فصل: فصل (بيان أحكام الجناية على العبد)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


فصل ‏[‏بيان أحكام الجناية على العبد‏]‏

لما فرغ من بيان أحكام جناية العبد شرع في بيان أحكام الجناية على العبد وقدم الأول ترجيحا لجانب الفاعلية كذا في العناية وهو حق الأداء وقال في النهاية وغاية البيان إنما قدم جناية العبيد على الجناية عليهم لأن الفاعل قبل المفعول وجودا فكذا ترتيبا أقول‏:‏ فيه بحث لأنه إن أريد أن ذات الفاعل قبل ذات المفعول وجودا فهو ممنوع إذ يجوز أن يكون وجود ذات المفعول قبل وجود ذات الفاعل بمدة طويلة مثلا يجوز أن يكون عمر المجني عليه سبعين سنة أو أكثر وعمر الجاني عشرين سنة أو أقل وإن أريد فاعلية الفاعل قبل مفعولية المفعول وجودا فهو أيضا ممنوع لأن الفاعلية والمفعولية يوجدان معا في آن واحد وهو أن تعلق الفعل المتعدي بالمفعول بوقوعه عليه وقبل ذلك لا يتصف الفاعل بالفاعلية ولا المفعول بالمفعولية وكل ذلك بوقوعه عليه ليس خاف على العارف الفطن بالقواعد والله أعلم قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏عبد قتل خطأ تجب قيمته ونقص عشرة لو كانت عشرة آلاف أو أكثر وفي الأمة عشرة من خمسة آلاف وفي المغصوب تجب قيمته بالغة ما بلغت‏)‏‏.‏ وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف والشافعي في القن تجب قيمته بالغة ما بلغت وفي الغصب تجب قيمته بالغة ما بلغت بالإجماع لما روي عن عمر وعلي وابن عمر رضي الله عنهم أنهم أوجبوا في قتل العبد قيمته بالغة ما بلغت لأن الضمان بدل المالية ولهذا يجب للمولى وهو لا يملك إلا من حيث المالية ولو كان بدل الدم لكان للعبد إذ هو في حق الدم مبقى على أصل الحرية فعلم أنه بدل المالية‏.‏ ولهذا لو قتل العبد المبيع قبل القبض يبقى عقد البيع وبقاؤه ببقاء المالية أصلا أو بدلا في حال قيامه أو هلاكه فصار كسائر الأموال وكقليل القيمة والغصب ولأن ضمان المال بالمال أصل وضمان ما ليس بمال خلاف الأصل ومهما أمكن إيجاب الضمان على موافقة القياس لا يصار إلى إيجابه بخلاف الأصل قال القدوري في كتابه التقرير قال أبو يوسف إذا قتل المبيع في يد البائع فاختار المشتري إجازة البيع كان له القصاص وكذا إن اختار فسخ البيع كان للبائع القصاص وهذا حفظي عن أبي حنيفة وقال أبو يوسف ليس للبائع القصاص وروى ابن زياد عنه لا قصاص للمشتري أيضا ولأبي حنيفة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ودية مسلمة‏}‏ أوجبها مطلقا من غير فصل بين أن يكون حرا أو عبدا والدية اسم للواجب بمقابلة الآدمية وهو آدمي فيدخل تحت النص وهذا لأن المذكور في الآية حكمان الدية والكفارة والعبد داخل فيها في حق الكفارة بالإجماع لكونه آدميا‏.‏ فكذا في الدية لأنه آدمي ولهذا يجب القصاص بقتله بالإجماع ويكون مكلفا ولولا أنه آدمي لما وجب القصاص وكان كسائر الأموال ولأنه لما كان فيه معنى المالية والآدمية وجب اعتبار أعلاهما وهي الآدمية عند تعذر الجمع بينهما بإهدار الأدنى وهي المالية لأن الآدمية أسبق والرق عارض بواسطة الاستنكاف فكان اعتبار ما هو الأصل أولى ألا ترى أن القصاص يجب بقتله عمدا بهذا الاعتبار والمتلف في حالة العمد والخطأ واحد‏.‏ فإذا اعتبر في إحدى حالتي القتل آدميا وجب أن يعتبر في الحالة الأخرى كذلك إذ الشيء الواحد لا يتبدل جنسه باختلاف حالة إتلافه وهذا أولى من العكس لأن في العكس إهدار آدميته وإلحاقه بالبهائم والجماد وما رويا من الأثر معارض بأثر ابن مسعود وهو محمول على الغصب وضمان الغصب بمقابلة المالية لأنه لا تعارض لها إذ الغصب لا يرد إلا على المال وبقاء العقد لا يعتمد المالية وإنما يعتمد الفائدة ألا ترى أنه يبقى بعد قتله عمدا أيضا وإن لم يكن القصاص مالا ولا بدلا عن المالية وفي قليل القيمة الواجب بمقابلة الآدمية إلا أنه لا سمع فيه فقدرناه بقيمته رأيا بخلاف كثير القيمة لأن فيه قول ابن مسعود لا يبلغ بقيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة دراهم والأثر في المقدرات كالخبر إذ لا يعرف إلا سماعا ولأن آدميته أنقص ويكون بدلها أقل كالمرأة والجنين‏.‏ ألا ترى أنه لما كان أنقص نصفت النعم والعقوبات في حقه إظهارا لانحطاط رتبته فكذا في هذا وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يجب في الأمة خمسة آلاف درهم إلا خمسة لأن دية الأنثى نصف الذكر فيكون الناقص عن دية الأنثى نصف الناقص عن دية الذكر كما في الأطراف والأول أظهر لأن أقل مال له خطر في الشرع عشرة كنصاب السرقة والمهر وما دونه لا يعتبر بخلاف الأطراف لأنه بعض الدية فينقص من كل جزء بحسابه ولو نقص من كل جزء عشرة لما وجب أصلا‏.‏ ولم يتعرض المؤلف لمسائل الضرب ونحن نذكرها تكميلا للفائدة قال في الجامع مسائل الضرب على ثلاثة فصول أحدها في ضرب المولى عبده والثاني في أمر أحد الشريكين بضرب العبد المشترك والثالث في ضرب الشريك أو أجنبي أصله العبرة في الجنايات لتعدد الجاني لا لتعدد الجناية لأن النفس تبرأ من جراحات كثيرة وتموت من جراحات قليلة ولهذا سقط اعتبار طولها وعرضها وعمقها أمر رجلا أن يضرب عبده سوطين فضربه ثلاثة وضربه المولى سوطا ثم ضربه أجنبي سوطا ثم مات من ذلك كله فعلى عاقلة المأمور بالسوطين أرش السوط الثالث مضروبا وهو سدس قيمته مضروبا أربعة أسواط وعلى عاقلة الأجنبي أرش السوط الخامس مضروبا أربعة أسواط وهو ثلث قيمته مضروبا بأربعة أسواط‏.‏ ويبطل ما سوى ذلك لأن المأمور ضربه ثلاثة أسواط اثنان منها هدر مع السراية للإذن والثالث معتبر لأنه ضرب بغير إذن فيضمن أرشه مضمونا بهما والرابع هدر لأن جناية المولى على مملوكه هدر والخامس معتبر فيضمن الأجنبي أرشه منقوصا بأربعة أسواط وإذا مات العبد من هذه فقد مات من خمس جنايات فانقسم تلف التلف على الجنايات فيقسم عليها لأن العبرة لعدد الجاني لا لعدد الجنايات فانقسم عليهما أثلاثا ثلث على الأجنبي وثلثاه تلف بجناية المأمور الأول فانقسم هذا الثلث نصفين، نصفه هدر ونصفه معتبر‏.‏ والأصل الثاني أن الجناية على المماليك متى أتلفت نفسا أو عضوا وأفضى إلى الموت فتحمله العاقلة لأنه ضمان دم وضمان الدم تتحمله العاقلة وإن اقتصرت على ما دون النفس يجب ضمانه في مال الجاني عبد بين رجلين قال أحدهما اضربه سوطا فإن زدت فهو حر فضربه ثلاثة فمات من ذلك كله فعلى الضارب نصف أرش السوطين منقوصا سوطا في ماله وعلى المعتق لشريكه إن كان موسرا نصف قيمته مضروبا سوطين وعلى الضارب أرش السوط الثالث مضروبا سوطين ونصف قيمته مضروبا ثلاثة أسواط فيكون ذلك على عاقلته فليستوفها أولياء العبد أو يأخذ المعتق من ذلك ما غرم ويكون الباقي لورثة العبد لأن السوط الأول كله هدر لأن نصفه في ملكه ونصفه لاقى ملك شريكه ولكنه بإذنه والسوط الثاني نصفه هدر ونصفه معتبر لأن نصفه لاقى ملكه ونصفه لاقى ملك شريكه بغير إذنه فيضمن أرش السوط الثاني مضروبا سوطا في ماله لشريكه لأن سرايته انقطعت لما أعتقه فاقتصرت الجناية على ما دون النفس فتجب في مال الجاني‏.‏ وصار العبد كله ملكا للمعتق بالضمان لأن المعتق بالضمان يملك نصيب الضارب عند أبي حنيفة ويصير مكاتبا له لأنه يوقف عتق هذا النصف على أداء السعاية إليه فالسوط الثالث لاقى مكاتب غيره فيكون معتبرا كله فيضمن الضارب جميع ما نقصه السوط الثالث مضروبا سوطين لأن السوط الثالث حل به وهو منقوص سوطين‏.‏ فلما مات العبد فقد مات من ثلاث جنايات إلا أن الجنايتين الأوليين كجناية واحدة لاتفاق حكمها واتحاده وانهدرت سرايتهما والجناية الثالثة معتبرة بأصلها وسرايتها وإن عتق العبد بعد ذلك لأن إعتاق المكاتب لا يقطع السراية لما بينا فصارت النفس تالفة بجنايتين إحداهما معتبرة والأخرى مهدرة فيهدر نصف قيمته ويضمن الضارب نصف قيمته مضروبا ثلاثة أسواط لأنه مات منقوصا ثلاثة أسواط فإن ظفر المعتق بماله كان له أن يأخذ من ماله ما ضمن لشريكه كما له ورثة وللحالف لأن ولاءه له ولم يباشر قتله وإنما أمر بقتله فيكون مسببا لقتله والمتسبب للقتل لا يحرم عن الإرث وإن كان المعتق معسرا فلا ضمان عليه وعلى الضارب الضمان كما وصفنا ويكون نصفه في ماله ونصفه على العاقلة فيأخذ الضارب من ذلك نصف قيمة العبد مضروبا سوطين فإن بقي شيء فلورثة العبد لأن الحالف متى كان معسرا لا يكون للضارب تضمين الحالف وإنما له استسعاء نصيبه فبقي نصيب الضارب على ملكه‏.‏ وصار نصيبه مكاتبا له لأنه توقف عتق نصيبه على أداء السعاية إليه ونصيب المعتق صار حرا مولى له وكان السوط الأول هدرا، والسوط الثاني نصفه هدر ونصفه معتبر لما بينا والسوط الثالث كله معتبر لأن نصفه مكاتب للضارب ونصفه لمولى الحالف وقد مات العبد بجنايتين إحداهما معتبرة والأخرى مهدرة فكان على الضارب نصف قيمة العبد مضروبا بثلاثة أسواط نصفه على العاقلة لأن نصفه مكاتب ونصفه معتق الحالف وموجب جنايته على مكاتب نفسه في ماله‏.‏ وموجب جنايته على معتق غيره على عاقلته ويكون ذلك كسب المكاتب فيستوفي الضارب منه مقدار نصف قيمته مضروبا سوطين لأنه يأخذ من ماله مال جنايته لأنه صار دينا عليه فيؤخذ أيضا من تركته بعد وفاته ولو كانت المسألة بحالها ثم ضربه الآمر سوطا ثم ضربه الأجنبي سوطا ومات من ذلك كله فعلى المأمور نصف أرش السوط الثاني مضروبا سوطا في ماله لشريكه وعلى عاقلة المأمور إن كان المعتق موسرا أرش السوط الثالث مضروبا سوطين وهو سدس قيمته مضروبا خمسة أسواط في ماله وعلى عاقلة الأجنبي أرش السوط الخامس مضروبا أربعة أسواط وهو ثلث قيمته مضروبا خمسة أسواط لأن السوط الأول كله هدر والسوط الثاني نصفه معتبر لأن نصفه لاقى ملك شريكه بغير إذنه فيغرم الضارب نصف أرش في ماله لشريكه وسراية الجنايتين مهدرة لأن الحالف أعتق نصيبه بعد السوط الثاني وهو موسر فكان للضارب أن يضمن قيمة نصيبه مضروبا سوطين‏.‏ وصار نصيب الضارب ملكا للحالف بالضمان وصار مكاتبا له والسوط الثالث معتبر كله لأنه لاقى شخصا نصفه معتق مكاتب له والجناية على المعتق والمكاتب معتبرة والسوط الرابع من المولى أيضا معتبر لأنه لاقى شخصا نصفه مولى للآمر ونصفه مكاتب له وجناية الإنسان على مولاه ومكاتبه معتبرة فيغرم الآمر ما نقصه السوط الرابع منقوصا ثلاثة أسواط والسوط الخامس من الأجنبي معتبر فيغرم أرش ما نقصه مضروبا أربعة أسواط وإذا مات العبد من ذلك كله يغرم الضارب سدس قيمته مضروبا خمسة أسواط لأنه قتل النفس ثلاثة فقد تلفت النفس بجنايات الضارب وهي ثلاثة أسواط إلا أن السوطين الأولين حكمهما واحد فإن سرايتهما مهدرة فتجعل جناية واحدة‏.‏ والسوط الثالث بأصله وسرايته معتبرة فهذا الثلث تلف بجنايتين أحدهما معتبرة والأخرى مهدرة فيغرم نصف الثلث وذلك سدس الكل ويجب على عاقلته لأنه جنى على معتق ومكاتب غيره ويضمن الآمر نصف قيمته مضروبا خمسة أسواط في ماله لأنه جنى على المكاتب نفسه لأنه لم يظهر لعتق نصيبه أثر في حكم من أحكام الحرية فكان الكل مكاتبا له حكما واعتبارا على عاقلة الأجنبي ثلث قيمته مضروبا خمسة أسواط لأنه جنى على مكاتب غيره ومولى غيره يكون من عاقلة الأجنبي ومن الآمر ومن المأمور للعبد لأنه كسب العبد ويأخذ المأمور من الآمر بذلك من مال العبد لأن هذا أرش له على العبد‏.‏ وما بقي في ماله فلعصبة المولى الآمر إن لم يكن للعبد عصبة لأن الولاء لهما إلا أن الآمر باشر قتله بغير حق محرم عن الميراث فيجعل كالميت فيكون ما بقي لأقرب عصبات الآمر وقال في النهاية هذا بخلاف ظاهر الرواية لأنه ذكر في المبسوط ففي طرف المملوك تعتبر بأطراف الحر من الدية إلى آخره فإن قيل عند الإمام يدفع إليه العبد ويأخذ قيمته في قطع الأطراف فأي تقدير على قوله فالجواب أن التقدير على قوله فيما إذا جنى عليه آخر بقطع يد أو رجل فسرى فيه إلى النفس أو فوت جنس المنفعة في عدم التقدير والدفع في غيره وقيل يضمن في الأطراف بحسابه بالغة ما بلغت ولا ينقص منه شيء لأن الأطراف يسلك فيها مسلك الأموال‏.‏ وهذا يؤدي إلى أمر شنيع وهو أن ما يجب في الأطراف أكثر مما يجب في النفوس بأن كانت قيمته مثلا مائة ألف فإنه بقطع يده يجب خمسون ألفا وبقتله يجب عشرة آلاف إلا عشرة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏قطع يد عبد فحرره سيده فمات منه وله ورثة غيره لا يقتص وإلا اقتص منه‏)‏ وإنما لا يقتص في الأول لاشتباه من له الحق لأن القصاص يجب عند الموت مستند إلى وقت الجرح فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى وعلى اعتبار الحالة الثانية يكون للورثة فتحقق الاشتباه فتعذر فلا تجب على وجه يستوفى إذ الكلام فيما إذا كان للعبد ورثة أخرى سوى المولى واجتماعهما لا يزيل الاشتباه لأن الملك يثبت لكل واحد منهما في إحدى الحالتين ولا يثبت على الدوام فيها فلا يكون الاجتماع مقيدا ولا يقال يأذن كل واحد منهما لصاحبه لأن الإذن إنما يصح إذا كان الآذن يملك ذلك بخلاف العبد الموصى برقبته لرجل وبخدمته لآخر وكل واحد منهما دائم فصارا بمنزلة الشريكين فيه فلا يفرد أحدهما دون الآخر لما فيه من إبطال حق الآخر فيتصل باجتماعهما للرضا ببطلان حقه وأما في الثاني وهو ما إذا لم يكن له ورثة غير المولى فهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد رحمه الله لا يجب القصاص فيه أيضا لأن سبب الولاية قد اختلف لأن الملك على اعتبار العتق والولاء على اعتبار حالة الموت فنزل اختلاف السبب منزلة اختلاف المستحق فيما لا يثبت مع الشبهة أو فيما يحتاط فيه فصار كما إذا قال لآخر بعتني هذه الجارية وقال لا بل زوجتها منك لا يحل له وطؤها لما قلنا‏.‏ بخلاف ما إذا أقر لرجل بألف درهم من القرض وقال المقر له من ثمن مبيع فإنه يقضى له عليه بألف وإن اختلف السبب لأن الأموال تثبت بالشبهة فلا يبالي باختلاف السبب عند اتحاد الحكم ولأن الإعتاق قاطع للسراية وبانقطاعها يبقى الجرح بلا سراية والسراية بلا قطع فيمتنع القصاص ولهما أنهما تيقنا ثبوت الولاية للمولى فيستوفيه وهذا لأن المقضي له معلوم والحكم متحد فأمكن الإيجاب والاستيفاء لاتحاد المستوفى والمستوفى منه ولا معتبر باختلاف السبب بعد ذلك كمسألة الإقرار بخلاف الفصل الأول لأن المقضي له مجهول وبخلاف مسألة الجارية لأن الحكم مختلف لأن ملك اليمين يغاير ملك النكاح في الحكم لأن النكاح يثبت الحل مقصودا وملك اليمين لا يثبته مقصودا وقد لا يثبت الحل أصلا ولأن ما ادعى كل واحد منهما من السبب للحل انتفى بإنكار الآخر فبقي بلا سبب فلا يثبت الحل بدونه إذ لا يجري فيه البدل بخلاف ما نحن فيه لأن السبب موجود بيقين ولا منكر له فلم يوجد ما يبطله ولا ما يحتمل الإبطال فأمكن استيفاؤه والإعتاق لا يقطع السراية لذاته بل الاشتباه من له الحق وذلك إذا كان له وارث آخر غير المولى على ما بينا أو في الأطراف أو في القتل خطأ لأن العبد لا يصلح مالكا للمال فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى وعلى اعتبار حالة الموت أو زيادة الجرح في الحالة الثانية يكون للعبد حتى تقضى منه ديونه وتنفذ وصاياه فحصل الاشتباه فيمن له الحق فسقط ما حدث بعد الحرية من ذلك الجرح‏.‏ وأما القتل عمدا فموجبه القصاص فلا اشتباه فيه إذا لم يكن له وارث سوى المولى لأنه على اعتبار أن يكون الحق للعبد فالمولى هو الذي يتولاه فلا اشتباه فيمن له الحق فالحاصل من هذا كله أن من قطع يد عبد غيره فأعتقه المولى ثم مات لا يزيد على أربع لأنه إما أن قطع عمدا أو خطأ فإن كان الأول فإما أن يكون للعبد وارث سوى المولى أو لم يكن فإن كان يقطع الإعتاق السراية بالاتفاق فلا يجب القصاص لجهالة المقضي له والمقضي به وإن لم يكن لا يقطعها عندهما خلافا لمحمد وإن كان الثاني فالإعتاق لا يقطعها فحاصله أنهم أجمعوا في الخطأ وفي العمد فيما إذا كان له وارث آخر أن الإعتاق يقطع السراية فلا يجب إلا أرش القطع وما ينقص بذلك إلا الإعتاق ويسقط الدية والقصاص وكذا في القطع إذا لم يمت منه لا يجب عليه سوى أرش القطع وما نقص إلى الإعتاق ولا يجب عليه ما حدث من النقصان بعد الإعتاق بالإجماع فعلم بذلك أن كل موضع لا يجب فيه القصاص يجب فيه أرش القطع وما نقصه إلى الإعتاق ولا يجب عليه الدية وما نقص منه بعد الإعتاق‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏قال أحدكما حر فشجا فبين في أحدهما فأرشهما للسيد‏)‏ يعني إذا قال لعبديه أحدكما حر ثم شجا فبين في أحدهما العتق بعد الشج فأرشهما للمولى لأن العتق غير نازل في المعين فالشجة تصادف المعين فبقيا مملوكين في حق الشجة‏.‏ ولو قتلهما رجل واحد في وقت واحد معا تجب دية حر وقيمة عبد والفرق أن البيان إنشاء من وجه وإظهار من وجه على ما عرف وبعد الشجة بقي محلا للبيان فاعتبر إنشاء في حق المحل وبعد الموت لم يبق محلا للبيان فاعتبر إظهارا محضا فإذا قتلهما رجل واحد معا فأحدهما حر يجب عليه دية حر وقيمة عبد فيكون الكل نصفين بين المولى والورثة لعدم الأولوية وإن اختلفت قيمتهما يجب نصف قيمة كل واحد منهما ودية حر فيقسم مثل الأول بخلاف ما إذا قتلهما على التعاقب حيث تجب عليه قيمة الأول لمولاه ودية الثاني للورثة وبخلاف ما إذا قتل كل واحد منهما رجلا معا تجب قيمة المملوكين لأنا لم نتيقن بقتل كل واحد منهما حرا وكل منهما ينكر ذلك ولأن القياس يأبى ثبوت العتق في المجهول لأنه لا يفيد فائدته وإنما صححناه ضرورة صحة التصرف وأثبتنا له ولاية النقل من المجهول إلى المعلوم فيقدر بقدر الضرورة وهي النفس دون الأطراف والدية فبقي مملوكا في حقهما فتجب القيمة فيهما فيكون نصفين بين المولى والورثة فيأخذ هو نصف كل واحد منهما ويترك النصف لورثته لأن موجب العتق ثابت في أحدهما في حق المولى فلا بدل له فوزع ذلك عليهما نصفين‏.‏ وإن قتلاهما على التعاقب فعلى قاتل الأول قيمته للمولى لتعينه للرق وعلى قاتل الثاني ديته لورثته لتعينه للعتق بعد موت الأول وإن كان لا يدري أيهما قتل أولا فعلى كل واحد منهما قيمته وللمولى من كل واحد منهما نصف القيمة كالأول لعدم أولوية أحدهما بالتقدم وفي الجامع الصغير وإذا قال الرجل لعبدين له في صحته أحدكما حر ثم إن أحدهما قتل رجلا خطأ فالقاضي يجبر المولى على البيان فإن أوقع العتق على غير الجاني خير في الثاني بين الدفع والفداء وإن أوقع العتق على الجاني صار مختارا للفداء في الجاني فرق بين هذا وبين ما إذا باع عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فجنى العبد في يد البائع جناية موجبة للمولى في مدة الخيار بأن قتل رجلا خطأ فأجاز البائع البيع فيه مع العلم بالجناية لم يصر مختارا للفداء وإن أعجز نفسه عن الدفع مع العلم بالجناية وكذا إذا كان الخيار للمشتري فجنى العبد في مدة الخيار ثم رد المشتري العبد لا يكون مختارا للفداء وإن عجز نفسه عن الدفع بسبب الرد بالجناية ولو كان كل واحد من العبدين قتل رجلا خطأ بعد العتق المبهم ثم أوقع المولى العتق على أحدهما بعينه يخير بين الدفع والفداء في العبد الأخير وعليه قيمة العبد الذي أوقع فيه العتق لولي الجناية يريد إذا كانت قيمته أقل من الدية ولم يصر مختارا للفداء بصرف العتق إلى الجاني فرق بين هذا وبين ما لو طلق إحدى امرأتيه في صحته ثلاثا ثم مرض مرض الموت فأجبر على البيان فأوقع ذلك على أحدهما فإنه يصير فارا وإن كان مضطرا إلى البيان‏.‏ وكذلك لو كانت جناية أحد العبدين قطع يد وجناية الآخر قتل نفس خطأ كان الجواب كما قلنا ولو قال في صحته لعبدين قيمة كل واحد منهما ألف أحدكما حر ثم قتل أحدهما رجلا خطأ ثم مات المولى قبل البيان عتق من كل واحد منهما نصفه وسعى كل واحد منهما في نصف قيمته وللمجني عليه في مال المولى قيمة الجاني يريد به إذا كانت قيمته أقل من الأرش ويصير من جميع ماله ولا يصير المولى مختارا للفداء ولو كان كل واحد من العبدين قتل رجلا خطأ والمسألة بحالها سعى كل واحد من العبدين في نصف قيمته ولكل واحد من المجني عليهما في مال المولى قيمة العبد الذي جنى عليه ولم يصر المولى مختارا للفداء هذا الذي ذكرناه كله إذا أوقع المولى العتق المبهم على أحد عبديه قبل الجناية أما إذا كان إيقاع العتق المبهم بعد الجناية فقال رجل له عبدان قيمة كل واحد منهما ألف فقتل أحدهما قتيلا خطأ ثم قال المولى في صحته أحدكما حر وهو عالم بالجناية ثم مات المولى قبل البيان عتق من كل واحد منهما نصفه وسعى كل واحد منهما في نصف قيمته ويصير المولى مختارا للفداء في الجاني ثم إذا صار مختارا للفداء فمقدار القيمة معتبر من جميع المال وإذا جنى كل واحد من العبدين جناية والمسألة بحالها سعيا على الوجه الذي وصفناه وصار مختارا للفداء في الجنايتين ولكن تجب دية واحدة في مال المولى وقيمة العبدين‏.‏ ويكون ذلك من جميع المال وما زاد على القيمة إلى تمام الدية يعتبر من ثلث المال وتكون الجنايتان نصفين إذ ليس أحدهما أولى من الآخر قال في الجامع الصغير رجل له عبدان سالم ورابع فقتل سالم رجلا خطأ في صحة المولى فقال المولى أحدكما حر ثم قتل رابع رجلا آخر في صحة المولى ثم مات المولى قبل البيان عتق من كل واحد منهما نصفه وسعى كل واحد منهما في نصف قيمته ولزم المولى الفداء في قتل سالم وهذا منه اختيار للفداء إلا أن فداء سالم في الدية يعتبر من جميع المال وما زاد على ذلك إلى تمام الدية يعتبر من الثلث ولا يلزمه الفداء في قتل رابع ولو أن المولى لم يقل ما ذكر ولكن المولى أوقع العتق على سالم صار مختارا للفداء في قتل سالم وإن أوقع المولى العتق على رابع لم يصر مختارا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فقأ عيني عبد دفع سيده عبده وأخذ قيمته أو أمسكه ولا يأخذ النقصان‏)‏ أي إذا فقأ رجل عيني عبد فالمولى بالخيار إن شاء دفع العبد المفقوء إلى الفاقئ وأخذ قيمته كاملا وإن شاء أمسكه ولا شيء له وهذا عند أبي حنيفة وقالا إن شاء أمسك العبد وأخذ ما أنفقه وإن شاء دفع العبد وأخذ قيمته وقال الشافعي يضمنه كل القيمة ويمسك الجثة لأنه يجعل الضمان مقابلا بالفائت فبقي الباقي على ملكه كما إذا قطع إحدى يديه وفقأ إحدى عينيه ونحن نقول المالية قائمة في الذوات وهي معتبرة في حق الأطراف‏.‏ فصار اعتبار المالية في الذوات دون الأطراف ساقطا بل المالية تعتبر في الأطراف أيضا بل اعتبار المالية في الأطراف أولى لأنها يسلك بها مسالك الأموال فإذا كانت المالية معتبرة وقد وجد أيضا إتلاف النفس من وجه بتفويت جنس المنفعة وهذا الضمان مقدر بقيمة الكل فوجب أن يتملك الجثة دفعا للضرر عنه ورعاية للمالية بخلاف ما إذا فقأ عيني حر لأنه ليس فيه معنى المالية وبخلاف عيني المدبر لأنه لا يقبل النقل من ملك إلى ملك وفي قطع إحدى اليدين وفقء إحدى العينين لم يوجد تفويت جنس المنفعة فإذا ثبت هذا جئنا إلى تعليل مذهب الفريقين‏.‏ لهما أن العبد في حكم الجناية على أطرافه بمنزلة المال حتى لا يجب القود فيها ولا تتحملها العاقلة وتجب قيمته بالغة ما بلغت فكان معتبرا بالمال فإذا كان معتبرا به وجب تخيير المولى على الوجه الذي قلناه كما في سائر الأموال فإن خرق ثوب الغير خرقا فاحشا يوجب تخيير المالك إن شاء دفع الثوب وضمن قيمته وإن شاء أمسكه وضمنه النقصان وله أن المالية وإن كانت معتبرة في الذات والآدمية أيضا غير مهدرة فيه وفي الأطراف ألا ترى أن عبدا لو قطع يد عبد آخر يؤمر مولاه بالدفع أو الفداء وهذا من أحكام الآدمية لأن موجب الجناية على المال إن تابع رقبته فيها ثم من أحكام الآدمية أن لا ينقسم الضمان على الجزء الفائت والقائم بل يكون بإزاء الفائت لا غير ولا يتملك الجثة ومن أحكام المالية أن ينقسم على الجزء الفائت والقائم ويتملك الجثة فوفرنا على الشبهين حظهما فقلنا بأنه لا ينقسم اعتبارا للآدمية ويتملك الجثة اعتبارا للمالية‏.‏ وهذا أولى مما قالاه إذ فيما قالاه اعتبار جانب المالية فقط وهو أدنى وإهدار جانب الآدمية وهو أعلى ومما قاله الشافعي أيضا لأن فيه اعتبار الآدمية فقط والشيء إذا أشبه شيئين يوفر عليه حظهما‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏جنى مدبر أو أم ولد ضمن السيد الأقل من القيمة ومن الأرش‏)‏ لما روي عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أنه قضى بجناية المدبر على المولى بمحضر من الصحابة من غير نكير وكان يومئذ أميرا بالشام فكان إجماعا ولأن المولى صار مانعا ما ذكرنا قال القدوري في التقريب قال أبو يوسف يضمن المولى قيمة المدبر وأم الولد بالجناية مدبرا وقال زفر يضمن قيمته عبدا الكرخي في مختصره وجناية المدبر على سيده وفي ماله هدر بالتدبير وكذا بالاستيلاد وإنما يصير مختارا للفداء لعدم علمه بما يحدث فصار كما إذا فعل بعد الجناية وهو لا يعلم وإنما يجب الأقل من القيمة ومن الأرش لأنه لا حق لولي الجناية في أكثر من الأرش ولا منع من المولى في أكثر من العين وقيمتها تقوم مقامها ولا يخير في الأكثر أو الأقل لأنه لا يفيده في جنس واحد لاختياره الأقل‏.‏ بخلاف ما إذا كان الجاني قنا حيث يخير المولى بين الدفع والفداء ولا يجب الأقل لأن فيه فائدة لاختلاف الجنس لأن من الناس من يختار دفع العين ومنهم من يختار دفع الفداء على ما هو الأيسر عنده أو يبقى ما اختاره على ملكه ويخرج الآخر عن ملكه ثم الأصل فيه أن جنايات المدبرة لا توجب إلا قيمة واحدة وإن كثرت لأنه لا يمنع منه إلا رقبة واحدة ولأن دفع القيمة فيه كدفع العين في القن ودفع العين لا يتكرر فكذا ما قام مقامها ويتضاربون بالحصص في القيمة وتعتبر قيمته في حق كل واحد منهم في حال الجناية عليه لأنه يستحقه في ذلك الوقت حتى لو قتل رجلا وقيمته ألف ثم قتل آخر وقيمته ألفان ثم قتل آخر وقيمته خمسمائة يجب على المولى ألفا درهم لأنه جنى على الوسط وقيمته ألفان فيكون للمولى الأوسط ألف منها لا يشاركه فيه أحد لأن ولي الأول لا حق له فيما زاد على الألف وإنما حقه في قيمته يوم جنى على وليه وهو ألف درهم وكذلك الثالث لا حق له فيما زاد على الخمسمائة لما ذكرنا ثم يعطي خمسمائة فتنقسم بين الأول والأوسط فيضرب الأول بجميع حقه وهو عشرة آلاف درهم ويضرب الأوسط بما بقي من حقه وهو عشرة آلاف درهم إلى آخره لأنا ننتظر إلى دية المقتول وما وصل منها وما تأخر منها يضرب له بعشرة آلاف درهم إلى آخره‏.‏ قال في المحيط مدبر قتل رجلا وقيمته ألف درهم ثم صارت قيمته ألفين فقتل آخر خطأ فالألف درهم للثاني وتحاصا في الألف الأولى في المرتهن‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن دفع القيمة بقضاء فجنى أخرى شارك الثاني الأول‏)‏ يعني إذا دفع المولى القيمة لولي الجناية الأولى بقضاء القاضي ثم جنى جناية أخرى بعد ذلك فلا شيء على المولى لأن جناياته كلها لا توجب إلا قيمة واحدة ولا تعدي من المولى بدفعها إلى ولي الجناية الأولى لأنه مجبور عليه بالقضاء فيتبع ولي الجناية الثانية ولي الأولى فيشاركه فيها ويقتسماها على قدر حقهما على ما ذكرنا قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو بغير قضاء اتبع السيد أو ولي الجناية‏)‏ أي لو دفع المولى القيمة إلى ولي الجناية الأولى بغير قضاء كان ولي الجناية الثانية بالخيار إن شاء اتبع المولى بحصته من القيمة وإن شاء اتبع ولي الجناية الأولى وهذا عند أبي حنيفة وقالا لا شيء على الولي لأنه فعل عين ما يفعله القاضي ولا تعدي منه بتسليمه إلى الأول لأنه حين دفع الحق إلى مستحقه لم تكن الجناية الثانية موجودة ولا علم له بما يحدث حتى يجعل متعديا ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى إن جنايات المدبر توجب قيمة واحدة وهم شركاء فيها والجناية المتأخرة كالمقارنة حكما ولهذا يشتركون فيها كلهم جميعا‏.‏ ثم إذا دفعها إلى الأول باختياره صار متعديا في حق الثاني لأن حصته وجبت عليه وليس له ولاية عليه فإذا لم ينفذ دفع المولى في حق الثاني فالثاني بالخيار إن شاء تبع الأول لأنه قبض حقه ظلما فصار به ضامنا فيأخذه منه وإن شاء اتبع المولى لأنه دفع حقه بغير إذنه فإذا أخذ منه رجع المولى على الأول بما ضمن للثاني وهو حصته لأنه قبضه بغير حق فيسترده منه وهذا لأنه لا يجب عليه إلا قيمة واحدة فلو لم يكن له حق الرجوع لكان الواجب عليه أكثر من القيمة ولأن الثانية مقارنة من وجه حتى يشاركه ومتأخرة من وجه في حق اعتبار القيمة فيعتبر مقارنة في حق التضمين أيضا كي لا يبطل حق ولي الثانية وإذا أعتق المدبر وقد جنى جناية لم يلزمه إلا قيمة واحدة لما ذكرنا وسواء أعتقه بعد العلم بالجناية أو قبله لأن حق المولى لم يتعلق بالعبد فلم يكن مفوتا بالإعتاق وأم الولد كالمدبر وإذا أقر المدبر وأم الولد بجناية توجب المال لم يجز إقراره وجنايته على المولى لا على نفسه وإقراره على المولى غير نافذ بخلاف ما إذا كانت الجناية موجبة للقود بأن أقر بالقتل عمدا حيث يصح إقراره فيقتل به لأن إقراره على نفسه فينفذ عليه لعدم التهمة‏.‏

باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك

قال في النهاية لما ذكر حكم المدبر في الجناية ذكر في هذا الباب ما يرد عليه وما يرد منه وذكر حكم ما يلحق به ا هـ‏.‏ وقال في غاية البيان لما ذكر جناية العبد والمدبر ذكر في هذا الباب جنايتهما مع غصبهما لأن المفرد قبل المركب ثم جر كلامه إلى بيان حكم غصب الصبي‏.‏ ا هـ‏.‏ وتبعه العيني أقول‏:‏ هذا أشبه الوجوه المذكورة وإن أمكن التقرب بأحسن منه تدبر قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏قطع يد عبده فغصبه رجل ومات منه ضمن قيمته أقطع وإن قطع يده في يد الغاصب فمات منه برئ‏)‏ لأن الغصب يوجب ضمان ما غصب ففي المسألة الأولى لما قطعه المولى نقصت قيمته بالقطع فيجب على الغاصب قيمته أقطع وفي الثانية حين قطع المولى العبد في يد الغاصب صار مستردا له لاستيلائه عليه وبرئ الغاصب من ضمانه لوصول ملكه إلى يده قال صاحب الهداية في الفرق بين المسألتين إن الغصب قاطع للسراية لأن سبب الملك كالبيع فيصير كأنه هلك بآفة سماوية فتجب قيمته أقطع ولو لم يوجد القاطع في الفصل الثاني فكانت السراية مضافة إلى البداية فصار المولى متلفا فيصير مستردا وهذا مشكل لأن السراية إنما تنقطع باعتبار تبدل الملك لاختلاف المستحقين والغصب ليس بسبب للملك وضعا والغاصب لا يملك إلا بأداء الضمان ضرورة كي لا يجتمع البدلان في ملك واحد وذلك بعد ملك المولى البدل ولم يوجد تحقيقه أن معنى قولهم بقطع السراية أن ما حصل من التلف بالسراية يكون هدرا إلا إن تسبب ذلك إلى غير الجاني‏.‏ واعترض عليه الإمام قاضي خان بأن هذا يخالف مذهبنا فإن الغصب لا يقطع السراية ما لم يملك البدل على الغاصب بقضاء أو رضا لأن السراية إنما تنقطع به باعتبار تبدل الملك وإنما يتبدل الملك به إذا ملك البدل على الغاصب وهو قيمة العبد أقطع أما قبله فلا يضمن وفي رهن الجامع الصغير في الباب الثاني من جناياته إنما يضمن الغاصب هنا قيمة العبد لأن السراية وإن لم تنقطع بالغصب وردت على مال متقوم فوجب سبب الضمان فلا يبرأ عنه الغاصب إلا إذا ارتفع الغصب والشيء إنما يرتفع بما هو فوقه أو مثله ويد الغاصب ثابتة على المغصوب حقيقة وحكما ويد المولى ثابتة عليه حكما باعتبار السراية لا حقيقة لأن بعد الغصب لم تثبت يده على العبد حقيقة والثابت حكما دون الثابت حقيقة وحكما فلم يرتفع الغصب باتصال السراية فقصر عليه الضمان قال صاحب العناية فيه نظر لأنا لا نسلم أن يد الغاصب عليه ثابتة حكما فإن يد المولى ثابتة عليه حكما ولا يثبت على الشيء الواحد يدان حكميان بكمالهما أقول‏:‏ نظره ساقط إذ لا وجه لمنع ثبوت يد الغاصب عليه حكما فإن معنى ثبوت اليد على الشيء حكما أن يترتب على تلك اليد حكما من الأحكام وقد ترتب على يد الغاصب فيما نحن فيه وجوب الضمان بالإجماع وأما يد منعه فليس بتام أيضا إذ لا محذور في أن يثبت على الشيء الواحد يدان حكميان بكمالهما من جهتين مختلفتين وهنا كذلك فإن ثبوت يد المولى على العبد المغصوب منه حكما باعتبار سراية القطع الذي صدر منه وثبوت يد الغاصب عليه حكما باعتبار ثبوت يده عليه حقيقة فاختلفت الجهتان‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏غصب محجور مثله فمات في يده ضمن‏)‏ يعني إذا غصب عبد محجور عليه عبدا محجورا عليه فمات المغصوب في يد الغاصب ضمنه لأن المحجور عليه مؤاخذ بأفعاله وهذا منها فيضمن‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏مدبر جنى عند غاصبه ثم عند سيده ضمن قيمته لهما‏)‏ أي لو غصب رجل مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على مولاه فجنى عنده جناية أخرى ضمن المولى القيمة لولي الجنايتين فتكون بينهما نصفين لأن موجب جناية المدبر وإن كثرت قيمته واحدة فيجب ذلك على الملك للمولى لأنه هو الذي أعجز نفسه عن الدفع بالتدبير السابق من غير أن يصير مختارا للفداء كما في القن إذا أعتقه بعد الجنايات من غير أن يعلمها وإنما كانت القيمة بينهما نصفين لاستوائهما في السبب قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ورجع بنصف قيمته على الغاصب‏)‏ أي رجع المولى بنصف ما ضمن من قيمة المدبر على الغاصب للتعدي لأنه ضمن القيمة بالجنايتين نصفها بسبب كان يمتد للغاصب والنصف الآخر بسبب عنده فيرجع عليه بسبب لحقه من جهة الغاصب فصار كأنه لم يرد نصف العبد لأن رد المستحق بسبب وجد وعبده عند الغاصب كلا رد قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ورده للأول‏)‏ أي دفع المولى نصف القيمة الذي أخذه من الغاصب إلى ولي الجناية الأولى وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف قالوا لهما إن حق الأول في جميع القيمة لأنه حين جنى في حقه لا يزاحمه أحد وإنما انتقص باعتبار مزاحمة الثاني إلى آخره‏.‏ قال في العناية واعترض بأن الثانية مقارنة للأولى حكما فكيف يكون الحق للأول في جميع القيمة وأجيب بأن المقارنة جعلت حكما في حق الضمان لا غير والأولى مقدمة حقيقة وقد انعقدت موجبة لكل القيمة من غير مزاحمة وأمكن توفير موجبها فلا يمتنع بلا مانع أقول‏:‏ في الجواب بحث لأنا لا نسلم أن المقارنة جعلت حكما في حق التضمين لا غير بل جعلت حكما أيضا في حق مشاركة ولي الجناية الثانية لولي الجناية الأولى كما أرشد إليه قول صاحب الهداية في الفصل السابق لأن الثانية مقارنة حكما من وجه ولهذا يشارك ولي الجناية ا هـ‏.‏ فإذا جعلت المقارنة حكما في حق مشاركته وفي الجناية الثانية أيضا كان ولي الجناية الثانية مزاحما لولي الجناية الأولى في استحقاق جميع القيمة فكيف يأخذ ولي الجناية الأولى وحده كل القيمة مع مزاحمة الأولى الثانية له في استحقاقه إياه وإن كان الاعتبار لتقدم الأولى حقيقة دون المقارنة الحكمية ينبغي أن لا يستحق ولي الثانية شيئا من قيمة المدبر وليس الأمر كذلك بالإجماع فليتأمل في جواب الشافعي وقال محمد رحمه الله لا يدفعها إليه لأن الذي يرجع به المولى على الغاصب عوض ما سلم لولي الجناية الأولى لأنه إنما يرجع على الغاصب فلا يدفع إليه كي لا يؤدي إلى اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل وكي لا يتكرر الاستحقاق‏.‏ وقوله عوض ما سلم إلى ولي الجناية الأولى قلنا هو كذلك لكن ذلك في حق المولى والغاصب لأن ما أخذه المولى من الغاصب عوض المدفوع إلى ولي الجناية الأولى وأما في حق المجني عليه فهو عوض ما لم يسلم له ومثله جائز كالذمي إذا باع خمرا وقضى دين مسلم يجوز له أخذه لأن تلك الدراهم ثمن الخمر في حق الذمي وبدل الدين في حق المسلم قوله ودفع إلى الأول فإن قلت‏:‏ هذا يناقض قوله أولا‏:‏ جناية العبد لا توجب إلا دفعا واحدا لو محلا أو قيمة واحدة وهنا أوجبت قيمة ونصفا أو دفع العبد ونصف القيمة للأول فالجواب أن الكلام الأول فيما إذا تعددت الجناية في يد شخص واحد من غير غصب ورد يكون جامعا لها فلهذا تجب قيمة واحدة أو دفع واحد وهنا لما كانت عند شخصين لم يمكن جمعها فلها حكمان وإن كانت في يد واحد لكن بعد غصب ورد كما سيأتي في قوله ورده قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ثم رجع به على الغاصب‏)‏ أي يرجع المولى بذلك الذي دفعه إلى ولي الجناية الأولى ثانيا على الغاصب عندهما لأنه استحق من يده بسبب كان في يد الغاصب فيرجع عليه بذلك فصار كأنه لم يرد ولم يضمن له شيئا إذا لم يبق شيء من العبد أو من بدله في يده قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبعكسه لا يرجع به ثانيا‏)‏ أي بعكس ما ذكره لا يرجع غاصب المولى على الغاصب بالقيمة ثانيا وصورته أن المدبر جنى عند مولاه أولا فغصبه رجل فجنى عنده جناية أخرى ثم رده على المولى ضمن قيمته لولي الجنايتين فيكون بينهما نصفين ثم يرجع المولى على الغاصب بنصف القيمة لأنه استحق عليه بسبب كان في يد الغاصب فيدفعه إلى ولي الجناية الأولى بالإجماع أما عندهما فظاهر لما بينا‏.‏ وأما عند محمد فإنه يمتنع الدفع إلى ولي الجناية الأولى في المسألة الأولى كي لا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد على ما بينا وهنا لا يلزم ذلك لأن ما أخذه من الغصب عوض ما دفع إلى ولي الجناية الثانية فإذا دفعه إلى ولي الأولى لا يجتمع البدلان في ملك واحد وفي الأول يجتمع لأنه عوض ما أخذه هو بنفسه ثم إذا دفعه إلى ولي الأولى لا يرجع به على الغاصب بالإجماع وهو المراد بقوله وبعكسه لا يرجع ثانيا لأن المولى لما لم يدفع ما أخذه من الغاصب إلى ولي الأولى سلم له ما أخذه من الغاصب فلم يتصور الرجوع عليه وهنا لم يسلم له بالإجماع ومع هذا لا يرجع على الغاصب بالإجماع بما دفعه ثانيا لأن الذي دفعه المولى إلى ولي الجناية الأولى ثانيا هنا بسبب جناية وجدت عنده فلا يرجع به على أحد بخلاف المسألة الأولى عندهما لأن دفع المولى ثانيا إلى ولي الجناية الأولى فيها بسبب جناية وجدت عند الغاصب فيرجع عليه هنا كما ذكرنا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والقن كالمدبر غير أن المولى يدفع العبد هنا وثمة القيمة‏)‏ أي‏:‏ العبد القن فيما ذكرنا كالمدبر ولا فرق بينهما إلا أن المولى يدفع القن وفي المدبر القيمة حتى إذا غصب رجل عبدا فجنى في يده ثم رده على المولى فجنى عنده جناية أخرى فإن المولى يدفعه إلى الأول ثم يرجع على الغاصب عندهما‏.‏ وعند محمد لا يدفع ما أخذه من الغاصب إلى الأول بل يسلم له فلا يتصور الرجوع على الغاصب ثانيا على ما ذكرنا في المدبر وإن جنى عند المولى أولا ثم غصبه فجنى في يده ثم رده إلى المولى دفعه إلى ولي الجنايتين نصفين ثم يرجع بنصف قيمته على الغاصب لما ذكرنا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏مدبر جنى عند غاصبه فرده فغصبه أخرى فجنى فعلى سيده قيمته لهما‏)‏ أي إذا غصب رجل مدبرا فجنى عنده جناية فرده على المولى ثم غصبه ثانيا فجنى عنده جناية أخرى فعلى المولى قيمته بين ولي الجنايتين نصفين لأن منعه بالتدبير فوجب عليه قيمته على ما بينا قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ورجع بقيمته على الغاصب‏)‏ لأن الجنايتين كانتا في يد الغاصب فاستحق كل بسبب كان في يده فرجع عليه بالكل بخلاف المسائل المتقدمة فإن هنالك استحق النصف بسبب كان عنده والنصف بسبب كان في يد المالك فيرجع بالنصف لذلك قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ودفع نصفها إلى الأول‏)‏ أي دفع المولى نصف القيمة المأخوذة من الغاصب ثانيا إلى ولي الجناية الأولى لأنه استحق كل القيمة لعدم المزاحمة عند وجود جنايته وإنما انتقص حقه بحكم المزاحمة من بعد قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ورجع بذلك النصف على الغاصب‏)‏ أي يرجع المولى بالنصف الذي دفعه ثانيا إلى ولي الجناية الأولى على الغاصب لأن ولي الجناية الأولى استحق هذا النصف ثانيا بسبب كان في يد الغاصب فيرجع عليه به ويسلم الباقي له ولا يدفعه إلى ولي الجناية الأولى لأنه استوفى حقه في حقه ولا إلى ولي الثانية لأنه لا حق له إلا في النصف لسبق حق الأول عليه وقد وصل ذلك إليه وهذا لأن الثاني يستحق النصف لوجود المزاحمة وقت جنايته والمزاحمة موجودة فبقي على ما كان‏.‏ بخلاف ولي الأولى لأنه استحق الكل وقت الجناية وإنما رجع حقه إلى النصف للمزاحمة قالوا وكلما وجد شيئا من بدل العبد أخذه حتى يستوفي حقه ثم قيل هذه المسألة على الخلاف كالأولى وقيل على الاتفاق والفرق لمحمد أن الذي يرجع به ولي الجناية الأولى عوض ما سلم له في المسألة الأولى لأن الثانية كانت في يد المالك فلو دفع إليه ثانيا تكرر الاستحقاق وأما في هذه المسألة فيمكن أن يجعله عوضا عن الجناية الثانية لأنها كانت في يد الغاصب فلا يؤدي إلى ما ذكرنا وفي المبسوط وإذا غصب رجل عبدا وجارية فقتل كل واحد رجلا خطأ ثم قتل العبد الجارية ورد العبد فإنه يرد معه قيمة الجارية فيدفعها المولى إلى ولي قتيل الجارية ويرجع بها على الغاصب لأن قيمة الجارية استحقت من يد المولى بسبب كان عند الغاصب عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما لا يرجع وإن اختار الدفع دفع العبد كله إلى ولي قتيل العبد فدفع في قياس قول أبي حنيفة ويرجع بقيمته على الغاصب وعندهما يدفعه إلى ولي قتيل العبد وإلى الغاصب على أحد عشر سهما إذا كانت قيمة الجارية ألف درهم سهم للغاصب وعشرة لولي قتيل العبد ثم يرجع المولى على الغاصب بقيمة العبد فيدفع منها إلى ولي قتيله جزءا من أحد عشر جزءا ثم يرجع بذلك على الغاصب وهذا بناء على أن الغاصب لما ملك الجارية بالضمان من يوم الغصب ظهر أن العبد قتل جارية مملوكة‏.‏ وجناية المغصوب على الغاصب وعلى ماله هدر عنده وعندهما معتبرة لما تبين فعنده لما هدرت جناية العبد على الجارية بقي في رقبته جناية واحدة وهو دم الحر فيدفع كله إلى ولي دم الحر ويفديه كله إليه وهو مضطر في الدفع والفداء وقد استحق العبد من يده بسبب كان في يد الغاصب وضمانه فيرجع بقيمته عليه وعندهما لما كانت جناية العبد على الجارية عشرة آلاف وحق الغاصب في قيمة الجارية ألف درهم فيقسم العبد بينهما على أحد عشر ويرجع بقيمته على الغاصب لأن جميع العبد استحق من يد المولى بجناية كانت في ضمان الغاصب بخلاف الفداء لأنه وجب للغاصب على المولى قيمة الجارية لأن جناية عبده على جارية الغاصب معتبرة عندهما وللمولى على الغاصب قيمة العبد فوقعت المقاصصة لأنهما اتفقا جنسا ومقدار دية الحر مع قيمة العبد مختلفان جنسا وقدرا فلا يتقاصان ولو كان الغاصب معسرا وقال ولي الجناية انتظر يساره دفع العبد إلى ولي قتيله أو فداه ويرجع بقيمته على الغاصب إذا أيسر وبقيمة الجارية مرتين واحدة يدفعها إلى ولي قتيلها وواحدة تسلم له وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يدفع من العبد عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا إلى ولي قتيله فإذا أيسر الغاصب دفع إليه الجزء الثاني لجواز أن يؤدي الغاصب قيمة الجارية فيثبت له حق في العبد على قولهما فمتى دفع جميع العبد إلى ولي قتيل العبد يبطل حق الغاصب في العبد متى أدى قيمة الجارية فيوقف جزء من أحد عشر جزءا مما عليه‏.‏ وإن قال ولي قتيلها اضرب بقيمة الجارية في الغلام دفع إليهما على أحد عشر لأن نصفه لا في رقبة العبد للحال وحق الغاصب غير ثابت للحال وفي الثاني عسى يثبت وعسى لا يثبت ثم يرجع بقيمتها فيدفع إلى ولي قتيلهما تماما لأن حقه كان ثابتا في جميع العبد وقد وصل إليه عشرة أجزاء من العبد ولم يصل إليه جزء واحد وفي يد المولى بدله فكان له أن يأخذ ذلك منه ثم يرجع على الغاصب بمثل ذلك لما بينا ولولي قتيل الجارية أن يأخذ من المولى عشرة أجزاء من قيمتها في رواية لأنه وصل إليه بدل جميع الجارية لأن العبد قام مقام الجارية وإذا كانت قيمته أقل من قيمة الجارية لأن قليل القيمة إذا قتل كثير القيمة ودفع به قام مقام جميعه فإذا قام العبد مقام جميع الجارية فصار كأنه وصل إليه جميع الجارية بخلاف ولي قتيل العبد لأن حقه كان في جميع العبد ولم يتحول إلى بدله وقد وصل إليه بعض العبد فكان له أن يأخذ بدل ما لم يصل إليه من العبد ولو قتل العبد المغصوب الغاصب هدر دمه وكذلك العبد المرهون إذا قتل المرتهن عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يعتبر حتى يؤمر المولى بالدفع أو الفداء لهما أن في اعتبار جنايته فائدة لأن الغاصب ملكه بالدفع بالقيمة ويملك عبد الغير بالقيمة مفيدا كما لو اشترى منه وبالفداء يملك دية نفسه وهي أكثر من القيمة ظاهرا فيحصل للغاصب زيادة على القيمة فدل على أن في اعتبار هذه الجارية فائدة فوجب اعتبارها والله أعلم ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أن المولى متى أخذ الضمان من الغاصب يملك الغاصب العبد مستندا إلى وقت الغصب وظاهره أن الجناية ظهرت من المملوك على مالكه وجناية المملوك على مالكه هدر لأن المولى لا يستوجب على مملوكه شيئا وجناية المغصوب على مولاه معتبرة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى خلافا لهما لما مر في الرهن‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏غصب صبيا حرا فمات في يده فجأة أو بحمى لم يضمن وإن مات بصاعقة أو نهش حية فديته على عاقلة الغاصب‏)‏ وهذا استحسان والقياس أن لا يضمن في الوجهين وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لأن الغصب في الحر لا يتحقق ألا ترى أنه لا يتحقق في المكاتب وإن كان صغيرا لكونه حرا يدا مع أنه رقيق رقبة فالحر يدا ورقبة أولى أن لا يضمن به وجه الاستحسان أن هذا ضمان إتلاف لا ضمان غصب والصبي يضمن بالإتلاف وهذا لأن نقله إلى أرض مسبعة أو إلى مكان الصواعق إتلاف منه تسببا وهو متعد فيه بتفويت يد الحافظ وهو المولى فيضمن وهذا لأن الحيات والسباع والصواعق لا تكون في كل مكان فأمكن حفظه عنه فإذا نقله إليه وهو متعد فيه فقد أزال حفظ المولى عنه متعديا فيضاف إليه لأن شرط العلة بمنزلة العلة إذا كان تعديا كالحفر في الطريق بخلاف الموت فجأة أو بحمى فإن ذلك لا يختلف باختلاف الأماكن حتى لو نقله إلى مكان تغلب فيه الحمى والأمراض يقول إنه يضمن وتجب الدية على العاقلة لكونه قتلا تسببا بخلاف المكاتب لأنه في يد نفسه وإن كان صغيرا فهو يلحق بالكثير ألا ترى أنه لا يزوج إلا برضاه كالبالغ والحر الصغير يزوجه وليه بدون رضاه فإذا أخرجه من يد المولى فمات مما يمكن التحرز عنه يضمن‏.‏ والمكاتب لا يعجز عن حفظ نفسه فلا يضمن بالغصب كالحر الكبير حتى لو لم يمكنه من حفظ نفسه فلا يضمن بالغصب مما صنع من قيد ونحوه يضمن المكاتب وكالحر الكبير أيضا كما يضمن الصغير لأنه حينئذ يكون التلف مضافا إلى الغاصب بتقصير حفظه قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏كصبي أودع عبدا فقتله وإن أودع طعاما وأكله لم يضمن‏)‏ أي يضمن عاقلة الغاصب كما يضمن عاقلة الصبي إذا قتل عبدا أودع عنده وهذا الفرق بين العبد المودع والطعام المودع هو قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى يضمن الصبي المودع في الوجهين وعلى هذا لو أودع العبد المحجور عليه مالا فاستهلكه لا يؤخذ بالضمان في الحال عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ويؤخذ به بعد العتق وعند أبي يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى يؤخذ به في الحال وعلى هذا الخلاف الإقرار في العبد والصبي وكذا الإعارة فيهما ثم إن محمدا رحمه الله شرط في الجامع أن يكون الصبي عاقلا وفي الجامع الكبير وضع المسألة في الصبي الذي عمره اثني عشر سنة وذلك دليل على أن غير العاقل يضمن بالاتفاق ولأن التسليط غير معتبر فيه وفعله معتبر لأبي يوسف والشافعي رحمهم الله تعالى إذا أتلف مالا متقوما معصوما حقا للمالك فيجب عليه ضمانه كما إذا كانت الوديعة عبدا أو كان الصبي مأذونا له في التجارة أو في الحفظ من جهة الولي وكما إذا أتلف غير ما في يده ولم يكن معصوما لثبوت ولاية الاستهلاك فيه ولهما أنه أتلف مالا غير معصوم فلا يؤاخذ بضمانه كما لو أتلفه بإذنه ورضاه‏.‏ وهذا لأن العصمة تثبت حقا له وقد فوتها على نفسه حيث وضعه في يد غير مانعة فلا يبقى معصوما إلا إذا أقام غيره مقام نفسه في الحفظ ولا إقامة هنا لأنه لا ولاية له على الصبي حتى يلزمه ولا ولاية للصبي على نفسه حتى يلتزم بخلاف المأذون له لأن له ولاية على نفسه كالبالغ وبخلاف ما إذا كانت الوديعة عبدا لأن عصمته لحق نفسه إذ هو مبقى على أصل الحرية في حق الدم فكانت عصمته لحق نفسه لا للمالك لأن عصمة المالك إنما تعتبر فيما له ولاية استهلاك حتى يمكن غيره من الاستهلاك بالتسليط وليس للمولى ولاية استهلاك عبده فلا يقدر أن يمكن غيره من ذلك فلا يعتبر تسليطه فيضمن الصبي باستهلاكه بخلاف سائر الأموال قال في العناية وإذا استهلك الصبي ينظر إن كان مأذونا له في التجارة وإن كان محجورا عليه لكنه قبل الوديعة بإذن وليه ضمن بالإجماع إن كان محجورا عليه وقبلها بغير أمر وليه فلا ضمان عليه عند الإمام ومحمد في الحال ولا بعد الإنزال وقال أبو يوسف يضمن في الحال وأجمعوا على أنه لو استهلك مال الغير من غير أن يكون عنده وديعة يضمن في الحال وهو تقسيم حسن ا هـ‏.‏