فصل: كتاب اللقطة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كتاب اللقطة

وجه تأخيرها ظاهر قال في القاموس لقطه أخذه من الأرض فهو ملقوط واللقطة محركة كهمزة ما التقط ا هـ‏.‏ وفي المغرب اللقطة الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه قال الأزهري ولم أسمع اللقطة بالسكون لغير الليث ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير هي فعلة بفتح العين وصف مبالغة للفاعل كهمزة ولمزة ولعنة وضحكة للكثير الهمز وغيره وبسكونها للمفعول كضحكة وهمزة للذي يضحك منه ويهزأ به‏.‏ وإنما قيل للمال لقطة بالفتح لأن طابع النفوس تتبادر إلى التقاطه لأنه مال فصار المال باعتبار أنه داع إلى أخذه لمعنى فيه نفسه كأنه الكثير الالتقاط مجازا وإلا فحقيقته الملتقط الكثير الالتقاط وما عن الأصمعي وابن الأعرابي أنه بفتح القاف اسم للمال أيضا محمول على هذا يعني يطلق الالتقاط على المال أيضا ا هـ‏.‏ ولم يذكر أكثر الشارحين تعريفها اصطلاحا وعرفها في التتارخانية معزيا إلى المضمرات بأنها مال يوجد ولا يعرف له مالك وليس بمباح ا هـ‏.‏ فخرج ما عرف مالكه فإنه أمانة لا لقطة ولأن حكمها التعريف وهذا لا يعرف بل يدفع إلى مالكه وخرج بالأخير مال الحربي لكن يرد عليه ما كان محرزا بمكان أو حافظ فإنه ليس لقطة وهو داخل في التعريف فالأولى أن يقال هي مال معصوم معرض للضياع وعرفها في المحيط بأنها رفع شيء ضائع للحفظ على الغير لا للتمليك وجعل عدم الحافظ لها من شرائطها ثم قال في آخر الباب أخذ الثوب من السكران الواقع النائم على الأرض ليحفظه فهلك في يده لا ضمان عليه لأنه متاع ضائع كاللقطة فإن كان الثوب تحت رأسه أو كانت دراهمه في كمه فأخذها ليحفظها فهو ضامن لأنه ليس بضائع لأنه محفوظ بمالكه ا هـ‏.‏ والكلام فيها في مواضع في الالتقاط والملتقط واللقطة أما الأول ولم يذكره المصنف للاختلاف فيه ففي الخلاصة فإن خاف ضياعها يفترض الرفع وإن لم يخف يباح رفعها أجمع العلماء عليه والأفضل الرفع في ظاهر المذهب ا هـ‏.‏ وأقره عليه في فتح القدير وفي البدائع أنه مندوب الأخذ ومباحه وحرامه فالأول أن يخاف عليها الضياع لو تركها لأنه إحياء لمال المسلم فكان مستحبا وقال الشافعي إذا خاف الضياع وجب أخذها وإلا استحب لأن الترك عند الخوف تضييع والتضييع حرام وهذا غير سديد لأن الترك لا يكون تضييعا بل امتناع عن حفظ غير ملتزم وهو ليس بتضييع كالامتناع عن قبول الوديعة وأما حالة الإباحة فأن لا يخاف الضياع وأما حالة الحرمة فهو أن يأخذها لنفسه لا لصاحبها فتكون في معنى الغصب ا هـ‏.‏ فقد علمت أن ما في الخلاصة ليس مذهبنا وفي المحيط أن الأخذ مندوب إن أمن على نفسه التعريف والرد على صاحبها وإن خاف الضياع فعليه أن يأخذها صيانة لحق المسلم لأن لماله حرمة كما لنفسه وإن كان لا يأمن على نفسه فالترك أولى ا هـ‏.‏ وهو موافق لما في الخلاصة ومثله في المجتبى وأشار في الهداية إلى التبري منه بقوله وهو واجب إذا خاف الضياع على ما قالوا ولم أر حكم ما إذا ضاعت بعدما خاف الضياع ولم يلتقطها ومقتضى القول بافتراض رفعها الضمان لو لم يرفع وضاعت لكن في جامع الفصولين في الفصل الثالث والثلاثين لو انفتح زق فمر به رجل فلو لم يأخذه برئ ولو أخذه ثم تركه ضمن لو مالكه غائبا لا لو حاضرا وكذا لو رأى ما وقع من كم رجل ا هـ‏.‏ فهذا يدل على عدم الافتراض إلا أن يقال أن فائدة الافتراض الإثم بالترك لا الضمان في الدنيا بدليل أنهم قالوا لو منع المالك عن أمواله حتى هلكت يأثم ولا يضمن وأما الملتقط فلم أر من بين شرائطه ولا يشترط بلوغه بدليل ما في المجتبى التعريف إلى ولي الصبي والوارث ا هـ‏.‏ فدل على صحة التقاطه وأما حرية الملتقط فليست بشرط لأن للعبد يدا صحيحة بدليل قولهم كما في البزازية من الوديعة ليس للمالك أن يأخذ وديعة عبده مأذونا أم لا ما لم يحضر ويظهر أنه من كسبه لاحتمال أن تكون وديعة الغير في يد العبد فإن برهن أنه للعبد تدفع إليه ا هـ‏.‏ لكن قدمنا أنه لو التقط لقيطا فقال المولى هو عبدي وقال العبد التقطته فإن محجورا فالقول للمولى وإن مأذونا فللعبد ولم أر حكم اللقطة إذا تنازعا فيها وينبغي أن يكون كذلك ولم أر حكم تعريف لقطته هل إليه أو إلى مولاه وإذا عرفت فهل يتملكها المولى إن كان فقيرا وهل يتوقف الالتقاط على إذن المولى وهل الإذن في التجارة إذن في الالتقاط وهل المكاتب كالحر أو العبد فيه ثم رأيت في الكافي للحاكم عن أبي سعيد مولى أبي رشيد قال وجدت خمسمائة درهم بالحيرة وأنا مكاتب قال فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال اعمل بها وعرفها قال فعملت بها حتى أديت مكاتبتي ثم أتيته فأخبرته فقال ادفعها إلى خزائن بيت المال ا هـ‏.‏ وسيأتي أن العبد لو رد الآبق فالجعل لمولاه فينبغي أن يكون أهلا للالتقاط وأن المولى يعرفها ثم يتملكها إن كان فقيرا‏.‏ وأما إسلام الملتقط فليس بشرط بدليل ما في الكافي للحاكم لو أقام مدعيها شهودا كفارا على ملتقط كافر قبلت ا هـ‏.‏ فدل على صحة التقاط الكافر وعلى هذا تثبت الأحكام من التعريف والتصديق بعده أو الانتفاع ولم أره صريحا ولم أر حكم التقاط المرتد لقيطا أو لقطة والظاهر أن مشايخنا إنما لم يقيدوا الملتقط بشيء لإطلاقه عندنا ولم يذكر المصنف أن الملتقط أحق بإمساكها من غيره وذكر في اللقيط أنه ليس لأحد أخذه منه وفي الولوالجية رجل التقط لقطة فضاعت منه ثم وجدها في يد رجل فلا خصومة بينه وبين ذلك الرجل فرق بينها وبين الوديعة والفرق أن الثاني في أخذ اللقطة كالأول وليس الثاني في أخذ الوديعة كالأول ولو التقط الرجل لقيطا فأخذه منه رجل ثم اختصما فيه فالأول أحق به لأن الأول صار أحق بإمساكه بحكم اليد لأنه ليس له مستحق آخر بحسب الظاهر لأنه لو كان له مستحق لما وجده مطروحا من حيث الظاهر ولا كذلك اللقطة لأن لها مستحقا آخر من حيث الظاهر فلا يثبت الاستحقاق لصاحب اليد الأول فكان الثاني في إثبات اليد كالأول ا هـ‏.‏ فقد علمت أن الملتقط ليس أحق بها وهو مشكل لو انتزعها إنسان منه غصبا فإنه يثبت للأول حق أن يتملكها بعد التعريف لو كان فقيرا فكيف يبطله الثاني نعم لو ضاعت من الأول والتقطها آخر فإن الأول لا يخاصمه لأنها لقطة للثاني والأول لا يملك الخصومة ولا يقال إن كلامهم فيما إذا ضاعت لأنا نقول قد بينا أنهما مسألتان الأولى فيما إذا ضاعت وفرقوا بينها وبين الوديعة الثانية فيما إذا أخذها رجل منه وفرقوا بينها وبين اللقيط وأما اللقطة فلا فرق عندنا بين لقطة ولقطة كما أفاده بقوله وصح التقاط البهيمة ولا فرق بين مكان ومكان كما أفاده بقوله‏:‏ ‏(‏لقطة الحل والحرم أمانة إن أخذها ليردها على ربها وأشهد‏)‏ لإطلاق قوله عليه السلام‏:‏ «اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة» وأما قوله عليه السلام في الحرم «ولا تحل لقطته إلا لمنشدها» فتأويله أنه لا يحل الالتقاط إلا للتعريف والتخصيص بالحرم لبيان أنه لا يسقط التعريف فيه لمكان أنه للغرباء ظاهرا‏.‏ وأما كونها أمانة فلأن الأخذ على هذا الوجه مأذون فيه شرعا بل هو الأفضل عند العامة قيد بأخذها ليردها لأنه لو أقر أنه أخذها لنفسه يضمن بالإجماع لأنه أخذ مال الغير بغير إذنه وبغير إذن الشرع ولو تصادقا على أنه أخذها للمالك فلا ضمان إجماعا لأن تصادقهما حجة في حقهما كالبينة وبه علم أن الإشهاد إنما هو شرط عند الاختلاف بأن قال الملتقط أخذته للمالك وكذبه المالك فإنه ضامن عندهما وقال أبو يوسف لا يضمن والقول قوله لأن الظاهر شاهد له لاختياره الحسنة دون المعصية ولهما أنه أقر بسبب الضمان وهو أخذ مال الغير وادعى ما يبرئه وهو الأخذ لمالكه وفيه وقع الشك فلا يبرأ وما ذكر من الظاهر معارض بمثله لأن الظاهر أن يكون المتصرف عاملا لنفسه ورجح في الحاوي القدسي قول أبي يوسف قال وبه نأخذ ا هـ‏.‏ ويكفيه في الإشهاد أن يقول من سمعتموه ينشد لقطة فدلوه عليها واحدة كانت اللقطة أو أكثر لأنه اسم جنس كذا في الهداية وفي الينابيع ذكر في بعض الكتب قول محمد مع أبي حنيفة والأصح أنه مع أبي يوسف ا هـ‏.‏ ويكفيه في الإشهاد أيضا أن يقول عندي لقطة كما في شرح الطحاوي ولا يشترط التصريح بكونه لقطة لأنه لو قال عندي شيء فمن سمعتموه يسأل فدلوه على كفاه كما في الولوالجية ومحل اشتراط الإشهاد عند الإمكان فلو لم يجد من يشهده عند الرفع أو خاف أنه لو أشهد عند الرفع يأخذه منه الظالم فترك الإشهاد لا يضمن كذا في الخانية وفي فتح القدير والقول قوله مع يمينه كوني منعني من الإشهاد كذا في الخانية فإن وجد من يشهده فجاوزه ضمن وفي القنية وجد الصبي لقطة ولم يشهد يضمن كالبائع ا هـ‏.‏ وهذا يدل على ما قدمناه من صحة التقاطه وفي الولوالجية محل الاختلاف فيما إذا اتفقا على كونها لقطة لكن اختلفا هل التقطها للمالك أو لا أما إذا اختلفا في كونها لقطة فقال صاحب المال أخذتها غصبا وقال الملتقط لقطة وقد أخذتها لك فالملتقط ضامن بالإجماع ا هـ‏.‏ ولم يذكر المصنف حكم ما إذا ردها إلى مكانها وفي الولوالجية وغيرها وإذا أخذ الرجل لقطة ليعرفها ثم أعادها في المكان الذي أخذها منه فقد برئ عن الضمان هذا إذا أعادها قبل أن يتحول عن ذلك المكان أما إذا أعادها بعدما تحول يضمن ولو كانت دابة فركبها ثم نزل عنها فتركها في مكانها على قول أبي يوسف هو ضامن وعلى قول زفر لا وكذا إذا أخذ الخاتم من أصبع نائم ثم أعاده إلى أصبعه بعدما انتبه ولو أعاده قبل أن ينتبه من تلك النومة برئ عن الضمان اتفاقا ا هـ‏.‏ والتفصيل المذكور خلاف ظاهر الرواية فإنها عدم الضمان مطلقا وهو الوجه كما في فتح القدير ورجحه في البدائع أيضا وأطلق في الإشهاد فانصرف إلى من تقبل شهادته وهو عدلان ولذا قال في فتح القدير وظاهر المبسوط اشتراط عدلين ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعرف إلى أن علم أن ربها لا يطلبها‏)‏ معطوف على أشهد فظاهره أن التعريف شرط أيضا وأن الإشهاد لا يكفي لنفي الضمان وهكذا شرط في المحيط لنفي الضمان الإشهاد وإشاعة التعريف وحكي في الظهيرية فيه اختلافا فقال قال الحلواني أدنى ما يكون من التعريف أن يشهد عند الأخذ ويقول آخذها لأردها فإن فعل ذلك ثم لم يعرفها بعد ذلك كفى ومن المشايخ من قال يأتي على أبواب المساجد وينادي ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير وعلى هذا لا يلزم الإشهاد أي التعريف وقت الأخذ بل لا بد منه قبل هلاكها ليعرف أنه أخذها ليردها لا لنفسه ا هـ‏.‏ وهو غير صحيح لأن الإشهاد لا بد منه على قول الإمام عند الأخذ باتفاق المشايخ وإنما اختلفوا هل يكفي هذا الإشهاد عند الأخذ عن التعريف بعده أو لا ولم يقل أحد أن التعريف بعد الأخذ يكفي عن الإشهاد وقت الأخذ فليتأمل ولم يجعل للتعريف مدة اتباعا لشمس الأئمة السرخسي فإنه بنى الحكم على غالب الرأي فيعرف القليل والكثير إلى أن يغلب على رأيه أن صاحبه لا يطلبه بعد ذلك وصححه في الهداية وقال في البزازية والجوهرة وعليه الفتوى وهو خلاف ظاهر الرواية فإنه التقدير بالحول في القليل والكثير كما ذكره الإسبيجابي وفي الظهيرية ثم على قول من قدر بحول اختلف فيه قيل يعرفها كل جمعة وقيل كل شهر وقيل كل ستة أشهر قال السرخسي حكي أن بعض العلماء ببلخ وجد لقطة وكان محتاجا إليها وقد قال في نفسه لا بد من تعريفها ولو عرفتها في المصر ربما يظهر صاحبها فخرج من المصر حتى انتهى إلى رأس بئر فدلى رأسه في البئر وجعل يقول وجدت كذا فمن سمعتموه ينشد ذلك فدلوه علي وبجنب البئر رجل يرقع شملته وكان صاحب اللقطة فتعلق به حتى أخذها منه ليعلم أن المقدور كائن لا محالة فلا ينبغي له أن يترك ما لزمه شرعا وهو إظهار التعريف قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يكثر همك ما يقدر يكون وما ترزق يأتيك» ا هـ‏.‏ وهو خطأ من هذا الملتقط لأن هذا ليس بتعريف اتفاقا‏.‏ قال في الجوهرة ثم التعريف إنما يكون جهرا في الأسواق وفي أبواب المساجد وفي الموضع الذي وجدها فيه وفي الجامع وإن كانت شيئا لا يبقى عرفه حتى يخاف فساده فيتصدق به ا هـ‏.‏ كذا في الهداية وإن وجد اللقطة رجلان عرفاها جميعا واشتركا في حكمها ا هـ‏.‏ وقدمنا أن الملتقط إذا كان صبيا عرفها وليه زاد في القنية أو وصيه ثم له أن يتصدق بها وسكت عن حكم تمليكها للصبي لو كان فقيرا لأنه يعلم بالأولى وينبغي أن لا تجوز الصدقة بها من وليه أو وصيه لما في ذلك من الإضرار على احتمال أن لا يجيز مالكها إذا حضر والعين هالكة من يد الفقير فإنه يضمنها من مال الصبي وليس في إمساكها أو تمليكها ضرر ثم رأيت بعد ذلك في شرح منظومة ابن وهبان للمصنف أنه قال ينبغي على قول أصحابنا إذا تصدق بها الأب أو الوصي ثم ظهر صاحب اللقطة وضمنها أن يكون الضمان في مالهما دون الصبي ا هـ‏.‏ وإذا صح هذا البحث فلا إشكال في جواز تصدقهما حينئذ وفي القاموس التعريف الإعلام وفي التتارخانية قال أبو الحسن له أن يأمر غيره ويعطيها حتى يعرفها يريد إذا عجز عن التعريف بنفسه ا هـ‏.‏ فأفاد جواز الاستنابة في التعريف لكن في الحاوي القدسي لو دفعها إلى غيره بغير إذن القاضي ضمن ا هـ‏.‏ وأطلق المصنف في تعريفها وهو مقيد بما في الهداية فإن كانت اللقطة شيئا يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشر الرمان يكون إلقاؤه إباحة حتى جاز الانتفاع به من غير تعريف ولكنه يبقى على ملك مالكه لأن التمليك من المجهول لا يصح وفي البزازية لو وجدها مالكها في يده له أخذها إلا إذا قال عند الرمي من أخذها فهي له لقوم معلومين ولم يذكر السرخسي هذا التفصيل وكذا الحكم في التقاط السنابل لكن أخذه بعد جمع غيره يعد دناءة وأطلق في الهداية في النواة وقشور الرمان وقيده في البزازية بأن يكون في مواضع متفرقة قال أما المجتمعة فهي من قبيل ما يطلبه صاحبه فيحفظه وإن وجد جوزة ثم وثم حتى بلغ المتقوم إن مجتمعا فهو من الثاني وإن متفرقا له قيمة اختلفوا قيل من الأول وقيل من الثاني وهو الأحوط وذكر في الفتاوى المختار أنه من النوع الأول التفاح والكمثرى إن وجد في الماء يجوز أخذه وإن كثيرا لأنه يفسد بالماء والحطب في الماء إن لم يكن له قيمة يأخذه وإن له قيمة فهو لقطة وجعل في الفتاوى الحطب كالتفاح بالماء أصابوا بعيرا مذبوحا في البادية قريبا من الماء ووقع في ظنه أن مالكه أباحه لا بأس بالأخذ والأكل وعن الثاني لو طرح ميتة فجاء آخر وأخذ صوفها له الانتفاع به ولو جاء مالكها له أن يأخذ الصوف منه ولو سلخها ودبغ الجلد يأخذه المالك ويرد عليه ما زاد الدباغ فيه ا هـ‏.‏ وفي المحيط أناخ رجل إبله في دار رجل يؤاجرها واجتمع من ذلك بعر كثير فإن كان من رأي صاحب الدار أن يجمع ذلك له فهو له لأنه أعد الدار للإحراز وإن لم يكن من رأيه أن يجمعه بل يترك ذلك على حاله فهو مباح فكل من أخذه فهو أولى ولو سيب دابته فأخذها إنسان فأصلحها ثم جاء صاحبها فإن كان قال عند التسييب جعلتها لمن أخذها فلا سبيل لصاحبها عليها لأنه أباح التمليك وإن لم يقل ذلك أن يأخذها وكذلك من أرسل صيدا له هكذا اختاره بعض مشايخنا فإن اختلفا فالقول قول صاحبها مع يمينه أنه لم يقل هو لمن أخذها لأنه ينكر إباحة التملك وإن برهن الآخذ أو نكل المالك عن اليمين سلمت للآخذ وذكر الفقيه أبو الليث في نوازله إذا اجتمع للدهانين ما يقطر من الأوعية في إنائه فإن كان يسيل من خارج الأوعية يطيب له لأنه ليس للمشتري لأن ما انفصل عنها لا يدخل البيع وإن سال من الداخل أو من الداخل والخارج جميعا أو لا يعلم ينظر إن زاد الدهان من عنده لكل واحد من المشتري طاب له وإن لم يزد لا يطيب له ويتصدق به إلا أن يكون محتاجا لأن سبيله سبيل اللقطة ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية سأل رجل عطاء عن رجل بات في المسجد واستيقظ وفي يده صرة فيها دنانير قال إن الذي صرها في يدك لم يصرها إلا وهو يريد أن يجعلها لك ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية ومن أخذ بازيا أو شبهه في مصر أو سواد وفي رجليه سير أو جلاجل فعليه أن يعرفه للتيقن بثبوت يد الغير عليه قبله وكذا لو أخذ ظبيا وفي عنقه قلادة أو حمامة في المصر يعرف إذ مثلها لا يكون وحشية بأن كانت مسرولة فعليه أن يعرفها ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ثم تصدق‏)‏ أي إن لم يجئ صاحبها فله أن يتصدق بها على الفقراء إيصالا للحق إلى المستحق وهو واجب بقدر الإمكان وذلك بإيصال عينها عند الظفر بصاحبها وإيصال العوض وهو الثواب على اعتبار إجازته التصدق بها وسيأتي أن له أن ينتفع بها فعلم أنه مخير بينهما وسكت عن إمساكها وله ذلك رجاء الظفر بصاحبها كما في الهداية وعن دفعها للإمام قال في الخلاصة يرفع الأمر إلى الإمام والإمام بالخيار إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل فإن قبل إن شاء عجل صدقتها وإن شاء أقرضها من رجل مليء وإن شاء دفعها مضاربة وإن شاء ردها على الملتقط ثم هو بالخيار إن شاء أدام الحفظ وإن شاء تصدق على أن يكون الثواب لصاحبها وإن شاء باعها إن لم تكن دارهم أو دنانير وأمسك ثمنها ثم بعد ذلك إن حضر مالكها ليس له نقض البيع إن كان البيع بأمر القاضي وإن باع بغير أمر القاضي وهي قائمة فإن شاء أجاز البيع وأخذ الثمن وإن شاء أبطل البيع وأخذ عين ماله وإن هلكت إن شاء ضمن البائع وعند ذلك ينفذ البيع من جهة البائع في ظاهر الرواية وبه أخذ عامة المشايخ وذكر الإمام السرخسي أن المودع إذا باع الوديعة وهلكت وضمنه المالك فهو كالملتقط ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة والحاصل أن الإمام يصير ناظرا فيفعل ما يراه أصلح في حق صاحب اللقطة ا هـ‏.‏ وفي الحاوي الدفع بعد الإشهاد إلى القاضي أجود ليفعل القاضي الأصلح وفي المجتبى والتصدق بيده في زماننا أولى من الدفع إلى الحاكم وقد مر في كتاب التوبة لقاضي القضاة عبد الجبار المتكلم أن الواجب فيها أن يتصدق بنفسه ولا يلقيه في يد غيره لأنه لا يعلم هل يؤديها إلى مستحقها أو لا ا هـ‏.‏ وقيدنا بالتصدق على الفقراء لما في الهداية أنه لا يتصدق باللقطة على غني زاد في الحاوي ولا مملوك غني ولا ولد غني صغير واستثنى من التصدق باللقطة ما إذا عرف أنها لذمي فلا يتصدق بها وكانت في بيت المال للنوائب كذا في التتارخانية وفي القنية وما يتصدق به الملتقط بعد التعريف وغلبة ظنه أنه لا يوجد صاحبه لا يجب إيصاؤه وإن كان يرجو وجود المالك وجب الإيصاء ا هـ‏.‏ وإذا أمسكها وخشى الموت يوصي بها كي لا تدخل في الميراث ثم الورثة أيضا يعرفونها ومقتضى النظر أنهم لو لم يعرفوها حتى هلكت وجاء صاحبها أن يضمنوا لأنهم وضعوا أيديهم على لقطة ولم يشهدوا أي لم يعرفوا ويغلب على الظن بذلك أن قصدهم تعميتها ويجري فيهم خلاف أبي يوسف كذا في فتح القدير وقد يقال أن التعريف عليهم غير واجب حيث عرفها الملتقط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن جاء ربها نفذه أو ضمن الملتقط‏)‏ أي إن جاء مالكها بعد تصدق الملتقط خير بين إمضاء الصدقة والثواب له وبين تضمين الملتقط لأن التصدق وإن حصل بإذن الشرع لم يحصل بإذنه فيتوقف على إجازته أطلق في التنفيذ فشمل ما بعد هلاك العين لأن الملك يثبت للفقير قبل الإجارة فلا يتوقف على قيام المحل بخلاف بيع الفضولي فإنه يشترط لصحة إجازته قيام العين لثبوت الملك بعد الإجازة فيه وأما تضمين الملتقط فلكونه سلم ماله إلى غيره بغير إذنه إلا أنه بإباحة من جهة الشرع وهذا لا ينافي الضمان حقا للعبد كما في تناول مال الغير حالة المخمصة وأطلق فيه فشمل ما إذا كان التصدق بأمر القاضي وهو الصحيح لأن أمره لا يكون أعلى من فعله والقاضي لو تصدق بها كان له أن يضمنه فكذا له أن يضمن من أمره القاضي‏.‏ ولذا أطلق المصنف في الملتقط فشمل القاضي ولذا قال في الذخيرة وإذا مال القاضي أو الإمام إلى التصدق وتصدق كان في ذلك كواحد من الرعايا وهذا لأن التصدق بها غير داخل في ولاية الإمام والقاضي لأنه تصدق بمال الغير بغير إذنه ا هـ‏.‏ وهو شامل لما إذا كانا ملتقطين أو التقط غيرهما ودفعها إليهما ولم يذكر المصنف تضمين المسكين قالوا أنه مخير إن شاء ضمن الملتقط وإن شاء ضمن المسكين وأيهما ضمن لا يرجع على صاحبه فإن ضمن الملتقط ملكها الملتقط من وقت الأخذ ويكون الثواب له وإن كانت العين قائمة أخذها من يد الفقير كذا في الخانية وبه علم أن الثواب موقوف ولم يذكر المصنف أن للملتقط شيئا إذا ردها إلى صاحبها لما في الولوالجية ولو التقط لقطة أو وجد ضالة أو صبيا حرا ضالا فرده على أهله لم يكن له جعل وإن عوضه شيئا فحسن ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية لو قال من وجده فله كذا فأتى به إنسان يستحق أجر مثله ا هـ‏.‏ وعلله في المحيط بأنها إجارة فاسدة وعزاه إلى الكرخي لكن فيه نظر لأنه لا قبول لهذه الإجارة فلا إجارة أصلا وفي القاموس الرب باللام لا يطلق لغير الله تعالى وأما بالإضافة فمالك الشيء ومستحقه أو صاحبه وأنفذ الأمر قضاه والنافذ الماضي في جميع أموره‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وصح التقاط البهيمة‏)‏ أي ندب التقاطها لأنها لقطة يتوهم ضياعها فيستحب أخذها وتعريفها صيانة لأموال الناس وأما ما في الصحيح حين سئل عن ضالة الإبل قال مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر فذرها حتى يجدها ربها فأجاب عنه في المبسوط بأن ذلك كان إذ ذاك لغلبة أهل الصلاح والأمانة لا تصل إليها يد خائنة فإذا تركها وجدها وأما في زماننا فلا يأمن من وصول يد خائنة إليها بعده ففي أخذها إحياؤها وإنما فسرنا الصحة بالندب لأن خلاف الأئمة الثلاثة إنما هو في ندب التقاطها فإنهم قالوا تركها أفضل لا أنهم قالوا بعدم الجواز وإنما يكون مندوبا عندنا إذا لم يخف الضياع وإلا لم يسعه تركه كذا في الولوالجية قال ولا فرق عندنا بين أن تكون البهيمة في القرية أو في الصحراء ومحل الاختلاف الثاني والحذاء النعل والسقاء القربة والمراد به هنا مشافرها وبالأول فراسنها كذا في الظهيرية وفي التتارخانية وإن كان مع اللقطة ما يدفع به عن نفسه كالقرن للبقرة وزيادة القوة في البعير بكدمه ونفحه يقضى بكراهية الأخذ ا هـ‏.‏ وبه علم أن التقاط البهيمة على ثلاثة أوجه لكن ظاهر الهداية أن صورة الكراهة إنما هي عند الشافعي لا عندنا وفي القاموس البهيمة كل ذات أربع ولو في الماء أو كل حي لا يميز والجمع بهائم ا هـ‏.‏ فشمل الدواب والطيور والإبل والبقر والغنم والدجاج والحمام الأهلي كما في الحاوي وفيه ومن رأى دابة في غير عمارة أو برية لا يأخذها ما لم يغلب على ظنه أنها ضالة بأن كانت في موضع لم يكن بقربه بيت مدرا وشعرا وقافلة نازلة أو دواب في مرعاها ا هـ‏.‏ فلو وصف المصنف البهيمة بالضالة لكان أولى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وهو متبرع في الإنفاق على اللقيط واللقطة‏)‏ أي الملتقط لقصور ولايته فصار كما لو قضى دين غيره بغير أمره قيد بالملتقط لأن الوصي لو أنفق عليه من ماله ومال اليتيم غائب فهو متطوع إلا أن يشهد أنه قرض عليه أو أنه يرجع ولو اشترى له الوصي طعاما أو كسوة بشهادة شهود رجع ولو اشترى ثوبا أو خادما لولده ونقد ثمنه من مال نفسه لا يرجع إلا أن يشهد أنه شراه له ليرجع كذا في جامع الفصولين من الفصل السابع والعشرين وقيد حكم قضاء مديون الميت دينه بغير أمر وصيه وقضاء المودع دين مودعه بلا أمر وقضاء الوكيل بالبيع عن المشتري الثمن لموكله بلا أمره‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبإذن القاضي يكون دينا‏)‏ لأن للقاضي ولاية في مال الغائب وعلى اللقيط نظرا لهما وقد يكون النظر بالإنفاق وصورة إذن القاضي أن يقول له أنفق على أن ترجع فلو أمره به ولم يقل على أن ترجع لا يكون دينا وهو الأصح لأن الأمر متردد بين الحسبة والرجوع فلا يكون دينا بالشك وعبارة المجمع أحسن وهي فإن أنفق الملتقط كان متبرعا إلا أن يأذن له القاضي بشرط الرجوع أو يصدقه اللقيط إذا بلغ ا هـ‏.‏ وينبغي أن يكون معنى التصديق تصديقه أنه أنفق عليه بأمر القاضي على أن يرجع لا تصديقه على الإنفاق لأنه لو كان بلا أمر القاضي لا رجوع عليه له فتصديقه وعدمه سواء وفي شرحه لابن الملك خلافه فإنه قال يعني إذا لم يأمر القاضي بإنفاقه فصدقه اللقيط بعد البلوغ أنه أنفقه للرجوع عليه فله الرجوع عليه لإقراره بحقه ا هـ‏.‏ ولو صح هذا لزم أن يقال في الجواب فهو متبرع إلا أن يشهد أنه أنفق ليرجع أو يصدقه على ذلك وحينئذ لا اعتبار بأمر القاضي وهم قد اتفقوا على أنه لا بد من إذن القاضي لعدم ولاية الملتقط فلا يكفيه الإشهاد بخلاف الوصي لو أنفق من ماله وأشهد يرجع كما قدمناه لأن له ولاية في مال اليتيم ولم أر من نبه على هذا المحل لكني فهمته مما نقلته عن الخانية في باب اللقيط عند قوله ونفقته في بيت المال ولم يبين المصنف المديون لتعدده ففي اللقطة صاحبها وفي اللقيط الأب إن ظهر له أب واللقيط بعد بلوغه إن لم يظهر له أب كما في الظهيرية ومالكه إن ظهر له سيد بإقراره كما في الحاوي والعجب من الشارح أنه جعله صاحبها وسها عن اللقيط ولم يذكر المصنف إقامة البينة من الملتقط قبل إذن القاضي وشرطه في الأصل وصححه في الهداية لأنه يحتمل أن يكون غصبا في يده ولا يأمر فيه بالإنفاق وإنما يأمره في الوديعة فلا بد من البينة لكشف الحال وليست تقام للقضاء حتى يشترط لها خصم لكن ظاهره أنه في اللقطة وأما في اللقيط فقد قدمنا أنه كذلك وصرح به في الظهيرية وإن قال الملتقط لا بينة لي يقول له أنفق عليها إن كنت صادقا وفي الذخيرة يقول له ذلك بين يدي الثقات وكذا لو كانت اللقطة شيئا يخاف عليه الهلاك متى لم ينفق عليه إلى إقامة البينة كما في الظهيرية وقدمنا أن القاضي لو جعل ولاء اللقيط للملتقط جاز لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه فإن من العلماء من قال بأن الملتقط يشبه المعتق من حيث إنه أحياه كالمعتق فعلى هذا لا يكون متبرعا بالإنفاق بغير إذن القاضي إذا أشهد ليرجع كالوصي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن كان لها نفع أجرها وأنفق عليها‏)‏ أي اللقطة والمراد الضالة البهيمة لأن فيه إبقاء العين على مالكه من غير إلزام الدين عليه قيد باللقطة لأن العبد الآبق لا يؤجره القاضي لأنه يخاف أن يأبق كذا في التبيين وفي الهداية سوى بينهما بقوله وكذلك يفعل بالعبد الآبق ولم أر حكم اللقيط إذا صار مميزا ولا مال له هل يؤجره القاضي للنفقة أو لا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإلا باعها‏)‏ أي إن لم يكن لها نفع باعها القاضي وحفظ ثمنها لصاحبها إبقاء له يعني عند تعذر إبقائه صورة وظاهر الكتاب أن القاضي يفعل أحد الأمرين من الإجارة إن أمكن وإلا فالبيع وظاهره أنه إذا لم يكن له نفع لا بإذن له في الإنفاق وفي الهداية وإن كان الأصلح الإنفاق عليها أذن في ذلك وجعل النفقة دينا على مالكها قالوا إنما يأمر بالإنفاق يومين أو ثلاثة على قدر ما يرى رجاء أن يظهر مالكها فإذا لم يظهر يأمر ببيعها لأن دارة النفقة مستأصلة فلا نظر في الإنفاق مدة مديدة ا هـ‏.‏ وأفاد بقوله لا نظر إلى آخره أنه لو فعل ذلك لا ينفذ من القاضي للتيقن بعدم النظر وقد فهمه المحقق ابن الهمام أيضا وإذا بيعت أخذ الملتقط ما أنفق بإذن القاضي ولم يذكر المصنف حكم ما إذا حضر المالك بعد البيع ولم يجزه وقدمنا عن الخلاصة أن البيع نافذ من القاضي موقوف من غيره على إجازته وبيع الملتقط بإذن القاضي كبيع القاضي فلو كان عبدا باعه القاضي فلما جاء المولى قال هو مدبر أو مكاتب لا يصدق في نقض البيع كذا في التتارخانية وهو مشكل لأنه لو باع بنفسه ثم قال هو مدبر أو مكاتب أو أم ولد وبرهن قبل كما ذكره في فتح القدير من باب الاستحقاق مصورا له في الواهب وعللوا له بأن التناقض في دعوى الحرية وفروعها لا يمنع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومنعها من ربها حتى يأخذ النفقة‏)‏ أي منع اللقطة لأنه حي بنفقته فصار كأنه استفاد الملك من جهته فأشبه المبيع وأقرب من ذلك راد الآبق فإن له الحبس لاستيفاء الجعل لما ذكرنا ثم لا يسقط دين النفقة بهلاكه عند الملتقط قبل حبسه ويسقط إذا هلك بعد الحبس لأنه يصير بالحبس شبيه الرهن كما في الهداية والكافي وهو المذهب فاندفع به ما ذكره القدوري من عدم السقوط بالهلاك بعد الحبس وإنما السقوط هو قول زفر وهكذا في الينابيع ولم يذكر المؤلف بيع القاضي لها بعد حضور مالكها للإنفاق إذا امتنع من دفعه للملتقط قال في الحاوي فإن امتنع صاحبها من أداء ما أنفق بأمر القاضي باعها القاضي وأعطى نفقته من ثمنها ورد عليه الباقي ا هـ‏.‏ ولا فرق في منعها من ربها للإنفاق بين أن يكون الملتقط أنفق من ماله أو استدان بأمر القاضي ليرجع على صاحبها كما صرح به في الحاوي لكن لم أر أن للملتقط أن يحيل الدائن على صاحبها بدينه بغير رضاه وقد صرحوا في نفقة الزوجة المستدانة بإذن القاضي أن المرأة تتمكن من الحوالة عليه بغير رضاه وقياسه هنا كذلك بجامع إذن القاضي بالاستدانة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يدفعها إلى مدعيها بلا بينة‏)‏ أي اللقطة للحديث‏:‏ «البينة على المدعي» ولأن اليد حق مقصود حتى وجب على الغاصب الضمان بإزالته فلا يزال إلا ببينة ولا يستحق إلا بها كالملك ولذا وجب الضمان على غاصب المدبر وفي الخانية الملتقط إذا أقر بلقطة لرجل وأقام رجل آخر البينة أنها له يقضى بها لصاحب البينة فإذا أقر بها لرجل ودفعها إليه فاستهلكها ثم أقام آخر البينة أنها له فإن كان دفع إلى الأول بقضاء أو بغير قضاء كان لصاحب البينة أن يضمن القابض لأنه قبض ماله بغير أمره عن اختيار فيكون بمنزلة غاصب الغاصب وإذا ضمنه صاحب البينة لا يرجع هو على المقر كالغاصب الغاصب إذا ضمن لا يرجع على الغاصب وإن اختار صاحب البينة تضمين الدافع فإن كان الدفع بغير قضاء كان له أن يضمنه وإن كان الدفع بقضاء لم يذكره في الكتاب قالوا ينبغي أن تكون المسألة على الاختلاف على قول أبي يوسف ليس له ذلك وعلى قول محمد له ذلك ا هـ‏.‏ أراد بعدم الدفع عدم لزومه لأنه لو صدق مدعيها بلا بيان جاز الدفع بلا جبر وأراد بالبينة القضاء بها وفي الظهيرية فإن كانت اللقطة في يد رجل مسلم فادعاها رجل فأقام البينة أو أقر الملتقط بذلك ولكن قال لا أردها عليك إلا عند القاضي فله ذلك وإن مات في يده عند ذلك فلا ضمان عليه ا هـ‏.‏ وفي الكافي للحاكم وإذا كانت اللقطة في يد مسلم فادعاها رجل ووصفها فأبى الذي في يده أن يعطيه إلا ببينة فأقام شاهدين كافرين لم تجز شهادتهما لأن الذي في يده مسلم فإن كانت في يد كافر فكذلك القياس أيضا لعلها لمسلم ولكني أستحسن فاقضي له فإن كانت في يد مسلم وكافر لم تجز شهادة الكافر على واحد منهما في القياس ولكني أستحسن أن أجيزه على ما في يد الكافر منهما ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن بين علامتها حل الدفع بلا جبر‏)‏ للحديث‏:‏ «فإن جاء صاحبها وعرف عفاصها وعددها فادفعها إليه» وهذا للإباحة عملا بالمشهور وهو قوله عليه السلام‏:‏ «البينة على المدعي» الحديث ولما قدمنا أن اليد حق مقصود كالملك فلا يستحق إلا بالبينة والعلامة مثل أن يسمي وزن الدراهم وعددها ووكاءها ووعاءها كذا في الهداية والعفاص ككتاب الوعاء فيه النفقة جلدا أو خرقة وغلاف القارورة والجلد يغطى به رأسها والوكاء ككساء رباط القربة وغيرها وقد وكأها وأوكأها وعليها وكل ما شد رأسه من وعاء ونحوه وكاء كذا في القاموس وظاهر مفهوم الشرط أنه لو لم يبين علامتها لا يحل الدفع وهو محمول على ما إذا لم يصدقه فإن صدقه حل الدفع قال في فتح القدير فإن صدقه مع العلامة أو لا معها فلا شك في جواز دفعه إليه لكن هل يجبر قيل يجبر كما لو أقام بينة وقيل لا يجبر كالوكيل بقبض الوديعة إذا صدقه المودع لا يجبره القاضي على دفعها إليه ودفع بالفرق بأن المالك هنا غير ظاهر أي المالك الآخر والمودع في مسألة الوديعة ظاهر ا هـ‏.‏ وقدمنا حكم ما إذا دفعها بلا بينة ثم أثبتها آخر وهو أعم من دفعها بالعلامة أو بالتصديق فقط ولم يذكر المصنف أخذ الكفيل عند دفعها ببيان العلامة قال في الهداية ويأخذ منه كفيلا إن كان يدفعها إليه استيثاقا وهذا بلا خلاف لأنه يأخذ الكفيل لنفسه بخلاف الكفيل لوارث غائب عند أبي حنيفة ا هـ‏.‏ وصحح في النهاية أنه لا يأخذ كفيلا مع إقامة الحاضر البينة والمراد ببيان العلامة بيانها مع المطابقة وقدمنا في اللقيط أن الإصابة في بعض العلامات لا تكفي وصرح في التتارخانية في التصوير بأنه أصاب في علامات اللقطة كلها فظاهره أنه شرط ولم أر حكم ما إذا بين كل من المدعيين لها علاماتها وأصابا وينبغي أن يحل له الدفع لهما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وينتفع بها لو فقيرا وإلا تصدق على أجنبي ولأبويه وزوجته وولده لو فقيرا‏)‏ أي ينتفع الملتقط باللقطة بأن يتملكها بشرط كونه فقيرا نظرا من الجانبين كما جاز الدفع إلى فقير آخر وأما الغني فلا يجوز له الانتفاع بها فإن كان غير الملتقط فظاهر للحديث فإن لم يجئ صاحبها فليتصدق بها والصدقة إنما تكون على الفقير كالصدقة المفروضة وإن كان الملتقط فكذلك وقال الشافعي يجوز لقوله عليه السلام في حديث أبي رضي الله عنه‏:‏ «فإن جاء صاحبها فادفعها إليه وإلا فانتفع بها» وكان من الأغنياء ولأنه إنما يباح للفقير حملا له على رفعها صيانة لها والغني يشاركه فيه ولنا أنه مال الغير فلا يباح الانتفاع به إلا برضاه لإطلاق النصوص والإباحة للفقير لما روينا أو بالإجماع فبقي ما وراءه على الأصل والغنى محمول على الأخذ لاحتمال افتقاره في مدة التعريف والفقير قد يتوانى لاحتمال استغنائه فيها وانتفاع أبي رضي الله عنه كان بإذن الإمام وهو جائز بإذنه كما في الهداية فقد أفاد أن الغني يجوز له الانتفاع بإذن الإمام لكن على وجه القرض كما قيده به الزيلعي وغيره‏.‏ وظاهر كلامهم متونا وشروحا أن الحل للفقير بعد التعريف لا يتوقف على إذن القاضي ويخالفه ما في الخانية في المسألتين فإنه قال لو أراد الملتقط أن يصرفها إلى نفسه بعدما عرفها هذه المدة فهو على وجهين إن كان الملتقط غنيا لا يجوز له الانتفاع عندنا سواء فعل ذلك بأمر القاضي أو بغير أمره وإن كان الملتقط فقيرا إن أذن له القاضي أن ينفقها على نفسه يحل له أن ينفق ولا يحل بغير أمر القاضي عند عامة العلماء وقال بشر يحل ا هـ وإنما فسرنا الانتفاع بالتملك لأنه ليس المراد الانتفاع بدونه كالإباحة ولذا ملك بيعها وصرف الثمن إلى نفسه كما في الخانية أطلق في عدم الانتفاع للغني فشمل القرض ولذا قال في فتح القدير وليس للملتقط إذا كان غنيا أن يتملكها بطريق القرض إلا بإذن الإمام وإن كان فقيرا فله أن يصرفها إلى نفسه صدقة لا قرضا ا هـ‏.‏ وأطلق في ولده فشمل الصغير والحاصل أن أقارب الملتقط وأصوله وفروعه وزوجته كالأجنبي لأن الجواز للفقر وهو موجود في الكل وينبغي تقييد الصغير بأن يكون الملتقط فقيرا لأن الولد يعد غنيا بغناء أبيه كما قدمناه في الزكاة ولم يذكر المصنف حكم ما إذا انتفع بها الملتقط ثم حضر المالك لأنه معلوم من حكم ما إذا تصدق بها الملتقط ثم حضر المالك بالأولى فله أن يجيز وأن يضمن وفي الخانية رجل وجد عرضا لقطة فعرفها ولم يجد صاحبها وهو فقير ثم أنفق على نفسه ثم أصاب مالا قالوا لا يجب عليه أن يتصدق على الفقراء بمثل ما أنفق على نفسه زاد في الولوالجية وهو المختار فأفاد الاختلاف‏.‏ وفي الخانية امرأة وضعت ملاءتها وجاءت امرأة أخرى ووضعت ملاءتها ثم جاءت الأولى وأخذت ملاءة الثانية وذهبت لا ينبغي للثانية أن تنتفع بملاءة الأولى لأنه انتفاع بملك الغير فإن أرادت أن تنتفع بها قالوا ينبغي أن تتصدق هي بهذه الملاءة على ابنتها إن كانت فقيرة على نية أن يكون ثواب الصدقة لصاحبتها إن رضيت ثم تهب الابنة الملاءة منها فيسعها الانتفاع بها لأنها بمنزلة اللقطة فكان سبيلها التصدق وإن كانت غنية لا يحل لها الانتفاع بها وكذلك الجواب في المكعب إذا سرق ا هـ‏.‏ وقيده بعضهم بأن يكون المكعب الثاني مثل الأول أو أجود أما إذا كان الثاني دون الأول فله أن ينتفع به من غير هذا التكلف لأن أخذ الأجود وترك الأدون دليل الرضا بالانتفاع بالأدون كذا في الظهيرية وفيه مخالفة اللقطة من جهة جواز التصدق بها قبل التعريف وكأنه للضرورة وكذلك جوزوا الانتفاع للحال في مسألة مذكورة في الخلاصة وفي الولوالجية هي لو مات غريب في دار رجل ومعه قدر خمسة دراهم فأراد صاحب البيت أن يتصدق على نفسه إن كان فقيرا فله ذلك كاللقطة ا هـ‏.‏ ولم يصرحا بما زاد على الخمسة وفي الحاوي القدسي وإذا مات الغريب في بيت إنسان وليس له وارث معروف كان حكم تركته كحكم اللقطة إلا إذا كان مالا كثيرا يكون لبيت المال بعد البحث والفحص عن ورثته سنين ا هـ‏.‏ وفي الخانية رجل غريب مات في دار رجل وليس له وارث معروف وخلف ما يساوي خمسة دراهم وصاحب الدار فقير ليس له أن يتصدق بهذا المال على نفسه لأنه ليس بمنزلة اللقطة ا هـ‏.‏ وهو مخالف لما ذكرنا هـ والأول أثبت وصرح به في المحيط وأما مسألة الحمام فقال في الظهيرية رجل له محصنة حمام اختلط بها أهلي لغيره لا ينبغي له أن يأخذه فإن أخذه طلب صاحبه ليرده عليه لأنه في معنى اللقطة فإن فرخ عنده فإن كانت الأم غريبة لا يتعرض لفرخها وإن كانت الأم لصاحب المحصنة والغريب ذكر فالفرخ له قال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي وبهذا تبين أن من اتخذ برج حمام فأوكرت فيه حمام الناس فما يأخذ من أفراخها لا يحل له وهو بمنزلة اللقطة في يده فإن كان فقيرا له أن يتناول لحاجته وإن كان غنيا ينبغي له أن يتصدق بها على فقير ثم يشتري ويحل له التناول قال شمس الأئمة وهكذا كان يفعل شيخنا شمس الأئمة الحلواني وكان مولعا بأكل الجوازل ومحصنة الحمام برجه وأوكرت اتخذت وكرا وهو بيت الحمام وغيره والمولع الحريص والجوازل جمع جوزل وهو فرخ الحمام ا هـ‏.‏ وفي القنية يمشي في السوق وينفخ في التراب فوجد عدلية أو فلسا أو ذهبا لا يحل له إلا بعد التعريف ثم التصدق عليه إن كان فقيرا ثم رقم لآخر أما الفلس والعدلية فيباح له إذا كان فقيرا وفي الزيادة لا ويجوز التصدق في العدلية والفلس قبل التعريف ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية المأخوذ به أن للمأمور بالنثار سكرا أو غيره أن يحبس لنفسه مقدار ما يحبسه الناس وأن يلتقط ومن وقع في حجره أو ذيله شيء فأخذه منه غيره إن هيأه لذلك لا يكون للآخذ وإلا كان له وفي التتارخانية سارق دفع لرجل متاعا فينبغي له أن يتصدق به إن لم يعرف صاحبه وإلا رده ولا يرد إلى السارق والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏