فصل: كتاب السير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كتاب السير

مناسبته للحدود من حيث إن المقصود منهما إخلاء العالم عن الفساد فكان كل منهما حسنا لمعنى في غيره وقدمها عليه؛ لأنها معاملة مع المسلمين، والجهاد معاملة مع الكفار وهذا الكتاب يعبر عنه بالسير، والجهاد، والمغازي فالسير جمع سيرة وهي فعلة بكسر الفاء من السير فتكون لبيان هيئة السير وحالته إلا أنها غلبت في لسان الشرع على أمور المغازي وما يتعلق بها كالمناسك على أمور الحج وقالوا‏:‏ السير الكبير فوصفوها بصفة المذكر لقيامها مقام المضاف الذي هو الكتاب كقولهم صلاة الظهر وسير الكبير خطا كجامع الصغير وجامع الكبير والجهاد هو الدعاء إلى الدين الحق، والقتال مع من امتنع عن القبول بالنفس، والمال، والمغازي جمع المغزاة من غزوت العدو وقصدته للقتال غزوا وهي الغزوة، والغزاة، والمغزاة وسبب الجهاد عندنا كونهم حربا علينا وعند الشافعي هو كفرهم كذا في النهاية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ الجهاد فرض كفاية ابتداء‏)‏ مفيد لثلاثة أحكام الأول كونه فرضا ودليله الأوامر القطعية كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاقتلوا المشركين‏}‏ ‏{‏وقاتلوا المشركين كافة‏}‏ ‏{‏قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر‏}‏ وتعقب بأنها عمومات مخصوصة، والمخصوص ظني الدلالة وبه لا يثبت الفرض وأجيب بأن خروج الصبي، والمجنون منها بالعقل لا يصيره ظنا، وأما غيرهما فنفس النص ابتداء لم يتعلق به؛ لأنه مقيد بمن بحيث يحارب كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقاتلوا المشركين كافة‏}‏ الآية فلم تدخل المرأة وأما الأحاديث الواردة فيه فظنية لا تفيد الافتراض وقول صاحب الإيضاح إذا تأيد خبر الواحد بالكتاب، والإجماع يفيد الفرضية ممنوع بل المفيد حينئذ الكتاب، والإجماع وجاء الخبر على وفقهما، وأما قوله عليه السلام‏:‏ «الجهاد ماض إلى يوم القيامة» فدليل على وجوبه وأنه لا ينسخ وهو من مضى في الأرض مضاء نفذ‏.‏ الثاني‏:‏ كونه على الكفاية؛ لأنه ما فرض لعينه إذ هو إفساد في نفسه، وإنما فرض لإعزاز دين الله تعالى ودفع الشر عن العباد، فإذا حصل المقصود بالبعض سقط عن الباقين كصلاة الجنازة ورد السلام، والأدلة المذكورة، وإن كانت تفيد فرض العين لكن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وكلا وعد الله الحسنى‏}‏ وعد القاعدين الحسنى فلو كان فرض عين لاستحقوا الإثم، وقد صح خروجه عليه السلام في بعض الغزوات وقعوده في البعض، وقد ظن بعض المشايخ من جواز القعود إذا لم يكن النفير عاما أنه تطوع في هذه الحالة وأكثرهم على أنه فرض كفاية فيها وليس بتطوع أصلا كما في الذخيرة وهو الصحيح كما في التتارخانية هذا وفضله عظيم كما نطقت به الأحاديث النبوية وفي الخانية الحراسة بالليل عند الحاجة إليها أفضل من صلاة الليل وفي فتح القدير ومن توابع الجهاد الرباط وهو الإقامة في مكان يتوقع هجوم العدو فيه لقصد دفعه لله تعالى، والأحاديث في فضله كثيرة واختلف في محله، فإنه لا يتحقق في كل مكان، والمختار أن يكون في موضع لا يكون وراءه إسلام وجزم به في التجنيس الثالث افتراضه، وإن لم يبدؤنا للعمومات‏.‏ وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن قاتلوكم فاقتلوهم‏}‏ فمنسوخ كما في العناية أطلقه فأفاد أنه لا يتقيد بزمان، وتحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ بالعمومات‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن قام به قوم سقط عن الكل وإلا أثموا بتركه‏)‏ بيان لحكم فرض الكفاية وفي الولوالجية ولا ينبغي أن يخلو ثغر المسلمين ممن يقاوم الأعداء، فإن ضعف أهل الثغر من المقاومة وخيف عليهم فعلى من وراءهم من المسلمين أن يعينوهم بأنفسهم، والسلاح، والكراع ليكون الجهاد قائما، والدعاء إلى الإسلام دائما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يجب على صبي وامرأة وعبد وأعمى ومقعد وأقطع‏)‏؛ لأن الصبي غير مكلف وكذا المجنون، والعبد، والمرأة مشغولان بحق الزوج، والمولى وحقهما مقدم على فرض الكفاية، والأعمى ونحوه عاجزون، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏ليس على الأعمى حرج‏}‏ أطلق في المرأة، والعبد وقيده في فتح القدير بعدم الإذن أما لو أمر السيد، والزوج العبد، والمرأة بالقتال يجب أن يكون فرض كفاية ولا نقول صار فرض عين لوجوب طاعة المولى، والزوج حتى إذا لم يقاتل في غير النفير العام يأثم؛ لأن طاعتهما المفروضة عليهما في غير ما فيه المخاطرة بالروح، وإنما يجب ذلك على المكلفين لخطاب الرب جل جلاله بذلك، والغرض انتفاؤه عنهم قبل النفير العام ا هـ‏.‏ وفيه نظر؛ لأن المرأة لا يجب عليها طاعة الزوج في كل ما يأمر به إنما ذلك فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه خصوصا إذا كان في أمره إضرار بها، فإنها تأثم على تقدير فرض الكفاية وترك الناس كلهم الجهاد نعم هو في العبد ظاهر لعموم وجوب الطاعة عليه وفي الذخيرة ويجوز للأب أن يأذن للصبي المراهق إذا طاق القتال بالخروج له، وإن كان يخاف عليه القتل؛ لأن قصده تهذيبه لا إتلافه فهو كتعليمه السباحة وكختنه وقيده ركن الإسلام السغدي بأن لا يخاف عليه نحو أن يرمي بالحجر فوق الحصن أو بالنشاب أما إذا كان يخاف عليه بأن كان يخرج للبراز فليس له أن يأذن له في القتال‏.‏ ا هـ‏.‏ وأشار بالمرأة، والعبد إلى أن المديون لا يخرج إلى الجهاد ما لم يقض دينه، فإن لم يكن عنده وفاء لا يخرج إلا بإذن الغريم؛ لأنه تعلق به حق الغريم، فإن كان للمال كفيل كفل بإذنه لا يخرج إلا بإذنهما، وإن كفل بغير إذنه لا يخرج إلا بإذن الطالب خاصة كذا في التجنيس وهو يفيد أن له أن يأذن له أن يخرج بغير إذن الكفيل بالنفس؛ لأنه لا ضرر على الكفيل إذا تعذر إحضاره عليه وفي الذخيرة إن أذن له الدائن ولم يبرئه فالمحتسب له الإقامة لقضاء الدين؛ لأن الأولى أن يبدأ بما هو الأوجب، فإن غزا فلا بأس وهذا إذا كان الدين حالا، فإن كان مؤجلا وهو يعلم بطريق الظاهر أنه يرجع قبل أن يحل الأجل فالأفضل الإقامة لقضاء الدين، فإن خرج بغير إذن لم يكن به بأس لعدم توجه المطالبة بقضائه‏.‏ ا هـ‏.‏ وإلى أنه لا يخرج إلى الجهاد إلا بإذن الوالدين، فإن أذن له أحدهما ولم يأذن له الآخر فلا ينبغي له أن يخرج وهما في سعة من أن يمنعاه إذا دخل عليهما مشقة؛ لأن مراعاة حقهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية فكان مراعاة فرض العين أولى، فإن لم يكن له أبوان وله جدان أو جدتان فأذن له أب الأب وأم الأم ولم يأذن له الآخران فلا بأس بالخروج؛ لأن أب الأب قائم مقام الأب وأم الأم قائمة مقام الأم فكانا بمنزلة الأبوين، وأما سفر التجارة، والحج فلا بأس بأن يخرج بغير إذن، والديه؛ لأنه ليس فيه خوف هلاكه حتى لو كان السفر في البحر لا يخرج بغير إذنهما ثم إنما يخرج بغير إذنهما للتجارة إذا كانا مستغنيين عن خدمته أما إذا كان محتاجين فلا كذا في التجنيس‏.‏ وتعبيره في فتح القدير بالحرمة تسامح، وإنما الثابت الكراهة وفي البزازية دلت العلة على التحاق الخروج إلى العلم بالحج، والتجارة ولأن الخروج إلى التجارة لما جاز لأن يجوز للعلم أولى‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا كله إذا كان أبواه مسلمين، وأما إذا كانا كافرين أو أحدهما فكرها خروجه إلى الجهاد أو كره الكافر ذلك فعليه أن يتحرى، فإن وقع تحريه على أن الكراهة لما يلحقهما من التفجيع، والمشقة لأجل الخوف عليه من القتل لا يخرج، وإن كان لأجل كراهة قتال الكفار يخرج، فإن شك ينبغي أن لا يخرج كذا في الذخيرة وفيها أن من سوى الأصول إذا كرهوا أخرجوه للجهاد، فإن كان يخاف عليهم الضياع، فإنه لا يخرج بغير إذنهم وألا يخرج وكذا امرأته ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية، وإن كان عند الرجل ودائع وأربابها غيب، فإن أوصى إلى رجل أن يدفع الودائع إلى أربابها كان له أن يخرج إلى الجهاد، والعالم الذي ليس في البلدة أحد أفقه منه ليس له أن يغزو لما يدخل عليهم من الضياع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفرض عين إن هجم العدو فتخرج المرأة، والعبد بلا إذن زوجها وسيده‏)‏؛ لأن المقصود عند ذلك لا يحصل إلا بالإقامة الكل فيفترض على الكل فرض عين فلا يظهر ملك اليمين ورق النكاح في حقه كما في الصلاة، والصوم بخلاف ما قبل ذلك؛ لأن بغيرهما مقنعا ولا ضرورة إلى إبطال حق المولى، والزوج وأفاد خروج الولد بغير إذن، والديه بالأولى وكذا الغريم يخرج إذا صار فرض عين بغير إذن دائنه وأن الزوج، والمولى إذا منعا أثما كذا في الذخيرة ولا بد من قيد آخر وهو الاستطاعة في كونه فرض عين فخرج المريض المدنف أما الذي يقدر على الخروج دون الدفع ينبغي أن يخرج لتكثير السواد؛ لأن فيه إرهابا كذا في فتح القدير‏.‏ والهجوم الإتيان بغتة، والدخول من غير استئذان كذا في المغرب، والمراد هجومه على بلدة معينة من بلاد المسلمين فيجب على جميع أهل تلك البلدة وكذا من يقرب منهم إن لم يكن بأهلها كفاية وكذا من يقرب ممن يقرب إن لم يكن ممن يقرب كفاية أو تكاسلوا وعصوا وهكذا إلى أن يجب على جميع أهل الإسلام شرقا وغربا كتجهيز الميت، والصلاة عليه يجب أولا على أهل محلته، فإن لم يفعلوا عجزا وجب على من ببلدتهم على ما ذكرنا هكذا ذكروا وكان معناه إذا دام الحرب بقدر ما يصل الأبعدون وبلغهم الخبر وإلا فهو تكليف ما لا يطاق بخلاف إنقاذ الأسير وجوبه على كل متجه من أهل المشرق، والمغرب ممن علم ويجب أن لا يأثم من عزم على الخروج وقعوده لعدم خروج الناس وتكاسلهم أو قعود السلطان أو منعه كذا في فتح القدير وفي الذخيرة إذا دخل المشركون أرضا فأخذوا الأموال وسبوا الذراري، والنساء فعلم المسلمون بذلك وكان لهم عليهم قوة كان عليهم أن يتبعوهم حتى يستنقذوهم من أيديهم ما داموا في دار الإسلام فإذا دخلوا أرض الحرب فكذلك في حق النساء، والذراري ما لم يبلغوا حصونهم وجدرهم ويسعهم أن لا يتبعوهم في حق المال وذراري أهل الذمة وأموالهم في ذلك بمنزلة ذراري المسلمين وأموالهم‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البزازية امرأة مسلمة سبيت بالمشرق وجب على أهل المغرب تخليصها من الأسر ما لم تدخل دار الحرب؛ لأن دار الإسلام كمكان واحد‏.‏ ا هـ‏.‏ ومقتضى ما في الذخيرة أنه يجب تخليصها ما لم تدخل حصونهم وجدرهم وفي الذخيرة ويستوي أن يكون المستنفر عدلا أو فاسقا يقبل خبره في ذلك؛ لأنه خبر يشتهر بين المسلمين في الحال وكذلك الجواب في منادي السلطان يقبل خبره عدلا كان أو فاسقا‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكره الجعل إن وجد فيء وإلا لا‏)‏ أي إن لم يوجد فلا كراهة؛ لأنه يشبه الأجر ولا ضرورة إليه؛ لأن مال بيت المال معد لنوائب المسلمين، وإن دعت الضرورة فلا بأس أن يقوي المسلمون بعضهم بعضا؛ لأن فيه دفع الضرر الأعلى بإلحاق الأدنى يؤيده أنه عليه السلام أخذ دروعا من صفوان وعمر رضي الله عنه كان يغزي الأعزب عن ذي الحليلة ويعطي الشاخص فرس القاعد، والجعل بضم الجيم ما يجعل للإنسان في مقابلة شيء يفعله، والمراد به هنا أن يكلف الإمام الناس بأن يقوي بعضهم بعضا بالكراع، والسلاح وغير ذلك من النفقة، والزاد، والفيء المال المأخوذ من الكفار بغير قتال كالخراج، والجزية، وأما المأخوذ بقتال، فإنه يسمى غنيمة كذا في فتح القدير وظاهره أنه إذا لم يكن في بيت المال فيء وكان فيه غيره من بقية الأنواع، فإنه لا يكره الجعل ولا يخفى ما فيه، فإنه لا ضرورة لجواز الاستقراض من بقية الأنواع ولذا لم يذكر الفيء في الذخيرة، والولوالجية إنما ذكر مال بيت المال وهو الحق وفي الذخيرة ثم من كان قادرا على الجهاد بنفسه وماله فعليه أن يجاهد بنفسه وماله قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وجاهدوا في الله حق جهاده‏}‏ وحق الجهاد أن يجاهد بنفسه وماله ولا ينبغي له في هذه الحالة أن يأخذ من غيره جعلا ومن عجز عن الخروج وله مال ينبغي أن يبعث غيره عن نفسه بماله ومن قدر بنفسه ولا مال له، فإن كان في بيت المال مال يعطيه الإمام كفايته من بيت المال، فإن أعطاه كفايته لا ينبغي أن يأخذ من غيره جعلا وإلا فله أن يأخذ الجعل من غيره قال ركن الإسلام علي السغدي‏:‏ إذا قال القاعد للشاخص خذ هذا المال فاغز به، فإنه ليس باستئجار على الجهاد فأما إذا قال خذه لتغزو به عني فهذا استئجار على الجهاد فلا يجوز وينبغي أن تكون مسألة الحج على هذا التفصيل، وإذا دفع الرجل إلى غيره جعلا ليغزو به عنه هل له أن يصرفه في غير الغزو فهو على وجهين إن قال له اغز بهذا المال عني فليس له صرفه في غيره كقضاء دينه ونفقة أهله كمن دفع إلى آخر مالا وقال حج به عني، وإن قال اغز به فله صرفه إلى غيره كمن دفع مالا وقال حج به؛ لأنه ملكه المال وأشار إليه إشارة فله أن لا يأخذ بإشارته كقوله هذه الدار لك فاسكنها وهذا الثوب لك فالبسه كان له أن لا يسكنها ولا يلبسه وفي شرح السير أن للمدفوع إليه أن يترك بعض الجعل لنفقة عياله على كل حال؛ لأنه لا يتهيأ له الخروج إلا بهذا فكان من أعمال الجهاد معنى وتفرع على الوجهين ما إذا عرض له عارض من مرض أو غيره فأراد أن يدفع إلى غيره أقل مما أخذ ليغزو به، فإن كان مراده إمساك الفضل لرب المال فلا بأس به، وإن كان مراده الإمساك لنفسه ففي الوجه الأول لا يملك ذلك؛ لأنه ما ملكه بل أباح له الإنفاق على نفسه في الغزو وفي الثاني يملكه؛ لأن له أن لا يغزو أصلا كذا في الذخيرة مختصرا‏.‏ وفي الظهيرية وينبغي أن تكون ألوية المسلمين بيضاء، والرايات سوداء، واللواء للإمام، والرايات للقواد وينبغي أن يتخذ لكل قوم شعارا حتى إذا ضل رجل عن رايته نادى بشعاره وليس ذلك بواجب، والشعار العلامة، والخيار إلى إمام المسلمين إلا أنه ينبغي له أن يختار كلمة دالة على ظفرهم بالعدو بطريق التفول ويكره للغزاة اتخاذ الأجراس في دار الحرب؛ لأنه يدلهم على المسلمين أما في بلاد الإسلام فلا بأس به ولا بأس بهذه الطبول التي تضرب في الحرب لاجتماع الناس واستعدادهم للقتال؛ لأنها ليست بطبلة لهو وينبغي أن يكون أمير الجيش بصيرا بأمر الحرب حسن التدبير لذلك ليس ممن يقتحم بهم المهالك ولا مما يمنعهم عن الفرصة وينبغي للإمام أن يستقبل الصفوف ويطوف عليهم يحضهم على القتال ويبشرهم بالفتح إن صدقوا أو صبروا كذا في الظهيرية مختصرا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن حاصرناهم ندعوهم إلى الإسلام‏)‏ أي ضيقنا بالكفار وأحطنا بهم يقال حاصره العدو محاصرة وحصارا إذا ضيقوا عليه وأحاطوا به فطلب منهم الدخول في دين الإسلام لما روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال‏:‏ «ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما قط إلا دعاهم»‏.‏ وفي الصحيح‏:‏ «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»‏.‏

ولم يذكر المصنف ما يصير به الكافر مسلما وهو نوعان قول وفعل، والكفار أقسام‏:‏ قسم يجحدون الباري جل وعلا وإسلامهم إقرارهم بوجوده، وقسم يقرون به ولكن ينكرون وحدانيته وإسلامهم إقرارهم بوحدانيته، وقسم أقروا بوحدانيته وجحدوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وإسلامهم إقرارهم برسالته صلى الله عليه وسلم فالأصل أن كل من أقر بخلاف ما كان معلوما من اعتقاده أنه يحكم بإسلامه وهذا في غير الكتابي أما اليهودي، والنصراني فكان إسلامهم في زمنه عليه السلام بالشهادتين؛ لأنهم كانوا ينكرون رسالة النبي عليه الصلاة والسلام أما اليوم ببلاد العراق فلا يحكم بإسلامه بهما ما لم يقل تبرأت عن ديني ودخلت في دين الإسلام؛ لأنهم يقولون‏:‏ إنه أرسل إلى العرب، والعجم لا إلى بني إسرائيل كذا صرح به محمد رحمه الله، وإنما شرط مع التبري إقرارهم بالدخول في الإسلام؛ لأنه قد تبرأ من اليهودية ويدخل في النصرانية أو في المجوسية ولو قيل لنصراني‏:‏ أمحمد رسول الله حق‏؟‏ فقال نعم لا يصير مسلما وهو الصحيح ولو قال رسول إلى العرب، والعجم لا يصير مسلما؛ لأنه يمكنه أن يقول‏:‏ هو رسول إلى العرب، والعجم إلا أنه لم يبع بعد، فإن قيل يجب أن لا يحكم بإسلام اليهودي، والنصراني، وإن أقر برسالة محمد عليه السلام وتبرأ عن دينه ودخل في دين الإسلام ما لم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ويقر بالبعث وبالقدر خيره وشره من الله تعالى؛ لأنها من شرائط الإسلام كما في حديث جبريل عليه السلام قلنا الإقرار بهذه الأشياء، وإن لم يوجد نصا فقد وجد دلالة؛ لأنه لما أقر بدخوله في الإسلام فقد التزم جميع ما كان شرط صحته ولو قال الكتابي أنا مسلم أو أسلمت لا يحكم بإسلامه؛ لأنهم يدعون ذلك؛ لأنفسهم وكذا لو قال أنا على دين الحنيفية ولو قال الذمي لمسلم أنا مسلم مثلك يصير مسلما كذا في الذخيرة، والفتاوى‏.‏ فالحاصل أن الكتابي اليوم إذا أتى بالشهادتين لا يحكم بإسلامه وفي الفتاوى السراجية سئل إذا قال الذمي أنا مسلم أو إن فعلت كذا فأنا مسلم ثم فعله أو تلفظ بالشهادتين لا غير هل يصير مسلما أجاب لا يحكم بإسلامه في شيء من ذلك كذا أفتى علماؤنا والذي أفتى به إذا تلفظ بالشهادتين يحكم بإسلامه، وإن لم يتبرأ عن دينه الذي كان عليه؛ لأن التلفظ بهما صار علامة على الإسلام فيحكم بإسلامه، وإذا رجع إلى ما كان عليه يقتل إلا أن يعود إلى الإسلام فيترك‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا يجب المصير إليه في ديار مصر بالقاهرة لأنه لا يسمع من أهل الكتاب فيها الشهادتان ولذا قيده محمد بالعراق وأما بالفعل، فإن صلى بالجماعة صار مسلما بخلاف ما إذا صلى وحده إلا إذا قال الشهود صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأما إذا صام أو أدى الزكاة أو حج لم يحكم بإسلامه في ظاهر الرواية وعن محمد أنه إذا حج على الوجه الذي يفعله المسلمون يحكم بإسلامه كذا في الذخيرة وفي التتارخانية، وإن صلى خلف إمام ثم أفسد لم يكن مسلما وكذا إذا قرأ القرآن أو صلى على محمد لم يكن مسلما أيضا، وأما الآذان، فإن شهدوا أنه كان يؤذن ويقيم كان مسلما سواء كان الآذان في السفر أو في الحضر، وإن قالوا سمعناه يؤذن في المسجد فليس بشيء حتى يقولوا هو مؤذن، فإذا قالوا ذلك فهو مسلم؛ لأنهم إذا قالوا‏:‏ إنه مؤذن كان ذلك عادة له فيكون مسلما كذا في البزازية وينبغي أن يكون ذلك في حق الكتابي بناء على أن لا يكون مسلما بمجرد الشهادتين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن أسلموا وإلا إلى الجزية‏)‏ أي وإن لم يسلموا ندعوهم إلى أداء الجزية للحديث المعروف وسيأتي التصريح من المصنف أن مشركي العرب، والمرتدين لا تقبل منهم الجزية بل إما الإسلام أو السيف فلا يدعوا إليها ابتداء لعدم الفائدة فلا يرد على إطلاقه هنا وفي شرح الطحاوي إذا أسلموا نترك أموالهم ونجعل أراضيهم عشرية ونأمرهم بالتحول من دارهم إلى دار الإسلام؛ لأن المقام للمسلم في دار الحرب مكروه، فإن أبوا أخبرهم أنهم كأعراب المسلمين ليس لهم في الفيء ولا في الغنيمة ولا في الخمس ولا في بيت المال نصيب هذا إذا كان مكانهم بدار الحرب ليس متصلا بدار الإسلام، فإن كان متصلا لا يؤمرون بالتحول وفي التتارخانية وينبغي للإمام أن يبين لهم مقدار الجزية ووقت وجوبها ويعلمهم أنه إنما يأخذها منهم في كل سنة مرة وأن الغني يؤخذ منه كذا ومن الفقير كذا ومن الوسط كذا‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن قبلوا فلهم ما لنا وعليهم ما علينا‏)‏ أي قبلوا إعطاء الجزية صاروا ذمة لنا قال علي رضي الله عنه إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا وسيأتي في البيوع استثناء عقدهم على الخمر، والخنزير وأن عقدهم على الخمر كعقدنا على العصير وعقدهم على الخنزير كعقدنا على الشاة وقدمنا أن الذمي مؤاخذ بالحدود، والقصاص إلا حد شرب الخمر وتقدم في كتاب النكاح أنهم إذا اعتقدوا جوازه بغير مهر أو شهود أو في عدة نتركهم وما يدينون بخلاف الربا، فإنه مستثنى من عقودهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا نقاتل من لا تبلغه الدعوة إلى الإسلام‏)‏ أي لا يجوز القتال لقوله عليه السلام في وصية أمراء الأجناد فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ولأنهم بالدعوة يعلمون أنا نقاتلهم على الدين لا على سلب الأموال وسبي الذراري فلعلهم يجيبون فنكفى مؤنة القتال ولو قاتلهم قبل الدعوة أثم للنهي ولا غرامة لعدم العاصم وهو الدين أو الإحراز بالدار فصار كقتل النسوان والصبيان أطلق الدعوة فشمل الحقيقية، والحكمية فالحقيقية باللسان، والحكمية انتشار الدعوة شرقا وغربا أنهم إلى ماذا يدعون وعلى ماذا يقاتلون فأقيم ظهورها مقامها، وقد نص محمد عليه في السير الكبير فقال‏:‏ وإذا لقي المسلمون المشركين، فإن كان المشركون قوما لم يبلغهم الإسلام لا حقيقة ولا حكما فلا ينبغي لهم أن يقاتلوهم حتى يدعوهم إلى الإسلام وفي فتح القدير ولا شك أن في بلاد الله تعالى من لا شعور له بهذا الأمر فيجب أن المراد غلبة ظن أن هؤلاء لم تبلغهم الدعوة وفي التتارخانية، وإن كانوا قوما قد بلغهم الإسلام إلا أنهم لا يدرون أيقبل المسلمون الجزية أم لا فلا ينبغي لهم أن يقاتلوهم حتى يدعوهم إلى الجزية‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وندعو ندبا من بلغته‏)‏ أي الدعوة مبالغة في الإنذار ولا يجب ذلك؛ لأنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون وعهد إلى أسامة أن يغير على أبنى صباحا ثم يحرق، والغارة لا تكون بدعوة وأبنى بوزن حبلى موضع بالشام أطلق في الاستحباب وهو مقيد بأن لا يتضمن ضررا بأن يعلم أنهم بالدعوة يستعدون أو يحتالون أو يتحصنون وغلبة الظن في ذلك بما يظهر من أحوالهم كالعلم كذا في فتح القدير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإلا فنستعين عليهم بالله تعالى بنصب المجانيق وحرقهم وغرقهم وقطع أشجارهم وإفساد زروعهم ورميهم، وإن تترسوا ببعضنا ونقصدهم‏)‏ أي إن لم يقبلوا الجزية إلى آخره أما الاستعانة فلأنه تعالى هو الناصر لأوليائه، والمدمر على أعدائه فيستعان به في كل الأمور، وأما نصب المجانيق فلأنه عليه السلام نصبها على الطائف، وأما التحريق ونحوه فلأنه عليه السلام أحرق البويرة وأرسلوا عليهم الماء وقطعوا أشجارهم وأفسدوا زروعهم؛ لأن في جميع ذلك إلحاق الغيظ، والكبت بهم وكسر شوكتهم وتفريق جمعهم فيكون مشروعا أطلق في الأشجار فشمل المثمرة وغيرها كما في البدائع‏.‏ وأطلق في جواز فعل هذه الأشياء وقيده في فتح القدير بما إذا لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغير ذلك، فإن كان الظاهر أنهم مغلوبون وأن الفتح باد كره ذلك؛ لأنه إفساد في غير محل الحاجة وما أبيح إلا لها وفي الظهيرية ولا يستحب رفع الصوت في الحرب من غير أن يكون ذلك مكروها من وجه الدين ولكنه فشل، والفشل الجبن، فإن كان فيه منفعة وتحريض للمسلمين فلا بأس به وعن قيس بن عبادة قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند ثلاث‏:‏ الجنائز، والقتال، والذكر، والمراد بالذكر الوعظ وقال الإمام شمس الأئمة السرخسي ففي هذا الحديث بيان كراهة رفع الصوت عند سماع القرآن، والوعظ فتبين به أن ما يفعله الذين يدعون الوجد، والمحبة مكروه ولا أصل له في الدين وتبين به أنه يمنع المتقشفة وحمقى أهل التصوف مما يعتادونه من رفع الصوت وتمزيق الثياب عند السماع؛ لأن ذلك مكروه في الدين عند سماع القرآن، والوعظ فما ظنك عند سماع الغناء ويندب للمجاهد في دار الحرب توفير الأظفار، وإن كان قصها من الفطرة؛ لأنه إذا سقط السلاح من يده ودنا منه العدو ربما يتمكن من دفعه بأظافيره وهو نظير قص الشوارب، فإنه سنة ثم الغازي في دار الحرب مندوب إلى توفيرها وتطويلها ليكون أهيب في عين من يبارزه‏.‏ والحاصل أن ما يعين المرء على الجهاد فهو مندوب إلى اكتسابه لما فيه من إعزاز المسلمين وقهر المشركين‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما جواز رميهم، وإن تترسوا ببعضنا فلأن في الرمي دفع الضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام وقتل المسلم ضرر خاص ولأنه قل ما يخلو حصن عن مسلم فلو امتنع عن اعتباره لانسد بابه أطلق في بعضنا فشمل الأسير، والتاجر، والصبيان لكن نقصد الكفار بالرمي دون المسلمين؛ لأنه إن تعذر التمييز فعلا فقد أمكن قصدا، والطاعة بحسب الطاقة، وأما ما أصابوه منهم لا دية عليهم ولا كفارة؛ لأن الجهاد فرض، والغرامات لا تقترن بالفروض بخلاف حالة المخمصة؛ لأنه لا يمتنع مخافة الضمان لما فيه من إحياء نفسه أما الجهاد بني على إتلاف النفس فيمتنع حذار الضمان، وأما قوله عليه السلام‏:‏ «ليس في الإسلام دم مفرج» أي مهدر فمعناه ليس في دار الإسلام وكلا منا في دار الحرب كذا في العناية قيد بالتترس عند المحاربة؛ لأن الإمام إذا فتح بلدة ومعلوم أن فيها مسلما أو ذميا لا يحل قتل أحد منهم لاحتمال كونه ذلك المسلم أو الذمي ولو أخرج واحدا من عرض الناس حل إذا قتل الباقي لجواز كون المخرج هو ذلك فصار في كون المسلم في الباقين شك بخلاف الحالة الأولى، فإن كون المسلم أو الذمي فيهم معلوم بالفرض فوقع الفرق كذا في فتح القدير وفي الولوالجية وغيرها، فإن كان المسلمون في سفينة فاحترقت السفينة، فإن كان غلبة ظنهم أنهم لو ألقوا أنفسهم في البحر تخلصوا بالسباحة يجب عليهم أن يطرحوا أنفسهم في البحر ليتخلصوا من الهلاك القطعي، وإن استوى الجانبان إن أقاموا احترقوا، وإن أوقعوا أنفسهم غرقوا فهم بالخيار عند أبي حنيفة وأبي يوسف لاستواء الجانبين وقال محمد لا يجوز أن يلقوا أنفسهم في الماء؛ لأنه يكون إهلاكا بفعلهم ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ونهينا عن إخراج مصحف وامرأة في سرية يخاف عليها‏)‏؛ لأن فيه تعريضهن على الضياع، والفضيحة وتعريض المصاحف على الاستخفاف، فإنهم يستخفون بها مغايظة للمسلمين وهو التأويل الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تسافروا بالقرآن في أرض العدو» وما في الكتاب هو الأصح، والأحوط خلافا لما ذكره الطحاوي من أنه لا كراهة في إخراج المصحف مطلقا أطلق المرأة فشمل الشابة، والعجوز للمداواة أو غيرها كذا في الذخيرة وقيد بالسرية؛ لأنه لا كراهة في الإخراج إذا كان جيشا يؤمن عليه؛ لأن الغالب هو السلامة، والغالب كالمتحقق وفي المغرب ولم يرد في تحديد السرية نص ومحصول ما ذكره محمد في السير أن التسعة وما فوقها سرية، وأما الأربعة، والثلاثة ونحو ذلك طليعة لا سرية‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخانية قال أبو حنيفة أقل السرية مائتان وأقل الجيش أربعمائة وقال الحسن بن زياد أقل السرية أربعمائة وأقل الجيش أربعة آلاف وفي المبسوط السرية عدد قليل يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير وينبغي كون العسكر العظيم اثني عشر ألفا لما روي أنه عليه السلام قال‏:‏ «لن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة» وهو أكثر ما روي فيه ا هـ‏.‏ وظاهر مفهوم المختصر أن في الجيش لا يكره إخراج المرأة مطلقا وخصوه بالعجائز للطب، والمداواة، والسقي ويكره إخراج الشواب لو احتيج إلى المباضعة فالأولى إخراج الإماء دون الحرائر، والأولى عدم إخراجهن أصلا خوفا من الفتن ولا تباشر المرأة القتال إلا عند الضرورة؛ لأنه يستدل به على ضعفهم وأراد بالمصحف ما يجب تعظيمه ويحرم الاستخفاف به فيكره إخراج كتب الفقه، والحديث في سرية كما في فتح القدير وقيد بالإخراج في السرية؛ لأنه إذا دخل رجل مسلم إليهم بأمان لا بأس أن يحمل معه المصحف إذا كانوا قوما يوفون بالعهد؛ لأن الظاهر عدم التعرض وفي الذخيرة قال محمد في أهل الثغور التي تلي أرض العدو ولا بأس أن يتخذوا فيها النساء وأن يكون فيها الذراري، وإن لم يكن بين تلك الثغور وبين أرض العدو أرض المسلمين إذا كان الرجال يقدرون على الدفع عنهم وإلا فلا ينبغي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وغدر وغلول ومثلة‏)‏ أي نهينا عنها لقوله عليه السلام‏:‏ «لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا» وهذه الثلاثة محرمة كما في فتح القدير والغدر، والخيانة ونقض العهد، والغلول السرقة من المغنم، والمثلة المروية في قصة العرنيين منسوخة بالنهي المتأخر هو المنقول يقال‏:‏ مثلت بالرجل بوزن ضربت أمثل به بوزن أنصر مثلا إذا سودت وجهه وقطعت أنفه ونحوه ذكره في الفائق وفي فتح القدير، وأما من جنى على جماعة جنايات متعددة ليس فيها قتل بأن قطع أنف رجل وأذني رجل وفقأ عيني آخر وقطع يدي آخر ورجلي آخر فلا شك في أنه يجب القصاص لكل واحد أداء لحقه لكن يجب أن يتأتى لكل قصاص بعد الذي قبله إلى أن يبرأ منه وحينئذ يصير هذا الرجل ممثلا به أي مثلة ضمنا لا قصدا، وإنما يظهر أثر النهي، والنسخ فيمن مثل بشخص حتى قتله فمقتضى النسخ أن يقتل به ابتداء ولا يمثل به ثم لا يخفى أن هذا بعد الظفر، والنصر أما قبل ذلك فلا بأس به إذا وقع قتال كمبارز ضرب فقطع أذنه ثم ضربه ففقأ عينه فلم ينته فضربه فقطع يده وأنفه ونحو ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية ولا بأس بحمل الرءوس إذا كان فيه غيظ للمشركين أو إفراغ قلب للمسلمين بأن يكون المقتول من قواد المشركين أو عظماء المبارزين ألا ترى أن «عبد الله بن مسعود حمل رأس أبي جهل لعنه الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر حتى ألقاه بين يديه فقال هذا رأس عدوك أبي جهل لعنه الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر هذا فرعوني وفرعون أمتي كان شره علي وعلى أمتي أعظم من شر فرعون على موسى وأمته» ولم ينكر عليه ذلك ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وقتل امرأة وغير مكلف وشيخ فان وأعمى ومقعدا إلا أن يكون أحدهم ذا رأي في الحرب أو ملكا‏)‏ أي نهينا عن قتل هؤلاء؛ لأن المبيح للقتل عندنا هو الحراب ولا يتحقق منهم ولهذا لا يقتل يابس الشق، والمقطوع اليمين، والمقطوع يده ورجله من خلاف، والراهب الذي لم يقاتل وأهل الكنائس الذين لا يخالطون الناس، وقد صح أن «النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الصبيان، والنساء» «وحين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة قال هاه ما كانت هذه تقاتل فلم قتلت»، وأما إذا كان لأحدهم رأي في الحرب أو كان ملكا فقد يتعدى ضرره إلى العباد ولا يقتل من قاتل دفعا لشره ولأن القتال مبيح حقيقة وغير المكلف شامل للصبي، والمجنون غير أنهما يقتلان ما داما يقاتلان وغيرهما لا بأس بقتله بعد الأسر؛ لأنه من أهل العقاب لتوجه الخطاب نحوه، وإن أمكن السبي، وإن كان يجن ويفيق فهو في حالة إفاقته كالصحيح وفي التتارخانية لا يقتل المعتوه وفي فتح القدير ثم المراد بالشيخ الفاني الذي لا يقتل، من لا يقدر على القتال ولا الصياح عند التقاء الصفين ولا على الإحبال؛ لأنه يجيء منه الولد فيكثر محارب المسلمين ذكره في الذخيرة وزاد الشيخ أبو بكر الرازي في كتاب المرتد من شرح الطحاوي أنه إذا كان كامل العقل نقتله ومثله نقتله إذا ارتدوا الذي لا نقتله الشيخ الفاني الذي خرف وزال عقله وخرج عن حدود العقلاء، والمميزين فحينئذ يكون بمنزلة المجنون فلا نقتله ولا إذا ارتد قال‏:‏ وأما الزمنى فهم بمنزلة الشيوخ فيجوز قتلهم إذا رأى الإمام ذلك بعد أن يكونوا عقلاء ونقتلهم أيضا إذا ارتدوا ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة ونقتل الأخرس، والأصم، والمقطوع اليسرى وفي التتارخانية ولا نقتل من في بلوغه شك ولا بأس بنبش قبورهم طلبا للمال، وإذا كان بالمسلمين قوة على حمل من لا يقتل وإخراجهم إلى دار الإسلام لا ينبغي لهم أن يتركوا في دار الحرب امرأة ولا صبيا ولا معتوها ولا أعمى ولا مقعدا ولا مقطوع اليد، والرجل من خلاف ولا مقطوع اليد اليمنى؛ لأن هؤلاء يولد لهم ففي تركهم عون على المسلمين، وأما الشيخ الفاني الذي لا يلقح، فإن شاء أخرجه، وإن شاء تركه وكذلك الرهبان وأصحاب الصوامع إذا ما كانوا ممن لا يصيبون النساء كذلك العجوز الذي لا يرجى ولدها، فإن شاء الإمام أخرجهم، وإن شاء تركهم‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البدائع لو قتل من لا يحل له قتله ممن ذكرنا فلا شيء فيه من دية ولا كفارة إلا التوبة، والاستغفار؛ لأن دم الكافر لا يتقوم إلا بالأمان ولم يوجد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وقتل أب مشرك‏)‏ أي نهينا عن ابتداء أبيه بالقتل لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وصاحبهما في الدنيا معروفا‏}‏ ولأنه يجب عليه إحياؤه بالإنفاق فيناقضه الإطلاق في إفنائه ولو قتله لا شيء عليه لعدم العاصم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وليأب الابن ليقتله غيره‏)‏ أي ليمتنع الابن من إطلاقه وقتله ليقتله غيره؛ لأن المقصود يحصل بغيره من غير اقتحامه المأثم، فإذا أدركه في الصف يشغله بالمحاولة بأن يعرقب فرسه أو يطرحه من فرسه ويلجئه إلى مكان ولا ينبغي أن ينصرف عنه ويتركه؛ لأنه يصير حربا علينا ولو قال المصنف وقتل أصله المشرك لكان أولى؛ لأن هذا الحكم لا يخص الأب؛ لأن أمه وأجداده وجداته من قبل الأب والأم كالأب فلا يبتدئهم بالقتل وخرج فرعه، وإن سفل فللأب أن يبتدئ بقتل ابنه الكافر؛ لأنه لا يجب عليه إحياؤه وكذا أخوه وخاله وعمه، والمشركون ولذا لم يجب عليه الإنفاق عليهم إلا بشرط الإسلام وقيدنا بالابتداء؛ لأنه لو قصد الأب قتله بحيث لا يمكنه دفعه إلا بقتله لا بأس به؛ لأن مقصوده الدفع ألا ترى أنه لو شهر الأب المسلم سيفه على ابنه ولا يمكنه دفعه إلا بقتله لا بأس بقتله لما بينا فهذا أولى وقيد بالمشرك؛ لأن الباغي يكره ابتداء القريب سواء كان أبا أو أخا أو غيرهما؛ لأنه يجب عليه إحياؤه بالإنفاق عليه لاتحاد الدين فكذا بترك القتل وأما في الرجم إذا كان الابن أحد الشهود فيبتدئ بالرجم ولا يقصد قتله بأن يرميه مثلا بحصاة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ونصالحهم ولو بمال لو خيرا‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن جنحوا للسلم فاجنح لها‏}‏ ووادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة عام الحديبية على أن يضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين ولأن الموادعة جهاد معنى إذا كان خيرا للمسلمين؛ لأن المقصود وهو دفع الشر حاصل به، فإذا وقع الصلح أمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم وأمن من أمنوه وصار في حكمهم كما في الولوالجية أراد بالصلح العهد على ترك الجهاد مدة معينة أي مدة كانت ولا يقتصر الحكم على المدة المذكورة في المروي لتعدي المعنى إلى ما زاد عليها وقيد بالخير؛ لأنه لا يجوز بالإجماع إذا لم يكن فيه مصلحة وأطلق في قوله ولو بمال فشمل المال المدفوع منهم إلينا وعكسه، والأول ظاهر إذا كان بالمسلمين حاجة إليه؛ لأنه جهاد معنى ولأنه إذا جاز بغير المال فبالمال أولى، وإن لم يكن إليهم حاجة به لا يجوز؛ لأنه ترك للجهاد صورة ومعنى، والمأخوذ منهم يصرف مصارف الجزية؛ لأنه مأخوذ بقوة المسلمين كالجزية إلا إذا نزلوا بدارهم للحرب فحينئذ يكون غنيمة لكونه مأخوذا بالقهر، والثاني لا يفعله الإمام لما فيه من إعطاء الدنية ولحوق المذلة إلا إذا خاف على المسلمين؛ لأن دفع الهلاك بأي طريق أمكن واجب وذكر الولوالجي لو دخل الموادعون بلدة أخرى لا موادعة معهم فغزا المسلمون في تلك البلدة فهؤلاء آمنون لبقاء الأمان ولو أسر من الموادعين أهل دار أخرى فاستولى عليه المسلمون كان فيئا؛ لأن حكم الموادعة بطل في حق الأسير‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط ولو وقع الصلح ثم سرق مسلم منهم شيئا لا يملكه وكذا إن أغار المسلمون عليهم وسبوا قوما منهم لم يسع المسلمين الشراء من ذلك السبي ويرد المبيع ومن دخل منهم دارنا بغير أمان لا نتعرض له؛ لأن الموادعة السابقة كافية في إفادة الأمان والعصمة ا هـ‏.‏ وأطلق في المصالح ولم يقيده بالإمام؛ لأن موادعة المسلم أهل الحرب جائزة كإعطائه الأمان، فإن كان على مال ولم يعلم الإمام ذلك، فإن مضت المدة أخذه وجعله في بيت المال، وإن علم بها قبل مضيها، فإن كان فيها خير أمضاها وأخذ المال وإلا أبطلها ورد المال ونبذ إليهم، وإن كان بعد مضي البعض رد كل المال استحسانا بخلاف ما إذا وادعهم ثلاث سنين كل سنة بكذا وقبض المال كله ثم أراد الإمام نقضها بعد مضي سنة، فإنه يرد الثلثين لتفريق العقود هنا بتفريق التسمية بخلاف الأول، فإن العقد واحد ولو وادع المسلمون أهل الحرب على أن يؤدوا كل سنة مائة رأس إلينا وفيها خير، فإن كانت من أنفسهم وأهليهم وذراريهم لم يصح؛ لأن الكل دخلوا تحت الأمان فلا يجوز استرقاقهم وتمليكهم، وإن صالحوا على مائة رأس بأعيانهم أول سنة على أن يكون أولئك لهم ثم يعطوهم كل سنة مائة رأس من رقيقهم جاز لعدم دخولهم تحت الأمان وتمامه في المحيط‏.‏ وذكر الولوالجي وهذا كله إذا وقع الصلح على أن يكونوا مبقين على أحكام الكفر، فإن وقع الصلح على أن تجري عليهم أحكام الإسلام فقد صاروا ذمة ولا يسع للمسلمين أن لا يقبلوا ذلك منهم؛ لأنهم لما قبلوا حكم الإسلام صاروا من جملة أهلها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وننبذ لو خيرا‏)‏؛ لأنه عليه السلام نبذ الموادعة التي كانت بينه وبين أهل مكة ولأن المصلحة لما تبدلت كان النبذ جهارا وإبقاء العهد ترك الجهاد صورة ومعنى فلا بد من النبذ تحرزا عن الغدر ولا بد من اعتبار مدة يبلغ خبر النبذ إلى جميعهم ويكتفى في ذلك بمضي مدة يتمكن ملكهم بعد عمله بالنبذ من إنفاذ الخبر إلى أطراف مملكته؛ لأن بذلك ينتفي الغدر، فإن كانوا خرجوا من حصونهم وتفرقوا في البلاد أو خربوا حصونهم بسبب الأمان فحتى يعودوا كلهم إلى مأمنهم ويعمروا حصونهم مثل ما كانت توقيا عن الغدر وفي المغرب نبذ الشيء من يده طرحه ورمى به نبذا ونبذ العهد نقضه وهو من ذلك؛ لأنه طرح له وفي النهاية، والمراد هنا من قوله فلا بد من النبذ إعلام نقض العهد‏.‏ وذكر الشارح أن النبذ يكون على الوجه الذي كان الأمان، فإن كان منتشرا يجب أن يكون النبذ كذلك، وإن كان غير منتشر بأن أمنهم واحد من المسلمين سرا يكتفى بنبذ ذلك الواحد كالحجر بعد الإذن وهذا إذا صالحهم مدة فرأى نقضه قبل مضي المدة، وأما إذا مضت المدة، فإنه يبطل الصلح بمضيها فلا ينبذ إليهم ومن كان منهم في دارنا فهو آمن حتى يبلغ مأمنه؛ لأنه في يدنا بأمان كذا ذكره الولوالجي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ونقاتل بلا نبذ لو خان ملكهم‏)‏؛ لأنهم صاروا ناقضين للعهد فلا حاجة إلى نقضه أطلق في خيانة ملكهم فشمل ما إذا كان باتفاق الكل أو بفعل بعضهم بإذنه حتى لو دخل جماعة منهم ذو منعة دار الإسلام بإذنه وقاتلوا المسلمين كان نقضا وقيد بملكهم؛ لأنه لو دخل جماعة بغير إذنه لم ينتقض في حق الكل، وإنما ينتقض في حق الخائنين حتى يجوز قتلهم واسترقاقهم، وإن لم يكن لهم منعة لم يكن نقضا للعهد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والمرتدين بلا مال، وإن أخذ لم يرد‏)‏ أي نصالح المرتدين حتى ننظر في أمورهم؛ لأن الإسلام مرجو منهم فجاز تأخير قتالهم طمعا في إسلامهم ولا نأخذ عليه مالا؛ لأنه لا يجوز أخذ الجزية منهم، وإن أخذه لم يرده؛ لأنه مال غير معصوم وأشار إلى أنه يجوز الصلح مع أهل البغي بالأولى ولا يؤخذ منهم شيء وصرح الشارح بأن أموالهم معصومة فظاهره أنه إذا أخذ شيء لأجل الصلح يرد عليهم وفي فتح القدير ويرد عليهم بعدما وضعت الحرب أوزارها ولا يردها حال الحرب؛ لأنه إعانة لهم‏.‏ ا هـ‏.‏ وأطلق في جواز صلح المرتدين وهو مقيد بما إذا غلبوا على بلدة وصار دارهم دار الحرب وإلا فلا؛ لأن فيه تقرير المرتد على الردة وذلك لا يجوز ولذا قيده الفقيه أبو الليث بما ذكرنا كذا في الفتح‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم نبع سلاحا منهم‏)‏؛ لأن النبي عليه السلام نهى عن بيع السلاح من أهل الحرب وحمله إليهم ولأن فيه تقويتهم على قتال المسلمين فيمنع من ذلك وصرح الشارح بحرمته أراد من السلاح ما يكون سببا لتقويتهم على الحرب فدخل الكراع، والحديد؛ لأنه أصل السلاح وهو ظاهر الرواية، والكراع الخيل ودخل الرقيق؛ لأنهم يتوالدون عندهم فيعودون حربا علينا مسلما كان الرقيق أو كافرا وخرج الطعام والقماش، والقياس المنع إلا أنا عرفناه بالنص؛ لأنه عليه السلام أمر ثمامة أن يمير أهل مكة وهم حرب عليه وشمل كلامه ما قبل الموادعة وما بعدها؛ لأنها على شرف الانقضاء أو النقض قال الفقيه أبو الليث وليس هذا كما قالوا في بيع العصير ممن يجعله خمرا؛ لأن العصير ليس بآلة للمعصية، وإنما يصير آلة لها بعدما يصير خمرا وأما هنا فالسلاح آلة للفتنة في الحال‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي كافي الحاكم، فإن كان الحربي جاء بسيف فاشترى مكانه قوسا أو رمحا أو فرسا لم يترك أن يخرج به مكان سيفه وكذا إذا استبدل بسيفه سيفا خيرا منه، وإن كان مثله أو شرا منه لم يمنع‏.‏ ا هـ‏.‏ فما يمنع المسلم منه يمنع المستأمن منهم أن يدخل به دارهم، وإن خرج هو بشيء مما ذكرنا فلا يمنع من الرجوع به إلا إذا أسلم العبد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يقتل من أمنه حر أو حرة‏)‏ لقوله عليه السلام‏:‏ «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم» أي أقلهم وهو الواحد ولأنه من أهل القتال فيخافونه إذ هو من أهل المنعة فيتحقق الأمان منه لملاقاته محله ثم يتعدى إلى غيره ولأن سببه لا يتجزأ وهو الإيمان وكذا الأمان لا يتجزأ فيتكامل كولاية الإنكاح وأجاز عليه السلام أمان أم هانئ رجالا من المشركين يوم فتح مكة كما رواه الشيخان وركنه صريح وكناية وإشارة فالصريح كقوله أمنت أو وادعت أو لا تخافوا منا ولا تذهلوا لا بأس عليكم لكم عهد الله أو ذمته تعالوا فاسمعوا الكلام ويصح بأي لسان، وإن كانوا لا يعرفونه بعد أن عرفه المسلمون بشرط سماعهم له فلا أمان لو كان بالبعد منهم ومن الكنايات قول المسلم للمشرك تعال إذا ظن أنه أمان كان أمانا وكذا إذا أشار بأصبعه إلى السماء فيه بيان أعطيتك ذمة إله السماء، والمشرك إذا نادى الأمان فهو أمن إذا كان ممتنعا، وإن كان في موضع ليس بممتنع وهو ماد سيفه ورمحه فهو فيء ولو طلب الأمان لأهله لا يكون هو آمنا بخلاف ما إذا طلب لذراريه، فإنه يدخل تحت الأمان وفي دخول أولاد البنات روايتان‏.‏ ولو طلبه لأولاده دخل فيه أولاد الأبناء دون أولاد البنات ولو طلبه لإخوته دخل الأخوات تبعا دون الأخوات المفردات وكذا لو طلبه لأبنائه دخلت بناته كالآباء يدخل فيه الآباء، والأمهات ولا يدخل الأجداد لعدم صلاحيتهم للتبعية كذا في المحيط ولو طلبه لقرابته دخل الوالدان استحسانا وشرائطه العقل فلا يجوز أمان المجنون، والصبي الذي لا يعقل، والبلوغ فلا يصح أمان الصبي العاقل، والإسلام فلا يصح أمان الذمي، وإن كان مقاتلا، وأما الحرية فليست بشرط وكذا السلامة عن العمى، والزمانة، والمرض، وأما حكمه فهو ثبوت الأمن للكفرة عن القتل، والسبي، والاستغنام، وأما إذا وجد في أيديهم مسلم أو ذمي أسير، فإنه يؤخذ منهم كما في التتارخانية وقال محمد‏:‏ وإذا أمن رجل من المسلمين ناسا من المشركين فأغار عليهم قوم آخرون من المسلمين قتلوا الرجال وسبوا النساء، والأموال واقتسموا ذلك وولد لهم منهن أولاد ثم علموا بالأمان فعلى الذين قتلوا دية من قتلوا وترد النساء، والأموال إلى أهلها وتغرم للنساء أصدقتهن لما أصابوا من فروجهن، والأولاد أحرار مسلمون تبعا لأبيهم لكن إنما ترد النساء بعد ثلاث حيض وفي زمان الاعتداد يوضعن على يدي عدل، والعدل امرأة عجوز ثقة لا الرجل ويكون الأولاد أحرارا بغير قيمة كذا في التتارخانية‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما صفته فهو عقد غير لازم حتى لو رأى الإمام المصلحة في نقضه نقضه كذا في البدائع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وننبذ لو شرا‏)‏ أي نقض الإمام الأمان لو كان بقاؤه شرا؛ لأن جوازه كان للمصلحة مع أنه يتضمن ترك القتال المفروض، فإذا صارت المصلحة في نقضه نقض وعبارة المصنف شاملة لما إذا أعطى الإمام الأمان لمصلحة ثم رأى في نقضه ولما إذا أمنهم مسلم بغير إذن الإمام ولا مصلحة فيه فاقتصار الشارح على الثاني مما لا ينبغي، وإذا فعله الواحد ولا مصلحة فيه أدبه الإمام لانفراده برأيه بخلاف ما إذا كان فيه مصلحة؛ لأنه ربما تفوت بالتأخير فيعذر وفي البدائع أن الأمان على وجهين مطلق ومؤقت فالأول ينتقض بأمرين إما بنقض الإمام وينبغي أن يخبرهم به ثم يقاتلهم خوفا من الغدر وإما بمجيء أهل الحصن إلى الإمام بالأمان ثم امتناعهم عن الإسلام وقبول الجزية، فإنه ينتقض لكن يردهم إلى مأمنهم ثم يقاتلهم احترازا عن التغرير، فإن امتنعوا أن يلحقوا بمأمنهم أجلهم على ما يرى، فإن لم يرجعوا حتى مضى الأجل صاروا ذمة، والثاني ينتهي بمضي الوقت من غير توقف على النقض ولهم أن يقاتلوهم إلا إذا دخل واحد منهم دار الإسلام فمضي الوقت وهو فيه فهو آمن حتى يرجع إلى مأمنه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبطل أمان ذمي وأسير وتاجر وعبد ومحجور عن القتال‏)‏؛ لأن الذمي لا ولاية له على المسلمين وهو متهم، والأسير، والتاجر مقهوران تحت أيديهم فلا يخافونهم، والأمان يختص بمحل الخوف، والعبد المحجور عن القتال لا يخافونه فلا يلاقي الأمان محله بخلاف المأذون في القتال؛ لأن الخوف منه متحقق وصحح محمد أمانه قيد بكون الأمان من الذمي؛ لأن الأمير لو أمر الذمي بأن يؤمنهم فأمنهم فهو جائز، والمسألة على وجهين إما أن يقول له قل لهم‏:‏ إن فلانا أمنكم أو قال له أمنهم وكل على وجهين أما إن قال الذمي قد أمنتكم أو أن فلانا المسلم قد أمنكم ففي الثاني يصح أمانه في الوجهين وفي الأول إن قال لهم الذمي إن فلانا أمنكم صح، وإن قال أمنتكم فهو باطل وأراد بالأسير، والتاجر المسلم الذي في دار الحرب فلو دخل مسلم دار الحرب وأمن جندا عظيما فخرجوا معه إلى دار الإسلام وظفر بهم المسلمون فهم فيء بخلاف ما إذا خرج واحد منهم أو عشرون مع المسلم بأمان فهو آمن؛ لأنه في الأول مقهور معهم دون الثاني وفي الذخيرة أراد بقوله لا يصح أمان الأسير لا يصح أمانه في حق باقي المسلمين حتى كان لهم أن يغيروا عليهم أما أمانه في حقه صحيح، وإذا صح أمانه في حق نفسه صار حكمه وحكم الداخل فيهم بأمان سواء فلا يأخذ شيئا من أموالهم بغير رضاهم وكذلك لا يأخذ ما كان للمسلمين وصار ملكا لهم بالاستيلاء، والإحراز بدارهم وما كان للمسلمين ولم يصر ملكا لهم بالاستيلاء لا بأس بأن يأخذه ويخرجه إلى دار الإسلام وكذا قال في الذخيرة ومعنى عدم صحة أمان العبد المحجور في حق باقي المسلمين أما أمان العبد المحجور في حق نفسه صحيح بلا خلاف، والجواب في الأمة كالجواب في العبد إن كانت تقاتل بإذن المولى فأمانها صحيح وإلا فلا‏.‏ ا هـ‏.‏ أطلق في أمان الذمي فشمل ما إذا أذنه الإمام بالقتال بخلاف ما إذا أذنه الإمام بالأمان كما قدمنا وبخلاف العبد المأذون بالقتال، والفرق هو الصحيح وفي السراجية، والفاسق يصح أمانه وفي الخانية من فصل إعتاق الحربي العبد المسلم إذا خدم مولاه الحربي في دار الحرب كانت خدمته له أمانا له والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏