فصل: كتاب اللقيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب البغاة

أخره لقلة وجوده ولبيان حكم من يقتل من المسلمين بعد من يقتل من الكفار والبغاة جمع باغ من بغى على الناس ظلم واعتدى وبغى سعى بالفساد ومنه الفرقة الباغية لأنها عدلت عن القصد وأصله من بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد وبغت المرأة تبغي بغاء بالكسر والمد فجرت فهي بغي والجمع البغايا وهو وصف يختص بالمرأة ولا يقال للرجل بغي قاله الأزهري كذا في المصباح وفي القاموس الباغي الطالب والجمع بغاة وبغيان وفئة باغية خارجة عن طاعة الإمام العادل ا هـ‏.‏ فقوله في فتح القدير الباغي في عرف الفقهاء الخارج عن الإمام الحق تساهل لما علمت أنه في اللغة أيضا والخارجون عن طاعته ثلاثة قطاع الطريق وقد علم حكمهم وخوارج وبغاة وفرق بينهما في فتح القدير بأن الخوارج قوم لهم منعة وحمية خرجوا عليه بتأويل يرون أنه على باطل كفر أو معصية توجب قتاله بتأويلهم يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويسبون نساءهم ويكفرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمهم عند جمهور الفقهاء والمحدثين حكم البغاة وذهب بعض المحدثين إلى كفرهم قال ابن المنذر لا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء وذكر في المحيط أن بعض الفقهاء لا يكفر أحدا من أهل البدع وبعضهم يكفرون بعض أهل البدع وهو من خالف ببدعته دليلا قطعيا ونسبه إلى أكثر أهل السنة والنقل الأول أثبت نعم يقع في كلام أهل المذاهب تكفير كثير لكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم ولا عبرة بغير الفقهاء والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا وابن المنذر أعرف بنقل مذاهب المجتهدين وما ذكره محمد بن الحسن من حديث الحضرمي يدل على عدم تكفير الخوارج وأما البغاة فقوم مسلمون خرجوا على الإمام العدل ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم ا هـ‏.‏ فما في البدائع من تفسير البغاة بالخوارج فيه قصور وإنما لا نكفر الخوارج باستحلال الدماء والأموال لتأويلهم وإن كان باطلا بخلاف المستحل بلا تأويل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ خرج قوم مسلمون عن طاعة الإمام وغلبوا على بلد دعاهم إليه وكشف شبهتهم‏)‏ بأن يسألهم عن سبب خروجهم فإن كان لظلم منه أزاله وإن قالوا الحق معنا والولاية لنا فهم بغاة لأن عليا رضي الله عنه فعل ذلك بأهل حروراء قبل قتالهم ولأنه أهون الأمرين ولعل الشر يندفع به فيبدأ به استحبابا لا وجوبا فإن أهل العدل لو قاتلوهم من غير دعوة إلى العود إلى الجماعة لم يكن عليهم شيء لأنهم علموا ما يقاتلون عليه فحالهم كالمرتدين وأهل الحرب بعد بلوغ الدعوة كذا في العناية فلو أبدوا ما يجوز لهم القتال كأن ظلمهم أو ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه لا يكونون بغاة ولا يجوز معاونة الإمام عليهم حتى يجب على المسلمين أن يعينوهم حتى ينصفهم ويرجع عن جورهم بخلاف ما إذا كان الحال مشتبها أنه ظلم مثل تحميل بعض الجبايات التي للإمام أخذها وإلحاق الضرر بها لدفع ضرر أعم منه كذا في فتح القدير قيد بإسلامهم لأن أهل الذمة إذا غلبوا على موضع للحراب صاروا أهل حرب كما قدمناه لكن لو استعان أهل البغي بأهل الذمة فقاتلوا معهم لم يكن ذلك منهم نقضا للعهد كما أن هذا الفعل من أهل البغي ليس نقضا للإيمان فحكمهم حكم البغاة كذا في فتح القدير يعني بالتبعية للمسلمين فلا يرد على التقييد بالإسلام والمراد بالإمام السلطان أو نائبه قال في الخانية من السير قال علماؤنا السلطان من يصير سلطانا بأمرين بالمبايعة معه ويعتبر في المبايعة أشرافهم وأعيانهم والثاني أن ينفذ حكمه في رعيته خوفا من قهره وجبروته فإن بايع الناس ولم ينفذ حكمه فيهم لعجزه عن قهرهم لا يصير سلطانا فإذا صار سلطانا بالمبايعة فجاز إن كان له قهر وغلبة لا ينعزل لأنه لو انعزل يصير سلطانا بالقهر والغلبة فلا يفيد وإن لم يكن له قهر وغلبة ينعزل ا هـ‏.‏ وقيد بغلبتهم على بلد لأنه لا يثبت حكم البغي ما لم يتغلبوا ويجتمعوا ويصير لهم منعة كذا في المحيط ولم يقيد المصنف الإمام بالعادل وقيده في فتح القدير بأن يكون الناس به في أمان والطرقات آمنة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبدأ بقتالهم‏)‏ يعني إذا تعسكروا واجتمعوا وهو اختيار لما نقله خواهر زاده عن أصحابنا أنا نبدؤهم قبل أن يبدؤنا لأن الحكم يدار على الدليل وهو الاجتماع والامتناع وهذا لأنه لو انتظر الإمام حقيقة قتالهم ربما لا يمكنه الدفع فيدار على الدليل ضرورة دفع شرهم ونقل القدوري أنه لا يبدؤهم حتى يبدؤه فإن بدؤه قاتلهم حتى يفرق جمعهم وظاهر كلامهم أن المذهب الأول وفي البدائع يجب على كل من دعاهم الإمام إلى قتالهم أن يجيب ولا يسعهم التخلف إذا كان له غنى وقدرة لأن طاعة الإمام فيما ليس بمعصية فرض فكيف فيما هو طاعة وما عن أبي حنيفة من الاعتزال في الفتنة ولزوم البيت محمول على ما إذا لم يدعه أما إذا دعاه الإمام فالإجابة فرض ا هـ‏.‏ وأما تخلف بعض الصحابة رضي الله عنهم عنها فمحمول على أنه لم يكن لهم قدرة وربما كان بعضهم في تردد من حل القتال وما روي‏:‏ «إذا التقى المؤمنان بسيوفهما فالقاتل والمقتول في النار» محمول على اقتتالهما حمية وعصبة كما يتفق بين أهل قريتين أو محلتين أو لأجل الدنيا والمملكة كذا في فتح القدير وفي المحيط طلب أهل البغي الموادعة أجيبوا إن كان خيرا للمسلمين كما في أهل الحرب ولا يؤخذ منهم شيء فلو أخذنا منهم رهونا وأخذوا منا رهونا ثم غدروا بنا وقتلوا رهوننا لا ينبغي لنا أن نقتل رهونهم لأن الرهون صاروا آمنين في أيدينا وشرط إباحة دمهم باطل ولكنهم يحبسون إلى أن يهلك أهل البغي أو يتوبوا وكذلك أهل الشرك إذا فعلوا برهوننا لا نفعل برهونهم فيجبرون على الإسلام أو يصيروا ذمة وفي الهداية وإذا بلغه أنهم يشترون السلاح ويتأهبون للقتال ينبغي أن يأخذهم ويحبسهم حتى يقلعوا عن ذلك ويحدثوا توبة دفعا للشر بقدر الإمكان‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو لهم فئة أجهز على جريحهم وأتبع موليهم وإلا لا‏)‏ أي وإن لم يكن لهم فئة لا يجهز على الجريح ولا يتبع المولى لدفع شرهم بالأول كي لا يلحقوا بهم ولاندفاع الشر دونه في الثاني والفئة الطائفة والجمع فئون وفئات وجهز على الجريح كمنع وأجهز ثبت قتله وأسرعه وتمم عليه وموت مجهز وجهيز سريع كذا في القاموس وأتبع على البناء للمفعول للقتل والأسر وموليهم بالنصب مفعول ثان وهو اسم فاعل من ولى تولية أدبر كتولى ولم يذكر حكم أسرهم وفي البدائع إن شاء الإمام قتله وإن شاء حبسه لاندفاع شره به ويقاتل أهل البغي بالمنجنيق والغرق وغير ذلك كأهل الحرب وكل من لا يجوز قتله من أهل الحرب من النساء والصبيان والشيوخ والعميان لا يجوز قتله من أهل البغي إلا إذا قاتلوا فيقتلون حال القتال وبعد الفراغ إلا الصبيان والمجانين ولا يجوز للعادل أن يبتدئ بقتل محرمه من أهل البغي مباشرة إلا إذا أراد قتله فله أن يدفعه ولو بقتله وله أن يتسبب ليقتله غيره كعقر دابته بخلاف أهل الحرب فإن له أن يقتل محرمه منهم مباشرة إلا الوالدين ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم تسب ذريتهم وحبس أموالهم حتى يتوبوا‏)‏ لقول علي رضي الله عنه يوم الجمل ولا يقتل أسير ولا يكشف ستر ولا يؤخذ مال وهو القدوة في هذا الباب وقوله في الأسير مؤول بما إذا لم يكن لهم فئة ومعنى لا يكشف لهم ستر لا تسبى نساؤهم أطلق المال فشمل العبيد فلذا قال في البدائع وأما العبد المأسور من أهل البغي فإن كان قاتل مع مولاه يجوز قتله وإن كان يخدم مولاه لا يجوز قتله ولكن يحبس حتى يتوب ا هـ‏.‏ وظاهر ما في الكتاب حبس عين الكراع وليس كذلك لما في الهداية وأما الكراع فلا يمسك ولكنه يباع ويحبس ثمنه لمالكه لأنه أنفع له وذكر في المحيط الدواب بدل الكراع وفي فتح القدير ولا ينفق عليه من بيت المال لتتوفر مؤنتها عليه وهذا إذا لم يكن للإمام بها حاجة ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن احتاج قاتل بسلاحهم وخيلهم‏)‏ لأن عليا رضي الله عنه قسم السلاح فيما بين أصحابه بالبصرة وكانت قسمته للحاجة لا للتمليك ولأن للإمام أن يفعل ذلك في مال العادل عند الحاجة ففي مال الباغي أولى والمعنى فيه إلحاق الضرر الأدنى لدفع الأعلى قيد بالسلاح والخيل لأن غيرهما من الأموال ينتفع به مطلقا كذا في البدائع وفي المحيط قال الباغي تبت وألقى السلاح كف عنه لأن توبة الباغي بمنزلة الإسلام من الحربي في إفادة العصمة والحرمة ولو قال كف عني لأنظر في أمري لعلي ألقي السلاح يكف عنه ولو قال أنا على دينك ومعه السلاح لم يكف عنه لأن ذلك ليس بتوبة ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن قتل باغ مثله فظهر عليهم لم يجب شيء‏)‏ لأنه لا ولاية لإمام العدل حين القتل فلم ينعقد موجبا كالقتل في دار الحرب فلا قصاص ولا دية ولذا عبر بالشيء المنكر في النفي فظاهره أنه لا يأثم أيضا وهو ظاهر ما في فتح القدير فإنه علل بأنه قتل نفسا يباح قتلها ألا ترى أن العادل إذا قتله لا يجب عليه شيء فلما كان مباح القتل لم يجب به شيء ا هـ‏.‏ وفي البدائع يصنع بقتلى أهل العدل ما يصنع بسائر الشهداء لأنهم شهداء وأما قتلى أهل البغي فلا يصلى عليهم ولكنهم يغسلون ويكفنون ويدفنون ويكره أن تؤخذ رءوسهم وتبعث إلى الآفاق وكذلك رءوس أهل الحرب لأنه مثلة ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير وجوزه بعض المتأخرين إذا كان فيه طمأنينة قلوب أهل العدل أو كسر شوكتهم ا هـ‏.‏ ومنعه في المحيط في رءوس البغاة وجوزه في رءوس أهل الحرب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن غلبوا على مصر فقتل مصري مثله فظهر على المصر قتل به‏)‏ يعني بشرطين الأول إن كان عمدا الثاني أن لا يجري على أهله أحكام أهل البغي وأزعجوا من المصر قبل ذلك لأنه حينئذ لم تنقطع ولاية الإمام وبعد إجراء أحكامهم تنقطع فلا يجب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن قتل عادل باغيا أو قتله باغ وقال أنا على حق ورثه وإن قال أنا على باطل لا‏)‏ أي لا يرثه بيان لمسألتين الأولى إذا قتل عادل باغيا فإنه يرثه ولا تفصيل فيه لأنه قتل بحق فلا يمنع الإرث وأصله أن العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن ولا يأثم لأنه مأمور بقتالهم دفعا لشرهم كذا في الهداية وصرح في البدائع بأن العادل لا يضمن ما أصاب من أهل البغي من دم أو جراحة أو مال استهلكه وفي شرح المختار قال محمد إذا تابوا أفتيهم أن يغرموا ولا أجبرهم وفي المحيط العادل لو أتلف مال الباغي يؤخذ بالضمان لأن مال الباغي معصوم في حقنا وأمكن إلزام الضمان له فكان في إيجابه فائدة ووفق الشارح فحمل عدم وجوب الضمان على ما إذا أتلفه حال القتال بسبب القتال إذ لا يمكنه أن يقتلهم إلا بإتلاف شيء من أموالهم كالخيل وأما إذا أتلفوها في غير هذه الحالة فلا معنى لمنع الضمان لعصمة أموالهم وفي فتح القدير ولو دخل باغ بأمان فقتله عادل كان عليه الدية كما لو قتل المسلم مستأمنا في دارنا وهذا لبقاء شبهة الإباحة في دمه الثانية إذا قتل باغ عادلا فمنع أبو يوسف إرثه لأنه قتل بغير حق وكذا إذا أتلف ماله ضمنه لعصمة دمه وماله وقالا إن قال الباغي كنت على حق وأنا الآن على حق ورثه وإن قال قتلته وأنا أعلم أني على الباطل لم يرثه لأنه أتلف عن تأويل فاسد والفاسد منه ملحق بالصحيح إذا ضمت إليه المنعة في حق الدفع كما في منعة أهل الحرب وتأويلهم‏.‏ والحاصل أن نفي الضمان منوط بالمنعة مع التأويل فإن تجردت المنعة عن التأويل كقوم تغلبوا على بلدة فقتلوا واستهلكوا الأموال بلا تأويل ثم ظهر عليهم أخذوا بجميع ذلك ولو انفرد التأويل عن المنعة بأن انفرد واحد أو اثنان فقتلوا وأخذوا عن تأويل ضمنوا إذا تابوا أو قدر عليهم كذا في فتح القدير وفي الهداية وعلى هذا الخلاف إذا مات المرتد وقد أتلف نفسا أو مالا ا هـ‏.‏ وبما قررناه ظهر أن الضمير في قوله وقال أنا على حق عائد إلى الباغي لا إلى القاتل الشامل للعادل والباغي وفي الهداية الباغي إذا قتل العادل لا يجب الضمان ويأثم في البدائع لا يضمن ما أصاب من دم أو جراحة أو مال ولو فعل شيئا من ذلك قبل الخروج وظهور المنعة أو بعد الانهزام وتفرق الجمع يؤخذ به ا هـ‏.‏ والحاصل أن المسألة رباعية لأن الجاني والمجني عليه إما أن يكونا عادلين أو باغيين أو مختلفين فإن كانا باغيين بينه بقوله وإن قتل باغ مثله وإن كانا مختلفين فقد بينه بقوله وإن قتل عادل باغيا أو قتله باغ وإن كانا عادلين فإن كانا في معسكر أهل البغي فلا قصاص لأن دار البغي كدار الحرب وإن كانا في مصر فيها البغاة لكن لم تجر أحكامها فيها فقد بينه بقوله وإن غلبوا على مصر وفي فتح القدير وإن كان رجل من أهل العدل في صف أهل البغي فقتله رجل من أهل العدل لم تكن عليه دية كما لو كان في صف أهل الحرب‏.‏ ثم اعلم أن المصنف سكت عن أحكام منها حكم قضاتهم وفي البدائع الخوارج لو ولوا قاضيا فإن كان باغيا وقضى بقضاء ثم رفعت إلى أهل العدل لا ينفذها لأنه لا يعلم كونها حقا لأنهم يستحلون دماءنا وأموالنا ولو كتب القاضي الباغي إلى القاضي العادل كتابا فإن علم أنه قضى بشهادة أهل العدل نفذه وإلا فلا وإن كان قاضيهم عادلا نفذنا قضاءه لصحة توليته والظاهر قضاؤه على رأي أهل العدل ومنها أن أمان الباغي لأهل الحرب صحيح لإسلامه فإن غدر بهم البغاة فسبوا لا يحل لأحد من أهل العدل أن يشتري منهم ومنها أنه لا يجوز لنا الاستعانة بأهل الشرك على أهل البغي إذا كان حكم أهل الشرك هو الظاهر ولا بأس أن يستعين أهل العدل بالبغاة والذميين على الخوارج إذا كان حكم أهل العدل هو الظاهر كذا في فتح القدير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكره بيع السلاح من أهل الفتنة لأنه إعانة على المعصية‏)‏ قيد بالسلاح لأن بيع ما يتخذ منه السلاح كالحديد ونحوه لا يكره لأنه لا يصير سلاحا إلا بالصنعة نظيره بيع المزامير يكره ولا يكره بيع ما يتخذ منه المزامير وهو القصب والخشب وكذا بيع الخمر باطل ولا يبطل بيع ما يتخذ منه وهو العنب كذا في البدائع وذكر الشارح أن بيع الحديد لا يجوز من أهل الحرب ويجوز من أهل البغي والفرق أن أهل البغي لا يتفرغون لعمله سلاحا لأن فسادهم على شرف الزوال بخلاف أهل الحرب ا هـ‏.‏ وقد استفيد من كلامهم هنا أن ما قامت المعصية بعينه يكره بيعه وما لا فلا ولذا قال الشارح إنه لا يكره بيع الجارية المغنية والكبش النطوح والديك المقاتل والحمامة الطيارة ا هـ‏.‏ وذكر الشارح من الحظر والإباحة أنه لا يكره بيع جارية لمن لا يستبرئها أو يأتيها من دبرها أو بيع غلام من لوطي ا هـ‏.‏ وفي الخانية من البيوع ويكره بيع الأمرد من فاسق يعلم أنه يعصي به لأنه إعانة على المعصية ا هـ‏.‏ وسيأتي إن شاء الله تعالى في الحظر والإباحة تمامه أطلق في أهل الفتنة فشمل البغاة وقطاع الطريق واللصوص‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن لم يدر أنه منهم لا‏)‏ أي لا يكره البيع لأن الغلبة في الأمصار لأهل الصلاح وظاهر كلامهم في الأول أن الكراهة تحريمية لتعليلهم بالإعانة على المعصية والله أعلم بالصواب‏.‏

كتاب اللقيط

لما كان في الالتقاط دفع الهلاك عن نفس اللقيط ذكره عقيب الجهاد الذي فيه دفع الهلاك عن نفس عامة المسلمين قال في القاموس لقطه أخذه من الأرض فهو ملقوط ولقيط واللقيط المولود الذي ينبذ كالملقوط ا هـ‏.‏ وفي المغرب اللقيط ما يلقط أي يرفع عن الأرض وقد غلب على الصبي المنبوذ لأنه على عرض أن يلقط وهو في الشريعة اسم لحي مولود طرحه أهله خوفا من العيلة أو فرارا من تهمة الريبة مضيعه آثم ومحرزه غانم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ندب التقاطه‏)‏ لما فيه من إحيائه وهو من أفضل الأعمال‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ووجب إن خيف الضياع‏)‏ أي فرض على الكفاية إن غلب على ظنه هلاكه لو لم يرفعه بأن وجده في مفازة ونحوها من المهالك صيانة له ودفعا للهلاك عنه كمن رأى أعمى يقع في البئر افترض عليه حفظه من الوقوع وإنما افترض على الكفاية لحصول المقصود بالبعض وهو صيانته ويتعين إن لم يعلم به غيره وفي القاموس ضاع يضيع ضيعا ويكسر وضيعة وضياعا هلك ا هـ‏.‏ فالضاد مفتوحة وليس المراد من الوجوب ما اصطلحنا عليه بل الافتراض فلا خلاف بيننا وبين باقي الأئمة كما قد توهم وينبغي أن يحرم طرحه بعد التقاطه لأنه وجب عليه بالتقاطه حفظه فلا يملك رده إلى ما كان عليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وهو حر‏)‏ لأن الأصل في بني آدم إنما هو الحرية وكذا الدار دار الأحرار ولأن الحكم للغالب فيترتب عليه أحكام الأحرار من أهلية الشهادة والإعتاق وتوابعه وحد قاذفه وغير ذلك من أحكام الأحرار إلا أنه لا يحد قاذف أمه لأن إحصان المقذوف شرط ولم يعرف إحصانها وسيأتي أنه لا يرق إلا ببينة وسنبين حكم إقراره بالرق أطلقه فشمل ما إذا كان الواجد حرا أو عبدا أو مكاتبا ولا يكون تبعا للواجد كذا في الولوالجية وفي المحيط وجد العبد المحجور عليه لقيطا ولا يعرف إلا بقوله وقال المولى كذبت بل هو عبدي فالقول للمولى لأن ما في يد العبد المحجور في يد المولى لأنه ليس له يد على نفسه ولهذا لو ادعى إنسان ما في يده لا ينتصب خصما له ولو أقر بما في يده لم يصح وإن كان مأذونا فالقول له لأن للمأذون يدا ولهذا ينتصب خصما لمن ادعى ما في يده ولو أقر بما في يده صح فصح إقراره بأنه لقيط من حيث إن ما في يده ليس له كما في مال آخر في يده لا من حيث إنه أقر بالحرية لأنه لا يملك الإقرار بالحرية وتثبت حريته باعتبار الأصل فإنها أصل في بني آدم لا بإقراره ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ونفقته في بيت المال‏)‏ هو المروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما ولأنه مسلم عاجز عن الكسب ولا مال له ولا قرابة فأشبه المقعد الذي لا مال له ولا قرابة وسيأتي في اللقطة أن الملتقط متبرع بالإنفاق عليهما وبإذن القاضي يكون دينا ونبينه إن شاء الله تعالى وفي الخانية وإن أمره القاضي أن ينفق عليه وشرط له الرجوع على اللقيط فادعى الملتقط عليه بعد بلوغه أنه أنفق عليه بأمر القاضي كذا إن صدقه اللقيط رجع بذلك عليه وإن كذبه في الإنفاق لا يرجع إلا ببينة ا هـ‏.‏ أطلق النفقة فشمل الكسوة كما في المحيط ولو قال وما يحتاج إليه في بيت المال لكان أولى لما في المحيط أن مهره إذا زوجه السلطان في بيت المال وإن كان له مال ففي ماله ا هـ‏.‏ ولو أبى الملتقط الإنفاق عليه وسأل القاضي أخذه منه فهو مخير والأولى قبوله بالبينة إذا علم عجزه عنه فلو قبله القاضي ودفعه إلى آخر وأمره بالإنفاق ليرجع ثم طلب الأول رده خير القاضي كذا في الخانية والمحيط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ كإرثه وجنايته‏)‏ فإن إرثه لبيت المال وجنايته فيه لأن الخراج بالضمان فلو وجد اللقيط قتيلا في محلة كان على أهل تلك المحلة ديته لبيت المال وعليهم القسامة وكذا إذا قتله الملتقط أو غيره خطأ فالدية على عاقلته لبيت المال ولو قتله عمدا فالخيار للإمام بين القتل والصلح على الدية وليس له العفو وقال أبو يوسف تجب الدية في مال القاتل كذا في الخانية وفي البدائع أن ولاءه لبيت المال كعقله وله أن يوالي من شاء إذا بلغ إلا إذا عقل عنه بيت المال فليس له أن يوالي أحدا ووليه السلطان في ماله ونفسه للحديث‏:‏ «السلطان ولي من لا ولي له» فيزوجه ويتصرف في ماله دون الملتقط وفي الظهيرية لو جعل الإمام ولاء اللقيط للملتقط جاز له لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يأخذه منه أحد‏)‏ أي لا يأخذ اللقيط من الملتقط أحد بغير رضاه لأنه ثبت حق الحفظ له لسبق يده عممه فشمل الإمام الأعظم فلا يأخذه منه بالولاية العامة إلا بسبب يوجب ذلك كذا في فتح القدير وقيدنا بالجبر لأنه لو دفعه إلى غيره باختياره جاز وليس له أن يأخذه من الثاني لأنه أبطل حق نفسه عن اختيار وأفاد بأنه لا يأخذ أحد أنه لو انتزعه أحد فاختصم الأول والثاني إلى القاضي قال فإن القاضي يدفعه إلى الأول كذا في الخانية وينبغي أن ينتزع منه إذا لم يكن أهلا لحفظه كما قالوا في الحاضنة وكما أفاده في فتح القدير بقوله إلا بسبب يوجب ذلك وفي الخانية وللملتقط أن ينقله إلى حيث شاء ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير ولو وجده مسلم وكافر فتنازعا في كونه عند أحدهما قضي به للمسلم لأنه محكوم له بالإسلام فكان المسلم أولى بحفظه ولأنه يعلمه أحكام الإسلام بخلاف الكافر ا هـ‏.‏ وهو يفيد أن الملتقط إذا كان متعددا فإن أمكن الترجيح اختص به الراجح ولم أر حكم ما إذا استويا وينبغي أن يكون الرأي فيه إلى القاضي وفي روض الشافعية يشترط في الملتقط تكليف وحرية ورشد وإسلام وعدالة فلا يصح من عبد إلا بإذن سيده أو تقريره ويكون السيد الملتقط وإلا انتزع من العبد ولا من مكاتب إلا بإذن سيده وينزع من سفيه وفاسق وكافر وكذا من لم يختبر وظاهره الأمانة فإن تنازع فيه ملتقطان قبل أخذه اختار الحاكم ولو غيرهما أو بعد الأخذ وهما أهل للالتقاط فالسابق بالأخذ فإن استويا قدم الغني وظاهر العدالة على فقير ومستور ثم يقرع ولا يقدم مسلم على ذمي في كافر والرجل والمرأة سواء فيقرع ا هـ‏.‏ ولم أر مثل هذا البيان لأصحابنا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويثبت نسبه من واحد‏)‏ استحسانا لاحتياجه إليه أطلقه فشمل الملتقط وغيره والقياس أن لا يقبل دعوى غيره لأنه يتضمن إبطال حق الملتقط وجه الاستحسان أنه إقرار للصبي بما ينفعه لأنه يتشرف بالنسب ويعير بعدمه ولو ادعاه الملتقط قيل يصح قياسا واستحسانا والأصح أنه على القياس والاستحسان لكن وجه القياس هنا غير وجه القياس في دعوى غير الملتقط فوجهه في دعوى غير الملتقط تضمن إبطال حق الملتقط ووجهه في دعوى الملتقط تناقض كلامه وتمامه في النهاية وأفاد بثبوت النسب بدعوى غير الملتقط أن يكون أحق بحفظه من الملتقط ضرورة ثبوت النسب وكم من شيء يثبت ضمنا ولا يثبت قصدا وهو الأصح وأطلقه عن البينة فشمل ما إذا لم يبرهن استحسانا لما فيه من النظر من الجانبين والقياس أن لا يثبت إلا ببينة وهذا إذا لم يظهر كذبه ولذا قال في الظهيرية لو انفرد رجل بالدعوى وقال هو غلام فإذا هو جارية أو قال هو جارية فإذا هو غلام لا يقضى له أصلا ا هـ‏.‏ وهذا كله حالة الحياة أما بعد الموت فقال في الخانية وإذا مات اللقيط وترك مالا أو لم يترك فادعى رجل بعد موته أنه ابنه لا يصدق إلا بحجة ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن اثنين‏)‏ أي ويثبت نسبه من اثنين إذا ادعياه معا ولا مرجح لاستوائهما في السبب وقيده في الخانية بأن يقول كل واحد منهما هو ولدي من جارية مشتركة بينهما قيد بالاثنين لأن فيما زاد على الاثنين اختلافا فروي عن الإمام أنه جوز إلى خمسة وقال أبو يوسف يثبت من اثنين ولا يثبت من أكثر من ذلك وقال محمد أجوز الثلاثة ولا أجوز أكثر من ذلك كذا ذكره الإسبيجابي ولم أر توجيه هذه الأقوال وقيد بدعوى الرجل لأن المدعي لو كان امرأة ادعت أنه ابنها فإن صدقها زوجها أو شهدت لها القابلة أو قامت البينة صحت دعوتها وإلا فلا لأن فيه حمل نسب الغير على الغير وأنه لا يجوز ولو ادعت امرأتان وأقامت إحداهما البينة فهي أولى به وإن أقامتا جميعا فهو ابنهما عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف لا يكون لواحدة منهما وعن محمد روايتان في رواية أبي حفص يجعل ابنهما وفي رواية أبي سليمان لا يجعل ابن واحدة منهما كذا في البدائع‏.‏ واعلم أن شهادة القابلة إنما يكتفى بها فيما إذا كان لها زوج منكر للولادة أما إذا لم يكن لها زوج فلا بد من شهادة رجلين كما صرح به في الخانية وفيها لو أقامت إحداهما رجلين والأخرى امرأتين يجعل ابنا للذي شهد لها رجلان ولو ادعت امرأتان اللقيط أنه ابنهما كل واحدة منهما تقيم البينة على رجل على حدة بعينه أنها ولدته منه قال أبو حنيفة يصير ولدهما من الرجلين جميعا وقالا لا يصير ولدهما ولا ولد الرجلين ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية رجلان ادعيا نسب اللقيط وأقاما البينة وأرخت بينة كل واحدة منهما يقضى لمن يشهد له سن الصبي فإن كان سن الصبي مشتبها لم يوافق كلا من التاريخين فعلى قولهما يسقط اعتبار التاريخ ويقضى به بينهما باتفاق الروايات وأما على قول أبي حنيفة فقد ذكر خواهر زاده أنه يقضى به بينهما في رواية أبي حفص وفي رواية أبي سليمان يقضى لأقدمهما تاريخا ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية أنه يقضى به بينهما في عامة الروايات وهو الصحيح وقيدنا بكونهما ادعياه معا لأنه لو سبقت دعوة أحدهما فهو ابنه لعدم النزاع ولو ادعى الآخر بعده لا يقبل منه إلا ببينة لأن البينة أقوى كذا في الهداية ولا اعتبار بالوصف من الثاني مع سبق الأول كما في فتح القدير وقيدنا بعدم المرجح لأحدهما لأنه لو كان لأحدهما مرجح فهو أولى فيقدم الملتقط على الخارج ولو كان الملتقط ذميا والخارج مسلم لاستوائهما في الدعوى ولأحدهما يد فيحكم للذمي وبإسلام الولد ويقدم من يقيم البينة على من لم يبرهن من الخارجين والمسلم على الذمي والحر على العبد والذمي الحر على العبد المسلم ولم يذكروا من المرجح تقديم الأب على الابن وذكروه في ولد الجارية المشتركة والفرق ظاهر وأما الترجيح بالعلامة فسيأتي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن وصف أحدهما علامة به‏)‏ أي بالولد ‏(‏فهو أحق به‏)‏ يعني إذا وافقها لأن الظاهر شاهد له لموافقة العلامة كلامه قيد باللقيط لأن صاحب العلامة في اللقطة لا يترجح عند التنازع لأن الترجيح عند وجود سبب الاستحقاق وقد وجد في اللقيط وهو الدعوة دون اللقطة وكذا لو تنازع خارجان عينا في يد ثالث وذكر أحدهما علامة فإنه لا ترجيح له وقيدنا بالموافقة لأنه لو وصف أحدهما العلامة ولم يصب فلا ترجيح وهو ابنهما وكذا لو وصف أحدهما وأصاب في البعض وأخطأ في البعض فهو ابنهما وإن وصفا ولم يصب واحد منهما فهو ابنهما ولو وصفا وأصاب أحدهما دون الآخر قضى للذي أصاب كذا في الظهيرية ثم اعلم أن العلامة مرجحة عند عدم مرجح أقوى منها فيقدم ذو البرهان على ذي العلامة والمسلم على الذمي ذي العلامة وظاهر ما في فتح القدير تقديم ذي اليد على الخارج ذي العلامة وينبغي تقديم الحر على العبد ذي العلامة فعلم أنها أضعف المرجحات وفي التتارخانية وإذا ادعى اللقيط رجلان ادعى أحدهما أنه ابنه والآخر أنه ابنته فإذا هو خنثى فإن كان مشكلا قضي به بينهما وإن لم يكن مشكلا حكم به لمن ادعى أنه ابنه ا هـ‏.‏ وفيها عن القدوري لو شهد للمسلم ذميان وللذمي مسلمان قضي به للمسلم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن ذمي وهو مسلم إن لم يكن في مكان أهل الذمة‏)‏ أي يثبت النسب من ذمي عند عدم دعوى مسلم ويكون اللقيط مسلما إن لم يكن في مكان أهل الذمة وهذا استحسان لأن دعواه تضمن النسب وهو نافع للصغير وإبطال الإسلام الثابت بالدار وهو يضره فصحت دعوته فيما ينفعه دون ما يضره والمراد من مكان أهل الذمة قرية من قراهم أو بيعة أو كنيسة قال في الهداية وهذا الجواب فيما إذا كان الواجد ذميا رواية واحدة‏.‏ وإن كان الواجد مسلما في هذا المكان أو ذميا في مكان المسلمين اختلفت الرواية فيه ففي كتاب اللقيط اعتبر المكان لسبقه وفي كتاب الدعوى في بعض النسخ اعتبر الواجد وهو رواية ابن سماعة عن محمد لقوة اليد ألا ترى أن تبعية الأبوين فوق تبعية الدار حتى إذا سبى مع الصغير أحدهما يعتبر كافرا وفي بعض نسخه اعتبر الإسلام نظرا للصغير وفي النهاية حاصلها على أربعة أوجه أحدها أن يجده مسلم في مكان المسلمين فهو مسلم ثانيها أن يجده كافر في مكانهم فهو كافر ثالثها أن يجده كافر في مكان المسلمين رابعها عكسه ففيه روايتان ففي كتاب اللقيط العبرة للمكان فيهما وفي رواية ابن سماعة العبرة للواجد فيهما وفي فتح القدير ولا ينبغي أن يعدل عما في بعض النسخ من اعتبار الإسلام أي ما يصير الولد به مسلما نظرا للصغير ا هـ‏.‏ وظاهر كلام المصنف أنه إنما يعتبر مكان أهل الذمة إذا كان الواجد ذميا ومفهومه أن يكون مسلما في الصور الثلاث ذميا في صورة واحدة ولا يعدل عنه كما ذكرنا وفي كفاية البيهقي قيل يعتبر بالسيما والزي لأنه حجة قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏تعرفهم بسيماهم‏}‏ وقال ‏{‏يعرف المجرمون بسيماهم‏}‏ وفي المبسوط كما لو اختلط الكفار يعني موتانا بموتاهم فإنه يعتبر بالزي والعلامة ولو فتحت القسطنطينية فوجد فيها شيخ يعلم صبيانا حوله القرآن يزعم أنه مسلم يجب أن يؤخذ بقوله كذا في فتح القدير‏.‏ وذكر في الخانية الروايات الأربع وصرح في المختار بأن ظاهر الرواية اعتبار المكان وفي الخانية ولو أدرك اللقيط كافرا فإن كان الملتقط وجده في مصر من أمصار المسلمين فإنه يحبس ويجبر على الإسلام استحسانا واختلفوا في موضع القياس والاستحسان قال بعضهم القياس والاستحسان في قتله إذا لم يسلم في القياس يقتل وفي الاستحسان لا يقتل وقال بعضهم الاستحسان والقياس في الجبر على الإسلام في القياس لا يجبر على الإسلام وترك على الكفر بالحرية وفي الاستحسان يجبر على الإسلام ولا يترك على الكفر وهو الصحيح ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن ابن الذمي اللقيط إنما يكون مسلما إذا لم يقم بينة أنه ابنه فإن برهن بشهود مسلمين قضي له به وصار تبعا له في دينه وإن أقام بينة من أهل الذمة لا يكون ذميا لأنا حكمنا بإسلامه فلا يبطل هذا الحكم بهذه البينة لأنها شهادة قامت في حكم الدين على مسلم فلا تقبل كذا في الخانية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن عبد وهو حر‏)‏ أي يثبت نسبه من عبد ادعى أنه ابنه لأنه ينفعه وكان حرا لأن المملوك قد تلد له الحرة فلا تبطل الحرية الظاهر بالشك وقدمنا أن الحر في دعوته اللقيط أولى من العبد كما أن المسلم أولى من الذمي ترجيحا لما هو الأنظر في حقه أطلق في قوله وهو حر فشمل ما إذا قال العبد هو ابني من زوجتي وهي أمة فصدقه مولاها لأنه حر باعتبار الأصل فلا تبطل الحرية بتصادق العبد وسيدها وهذا قول محمد وقال أبو يوسف يكون عبدا لسيدها لأن الأمة أمه فإذا ثبت النسب منها ثبت ما هو من ضروراته وهو الرق إذ يستحيل أن يكون المولود بين رقيقين حرا بخلاف الذمي على ما بينا قلنا لا يستحيل ذلك لأنه يجوز عتقه قبل الانفصال وبعده فلا تبطل الحرية الثابتة بالدار بالشك كذا في التبيين وظاهره ترجيح قول محمد وفي آخر جامع الفصولين قيل قد يكون الولد حرا من زوجين قنين بلا تحرير ووصية وصورته أن يكون للحر ولد وهو قن لأجنبي فزوج الأب أمته من ولده برضا مولاه فولدت الأمة ولدا فهو حر لأنه ولد ولد المولى ا هـ‏.‏ وفي التبيين ولو ادعاه حران أحدهما أنه ابنه من هذه الحرة والآخر من الأمة فالذي يدعي أنه من الحرة أولى لكونه أكثر إثباتا لكونه يثبت جميع أحكام النسب ولو كانت الأمة سرية له لأنه يثبت الأحكام من جانب والآخر من جانبين فكان أولى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يرق إلا ببينة‏)‏ لأنه حر ظاهرا فإذا أقام بينة أنه عبده قبلت وكان عبده لا يقال هذه البينة ليست على خصم فلا تقبل لأن الملتقط خصم لأنه أحق بثبوت يده عليه فلا تزول إلا ببينة هنا وإنما قلنا هنا كي لا ينقض بما إذا ادعى خارج نسبه فإن يده تزول بلا بينة على الأوجه والفرق أن يده اعتبرت لمنفعة الولد وفي دعوى النسب منفعة تفوق المنفعة التي أوجبت اعتبار يد الملتقط فتزال لحصول ما يفوق المقصود من اعتبارها وهنا ليس دعوى العبدية كذلك بل هو بما يضره لتبديل صفة المالكية بالمملوكية فلا تزال إلا ببينة ويشترط في قبولها إسلامهم لأنه مسلم بالدار وباليد فلا يحكم عليه بشهادة الكفار إلا إذا اعتبر كافرا بوجوده في موضع أهل الذمة على ما بينا وفي المحيط وإن ادعى الملتقط أنه عبده إن لم يقر بأنه لقيط فالقول قوله لأن الصغير في يده وإن أقر أنه لقيط لا يصدق في دعواه إلا ببينة قيد بالبينة لأنه لا يرق بإقراره لمدعيه فلو صدقه اللقيط قبل البلوغ لا يسمع تصديقه لأنه يضر به نفسه بعد الحكم بالحرية بخلاف ما إذا كان صغيرا في يد رجل فادعى أنه عبده وصدقه الغلام فإنه يكون عبدا له وإن لم يدرك لأنه لم يعرف إلا في يده وإن رد لا يصح لقيام يده من وجه وإن بلغ فأقر أنه عبد فلان وفلان يدعيه إن كان قبل أن يقضي عليه بما لا يقضى به إلا على الأحرار كالحد الكامل ونحوه صح إقراره وصار عبدا لأنه غير متهم فيه وإن كان بعد القضاء بنحو ذلك لا يقبل ولا يصير به عبدا لأن فيه إبطال حكم الحاكم ولأنه مكذب في ذلك شرعا فهو كما لو كذبه الذي أقر له بالرق‏.‏ ولو كان اللقيط امرأة فأقرت بالرق بعدما كبرت أو كان بعد التزوج صح وكانت أمة للمقر له ولا تصدق في إبطال النكاح لأن الرق لا ينافي النكاح ابتداء ولا بقاء فليس من ضرورة الحكم برقها انتفاء النكاح وإن بلغ فتزوج امرأة ثم أقر أنه عبد لفلان ولامرأته عليه صداق فصداقها لازم عليه لا يصدق في إبطاله لأنه دين ظهر وجوبه فهو متهم في إقراره وكذا إذا استدان دينا أو بايع إنسانا أو كفل كفالة أو وهب أو تصدق وسلم أو دبر أو كاتب أو أعتق ثم أقر أنه عبد فلان لا يصدق في إبطال شيء من ذلك لأنه متهم كذا في فتح القدير والخانية وزاد فيها فإذا أعتقها المقر له وهي تحت زوج لم يكن لها خيار العتق ولو كان الزوج طلقها واحدة فأقرت بالرق يصير طلاقها ثنتين لا يملك الزوج عليها بعد ذلك إلا طلقة واحدة ولو كان طلقها ثنتين ثم أقرت بالرق كان له أن يراجعها وكذلك حكم المعتدة إذا أقرت بالرق بعدما حاضت حيضتين كان له أن يراجعها في الحيضة الثالثة ا هـ‏.‏ وهكذا ذكر في المحيط وزاد فيه لو دبر اللقيط عبدا ثم أقر بالرق لآخر ثم مات عتق المدبر من ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته لمولاه لأن المقر بالرق بقي حرا في حق المدبر وقد مات ولا مال له غير المدبر فيسعى في ثلثي قيمته لمولاه لأنه يقر بذلك لمولاه ولو أن مولاه أعتقه كان المدبر على حاله غير أن خدمته للمولى وسعايته بعد موت اللقيط للمولى لأن المدبر يقر بالخدمة والسعاية للقيط وهو يقر بذلك لمولاه فصار كمن يقر للمقر له ا هـ‏.‏ وذكره في المحيط من كتاب الإقرار أيضا وزاد في باب الإقرار بالرق أن ما ولدت قبله أو بعده لأقل من ستة أشهر فهو حر لأنه عرف علوقه قبل الإقرار فلا يصدق في إبطال حريته فإن ولدته لأكثر فعند أبي يوسف هو عبد خلافا لمحمد لأن الزوج استحق عليها حرية الأولاد فلا يبطل هذا الاستحقاق بإقرارها وذكر في الزيادات لو طلقها الزوج تطليقتين وهو لا يعلم بإقرارها ملك عليها الرجعة ولو علم لا يملك وذكر في الجامع لا يملك علم أو لم يعلم قيل ما ذكره في الجامع قياس وما ذكره في الزيادات استحسان وهو الصحيح ولو اشترى مجهول الحرية عبدا فأعتقه ثم أقر بالرق فجحد المعتق وللمقر ابن كبير يجحد أيضا يصير المقر عبدا والمعتق حر على حاله فإن مات المعتق وترك مالا وعصبة فماله لعصبته فإن لم يكن له وارث غير الذي أعتقه فما له للمقر له فإن كان للميت بنت فالنصف لها والنصف للمقر له فإن جنى هذا العتيق فأرشه عليه وإن جنى عليه فهي كالجناية على المملوك وهو كالمملوك في الشهادة لأن حريته ثابتة بالظاهر لا بالدليل فصلح للدفع لا للاستحقاق ولو أعتق المقر له المقر ثم مات العتيق الأول ولا عصبة له كان ميراثه للمقر له ا هـ‏.‏ وفيه أيضا لو أقرت المنكوحة بالرق فإن أعطاها الزوج المهر قبل إقرارها برئ بعد إقرارها لم يبرأ لأن المهر صار للمقر له ا هـ‏.‏ وهو يفيد أنها أمة في حق القسم في النكاح وينبغي أن يكون تسليمها للزوج كتسليم الحرائر فلا يملك المقر له استخدامها ومنعها من السكنى مع الزوج لما فيه من الإضرار فتستحق النفقة بلا تبوئة وقيد في المحيط بجحد العتيق ولم يصرح بمفهومه وصرح في تلخيص الجامع بأنه لو صدق العتيق مولاه في إقراره بالرق يبطل عتقه لأن المنع لحقه إذ الولاء يقبل البطلان بدليل العتيقة ترتد فتسبى‏.‏ وفي التتارخانية إذا أقر أنه عبد لا يصدق على إبطال شيء كان فعله إلا النكاح لأنه لما أقر بالرق فقد زعم أن النكاح لم يصح لعدم إذن من يزعم أنه مولاه فيجب أن يؤاخذ بزعمه بخلاف المرأة لو أقرت بالرق لا يبطل نكاحها ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن وجد معه مال فهو له‏)‏ اعتبارا للظاهر وأورد عليه أنه يكفي للدفع لا للاستحقاق فلو ثبت الملك للقيط بهذا الظاهر كان الظاهر مثبتا قلنا يدفع بهذا الظاهر دعوى الغير ثم الظاهر أن تكون الأملاك في يد الملاك وكذا الظاهر يدل على أن من وضعه معه إنما وضعه لينفق عليه أطلقه فشمل ما إذا كان المال مشدودا عليه أو دابة هو مشدود عليها وإن وجد اللقيط على دابة فهي له وحكي أن لقيطة وجدت ببغداد وعند صدرها رق منشور فيه هذه بنت شقي وشقية بنت الطباهجة والقلية ومعها ألف دينار جعفرية يشترى بها جارية هندية وهذا جزاء من لم يزوج بنته وهي كبيرة وفي رواية وهي صغيرة كذا في الجوهرة وفيها لو كان المال موضوعا بقربه لم يحكموا له به ويكون لقطة ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن الدراهم والدنانير الموضوعة عليه له لدخولها تحت قولهم معه مال وينبغي أن تكون الدراهم التي فوق فراشه أو تحته له كلباسه ومهاده ودثاره بخلاف ما إذا كان مدفونا تحته ولم أره كما لم أر حكم ما إذا وجد في دار فيها وحده أو بستان هل يكونان له وصرح في روض الشافعية بأن الدار له وفي البستان وجهان ولم يذكر المصنف إنفاق الملتقط عليه من ماله قال في الهداية ثم يصرفه الواجد إليه بأمر القاضي لأنه مال ضائع وللقاضي ولاية صرف مثله إليه وقيل يصرفه بغير أمر القاضي لأنه للقيط ظاهرا وله ولاية الإنفاق وشراء ما لا بد منه كالطعام والكسوة لأنه من الإنفاق ا هـ‏.‏ وكذا الغير الواجد بأمر القاضي والقول قوله في نفقة مثله وينبغي أن يشترط إذن القاضي إن أمكن وإلا يكفي الإشهاد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يصح للملتقط عليه نكاح وبيع وإجارة‏)‏ أما النكاح فلانعدام سبب الولاية من القرابة والملك والسلطنة وأما تصرفه في ماله بالبيع وغيره فبالقياس على الأم لأن ولاية التصرف لتثمير المال وذلك يتحقق بالرأي الكامل والشفقة الوافرة فلا بد من اجتماعهما والموجود في كل واحد منهما أحدهما وأما الإجارة ففيها روايتان فرواية القدوري أنه يؤجره وفي رواية الجامع الصغير أنه لا يجوز أن يؤجره كذا ذكره في الكراهية وهي الأصح وجه الأول أنه يرجع إلى تثقيفه وجه الثاني أنه لا يملك إتلاف منافعه فأشبه العم بخلاف الأم فإنها تملك الاستخدام فتملك الإجارة وقدمنا أن ولاية التصرف عليه في ماله ونفسه للسلطان وأنه لو جعل الولاية للملتقط جاز وفي منظومة ابن وهبان لو قرر القاضي ولاء للملتقط صح التقرير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويسلمه في حرفة‏)‏ لأنه من باب تثقيفه وحفظ ماله والحرفة الصنعة والتثقيف تقويم المعوج بالثقاف وهو ما يسوى به الرماح ويستعار للتأديب والتهذيب كذا في النهاية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويقبض هبته‏)‏ لأنه نفع محض ولهذا يملكه الصغير بنفسه إذا كان عاقلا وتملكه الأم ووصيها ولم يذكر ختانه قال في الخانية فليس له أن يختنه فإن فعل ذلك وهلك كان ضامنا ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة لو أمر الملتقط الختان فختنه ضمن الملتقط لأنه ليس له ولاية ختانه فصار بهذا الأمر جانيا ولا يضمن الختان قيل هذا إذا لم يعلم الختان بكونه ملتقطا فإن علم ضمن ا هـ‏.‏ وقدمنا أنه له ولاية نقله إلى حيث شاء وينبغي أن ليس له نقله من مصر إلى قرية أو بادية والله أعلم بالصواب‏.‏