فصل: فصل (بيان ما يوجبه العبد على نفسه)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


فصل ‏[‏بيان ما يوجبه العبد على نفسه‏]‏

عقد لبيان ما يوجبه العبد على نفسه بعدما ذكر ما أوجبه الله تعالى عليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن نذر صوم يوم النحر أفطر وقضى‏)‏؛ لأنه نذر بصوم مشروع والنهي لغيره وهو ترك إجابة دعوة الله تعالى فيصح نذره لكن يفطر احترازا عن المعصية المجاورة ثم يقضي إسقاطا للواجب وإن صام فيه يخرج عن العهدة؛ لأنه أداه كما التزم‏.‏ أشار بصوم يوم النحر إلى كل صوم كره تحريما وبالصوم إلى الاعتكاف فلو نذر اعتكاف يوم النحر صح ولزمه الفطر والقضاء فإن اعتكف فيه بالصوم صح كما في الولوالجية وأراد بقوله أفطر على وجه الوجوب خروجا عن المعصية وقوله في النهاية الأفضل الفطر تساهل أطلق فشمل ما إذا قال لله علي صوم غد فوافق يوم النحر أو صرح فقال لله علي صوم يوم النحر وهو ظاهر الرواية لا فرق بين أن يصرح بذكر المنهي عنه أو لا في الكشف وغيره واعلم بأنهم صرحوا بأن شرط لزوم النذر ثلاثة كون المنذور ليس بمعصية وكونه من جنسه واجب وكون الواجب مقصودا لنفسه قالوا فخرج بالأول النذر بالمعصية والثاني نحو عيادة المريض والثالث ما كان مقصودا لغيره حتى لو نذر الوضوء لكل صلاة لم يلزم وكذا لو نذر سجدة التلاوة وفي الواقعات ولو نذر تكفين ميت لم يلزم؛ لأنه ليس بقربة مقصودة كالوضوء مع تصريحهم هنا بصحة النذر بيوم النحر ولزومه فعلم أنهم أرادوا باشتراط كونه ليس بمعصية كون المعصية باعتبار نفسه حتى لا ينفك شيء من أفراد الجنس عنها وحينئذ لا يلزم لكنه ينعقد للكفارة حيث تعذر عليه الفعل ولهذا قالوا لو أضاف النذر إلى سائر المعاصي كقوله لله علي أن أقتل فلانا كان يمينا ولزمته الكفارة بالحنث فلو فعل نفس المنذور عصى وانحل النذر كالحلف بالمعصية ينعقد للكفارة فلو فعل المعصية المحلوف عليها سقطت وأثم بخلاف ما إذا كان نذرا بطاعة كالحج والصلاة والصدقة فإن اليمين لا تلزم بنفس النذر إلا بالنية وهو الظاهر عن أبي حنيفة وبه يفتى وصرح في النهاية بأن النذر لا يصح إلا بشروط ثلاثة في الأصل إلا إذا قام الدليل على خلافه إحداها أن يكون الواجب من جنسه شرعا والثاني أن يكون مقصودا لا وسيلة والثالث أن لا يكون واجبا عليه في الحال أو في ثاني الحال فلذا لا يصح النذر بصلاة الظهر وغيرها من المفروضات لانعدام الشرط الثالث‏.‏ ا هـ‏.‏ فعلى هذا فالشرائط أربعة إلا أن يقال إن النذر بصلاة الظهر ونحوها خرج بالشرط الأول إذ قولهم من جنسه واجب يفيد أن المنذور غير الواجب من جنسه وهاهنا عينه ولكن لا بد من رابع وهو أن لا يكون مستحيل الكون فلو نذر صوم أمس أو اعتكاف شهر مضى لم يصح نذره كما في الولوالجية وقيد بقوله إلا إذا قام الدليل على خلافه؛ لأنه لو قام الدليل على الوجوب من غير الشروط المذكورة يجب كالنذر بالحج ماشيا والاعتكاف وإعتاق الرقبة مع أن الحج بصفة المشي غير واجب وكذا الاعتكاف وكذا نفس الإعتاق من غير مباشرة سبب موجب للإعتاق كذا في النهاية وفيه نظر؛ لأن النذر بالحج ماشيا من جنسه واجب؛ لأن أهل مكة ومن حولها لا يشترط في حقهم الراحلة بل يجب المشي على كل من قدر منهم على المشي كما صرح به في التبيين في آخر الحج وأما الاعتكاف وهو اللبث في مكان من جنسه واجب وهو القعدة الأخيرة في الصلاة وأما الإعتاق فلا شك أن من جنسه واجبا وهو الإعتاق في الكفارة وأما كونه من غير سبب فليس بمراد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن نوى يمينا كفر أيضا‏)‏ أي مع القضاء تجب كفارة اليمين إذا أفطر وهذه المسألة على وجوه ستة إن لم ينو شيئا أو نوى النذر لا غير أو نوى النذر ونوى أن لا يكون يمينا يكون نذرا؛ لأنه نذر بصيغته كيف وقد قرره بعزيمته وإن نوى اليمين ونوى أن لا يكون نذرا يكون يمينا؛ لأن اليمين محتمل كلامه وقد عينه ونفى غيره وإن نواهما يكون نذرا ويمينا عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يكون نذرا ولو نوى اليمين فكذلك عندهما وعند أبي يوسف يكون يمينا‏.‏ لأبي يوسف أن النذر فيه حقيقة واليمين مجاز حتى لا يتوقف الأول على النية ويتوقف الثاني؛ فلا ينتظمهما لفظ واحد، ثم المجاز يتعين بنيته وعند نيتهما تترجح الحقيقة‏.‏ ولهما أنه لا تنافي بين الجهتين؛ لأنهما يقضيان الوجوب إلا أن النذر يقتضيه لعينه واليمين لغيره فجمعنا بينهما عملا بالدليلين كما جمعنا بين جهتي التبرع والمعاوضة في الهبة بشرط العوض كذا في الهداية وتعقبه في فتح القدير بلزوم التنافي من جهة أخرى وهو أن الوجوب الذي يقتضيه اليمين وجوب يلزم بترك متعلقه الكفارة والوجوب الذي هو موجب النذر ليس يلزم بترك متعلقه ذلك، وتنافي اللوازم أقل ما يقتضي التغاير فلا بد أن لا يراد بلفظ واحد واختار شمس الأئمة السرخسي في الجواب أنه أريد بلفظ اليمين لله وأريد النذر بعلي أن أصوم كذا وجواب القسم حينئذ محذوف مدلول عليه بذكر المنذور أي كأنه قال لله لأصومن وعلي أن أصوم وعلى هذا لا يرادان بنحو علي أن أصوم وتمامه في تحرير الأصول وذكر المصنف في كافيه بأنهما لما اشتركا في نفس الإيجاب فإذا نوى اليمين يراد بهما الإيجاب فيكون عملا بعموم مجاز لا جمعا بين الحقيقة والمجاز وذكر الولوالجي في فتاويه لو قال لله علي أن أصوم كل خميس فأفطر خميسا كفر عن يمينه إن أراد يمينا ثم إذا أفطر خميسا آخر لم يكفر؛ لأن اليمين واحدة فإذا حنث فيها مرة لم يحنث مرة أخرى ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو نذر صوم هذه السنة أفطر أياما منهية وهي يوما العيد وأيام التشريق وقضاها‏)‏؛ لأن النذر بالسنة المعينة نذر بهذه الأيام؛ لأنها لا تخلو عنها والنذر بالأيام المنهية صحيح مع الحرمة عندنا فكان قوله أفطر للإيجاب كما قدمناه وبه صرح المصنف في كافيه وقد وقع صاحب النهاية بالأولوية في التساهل أيضا كما قدمناه ورتب قضاءها على إفطاره فيها ليفيد أنه لو صامها لا قضاء عليه؛ لأنه أداه كما التزمه كما قدمناه وأشار إلى أن المرأة لو نذرت صوم هذه السنة فإنها تقضي مع هذه الأيام أيام حيضها؛ لأن السنة قد تخلو عن الحيض فصح الإيجاب وإلى أنها لو نذرت صوم الغد فوافق حيضها فإنها تقضيه بخلاف ما لو قالت لله علي صوم يوم حيضي لا قضاء لعدم صحته لإضافته إلى غير محله بخلاف ما إذا قال لله علي صوم يوم النحر فإنه يقضيه إذا أفطر كما تقدم أنه ظاهر الرواية والفرق أن الحيض وصف للمرأة لا وصف لليوم وقد ثبت بالإجماع أن طهارتها شرط لأدائه فلما علقت النذر بصفة لا تبقى معها أهلا للأداء لم يصح؛ لأنه لا يصح إلا من الأهل كقوله لله علي أن أصوم يوم آكل كذا في الكشف الكبير وأشار إلى أنه لا يلزمه قضاء رمضان الذي صامه؛ لأنه لا يصح التزامه بالنذر؛ لأن صومه مستحق عليه بجهة أخرى وإلى أنه لو لم يعين هذه السنة وإنما شرط التتابع فهو كما لو عينها فيقضي الأيام الخمسة دون شهر رمضان؛ لأن المتابعة لا تعرى عنها لكن يقضيها في هذا الفصل موصولة تحقيقا للتتابع بقدر الإمكان وأطلق قضاء لزوم الأيام المنهية فشمل ما إذا نذر بعد هذه الأيام المنهية بأن نذر بعد أيام التشريق صوم هذه السنة وحمله في الغاية على ما إذا نذر قبل عيد الفطر ما إذا قال في شوال لله علي صوم هذه السنة لا يلزمه قضاء يوم الفطر وكذا لو قال بعد أيام التشريق لا يلزمه قضاء يومي العيدين وأيام التشريق بل يلزمه صيام ما بقي من السنة‏.‏ ا هـ‏.‏ ويدل على هذا الحمل قوله أفطر أياما منهية إذ لا يتصور الفطر بعد المضي لكن قال الشارح الزيلعي هذا سهو وقع من صاحب الغاية؛ لأن قوله هذه السنة عبارة عن اثني عشر شهرا من وقت النذر إلى وقت النذر وهذه المدة لا تخلو عن هذه الأيام فلا يحتاج إلى الحمل فيكون نذرا بها ورده المحقق في فتح القدير وقال إن هذا سهو وقع من الزيلعي؛ لأن المسألة كما هي في الغاية منقولة في الخلاصة وفتاوى قاضي خان في هذه السنة وهذا الشهر ولأن كل سنة عربية معينة عبارة عن مدة معينة لها مبتدأ ومختتم خاصان عند العرب مبدؤها المحرم وآخرها ذو الحجة فإذا قال هذه فإنما يفيد الإشارة إلى التي هو فيها فحقيقة كلامه أنه نذر بالمدة المستقبلة إلى آخر ذي الحجة، والمدة الماضية التي مبدؤها المحرم إلى وقت التكلم فيلغو في حق الماضي كما يلغو في قوله لله علي صوم أمس وهذا فرع يناسب هذا لو قال لله علي صوم أمس اليوم، أو اليوم أمس لزمه صوم اليوم، ولو قال غدا هذا اليوم، أو هذا اليوم غدا لزمه صوم أول الوقتين تفوه به، ولو قال شهرا لزمه شهر كامل، ولو قال الشهر وجب بقية الشهر الذي هو فيه؛ لأنه ذكر الشهر معرفا فينصرف إلى المعهود بالحضور فإن نوى شهرا فهو على ما نوى؛ لأنه لا يحتمل كلامه ذكره في التجنيس وفيه تأييد لما في الغاية أيضا‏.‏ ا هـ‏.‏ ويؤيده ما في الفتاوى الظهيرية أيضا، ولو قال لله علي أن أصوم الشهر فعليه صوم بقية الشهر الذي هو فيه وما في الفتاوى الولوالجية لو قال لله علي أن أصوم الشهر وجب عليه بقية الشهر الذي هو فيه؛ لأنه ذكر الشهر معرفا فينصرف إليه وإن نوى شهرا كاملا فهو كما نوى؛ لأنه نوى ما يحتمله‏.‏ ا هـ‏.‏ ويمكن حمل ما في الغاية على ما إذا لم ينو وحمل ما ذكره الزيلعي على ما إذا نوى توفيقا وإن كان بعيدا وبهذا ظهر أن ما ذكره في فتح القدير من كونه يلغو فيما مضى كما يلغو في قوله لله علي صوم أمس ليس بقوي؛ لأنه لو كان لغوا لما لزمه بنيته ولا يصح تشبيهه بصوم الأمس؛ لأنه لو نوى به صوم اليوم لا يصح ولا يلزمه؛ لأنه ليس محتمل كلامه كما لا يخفى ويدل له ما في الفتاوى الظهيرية، ولو نذر صوم غد ونوى كلما دار غد لا تصح نيته؛ لأن النية إنما تعمل في الملفوظ، ولو قال صوم يوم ونوى كلما دار يوم صحت نيته وكذا يوم الخميس‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي موضع آخر منها، ولو نذر بصوم شهر قد مضى لا يجب عليه وإن لم يعلم بمضيه؛ لأن المنذور به مستحيل الكون وصرح الزيلعي في الإقالة بأن اللفظ لا يحتمل ضده وقيد بكون السنة معينة؛ لأنها لو كانت منكرة فإن شرط التتابع فكالمعينة كما قدمناه وإلا فلا تدخل هذه الأيام الخمسة ولا شهر رمضان وإنما يلزمه قدر السنة فإذا صام سنة لزمه قضاء خمسة وثلاثين يوما؛ لأن صومه في هذه الخمسة ناقص فلا يجزئه عن الكامل وشهر رمضان لا يكون إلا عنه فيجب القضاء بقدره وينبغي أن يصل ذلك بما مضى وإن لم يصل ذكره في بعض المواضع أنه لم يخرج عن العهدة وهذا غلط والصحيح أنه يخرج كذا في فتاوى الولوالجي وأطلقه فشمل ما إذا قصد ما تلفظ به أولا ولهذا ذكر الولوالجي في فتاويه رجل أراد أن يقول لله علي صوم يوم فجرى على لسانه صوم شهر كان عليه صوم شهر وكذا إذا أراد شيئا فجرى على لسانه الطلاق، أو العتاق أو النذر لزمه ذلك لقوله عليه السلام‏:‏ «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والعتاق والنكاح‏}‏ والنذر في معنى الطلاق والعتاق؛ لأنه لا يحتمل الفسخ بعد وقوعه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الفتاوى الظهيرية، ولو نذر صوم يوم الاثنين، أو الخميس فصام ذلك مرة كفاه إلا أن ينوي الأبد، ولو أوجب صوم هذا اليوم شهرا صام شهرا ما تكرر منه في ثلاثين يوما يعني إن كان ذلك اليوم يوم الخميس يصوم كل خميس حتى يمضي شهر فيكون الواجب صوم أربعة أيام، أو خمسة أيام وكذلك لو قال لله علي أن أصوم يوم الاثنين سنة، ولو قال لله علي يوما يوما لا يلزمه صوم يوم إلا أن ينوي الأبد كما إذا قال لامرأته أنت طالق يوما ويوما لا، ولو قال لله علي أن أصوم كذا كذا يوما يلزمه صوم أحد عشر يوما وهذا مشكل وكان ينبغي أن يلزمه اثنا عشر؛ لأن كذا اسم عدد بدليل أنه لو قال لفلان علي كذا درهما يلزمه درهمان وقد جمع بين عددين ليس بينهما حرف العطف وأقله اثنا عشر، ولو قال كذا وكذا يلزمه أحد وعشرون ولو قال بعضه عشر يلزمه ثلاثة عشر وسيأتي أجناس هذا في كتاب الإقرار، ولو قال لله علي أن أصوم جمعة إن أراد بها أيام الجمعة، أو لم تكن له نية يلزمه صوم سبعة أيام وإن أراد بها يوم الجمعة يلزمه يوم الجمعة؛ لأنه نوى حقيقة كلامه كما لو حلف أن لا يكلم فلانا وأراد به بياض النهار صدق قضاء، ولو قال جمع هذا الشهر فعليه أن يصوم كل يوم جمعة تمر في هذا الشهر قال شمس الأئمة السرخسي هذا هو الأصح، ولو قال صوم أيام الجمعة فعليه صوم سبعة أيام، ولو قال لله علي أن أصوم السبت ثمانية أيام لزمه صوم سبتين، ولو قال لله علي أن أصوم السبت سبعة أيام لزمه صوم سبعة أسبات؛ لأن السبت في سبعة أيام لا يتكرر فحمل كلامه على عدد الأسبات بخلاف الثمانية؛ لأن السبت فيها يتكرر ولو أوجب على نفسه صوما متتابعا فصامه متفرقا لم يجز وعلى عكسه جاز، ولو قال لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم فيه فلان بعدما أكل، أو كانت الناذرة امرأة فحاضت لا يجب شيء في قول محمد وعلى قياس قول أبي حنيفة يجب القضاء، ولو قدم بعد الزوال لا يلزمه شيء في قول محمد ولا رواية فيه عن غيره ولو قال علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان شكرا لله تعالى وأراد به اليمين فقدم فلان في يوم من رمضان كان عليه كفارة اليمين ولا قضاء عليه؛ لأنه لم يوجد شرط البر وهو الصوم بنية الشكر ولو قدم فلان قبل أن ينوي صوم رمضان فنوى به عن الشكر ولا ينوي به عن رمضان بر في يمينه لوجود شرط البر وهو الصوم بنية الشكر وأجزأه عن رمضان كما لو صام رمضان بنية التطوع وليس عليه قضاؤه، ولو قال لله علي صوم مثل شهر رمضان فإن أراد مثله في الوجوب فله أن يفرق وإن أراد به في التتابع فعليه أن يتابع وإن لم يكن له نية فله أن يصوم متفرقا؛ لأنه محتمل لهما فكان له الخيار، ولو قال لله علي أن أصوم عشرة أيام متتابعات فصام خمسة عشر يوما وأفطر يوما لا يدري أن يوم الإفطار من الخمسة، أو من العشرة فإنه يصوم خمسة أيام أخر متتابعات فيوجد عشرة متتابعة، ولو قال لله علي صوم نصف يوم لا يصح بخلاف نصف ركعة حيث يصح عند محمد ونصف حج لا يصح، ولو نذر صوم شهرين متتابعين من يوم قدوم فلان فقدم في شعبان بنى بعد رمضان كما في الحيض، ولو قال إن عوفيت صمت كذا لم يجب عليه حتى يقول لله علي وهذا قياس وفي الاستحسان يجب فإن لم يكن تعليق لا يجب عليه قياسا ولا استحسانا نظيره ما إذا قال أنا أحج لا شيء عليه ولو قال إن فعلت كذا فأنا أحج ففعل يلزمه ذلك، ولو قال لله علي صوم آخر يوم من أول الشهر وأول يوم من آخر الشهر لزمه الخامس عشر والسادس عشر الكل من الظهيرية والولوالجية والخانية وزاد الولوالجي فروعا وبعضها في الخانية وهي، ولو قال لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا فقدم فلان ليلا لم يجب عليه شيء؛ لأن اليوم إذا قرن به ما يختص بالنهار كالصوم يراد به بياض النهار وإذا كان كذلك لم يوجد الوقت الذي أوجب فيه الصوم وهو النهار، ولو قدم يوما قبل الزوال ولم يأكل صامه وإن قدم قبل الزوال وأكل فيه، أو بعد الزوال ولم يأكل فيه صام ذلك اليوم في المستقبل ولا يصوم يومه ذلك؛ لأن المضاف إلى الوقت عند وجود الوقت كالمرسل، ولو أرسل كان الجواب هكذا ولو نذر صوما في رجب، أو صلاة فيه جاز عنه قبله في قول أبي يوسف؛ لأنه إضافة خلافا لمحمد وإن كان معلقا بالشرط بأن قال إذا جاء شهر رجب فعلي أن أصوم لا يجوز قبله؛ لأن المعلق بالشرط لا يكون سببا قبل الشرط ويجوز تعجيل الصدقة المضافة إلى وقت كالزكاة ولو قال لله علي صوم هذا الشهر يوما لزمه صوم ذلك الشهر بعينه متى شاء موسعا عليه إلى أن يموت؛ لأن الشهر لا يتصور أن يكون يوما حقيقة وهو بياض النهار فحمل على الوقت فصار كما لو قال لله علي أن أصوم هذا الشهر وقتا من الأوقات، ولو قال لله علي صيام الأيام ولا نية له كان عليه صيام عشرة أيام عند أبي حنيفة وعندهما سبعة أيام، ولو قال لله علي صيام أيام لزمه صوم ثلاثة؛ لأنه جمع قليل، ولو قال صيام الشهور فعشرة وقالا صيام اثني عشر شهرا ولو قال لله علي صيام السنين لزمه صيام عشرة وقالا لزمه صيام الدهر إلا أن ينوي ثلاثا فيكون ما نوى، ولو قال لله علي صيام الزمن والحين ولا نية له كان على ستة أشهر والزمن مثل الحين في العرف ولا علم لأبي حنيفة بصيام دهر إذا نذره وقالا على ستة أشهر الكل من الولوالجي وفي الكافي لا يختص نذر غير معلق بزمان ومكان ودرهم وفقير‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد قدمنا أن النذر لا يصح بالمعصية للحديث‏:‏ «لا نذر في معصية الله تعالى‏}‏ فقال الشيخ قاسم في شرح الدرر وأما النذر الذي ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد كأن يكون لإنسان غائب أو مريض، أو له حاجة ضرورية فيأتي بعض الصلحاء فيجعل سترة على رأسه فيقول يا سيدي فلان إن رد غائبي، أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك من الذهب كذا، أو من الفضة كذا، أو من الطعام كذا، أو من الماء كذا، أو من الشمع كذا، أو من الزيت كذا فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه منها أنه نذر مخلوق والنذر للمخلوق لا يجوز؛ لأنه عبادة والعبادة لا تكون للمخلوق ومنها أن المنذور له ميت والميت لا يملك ومنها إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى واعتقاده ذلك كفر اللهم إلا أن قال يا الله إني نذرت لك إن شفيت مريضي، أو رددت غائبي أو قضيت حاجتي أن أطعم الفقراء الذين بباب السيدة نفيسة، أو الفقراء الذين بباب الإمام الشافعي، أو الإمام الليث، أو أشتري حصرا لمساجدهم، أو زيتا لوقودها أو دراهم لمن يقوم بشعائرها إلى غير ذلك مما يكون فيه نفع للفقراء و النذر لله عز وجل وذكر الشيخ إنما هو محل لصرف النذر لمستحقيه الفاطنين برباطه، أو مسجده، أو جامعه فيجوز بهذا الاعتبار إذ مصرف النذر الفقراء وقد وجد المصرف ولا يجوز أن يصرف ذلك لغني غير محتاج ولا لشريف منصب؛ لأنه لا يحل له الأخذ ما لم يكن محتاجا، أو فقيرا ولا لذي النسب لأجل نسبه ما لم يكن فقيرا ولا لذي علم لأجل علمه ما لم يكن فقيرا ولم يثبت في الشرع جواز الصرف للأغنياء للإجماع على حرمة النذر للمخلوق ولا ينعقد ولا تشتغل الذمة به ولأنه حرام بل سحت ولا يجوز لخادم الشيخ أخذه ولا أكله ولا التصرف فيه بوجه من الوجوه إلا أن يكون فقيرا، أو له عيال فقراء عاجزون عن الكسب وهم مضطرون فيأخذونه على سبيل الصدقة المبتدأة فأخذه أيضا مكروه ما لم يقصد به الناذر التقرب إلى الله تعالى وصرفه إلى الفقراء ويقطع النظر عن نذر الشيخ فإذا علمت هذا فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت وغيرها وينقل إلى ضرائح الأولياء تقربا إليهم فحرام بإجماع المسلمين ما لم يقصدوا بصرفها للفقراء الأحياء قولا واحدا ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا قضاء إن شرع فيها فأفطر‏)‏ أي إن شرع في صوم الأيام المنهية ثم أفسده فلا قضاء عليه وعن أبي يوسف ومحمد في النوادر أن عليه القضاء؛ لأن الشروع ملزم كالنذر وصار كالشروع في الطلاق في الوقت المكروه والفرق لأبي حنيفة وهو ظاهر الرواية أن بنفس الشروع في الصوم يسمى صائما حتى يحنث به الحالف على الصوم فيصير مرتكبا للنهي فيجب إبطاله ولا تجب صيانته ووجوب القضاء يبتنى عليه ولا يصير مرتكبا للنهي بنفس النذر وهو الموجب ولا بنفس الشروع في الصلاة حتى يتم ركعة ولهذا لا يحنث به الحالف على الصلاة فيجب صيانة المؤدى فيكون مضمونا بالقضاء وعن أبي حنيفة أنه لا يجب القضاء في فصل الصلاة أيضا والأظهر هو الأول كذا في الهداية وتعقب في فتح القدير والتحرير بأنه يقتضي أنه لو قطع بعد السجدة لا يجب قضاؤها والجواب مطلق في الوجوب وحينئذ فالوجه أن لا يصح الشروع لانتفاء فائدته من الأداء والقضاء ولا مخلص إلا بجعل الكراهة تنزيهية‏.‏ ا هـ‏.‏ ولنا مخلص مع جعلها تحريمية كما هو المذهب بأن يقال لما شرع في الصلاة لم يكن مرتكبا للمنهي عنه فوجب عليه المضي وحرم القطع بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تبطلوا أعمالكم‏}‏ فلما قيدها بسجدة حرم عليه المضي فتعارض محرمان ومع أحدهما وجوب فتقدم حرمة القطع والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب‏.‏

باب الاعتكاف

ذكره بعد الصوم لما أنه من شرطه كما سيأتي والشرط يقدم على المشروط وهو لغة افتعال من عكف إذا دام من باب طلب وعكفه حبسه ومنه ‏{‏والهدي معكوفا‏}‏ وسمي به هذا النوع من العبادة؛ لأنه إقامة في المسجد مع شرائط كذا في المغرب وفي الصحاح الاعتكاف الاحتباس وفي النهاية أنه متعد فمصدره العكف ولازم فمصدره العكوف فالمتعدي بمعنى الحبس والمنع ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والهدي معكوفا‏}‏ ومنه الاعتكاف في المسجد وأما اللازم فهو الإقبال على الشيء بطريق المواظبة ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يعكفون على أصنام لهم‏}‏ وشرعا اللبث في المسجد مع نيته فالركن هو اللبث والكون في المسجد والنية شرطان للصحة وأما الصوم فيأتي ومنها الإسلام والعقل والطهارة عن الجنابة والحيض والنفاس وأما البلوغ فليس بشرط حتى يصح اعتكاف الصبي العاقل كالصوم وكذا الذكورة والحرية فيصح من المرأة والعبد بإذن الزوج والمولى، ولو نذرا فلمن له الإذن المنع ويقضيانه بعد زوال الولاية بالطلاق البائن والعتق وأما المكاتب فليس للمولى منعه، ولو تطوعا ولو أذن لها به لم يكن له رجوع لكونه ملكها منافع الاستمتاع بها وهي من أهل الملك بخلاف المملوك؛ لأنه ليس من أهله وقد أعاره منافعه وللمعير الرجوع لكنه يكره لخلف الوعد كذا في البدائع وفيه بحث؛ لأنه لا حاجة إلى التصريح بالإسلام والعقل لما أنهما علما من اشتراط النية؛ لأن الكافر والمجنون ليسا بأهل لها وأما الطهارة من الجنابة فينبغي أن تكون شرطا للجواز بمعنى الحل كالصوم لا للصحة كما صرح به وأما صفته فالسنية كما ذكره على كلام فيه يأتي وأما سببه فالنذر إن كان واجبا والنشاط الداعي إلى طلب الثواب إن كان تطوعا وأما حكمه فسقوط الواجب ونيل الثواب إن كان واجبا والثاني فقط إن كان نفلا وسيأتي ما يفسده ويكره فيه ويحرم ويندب ومحاسنه كثيرة؛ لأن فيه تفريغ القلب عن أمور الدنيا وتسليم النفس إلى المولى والتحصن بحصن حصين وملازمة بيت رب كريم كمن احتاج إلى عظيم فلازمه حتى قضى مآربه فهو يلازم بيت ربه ليغفر له كذا في الكافي وفي الاختيار وهو من أشرف الأعمال إذا كان عن إخلاص‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ سن لبث في مسجد بصوم ونية‏)‏ أي ونية اللبث الذي هو الاعتكاف وقد أشار المصنف إلى صفته وركنه وشرائطه أما الأول فهو السنية وهكذا في كثير من الكتب وفي القدوري الاعتكاف مستحب وصحح في الهداية أنه سنة مؤكدة وذكر الشارح أن الحق انقسامه إلى ثلاثة أقسام واجب وهو المنذور وسنة وهو في العشر الأخير من رمضان ومستحب وهو في غيره من الأزمنة وتبعه المحقق في فتح القدير والأظهر أنه سنة في الأصل كما اقتصر عليه في المتن تبعا لما صرح في البدائع وهي مؤكدة وغير مؤكدة وأطلق عليها الاستحباب؛ لأنها بمعناه وأما الواجب فهو بعارض النذر وفي البدائع أنه يجب بالشروع أيضا ولا يخفى أنه مفرع على ضعيف وهو اشتراط زمن للتطوع وأما على المذهب من أن أقل النفل ساعة فلا والدليل على تأكده في العشر الأخير مواظبته عليه السلام فيه كما في الصحيحين ولهذا قال الزهري عجبا للناس كيف تركوا الاعتكاف وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل الشيء ويتركه ولم يترك الاعتكاف منذ دخل المدينة إلى أن مات فهذه المواظبة المقرونة بعدم الترك مرة لما اقترنت بعدم الإنكار على من لم يفعله من الصحابة كانت دليل السنية وإلا كانت دليل الوجوب كذا في فتح القدير ولا يخفى أن المواظبة قد اقترنت بالترك وهو ما يفيده الحديث من ‏{‏أنه اعتكف العشر الأخير من رمضان فرأى خياما وقبابا مضروبة فقال لمن هذا قال لعائشة وهذا لحفصة وهذا لسودة فغضب وقال أترون البر بهذا فأمر بأن تنزع قبته فنزعت ولم يعتكف فيه ثم قضى في شوال‏}‏ وقد يقال إن الترك هنا لعذر كما صرح به الفتاوى الظهيرية وقد قدمنا في المواظبة كلاما حسنا في سنن الوضوء فارجع إليه ولا فرق في المنذور بين المنجز والمعلق وأشار باللبث إلى ركنه وبالمسجد والصوم والنية إلى شرائطه لكن ذكر الصوم معها لا ينبغي؛ لأنه لا يمكن حمله على المنذور لتصريحه بالسنية ولا على غيره لتصريحه بعد بأن أقله نفلا ساعة فلزم أن الصوم ليس من شرطه فإن قلت يمكن حمله على الاعتكاف المسنون سنة مؤكدة وهو العشر الأخير من رمضان فإن الصوم من شرطه حتى لو اعتكفه من غير صوم لمرض، أو سفر ينبغي أن لا يصح قلت لا يمكن لتصريحهم بأن الصوم إنما هو شرط في المنذور فقط دون غيره وفرعوا عليه بأنه لو نذر اعتكاف ليلة لم يصح؛ لأن الصوم من شرطه والليل ليس بمحل له، ولو نوى اليوم معها لم يصح كذا في الظهيرية وعن أبي يوسف إن نوى ليلة بيومها لزمه ولم يذكر محمد هذا التفصيل ولو قال لله علي أن أعتكف ليلا ونهارا لزمه أن يعتكف ليلا ونهارا وإن لم يكن الليل محلا للصوم؛ لأن الليل يدخل فيه تبعا ولا يشترط للتبع ما يشترط للأصل، ولو نذر اعتكاف يوم قد أكل فيه لم يصح ولم يلزمه شيء؛ لأنه لا يصح بدون الصوم وسيأتي بقية تفاريع النذر ومن تفريعاته هنا أنه لو أصبح صائما متطوعا، أو غير ناو للصوم ثم قال لله علي أن أعتكف هذا اليوم لا يصح وإن كان في وقت تصح فيه نية الصوم لعدم استيفاء النهار وتمامه في فتح القدير وفي فتاوى الظهيرية، ولو قال لله علي أن أعتكف شهرا بغير صوم فعليه أن يعتكف ويصوم وقد علم من كون الصوم شرطا أنه يراعى وجوده لا إيجاده للمشروط له قصدا فلو نذر اعتكاف شهر رمضان لزمه وأجزأه صوم رمضان عن صوم الاعتكاف وإن لم يعتكف قضى شهرا بصوم مقصود لعود شرطه إلى الكمال ولا يجوز اعتكافه في رمضان آخر ويجوز في قضاء رمضان الأول والمسألة معروفة في الأصول في بحث الأمر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأقله نفلا ساعة‏)‏ لقول محمد في الأصل إذا دخل المسجد بنية الاعتكاف فهو معتكف ما أقام تارك له إذا خرج فكان ظاهر الرواية واستنبط المشايخ منه أن الصوم ليس من شرطه على ظاهر الرواية؛ لأن مبنى النفل على المسامحة حتى جازت صلاته قاعدا، أو راكبا مع قدرته على الركوب والنزول ونظر فيه المحقق في فتح القدير بأنه لا يمتنع عند العقل القول بصحة اعتكاف ساعة مع اشتراط الصوم له وإن كان الصوم لا يكون أقل من يوم وحاصله أن من أراد أن يعتكف فليصم سواء كان يريد اعتكاف يوم، أو دونه ولا مانع من اعتبار شرط يكون أطول من مشروطه ومن ادعاه فهو بلا دليل فهذا الاستنباط غير صحيح بلا موجب فالاعتكاف لا يقدر شرعا بكمية لا تصح دونها كالصوم بل كل جزء منه لا يفتقر في كونه عبادة إلى الجزء الآخر ولم يستلزم تقدير شرطه تقديره‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن ما ادعاه أمر عقلي مسلم وبهذا لا يندفع ما صرح به المشايخ الثقات من أن ظاهر الرواية أن الصوم ليس من شرطه وممن صرح به صاحب المبسوط وشرح الطحاوي وفتاوى قاضي خان والذخيرة والفتاوى الظهيرية والكافي للمصنف والبدائع والنهاية وغاية البيان والتبيين وغيرهم والكل مصرحون بأن ظاهر الرواية أن الصوم ليس من شرطه لكن وقع لصاحب المبسوط أنه قال وفي ظاهر الرواية يجوز النفل من الاعتكاف من غير صوم فإنه قال في الكتاب إذا دخل المسجد بنية الاعتكاف فهو معتكف ما أقام تارك له إذا خرج وظاهره أن مستند ظاهر الرواية ما ذكره في الكتاب ولا يمتنع أن يكون مستنده صريحا آخر بل هو الظاهر لنقل الثقات وعبارة البدائع وأما اعتكاف التطوع فالصوم ليس بشرط لجوازه في ظاهر الرواية وروى الحسن أنه شرط واختلاف الرواية فيه مبني على اختلاف الرواية في اعتكاف التطوع أنه مقدر بيوم، أو غير مقدر ذكر محمد في الأصل أنه غير مقدر فلم يكن الصوم شرطا؛ لأن الصوم مقدر بيوم إذ صوم بعض اليوم ليس بمشروع فلا يصلح شرطا لما ليس بمقدر‏.‏ ا هـ‏.‏ وهي تفيد أن ظاهر الرواية مروي لا مستنبط وأشار إلى أنه لو شرع في النفل ثم قطعه لا يلزمه القضاء في ظاهر الرواية؛ لأنه غير مقدر فلم يكن قطعه إبطالا وقد ذكروا في الحيض أن الساعة اسم لقطعة من الزمن عند الفقهاء ولا يختص بخمسة عشر درجة كما يقوله أهل الميقات فكذا هنا وأطلق في المسجد فأفاد أن الاعتكاف يصح في كل مسجد وصححه في غاية البيان لإطلاق قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنتم عاكفون في المساجد‏}‏ وصحح قاضي خان في فتاويه أنه يصح في كل مسجد له أذان وإقامة واختار في الهداية أنه لا يصح إلا في مسجد الجماعة وعن أبي يوسف تخصيصه بالواجب أما في النفل فيجوز في غير مسجد الجماعة ذكره في النهاية وصحح في فتح القدير عن بعض المشايخ ما روي عن أبي حنيفة أن كل مسجد له إمام ومؤذن معلوم ويصلي فيه الخمس بالجماعة يصح الاعتكاف فيه وفي الكافي أراد به أبو حنيفة غير الجامع فإن الجامع يجوز الاعتكاف فيه وإن لم يصلوا فيه الصلوات كلها ويوافقه ما في غاية البيان عن الفتاوى يجوز الاعتكاف في الجامع وإن لم يصلوا فيه بالجماعة وهذا كله لبيان الصحة وأما الأفضل فأن يكون في المسجد الحرام ثم في مسجد المدينة وهو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مسجد بيت المقدس ثم مسجد الجامع ثم المساجد العظام التي كثر أهلها كذا في البدائع وشرح الطحاوي وظاهره أن المجاورة بمكة ليس بمكروه والمروي عن أبي حنيفة الكراهة وعلى قولهما لا بأس به وهو الأفضل قال في النهاية وعليه عمل الناس اليوم إلا أن يقال إن مرادهم الاعتكاف فيه في أيام الموسم فلا يدل على المسألة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والمرأة تعتكف في مسجد بيتها‏)‏ يريد به الموضع المعد للصلاة؛ لأنه أستر لها قيد به؛ لأنها لو اعتكفت في غير موضع صلاتها من بيتها سواء كان لها موضع معد أولا لا يصح اعتكافها وأشار بقوله تعتكف دون أن يقول يجب عليها إلى أن اعتكافها في مسجد بيتها أفضل فأفاد أن اعتكافها في مسجد الجماعة جائز وهو مكروه ذكره قاضي خان وصححه في النهاية وظاهر ما في غاية البيان أن ظاهر الرواية عدم الصحة وفي البدائع أن اعتكافها في مسجد الجماعة صحيح بلا خلاف بين أصحابنا والمذكور في الأصل محمول على نفي الفضيلة لا نفي الجواز وأشار بجعله كالمسجد إلى أنها لو خرجت منه، ولو إلى بيتها بطل اعتكافها إن كان واجبا وانتهى إن كان نفلا والفرق بينهما أنها تثاب في الثاني دون الأول وهكذا في الرجل وفي الفتاوى الظهيرية، ولو نذرت المرأة اعتكاف شهر فحاضت تقضي أيام حيضها متصلا بالشهر وإلا استقبلت وقد تقدم أنها لا تعتكف إلا بإذن زوجها إن كان لها زوج ولو واجبا وفي المحيط، ولو أذن لها في الاعتكاف فأرادت أن تعتكف متتابعا فللزوج أن يأمرها بالتفريق؛ لأنه لم يأذن لها في الاعتكاف متتابعا لا نصا ولا دلالة، ولو أذن لها في اعتكاف شهر، أو صوم شهر بعينه فاعتكفت، أو صامت فيه متتابعا ليس له منعها؛ لأنه أذن لها في التتابع ضرورة أنه متتابع وقوعا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يخرج منه إلا لحاجة شرعية كالجمعة أو طبيعية‏.‏ كالبول والغائط‏)‏ أي لا يخرج المعتكف اعتكافا واجبا من مسجده إلا لضرورة مطلقة لحديث عائشة‏:‏ «كان عليه السلام لا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإنسان‏}‏ ولأنه معلوم وقوعها ولا بد من الخروج في بعضها فيصير الخروج لها مستثنى ولا يمكث بعد فراغه من الطهور؛ لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها وأما الجمعة فإنها من أهم حوائجه وهي معلومة وقوعها ويخرج حين تزول الشمس؛ لأن الخطاب يتوجه بعده وإن كان منزله بعيدا عنه يخرج في وقت يمكنه إدراكها وصلاة أربع قبلها وركعتان تحية المسجد يحكم في ذلك رأيه أن يجتهد في خروجه على إدراك سماع الجمعة؛ لأن السنة إنما تصلى قبل خروج الخطيب كذا قالوا مع تصريحهم بأنه إذا شرع في الفريضة حين دخل المسجد أجزأه عن تحية المسجد؛ لأن التحية تحصل بذلك فلا حاجة إلى تحية غيرها في تحقيقها وكذا السنة فما قالوه هنا من صلاة التحية ويصلي بعدها السنة أربعا على قوله وستا على قولهما، ولو أقام في الجامع أكثر من ذلك لم يفسد اعتكافه؛ لأنه موضع الاعتكاف إلا أنه يكره؛ لأنه التزم أداءه في مسجد واحد فلا يتمه في مسجدين من غير ضرورة وقد ظهر بما ذكروه هنا أن الأربع التي تصلى بعد الجمعة وينوي بها آخر ظهر عليه لا أصل لها في المذهب؛ لأنهم نصوا هنا على أن المعتكف لا يصلي إلا السنة البعدية فقط ولأن من اختارها من المتأخرين فإنما اختارها للشك في أن جمعته سابقة، أو لا بناء على عدم جواز تعددها في مصر واحد وقد نص الإمام شمس الأئمة السرخسي على أن الصحيح من مذهب أبي حنيفة جواز إقامتها في مصر واحد في مسجدين فأكثر قال وبه نأخذ وفي فتح القدير وهو الأصح فلا ينبغي الإفتاء بها في زماننا لما أنهم تطرقوا منها إلى التكاسل عن الجمعة بل ربما وقع عندهم أن الجمعة ليست فرضا وأن الظهر كاف ولا خفاء في كفر من اعتقد ذلك فلذلك نبهت عليها مرارا قيدنا بكون الاعتكاف واجبا؛ لأنه لو كان نفلا فله الخروج؛ لأنه منة له لا مبطل كما قدمناه ومراده بمنع الخروج الحرمة يعني يحرم على المعتكف الخروج ليلا، أو نهارا صرح بالحرمة صاحب المحيط وأفاد أنه لا يخرج لعيادة المريض وصلاة الجنازة لعدم الضرورة المطلقة للخروج كذا في غاية البيان وفي المحيط، ولو أحرم المعتكف بحجة، أو عمرة أقام في اعتكافه إلى أن يفرغ منه ثم يمضي في إحرامه؛ لأنه أمكنه إقامة الأمرين فإن خاف فوت الحج يدع الاعتكاف ويحج ثم يستقبل الاعتكاف؛ لأن الحج أهم من الاعتكاف؛ لأنه يفوت بمضي يوم عرفة وإدراكه في سنة أخرى موهوم وإنما يستقبله؛ لأن هذا الخروج وإن وجب شرعا فإنما وجب بعقده وإيجابه وعقده لم يكن معلوم الوقوع فلا يصير مستثنى عن الاعتكاف وأشار إلى أنه لو خرج لحاجة الإنسان ثم ذهب لعيادة المريض، أو لصلاة الجنازة من غير أن يكون لذلك قصد فإنه جائز بخلاف ما إذا خرج لحاجة الإنسان ومكث بعد فراغة أنه ينتقض اعتكافه عند أبي حنيفة قل، أو كثر وعندهما لا ينتقض ما لم يكن أكثر من نصف يوم كذا في البدائع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن خرج ساعة بلا عذر فسد‏)‏ لوجود المنافي فشمل القليل والكثير وهذا عند أبي حنيفة وقالا لا يفسد إلا بأكثر من نصف يوم وهو الاستحسان؛ لأن في القليل ضرورة كذا في الهداية وهو يقتضي ترجيح قولهما ورجح المحقق في فتح القدير قوله؛ لأن الضرورة التي يناط بها التخفيف اللازمة أو الغالبة وليس هنا كذلك وأراد بالعذر ما يغلب وقوعه كالمواضع التي قدمها وإلا لو أريد مطلقه لكان الخروج ناسيا أو مكرها غير مفسد لكونه عذرا شرعيا وليس كذلك بل هو مفسد كما صرحوا به وبما قررناه ظهر القول بفساده إذا خرج لانهدام المسجد، أو لتفرق أهله، أو أخرجه ظالم، أو خاف على متاعه كما في فتاوى قاضي خان والظهيرية خلافا للشارح الزيلعي، أو خرج لجنازة وإن تعينت عليه، أو لنفير عام، أو لأداء شهادة، أو لعذر المرض، أو لإنقاذ غريق، أو حريق ففرق الشارح هنا بين المسائل حيث جعل بعضها مفسدا والبعض لا تبعا لصاحب البدائع مما لا ينبغي نعم الكل عذر مسقط للإثم بل قد يجب عليه الإفساد إذا تعينت عليه صلاة الجنازة، أو أداء الشهادة بأن كان ينوي حقه إن لم يشهد، أو لإنجاء غريق ونحوه والدليل على ما ذكره القاضي ما ذكره الحاكم في كافيه بقوله فأما في قول أبي حنيفة فاعتكافه فاسد إذا خرج ساعة لغير غائط، أو بول، أو جمعة‏.‏ ا هـ‏.‏ فكان مفسرا للعذر المسقط للفساد وفي فتاوى قاضي خان والولوالجي وصعود المئذنة إن كان بابها في المسجد لا يفسد الاعتكاف وإن كان الباب خارج المسجد فكذلك في ظاهر الرواية قال بعضهم هذا في المؤذن؛ لأن خروجه للآذان يكون مستثنى عن الإيجاب أما في غير المؤذن فيفسد الاعتكاف والصحيح أن هذا قول الكل في حق الكل لأنه خرج لإقامة سنة الصلاة وسنتها تقام في موضعها فلا تعتبر خارجا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي التبيين، ولو كانت المرأة معتكفة في المسجد فطلقت لها أن ترجع إلى بيتها وتبني على اعتكافها‏.‏ ا هـ‏.‏ وينبغي أن يكون مفسدا على ما اختاره القاضي؛ لأنه لا يغلب وقوعه وأراد بالخروج انفصال قدميه احترازا عما إذا خرج رأسه إلى داره فإنه لا يفسد اعتكافه؛ لأنه ليس بخروج ألا ترى أنه لو حلف أنه لا يخرج من الدار ففعل ذلك لا يحنث كذا في البدائع وقد علمت أن الفساد لا يتصور إلا في الواجب وإذا فسد وجب عليه القضاء بالصوم عند القدرة جبرا لما فاته إلا في الردة خاصة غير أن المنذور به إن كان اعتكاف شهر بعينه يقضي قدر ما فسد لا غير ولا يلزمه الاستقبال كالصوم المنذور بشهر بعينه إذا أفطر يوما وجب قضاؤه لا يلزمه الاستقبال كما في صوم رمضان وإن كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الاستقبال؛ لأنه لزمه متتابعا فيراعى فيه صفة التتابع وسواء فسد بصنعه بغير عذر كالخروج والجماع والأكل والشرب في النهار إلا الردة، أو فسد بصنعه لعذر كما إذا مرض فاحتاج إلى الخروج فخرج، أو بغير صنعه رأسا كالحيض والجنون والإغماء الطويل والقياس في الجنون الطويل أن يسقط القضاء كما في صوم رمضان إلا أن في الاستحسان يقضي؛ لأنه لا حرج في قضاء الاعتكاف كذا في البدائع وبهذا علم أن مفسداته على ثلاثة أقسام ولا يفسد الاعتكاف سباب ولا جدال ولا سكر في الليل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأكله وشربه ونومه ومبايعته فيه‏)‏ يعني يفعل المعتكف هذه الأشياء في المسجد فإن خرج لأجلها بطل اعتكافه؛ لأنه لا ضرورة إلى الخروج حيث جازت فيه والفتاوى الظهيرية وقيل يخرج بعد الغروب وللأكل والشرب‏.‏ ا هـ‏.‏ وينبغي حمله على ما إذا لم يجد من يأتي له به فحينئذ يكون من الحوائج الضرورية كالبول والغائط وأراد بالمبايعة البيع والشراء وهو الإيجاب والقبول وأشار بالمبايعة إلى كل عقد احتاج إليه فله أن يتزوج ويراجع كما في‏.‏ البدائع وأطلق المبايعة فشملت ما إذا كانت للتجارة وقيده في الذخيرة بما لا بد له منه كالطعام أما إذا أراد أن يتخذ ذلك متجرا فإنه مكروه وإن لم يحضر السلعة واختاره قاضي خان في فتاويه ورجحه الشارح؛ لأنه منقطع إلى الله تعالى فلا ينبغي له أن يشتغل بأمور الدنيا وقيد بالمعتكف؛ لأن غيره يكره له البيع مطلقا لنهيه عليه السلام عن البيع والشراء في المسجد وكذا كره فيه التعليم والكتابة والخياطة بأجر وكل شيء يكره فيه كره في سطحه واستثنى البزازي من كراهة التعليم بأجر فيه أن يكون لضرورة الحراسة ويكره لغيره النوم فيه وقيل إذا كان غريبا فلا بأس أن ينام فيه كذا في فتح القدير والأكل والشرب كالنوم وفي البدائع وإن غسل المعتكف رأسه في المسجد فلا بأس به إذا لم يلوث بالماء المستعمل فإن كان بحيث يتلوث المسجد يمنع منه؛ لأن تنظيف المسجد واجب، ولو توضأ في المسجد في إناء فهو على هذا التفصيل‏.‏ ا هـ‏.‏ بخلاف غير المعتكف فإنه يكره له التوضؤ في المسجد، ولو في إناء إلا أن يكون موضعا اتخذ لذلك لا يصلى فيه وفي فتح القدير خصال لا تنبغي في المسجد ‏{‏لا يتخذ طريقا ولا يشهر فيه سلاح ولا ينبض فيه بقوس ولا ينثر فيه نبل ولا يمر فيه بلحم نيء ولا يضرب فيه حد ولا يتخذ سوقا رواه‏}‏ ابن ماجه في سننه عنه عليه السلام‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكره إلا بخير‏)‏ أما الأول فلأن المسجد محرز عن حقوق العباد وفيه شغله بها ولهذا قالوا لا يجوز غرس الأشجار فيه والظاهر أن الكراهة تحريمية؛ لأنها محل إطلاقهم كما صرح به المحقق في فتح القدير أول الزكاة ودل تعليلهم أن المبيع لو كان لا يشغل البقعة لا يكره إحضاره كدراهم ودنانير يسيرة، أو كتاب ونحوه وأفاد الإطلاق أن إحضار الطعام المبيع الذي يشتريه ليأكله مكروه وينبغي عدم كراهته كما لا يخفى وأما الثاني وهو الصمت فالمراد به ترك التحدث مع الناس من غير عذر وقد ورد النهي عنه وقالوا إن صوم الصمت من فعل المجوس لعنهم الله تعالى وخصه الإمام حميد الدين الضرير بما إذا اعتقده قربة أما إذا لم يعتقده قربة فلا يكره للحديث‏:‏ «من صمت نجا‏}‏ وأما الثالث وهو أنه لا يتكلم إلا بخير فلقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن‏}‏ وهو بعمومه يقتضي أن لا يتكلم خارج المسجد إلا بخير فالمسجد أولى كذا في غاية البيان وفي التبيين وأما التكلم بغير خير فإنه يكره لغير المعتكف فما ظنك للمعتكف‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهره أن المراد بالخير هنا ما لا إثم فيه فيشمل المباح وبغير الخير ما فيه إثم والأولى تفسيره بما فيه ثواب يعني أنه يكره للمعتكف أن يتكلم بالمباح بخلاف غيره ولهذا قالوا الكلام المباح في المسجد مكروه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب صرح به في فتح القدير قبيل باب الوتر لكن قال الإسبيجابي ولا بأس أن يتحدث بما لا إثم فيه وقال في الهداية لكنه يتجانب ما يكون مأثما والظاهر ما ذكرناه كما لا يخفى قالوا ويلازم قراءة القرآن والحديث والعلم والتدريس وسير النبي صلى الله عليه وسلم وقصص الأنبياء وحكايات الصالحين وكتابة أمور الدين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويحرم الوطء ودواعيه‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد‏}‏؛ لأن المباشرة تصدق على الوطء ودواعيه فيفيد تحريم كل فرد من أفراد المباشرة جماع، أو غيره؛ لأنه في سياق النهي فيفيد العموم والمراد بدواعيه المس والقبلة وهو كالحج والاستبراء والظهار لما حرم الوطء لها حرم دواعيه؛ لأن حرمة الوطء ثبتت بصريح النهي فقويت فتعدت إلى الدواعي أما في الحج فلقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا رفث‏}‏ وأما في الاستبراء فللحديث‏:‏ «لا تنكح الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة‏}‏ وأما في الظهار فلقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من قبل أن يتماسا‏}‏ بخلاف الحيض والصوم حيث لا تحرم الدواعي فيهما؛ لأن حرمة الوطء لم تثبت بصريح النهي ولكثرة الوقوع فلو حرم الدواعي لزم الحرج وهو مدفوع ولأن النص في الحيض معلول بعلة الأذى وهو لا يوجد في الدواعي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويبطل بوطئه‏)‏؛ لأنه محذور بالنص فكان مفسدا له أطلقه فشمل ما إذا كان عامدا أو ناسيا نهارا، أو ليلا أنزل، أو لا بخلاف الصوم إذا كان ناسيا والفرق أن حالة المعتكف مذكرة كحالة الإحرام والصلاة وحالة الصائم غير مذكرة وقيد بالوطء؛ لأن الجماع فيما دون الفرج أو التقبيل، أو اللمس لا يفسد إلا إذا أنزل وإن أمنى بالتفكر أو النظر لا يفسد اعتكافه وإن أكل، أو شرب ليلا لم يفسد اعتكافه وإن أكل نهارا فإن عامدا فسد لفساد الصوم وإن ناسيا لا لبقاء الصوم والأصل أن ما كان من محظورات الاعتكاف وهو ما منع عنه لأجل الاعتكاف لا لأجل الصوم لا يختلف فيه العمد والسهو والنهار والليل كالجماع والخروج وما كان من محظورات الصوم وهو مانع عنه لأجل الصوم يختلف فيه العمد والسهو والنهار والليل كالأكل والشرب كذا في البدائع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولزمه الليالي بنذر اعتكاف أيام‏)‏ كقوله بلسانه لله علي أن أعتكف ثلاثة أيام، أو ثلاثين يوما؛ لأن ذكر الأيام على سبيل الجمع يتناول ما بإزائها من الليالي يقال ما رأيتك منذ أيام والمراد بلياليها وأشار إلى أنه يلزمه الأيام بنذر اعتكاف الليالي؛ لأن ذكر أحد العددين على طريق الجمع ينتظم ما بإزائه من العدد الآخر لقصة زكريا عليه السلام فإنه قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا‏}‏ وقال في آية أخرى ‏{‏قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا‏}‏ والقصة واحدة والرمز الإشارة باليد أو بالرأس، أو بغيرهما وهذا عند نيتهما، أو عدم النية أما لو نوى في الأيام النهار خاصة صحت نيته؛ لأنه نوى حقيقة كلامه بخلاف ما إذا نوى بالأيام الليالي خاصة لم تعمل نيته ولزمه الليالي والنهار؛ لأنه نوى ما لا يحتمله كلامه كذا في البدائع كما إذا نذر أن يعتكف شهرا ونوى النهار خاصة، أو الليل خاصة لا تصح نيته؛ لأن الشهر اسم لعدد مقدر مشتمل على الأيام والليالي فلا يحتمل ما دونه إلا أن يصرح ويقول شهرا بالنهار لزمه كما قال أو يستثني ويقول إلا الليالي؛ لأن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا فكأنه قال ثلاثين نهارا، ولو نذر ثلاثين ليلة ونوى الليالي خاصة صح؛ لأنه نوى الحقيقة ولا يلزمه شيء؛ لأن الليالي ليست محلا للصوم كذا في الكافي وكذا لو نذر أن يعتكف شهرا واستثنى الأيام لا يجب عليه شيء؛ لأن الباقي الليالي المجردة ولا يصح فيها لمنافاتها شرطه وهو الصوم كذا في فتح القدير قيدنا كونه نذر بلسانه؛ لأن مجرد نية القلب لا يلزمه بها شيء‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وليلتان بنذر يومين‏)‏ يعني لزمه اعتكاف ليلتين مع يوميهما إذا نذر اعتكاف يومين؛ لأن المثنى كالجمع فحاصله أنه إما أن يأتي بلفظ المفرد، أو المثنى أو المجموع وكل منهما إما أن يكون اليوم، أو الليل فهي ستة وكل منها إما أن ينوي الحقيقة، أو المجاز، أو ينويهما، أو لم تكن له نية فهي أربعة وعشرون وقد تقدم حكم المجموع والمثنى بأقسامهما بقي حكم المفرد فإن قال لله علي أن أعتكف يوما فقط سواء نواه أو لم تكن له نية ولا يدخل ليلته ويدخل المسجد قبل الفجر ويخرج بعد الغروب فإن نوى الليلة معه لزماه، ولو نذر اعتكاف ليلة لم يصح سواء كان نواها فقط، أو لم تكن له نية فإن نوى اليوم معها لم يصح كما قدمناه عن الظهيرية وفي فتاوى قاضي خان لو نذر اعتكاف ليلة ونوى اليوم لزمه الاعتكاف وإن لم ينو لم يلزمه شيء ولا معارضة لما في الكتابين؛ لأن ما في الظهيرية إنما هو أنه نوى اليوم معها وهنا نوى بالليلة فليتأمل وفي الكافي ومتى دخل في اعتكافه الليل والنهار فابتداؤه من الليل؛ لأن الأصل أن كل ليلة تتبع اليوم الذي بعدها ألا ترى أنه يصلي التراويح في أول ليلة من رمضان ولا يفعل ذلك في أول ليلة من شوال وفي فتاوى الولوالجي من كتاب الأضحية الليلة في كل وقت تبع لنهار يأتي إلا في أيام الأضحى تبع لنهار ما مضى رفقا بالناس‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط من كتاب الحج والليالي كلها تابعة للأيام المستقبلة لا للأيام الماضية إلا في الحج فإنها في حكم الأيام الماضية فليلة عرفة تابعة ليوم التروية وليلة النحر تابعة ليوم عرفة‏.‏ ا هـ‏.‏ فتحصل أنها تبع لما يأتي إلا في ثلاثة مواضع وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا الليل سابق النهار‏}‏ فقال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره إن سلطان الليل وهو القمر ليس يسبق الشمس وهي سلطان النهار وقيل تفسيره الليل لا يدخل وقت النهار وأطال الكلام في بيان الوجه الأول فراجعه فعلى هذا إذا ذكر المثنى، أو المجموع يدخل المسجد قبل الغروب ويخرج بعد الغروب من آخر يوم نذره كما صرح به قاضي خان في فتاويه وصرح بأنه إذا قال أياما يبدأ بالنهار فيدخل المسجد قبل طلوع الفجر‏.‏ ا هـ‏.‏ فعلى هذا لا يدخل الليل في نذر الأيام إلا إذا ذكر له عددا معينا كما لا يخفى ثم الأصل أنه متى دخل في اعتكافه الليل والنهار فإنه يلزمه متتابعا ولا يجزيه لو فرق ومتى لم يدخل الليل جاز له التفريق كالتتابع فإذا نذر اعتكاف شهر لزمه شهر بالأيام والليالي متتابعا في ظاهر الرواية بخلاف ما إذا نذر أن يصوم شهرا لا يلزمه التتابع كذا في البدائع وفتاوى قاضي خان وفي الخلاصة من الأيمان من الجنس الثالث في النذر، ولو قال لله علي صوم شهران قال صوم شهر بعينه كرجب يجب عليه التتابع، ولو أفطر يوما يلزمه الاستقبال كما في رمضان وإنما يلزمه القضاء وإن قال لله علي صوم شهر ولم يعين إن قال متتابعا لزمه متتابعا وإن أطلق لا يلزمه التتابع وفي الاعتكاف يلزمه بصفة التتابع في المعين وغير المعين ثم في الصوم والاعتكاف أفسد يوما إن كان شهرا معينا لا يلزمه الاستقبال وإن كان غير معين لزمه‏.‏ ا هـ‏.‏ يعني‏:‏ لزمه الاستقبال في الصوم إن ذكر التتابع وفي الاعتكاف مطلقا وعلل له في المبسوط بأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى وما أوجب الله متتابعا إذا أفطر فيه يوما لزمه الاستقبال كصوم الظهار والقتل والإطلاق في الاعتكاف كالتصريح بالتتابع بخلاف الإطلاق في نذر الصوم والفرق بينهما أن الاعتكاف يدوم بالليل والنهار فكان متصل الأجزاء وما كان متصل الأجزاء لا يجوز تفريقه إلا بالتنصيص عليه بخلاف الصوم فإنه لا يوجد ليلا فكان متفرقا وما كان متفرقا في نفسه لا يجب الوصل فيه إلا بالتنصيص‏.‏ ا هـ‏.‏ وأطلق في النذر فشمل ما إذا نذر اعتكاف يوم العيد فإنه منعقد ويجب عليه قضاؤه في وقت آخر؛ لأن الاعتكاف لا يصح إلا بالصوم والصوم فيه حرام وكفر عن يمينه إن أراد يمينا لفوات البر وإن اعتكف فيه أجزأه وقد أساء كما في الصوم كذا في فتاوى الولوالجي وغيرها وقد علم مما قدمناه في الصوم أنه لو نذر اعتكاف يوم، أو شهر معين فاعتكف قبله يجوز لما أن التعجيل بعد وجود السبب جائز وقد صرحوا به هنا وذكروا فيه خلافا وينبغي أن لا يكون فيه خلاف كما ذكرناه وكذا يلغو تعيين المكان كما إذا نذر الاعتكاف بالمسجد الحرام فاعتكف في غيره فإنه يجوز وفي الفتاوى الظهيرية ولو نذر اعتكاف شهر ثم عاش عشرة أيام ثم مات أطعم عنه عن جميع الشهر وفي الكافي وليلة القدر في رمضان دائرة لكنها تتقدم وتتأخر وعندهما تكون في رمضان ولا تتقدم ولا تتأخر حتى لو قال لعبده أنت حر ليلة القدر فإن قال قبل دخول رمضان عتق إذا انسلخ الشهر وإن قال بعد مضي ليلة منه لم يعتق حتى ينسلخ رمضان من العام القابل عنده لجواز أنها كانت في الشهر الماضي في الليلة الأولى وفي الشهر الآتي في الليلة الأخيرة وعندهما إذا مضى ليلة منه في العام القابل عتق؛ لأنها لا تتقدم ولا تتأخر وفي المحيط الفتوى على قول أبي حنيفة لكن قيده بما إذا كان الحالف فقيها يعرف الاختلاف وإن كان عاميا فليلة القدر ليلة السابع والعشرين وجعل مذهبهما أنها في النصف الأخير من رمضان فخالف ما في الكافي وذكر في فتاوى قاضي خان أن المشهور عن أبي حنيفة أنها تدور في السنة وقد تكون في رمضان وقد تكون في غيره وفي فتح القدير وأجاب أبو حنيفة عن الأدلة المفيدة لكونها في العشر الأواخر بأن المراد بذلك لرمضان الذي كان عليه الصلاة والسلام التمسها فيه والسياقات تدل عليه لمن تأمل طرق الأحاديث وألفاظها كقوله إن الذي تطلب أمامك وإنما كان يطلب ليلة القدر من تلك السنة ومن علاماتها أنها بلجة ساكنة لا حارة ولا قارة تطلع الشمس صبيحتها بلا شعاع كأنها طست كذا قالوا وإنما أخفيت ليجتهد في طلبها فينال بذلك أجر المجتهدين في العبادة كما أخفى سبحانه الساعة ليكونوا على وجل من قيامها بغتة والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏