقول له‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الإيضاح استحسن أبو حنيفة في اليسير فقال يردها ويستبدل في ذلك المجلس وفي تحديد الكثير روايتان ما زاد على الثلث وما زاد على النصف‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه لو وجد البعض نبهرجة أو مستحقة فاختلفا فقال رب السلم هو ثلث رأس المال وقال المسلم إليه نصفه فالقول قول رب السلم مع يمينه، ولو كانت ستوقة أو رصاصا فاختلفا في مثل ذلك فالقول قول المسلم إليه وبيانه فيه ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏فإن أسلم مائتي درهم في كر بر مائة دينا عليه ومائة نقدا فالسلم في الدين باطل‏)‏ أي في حصته لكونه دينا بدين وصح في حصة النقد لوجود قبض رأس المال بقدره ولا يشيع الفساد؛ لأنه طارئ إذ السلم وقع صحيحا في الكل ولذا لو نقد الكل قبل الافتراق صح والتقييد بكونه أضاف العقد إلى المائتين اتفاقي بل كذلك إذا أضافه إلى مائتين مطلقا، ثم جعل المائة من رأس المال قصاصا بما في ذمته من الدين في الصحيح؛ لأن المعنى يجمعهما وهو كون الفساد طارئا إذ الدين لا يتعين بإضافة العقد إليه وقيد بقوله دينا عليه؛ لأنه لو قال أسلمت إليك هذه المائة والمائة التي لي على فلان يبطل في الكل وإن نقد الكل لاشتراط تسليم الثمن على غير العاقد وهو مفسد مقارن فتعدى وقيد بكون الدين من جنس النقد؛ لأن الجنس لو اختلف بأن كان له على آخر مائة درهم فأسلمها إليه وعشرة دنانير في أكرار معلومة لم يجز في الكل، أما الدين فظاهر‏.‏ وأما عدم حصة العين فلجهالة ما يخصه وهذا عند الإمام رحمه الله تعالى وعندهما يجوز في حصة العين وهي مبنية على مسألة إعلام قدر رأس المال، وقيد بكونه جعل الدين عليه رأس المال؛ لأنه لو لم يجعله، وإنما وقعت المقاصة بأن وجب على المسلم إليه دين مثل رأس المال فلا يخلو إما أن يجب الدين الآخر بالعقد أو بالقبض فإن كان الأول فإما بعقد سابق على المسلم أو متأخر عنه فإن كان الأول بأن كان رب السلم باع المسلم إليه ثوبا بعشرة دراهم ولم يقبضها حتى أسلم إليه عشرة دراهم في كر فإن تراضيا بالمقاصة صار قصاصا وإن أبى أحدهما لا يصير قصاصا استحسانا؛ لأن العقد موجب للقبض حقيقة لولا المقاصة فإذا تقاصا تبين أنه انعقد موجبا قبضا بطريق المقاصة، وقد وجد وإن وجب بعقد متأخر عن السلم لا يصير قصاصا وإن جعلاه قصاصا هذا إذا وجب الدين بالعقد فإن وجب بالقبض كالغصب والقرض فإنه يصير قصاصا جعلاه أو لا بعد أن كان وجوب الدين متأخرا عن العقد هذا إذا تساوى الدينان، فأما إذا تفاضلا بأن كان أحدهما أفضل والآخر أدون ورضي أحدهما بالقصاص وأبى الآخر فإنه ينظر فإن أبى صاحب الأفضل لا يصير قصاصا؛ لأن حقه في الجودة معصوم محترم فلا يجوز إبطاله عليه من غير رضاه وإن أبى صاحب الأدون يصير قصاصا؛ لأنه لما رضي به صاحب الأفضل فقد أسقط حقه وكذلك المقاصة في بدل الصرف على هذه التفاصيل، كذا في البدائع‏.‏ قال الأزهري رحمه الله تعالى‏:‏ الكرستون قفيزا والقفيز ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف وفي الحسامي الكراسم لأربعين قفيزا وهذا كله في رأس المال، أما المقاصة بالمسلم فيه فقال في الإيضاح إن وجب على رب السلم دين مثل المسلم فيه بسبب متقدم على العقد أو بعده لم يصر قصاصا وإن وجب بقبض مضمون كالغصب والقرض صار قصاصا إن كان قبل العقد وإن كان بعده فجعله قصاصا جاز وإن كان وديعة عند رب السلم قبل العقد أو بعده فجعله المسلم إليه قصاصا لم يكن قصاصا إلا أن يكون بحضرتهما أو يخلي بينه وبينهما، ولا يصير المغصوب قصاصا إلا إذا كان مثل المسلم فيه فإن كان أجود أو أردأ فلا بد من رضاهما ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏ولا يصح التصرف في رأس المال والمسلم فيه قبل القبض بشركة أو تولية‏)‏ لأن المسلم فيه مبيع والتصرف في المبيع المنقول قبل القبض لا يجوز ورأس المال مستحق القبض في المجلس والتصرف فيه مفوت له فلم يجز ففي التولية تمليكه بعوض وفي الشركة تمليك بعضه بعوض فلم يجز، وصورة الشركة فيه أن يقول رب السلم لآخر اعطني نصف رأس المال ليكون نصف المسلم لك فيه وصورة التولية أن يقول لآخر أعطني مثل ما أعطيت المسلم إليه حتى يكون المسلم فيه لك كذا في الإيضاح وإنما صرح بالتولية لرد قول من قال بجواز بيع المسلم فيه مرابحة وتولية وجزم به في الحاوي فقال ولا بأس ببيع المسلم قبل قبضه مرابحة وتولية وهو قول ضعيف والمذهب منعهما، وقد أشار إلى منع بيع السلم بالأولى سواء كان ممن عليه أو من غيره كما في الحاوي، فلو باع رب السلم المسلم فيه من المسلم إليه بأكثر من رأس المال لا يصح ولا يكون إقالة كذا في القنية، ولو وهبه منه قبل قبضه وقبل الهبة لم يصح وكان إقالة فوجب عليه رد رأس المال وكذا لو أبرأه كلا أو بعضا‏.‏ وفي التجنيس والواقعات رجل أسلم إلى رجل كر حنطة فقال رب السلم للمسلم إليه أبرأتك عن نصف السلم وقبل المسلم إليه وجب عليه رد نصف المال إليه؛ لأن السلم نوع بيع وفي البيع من اشترى شيئا، ثم قال المشتري للبائع قبل القبض وهبت منك نصفه فقبل البائع كانت إقالة في النصف بنصف الثمن فكذا هذا إذ الحط بمنزلة الهبة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الفتاوى الصغرى إقالة بعض السلم وإبقاؤه في البعض جائز، وأما إقالة المسلم على مجرد الوصف بأن كان المسلم فيه جيدا فتقايلا على الرديء على أن يرد المسلم إليه درهما لا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف في رواية لكنه عند أبي يوسف يجوز لا بطريق الإقالة بل بطريق الحط عن رأس المال‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البدائع الإبراء عن رأس المال يتوقف على قبول رب السلم فإن قبل انفسخ العقد فيه بخلاف الإبراء عن المسلم فيه فإنه جائز بدون قبول المسلم إليه؛ لأنه ليس فيه إسقاط شرط وبخلاف الإبراء عن ثمن المبيع فإنه صحيح بدون قبول المشتري لكنه يرتد بالرد ولا يجوز الإبراء عن المبيع؛ لأنه عين وإسقاط العين لا يصح‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهره يخالف ما قدمناه عن التجنيس في الإبراء عن المسلم فيه وفي الظهيرية لو أن رب السلم وهب المسلم فيه للمسلم إليه كانت إقالة للسلم ولزمه رد رأس المال إذا قبل، وفي المبسوط إذا أبرأ رب السلم المسلم إليه عن طعام السلم صح إبراؤه في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يصح ما لم يقبل المسلم إليه، وإذا قبل كان فسخا لعقد السلم، ولو أبرأ المسلم إليه رب السلم عن رأس المال وقبل البراء بطل السلم وإن رده لا والفرق بين رأس المال والمسلم فيه أن المسلم فيه لا يستحق قبضه في المجلس بخلاف رأس المال‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر في الذخيرة قولين في مسألة الإبراء عن بعض المسلم فيه هل هو إقالة فيرد ما قابله أو حط له فلا يرد وبه اندفع الإشكال وذكر القولين أيضا فيما إذا أبرأه عن الكل وقبل فقيل برد رأس المال كله وقيل لا يرد شيئا‏.‏ ا هـ‏.‏ ودل كلام المصنف رحمه الله تعالى على منع الاستبدال بهما، أما الاستبدال برأس مال السلم في مجلس العقد فهو غير جائز بأن يأخذ برأس المال شيئا من غير جنسه لكونه يفوت القبض المشروط؛ لأن بدل الشيء غيره وكذا الاستبدال ببدل الصرف فإن أعطاه من جنس رأس المال أجود أو أردأ ورضي المسلم إليه بالأردأ جاز؛ لأنه قبض جنس حقه، وإنما اختلف الوصف فإن كان أجود فقد قضى حقه وأحسن في القضاء وإن كان أردأ فقد قضاه ناقصا فلا يكون استبدالا إلا أنه لا يجبر على أخذ الأردأ ويجبر على أخذ الأجود لأنه في العادة لا يعد فضلا، وإنما هو إحسان في القضاء والإيفاء‏.‏ وأما الاستبدال بالمسلم فيه بجنس الآخر فلا يجوز لكونه بيع المنقول قبل قبضه وإن أعطى أجود أو أردأ فحكمه حكم رأس المال، كذا في البدائع وفي البزازية أسلم في ثوب وسط وجاء بالجيد فقال خذ هذا وزدني درهما فعلى وجوه أن المسلم فيه كيلي أو وزني أو ذرعي لا يخلو إما أن يكون فيه فضل أو نقصان وذلك في القدر أو في الصفة فإن كيليا بأن أسلم في عشرة أقفزة فجاء بأحد عشر فقال خذ هذا وزدني درهما جاز؛ لأنه باع معلوما بمعلوم، ولو جاء بتسعة وقال خذه وأرد عليك درهما جاز أيضا؛ لأنه إقالة البعض وإقالة الكل تجوز فكذا إقالة البعض، ولو جاء بالأجود أو الأردأ وقال خذ واعط درهما أو أرد عليك درهما لا يجوز عندهما خلافا للثاني وفي الثوب إن باع بذراع أزيد وقال زدني درهما جاز لأنه بيع ذراع يملك تسليمه بدرهم فاندفع بيعه مفردا، وكذا لو زاد في الوصف يجوز عندهم وإن جاء بأنقص ذراعا ورد لا يجوز عندهما؛ لأنه إقالة فيما لا يعلم حصته لكون الذراع وصفا مجهول الحصة، ولو جاء بأنقص من حيث الوصف لا يجوز، ولو بأزيد وصفا يجوز؛ لأنه إقالة فيما لا يعلم وهذا إذا لم يبين لكل ذراع حصة، أما إذا بين جاز في الكل بلا خلاف‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيد بقوله قبل القبض؛ لأن بيعه بعده على رأس المال ومرابحة ووضيعة وشركة جائز، كذا في البناية وفي القنية أسلم دينارا في مائتي من من الزبيب فلما حل الأجل وعجز عن أدائه باع رب السلم من المسلم إليه مائة من من ذلك الزبيب الذي على المسلم إليه بدينار وقبض الدينار ولا ينفسخ السلم في حصة الدينار‏.‏ ا هـ‏.‏ والحاصل أن التصرف المنفي في الكتاب شامل للبيع والاستبدال والهبة والإبراء إلا أن في الهبة والإبراء يكون مجازا عن الإقالة فيرد رأس المال كلا أو بعضا ولا يشمل الإقالة فإنها جائزة ولا التصرف في الوصف من دفع الجيد مكان الرديء والعكس‏.‏

قوله ‏(‏فإن تقايلا السلم لم يشتر من المسلم إليه شيئا برأس المال‏)‏ يعني قبل قبضه بحكم الإقالة لقوله عليه السلام‏:‏ «لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك» أي سلمك حال قيام العقد أو رأس مالك حال انفساخه فامتنع الاستبدال فصار رأس المال بعد الإقالة بمنزلة السلم فيه قبله فيأخذ حكمه من حرمة الاستبدال بغيره فحكم رأس المال بعدها كحكمه قبلها إلا أنه لا يجب قبضه في مجلسها كما كان يجب قبلها لكونها ليست بيعا من كل وجه ولهذا جاز إبراؤه عنه وإن كان لا يجوز قبلها وفي الإيضاح للكرماني أن الإقالة فيه بيع جديد في حق ثالث وهو الشرع، وفي البدائع قبض رأس المال إنما هو شرط حال بقاء العقد فأما بعد ارتفاعه بطريق الإقالة أو بطريق آخر فقبضه ليس بشرط في مجلس الإقالة بخلاف القبض في مجلس العقد وقبض بدل الصرف في مجلس الإقالة شرط لصحة الإقالة كقبضها في مجلس العقد، ووجه الفرق أن القبض في مجلس العقد في البدلين ما شرط لعينه، وإنما شرط للتعيين وهو أن يصير البدل معينا بالقبض صيانة عن الافتراق عن دين بدين ولا حاجة إلى التعيين في مجلس الإقالة في السلم؛ لأنه لا يجوز استبداله فيعود إليه عينه فلا تقع الحاجة إلى التعيين بالقبض فكان الواجب نفس القبض فلا يراعى له المجلس بخلاف التصرف؛ لأن التعيين لا يحصل إلا بالقبض لأن استبداله جائز فلا بد من شرط القبض في المجلس للتعيين‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر الشارح من باب التحالف من كتاب الدعوى الإقالة في السلم بعد نفاذها لا تحتمل الفسخ بسائر أسباب الفسخ ألا يرى أنهما قالا نقضنا الإقالة لا تنتقض وكذا لو كان رأس المال عرضا فقبضه المسلم إليه، ثم رد عليه بعيب بقضاء، ثم هلك قبل التسليم إلى رب السلم لا يعود السلم والفقه فيه أن المسلم فيه سقط بالإقالة، فلو انفسخت الإقالة لكان حكم انفساخها عود المسلم فيه والساقط لا يحتمل العود بخلاف الإقالة في البيع؛ لأنه عين فأمكن عوده إلى ملك المشتري‏.‏ ا هـ‏.‏ ومن هنا يعلم أن فسخ الإبراء لا يصح بالأولى وفي الذخيرة من باب السلم لو اختلفا في رأس المال بعد الإقالة فالقول للمسلم إليه ولا يتحالفان وذكر ما ذكره الشارح، ثم قال لو تقايلا بعد ما سلم المسلم إليه المسلم فيه، ثم اختلفا في رأس المال تحالفا؛ لأن المسلم فيه عين قائمة وليس بدين فالإقالة هنا تحتمل الفسخ قصدا‏.‏ ا هـ‏.‏ قيد بالسلم؛ لأن الصرف إذا تقايلاه جاز الاستبدال عنه ويجب قبضه في مجلس الإقالة بخلاف السلم وبيان الفرق في الإيضاح للكرماني‏.‏

قوله ‏(‏ولو اشترى المسلم إليه كرا وأمر رب السلم بقبضه قضاء لم يصح وصح لو قرضا أو أمره بقبضه له، ثم لنفسه ففعل‏)‏ معناه أن يكيله لنفسه بعد القبض ثانيا؛ لأنه اجتمع هنا صفقتان صفقة بين المسلم إليه وبين المشترى منه وصفقة بين المسلم إليه وبين رب السلم كلاهما بشرط الكيل فلا بد من الكيل مرتين ولم يوجد في الأولى وهي ما إذا أمر المسلم إليه رب السلم بقبضه من البائع قضاء لحقه فلم يصح ووجد في الثانية وهي ما إذا أمر رب السلم بقبضه له بأن يكيله، ثم يقبضه بنفسه بالكيل ثانيا والأصل فيه «أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان صاع البائع وصاع المشتري» ومحمله على ما إذا اجتمعت الصفقتان فيه، وأما في صفقة واحدة فيكتفي بالكيل فيه مرة في الصحيح والدليل على أنه بيع عند القبض ما قال في الزيادات لو أسلم مائة كر، ثم اشترى المسلم إليه من رب السلم كر حنطة بمائتي درهم إلى سنة فقبضه فلما حل السلم أعطاه ذلك الكر لم يجز لأنه اشترى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن، كذا في فتح القدير قيد بالشراء؛ لأن المسلم إليه لو ملك كرا بإرث أو هبة أو وصية فأوفاه رب السلم واكتاله مرة جاز؛ لأنه لم يوجد إلا عقد واحد بشرط الكيل وقيد بالكر وهو ستون قفيزا أو أربعون على الخلاف؛ لأن المسلم إليه لو اشترى حنطة مجازفة فأوفاها رب السلم فاكتالها مرة جاز لما ذكرنا وأشار بالكر المكيل إلى أنه لو أسلم في موزون معين واشترى المسلم إليه موزونا كذلك إلى آخره لا يجوز قبض رب السلم إذ لا فرق بين المكيل والموزون في هذا الحكم‏.‏ وكذا المعدود إذا اشتراه بشرط العد فإنه كالمكيل والموزون كما قدمناه وذكر في البناية أن في المعدود روايتين وإنما فسرنا تكرار الأمر في كلام المصنف بتكرار الكيل؛ لأن الشرط أن يكيله مرتين وإن لم يتعدد الأمر حتى لو قال اقبض الكر الذي اشتريته من فلان عن حقك فذهب فاكتاله، ثم أعاد كيله صار قابضا ولفظ الجامع يفيده فإنه لم يزد على قوله فاكتاله له، ثم اكتاله لنفسه، كذا في فتح القدير‏.‏ وأما على قوله وصح لو قرضا فصورته استقرض منه كرا فاشترى المستقرض كرا فأمر المقرض بقبضه قضاء لحقه، وإنما جاز بلا إعادة الكيل؛ لأن القرض إعارة حتى ينعقد بلفظها فكان المقبوض عين حق تقديرا فلم يكن استبدالا، ولو كان استبدالا للزم مبادلة الجنس بجنسه نسيئة فلم يتحقق الصفقتان فيكتفي بكيل واحد للمشتري فيقبضه له، ثم لنفسه من غير إعادة الكيل وأشار بقوله لم يصح إلى أنه لم يدخل في ضمان رب السلم حتى لو هلك في يده هلك من مال المسلم إليه كما في البناية وللقرض صورة أخرى هي لو كان الدين الأول سلما فلما حل اقترض المسلم إليه من رجل كرا وأمر رب السلم بقبضه من المقرض ففعل جاز لما ذكرنا؛ لأن عقد القرض عقد مساهلة لا يوجب الكيل بخلاف البيع مكايلة أو موازنة، ولهذا لو استقرض من آخر حنطة على أنها عشرة أقفزة جاز له أن يتصرف فيها قبل القبض‏.‏

قوله ‏(‏ولو أمر رب السلم أن يكيله في ظرفه ففعل وهو غائب لم يكن قضاء بخلاف المبيع‏)‏ أي لو اشترى مكيلا معينا ودفع المشتري إلى البائع ظرفا وأمره أن يكيله في ظرفه ففعل البائع والمشتري غائب صح والفرق أن رب السلم حقه في الذمة ولا يملكه إلا بالقبض فلم يصادف أمره ملكه فلا يصح فيكون المسلم إليه مستعيرا للظرف جاعلا فيه ملك نفسه كالدائن إذا دفع كيسا إلى المدين وأمره أن يزن دينه ويجعله فيه لم يصر قابضا بوزنه فيه وصح الأمر في البيع لمصادفته ملكه لكونه صار مالكا للعين بنفس العقد فصار البائع وكيلا عنه في إمساك الغرائر فصارت في يد المشتري حكما وصار الواقع فيها واقعا في يد المشتري وأشار المصنف بالفرق إلى مسائل الأولى لو أمر المشتري البائع بطحن الطعام كان الطحين للمشتري، ولو أمر رب السلم كان الطحين للمسلم إليه، فلو أخذ رب السلم الدقيق كان حراما؛ لأنه استبدال بالمسلم فيه قبل قبضه، كذا في فتح القدير‏.‏ الثانية لو أمره المشتري أن يصبه في البحر ففعل هلك من مال المشتري وفي السلم يهلك من مال المسلم إليه وليس ذلك إلا باعتبار صحة الأمر وعدمها الثالثة يكتفي بكيل البائع في الشراء على الصحيح بخلاف السلم قيدنا بكون الظرف للمشتري؛ لأنه لو كان للبائع فأمره المشتري بالكيل فيه ففعل لم يصر قابضا لكون المشتري استعار ظرفه ولم يقبضها فلا يصير في يده فكذا ما يقع فيه فصار كما لو أمره أن يكيله في ناحية من بيت البائع فإن المشتري لا يكون قابضا فإن البيت بنواحيه في يد البائع، وفي البدائع لو استعار المشتري من البائع غرائره وأمره أن يكيله فيها ففعل صار قابضا بالتخلية إجماعا إن كان المشتري حاضرا وإلا لا ما لم يسلمها إليه عند محمد سواء كانت الغرائر بعينها أو لا وقال أبو يوسف إن كانت بعينها صار قابضا وإلا لا‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيد بقوله وهو غائب لأنه إذا كان حاضرا صار المسلم إليه قابضا سواء كانت الغرائر له أو للبائع أو كانت مستأجرة وبه صرح الفقيه أبو الليث، كذا في البناية والتقييد بظرف الآمر ليفهم منه حكم ما إذا كان أمره بكيله في ظرف المسلم إليه بالأولى، وقد سوى بينهما في البدائع وأشار المؤلف بالفرق بينهما إلى أنه لو اجتمع الدين والعين بأن اشترى كرا معينا وله على البائع كر دين والظرف للمشتري فأمره أن يجعلها فيه فإن بدأ المأمور بوضع العين صار الآمر قابضا للعين والدين أما العين فلصحة القبض بصحة الآمر وأما الدين فلاتصاله بملكه لكون العين صارت في يده حكما وبمثله يصير قابضا كمن استقرض حنطة وأمره أن يزرعها في أرضه صح الأمر وصار المستقرض قابضا له وكمن دفع إلى صانع خاتما وأمره أن يزيده من عنده نصف دينار صح وصار قرضا وفي الإيضاح وليس فيه أنه إذا هلك قبل التسليم هل يصير قابضا أم لا قال وإن جعلناه قابضا فالوجه فيه أن الخلط استهلاك وهو من أسباب التملك وإن بدأ بالدين، ثم بالعين لم يصر قابضا أما الدين فلعدم صحة الأمر به‏.‏ وأما العين فلأنه خلطه بملك نفسه قبل التسليم بحيث لا يتميز فصار مستهلكا للبيع عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فينتقض البيع وهذا الخلط غير مرضي به من جهة المشتري لجواز أن يكون مراده البداءة بالعين وعندهما المشتري بالخيار إن شاء نقض البيع وإن شاء شاركه في المخلوط؛ لأن الخلط ليس باستهلاك عندهما، كذا في الهداية وخصه قاضي خان بقول محمد، أما عند أبي يوسف إذا بدأ بالدين يصير قابضا لهما جميعا كما لو بدأ بالعين ضرورة اتصاله بملكه في الصورتين إذ الخلط ليس باستهلاك، وقال محمد يصير قابضا للعين دون الدين فيشتركان فيه ولم يبرأ عن الدين وأشار بقوله في ظرفه إلى أنه لا طعام فيه، فلو كان في الظرف طعام لرب السلم قبل لا يصير قابضا لما قررنا أن أمره غير معتبر في ملك الغير، قال في المبسوط والأصح عندي أنه يصير قابضا؛ لأن أمره بخلط طعام السلم بطعام على وجه لا يتميز به معتبر فيصير به قابضا، كذا في فتح القدير وأشار المصنف بمسألة السلم إلى مسألة القرض، قال في البدائع‏:‏ وكذلك لو استقرض من رجل كرا ودفع إليه غرائره ليكيله فيها ففعل وهو غائب لم يكن قابضا؛ لأن القرض لا يملك قبل القبض فكان الكر على ملك المقرض فلم يصح الأمر ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏ولو أسلم أمة في كر وقبضت الأمة فتقايلا وماتت أو ماتت قبل الإقالة بقي وصح وعليه قيمتها‏)‏ أي بقي عقد الإقالة فيما إذا تقايلا وهي حية، ثم ماتت وصح إنشاء عقد الإقالة فيما إذا تقايلا بعد موتها ووجب على المسلم إليه قيمة الجارية في المسألتين يوم قبضها؛ لأن شرط صحة الإقالة بقاء العقد وهو يبقى ببقاء المعقود عليه والمعقود عليه في السلم هو المسلم فيه وهو باق في ذمة المسلم إليه بعد هلاك الجارية، فإذا انفسخ العقد وجب عليه رد الجارية، وقد عجز بموتها فيجب عليه قيمتها كما لو تقايضا، ثم تقايلا بعد هلاك أحدهما أو هلك أحدهما بعد الإقالة، وإنما اعتبر يوم القبض؛ لأن سبب الضمان كالغصب قوله ‏(‏وعكسها شراؤها بألف‏)‏ أي إذا ماتت الجارية المبيعة لم تصح الإقالة، وإذا تقايلا، ثم ماتت بطلت الإقالة؛ لأن المعقود عليه الجارية فلا بد من قيامها لصحة الإقالة وبقائها إلى أن تقبض وقيد به؛ لأن الإقالة في الصرف صحيحة بعد هلاك البدلين أو أحدهما باقية بعد الهلاك لأن المعقود عليه في الصرف ما وجب لكل واحد منهما في ذمة الآخر وهو غير معين فلا يتصور هلاكه والمقبوض عين ولذا لو كان المقبوض قائما لم يتعين للرد بعد الإقالة وفي القنية تقايلا البيع في العبد فأبق من يد المشتري، فإن لم يقدر على تسليمه بطلت الإقالة والبيع بحاله‏.‏ ا هـ‏.‏ والحاصل أنه يشترط لصحة إقالة البيع قيام المبيع دون الثمن، فلو تقايلا بعد هلاك الثمن، ولو معينا صحت ولكن لا بد من عدم الإبراء عنه لما في القنية أبرأ البائع المشتري عن الثمن بعد قبض المبيع، ثم تقايلا لا تصح‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيد بهلاكها؛ لأنها لو قطعت يدها، ثم تقايلا صحت ولزمه رد جميع الثمن ولا شيء للبائع من أرش اليد إذا علم وقت الإقالة أنها قطعت يدها وأخذ المشتري أرشها وإن لم يعلم يخير المشتري بين الأخذ بجميع الثمن أو الترك، كذا في القنية، ثم رقم الأشجار لا تسلم للمشتري وللبائع أن يأخذ قيمتها منه؛ لأنها موجودة وقت البيع بخلاف الأرش؛ لأنه لم يدخل في البيع أصلا لا قصدا ولا ضمنا، وقال قبله اشترى أرضا مع الزرع وأدرك الزرع في يده، ثم تقايلا لا تجوز الإقالة؛ لأن العقد إنما ورد على القصيل دون الحنط، ولو حصد المشتري الزرع، ثم تقايلا صحت الإقالة في الأرض بحصتها من الثمن، ولو اشترى أرضا فيها أشجار فقطعها، ثم تقايلا صحت الإقالة بجميع الثمن ولا شيء للبائع من قيمة الأشجار وتسلم الأشجار للمشتري هذا إذا علم البائع بقطع الأشجار، وأما إذا لم يعلم به وقت الإقالة يخير إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء ترك ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏والقول لمدعي الرداءة والتأجيل لا لنا في الوصف والأجل‏)‏ أي إذا اختلفا في اشتراط وصف السلم بأن قال أحدهما شرطناه رديئا، وقال الآخر لم نشترط شيئا أو قال أحدهما شرطنا الأجل، وقال الآخر لم نشترط شيئا كان القول لمن ادعى الاشتراط فيهما لا لمن نفاه؛ لأنه مدعي الصحة إذ السلم لا يجوز إلا مؤجلا موصوفا فشهد له الظاهر؛ لأن الفاسد حرام والظاهر أن المسلم لا يباشره أطلقه فشمل ما إذا كان رب السلم مدعي الوصف أو المسلم إليه وفي الأول خلافهما فالإمام علل بأنه مدعي الصحة وهما عللا بأن المسلم إليه منكر فالقول له وشمل أيضا ما إذا كان مدعي الأجل المسلم إليه أو رب السلم وفي الأول خلافهما لإنكاره وإذا قبل في الثاني قول رب السلم اتفاقا رجع إليه في مقدار الأجل أيضا فيقبل قوله في أصله ومقداره، والأصل عند الإمام أن القول لمدعي الصحة سواء كان الآخر متعنتا أو لا وعندهما القول للمنكر إن لم يكن متعنتا وهو من أنكر ما ينفعه وغير المتعنت من أنكر ما يضره هذا في الشريعة وأما المتعنت في اللغة فهو من يطلب العنت وهو الوقوع فيما لا يستطيع الإنسان الخروج عنه، كذا في البناية‏.‏ ولو قال المصنف والقول لمدعي الوصف الشامل للرداءة والجودة لكان أولى؛ لأن أحدهما لو قال شرطناه جيدا ونفى الآخر الاشتراط أصلا فالقول للمثبت قيد الاختلاف في أصل التأجيل لأنهما لو اختلفا في مقداره فالقول للطالب مع اليمين لإنكاره الزيادة وأي برهن قبل وإن برهنا قضي ببينة المطلوب لإثباتها الزيادة وإن اختلفا في مضيه فالقول للمطلوب لإنكاره توجه المطالبة فإن برهنا قضي ببينة المطلوب لإثباتها زيادة الأجل فالقول قوله أي المسلم إليه والبينة بينته، أما إذا نظرنا إلى الصورة فهو منكر وإن نظرنا إلى المعنى فمعناه ثبوت الحق في الشهر المستقبل، فإذا أقاما البينة فبينة المسلم إليه بمعناها أثبتنا حقا له في شهر لم يتعرض ببينة رب السلم لذلك الشهر فكانت بينته أولى، كذا في إيضاح الكرماني، ثم اعلم أن بين الأجل والوصف فرقا وهو أن الاختلاف في مقدار الأجل يعني أنه ما هو لا يوجب التحالف وفي الوصف يوجبه لكونه يجري مجرى الأصل وفي الخلاصة إذا شرط في السلم الثوب الجيد فجاء بثوب وادعى أنه جيد وأنكر الطالب فالقاضي يرى اثنين من أهل تلك الصنعة وهذا أحوط والواحد يكفي فإن قالا جيد أجبره على القبول‏.‏ فإذا اختلفا في السلم يتحالفان استحسانا ويبدأ بيمين المطلوب عند أبي يوسف، ثم رجع وقال بيمين الطالب وهو قول محمد وأي برهن قبل فإن برهنا قضي ببينة رب السلم بسلم واحد عند أبي يوسف ويقال هو قول أبي حنيفة والمسألة على ثلاثة أوجه؛ لأن رأس المال إما عين أو دين وكل وجه على ثلاثة أوجه اتفقا على رأس المال واختلفا في المسلم فيه أو على القلب أو اختلفا فيهما، فإن كان رأس المال عينا واختلفا في المسلم فيه لا غير، فقال الطالب هذا الثوب في كر حنطة، وقال الآخر في نصف كر أو في شعير أو في الحنطة الرديئة وأقاما البينة قضي ببينة رب السلم إجماعا وإن اختلفا في رأس المال فقال أحدهما هذا الثوب، وقال الآخر هذا العبد واتفقا في المسلم فيه أنه الحنطة أو قال أحدهما هذا الثوب في كر حنطة، وقال الآخر في كر شعير وأقاما البينة قضي بالسلمين فمحمد رحمه الله مر على أصله وأبو يوسف يقول كل يدعي عقدا غير ما يدعيه الآخر، وإن كان رأس المال دراهم أو دنانير إن اتفقا في رأس المال واختلفا في المسلم فيه وأقاما البينة فالبينة لرب السلم ويقضى بسلم واحد عند أبي يوسف خلافا لمحمد وإن كان الاختلاف على القلب فعلى هذا الاختلاف، ولو اختلفا فيهما فقال أحدهما عشرة دراهم في كرى حنطة، وقال الآخر خمسة عشر في كر وأقاما البينة فعند أبي يوسف تثبت الزيادة فيجب خمسة عشر في كرين ولا يقضى بسلمين وعند محمد يقضى بسلمين عقد بخمسة عشر في كر وعقد بعشرة في كرين‏.‏ ولو ادعى أحدهما أن رأس المال دراهم والآخر دنانير لم يذكر هذا وينبغي أن يقضى بسلمين كما في الثوبين، كذا في فتح القدير‏.‏ والحاصل أنهما إن اختلفا في الجنس والصفة أو المقدار تحالفا سواء كان في رأس المال أو في المسلم إليه وإن اختلفا في اشتراط الوصف أو الأجل فالقول لمثبته لا لنا فيه وإن اختلفا في مقدار الأجل فالقول لرب السلم وإن اختلفا في مضيه فالقول للمسلم إليه، وإن اختلفا في بيان مكان الإيفاء فالقول للمطلوب وفي اشتراطه فلمن أثبته وفي الظهيرية إذا اختلفا في جنس المعقود عليه تحالفا وكذا في الصفة بخلاف الاختلاف في الصفة في بيع العين، ولو اختلفا في مكان الإيفاء فالقول للمطلوب وإن برهنا فللطالب عنده وعندهما يتحالفان ويترادان السلم وقيل على العكس‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الصحاح ردأ الشيء يردأ رداءة فهو رديء أي فاسد وأردأته أي أفسدته‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى أولا في الدعوى التأجيل وفي النفي الأجل فظاهره أنه لا فرق بينهما عنده وليس كذلك لما في القاموس الأجل غاية الوقت في الموت وحلول الدين ومدة الشيء والجمع آجال والتأجيل تحديد الأجل‏.‏ ا هـ‏.‏ والتحديد بمعنى التقدير وقدمنا أنهما لو اختلفا في مقداره فالقول للطالب فتعين أن يكون التأجيل في كلامه بمعنى الأجل مجازا بدليل الثاني‏.‏

قوله ‏(‏وصح السلم والاستصناع في نحو خف وطست‏)‏ أما السلم فلإمكان ضبط الصفة ومعرفة المقدار فكان سلما باستجماع شرائطه، وأما الاستصناع فالكلام فيه في مواضع الأول في معناه لغة فهو طلب الصنعة وفي القاموس الصناعة ككتابة حرفة الصانع وعمله الصنعة‏.‏ ا هـ‏.‏ فعلى هذا الاستصناع لغة طلب عمل الصانع وشرعا أن يقول لصاحب خف أو مكعب أو صفار اصنع لي خفا طوله كذا وسعته كذا أو دستا أي برمة تسع كذا ووزنها كذا على هيئة كذا بكذا وكذا ويعطي الثمن المسمى أو لا يعطي شيئا فيقبل الآخر منه الثاني في دليله وهو الإجماع العملي وهو ثابت بالاستحسان والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر لكونه بيع المعدوم وتركناه للتعامل ولا تلزم المعاملة والمزارعة على قول أبي حنيفة لفسادهما مع التعامل لثبوت الخلاف فيهما في الصدر الأول وهذا بالاتفاق فلهذا قصرناه على ما فيه تعامل وفيما لا تعامل فيه رجعنا فيه إلى القياس كان يستصنع حائكا أو خياطا لينسج له أو يخيط له قميصا بغزل نفسه وفي القنية دفع مصحفا إلى مذهب ليذهبه بذهب من عنده وأراه الذهب أنموذجا من الأعشار والأخماس ورءوس الآي وأوائل السور فأمره رب المصحف أن يذهبه كذلك بأجرة معلومة لا يصح‏.‏ سئل عمر النسفي عمن دفع إلى حائك غزلا لينسج له عمامة من سداه فجاء بها منسوجة فقال صاحب الغزل اشتريت منك ما في هذا المنسوج من الإبريسم بكذا، وقال الآخر بعت هل يصح فقال بيع ما صار على الآمر للمأمور من الإبريسم السدا بالعقد الأول صار ملكا للآمر قال أبو الفضل الإبريسم دين على الآمر وأجرة العمل عليه‏.‏ قال لنجار ابن لي بيتا فإذا بنيته يقومه المقومون فما يقولون أدفعه إليك فرضيا به وبناه وقومه رجل باتفاقهما وأبى الصانع فله أجر مثله، وقال أبو حامد وحمير الوبري هو بمنزلة المقوم لا الحكم فلا يلزمه تقويمه‏.‏ ا هـ‏.‏ الثالث‏:‏ في صفته فقد اختلفوا في كونه مواعدة أو معاقدة فالحاكم الشهيد والصفار ومحمد بن سلمة وصاحب المنشور مواعدة، وإنما ينعقد عند الفراغ بالتعاطي ولهذا كان للصانع أن لا يعمل ولا يجبر عليه بخلاف السلم وللمستصنع أن لا يقبل ما يأتي ويرجع عنه والصحيح من المذهب جوازه بيعا؛ لأن محمدا ذكر فيه القياس والاستحسان وهما لا يجريان في المواعدة ولأن جوازه فيما فيه تعامل خاصة، ولو كان مواعدة لجاز في الكل وسماه أيضا شراء فقال إذا رآه المستصنع فله الخيار؛ لأنه اشترى ما لم يره ولأن الصانع يملك الدراهم بقبضها، ولو كانت مواعدة لم يملكها‏.‏ وإثبات أبي اليسر الخيار لكل منهما لا يدل على أنه غير بيع كما في بيع المقايضة وحين لزم جوازه علمنا أن الشارع اعتبر فيه المعدوم موجودا وهو كثير في الشرع كطهارة صاحب العذر وتسمية الذابح إذا نسيها والرهن بالدين الموعود وقراءة المأموم والرابع في المعقود عليه فاختلف فيه فالمذهب المرضي في الهداية أنه العين دون العمل، وقال البردعي المعقود عليه العمل دون العين؛ لأن الاستصناع ينبئ عنه والأديم والصرم بمنزلة الصبغ والدليل على المذهب ما ذكرناه من قول محمد لأنه اشترى ما لم يره ولذا لو جاء به مفروغا لا من صنعته أو من صنعته قبل العقد فأخذه جاز، وإنما يبطله بموت الصانع لشبهه بالإجارة‏.‏ وفي الذخيرة هو إجارة ابتداء بيع انتهاء لكن قبل التسليم لا عند التسليم بدليل قولهم إذا مات الصانع يبطل ولا يستوفي المصنوع من تركته ذكره محمد في كتاب البيوع وإنما لم يجبر الصانع على العمل والمستصنع على إعطاء المسمى؛ لأنه لا يمكنه إلا بإتلاف عين ماله والإجارة تفسخ بهذا العذر الخامس في حكمه وهو الجواز دون اللزوم؛ لأن جوازه للحاجة وهي في الجواز لا اللزوم ولذا قلنا للصانع أن يبيع المصنوع قبل أن يراه المستصنع؛ لأن العقد غير لازم، وأما بعدما رآه فالأصح أنه لا خيار للصانع بل إذا قبله المستصنع أجبر على دفعه له؛ لأنه بالآخرة بائع له وتفرع على عدم لزومه ما في فتاوى قاضي خان من الدعوى رجل استصنع رجلا في شيء، ثم اختلفا في المصنوع فقال المستصنع لم تفعل ما أمرتك به، وقال الصانع فعلت قالوا لا يمين فيه لأحدهما على الآخر، ولو ادعى الصانع على رجل أنك استصنعت إلي في كذا وأنكر المدعى عليه لا يحلف‏.‏ ا هـ‏.‏ قوله ‏(‏وله الخيار‏)‏ أي للمستصنع الخيار ‏(‏إذا رأى المصنوع‏)‏ لما قدمناه أنه اشترى ما لم يره بخلاف السلم؛ لأنه لا فائدة في إثبات الخيار فيه لأنه كلما رآه عليه أعطاه غيره لكونه غير متعين إذ المسلم فيه في الذمة فيبقى فيها إلى أن يقبضه قيد به لأنه لا خيار للصانع؛ لأنه باع ما لم يره وعن أبي حنيفة أن له الخيار؛ لأنه يلحقه الضرر بقطع الصرم والصحيح الأول قوله ‏(‏وللصانع بيعه قبل أن يراه‏)‏ أي المستصنع؛ لأنه لا يتعين إلا باختياره قيد بقوله قبل أن يراه؛ لأنه إذا رآه ورضي به امتنع على الصانع بيعه لأنه بالإحضار أسقط خيار ولزم‏.‏

قوله ‏(‏ومؤجله سلم‏)‏ أي إذا أجله المستصنع صار سلما وهذا عند أبي حنيفة، وقالا إن ضرب الأجل فيما فيه تعامل فهو استصناع وإن ضرب فيما لا تعامل فيه فهو سلم لتعذر جعله استصناعا ويحمل الأجل فيما فيه تعامل على الاستعجال وله أنه يحتمل السلم فحمل عليه وهو أولى لكونه ثابتا بالكتاب والسنة والإجماع مطلقا، وأما الاستصناع فبالتعامل ومخصوص بما فيه تعامل ولأن الأجل لتأخير المطالبة وذلك باللزوم وهو في السلم دونه والمراد بالأجل ما قدمه من أن أقله شهر فإن لم يصلح كان استصناعا إن جرى فيه تعامل وإلا ففاسد إن ذكره على وجه الاستمهال فإن كان للاستعجال بأن قال على أن تفرغ منه غدا أو بعد غد كان صحيحا، وفصل الهندواني فجعله من المستصنع استعجالا ومن الصانع تعجيلا، ثم فائدة كونه سلما أن يشترط فيه شرائطه من القبض قبل الافتراق وعدم الخيار إلى غير ذلك من الأحكام وفي الصحاح الطست الطس بلغة طيئ أبدل من إحدى السينين تاء للاستثقال، فإذا جمعت أو صغرت ردت السين لأنك فصلت بينهما بألف أو ياء قلت‏:‏ طساس وطسيس‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المغرب الطست مؤنثة وهي أعجمية والطس تعريبها والجمع طساس وطسوس وقد يقال الطسوت ذكره في الشين المعجمة والقمقمة بالضم معروفة، وقال الأصمعي هو رومي والجمع قماقم كذا في الصحاح‏.‏ ا هـ‏.‏ والله أعلم‏.‏